تعيش إثيوبيا حالة من الاستقطاب على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية على مدار السنوات السبع الماضية؛ منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2015م ضد سياسات الحكومة الفيدرالية، واستمرت الضغوط الشعبية على النظام الحاكم السابق وسط مخاوف من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية في ضوء سلسلة الصراعات العرقية المتصاعدة بين القوميات والأقاليم الإثيوبية نتيجة إخفاق الحكومات المتعاقبة في إدارة قضية التعدد العرقي المعقدة في الداخل الإثيوبي؛ بسبب اختلاف الرؤى بالنسبة لقادة البلاد خلال المراحل الزمنية المختلفة.
وبالرغم من سقوط نظام هيلي ماريام ديسالين في فبراير 2018م، وصعود آبي أحمد، رئيس الوزراء الحالي، إلى الحكم في أبريل من نفس العام، ومساعيه للمُضي قُدمًا نحو نظام أكثر مركزية من خلال إجراء العديد من الإصلاحات خلال فترة ولايته الانتقالية الأولى؛ إلا أنه لم يفلح هو الآخر في إدارة معضلة التعدُّد الإثني في البلاد، خاصةً أنه ورَّط بلاده في حرب تيجراي في نوفمبر 2020م التي كادت أن تعصف بوحدة الدولة الإثيوبية؛ لولا حصوله على الدعم الإقليمي والدولي اللوجستي الذي أعاد موازين القوة لصالحه قبل وقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة في شمال البلاد.
ومع إعلان حكومة آبي أحمد نيّتها البدء في حوار وطني إثيوبي لتسوية الأزمات الداخلية في البلاد، واتخاذ بعض الإجراءات في اتجاه عقد هذا الحوار، إضافة إلى توقيع اتفاقي بريتوريا ونيروبي في نوفمبر 2022م لإنهاء الصراع الإثيوبي الدائر منذ نوفمبر 2020م؛ تظل المخاوف قائمة من انتكاسة تعود بالبلاد للمربع الأول، ويترتب عليها تجدُّد الصراعات الداخلية في البلاد، مما يُهدّد مستقبل ووحدة الدولة الإثيوبية خلال الفترة المقبلة.
وتحاول هذه الدراسة الإجابة عن تساؤل رئيسي: ما هو مستقبل الدولة الإثيوبية في مرحلة ما بعد اتفاق بريتوريا؟
أولًا- أزمة الفيدرالية في إثيوبيا وخريطة الصراعات الداخلية
تُعدّ الانقسامات التي شهدتها إثيوبيا على مدار العقود الثلاثة الأخيرة نتيجة حتمية لإخفاق الحكومات المتعاقبة في إدارة مسألة التنوع الإثني في البلاد، لا سيما أن البلاد تُمثل مظلة لأكثر من 80 جماعة إثنية مختلفة. فقد تسبّب القادة الإثيوبيون في إثارة التوترات الإثنية في أنحاء البلاد خلال السنوات الماضية، على الرغم من أن ميلس زيناوي، رئيس الوزراء الأسبق، قد تبنَّى نظام الفيدرالية الإثنية في عام 1995م باعتباره حلًّا ناجعًا لمشكلة التنوع الإثني في البلاد، ويسهم في الحد من التوترات والصراعات الإثنية التي تشهدها معظم الأقاليم الإثيوبية، وإن كان الواقع يعكس خلاف ذلك. فلا يزال هناك أكثر من 13 مجموعة عرقية إثيوبية تطالب إمَّا بمزيد من الحكم الذاتي أو الانفصال الذي تكفله المادة (39) من الدستور الفيدرالي الإثيوبي. وهو ما يعكس حجم الأزمات الداخلية التي شهدتها إثيوبيا خلال السنوات السابقة، ولا تزال تعاني منها حتى وقتنا الحاضر.
1- التعدد الإثني في إثيوبيا ومؤشرات تراجع الفيدرالية الإثنية
يتميز المجتمع الإثيوبي بالتنوع في تركيبته الإثنية والاجتماعية واللغوية والدينية؛ فهو يتكون من حوالي 85 جماعة عرقية أو أكثر، يعيشون في أحد عشر إقليمًا في البلاد، كما أن هناك أكثر من 100 لغة مُتداوَلة في البلاد. في حين تعد الأمهرية هي اللغة الرسمية هناك. إلى جانب وجود الدين المسيحي والإسلامي وبعض الديانات التقليدية. وتتوزع أبرز الجماعات العرقية الرئيسية في إثيوبيا على ثلاثة أصول؛ هي: الأصول السامية التي تضم قوميات أمهرة، وتيجراي، وكوراج. والأصول الحامية التي تضم قوميات الأورومو، والصوماليين، والعفر، وسيدامو. أما الأصول الزنجية فتضم قوميات الأنواك والنوير والجوما والبرتا.
وتتمثل أبرز الجماعات الرئيسية في البلاد فيما يلي:
أ-قومية الأورومو: وهي تتركّز في وسط إثيوبيا في إقليم أوروميا الذي يحتضن العاصمة أديس أبابا وإقليمي سيداما وهرر، وتشكل نحو 35% تقريبًا من إجمالي سكان البلاد بحسب إحصاءات الحكومة الفيدرالية في عام 2007م، في حين يرى البعض أنها تتجاوز 50% من إجمالي سكان البلاد. مما يجعلها أكبر جماعة عرقية في البلاد. وقد كان إقليم أوروميا هو مصدر الشرارة الأولى لاندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بحكومة هيلي ماريام ديسالين في عام 2018م، ودعمت الأورومو آبي أحمد للوصول إلى السلطة قبل أن ينقلب عليها لصالح تحالفه مع أمهرة حليفه الرئيسي في الوقت الحالي.
ب-قومية الأمهرة: تتركز في إقليم أمهرة غربي البلاد، وهي ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد؛ حيث تشكل نحو 27% من إجمالي سكان البلاد. ولديها حلم استعادة الحكم في البلاد مستغلَّة علاقتها القوية مع آبي أحمد.
ج-قومية تيجراي: وهي تتركّز في إقليم تيجراي شمالي البلاد. وتشكل نحو 6.1% من إجمالي سكان البلاد([1]). وقد سيطرت جبهة تحرير تيجراي التي تحكم الإقليم على السلطة في إثيوبيا قرابة ثلاثة عقود؛ في ضوء هيمنتها على الائتلاف الحاكم السابق في البلاد، وتكتسب أهميتها من نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في البلاد على مدار السنوات السابقة.
وبالرغم من فعالية نظام الفيدرالية في إدارة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في إفريقيا، إلا أن معظم الدول الإفريقية يتراجع اهتمامها بالفيدرالية لدرجة أن البعض يصفها باللعنة في القاموس السياسي الإفريقي. فهناك 7 دول إفريقية فقط تأخذ بالنظام الفيدرالي من أصل 54 دولة في القارة، وهو ما يعكس النظرة السلبية من جانب الأفارقة تجاه الفيدرالية. والتي يمكن إرجاعها إلى سعيهم إلى تأسيس دولة قومية في إفريقيا تتجاوز مقاربة التعددية الإثنية منذ مرحلة ما بعد الاستعمار الغربي([2]).
وتُعد إثيوبيا من الدول التي طبّقت النظام الفيدرالي عقب الإطاحة بنظام مانجستو في عام 1991م، حينما تبنَّت مقاربة جديدة ترتكز على الإثنية كمبدأ تنظيمي أساسي للدولة في هيكلها السياسي. إذ حاولت الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا (الائتلاف الحاكم السابق) منذ صعودها للسلطة الحفاظ على النظام الفيدرالي للدولة الإثيوبية بهدف إدارة التعددية العرقية في البلاد باعتبارها النموذج الأمثل. إلا أنها لم تفلح في إدارة النموذج الفيدرالي الذي أضحى حجر عثرة أمام الحكومات المتعاقبة في إثيوبيا منذ تسعينيات القرن الماضي([3]).
فقد باتت الفيدرالية الإثنية تمثل أحد عوامل زعزعة الاستقرار الداخلي هناك بدلًا من كونها إحدى الوسائل لمعالجة مسألة التعدد الإثني وما يرتبط به من نزاعات وصراعات متعددة في أنحاء البلاد. الأمر الذي عزَّز استمرار الصراعات والنزاعات العرقية في البلاد في ظل تعزيز مفهوم المظلومية لدى العديد من القوميات والأقاليم الإثيوبية بسبب حالة الإقصاء السياسي وسوء توزيع السلطة والثروة وغيرها من التحديات التي فشلت الإدارات المختلفة في معالجتها على مدار السنوات الماضية([4]).
فيما عكست التطورات الجوهرية التي طرأت على المشهد العام خلال السنوات الأخيرة تراجع الفيدرالية في إثيوبيا، وتجلّى ذلك في اندلاع الصراع بإقليم تيجراي منذ نوفمبر 2020م، والذي شهد انخراط أربع قوميات إثيوبية في الصراع؛ هي: تيجراي وأمهرة وعفر وأورومو، بالإضافة إلى تورُّط عدد من الميلشيات المسلحة والقوات الخاصة لبعض الولايات الإقليمية في الحرب الإثيوبية؛ مما فاقَم المخاوف من توسيع دائرة الصراع وانزلاق البلاد نحو الحرب الأهلية.
وهو ما يتوافق مع مخاوف آبي أحمد؛ رئيس الوزراء الإثيوبي، من انهيار البلاد بسبب النظام القائم على الفيدرالية العرقية؛ حيث عبَّر عن خشيته من انهيار إثيوبيا بسببه؛ إذ يرى البعض أن اعتراف الدستور الفيدرالي بالعِرْقيات يُعدّ سببًا رئيسيًّا في انتشار الاضطرابات والصراعات على أساس عرقي في معظم أنحاء البلاد. وربما كان ذلك سببًا في إصراره على تحقيق أهدافه العسكرية من حرب تيجراي في البداية وعدم الالتفات للمناشدات الدولية والإقليمية بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مباشرة بدون شروط مسبقة، من أجل الإطاحة بخَصْمه الرئيسي في الداخل الإثيوبي؛ لكي يمضي قدمًا نحو تنفيذ مشروعه السياسي المثير للجدل حول مستقبل الحكم في إثيوبيا. والذي عبَّر عنه في فلسفة “مديمر” التي تعني التضامن في اللغة الأمهرية، والذي يتمحور حول تقويض الفيدرالية الإثنية في البلاد من أجل تبنّي نظام مركزي تنتهي معه الاختلافات القومية والنزاعات الإثنية وبناء هيكل تنظيمي مركزي واحد، لا سيما أنه يُعالج معضلة التفكك الإثني والتشتت السياسي، ويَحُول دون انخراط البلاد في الصراعات الإثنية التي تهدد بتفكك البلاد لدويلات صغيرة على أساس إثني.
وربما يدعمه في ذلك الشرعية السياسية التي اكتَسبها عقب فوز حزبه الحاكم “الازدهار” في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أُجريت في عام 2021م، وتأييد عدد من الأحزاب السياسية في بعض الأقاليم الإثيوبية مثل عفر والصومال الإثيوبي وجامبيلا وبني شنقول-جوموز وهرر للحزب الحاكم في البلاد، إضافةً إلى استعانة آبي أحمد بحليفه الرئيسي في الداخل، وهو قومية أمهرة؛ بهدف تعزيز الظهير السياسي والشعبي له لتمرير مشروعه السياسي والتصدي للمعارضين الرئيسيين له. وهو الأمر الذي قد يبرّر تحالف آبي أحمد وأمهرة ضد جبهة تحرير تيجراي في الحرب الأخيرة؛ بهدف تحييد قادة الجبهة، وتوجيه رسالة قوية إلى بقية الأقاليم الإثيوبية والمعارضة السياسية بعدم اعتراض توجُّهات النظام الحاكم بشأن مستقبل شكل النظام السياسي في البلاد، واستبعاد تورُّط الأقاليم في أيّ أعمال عدائية مستقبلية ضد الحكومة الفيدرالية.
كما تبدو رغبة آبي أحمد في تكرار تجربة حليفه الإقليمي أسياس أفورقي في إريتريا بترسيخ النموذج الأوتوقراطي في السلطة؛ من خلال فرض رؤيته السياسية حول مستقبل الحكم في إثيوبيا، والتي تضمن له الاستمرار في السلطة لسنوات قادمة.
ويسعى آبي أحمد إلى تحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية من طرحه الخاص بإلغاء الفيدرالية؛ باعتبارها شديدة الهشاشة، ولا بد من تفكيكها وإحلال نظام جديد محلها، في ظلّ حاجة إثيوبيا إلى ديمقراطية حقيقية بعيدة عن العِرْقية والقبيلة التي تُمثِّل تهديدًا وجوديًّا للدولة الإثيوبية وفق رؤيته. وتتمثل أبرز أهداف آبي أحمد في استئثاره بالسلطة والاستحواذ على جميع مفاصل الدولة، وإحكام السيطرة على المعارضة السياسية في البلاد، وضمان استمراره على رأس السلطة لأطول فترة ممكنة، وتحقيق طموحه الشخصي بتدشين حقبة سياسية جديدة في تاريخ إثيوبيا كامتداد لرئيس الوزراء الأسبق ميلس زيناوي.
بالإضافة إلى إحكام سيطرته الكاملة على الأقاليم الإثيوبية، وتحديدًا الإدارات المعارضة لسياساته منذ تسلمه للسلطة. فضلًا عن انصهار القوميات الإثيوبية تحت إدارة حزب الازدهار الحاكم، والحيلولة دون اندلاع أيّ حروب مع الحكومة الفيدرالية على غرار الحرب في إقليم تيجراي. إلى جانب التخلُّص من الدستور الفيدرالي الحالي، وبخاصة المادة 39 التي تعطي الحق للشعوب والقوميات الإثيوبية في تقرير مصيرها، لا سيما في ضوء تصاعد التوترات والصراعات الإثنية في مختلف أنحاء البلاد خلال السنوات الأخيرة.
وربما يعزّز موقفه وجود بعض التأييد الشعبي لطرحه، ففي استطلاع للرأي أجرته شبكة Afroparometer بدعم من مؤسسة Freedom House في شهري ديسمبر 2019م ويناير 2020م من خلال عينة عشوائية شملت 2400 مواطن إثيوبي، وبلغت نسبة صدقية الدراسة نحو 95%، بهدف معرفة توجُّهات الإثيوبيين بشأن إجراء تعديلات على الدستور الفيدرالي الحالي، فقد أظهرت النتائج أن 69% يؤيدون إجراء تعديلات دستورية، بينما عبَّر 18% عن رغبتهم في استمرار العمل بالدستور الحالي، ودعا 11% إلى التخلُّص كليًّا من هذا الدستور، كما أن هناك 43% قد أيَّدوا حذف المادة 39 من الدستور، بينما أيَّد 50% الاحتفاظ بالمادة. فيما رأى 92% من إجمالي العينة ضرورة إجراء استفتاء شعبي على التعديلات الدستورية، بينما رأى 7% إسناد المهمة للجنة منتخبة من قيادات سياسية([5]).
