المؤلفان:
د. مجناح آمال، جامعة محمد بوضياف، مسيلة، الجزائر.
فايزة والي باحثة دكتوراه، جامعة محمد بوقرة، بومرداس، عضوة بمخبر الدراسات السياسيَّة والدولية، الجزائر.
ملخص الدراسة:
تعاني معظم الدول الإفريقيَّة مشاكل على مجمل الأصعدة؛ الاقتصادية والسياسيَّة والاجتماعية، منها ما امتدَّ لحقبةٍ طويلةٍ من الزمن امتدَّت جذوره منذ الحقبة الاستعماريَّة، واستمرت تداعياته إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، فنتج عن ذلك دُوَلٌ تفتقد في بنائها لأصول الدولة الحديثة، ومجتمعات تفتقر إلى التركيب الاجتماعي الأصيل؛ ما ينمُّ عن اختلال العلاقة بين المجتمع والدولة، إضافةً إلى اختلال البرامج التنموية التي لا تراعي خصوصية المجتمعات المحلية، ولعل تبنّي مقاربة الحكم الراشد كانت سببًا في تجاوز بعض من إشكاليات التنمية داخل الدول الإفريقيَّة؛ حيث كان لها الأثر الواضح في إصلاح مختلف الأنساق لهذه الدول من أجل تحقيق التنمية الشاملة واللحاق بمصافّ الدول المتقدمة.
Abstract
Most African countries suffer from problems on the whole economic, political and social levels, some of which spanned a long period of time whose roots extended since the colonial era and continued to have repercussions until the post-independence stage, resulting in countries that lack in their construction of the origins of the modern state, and societies that lack the original social structure of On the imbalance of the relationship between society and the state, in addition to the imbalance of development programs that do not take into account the privacy of local communities, and perhaps adopting the good governance approach was a reason for overcoming some of the development problems within African countries, as it had a clear impact on reforming the various systems of these countries in order to achieve development. Comprehensive and catching up with the ranks of developed countries.
مقدمة:
تعيش معظم المجتمعات الإفريقيَّة حالة من التنوُّع في تركيبتها القَبَلِيَّة؛ إذ إنها تُبْنَى على أساس إثنولوجي في أصولها في إطار الرعاية الأبويَّة والولاء المطلق لهذه الجماعات؛ حيث تعمد هذه الجماعات والقبائل إلى التنافس من أجل الاستحواذ على أكبر قَدْر من الامتيازات والموارد التي تُؤهّلها إلى أن تبسط نفوذها وتفرض سيطرتها على باقي المجموعات. وعليه يؤدّي ذلك إلى فتح باب الصِّراعات والنزاعات وتقوية حركات الانفصال.
وممَّا ساعد على ترسيخ هذه المشاكل المجتمعيَّة الموروث الاستعماريّ الذي عمل على تنمية هذه الصراعات نتيجة سياساته، وكذا استمرار النُّخب الحاكمة على نهجه في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، حيث تولّدت الكثير من النخب التي تدين بالولاء لهذا الكيان من أجل تأمين بقائها في السُّلْطَة وتحقيق مصالحها الشخصيَّة.
أضف إلى ذلك سياسة المستعمر التغييبية والاستبعاديَّة لدولة ما بعد الاستقلال في إفريقيا داخل المجتمع الدولي التي عانت فيه الكثير من المظالم والتهميش، إضافةً إلى ذلك فشل السياسات والنماذج التَّنمويَّة في معظمها، وتزايد نسبة الديون الماليَّة بسبب الإذعان للإملاءات الخارجيَّة والسياسات المُجْحِفَة والتسيير اللاعقلاني الذي تمخَّض عنه الكثير من مظاهر الفساد على مختلف الأصعدة.
أما عن الدولة في إفريقيا فتعود إشكاليَّة بنائها إلى الطريقة التي ظهرت بها؛ فالدولة كيان ينشأ في الغالب نتيجة عوامل داخلية وتطور طبيعي لصراع القوى والمصالح والاحتياجات المجتمعيَّة لغرض الأمن والنظام وتحقيق العدالة في التوزيع والمساواة والمجتمعيَّة، لكنَّ الدولة في إفريقيا لم تستجب لهذه المقومات وتم إلحاقها بالدولة التي استعمرتها، مما نتج عن ذلك عدم الفصل بين الحاكم والدولة، وبقيت هذه الأخيرة تعيش أزمات حَرِجَة كثيرًا ما تقودها إلى خانة اللون الرماديّ أو تُصنّف على أنَّها دول فاشلة أو أنها تعيش في كيانات دولاتية تفتقر إلى أدنى شروط الحوكمة والبناء الديمقراطيّ الرشيد، فضلًا عن تفشّي البيروقراطية غير الكفؤة التي ينخرها الفساد من كل الجهات.
أما على الصعيد الاقتصاديّ فرغم احتواء القارة على موارد الطاقة واحتياطات معدنية هائلة منهما، إلا أنها تعيش الفقر والتخلُّف بتدني مستويات المعيشة وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي للقطاعات الإنتاجية، وضعف مُلاحَظ في خدمات الصحة والتعليم، مما نتج عن ذلك أن اقتصاداتها تابعة في تطورها، وتتحكم في نشاطها قراراتٌ تتَّخذها الاقتصادات الليبراليَّة الرأسماليَّة المسيطرة.
ومع التغيرات التي طرأت على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي وظهور بعض الأزمات الماليَّة، شهدت القارة الإفريقيَّة تحولات كبيرة لم تشهدها منذ الاستقلال، وذلك باتجاه التعددية السياسيَّة وبناء دولة القانون والمؤسَّسات، وصولًا إلى رشادة الحكم وعقلانيته، وتكوين مؤسَّسات المجتمع المدني وتفعيل أدوارها.
ونتيجة للأوضاع التي آلت إليها القارة الإفريقيَّة دفع بها إلى تبنّي الإصلاحات السياسيَّة والاقتصادية كحل للوضعية التي تعيشها، وجاء مفهوم الحكم الراشد كمفهوم معاصر صاغته المؤسسات الدولية في العقد الأخير من القرن العشرين لفكرة مبتكرة حول التسيير وإدارة شؤون الدولة والمجتمع، تضمن قدرًا من الحياة الكريمة على المستويين الاقتصادي والسياسي، بل وحتى على المستوى الاجتماعي، مما دفَع الحكومات إلى تعديل توجهاتها والبحث عن نماذج جديدة كمخرج من هذه الأزمات.
ومن هنا جاء الاهتمام نحو دراسة “مفهوم الحكم الراشد” كمبادرة تستهدف دعم التوجهات الفكرية الجديدة التي تتبناها الحكومة، وتعكس آثارها في برامج وسياسات تنموية تسعى للتشاركية وتضمين كافة فئات المجتمع في صُنْع وتنفيذ السياسة العامة كمقاربة إصلاحية لمختلف الأنساق والمستويات مع ضرورة صياغته بما يتوافق وخصوصية القارة الإفريقيَّة، ويتلاءم مع مكوناتها الثقافية والفكرية؛ حيث يسمح ذلك بتكييف آليات تتلاءم في صِيَغها مع الأوضاع المختلفة لبلدان القارة.
ولعل رواندا من البلدان الرائدة التي استطاعت أن ترتكز على مقاربة الحكم الراشد لبناء دولة حديثة، وتنمية رأسمالها الاجتماعيّ، وتقوية اقتصاد قائم على المعرفة، وإشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني كقاطرة لتحقيق التنمية الشاملة والاندماج الإقليمي والدولي.
وعليه جاءت هذه الورقة البحثية لتطرح الإشكالية التالية:
كيف استطاعت رواند تبنّي مقاربة الحكم الراشد من أجل إصلاح مختلف الأنساق السياسيَّة والاقتصادية والاجتماعية؟
وللإجابة عن هذه الإشكاليَّة يتم تناولها من منطلق المحاور التالية:
سياقات طرح مقاربة الحكم الراشد في إفريقيا: بين الإقليمية والدولية.