وتلقى سياسات آبي أحمد الرامية إلى إلغاء الفيدرالية معارضة مِن قِبَل بعض التحالفات الحزبية المعارضة وبعض القوميات الإثيوبية التي ترفض تغيير الدستور الفيدرالي في البلاد؛ خوفًا من افتقاد المكاسب التي تَحْظى بها الأقاليم الإثيوبية من النظام الفيدرالي القائم؛ مما يعني تجرُّدها من نفوذها في إطار توازنات القوة في الداخل الإثيوبي، وتفاديًا لسيطرة تامة محتملة لآبي أحمد على مفاصل الدولة الإثيوبية، في حالة تمرير مشروعه السياسي.
كما أن ضعف خبرات حزب الازدهار الحاكم قد يُولّد بعض المعوقات في مسيرة آبي أحمد لتمرير رؤيته بشأن القضاء على الفيدرالية لصالح مركزية الحكم والسلطة، وذلك بحكم حداثة الحزب الحاكم نسبيًا وقلة خبراته السياسية وتحالفه مع بعض الأحزاب الأخرى حديثة العهد في دائرة الحكم.
ومع ذلك، تظل فرص آبي أحمد في احتواء المعارضة السياسية قائمة؛ شريطة نجاحه في تحقيق أهدافه من الصراع في تيجراي، وما تلاه من مفاوضات لإحلال السلام وإجراء الحوار الوطني بشروطه، الأمر الذي يُعزّز فرص تمرير مشروعه السياسي، وربما ينهي العمل بالنظام الفيدرالي في البلاد.
2- خريطة الصراعات والأزمات في إثيوبيا
تشهد إثيوبيا منذ تسعينيات القرن الماضي سلسلة مستمرة من الصراعات الدائرة بين معظم القوميات العرقية في معظم أقاليم البلاد. والتي تعكس بدَوْرها تنامي المخاوف من زعزعة استقرار الدولة الإثيوبية واحتمالات انزلاقها نحو الحرب الأهلية، وما قد يترتب عليه من تهديد لوحدة الدولة الإثيوبية مستقبلًا. ولم تُفْلح الحكومات المتعاقبة في احتواء تلك التوترات برغم تبنّي نظام الفيدرالية العرقية عقب الإطاحة بنظام مانجستو في عام 1991م.
ويمكن الإشارة إلى خريطة أبرز الصراعات والنزاعات في الدولة الإثيوبية على النحو التالي:
1-الحرب في إقليم تيجراي وتبعاتها: فقد اندلعت في نوفمبر 2020م بعدما وصلت العلاقة بين آبي أحمد وقادة جبهة تحرير تيجراي إلى طريق مسدود، في ضوء التضييق على قادة الجبهة ومحاولة إقصائها من المشهد السياسي الإثيوبي، في مقابل إجراء الانتخابات الإقليمية بالإقليم في سبتمبر 2020م، وعدم الاعتراف بشرعية آبي أحمد في السلطة بعد تجاوز مدته القانونية وفقًا لما نصَّ عليه الدستور الفيدرالي.
وقد سلّطت الحرب الإثيوبية في تيجراي في مرحلةٍ ما الضوء على خطر تفكك البلاد، خاصةً مع إصرار أطراف الصراع على حَسْمه لصالحهما، وهو ما أدَّى إلى استمرار الحرب لقرابة عامين، قبل أن يصل طرفا الصراع إلى اتفاق وقف الأعمال العدائية في نوفمبر 2022م بتوقيع اتفاق بريتوريا ثم اجتماع الأطراف المعنية في نيروبي والاتفاق على إعادة دمج مقاتلي تيجراي في المجتمع وتجريدهم من أسلحتهم. ومع ذلك، هناك تخوُّفات دولية من انهيار الاتفاق المُبرَم مؤخرًا بين طرفي الصراع؛ بسبب هشاشته، وسط تحذيرات من احتمالية تجدُّد القتال في أي لحظة.
2-الصراعات الدينية: تقترن معظم النزاعات العرقية في إثيوبيا بالنزعات الدينية؛ حيث يمثل البعد الديني أحد الدوافع الرئيسية للصراعات في البلاد. ومن أبرزها: الخلاف بين الكنيسة الأرثوذكسية والبروتستانت والمسلمين، والذي يتعلق بمساعي هذه الأطراف لتعزيز النفوذ الداخلي والسيطرة على الهوية الإثيوبية. وهو سبب أدعى لاستمرار الصراعات في البلاد، فكلّ طرف من تلك الأطراف يسعى إلى زيادة أتباعه والهيمنة الثقافية. إضافة إلى الرغبة التوسعية في الأراضي المملوكة لبعض القوميات الإثيوبية، مع تزايد حركة التنصير خاصةً من جانب البروتستانت.
ويبدو التنوع الديني أكثر تعقيدًا في إثيوبيا خاصةً أن الدين غالبًا ما يرتبط بعِرْقية معينة هناك. ففي آخر إحصاء رسمي لتعداد السكان في عام 2007م، كان هناك 44% من الإثيوبيين ينتمون إلى الكنيسة الأرثوذكسية، و34% منهم ينتمون إلى الإسلام السُّنيّ، بينما 19% من إجمالي السكان ينتمون للجماعات المسيحية الإنجيلية.
وتصف الكنيسة الأرثوذكسية نفسها بأنها جوهر الهوية الإثيوبية؛ في محاولة للسيطرة عليها([6]). ويمكن القول بأن عام 2019م هو عام الصراع على أساس ديني وطائفي خاصةً بعد الهجوم على سبع كنائس وتدمير أربع منها في إقليم سيداما. وفي المقابل، تورُّط بعض الموالين للكنيسة الأرثوذكسية في تخريب عدد من المساجد وممتلكات المسلمين في إقليم أمهرة([7]).
وتشهد الكنيسة الإثيوبية في الفترة الراهنة صراعًا بسبب انشقاقات داخلية عقب تكوين مجمع مقدس في الكنيسة الفرعية بإقليم أوروميا منشق عن الكنيسة الأرثوذكسية المركزية. وهو ما أسهم في تنامي التوترات الأمنية في الإقليم بسبب المواجهات الأمنية بين السلطات الحكومية والرافضين لهذه الخطوة. كما شهدت العلاقة بين الحكومة الفيدرالية الإثيوبية والكنيسة المركزية توترًا بسبب ما اعتبرته الأخيرة تأييدًا حكوميًّا لانشقاق المجمع المقدس، وهو ما برز في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وهو ما يُنْذِر بتصعيد التوترات الدينية في البلاد.
3-التوترات العرقية: والتي تتنامى بصورة كبيرة في أنحاء إثيوبيا خلال السنوات الماضية، ما جعلها تُشكِّل تحديًا أمنيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا كبيرًا أمام الحكومات الإثيوبية. وتتعدد أسباب تلك النزاعات بين القوميات المختلفة؛ من أبرزها: الخلافات الحدودية، والصراع على الموارد، والرغبة في الهيمنة والنفوذ السياسي.
ويعد الصراع بين قوميتي تيجراي وأمهرة من أبرز الأمثلة في الوقت الراهن والمرشَّح أن يكون الصراع المحتمل القادم في البلاد؛ والذي يمثل جانبًا منه صراع على النفوذ والهيمنة في ضوء تحالف إقليم أمهرة مع الحكومة الفيدرالية للقضاء على قادة جبهة تحرير تيجراي التي تمثل العدو التاريخي لقادة أمهرة. بينما يمثل الجانب الآخر، صراع السيطرة والسيادة على بعض المناطق في غرب تيجراي التي استطاعت قوات إقليم أمهرة استعادتها عقب اندلاع الحرب في تيجراي باعتبارها أرضًا محتلة مِن قِبَل جبهة تيجراي لقرابة ثلاثة عقود ماضية.
أضف إلى ذلك العديد من النزاعات بين القوميات الإثيوبية في المناطق الإثيوبية المختلفة، مثل أوروميا وتيجراي وبني شنقول-جوموز وعفر والإقليم الصومالي الإثيوبي، وأمهرة في مناطق جنوب ولو، ومنطقة أورومو الخاصة، وشيوا الشمالية([8]). وهو ما يُشكِّل تهديدًا مستمرًّا للدولة الإثيوبية خلال المرحلة المقبلة.
فقد تبادل قوميتا أورومو وأمهرة الاتهامات بشأن تورط القوات الخاصة بأوروميا وميلشيا فانو في سقوط مئات القتلى من الأمهرة في المنطقة. إضافةً إلى تصعيد جيش تحرير أورومو الهجمات في بعض المناطق، لا سيما أوروميا وأمهرة، ففي يونيو 2022م سقط أكثر من 250 شخصًا من قومية أمهرة في أوروميا؛ بسبب القتال العنيف من جانب عناصرها، فيما أعلنت مفوضية حقوق الإنسان مقتل نحو 60 شخصًا في أوروميا في سبتمبر 2022م. وقد اتهم حزب الازدهار الحاكم في أبريل 2021م قوات أمهرة بالتورط في عمليات تطهير عرقي ضد شعب أورومو في شمال شيوا. وفي يناير 2021م، اندلع صراع في منطقة كيميس Kemise في منطقة أورومو الخاصة بإقليم أمهرة بين مقاتلي جيش تحرير أورومو وميلشيات أمهرة، مما أدَّى إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين أفضت إلى سيطرة مقاتلي جيش أورومو على بعض البلدات في مارس 2021م. وفي عام 2020م، اندلعت سلسلة من أعمال العنف العرقية في مناطق عدة بإقليم أوروميا مثل أوروميا الوسطى والشرقية ومناطق شرق أرسي وغربها ومناطق شيوا الشرقية؛ حيث دار قتال بين جبهة تحرير أورومو والقوات الحكومية، مما أسفر عن مقتل 178 شخصًا، واعتقال 9000 آخرين([9]).
4-اتساع نطاق أعمال العنف في أنحاء البلاد: والتي أضحت سمة سائدة في المشهد الأمني الإثيوبي خلال السنوات الأخيرة، وذلك لأسباب عدة؛ من أبرزها: تزايد التوترات العرقية بين القوميات المختلفة، والخلافات الحدودية، إضافة إلى تنامي دور الحركات المسلحة في البلاد عقب اندلاع الحرب في تيجراي في ضوء عمليات الحشد من جانب جميع الأطراف، والتي تورطت في العديد من العمليات التي أسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، وعزَّزت حالة الاستقطاب السياسي والأمني في البلاد. فضلًا عن تزايد المخاوف من نشوب حرب أهلية شاملة في أنحاء البلاد. فقد بلغ عدد حوادث العنف في البلاد في الفترة بين أبريل 2018م ويوليو 2021م نحو 1628 حادثة، مما أسفر عن مقتل 13 ألف شخص تقريبًا([10]).
كما تسبَّبت بعض سياسات السلطات الإثيوبية في تزايد نشاط المعارضة المسلحة، لا سيما بعد اعتقال عدد من رموز المعارضة في البلاد خلال العامين الماضيين؛ مثل جوهر محمد، وبكيلي جربا، زعيما حزب جبهة تحرير أورومو، بالإضافة إلى تورُّط السلطات الإثيوبية في استهداف المعارضة السياسية. وقد برزت بعض الأقاليم التي شهدت تناميًا في أعمال العنف خلال الفترة الأخيرة؛ مثل أقاليم: تيجراي وعفر وأمهرة وأوروميا وبني شنقول-جوموز، مما يهدّد باستمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد.
5-الخلافات الحدودية بين الأقاليم الإثيوبية: وهي أحد أبرز أسباب الصراعات التي تُشكِّل تهديدًا للاستقرار الداخلي في إثيوبيا، لا سيما أنها تضرب جميع الأقاليم الإثيوبية دون استثناء، وفي الغالب تتخذ شكل المواجهات العسكرية، مما يسفر عن سقوط العديد من القتلى ونزوح الآلاف من المواطنين، خاصةً في ظلّ التداخل الإثني بين الأقاليم الإثيوبية عند الحدود بينها. وتتمتع هذه الصراعات التاريخية بالاستمرارية برغم ما يُبذَل من جهود التفاوض لتسويتها. وتتعدد الأمثلة في هذا الصدد مثل الخلافات بين الإقليم الصومالي الإثيوبي وإقليم أوروميا على الموارد والأراضي الزراعية، والتوترات الحدودية بين إقليمي عفر والصومال الإثيوبي على الأراضي المتنازع عليها مما تسبَّب في منع إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي انعقدت في عام 2021م في 30 مركز اقتراع بالمنطقة. إلى جانب النزاع بين إقليمي هرر والصومال الإثيوبي على الموارد والأراضي الزراعية، ما يثير الاشتباكات المسلحة بين الطرفين([11]). فضلًا عن الصراع بين إقليمي تيجراي وأمهرة على الأراضي في غرب تيجراي التي استولت عليها إدارة إقليم أمهرة، والتي كانت تشترط جبهة تحرير تيجراي استردادها من إقليم أمهرة كأحد الشروط المسبقة للدخول في حوار مع الحكومة الفيدرالية من أجل تسوية الصراع الدائر في البلاد، قبل أن تتجاوزه لتنخرط في الاتفاق الأخير ببريتوريا عقب ضغوط أمريكية([12]).
6-النزعات الانفصالية في الداخل الإثيوبي: والتي تدعمها المادة 39 من الدستور الفيدرالي التي تمنح الحق للقوميات الإثيوبية في تقرير المصير، أو إمكانية تأسيس إقليم ذاتي تحت المظلة الفيدرالية الإثيوبية. وتظل هذه المادة مصدر تهديد للاستقرار الداخلي في البلاد، وتتخوَّف حكومة آبي أحمد منذ صعودها للسلطة في عام 2018م من تعقُّد الصراعات والنزاعات العرقية في البلاد، وربما تطور الأمر إلى تفعيل بعض القوميات للمادة 39 من الدستور، مما يهدّد وحدة الدولة الإثيوبية.
فقد أعلنت جبهة تحرير ألاقو في أغسطس 2021م انفصال محافظة واج حمرا عن إقليم أمهرة من طرف واحد([13])، وقامت بتشكيل إدارة مؤقتة في المنطقة، مع إنزال علم إقليم أمهرة، ورفع علم الجبهة([14]). كما طالبت منطقة ولايتا في جنوب إثيوبيا بالحكم الذاتي، خاصةً بعد نجاح قومية سيداما في إقامة إقليمها الذاتي. ومع أن مجلس ممثلي منطقة ولايتا قد صوَّت بالإجماع لصالح الحكم الذاتي في 19 ديسمبر 2018م؛ إلا أن الحكومة الإثيوبية لم تستجب لها، مما أدى إلى انطلاق بعض التظاهرات في المنطقة([15]). كما أُجري استفتاء في جنوب إثيوبيا في فبراير 2023م لتأسيس إقليم ذاتي جديدة من المتوقع أن يطلق عليه اسم “منطقة جنوب إثيوبيا” في حال أصبحت الإقليم الثاني عشر في البلاد، بعد انضمام ولايتين جديدتين هي سيداما في عام 2019م وجنوب غرب إثيوبيا في عام 2021م.