توصيف الواقع الإفريقي: بين التهميش وإعادة البناء.
مقاربة الحكم الراشد وإصلاح الأنساق في رواندا: من الإبادة إلى الريادة.
أولًا: سياقات طرح مقاربة الحكم الراشد في إفريقيا: بين الإقليمية والدولية
إن السياسات التي عرفتها المؤسَّسات الماليَّة الدولية لمفهوم الإصلاح الاقتصادي تؤدي إلى أفضل استفادة وتوزيع للموارد الإنتاجية، مقارنة بالاقتصادات التي صاغتها في تلك الفترة وتم طرحها على البلدان النامية[1]. كما أن الأزمة الرأسماليَّة في السبعينيات والجدل الفكري الذي انتهجته المؤسسات الماليَّة حول أسباب وتفسير ظواهر التضخم، الركود، أفرز تيارًا فكريًّا جديدًا في المنظومة الرأسماليَّة، وهو ما يُطلَق عليه اسم التيار النقدي monetarism وعلى رأسه الاقتصادي “ملتون فريدمانFriedman Melton “ وهو تيار يندمج ضمن المدرسة النيوكلاسيكية، ويحمل المبادئ العامة للنظام الرأسمالي من حيث الحرية الاقتصادية، وتقليص دور الدولة في النشاط الاقتصادي والاعتماد على اقتصاديات العرض؛ حيث أعطى هذا التيار أهمية كبيرة للنقود في تغيير وعلاج التضخم، وهو ما أدَّى إلى تبنّي السياسة الإصلاحية من قبل صندوق النقد الدولي بتصميم سياسات التصحيح إلى دراسة الاختلالات التي تواجه موازين المدفوعات[2].
وفي سياق متصل بدأ يُنْظَر إلى الدولة والسوق باعتبارهما متكاملين وليسا متنافسين بالضرورة، بل إن هذا الاقتراب الجديد –الحكم الراشد- بدأ يطرح فكرة تفعيل كفاءة الدولة والاهتمام بالمؤسسات والتركيز على مبادئ الحكم الراشد، وهي الأبعاد التي أهملتها الليبرالية الجديدة، فالملاحظ أن البنك الدولي الذي بدأ في نهاية السبعينيات ونهاية الثمانينيات بالدفاع عن افتراضات الليبرالية الجديدة أنهى عقد الثمانينيات بالتركيز على بناء القدرات الهيكلية للدولة، ثم كانت مناقشة أفضل تقسيم للعمل بين الدولة والقطاع الخاص مع بداية التسعينيات، ثم التأكيد على أهمية دور الدولة في نهاية التسعينيات، وما هو مفهوم الحكم الراشد إلا انعكاس أو مؤشر لهذه المحاولات التوفيقية (…)، فالحكم الراشد لا يقترن بالحد من دور الدولة، ولكنه يعكس إعادة تعريف الدولة بشكل يقوم على المشاركة بينها وبين القطاع الخاص والمجتمع المدني[3].
أما عن سياقات طرح مفهوم الحكم الراشد في إفريقيا؛ فقد لجأ البنك العالمي إلى مكافحة الفقر بالزراعة والتنمية الريفية، وقام بالعديد من الاستراتيجيات، وموَّل العديد من المشاريع في إفريقيا غير أن السياسة الليبرالية التي تتضمَّن الإجراءات تُعتبر معوقًا حقيقيًّا في مكافحة الفقر؛ ذلك لأنها تفتقد إلى الحاضنة الشعبية الإفريقيَّة؛ إذ إن لتأثير برامج التكيف الهيكلي والتثبيت الاقتصادي علاقة وطيدة مع ازدياد الفقر في إفريقيا، ناهيك عن حالات عدم الاستقرار والنزاعات والصراعات في إفريقيا التي تُعتبر من معوقات مكافحة الفقر في القارة. [4]
أما عن حجم الفساد في إفريقيا جنوب الصحراء فقد بلغ حدًّا لا يُطاق؛ ففي بيان صادر عن مؤسسة التنمية الإفريقيَّة كشفت أن إفريقيا خسرت أكثر من 900 مليار دولار من التدفقات الماليَّة غير القانونية بين عامي 1970 و2008م، وشكَّلت العمليات التجارية للشركات المتعددة الجنسيات 60% من التدفقات غير القانونية تليها الأنشطة الإجرامية مثل تجارة المخدرات والأسلحة والبشر بنسبة 35%، بينما تُشكّل الرشوة والاختلاس النسبة المتبقية 5%.