واستطاع إقليم جنوب غرب إثيوبيا إقامة إقليم ذاتي يضم ست مناطق بعد موافقة المجلس الاتحادي في 30 سبتمبر 2020م. وهو ما دفَع بعض القوميات الإثيوبية للسعي نحو الحصول على الحكم الذاتي مثل قومية قيمانت Qemant في إقليم أمهرة وقوميتي Gamo وOmotic([16])، وهو ما ترتب عليه اندلاع بعض الاشتباكات المسلحة، واتهام قادة أمهرة لقادة قيمانت بتلقي الدعم من جبهة تيجراي بهدف إثارة النزعة الانفصالية([17]).
7-تنامي نشاط الحركات المسلحة الإثيوبية: حيث أفضت سياسات نظام آبي أحمد تجاه الصراع في إقليم تيجراي، وإعلانه في مايو 2021م جبهة تحرير تيجراي وجيش تحرير أورومو تنظيمين إرهابيين في البلاد إلى تخلّي بعض الحركات المسلحة عن اتفاقات السلام التي وقَّعتها مع آبي أحمد فور وصوله للسلطة في عام 2018م([18]). خاصة أنها تعتبر تلك السياسات بمثابة انقلاب عليها من جانب حكومة آبي أحمد. كما أن إجراءات السلطات الإثيوبية ضد إقليم أوروميا وتورطها في بعض الاعتقالات وأعمال العنف في بعض المناطق بالإقليم قد شجّعت جيش تحرير أورومو على القيام بعمليات انتقامية من القوات الإثيوبية، وإشاعة الفوضى في عدد من المناطق بالإقليم، ومهاجمة بعض الأقاليم المجاورة.
وفي إقليم أمهرة، حاولت السلطات الأمنية احتواء نشاطات ميلشيا فانو؛ حيث اعتقلت العشرات من عناصرها، وهو ما أدَّى إلى تفاقم السخط الشعبي ضد الحكومة الفيدرالية في إقليم أمهرة خلال الفترة الماضية. ويثير تحركات العديد من الحركات المسلحة في الداخل الإثيوبي القلق بشأن غياب الاستقرار الأمني، والذي قد يؤثر بدوره على شعبية آبي أحمد لدى الرأي العام الإثيوبي، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية التي يعانيها الاقتصاد الإثيوبي منذ اندلاع حرب تيجراي في عام 2020م([19]).
8-التهديدات الأمنية الخارجية: فقد عززت حرب تيجراي في شمال البلاد حالة الضعف الأمني في إثيوبيا بالرغم من محاولة السلطات الإثيوبية تصدير صورة مغايرة للمجتمع الدولي([20]). ودلل عليه نجاح عناصر حركة الشباب المجاهدين الصومالية في اختراق العمق الإثيوبي في يوليو 2022م عبر إقليم الصومال الإثيوبي في شرق البلاد بهدف فتح جبهة قتال جديدة في إثيوبيا، وتأسيس معاقل لها في جنوب شرق إثيوبيا، والانضمام إلى جيش تحرير أورومو لمواجهة الحكومة الفيدرالية من خلال التمركز في بعض المناطق الواقعة بين إقليمي الصومال الإثيوبي وأوروميا؛ تمهيدًا لإنشاء قواعد عسكرية لتكون قادرة على ضرب العمق الإثيوبي، والتمدد إلى بعض دول الجوار الإقليمي.
وذلك بالرغم من إعلان الحكومة الإثيوبية القضاء على عناصر الحركة، في الوقت الذي تؤكد فيه تقارير على استمرار عناصر الحركة في الداخل الإثيوبي. الأمر الذي قد يدفع نحو تشكيل تحالفات إرهابية في الداخل الإثيوبي، مما يعني استمرار تهديد العمق الإثيوبي بمزيد من الاضطراب الأمني، وتُمثل بدَوْرها تهديدًا واضحًا لأمن واستقرار البلاد بشكل خاصّ ومنطقة القرن الإفريقي بشكل عام.
ثانيًا- دينامية التفاعلات الداخلية في إثيوبيا
شهدت إثيوبيا على مدار السنوات الماضية العديد من التفاعلات التي اقترنت بجملة التحديات ذات السمات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، والتي عززت حالة عدم الاستقرار في البلاد. وبرغم بعض التحولات الرئيسية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأربع الماضية، لا يزال السياق العام في المشهد الإثيوبي يتَّسم بمزيد من الاضطراب والتعقُّد في ضوء موجة الأزمات والصراعات متعددة الأبعاد والاتجاهات التي تواجهها البلاد.
1- السياق الحاكم في الداخل الإثيوبي
يتسم المشهد العام في إثيوبيا بدرجة كبيرة من التعقيد، وسيطرة حالة اللايقين السياسي على السياق العام في البلاد، لا سيما منذ اندلاع الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي بين آبي أحمد وحلفائه في الداخل والخارج من جهة، وجبهة تحرير تيجراي من جهة أخرى، والتي استمرت قرابة عامين، مما عزَّز حالة الاستقطاب السياسي والأمني على الساحة الإثيوبية. وذلك بالرغم من توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في نوفمبر 2022م؛ إلا أن المخاوف تتزايد حول مخاطر العودة للمربع الأول وتجدُّد الصراعات في البلاد.
وبشكل عام، يمكن فهم ديناميات السياق الداخلي في المشهد الإثيوبي؛ من خلال رصد وتحليل أبرز ملامحه على النحو التالي:
أ- السياق السياسي:
بالرغم من حالة التفاؤل التي سادت الرأي العام الإثيوبي عقب صعود آبي أحمد للسلطة في البلاد، وما تلاه من إجراءات إصلاحية أجراها في العديد من مؤسسات الدولة؛ إلا أنه سرعان ما تحوّل هذا التفاؤل إلى حالة من القلق لدى قطاع عريض من النخبة السياسية في البلاد، بسبب سياسات آبي أحمد التي اعتبرها البعض، لا سيما قومية أورومو، بمثابة انقلاب عليها لصالح تحالفه الجديد مع قومية أمهرة، بينما ارتأت جبهة تحرير تيجراي تلك الإصلاحات من منظور حرص آبي على إقصائها من المشهد الإثيوبي، وتشويه صورة قياداتها لدى الرأي العام الإثيوبي، لا سيما بعدما طالت معظمهم اتهامات بالفساد أسفرت عن إعفاء الكثير من مناصبهم وسجن البعض الآخر.
لذلك، أضحى المشهد السياسي الإثيوبي متأزّمًا في ضوء التحديات التي باتت تشكل عبئًا وضغطًا على حكومة آبي أحمد مثل تزايد التوترات العرقية والخلافات الحدودية بين الأقاليم الإثيوبية، وتصاعد أعمال العنف في بعض المناطق الإثيوبية، بالإضافة إلى استمرار تداعيات حرب تيجراي، إلى جانب تآكل اتفاقات السلام التي وقَّعها آبي أحمد مع بعض الحركات المسلحة المعارضة، وتوتُّر العلاقات بين نظام آبي أحمد وبعض الأطراف الدولية والإقليمية مثل الولايات المتحدة -في مرحلة الصراع- ومصر والسودان، الأمر الذي يهدّد بمزيد من التدهور على الصعيدين الأمني والاقتصادي، مما يعزّز زعزعة الاستقرار الداخلي في البلاد.
ويمكن الإشارة إلى أبرز الملامح الأساسية للسياق العام الذي شهدته الساحة السياسية الإثيوبية خلال السنوات الأربع الأخيرة على النحو التالي:
الإعلان عن قيام حزب الازدهار الحاكم: والذي تأسس في عام 2019م بزعامة رئيس الوزراء آبي أحمد، وذلك على أنقاض الجبهة الديمقراطية الثورية للشعوب الإثيوبية (الائتلاف الحاكم السابق)، وهو ما قابلته بعض الأطراف السياسية بالرفض، لا سيما جبهة تحرير تيجراي التي رفضت الانضمام إلى الحزب الوليد([21]). وقد شكّل قيام الحزب نقطة تحوُّل رئيسية في المشهد الإثيوبي المعقَّد؛ حيث أثار المزيد من التوترات بين الحكومة الفيدرالية وبعض القوميات الرافضة لتلك السياسات([22]). فيما عزَّز الحزب نفوذه الداخلي عقب خوضه للانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2021م ونجاحه في حصد الأغلبية المطلقة في البرلمان الإثيوبي، وما ترتب على ذلك من تشكيله للحكومة الإثيوبية الجديدة([23])، ليصبح أول حزب يفوز بالانتخابات التشريعية في إثيوبيا برغم حداثة نشأته، وهو ما مثَّل فرصة لتعزيز سلطة وشرعية آبي أحمد السياسية في البلاد، وإحكام سيطرته على المشهد العام في إثيوبيا، وربما تسمح له بالمضي قدمًا نحو تنفيذ مشروعه السياسي.
إقصاء خصوم آبي أحمد: حاول آبي أحمد منذ وصوله للسلطة الاستئثار بالسلطة عبر محاولات للتخلُّص من خصومه السياسيين؛ تمهيدًا لتنفيذ مشروعه السياسي الذي برزت معالمه في ولايته الأولى الانتقالية. فقد شرع آبي أحمد في إقصاء بعض القوى السياسية المُنافِسة له مثل الأورومو وتيجراي، وذلك باستثناء قومية أمهرة التي تُعدّ الحليف الرئيسي له. كما شرعت السلطات الإثيوبية في اعتقال عدد من رموز المعارضة السياسية في البلاد؛ مثل بعض قادة أورومو، إضافة إلى التضييق على بعض الأحزاب السياسية ذات التوجه الفيدرالي مثل جبهة تحرير أورومو ومؤتمر أورومو الفيدرالي.
كما شرع آبي أحمد في تبنّي تكتيكات استبدادية ضد المعارضة السياسية في البلاد تمثلت في اعتقال بعض رموز المعارضة، والحد من حرية وسائل حرية الإعلام في مواجهة أعمال العنف المتنامي في أقاليم مختلفة، إضافةً إلى الانخراط في الصراع الممتد بشمال إثيوبيا، ومساعيه المستمرة لتوسيع السلطة الفيدرالية على حساب الولايات الإقليمية؛ بهدف تعزيز المركزية في الحكم، وتقليص سلطات حكومات الأقاليم، وهو ما يبرّر قيام حزب الازدهار الحاكم في عام 2019م([24]).
صراع الرؤى حول مستقبل النظام السياسي الإثيوبي: فهناك انقسام حول شكل النظام السياسي في إثيوبيا. إذ يرى اتجاه يضم آبي أحمد ونُخب أمهرة وبعض النخب الحضرية ضرورة إعادة النظام المركزي في البلاد، ويحمل شعار “اجعل إثيوبيا عظيمة مرة أخرى”، ويعتبر الفيدرالية أحد الأسباب الرئيسية لجميع المشكلات السياسية وحالة عدم الاستقرار المستمر في البلاد، وأن الدستور الفيدرالي هو سبب تراجع مشروع بناء الأمة الإثيوبية الموحدة. ويتفق أطراف هذا التيار على أن استقرار إثيوبيا واستمراريتها يعتمد أساسًا على إقصاء جبهة تحرير تيجراي من المشهد السياسي الإثيوبي.
بينما يفضل اتجاه آخر استمرار الفيدرالية، ويتمسك بمكتسبات الحكومات الإقليمية من الحكم الذاتي وتقرير المصير في حالة الضرورة. كما يرى هذا التوجه أهمية الالتزام بالدستور الاتحادي والنظام الفيدرالي لضمان استقرار ووحدة البلاد، وبالتالي هو ينظر إلى تحركات نخبة أمهرة على أنها تستهدف استعادتها للاحتكار السياسي والثقافي لإثيوبيا انطلاقًا من تحالفها الأساسي مع آبي أحمد([25]).
عملية سياسية غير مكتملة: ارتأى البعض أن غياب بعض الأحزاب السياسية عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ربما يؤثر على العملية السياسية في المستقبل، لا سيما أن هناك بعض الأقاليم الإثيوبية لم تشهد إجراء العملية الانتخابية مثل إقليم تيجراي بسبب الصراع الدائر هناك وقتذاك وبعض المناطق في إقليم أوروميا والإقليم الصومالي، إضافة إلى إعلان بعض أحزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات مثل مؤتمر أورومو الفيدرالي وجبهة تحرير أورومو وجبهة تحرير أوجادين الوطنية. الأمر الذي يشير إلى تنامي المعارضة ضد سياسات آبي أحمد في الداخل بالرغم من محدودية قدراتها التنظيمية والتفاعلية في المشهد الإثيوبي. إلا أنها مقترنة بتصاعد الحركات المسلحة التي تهدّد أمن واستقرار البلاد.
اندلاع الصراع في تيجراي: فقد تطوّر الخلاف السياسي بين آبي أحمد وقادة جبهة تحرير تيجراي حول إدارة العملية السياسية في البلاد إلى صراع عسكري بين البلدين. والذي مرّ بثلاث مراحل منذ اندلاعه في 4 نوفمبر 2020م؛ تبادل فيها الطرفان السيطرة على المشهد العملياتي وصولًا إلى توقيع اتفاقي بريتوريا ونيروبي في نوفمبر 2022م.
وبالرغم من سياسة آبي أحمد التي اتسمت بالارتباك خلال الحرب في تيجراي، إلا أنه قد برز تحول استراتيجي لافت في الحرب الإثيوبية لصالح قوات آبي أحمد، حينما استعانت بسلاح الطائرات من دون طيار (الدرونز) الذي لعب دورًا بارزًا في تحول ميزان القوة العسكرية على الأرض لصالحها، بعدما أجبرت قوات دفاع تيجراي على التراجع لمعاقلها في إقليم تيجراي في 20 ديسمبر 2021م. وهو ما يكشف حجم الدعم الذي قدمته بعض الأطراف الإقليمية للنظام الإثيوبي خلال مراحل الحرب المختلفة مثل الصين وتركيا وإيران التي كشفت تقارير إرسالها دعمًا لوجستيًّا للحكومة الإثيوبية لتغيير موازين القوة في صراعها مع جبهة تيجراي، وضغط واشنطن من أجل التوصل لاتفاق بريتوريا الأخير الذي أوقف القتال في شمال البلاد.
النفوذ السياسي المتصاعد لقومية أمهرة: اكتسبت أمهرة رصيدًا سياسيًّا قويًّا بعد تقاربها مع آبي أحمد على حساب تحالفه مع قومية أورومو التي لعبت دورًا رئيسيًّا -هي الأخرى- في وصوله للسلطة في عام 2018م. وقد تزايد النفوذ السياسي والعسكري لأمهرة عقب تورطها في الحرب الإثيوبية في تيجراي، وبعد نجاحها في استعادة السيطرة على بعض الأراضي في غرب تيجراي من الإقليم.