وقال تقرير أعدته النيباد واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة: إن قنوات التدفقات غير القانونية هي التلاعب في الأسعار في التجارة والمعاملات المرتبطة بالاستثمار والملاذات الضريبية الآمنة في الخارج، وقالت النيباد في بيان لها: إن تلك التدفقات غير القانونية أدَّت إلى خسارة إيرادات ضريبية، وأضرت بالجهات الاقتصادية، وأضعفت الحكم الراشد[5].
إن موضوع مكافحة الفقر من أهم المواضيع التي تُطْرَح بقوة وخاصة في إفريقيا جنوب الصحراء التي تُعتبر من أفقر المناطق في الكرة الأرضية على الإطلاق؛ حيث تتصدر هذه الدول القائمة بإحصاءات مخيفة، فإذا أجرينا مقارنة بين ما تتلقاه هذه الدول من مساعدات وقروض وبين ما هو واقع بالفعل قد نُصَاب بالذهول؛ نظرًا لتموقع الأرقام والإحصاءات في وادٍ وواقع التنمية في وادٍ آخر؛ إذ يعيش نصف سكان إفريقيا على الأقل بدولار في اليوم، وهو أعلى مستوى تشهده القارة خلال الستين عامًا الفائتة؛ حيث تبرعت الحكومات الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بـ25 تريليون دولار في شكل حملات مساعدة للبلدان الفقيرة في العالم، لكن لم تحوّل هذه الأموال أيّ دولة إلى شكل دولة مستقرة، كما دفعت إفريقيا مبلغ 14.5 مليار دولار سنويًّا كخدمات ديون، وعلى الرغم من هذه الأرقام فإن أكثر من ألف طفل يموتون جرّاء أمراض الجوع، وهي أمراض يسهل معالجتها والتحكم فيها؛ حيث سجلت 900 ألف حالة وفاة بمرض الملاريا وأمراض العدوى[6].
وقد طرحت فكرة المشروطية مع أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين؛ حيث ظهر ما يُعرَف باسم الجيل الأول للمشروطية، الذي ركَّز على آليات الإصلاح الاقتصادي مدفوعًا بما عانته دول العالم الثالث من أزمات اقتصادية في ذلك الوقت، وكان مضمون هذا الجيل الأول من المشروطية هو تبنّي برامج التكيف الهيكلي كشرط لتلقّي المساعدات من المؤسَّسات الماليَّة؛ لأن تلك البرامج عكست اتجاهًا لفرض الليبرالية الاقتصادية على دول العالم الثالث، كما أنها لم تَخْلُ من بُعْد سياسيّ؛ لأنها هدفت إلى فرض النمط الغربي للتنمية على تلك الدول النامية وعلى رأسها الدول الإفريقيَّة باعتبارها أكثر الدول النامية اعتمادًا على المساعدات الخارجيَّة.
ومع بداية التسعينيات ظهر الجيل الثاني من المشروطية؛ حيث بدأت الدول المانحة الأوروبية والأمريكية والمؤسسات الماليَّة النقدية ممارسة الضغوط السياسيَّة والاقتصادية على الدول الإفريقيَّة لإقامة نظام ديمقراطي مدني يستمد شرعيته من إجراء انتخابات تنافسية متعددة الأحزاب، وكانت وسيلتها للوصول إلى هذا الهدف هي التهديد بإيقاف المعونات والتسهيلات الماليَّة، أو إيقافها فعلًا، بهدف فرض نوع من العزلة والحصار على النظم التي لا تتبع النهج الديمقراطي؛ لإجبارها على السير في طريق التحول الديمقراطي، وهو ما أصبح يُعرَف بالمشروطية السياسيَّة.