كما استعان آبي أحمد بالقوات الخاصة وبعض ميلشيات أمهرة في إخماد بعض النزاعات العرقية في بعض المناطق؛ مثل ميتيكل وبني شنقول-جوموز وغرب أوروميا. فيما عكس التمثيل السياسي لأمهرة في تشكيل الحكومة الإثيوبية الجديدة التي أعلن عنها آبي أحمد في أكتوبر 2021م والذي وصل إلى نسبة 50% النفوذ القوي لأمهرة، في مقابل تهميش واضح لبعض القوميات الإثيوبية الأخرى لا سيما أورومو وعفر([26]).
دور العامل الخارجي في الصراع الإثيوبي: حيث ثبت تورط بعض الأطراف الإقليمية والدولية في دعم الحكومة الإثيوبية خلال الحرب الأخيرة. فقد أشارت بعض التقارير إلى تورط القوات الإريترية في الصراع منذ بدايته إلى جانب القوات الحكومية، برغم نفي الحكومتين الإثيوبية والإريترية هذا الطرح حتى مارس 2021م، حينما اعترف آبي أحمد بتورط قوات أفورقي في الحرب. وفي سبيل مساعي آبي أحمد لتخفيف حدة الانتقادات الأمريكية والغربية بسبب حربه على تيجراي، فقد وقَّع اتفاقًا أمنيًّا مع كلٍّ من روسيا في يوليو 2021م، وتركيا في أغسطس 2021م؛ حيث أرسلت أنقرة طائرات “بيرقدار تي بي2” إلى أديس أبابا للمشاركة في الحرب، كما حصل آبي أحمد على شحنات عسكرية من بعض الأطراف الإقليمية والدولية الأخرى مثل إيران والصين وغيرهما. الأمر الذي ترتَّب عليه تحوُّل دراماتيكيّ في مسار الحرب الإثيوبية في المرحلة الأخيرة منها لصالح قوات آبي أحمد بعد تراجع قوات دفاع تيجراي من مناطق الصراع في إقليمي أمهرة وعفر.
ب- السياق الاقتصادي:
تعرض الاقتصاد الإثيوبي لهزة عنيفة عقب اندلاع الصراع في إقليم تيجراي في عام 2020م، والذي تزامن مع تفشي جائحة كوفيد-19، إضافةً إلى التطورات المتسارعة على الساحة الدولية فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية التي اندلعت في فبراير 2022م؛ حيث تأثر الاقتصاد الوطني الإثيوبي سلبًا خلال العامين الأخيرين؛ الأمر الذي دفَع للتوقع بتباطؤ الاقتصاد الإثيوبي المتأزم، والذي يرتبط بدوره بتعطيل النمو والتنمية في البلاد التي حققت مستويات مرتفعة من معدلات النمو على مدار العقد الماضي([27]). فقد تباطأ الاقتصاد الإثيوبي؛ بحيث حقّق معدل نمو اقتصاديّ بنسبة 5.6% في عام 2021م مقارنة بنسبة 6.1% في عام 2020م، وذلك بسبب حرب تيجراي وجائحة كوفيد-19. كما ارتفع معدل التضخم إلى 26.7% في عام 2021م من 20.4% في عام 2020م. فيما انخفض العجز المالي في البلاد بما في ذلك المِنَح إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021م مقارنة بنسبة 2.8% في عام 2020م. ومع ذلك هناك توقعات بنمو اقتصادي قد يصل إلى 5.7% في عام 2023م، وأن يصل معدل التضخم إلى 24.9% في عام نفس العام([28]). وقد ارتفع إجمالي الدين العام من 13.7 مليار دولار في عام 2011م إلى 54.7 مليار دولار في عام 2020م بنسبة زيادة 400% تقريبًا([29]).
وقد شهدت السوق الإثيوبية ارتفاعًا في أسعار السلع الأساسية خلال العامين الماضيين، مما أسهم في تنامي السخط الشعبي تجاه سياسات الحكومة، كما ارتفع معدل التضخم في البلاد إلى مستوى قياسي بلغ نحو 36.3% في أبريل 2022م مقارنة بـ34.7% في مارس 2022م. وذلك لأسباب مختلفة؛ من أبرزها: تعطيل سلاسل التوريد الدولية نتيجة تفشي جائحة كوفيد-19، وزيادة أسعار الوقود نتيجة ارتفاع أسعار النفط الدولية بسبب الجائحة والأزمة الروسية الأوكرانية؛ حيث وافقت وزارة التجارة الإثيوبية على زيادة بنسبة 10% في أسعار الوقود في منتصف فبراير 2021م، وذلك نتيجة لأزمة الصرف الأجنبي التي دفعت إلى إصدار قرار حكومي بتحمُّل المستهلكين تلك الزيادات في أسعار الوقود.
وأجبر ارتفاع أسعار الوقود العالمية الحكومة الفيدرالية على زيادة دعم الطاقة بنسبة 85%، ممَّا أدى إلى تعديل أسعار التجزئة للوقود في البلاد. بالإضافة إلى خفض قيمة العملة المحلية (البر الإثيوبي) بعد تعويم أسعار الصرف الأجنبي في البلاد منذ عامين، والتي انخفضت على إثره قيمة العملة المحلية بمعدل 47.17% في الفترة بين 3 أبريل 2018م و3 مارس 2021م([30]). فيما ارتفع معدل البطالة مؤخرًا في البلاد إلى 29.6%، والتي باتت تشكل تحديًا أمام الحكومة، خاصةً أنها أكثر انتشارًا بين شباب المدن الإثيوبية. فيما أشارت تقارير إلى ارتفاع أسعار القمح وزيت الطعام بنسبة 65% في شهري فبراير وأبريل 2022م.
وأعلن وزير التخطيط والتنمية الإثيوبي أن الحكومة الفيدرالية بحاجة إلى 1.9 مليار دولار للاستجابة للتحديات التي تواجه الاقتصاد الإثيوبي. كما تسببت جائحة كوفيد-19 في تفاقم الأوضاع الإنسانية؛ حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية من 7 ملايين نسمة في عام 2020م إلى 16.5 مليون نسمة بحلول عام 2020م. كما تشير تقارير حكومية إلى حاجة الحكومة الإثيوبية لحوالي 3.5 مليار دولار؛ بهدف إعادة الإعمار في المناطق المتضررة من الحرب الأخيرة في شمال البلاد، في الوقت الذي تشير فيه تقارير دولية إلى حاجة البلاد لأكثر من 12 مليار دولار في هذا الصدد.
ج- السياق الأمني والعسكري:
شكَّل الصراع في إقليم تيجراي نقطة تحوُّل محورية على الصعيد الأمني في إثيوبيا، فلا يزال المشهد الأمني يتسم بالمزيد من الاضطراب والتعقيد نتيجة حالة الانفلات الأمني، في ضوء تزايد الانقسامات العرقية التي تعكس أزمة إثيوبية عميقة الجذور منذ عقود، واستمرار بعض المواجهات المسلحة في شمال إثيوبيا حتى عقب توقيع اتفاق بريتوريا الأخير في عام 2022م([31]). وتزايد أعمال العنف في بعض المناطق مثل أوروميا وأمهرة وتيجراي. الأمر الذي يُهدّد بتقويض البيئة الأمنية في البلاد، لا سيما في ظل تصاعد المخاوف الأمنية بسبب تنامي دور بعض الحركات المسلحة مثل جيش تحرير أورومو وجبهة تحرير بني شنقول وجبهة تحرير مورو الإسلامية في عدد من المناطق الإثيوبية مثل بني شنقول-جوموز والإقليم الصومالي وأوروميا الغربية والجنوبية وأمهرة الشمالية والغربية وجنوب عفر([32]).
ويمكن الإشارة إلى أبرز الملامح الرئيسية للسياق الأمني على الساحة الإثيوبية خلال السنوات الأخيرة على النحو التالي:
تصعيد دوائر العنف في أنحاء إثيوبيا: والتي تُغذّيها تفاقم التوترات العرقية بين القوميات الإثيوبية، إلى جانب سياسات النظام الحاكم خلال السنوات الأخيرة في التعامل مع تلك التوترات العرقية في البلاد، واحتواء المعارضة السياسية. فقد أدَّى مقتل الفنان هاشالو هونديسا -من قومية أورومو- في يونيو 2020م إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات العنيفة في بعض مناطق أوروميا، ما أسفر عن مقتل أكثر 239 شخصًا، وموجة اعتقالات نفَّذتها السلطات الإثيوبية طالت قادة المعارضة من قومية أورومو([33]).
كما اندلعت سلسلة من أعمال العنف في أنحاء أوروميا تورطت فيها منظمة قيرو التابعة للمعارض جوهر محمد، وجيش تحرير أورومو التي أعلنتها الحكومة الإثيوبية تنظيمًا إرهابيًّا في عام 2021م([34]). كما تفاقمت التوترات بين بعض القوميات في إثيوبيا مثل قوميتي الأورومو وأمهرة([35])، وأعمال العنف بين القوات الخاصة بالإقليم الصومالي الإثيوبي وميلشيات قومية عيسى الصومالية في جيبوتي([36])، إضافة إلى بعض التوترات في أجزاء من إقليم أمهرة، الأمر الذي دفع الحكومة الإثيوبية لإقامة مراكز للقيادة العسكرية وإعلان حالة الطوارئ في العديد من تلك المناطق([37]).
وقد أشارت تقارير للجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان في مارس 2021م إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يمثل سببًا رئيسيًّا في الصراعات الإثيوبية الراهنة، لا سيما الصراع في إقليم تيجراي([38]). كما يشهد إقليم الصومال الإثيوبي بعض الاضطرابات السياسية؛ بسبب التنافس بين الحزب الحاكم وجبهة تحرير أوجادين، وهو ما يقوّض جهود السلام والاستقرار في البلاد([39]).
مواجهة القوات الحكومية مع الميلشيات المسلحة: تشنّ الحكومة الإثيوبية منذ أبريل 2022م عملية عسكرية في منطقة أوروميا ضد قوات جيش تحرير أورومو، مما أسفر عن سقوط العديد من القتلى([40]). كما استهدفت القوات الحكومية الإثيوبية ميلشيا فانو في إقليم أمهرة خلال الشهور الماضية؛ بهدف احتواء مخاطرها الأمنية في الإقليم، ومحاولة نزع السلاح منها بالقوة؛ حيث أسفرت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين عن اعتقال نحو 4000 شخص، مما أدى إلى تنامي السخط الشعبي ضد الحكومة المركزية بين أوساط إقليم أمهرة([41]). كما تستمر المواجهات العسكرية بين القوات الإثيوبية وعناصر جيش تحرير أورومو في بعض مناطق إقليمي أوروميا وأمهرة.
تنامي نشاط الحركات المسلحة في البلاد: تشكل هذه الحركات مصدر تهديد لأمن واستقرار البلاد، لاسيما أنها تستهدف المؤسسات الحكومية والمدنيين، وتسعى إلى إسقاط نظام آبي أحمد في ظل حالة الاستقطاب السياسي والأمني هناك. فلا تزال التهديدات الأمنية للحركات المسلحة قائمة في بعض الأقاليم الإثيوبية مثل بني شنقول-جوموز والإقليم الصومالي وأوروميا الغربية والجنوبية وأمهرة الشمالية الغربية وجنوب عفر([42]).
وتتزايد تهديدات بعض الحركات المسلحة في البلاد مثل جبهة تحرير مورو الإسلامية التي شنَّت سلسلة من الهجمات في أنحاء إثيوبيا خلال الشهور الماضية، وجيش تحرير أورومو الذي تورَّط عناصره في مارس 2022م في هجوم على كنيسة في إقليم أوروميا أسفر عن مقتل 29 شخصًا([43]). وقد أعلنت ثلاث حركات مسلحة إثيوبية مؤخرًا تأسيس تحالف ثلاثي مكوّن من: جيش تحرير أورومو، وجبهة تحرير بني شنقول-جوموز، وجبهة تحرير جامبيلا؛ وذلك بهدف إسقاط الحكومة الإثيوبية، والتي تتوافق مع أهداف جبهة تحرير تيجراي([44])، وهو ما يشكّل تحديًا أمنيًّا كبيرًا في البلاد([45]).
عسكرة الداخل الإثيوبي: إذ تشرع الحكومة الإثيوبية مع اندلاع كل صراع في تأسيس مراكز قيادة للطوارئ في أنحاء البلاد بهدف نشر القوات العسكرية على نطاق جغرافي واسع لإخماد أي احتجاجات أو اضطرابات مستقبلية([46]). ومع اندلاع الحرب في تيجراي، أطلق مسؤولو أديس أبابا، وعلى رأسهم آبي أحمد، دعوات إلى تسليح المدنيين، والتعبئة العامة والحشد من أجل الانخراط في مناطق الصراع. كما أن تصاعد دور القوات الخاصة التابعة للأقاليم والميلشيات المسلحة يعكس تنامي عسكرة المجتمعات المحلية في إثيوبيا([47])، وهو ما يهدّد بتفجر الأوضاع الأمنية في البلاد بما يهدّد بدَوْره تماسك الدولة الإثيوبية.
تنامي دور القوات الخاصة بالأقاليم: تعود نشأة القوات الخاصة إلى أوائل عام 2010م مع ظهورها في الإقليم الصومالي الإثيوبي بهدف السيطرة على الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين([48]). وقد حظيت هذه القوات بأهمية مع اندلاع الصراع في تيجراي؛ حيث استعان آبي أحمد بها لمواجهة قوات دفاع تيجراي خوفًا من تحقيقها التفوق العسكري على قواته([49]).
ويُنظر إلى تلك القوات باعتبارها جيوشًا موازية في إثيوبيا؛ إذ يقدر أعداد تلك القوات في أوروميا بنحو 30 ألف مقاتل وأقل منها في إقليم أمهرة([50]). فيما قام إقليم سيداما بتشكيل أول دفعة من القوات الخاصة في أغسطس 2020م([51])، الأمر الذي يثير القلق بشأنها في حال انقلابها على الحكومة المركزية أو اندلاع صراع جديد في البلاد، وفقدان السيطرة عليها؛ إذ ربما تصبح قنبلة موقوتة يمكن أن تُشكّل تهديدًا صريحًا لوحدة واستقرار وسلامة الدولة الإثيوبية مستقبلًا، لا سيما أن لديها أجنداتها المحلية الخاصة.
تصدير رسالة “إثيوبيا آمنة” للمجتمع الدولي: إذ حاول نظام آبي أحمد تصدير صورة للمجتمع الدولي بعودة الاستقرار الأمني في البلاد، لا سيما في مناطق الصراع شمالي البلاد. وتجلى ذلك في إصدار السلطات الإثيوبية قرارًا في نوفمبر 2021م برفع حالة الطوارئ في البلاد لمدة ستة أشهر([52]). إلى جانب الدعم الإفريقي لأديس أبابا بقبول استضافتها لقمتي الاتحاد الإفريقي في فبراير 2022م وفبراير 2023م. ومع ذلك، هناك بعض التوترات الأمنية في عددٍ من المناطق مثل إقليم أوروميا، إلى جانب اتهام القوات الإريترية بالتورط في بعض العمليات العسكرية في شمال إثيوبيا، ما يعني عدم انسحابها من البلاد بالرغم من تأكيد اتفاق بريتوريا على خروج القوات الأجنبية من الأراضي الإثيوبية([53]).