وقد اختلفت الآراء حول أسباب ظهور هذا الجيل الثاني من المشروطية؛ فالبعض أرجعه إلى التغيّرات التي شهدها العالم خلال تلك الفترة من تحولات في دول أوروبا الشرقية وسقوط الاتحاد السوفييتي والتحول إلى الأحادية القطبية، وأرجعه آخرون إلى إخفاق تطبيق المشروطية الاقتصادية مما أدى بالمؤسسات الماليَّة إلى إرجاع إخفاق برامج التكيف الهيكلي إلى العوامل السياسيَّة في الدول المستقبلة للمعونات، واتجه البعض إلى التأكيد على أن الدول المانحة أرادت تسويغ استمرار معوناتها لدول العالم الثالث أمام شعوبها، رغم انتهاء الحرب الباردة، فلم تجد سوى مسوغات دفع المبادئ الديمقراطية والحكم الراشد. وإن المشروطية السياسيَّة هي مجرد أداة أيديولوجية تجعل الرأسماليَّة الليبرالية تحل محل الاشتراكية على مستوى العالم، وتوفر أساسًا من المشروعية للزعامة الجديدة للغرب بإسهامه في إسقاط النظم غير الديمقراطية[7].
كما تعرضت سياسات المشروطية لانتقادات مختلفة مِن قِبَل المحللين الأفارقة تكشف عن آثار هذه السياسات من الناحية الفعلية، كما تكشف عن المقاصد الغربية الحقيقية وراء فرض مثل هذه السياسات.[8]
ثانيًا: توصيف الواقع الإفريقي: بين التهميش وإعادة البناء
لم تكن التقسيمات السياسيَّة في إفريقيا انبثاقًا داخليًّا أو طبيعيًّا تجدّد داخليًّا بالنمو، بل كانت نمطًا مفروضًا من الخارج وثمرة توسُّع قوى دخيلة في فراغات سياسية تحدّد بالتجزئة من الخارج، والواقع أن ذلك التقسيم ما هو إلا تقسيم اصطناعي مختلف إثنولوجيًّا وخاطئ اقتصاديًّا؛ حيث أدَّى إلى تفتيت القارة وتجزئتها كما انحدرت في عهد الاستقلال إلى تعدُّد دولها حتى غدت إفريقيا أكبر القارات تجزئة بالنسبة لمساحتها؛ وإذ يؤدّي ذلك التقسيم السياسي إلى تعدُّد الدول، فانتفاض الكيان السياسي والاقتصادي والإثنولوجي للدولة الحديثة كان سببًا في ظهور مشكلات والتزامات نتجت عن ذلك التقسيم، ويلزم حلها في عهد الاستقلال من أجل استكمال وجوده[9].
وهذا ما أثر على بناء الدولة في إفريقيا، فيرى فرانسيس فوكوياما أن بناء الدولة هو: ” تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على الاكتفاء الذاتي، ما يعني أن بناء الدولة هو النقيض لتحجيم الدولة وقدراتها”، أي أن عملية بناء الدولة أهم قضايا المجتمع العالمي، وبالتالي فإن الدولة الفاشلة تبقى مصدر المشاكل والخطورة في العالم، وتعتبر فكرة بناء الدولة قمة أولويات الأجندة المعاصرة وليس بمفهوم تحجيمها أو تقليص دورها، وبالتالي يبقى مفهوم الدولة الحديثة بمطابقته مع عملية بناء الدولة ليس موجودًا في كامل أقطار المعمورة، وهذا ما جعل الدول خاصة الإفريقيَّة تنهمك وراء عمليات بناء الدولة بعد فترة الاستعمار[10].