توقيع اتفاقات التعاون العسكري: فقد وقَّع آبي أحمد اتفاق تعاون أمني وعسكري مع روسيا في يوليو 2021م، تلاه اتفاق آخر مع تركيا في أغسطس 2021م؛ وذلك بهدف توسيع تحالفاته الدولية والهروب من العزلة التي فرضتها عليه بعض القوى الدولية الفاعلة، لا سيما الولايات المتحدة التي مارست ضغوطًا على أديس أبابا بسبب تطورات الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي، وكثَّفت ضغوطها على النظام الحاكم من أجل وقف القتال في إقليم تيجراي والدخول في حوار مع جبهة تحرير تيجراي لتسوية الصراع الدائر بينهما منذ نوفمبر 2020م، وهو ما تجلَّى في انخراط أطراف الصراع في مفاوضات بريتوريا في أكتوبر 2022م. وقد عزَّزت هذه الاتفاقات حصول آبي أحمد على الدعم الدبلوماسي واللوجستي خلال فترة الصراع، فقد حصل على بعض المساعدات العسكرية لا سيما الطائرات من دون طيار من دول تركيا وإيران والصين والتي أسهمت في تعزيز الموقف العسكري والاستراتيجي لقواته في أرض المعركة حتى وقف القتال في مناطق الصراع، بينما دعمت موسكو أديس أبابا واستقرارها الداخلي خلال صراعها مع جبهة تحرير تيجراي في شمال البلاد.
2- توازنات القوة في الداخل الإثيوبي
يميل ميزان القوة في الداخل الإثيوبي خلال الفترة الراهنة لصالح آبي أحمد لأسباب عدة يأتي على رأسها الترويج بانتصار آبي أحمد في الحرب الإثيوبية الأخيرة، إضافة إلى فوزه بولاية ثانية في السلطة عقب فوز حزبه الحاكم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والذي يعزّز بدوره سيطرته على المشهد السياسي برُمّته وزيادة فُرَص تخلُّصه من خصومه السياسيين لتحقيق مشروعه السياسي في البلاد، فضلًا عن نجاحه في إجبار جبهة تحرير تيجراي على إصدار الأمر بتراجع قواتها إلى الإقليم خلال الحرب الأخيرة مستعينًا بحليفيه الرئيسين؛ وهما قومية أمهرة، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي والدعم اللوجستي الدولي، حيث تتلاقى أهداف الأطراف الثلاثة من أجل القضاء على جبهة تحرير تيجراي، باعتبارها خصمًا قويًّا وعنيدًا. علاوةً على إعلانه عن إجراء حكومته حوارًا وطنيًّا بهدف تسوية الأزمات الداخلية؛ بحيث تكون له الغلبة فيه، ونجاحه في اختبار تحمُّل الضغوط الأمريكية والغربية التي مُورِسَت عليه خلال فترة الصراع لإيقافه والتوجه نحو التسوية السلمية بدون شروط مسبقة، وإن كان قد استجاب في النهاية بعدما بدا أنه المنتصر عقب تراجع قوات دفاع تيجراي.
ويمكن الإشارة إلى أبرز الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي الإثيوبي خلال المرحلة الراهنة على النحو التالي:
حزب الازدهار الحاكم: والذي تأسَّس في عام 2019م، وهو يتألف بالأساس من 8 أحزاب تمثل معظم الأقاليم الإثيوبية بهدف خلق المزيد من النفوذ الداخلي. وقد حصل الحزب على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية التي جرت في عام 2021م برغم حداثة عهده في المشهد السياسي الإثيوبي، وعلى إثره قام بتشكيل الحكومة الفيدرالية الجديدة. وربما يستمر الحزب في السلطة لسنوات عديدة إذا نجح آبي أحمد في تمرير مشروعه السياسي المزعوم.
قومية أمهرة: تمثل الحليف الرئيسي والظهير السياسي والشعبي لآبي أحمد في المعادلة السياسية في البلاد خلال السنوات الأخيرة، بعد تخلّيه عن قومية أورومو. وقد انخرطت قوات أمهرة وميلشياتها المحلية في حرب تيجراي الأخيرة، واستطاعت استعادة بعض الأراضي التي تدّعي أن جبهة تحرير تيجراي قد احتلتها عقب تسلمها السلطة في عام 1991م. كما سيطرت قومية أمهرة على نحو 50% من أعضاء الحكومة الجديدة؛ بما يعكس تنامي نفوذها السياسي في الداخل الإثيوبي.
ولدى قادة أمهرة رغبة في استعادة الاحتكار السياسي والثقافي في البلاد عبر تحالفها مع آبي أحمد. فهي تؤيّد بقوة إلغاء الفيدرالية والتحول للمركزية في نظام الحكم. وتتفق أمهرة مع كل من آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي على ضرورة التخلص من جبهة تحرير تيجراي، مما قد يمثل فرصة لأمهرة للعودة للحكم مجددًا مستغلة حاجة آبي أحمد للتحالف معها ضد خصومه السياسيين في الداخل.
جبهة تحرير تيجراي: سيطرت الجبهة على الحكم في إثيوبيا لمدة 27 عامًا، بعدما عززت سيطرتها على جبهة الائتلاف الحاكم السابق، مما مهَّد لها الهيمنة على مفاصل الدولة الإثيوبية، حيث اتسمت بالقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، ما منحها التفوق النوعي على القوى السياسية والقوميات الأخرى في البلاد. وعقب اندلاع الصراع في إقليم تيجراي بمراحله المختلفة أثبتت جبهة تيجراي قدرتها على تغيير موازين القوة في الداخل الإثيوبي. ومع توقيع اتفاقي بريتوريا ونيروبي ولقاء جبهة تيجراي مع الحكومة الفيدرالية في ديسمبر 2022م ومارس 2023م، ربما يتعزز الدور السياسي لجبهة تيجراي خلال المرحلة المقبلة في المشهد الإثيوبي.
المعارضة السياسية: لا تشكل المعارضة في إثيوبيا أزمة بالنسبة لآبي أحمد، لا سيما بعد هزيمتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في البلاد، وفي ظل إحكام النظام الحاكم قبضته الأمنية الشديدة عليها؛ حيث مارست السلطات الإثيوبية التضييق على زعماء المعارضة الإثيوبية خلال السنوات الأخيرة، واعتقلت بعض زعمائها مثل جوهر محمد وإسكندر نيغا قبل الإفراج عنهما عقب انتهاء انتخابات 2021م. في المقابل، لا تزال المعارضة السياسية في البلاد تعاني من أزماتها المتراكمة المتمثلة في تشرذمها وتفككها وضعف القدرات المالية واللوجستية لدرجة عدم قدرتها على مجاراة حزب الازدهار الحاكم في الانتشار في كافة الدوائر الانتخابية، وهو ما عزز فرص الحزب الحاكم في الحصول على أغلبية كبيرة في البرلمان الإثيوبي الحالي.
القوات الخاصة في الأقاليم الإثيوبية: لعبت تلك القوات دورًا بارزًا في الصراع الإثيوبي، بعدما استعانت الحكومة الفيدرالية بها في مواجهة قوات دفاع تيجراي في مرحلة ما من الحرب. وبالرغم من إخفاقها في تغيير المعادلة العسكرية لصالح قوات آبي أحمد بشكل جذري، إلا أن المخاوف تتزايد حول مستقبل هذه القوات واحتمال تنامي دورها السياسي والعسكري في البلاد، واحتمالات صدامها مع السلطة المركزية حال تصاعدت التوترات بينهما، لا سيما في ظل تقاربها المحتمل مع الميلشيات المحلية بالأقاليم الإثيوبية، ما يجعلها مصدر قلق أمني بالنسبة للحكومة الإثيوبية مستقبلًا.
الحركات الإثيوبية المسلحة: باتت تشكّل عبئًا أمنيًّا على الحكومة الإثيوبية، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الأمنية بينها وبين القوات الحكومية التي تنفّذ عمليات عسكرية لاحتواء هذه الحركات؛ مثل ميلشيا فانو في إقليم أمهرة، وجيش تحرير أورومو في إقليم أوروميا، وجبهة تحرير جامبيلا، وغيرها. مما يعني انتهاء حالة السِّلم التي بدأت بين الطرفين عقب وصول آبي أحمد للسلطة في عام 2018م وتوقيعه بعض اتفاقيات السلام مع بعض الحركات المسلحة تمهيدًا لإدماجهم في المجتمع الإثيوبي، إلا أن عام 2021م قد شهد نقطة تحول رئيسية في العلاقة بين تلك الحركات والحكومة الفيدرالية بعد صدور قرار باعتبار جبهة تحرير تيجراي وجيش تحرير أورومو تنظيمات إرهابية في الداخل الإثيوبي، الأمر الذي يعزّز حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة.
ثالثًا- المشهد الإثيوبي ما بعد اتفاق بريتوريا
1- إرهاصات الحوار الوطني الإثيوبي
سارع آبي أحمد عقب انسحاب قوات دفاع تيجراي من مناطق القتال في أواخر ديسمبر 2021م إلى طرح فكرة إجراء حوار وطني شامل يهدف إلى إزالة جميع الخلافات السياسية، ومواجهة التحديات القائمة في البلاد، وإنهاء حالة الاستقطاب السياسي الذي طغى على المشهد العام في البلاد منذ بداية الحرب في تيجراي. وبحيث يضم الحوار جميع شرائح المجتمع وليس النخب السياسية فقط لتحقيق حلم بناء إثيوبيا. وهو ما جعل البعض يعتقد بأنها ربما تكون مناورة سياسية من جانب آبي أحمد لتخفيف حدة الضغوط الدولية على نظامه، واستغلال عامل الوقت لربما تتحول المواقف الدولية تجاه الصراع لكي يتمكن من القضاء على جبهة تيجراي. إلا أن بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية تشير إلى عكس ذلك، والتي على رأسها إطلاق سراح بعض زعماء المعارضة السياسية مثل جوهر محمد وإسكندر نيغا وبعض قيادات جبهة تحرير تيجراي.
وقد أعلن آبي أحمد نية حكومته إجراء التفاوض مع جبهة تحرير تيجراي بهدف إنهاء الصراع في شمال البلاد، فيما أعلن ديبرتسيون جبرمايكل، زعيم الجبهة، استعداده إجراء مباحثات السلام مع الحكومة الفيدرالية على أن تتضمن أطراف إقليمية ودولية مثل كينيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والإمارات([54]). وذلك بالرغم من حالة الجدل التي سادت الأوساط الإثيوبية عقب صدور تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية في 9 يونيو 2022م حول انعقاد لقاءات سرية بين الحكومة الفيدرالية وقادة جبهة تحرير تيجراي بغية التوصل لاتفاق بين الطرفين في مدينة أروشا التنزانية، والذي من شأنه تسوية الصراع الدائر في البلاد، وهو ما نفاه الطرفان في وقت لاحق([55]).
فيما كشفت وثيقة نُسبت إلى وزارة الخارجية الإثيوبية تقديم توصية للحكومة المركزية بإجراء مفاوضات مع جبهة تحرير تيجراي خلال الفترة المقبلة؛ خوفًا من استمرار الصراع في شمال البلاد، وما قد يترتب عليه من زعزعة الاستقرار الأمني والسياسي وتداعيات اقتصادية خطيرة على الصعيد المحلي([56]).
وقد برزت في هذه المرحلة عدد من المؤشرات التي من شأنها أن تعزز طرح إجراء الحوار الوطني في إثيوبيا من أبرزها تمديد الحكومة الإثيوبية للهدنة الإنسانية غير المحددة، والذي سهل تدفق المساعدات الإنسانية إلى إقليم تيجراي التي تضاعفت خلال عام 2022م مقارنة بالعامين الماضيين؛ حيث بلغت عدد شاحنات المساعدات الإنسانية في مايو 2022م نحو 1100 شاحنة، كما أُجريت نحو 236 رحلة جوية لأغراض إنسانية مقدمة من 95 منظمة إنسانية بين العاصمة أديس أبابا وعاصمة إقليم تيجراي ميكيلي. بالإضافة إلى التزام قوات دفاع تيجراي بقرار وقف إطلاق النار، برغم وجود بعض الخروقات بين عدد من الميلشيات المحلية في شمال البلاد. كما أعلنت الحكومة المركزية احتمال حصول حكومة إقليم تيجراي على نصيبها من الميزانية الجديدة بقيمة 12 مليار بر إثيوبي على اعتبار أنه لن توجد حرب جديدة في إقليم تيجراي([57]).
وثمة عدد من الدوافع لدى آبي بشأن المضي قدمًا نحو إجراء الحوار الوطني في البلاد؛ حيث يرغب آبي أحمد في تأكيد حسم الصراع الدائر في البلاد مع جبهة تحرير تيجراي، وفرض شروطه عليها في الحوار الوطني. كما يسعى آبي أحمد إلى كسب شرعية سياسية جديدة تعزز نفوذه وسلطته في الداخل الإثيوبي، وتوطد علاقته بالأطراف السياسية الداخلية في المشهد الإثيوبي، حتى في حالة قراره باستبعاد الجبهة من الحوار الوطني. بالإضافة إلى رغبة النظام الحاكم في تحسين صورته لدى الرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي، والظهور في صورة راعي السلام في البلاد والمنطقة، ربما أملًا في تخفيف حدة التوتر مع بعض القوى الدولية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي تشهد العلاقات بينهما توترًا خلال العامين الأخيرين.
كما تحاول أديس أبابا استعادة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد لطمأنة الشركاء الدوليين والمستثمرين الأجانب من أجل عودة ضخ الاستثمارات الأجنبية في إثيوبيا التي تعاني على المستوى الاقتصادي، والمساهمة في إعادة الإعمار بالنسبة للمناطق المتضررة في البلاد مثل تيجراي وعفر وأمهرة.
ومع ذلك، قد يُواجه آبي أحمد ممانعة مِن قِبَل حليفيه قومية أمهرة والرئيس أفورقي اللذين يرفضان إدماج جبهة تحرير تيجراي في المشهد السياسي الإثيوبي؛ مما قد ينذر بتحولات محتملة بشأن تحالفات آبي أحمد خلال الفترة المقبلة.
فقد كانت هناك حالة انقسام داخلي في داخل معسكر آبي أحمد حول مستقبل جبهة تحرير تيجراي قبيل إجراء الحوار الوطني في البلاد. إذ يرى اتجاهٌ ضرورة القضاء على القوة العسكرية لجبهة تيجراي وقادتها وإنهاء سيطرتها على الإقليم من أجل إحلال السلام في إثيوبيا وإعادة الإعمار والتنمية، لاسيما أن الحركة تصنّف على أنها إرهابية منذ مايو 2021م([58]). كما يرى أن دعوة الجبهة للحوار يعد بمثابة مكافأة لها على ارتكابها للعديد من الجرائم وأعمال العنف والتدمير التي لحقت ببعض المناطق الإثيوبية خلال الحرب الأخيرة([59]).
بينما يذهب اتجاه آخر، والذي يلقى تأييدًا من جانب الحكومة الإثيوبية إلى تجنُّب مهاجمة إقليم تيجراي من أجل الحفاظ على التفوق العسكري الذي حقَّقته القوات الإثيوبية، والحيلولة دون قيام قوات دفاع تيجراي بأيّ عمليات انتقامية، مع استمرار حصار الإقليم وقطع الإمدادات اللوجستية التي تصل إليه من الخارج، والسعي إلى تحجيم قدراته العسكرية.
2- اتفاق وقف الأعمال العدائية ببريتوريا
في خضم الاستعداد الإثيوبي لإجراء الحوار الوطني، واستمرار الهدنة الإنسانية التي انطلقت في مارس 2022م؛ اندلع القتال مجددًا في شمال إثيوبيا في 24 أغسطس 2022م بين القوات الحكومية الإثيوبية وحلفائها من قومية أمهرة وميلشياتها المسلحة والقوات الإريترية المتمركزة هناك من جانب وقوات دفاع تيجراي من جانب آخر، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بخرق الهدنة.
وبدا المشهد الأمني الإثيوبي معقدًا؛ حيث تزايدت المخاوف بشأن عودة الحرب الإثيوبية للمربع الأول، وهو أمر كان متوقعًا بسبب هشاشة الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار، كما أن مسبّبات الصراع الإثيوبي لا تزال قائمة، مما عزّز تجدُّد المواجهات العسكرية بين المتحاربين في شمال البلاد. فقد أسقط الجيش الإثيوبي في 24 أغسطس 2022م طائرة ادَّعى أنها تحمل أسلحة لجبهة تحرير تيجراي قادمة من الأجواء السودانية، واتهمت أديس أبابا بعض الأطراف الإقليمية بالتورط في تهريب الأسلحة لمقاتلي تيجراي في شمال البلاد([60]).
وقد أشارت بعض التقارير إلى قيام الحكومة الإثيوبية بعملية حَشْد للقوات الحكومية والقوات الخاصة لإقليم أمهرة وبعض الميلشيات المسلحة مثل ميلشيا فانو في منطقة كوبو جنوب إقليم تيجراي، وذلك قبل أيام من تجدُّد القتال، وهو ما عزَّز الاعتقاد بأن هناك ترتيبات مسبقة من جانب حكومة آبي أحمد وحلفائه من أجل تجدُّد القتال في تيجراي.
ومع توسع القتال في المناطق الشمالية الإثيوبية، سارع طرفا الصراع لمخاطبة المجتمع الدولي في محاولة لحشد الرأي العام الدولي لصالح كلّ طرف، كما جدّدت الحكومة الإثيوبية دعوتها للمدنيين بالحشد والتعبئة للمشاركة في الحرب الإثيوبية بإقليم تيجراي شمالي البلاد، وذلك بحجة الدفاع عن البلاد ووحدة أراضيها([61]).
وقد فسّر البعض تجدُّد القتال في الشمال الإثيوبي باستمرار بعض الملفات الخلافية على رأسها معضلة السيادة على منطقة غرب تيجراي في ظل إصرار جبهة تحرير تيجراي على استعادتها من أمهرة التي سيطرت عليها عقب اندلاع الحرب في نوفمبر 2020م. بالإضافة إلى إصرار جبهة تيجراي آنذاك على تحقيق بعض الشروط الخاصة بفك الحصار على الإقليم، إلى جانب فشل جولتي المفاوضات التي انعقدت بشكل سري في كلٍّ من سيشل وجيبوتي، علاوة على استمرار تورُّط القوات الإريترية في القتال شمال البلاد.
وعلى الرغم من التقدم العسكري الذي حقّقته القوات الحكومية خلال القتال في شمال البلاد؛ إلا أن جبهة تيجراي أعلنت في سبتمبر 2022م عن استعدادها لوقف إطلاق النار والقبول بعملية سلام مع الحكومة الفيدرالية يقودها الاتحاد الإفريقي. لكن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية ماطلت في الاستجابة لدعوة تيجراي؛ أملًا في تحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية من القتال([62]).
ومع ممارسة المجتمع الدولي لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية للضغوط على طرفي الصراع، أعلن الاتحاد الإفريقي في 25 أكتوبر 2022م عن بدء مفاوضات بين حكومة أديس أبابا وحكومة إقليم تيجراي في بريتوريا بجنوب إفريقيا بهدف وقف إطلاق النار والبحث عن تسوية شاملة للصراع في شمال البلاد تمهيدًا لتحقيق السلام الشامل في البلاد. واستمرت المفاوضات نحو 10 أيام تقريبًا وتمخَّض عنها توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية فيما عُرِفَ باتفاق بريتوريا في 2 نوفمبر 2022م، تلاه توقيع اتفاق نيروبي في 12 نوفمبر 2022م لتنفيذ بنود الاتفاق الأول؛ الأمر الذي شكّل نقطة تحوُّل رئيسية في مسار الصراع الإثيوبي عقب إنهاء القتال في مناطق القتال([63]).
ويُعد اتفاق بريتوريا اتفاقًا مبدئيًّا وليس اتفاقًا نهائيًّا، فهو يمثل خطوة أولية يجب البناء عليه لتجنيب البلاد ويلات الحرب الأهلية، وهو ما يعزّز استمرار المخاوف الدولية من انهيار الاتفاق بفعل هشاشته. إلا أنه يتميز بأنه أول اتفاق مكتوب يتوصل فيه الطرفان إلى هذه الخطوة، على عكس هدنة مارس 2022م، بما يفرض على طرفي الصراع قدرًا من الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق خوفًا من ضغوط المجتمع الدولي وفرض المزيد من العقوبات عليهما.
ورغم ذلك، يفتقد اتفاق بريتوريا قدرًا من الشمولية ويتسم بدرجة من السرية؛ حيث يرى البعض أنه لم يتم عرضه بشكل كامل، ولم يصدر منه سوى 12 بندًا فقط من بنود الاتفاق، هي البنود التي تم الإعلان عنها. وهو ما خلق حالة من الجدل في الأوساط الإثيوبية والدولية، كما أثار الاتفاق العديد من التساؤلات حول تفسير بعض بنوده مثل البند المتعلق بتفكيك قوات دفاع تيجراي وتجريدهم من أسلحتهم، وإعادة دمجهم في المجتمع، وما يفرضه من تساؤل حول مصير القوات الخاصة للأقاليم الإثيوبية الأخرى في البلاد.
فيما تجاوز الاتفاق عددًا من القضايا الرئيسية التي تظل أحد أسباب تجدُّد الصراع في شمال إثيوبيا، مثل تطبيق العدالة الانتقالية الناجزة، ومحاسبة المتورطين في عمليات القتل والتهجير، إلى جانب قضية السيادة على منطقة غرب تيجراي المتنازَع عليها بين إقليمي تيجراي وأمهرة.
في سياق متصل، غابت بعض الأطراف الرئيسية في الحرب الإثيوبية عن إقليم تيجراي عن مفاوضات بريتوريا لا سيما قومية أمهرة والجانب الإريتري، وهما حليفان رئيسيان لآبي أحمد خلال الحرب الأخيرة. في الوقت الذي نص الاتفاق المبرم على طرد القوات الأجنبية من الأراضي الإثيوبية في إشارة للقوات الإريترية المنخرطة في الحرب، وهو ما عزّز الخلاف المكتوم بين آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي خلال الفترة الأخيرة.
ويشير السياق العام للمشهد الإثيوبي منذ توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022م إلى التزام أطراف الصراع بوقف إطلاق النار، وهو ما تجلَّى في عقد لقاءين بين الحكومة الإثيوبية ووفود من حكومة إقليم تيجراي من أجل تنفيذ بنود اتفاق وقف الأعمال العدائية.
3- تحركات آبي أحمد ما بعد اتفاق بريتوريا
حاول آبي أحمد استغلال حالة التفاؤل الحذر التي تلت توقيع الاتفاق المبرم مع جبهة تحرير تيجراي في الدفع نحو مزيد من الاستقرار الداخلي وتجاوز مرحلة الصراع والقتال التي شهدتها البلاد على مدار عامين تقريبًا.
وقد ارتكزت التحركات الإثيوبية ما بعد اتفاق بريتوريا على مسارين؛ أحدهما المسار الداخلي، والآخر المسار الخارجي على الصعيدين الإقليمي والدولي. وذلك بهدف تعزيز حالة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، إضافة إلى تخفيف حدة الضغوط الخارجية مِن قِبَل القوى الدولية، وتحسين صورة النظام الإثيوبي أمام المجتمع الدولي؛ تمهيدًا للاستعانة به في مجال إعادة الإعمار؛ من خلال الاستفادة من الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الاقتصادية والتنموية للجانب الإثيوبي، وهو ما قد ينعكس بالإيجاب على إنقاذ الاقتصاد الإثيوبي الذي شهد تحديات جمَّة منذ اندلاع الحرب في نوفمبر 2020م.
فعلى الصعيد الداخلي؛ سهّلت الحكومة الإثيوبية منذ نوفمبر 2022م دخول الشاحنات المحمَّلة بالمساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة في إقليم تيجراي شمالي البلاد، والتي قدّمتها بعض المنظمات الدولية؛ مثل: برنامج الغذاء العالمي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. كما أعلن مكتب الاتصال الحكومي لإقليم عفر في 24 نوفمبر 2022م عن بدء العمل على إعادة نحو 837 شخصًا من النازحين من تيجراي بسبب الحرب الأخيرة إلى مناطقهم الأصلية.
فيما استأنفت الحكومة الإثيوبية تقديم العديد من الخدمات المختلفة لإقليم تيجراي بعد فترة حصار دامت لعامين منذ انطلاق القتال هناك، مثل: الخدمات المصرفية، والنقل والوقود والطاقة والرحلات الجوية إلى العاصمة ميكيلي، وخدمات الاتصالات في 27 مدينة من الإقليم. وفي إطار تسهيل عمليات إعادة دمج مقاتلي تيجراي في المجتمع الإثيوبي، أسَّست الحكومة الفيدرالية لجنة وطنية لإعادة التأهيل لمقاتلي تيجراي ونزع أسلحتهم. في الوقت الذي قامت فيه جبهة تحرير تيجراي بتسليم دفعة من الأسلحة الثقيلة في يناير 2023م في منطقة معسكر أجولا على بعد 36 كيلو مترًا شمالي شرقي العاصمة ميكيلي([64]).
وفي سابقةٍ لم تشهدها إثيوبيا منذ اندلاع الحرب الأخيرة؛ جاءت زيارة وفد من الحكومة الفيدرالية إلى ميكيلي عاصمة إقليم تيجراي في ديسمبر 2022م بهدف متابعة تنفيذ اتفاق بريتوريا، كما التقى آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، بوفد من حكومة تيجراي في العاصمة أديس أبابا في فبراير 2023م بهدف تقييم التنفيذ الجاري لاتفاق بريتوريا([65]). وهو ما قد يُمثّل فرصة لتحسين العلاقات وإعادة الثقة بين الطرفين عقب توقيع الاتفاق الأخير بينهما؛ تمهيدًا لتطبيع العلاقات، وما قد تحمله من دلالات كاشفة مثل استمرار جبهة تحرير تيجراي كطرف سياسي رئيسي في المشهد العام الإثيوبي، إضافةً إلى تعزيز حالة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد خلال المرحلة المقبلة.
أما على الصعيد الخارجي؛ فقد برز اهتمام آبي أحمد باستعادة ثقة المجتمع الدولي في نظامه عقب فترة من التوتر استمرت منذ اندلاع حرب تيجراي، وتوسيع دائرة علاقاته الخارجية في إطار مساعيه لتخفيف حدة الضغوط الدولية على نظامه، واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده والمساعدات الاقتصادية والتنموية، والمساهمة في مجال إعادة الإعمار للمناطق المتضررة من الحرب الأخيرة في أقاليم تيجراي وأمهرة وعفر، والتي قدَّرتها التقارير الحكومية الإثيوبية بحوالي 3.5 مليار دولار، في حين تقدّرها تقارير غربية بأكثر من 12 مليار دولار([66]).
فقد أجرى آبي أحمد عددًا من الزيارات الخارجية في سبيل تعزيز علاقات بلاده الخارجية؛ حيث زار جنوب السودان في مارس 2023م؛ بهدف تطوير العلاقات الثنائية مع جوبا، وشارك في مؤتمر الأمم المتحدة الخاص لدعم البلدان الأقل نموًّا، والذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة في نفس الشهر. فيما زار آبي أحمد الصومال للمشاركة في أعمال القمة الرباعية الإقليمية -قمة دول الخط الأمامي- التي استضافتها العاصمة مقديشو في فبراير 2023م؛ بهدف بحث سُبل مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي.
كما جاءت زيارته إلى السودان في يناير 2023م بهدف دفع الأطراف السودانية نحو إنهاء التوترات السياسية في المرحلة الانتقالية بالبلاد، وفي إطار المساعي لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وتجاوز التوتر الذي ساد العلاقة بينهما منذ نوفمبر 2020م بسبب قضيتي سد النهضة الإثيوبي ومنطقة الفشقة المتنازع عليها بينهما. وقد زار آبي أحمد دولة الإمارات للمشاركة في قمة أسبوع أبو ظبي للاستدامة في يناير 2023م، والتقى بعدد من المسؤولين الإماراتيين بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي فبراير 2023م، قام آبي أحمد بجولة أوروبية شملت زيارة فرنسا وإيطاليا ومالطة في ضوء مساعيه للانفتاح على الشركاء الدوليين وتحسين العلاقات مع المجتمع الدولي لتجاوز المرحلة السابقة، واستقطاب المزيد من الاستثمارات والمساعدات إلى بلاده. كما شارك في أعمال قمة واشنطن-إفريقيا التي استضافتها الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف ديسمبر الماضي. والتي فسَّرها البعض باحتمالية حدوث انفراجة في العلاقات المتوترة بين إدارتي بايدن وآبي أحمد خلال العامين الماضيين. وقد التقى آبي أحمد على هامش تلك الزيارة مع بعض المسؤولين الدوليين من مؤسستي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
في حين شهدت أديس أبابا عدة زيارات مهمة لعدد من المسؤولين الدوليين؛ فقد زار أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، البلاد في مارس 2023م في إطار جولته الإفريقية الأخيرة؛ حيث بحث سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع أديس أبابا، كما أعلن عن تقديم بلاده نحو 331 مليون دولار كمساعدات إنسانية لإثيوبيا، ومواصلتها دعم الاقتصاد الإثيوبي([67]). كما كشف عن إمكانية استعادة إثيوبيا لعضويتها في قانون الفرص الأمريكية في إفريقيا (أجوا)؛ شريطة التنفيذ الكامل لاتفاق بريتوريا.