حيث حظيت قضية تشكل الدولة في إفريقيا بمناقشات ومناظرات واسعة في الأدبيات الإفريقيَّة، بل تعتبر فرعًا من فروع دراسة المناطق لأهميتها؛ فقد أدت نهاية الحقبة الاستعمارية في إفريقيا إلى ظهور الدولة الإفريقيَّة الحديثة أو ما يسمى بدولة ما بعد الاستعمار، واعتمدت أغلب الدول الإفريقيَّة حديثة الاستقلال في هذه الفترة نظام الحزب الواحد كنمط وآلية لبناء الدولة[11].
كما اعتبر العديد من الباحثين أن الدولة الحديثة في إفريقيا لم تظهر إلا كنسخة إفريقيَّة للنظام الاستعماري الغربي من حيث تسلُّط النظام؛ ذلك أن سيطرة نخبة معينة على العامة، وعدم الفصل بين الحاكم والدولة أدَّى إلى ديكتاتورية السُّلْطَة السياسيَّة وانتشار الفساد، وبخاصة النخبة الحاكمة، ولقد لجأت الدولة الإفريقيَّة في هذه الفترة إلى فرض الأيديولوجيا التي تقوم على ترابط كلّ من السياسة والاقتصاد، واحتفظت بكثير من ملامح الفترة الاستعمارية، ولا سيما سياسة القمع؛ حيث تحوَّلت الدولة إلى دولة سلطوية مبنية على شخصنة السُّلْطَة[12].
كما يعود بناء الدولة في إفريقيا إلى الطريقة التي ظهرت بها الدولة وليس لأسباب عارضة، فالدولة كيان ينشأ في الغالب نتيجة عوامل داخلية وتطور طبيعي لصراع القوى والمصالح والحاجات الداخلية لغرض الأمن والنظام وتحقيق العدالة، لكن الدولة في إفريقيا لم تستجب لهذه المقومات وتمت صناعتها وإلحاقها بالدول الأوربية التي استعمرتها؛ حيث قضى المستعمر على المشيخات والمماليك القديمة في الوقت نفسه استنسخ صورة مشوهة ومحرّفة لنظام الدولة الحديثة لأهداف إمبريالية توسيعية تفرض التبعية الدائمة[13].
وهكذا فإن تكوّن الدولة ما هو إلا نتيجة للمعطيات الذاتية والعوامل الداخلية بالدرجة الأولى وليس عبر تدخل المستعمر الأوروبي أو غيره من أجل إنشاء الدولة الإفريقيَّة الحديثة، فقد قام المستعمر الأوروبي الغربي بنقل تجربته ومفهومه للدولة نقلًا سطحيًّا وقاصرًا بتكوين نُخَب سياسية محلية تتبنَّى سياسته، وتعيد إنتاج تجربته الاستعمارية دون تغيير في شكل الدولة الإفريقيَّة الحديثة متجاوزًا الخصوصيات المحلية والتركيبة البشرية الإثنية والثقافية والدينية والقبلية المعقدة وصعبة الفهم للقارة الإفريقيَّة[14]. إذ أصبح وجود الدولة بحد ذاته محل شك ونزاع تنامى بعدد المؤشرات التي ساهمت في انتقاص شرعية الدولة، وهذا ما جعل مجموعة من الدول الإفريقيَّة تعاني أزمات تشكك في شرعيتها الدولية وتصنّفها ضمن الدول الفاشلة[15].
في سياق متصل إذا كانت هناك مبادئ معينة تتحكم في إنشاء الدولة الخاضعة للاستعمار، نذكر عددًا من الممارسات الاستعمارية الحقيقية، منها محاولة إقامة تحالف ضمني أو صريح مع قادة البلاد، وفي بعض الأحيان مع شيوخ القبائل الذين كانوا يسيطرون على كثير من المناطق الريفية، وسرعان ما عرف هؤلاء القادة باعتبارهم القوة الاجتماعية التي يمكن استقطابها بهدف دعم الأوضاع الاستعمارية حتى حين. إضافة إلى السياسات الاستعمارية الموجهة وما أَوْلَته من اهتمام للتقسيمات الطائفية والعِرْقِيَّة والقَبَلِيَّة عملًا بسياسة ”فَرِّق تَسُدْ” مثلما حدث في مراكش المغربية، وكان لهذه السياسة مفعولها في مواجهة عمليات المركزية والاستيعاب التي نجمت عن أجزاء أخرى من النظام الاستعماري[16].
كذلك من أهم مواصفات بناء الدولة في إفريقيا أنها لم تجد المساعدة والمؤازرة من المجتمع الدولي لمساعدتها على تطوير نفسها والخروج من الشكل القَبَلِيّ القديم إلى شكل الدولة الحديثة، ومن ثم الانتقال إلى التنمية والتطور والتخطيط لصنع بوتقة سكانية موحدة ومجتمعة؛ حيث إن ذلك لم يحصل وأصبحت الدول الإفريقيَّة مسرحًا للاستقطابات والصراعات الدولية بين القوى الكبرى في ذلك الوقت، وهما المعسكران الاشتراكي والرأسمالي، إضافة إلى ما قامت به الشركات متعددة الجنسيات من دور سلبي بعد الاستعمار في إفساد السياسيين في إفريقيا وسعيها إلى تحقيق مصالحها ولو على حساب الدول الإفريقيَّة[17].
أيضًا من أسباب الإخفاق: المشاكل التي واجهت النُّظم الحاكمة في الدول الإفريقيَّة ما بعد الاستعمار كانت مشاكل سياسية متعلقة بأزمة الشرعية[18]، وترتبط أزمة الشرعية السياسيَّة ارتباطًا وثيقًا بعملية بناء الدولة في إفريقيا؛ إذ لا يمكن التعويض عن وجود الشرعية بأساليب القمع والإرهاب وفرض القوانين والدساتير التي عادةً ما تُعَلَّق، ويتم العمل بالأحكام العُرفية التي هي في الحقيقة اعتراف من النظام الحاكم بأن الدستور والقانون يعيق ممارستها للسلطة أو يعرقلها، إضافةً إلى لجوء النُّخب الحاكمة في الدول الإفريقيَّة إلى تفضيل أهل الثقة والولاء على حساب الإصلاحيين وأهل الخبرة، مما جعل المستفيدين من السُّلْطَة يعملون على استمرار تلك النُّخب الحاكمة رغم انتفاء الشرعية عنها، والتي يتم إضفاؤها عليهم بواسطة الترويج والتضخيم بمنجزات النظام الحاكم وافتعال الأزمات الداخلية والخارجيَّة لتبرير العجز في تسيير الأوضاع الداخلية، كما يتم الاستعانة بوسائل الإعلام.
وقد وصلت عدم الشرعية في بعض الأحيان إلى درجة سقوط النظام الحاكم مثلما حدث في ليبيريا ورواندا والصومال؛ حيث إن غياب المشاركة والتعددية السياسيَّة الحقيقية أدَّى بهذه الدول إلى الحرب، الفشل والتفكك بنحو أصبحت تُشكِّل خطرًا على الاستقرار السياسي في المنطقة، وفي كثير من الأحيان لم يتم تجاوز هذه الأزمة التي عرفتها بعض الدول الإفريقيَّة إلا بواسطة التدخل الخارجي سواء من طرف منظمات إقليمية أو عالمية[19].
إذ خلص بعض المفكرين في دراساتهم للدولة بعد الاستقلال في إفريقيا إلى أنه وعلى مدى خمسين سنة، فشلت في بناء مؤسسات قوية، بل وأصبحت مهزوزة بفعل الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، وعجزت في الأخير حتى على بناء اندماج وطني حقيقي، ولم تكن ذات طابع مؤسساتي بالقدر الكافي، مما أدى إلى ظهور هيئات ومنظمات اجتماعية أخرى إلى المؤسسات الرسمية التابعة للدولة[20].