فيما زار تشين جانغ، وزير الخارجية الصيني الجديد، أديس أبابا في يناير 2023م في ضوء الاهتمام الصيني بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين خلال الفترة المقبلة. بينما زارت وزيرتا خارجية ألمانيا وفرنسا البلاد في يناير 2023م؛ بهدف دعم تنفيذ اتفاق بريتوريا، ومتابعة تطورات الأوضاع الإنسانية في شمال البلاد([68]). فيما انعقدت أعمال اللجنة الوزارية المشتركة الثامنة الروسية الإثيوبية في ديسمبر 2022م، حيث وقَّع الطرفان اتفاقية للتعاون الثنائي في مجالات مختلفة مثل التعدين والتجارة والطاقة والتعليم والزراعة والصحة والتكنولوجيا والعلوم والسياحة والاستثمار([69]).
كما تلقَّت إثيوبيا خلال الفترة الأخيرة بعض المساعدات الاقتصادية والتنموية والإنسانية بهدف تخفيف حدة سوء الأوضاع الإنسانية في البلاد خلال العامين الأخيرين. فقد وقَّعت اليابان مع إثيوبيا في مارس 2023م اتفاقية مساعدات بقيمة 25.4 مليون دولار لتنفيذ بعض المشروعات المتعلقة بمياه الشرب وشراء الأسمدة. ومنحت بريطانيا البلاد في يناير 2023م نحو 16.6 مليون جنيه إسترليني لدعم أكثر من 600 ألف شخص في المناطق المتضررة من الحرب الإثيوبية الأخيرة([70]).
وأطلقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في ديسمبر 2022م مشروعًا بقيمة 8.7 مليون دولار لتنمية بعض المناطق في إقليم شعوب جنوب إثيوبيا. كما وقَّعت إثيوبيا في ديسمبر 2022م اتفاقية مع البنك الإفريقي للتنمية بقيمة 14 مليون دولار لمساعدة برنامج التنمية المستدامة للمياه وتحسينها. فيما قدّمت الصين في نوفمبر 2022م دعمًا بقيمة 600 ألف دولار للشرطة الإثيوبية في إطار تعزيز العلاقات بين البلدين، وتعهَّدت بمزيد من المساعدات الإنسانية. وأعلن الاتحاد الأوروبي في نوفمبر 2022م تقديم دعم بقيمة 33 مليون يورو من أجل دعم المدارس الأكثر تأثرًا بالصراع الإثيوبي في شمال البلاد، والتي بلغ عددها نحو 8500 مدرسة([71]).
بينما أعلنت الحكومة الإيطالية في نوفمبر 2022م عن تقديم منحة للحكومة الإثيوبية بحوالي 5 ملايين يورو لدعم أنشطة التنمية في البلاد. فيما تعهَّدت عدد من الدول بتقديم المزيد من الاستثمارات في إثيوبيا خلال الفترة المقبلة مثل بنجلاديش والهند وكوبا وتركيا وباكستان والجزائر والتشيك وفنلندا والسويد والكويت والنرويج والدنمارك.
رابعًا- مستقبل الدولة الإثيوبية بعد اتفاق بريتوريا
في ضوء الواقع الإثيوبي الراهن الذي يتَّسم بالمزيد من التعقيد وتنامي الأزمات المختلفة التي تواجهها الدولة الإثيوبية خلال السنوات الأخيرة، وفي ظل دينامية التفاعلات الداخلية التي تعكس سياقًا مضطربًا على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية والإثنية برغم توقيع اتفاقي بريتوريا ونيروبي مؤخرًا، يبدو مستقبل الدولة الإثيوبية مفتوحًا على كافة السيناريوهات المحتملة خلال المرحلة المقبلة.
1- مستقبل نظام آبي أحمد في إثيوبيا
كان مستقبل آبي أحمد في السلطة على المحك مع تطورات الحرب الإثيوبية في تيجراي، حينما كادت قوات دفاع تيجراي أن تصل إلى مشارف العاصمة أديس أبابا، قبل إحداث تحول دراماتيكي في موازين القوة العسكرية أسهمت في تغيير المعادلة العسكرية على أرض المعركة لصالح آبي أحمد؛ بفضل دعم حلفائه الإقليميين والدوليين له. ومع توقف الحرب في شمال البلاد؛ شرع آبي أحمد في التمهيد لإطلاق حوار وطني شامل لتسوية الأزمات التي تكاد تعصف بوحدة الدولة الإثيوبية. وهو يستهدف بالأساس الحفاظ على شرعيته السياسية، وتحسين صورته في الداخل الإثيوبي التي تراجعت بالرغم من فوز حزبه الحاكم في الانتخابات التشريعية وتشكيله للحكومة الجديدة في أكتوبر 2021م. كما أنه يستهدف تحقيق طموحه الشخصي من خلال تنفيذ مشروعه السياسي الذي يضمن له بسط نفوذه في الداخل الإثيوبي خلال المرحلة المقبلة.
ويعتمد آبي أحمد من أجل استمرار نظامه الحاكم على تماسك تحالفاته الداخلية والإقليمية حتى الآن، والتي تمثل ظهيرًا سياسيًّا وشعبيًّا لدعمه في الداخل الإثيوبي، في مقابل ضعف وتشرذم المعارضة السياسية في البلاد، بالإضافة إلى ترويجه بتفوق قواته العسكرية وإجبار جبهة تحرير تيجراي على انسحاب قواتها إلى معاقلها في إقليم تيجراي شمالي البلاد، بفضل الدعم الإقليمي والدولي للنظام الحاكم من خلال إمداده بالدعم اللوجستي المتمثل في الطائرات بدون طيار، وهو ما يعكس حرص بعض القوى الفاعلة على استمرار نظام آبي أحمد في الحكم؛ لاعتبارات مصلحية بحتة تتعلق بتعزيز النفوذ والهيمنة في منطقة القرن الإفريقي عبر بوابة إثيوبيا مثل الصين وتركيا، وغيرهما.
وهو ما يتفق مع تخوُّفات المجتمع الدولي من انهيار إثيوبيا وانعكاسات ذلك على زعزعة أمن واستقرار القرن الإفريقي، خاصةً أن السياسات الدولية تنظر إلى أديس أبابا باعتبارها أحد الركائز الداعمة للاستقرار الإقليمي في المنطقة. الأمر الذي يرجّح استمرار آبي أحمد لنهاية فترة ولايته في الحكم ما لم تطرأ مستجدات نوعية على الساحة الإثيوبية قد تُغيّر موازين القوة في الداخل على غرار ما شهدته البلاد في أواخر حكم مانجستو في تسعينيات القرن الماضي.
2- مستقبل الحوار الوطني الإثيوبي
يمثل الحوار الوطني في إثيوبيا حال انعقاده مخرجًا استراتيجيًّا مهمًّا لجميع الأطراف في المشهد الإثيوبي المعقد، فمن شأنه حال عدم إقصاء أي طرف من القوى السياسية الفاعلة أن ينهي حالة الاستقطاب السياسي والأمني هناك، وحالة اللاسلم واللاحرب على صعيد الصراع في إقليم تيجراي. فضلًا عن احتمال إعادة دمج جبهة تحرير تيجراي في المشهد السياسي الإثيوبي مجددًا حال تسوية الأزمة مع الحكومة المركزية بتنفيذ بنود اتفاق بريتوريا كاملة.
ويظل إجراء الحوار الوطني في إثيوبيا خلال الفترة المقبلة مرهونًا بالتغلب على عدد من التحديات والتي من أبرزها إقناع آبي أحمد لحلفائه في الداخل والخارج بإجراء الحوار الوطني بمشاركة جبهة تحرير تيجراي؛ تمهيدًا لإعادة دمجها في الساحة السياسية، والحيلولة دون انقسام معسكره إلى فريقين متضادين خوفًا من أيّ انشقاقات محتملة. إضافة إلى تخلّي جبهة تحرير تيجراي عن بعض شروطها الخاصة باسترداد جزء من أراضيها التي استولى عليها إقليم أمهرة، وطرد القوات الإريترية من الداخل الإثيوبي وإيقاف عملياتها العسكرية عند الحدود بين إقليم تيجراي وإريتريا. ومع ذلك، تبدو الظروف مواتية لإطلاق الحوار الوطني الإثيوبي لتعزيز اتفاق بريتوريا ودعم شرعية وشعبية آبي أحمد في الداخل والخارج.
3- مستقبل اتفاق بريتوريا
يظل اتفاق بريتوريا المبرم في نوفمبر 2022م محطة فارقة في تاريخ إثيوبيا؛ نظرًا لكونه أسهم في إنهاء الحرب الإثيوبية المستمرة على مدار عامين منذ نوفمبر 2020م، والتي كادت أن تعصف بوحدة واستقرار الدولة الإثيوبية. ويشكل استمرار الاتفاق وتنفيذ بنوده بشكل كامل أهمية استراتيجية بالنسبة للداخل الإثيوبي في ضوء المساعي لتعزيز الاستقرار الداخلي على جميع المستويات، وبالنسبة للمجتمع الدولي الذي يَنْظر إلى إثيوبيا باعتبارها ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي.
لذلك، يضمن الالتزام بتنفيذ الاتفاق المبرم من جانب أطرافه تحقيق أهدافها والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، فمن المتوقع أن يعزّز آبي أحمد شرعيته وشرعية نظامه في الداخل الإثيوبي، ويعيد ترتيب علاقاته الاستراتيجية مع المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، ويحسّن صورته أمام القوى الدولية الفاعلة. وعلى الجانب الآخر، لا ترغب جبهة تحرير تيجراي أن تتكبد خسائر بشرية واقتصادية وعسكرية جديدة في قتالها ضد القوات الحكومية الإثيوبية وحلفائها، كما أن اتفاق بريتوريا يضمن لها البقاء في معادلة المشهد السياسي الإثيوبي، بما يعني إفشال مساعي خصومها للقضاء عليها بشكل نهائي.
ومع ذلك، يظل تنفيذ اتفاق بريتوريا في إثيوبيا مرهونًا بتوافر الإرادة السياسية لدى طرفي الاتفاق حول الالتزام بكافة بنوده لتجنيب البلاد ويلات الصراعات والحرب الأهلية، إضافة إلى استمرار مراقبة المجتمع الدولي لعملية تنفيذ الاتفاق وممارسة المزيد من الضغوط للالتزام به للحيلولة دون انهياره والرجوع إلى المربع الأول في الصراع الإثيوبي. وهو ما قد يتطلب تقديم بعض القوى الفاعلة مثل واشنطن وبكين المزيد من الحوافز للأطراف الإثيوبية مثل المساهمة في مجال إعادة الإعمار من أجل التمسك باتفاق وقف الأعمال العدائية؛ تمهيدًا لتحقيق عملية السلام الشامل في البلاد خلال الفترة المقبلة.
4- مستقبل الدولة الإثيوبية
يهدّد استمرار الصراعات والنزاعات في الداخل الإثيوبي بشكل واضح مستقبل الوحدة الإثيوبية؛ خاصةً في ظل المخاوف من احتمال تجدُّد الصراع في إقليم تيجراي، واندلاع صراعات جديدة في مناطق أخرى بالبلاد، وما يرتبط به من التلويح باستخدام المادة 39 من الدستور الفيدرالي المتعلقة بحق الأقاليم الإثيوبية في تقرير مصيرها أو الانفصال عن الدولة الإثيوبية؛ الأمر الذي ربما يهدّد بتفكك البلاد لدويلات صغيرة أو انزلاقها للحرب الأهلية الشاملة، واشتعال حرب الكل ضد الكل في الداخل، وذلك في حالة عدم إيجاد مخرج لكافة الصراعات والتوترات بمختلف أنواعها في الداخل الإثيوبي.
وتظل مسألة إدارة التعدد العرقي في إثيوبيا أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومات المختلفة، والتي أخفقت جميعها منذ عام 1995م في حل أزمة التعدد العرقي في البلاد. وربما تكون سببًا في زعزعة استقرار نظام آبي أحمد الحاكم، خاصة في ضوء تصاعد التوترات العرقية في أنحاء البلاد، وتنامي حالة العداء بين بعض القوميات الإثيوبية والنظام الحاكم لا سيما أورومو؛ بسبب سياسات الحكومة المركزية التي تسعى لإقصاء خصومها السياسيين، كما أن تقاربها مع قومية أمهرة من شأنه تصاعد التوترات العرقية مع القوميات الأخرى في بعض الأقاليم التي تتنامى لديها مشاعر المظلومية والتهميش مثل عفر وأوروميا وتيجراي. وهو ما يعني احتمالية استمرار التوترات والصراعات العرقية في الداخل الإثيوبي وما قد يترتب عليها من استمرار الوضع المتأزم للدولة الإثيوبية.
ويرتهن مستقبل شكل النظام السياسي في إثيوبيا إلى سيناريوهيْن؛ أحدهما يتعلق بإلغاء نظام الفيدرالية المعمول به منذ عام 1995م وتطبيق المركزية في الحكم التي تُقلّص من السلطات التي تتمتع بها إدارات الأقاليم الإثيوبية لصالح الحكومة المركزية في أديس أبابا. ويمثل هذا السيناريو رؤية ومشروع آبي أحمد السياسي خلال الفترة المقبلة. وهو يرتبط بشكل أساسي بقدرة آبي أحمد على احتواء جبهة تيجراي خلال الفترة المقبلة. إضافة إلى تقوية تحالفاته الداخلية الرئيسية مع أمهرة، واستقطاب العديد من الأقاليم والقوميات الإثيوبية حتى يتمكن من تمرير مشروعه السياسي. وفي نفس الوقت، قدرته على احتواء المعارضة السياسية في البلاد ومحاولة استقطابها وانخراطها ضمن المشروع السياسي المزعوم. إلى جانب قدرة آبي على تحسين علاقاته مع القوى الدولية الفاعلة لا سيما واشنطن خلال الفترة المقبلة حتى لا تقف عقبة أمام تمرير مشروعه المزعوم.
أما السيناريو الثاني فيتعلق بتفكك الدولة الإثيوبية نتيجة استمرار تصاعد التوترات والصراعات بين القوميات والأقاليم الإثيوبية، والتي ربما تسهم في تفاقم حالة الاستقطاب على الساحة الإثيوبية. بالإضافة إلى احتمال تجدد الصراع في إقليم تيجراي حال انهيار الاتفاق المبرم بين الطرفين مؤخرًا. وهو ما يهدد الوحدة الإثيوبية وما قد يترتب عليها من تهديد لأمن واستقرار القرن الإفريقي.
ومن المرجح أن ينجح آبي أحمد في فرض رؤيته السياسية الرامية إلى إلغاء نظام الفيدرالية الإثنية، والتحول بشكل كامل إلى نموذج مركزي في الحكم يسيطر عليه آبي أحمد بما يخدم طموحه السياسي بخصوص مستقبل الحكم في إثيوبيا خلال السنوات المقبلة، حتى وإن طالت المدة الزمنية بشأن إتمام هذه الخطوة لأسباب قد تتعلق بممانعة بعض الأطراف والقوى السياسية الإثيوبية للمشروع والتصدي له، وربما الصدام مع نظام آبي أحمد لاستمرار النظام الفيدرالي؛ إلا أن إعادة انتخاب آبي أحمد وفوز حزبه الحاكم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، واحتمالات نجاحه في احتواء جبهة تحرير تيجراي، بالإضافة إلى احتمال حشد القوميات والأقاليم الإثيوبية لدعم حزب الازدهار الحاكم الجديد والترويج للنظام المركزي، ربما يعزز موقف آبي أحمد على الساحة السياسية الإثيوبية خلال الفترة المقبلة.
ومع ذلك، من غير المتوقع أن ينجح آبي أحمد في معالجة جميع الأزمات التي تُواجه نظامه الحاكم، لاسيما إدارة قضية التعدد الإثني التي تعد سببًا رئيسيًّا في تفاقم التوترات والصراعات المتعددة على الساحة الإثيوبية، وإن كان يروّج لمشروعه السياسي الذي يدّعي أنه مخرج لأزمات البلاد، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك؛ حيث يصعب دمج جميع العرقيات الإثيوبية باختلاف مشاربها في بوتقة واحدة هي حزب الازدهار الحاكم. الأمر الذي يدفع نحو ضرورة إجراء معالجة حقيقية لأزمة التعدد الإثني في البلاد، التي ربما تُفضي إلى تفتُّت الدولة الإثيوبية حال استمرار الإخفاق في حل معضلة الاندماج الوطني في البلاد.
خاتمة:
برغم الأهمية التي يحظى بها اتفاق بريتوريا في ضوء الآمال الكبيرة لتحقيق السلام الشامل في إثيوبيا بعد وقف القتال بين طرفي الصراع الممتد منذ نوفمبر 2020م في الشمال الإثيوبي؛ إلا أنه لا يمكن التعويل عليه في إنهاء جميع أزمات الدولة الإثيوبية، لا سيما أنه يُمثّل اتفاقًا بين طرفين فقط في المشهد السياسي الإثيوبي، وهما الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي، في الوقت الذي تشهد فيه إثيوبيا سلسلة من التوترات والصراعات بين القوميات والعرقيات الإثيوبية المختلفة في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، قد يمثل اتفاق بريتوريا، حال نجاحه وتنفيذ جميع بنوده، خطوة إيجابية قد تتبعها خطوات إضافية لتسوية العديد من الأزمات التي تنعكس بشكل أساسي على استقرار وأمن الدولة الإثيوبية التي تمثل ركيزة أساسية للأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي بشكل عام. ويكون ذلك شريطة توافر الإرادة السياسية لدى نظام آبي أحمد رغبة في المزيد من الاستقرار السياسي والأمني الذي ينعكس بالأساس على الوضع الاقتصادي المتراجع منذ أكثر من عامين تقريبًا.
وإجمالًا، من المرجح أن تشهد إثيوبيا استمرار سلسلة التوترات والصراعات السياسية والعرقية والدينية خلال الفترة المقبلة لطالما أخفقت الحكومات الإثيوبية المتعاقبة منذ سقوط نظام مانجستو في إدارة التعددية العرقية بالبلاد، والتي تُشكِّل إحدى معضلات الحكم في أديس أبابا. الأمر الذي ربما ينعكس سلبًا على وحدة الدولة الإثيوبية واستقرارها خلال السنوات القادمة.
[1]. عبد السلام الجابري، البعد الإيجابي في العلاقات العربية الإفريقية والتعددية الإثنية كرابط ثقافي (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، أبريل 2013م) ص ص142-162.
[2]. Berihun Adugna Gebye, Federal Theory and Federalism in Africa, Verfassung und Recht in Ubersee, 24 August 2020, available at:
[3]. David Turton, Four Questions about Ethiopia’s Ethnic Federalism, St Antony’s International Review, Vol. 1, No. 2, 2005, PP. 88-101.
[4]. Terrence Lyons, Closing the Transition: The May 1995 Elections in Ethiopia, The Journal of Modern African Studies, Vol. 34, No. 1, 1996, PP. 121-142.
[5]. دراسة: 69 ٪ من الإثيوبيين يؤيدون إجراء تعديلات في الدستور، صحيفة السلام.. القرن الإفريقي، 26 أغسطس 2020م، متاح على:
[6]. Ibid,.
[7]. THE ROLE AND RELEVANCE OF RELIGION IN ETHIOPIA’S CURRENT CONFLICTS, Addis Standard, 6 November 2019, available at:
[8]. René Lefort, Ethiopia’s war in Tigray is ‘but the tip of the iceberg when it comes to conflicts ravaging the country’, The Africa Report, 30 April 2021, available at:
[9]. Morris Kiruga, Ethiopia: Turmoil over Hachalu’s burial reignites mass Oromo protests, The Africa Report, 2 July 2020, available at:
[10]. Noé Hochet-Bodin, Après le Tigré, de nouveaux fronts s’ouvrent pour l’Ethiopie, Le Monde, 4 janvier 2021:
[11]. Kjetil Tronvoll, Ethiopia: Tigray, Sudan, Amhara… The multiple crises of Abiy Ahmed, The Africa Report, 5 April 2021, available at:
[12]. Crisis in Ethiopia: New conflict threatens the region, International Rescue Committee, 8 January 2021, available at:
[13]. تعد جبهة تحرير ألاقو تابعة لقومية ألاقو التي تعد من الأقليات المضطهدة، والتي تتمركز في بعض المناطق بمدينة وللّو إحدى الولايات الثلاثة المكونة لإقليم أمهرة. وهي تسعى إلى تأسيس كيان فيدرالي مستقل ضمن الدولة الفيدرالية الإثيوبية.
[14]. تشكيل إدارة مؤقتة في محافظة “واج حمرا” استعدادًا للانفصال عن إقليم أمهرة الإثيوبي، فرجت نت، متاح على: https://bit.ly/3sedCdG
[15]. Mulugeta G Berhe, Ethiopia’s political crisis is playing out in the regions, The Africa Report, 31 August 2020, available at: https://bit.ly/3qQIUH0
[16]. Bereket Eshetu Messele, Splitting Ethiopia’s Southern Nations Region into four could promote peace, The Africa Report, 27 October 2020, available at: https://bit.ly/3qTnWHr
[17]. Bridging the Divide in Ethiopia’s North, International Crisis Group, 12 JUNE 2020, available at: https://bit.ly/3wmd1qJ
[18]. Nike Ching, Ethiopia Must Set Right Environment for Election, US Says, Voice of America, 11 May 2021, available at:
[19]. Yonas Abiye, The PM’s latest appearance in parliament, The reporter, Ethiopia, 27 March 2021, available at:
[20]. Ethiopia Country Report, Crisis 24, available at:
[21]. PM Abiy forms new gov’t; adds 20 institutions including NISS, INSA, Investment & Financial Security Accountable to his Office, Addis Standard, 6 October 2021, available at: https://bit.ly/3AxMskw
[22]. ETHIOPIA: ‘The June 2021 election is between democratic life and death’, Civicus, available at:
[23]. Abiy Appoints 61 Deputy Ministers, Commissioners, Ethiopian Monitor, 9 October 2021, available at: https://bit.ly/3FCcc3a
[24]. Nima Khorrami, Abiy Ahmed’s law and order operation is stoking Ethiopia’s crisis of legitimacy, LSE, 19 February 2021, available at:
[25]. OP-ED: ENDING ETHIOPIA’S ARMED CONFLICTS: A MODEST PROPOSAL, Addis Standard, 15 December 2020, available at: https://bit.ly/2SVt2X4
[26]. Noé Hochet-Bodin, Idem,.
[27]. Samuel Getachew, Ethiopia, once one of world’s fastest growing economies, is seeing carefully laid plans unravel, Quartz Africa, 7 May 2002, available at:
[28]. Ethiopia Economic Outlook, African Development Bank Group, available at: https://bit.ly/4006K3H
[29]. Federico Rogai, Ethiopia’s debt: an economic and political liability, Ethiopian Insight, 10 May 2021, available at:
[30]. Tewedaj Sintayehu, Whose actions caused the ongoing inflation?, The Reporter, Ethiopia, 6 March 2021, available at:
[31]. Fred Harter, Ethiopia: Afar region the new front in the civil war as Tigray violence subsides, The Africa Reporter, 25 February 2022, available at: https://bit.ly/3xZMIuz
[32]. Brook Abdu, Challenges to the upcoming general elections, The Reporter, Ethiopia, 3 April 2021, available at: https://bit.ly/3bELHwD
[33]. Ethiopia, Freedom House, available at:
[34]. Michelle Gavin, In Ethiopia, Peace Requires Domestic Reconciliation, Council on Foreign Relations, 7 May 2021, available at:
[35]. Patrick Wight, Threats to Ethiopia’s Fragile Democratic Transition, ACCORD, available at:
[36]. ANALYSIS: VIOLENCE ONCE AGAIN LEAVES SCORES OF CIVILIAN CASUALTIES AS AFAR, SOMALI REGIONS CONTINUE TO TRADE BLAME, Addis Standard, 7 April 2021, available at:
[37]. IrI-NDI Virtual Pre-Election Assessment Delegation for 2021 Ethiopian Elections, International Election Assessment, Washington, 2021, PP.1-22.
[38]. Ben Mccann, Elections called in a Contested Ethiopia, Elections called in a Contested Ethiopia, Global Risk Insights, 12 April 2021, available at:
[39]. Buli Edjeta, Imperial ambition is the main hurdle to peace in Ethiopia, Ethiopia Insight, 4 June 2022, available at: https://bit.ly/3y1rtc3
[40]. Ibid,.
[41]. Giulia Paravicini, Eritrean troops shell town in north Ethiopia – U.N, Reuters, 31 May 2022, available at: https://reut.rs/3xrN3Vu
[42]. Ethiopia Country Report, Idem,.
[43]. Ibid,.
[44]. Ethiopia: Major Oromo Group Strikes Alliance with TPLF, Somtribune, 12 august 2021, available at: https://bit.ly/3sjo0RE
[45]. تشكيل تحالف عسكري ثلاثي ضد آبي أحمد.. وجبهة تحرير أوروميا على بعد 150 كيلومتر من أديس أبابا، فرجت نت، متاح على: https://bit.ly/3iJwgHb
[46]. BEYOND TIGRAY, CONDEMNING POLITICAL VIOLENCE AND CONFLICTS THROUGHOUT ETHIOPI, Addis Standard, 12 June 2021, available at: https://bit.ly/3xrP6ro
[47]. Mistir Sew, Ethiopia: A nine-point plan to restore stability, The Africa Report, 22 April 2021, available at: https://bit.ly/3hpCqvG
[48]. Brook Abdu, Regional Special Forces: threats or safeties?, The reporter, Ethiopia, 2 January 2021, available at:
[49]. Vanda Felbab-Brown, Dangerous trends in Ethiopia: Time for Washington’s tough love, Eritrea Hub, 10 August 2021, available at: https://bit.ly/3jWnVzg
[50]. René Lefort, Idem,.
[51]. Brook Abdu, Idem,.
[52]. TPLF forces have “unleashed an attack” at neighboring Afar, Ethiopia Observer, 25 January 2022, available at: https://bit.ly/34mS3jt
[53]. Martin Plaut, More Than 140 People Killed in Air Strikes in Northern Ethiopia Since October, Harnnet, 5 January 2022, available at: https://bit.ly/3JYcuDy
[54]. TPLF says “ready to dispatch a high-level delegation ”for a peace talk with the Ethiopian gov’t, Borkena, 15 June 2022, available at: https://bit.ly/3xXzZZu
[55]. Noé Hochet-Bodin, En Ethiopie, des négociations s’organisent en coulisse entre le gouvernement et les rebelles du Tigré, Le Monde, France, 9 June 2022: https://bit.ly/3xBJYCe
[56]. Leaked Ethiopian Foreign Ministry document proposes talks to end Tigray conflict, Eritrea Hub, 28 January 2021, available at: https://bit.ly/3LiI5AE
[57]. Ethiopia Breaking News: Secret negotiations between PM Abiy Ahmed’s gov’t and TPLF to take place in Tanzania, Horn Daily, 13 June 2022, available at: https://bit.ly/3zGzofR
[58]. Olusegun Akinfenwa, Tigray conflict: A plea for peace before Ethiopia becomes the Libya of east Africa, Mereja.com, 1 January 2022, available at: https://bit.ly/3rcUk9E
[59]. Messay Kebede, Ethiopia’s dilemma: what to do with the military victory?, Ethiopia Observer, 29 December 2021, available at: https://bit.ly/3odkcQK
[60]. Fasika Tadesse and Simon Marks, Ethiopia Says It Downed Arms-Laden Plane Crossing From Sudan, Bloomberg, 24 August 2022, available at: https://bloom.bg/3Tv37QP
[61]. Isaac Kaledzi, Fighting flares in Tigray after five-month lull, DW, 26 August 2022, available at: https://bit.ly/3YWV9Bk
[62]. Turning the Pretoria Deal into Lasting Peace in Ethiopia, International Crisis Group, 23 November 2022, available at: https://bit.ly/3TqG89v
[63]. Ibid,.
[64]. Ethiopian rivals agree on humanitarian access for war-ravaged Tigray, The Guardian, 13 November 2022, available at: https://bit.ly/3ZYWZ5Y
[65]. Ethiopia PM holds first post-peace deal meeting with Tigray leaders, rfi, 3 February 2023, available at: https://bit.ly/3FzbxB6
[66]. Ashenafi Endale, What does Ethiopia need most: a reform or reconstruction?, The Reporter, 24 December 2022, available at: https://bit.ly/3YXqaVE
[67]. Tesfa-alem tekle, Blinken announces $331m humanitarian aid to Ethiopia, The East African, 16 March 2023, available at: https://bit.ly/3FuHfz9
[68]. French and German diplomatic chiefs to visit Ethiopia next week, Africa News, 5 January 2023, available at: https://bit.ly/42oscB1
[69]. Ethiopia, Russian Agree to Hold Joint Commission Meeting in Short Period of Time, ENA, 24 September 2022, available at: https://bit.ly/3yLSi3t
[70]. UK announces support to Ethiopian drought- and conflict-affected regions, Ethiopia Semongena, 21 January 2023, available at: https://bit.ly/40jcS72
[71]. EU donates €33 million (1.8 billion ETB) to UNICEF and WFP to restore essential education services and implement school feeding programmes in conflict affected areas in Ethiopia, Relief web, 21 November 2022, available at: https://bit.ly/3yPVQ4G