كما أن التخلف الاقتصادي في القارة ناشئ أساسًا من عدم استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة ومن العجز عن التوسع في هذه الموارد وزيادة حجمها في نفس الوقت، فإن أي سياسة اقتصادية سليمة لحل المشكلة إنما يجب أن توجّه إلى العمل على رفع مستوى الكفاءة في استغلال الموارد الاقتصادية المتاحة، وإلى التوسُّع في هذه الموارد وزيادة حجمها في نفس الوقت. إن الاقتصاد المحدود جاء حصيلة مرحلة من التطور الاقتصادي في القارة وثمرة التجدُّد الحديث من الاقتصاد الطبيعي غير المثمر إلى الاقتصاد التبادلي، ثمرة الاحتكاك الحضاري والمجتمع، لهذا يؤدّي غرض قطاع الاقتصاد الطبيعي الموجود من أجل الاستهلاك المحلي والغذائي وغرض القطاع الآخر الموجه للتصدير، وهو يعتمد على التنظيم والإشراف العلمي ورأس المال الضخم، وهو يتألف من مشروعات تقوم بها الدولة أو تقوم بها الشركات الضخمة في تمويلها وتأسيسها[21].
وقد زادت من حدة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها القارة الإفريقيَّة ما تعرضت له بعض دولها من كوارث طبيعية كالجفاف والتصحُّر وتآكل السواحل وتلوث البيئة[22]. إذ بدلًا من أن تقوم الدولة بتحقيق التنمية الاقتصادية عززت الكساد المادي، وقد رافق كل هذه الأوضاع استمرار تدني معدلات النمو التي بلغت حوالي 2.6% مع ارتفاع ديونها الخارجيَّة وفوائدها من 176 مليار دولار عام 1982م إلى 296 مليار دولار عام 1992م، وهذا ما زاد من معوقات التنمية وإحداث الفشل الاقتصادي الذي لم يواكبه تحسين في مستوى المصادر والمدخلات، وهذا ما أعطى بُعدًا جديدًا للأزمة في القارة الإفريقيَّة، وبالتالي فتح المجال أمام المؤسسات الماليَّة لوضع شروط للمساعدات والقروض الممنوحة للدول الإفريقيَّة[23].
وفي سياق متصل يثير التركيب الاجتماعي في عهد الاستقلال مزيدًا من المشكلات بسبب تضمينه الدول الجديدة، كانعكاس لهذا التركيب من أقليات غير إفريقيَّة عمومًا أو أقليات إفريقيَّة غير متجانسة، مما اضطرها إلى التقسيم السياسي للانضواء تحت لوائها في إصرار للولاء نحو أصولها.[24]
إن البناء الاجتماعي للقارة الإفريقيَّة لا تنعكس عنه في فترة ما بعد الاستعمار صفة الضعف والتفكك فحسب، وإنما يشير في حقيقته إلى كبر مسؤولية الدولة الإفريقيَّة الجديدة وحاجتها إلى النظر في إعادة ذلك البناء بما يطوره، ويجعل منه بناءً حديثًا لمجتمع قومي، ومن الدولة دولة حديثة يشغلها العمل على رفاهية الشعب أكبر ما يشغلها حلّ مشاكل البناء الاجتماعي القائم[25].
إذ أصبح انهيار الدولة النتيجة الأبرز والأكثر خطورة على الإطلاق؛ نتيجة تفكك البناء الاجتماعي، وما نتج عنه من صراعات إثنية في العالم بصفة عامة، وفي إفريقيا على وجه الخصوص، ويرتبط ذلك بحداثة نشأة الدولة الإفريقيَّة نفسها، والإخفاق في بناء الأُمّة، ومِنْ ثمَّ تناقص الشعور بالانتماء للوطن، وتعاظم الانتماءات الإثنية والقبلية والإقليمية[26].
أما فيما يتعلق بتداعيات الصراعات الإثنية على الأوضاع الاجتماعية في إفريقيا؛ فقد كشفت التقارير عن تدني الأوضاع الاجتماعية في جميع الدول التي تعاني تلك الصراعات، وهناك العديد من المؤشرات التي تؤكد ذلك، وأهمها: تدني مستويات دخول الأفراد، والانخفاض الشديد في نِسَب الالتحاق بالتعليم الأساسي، وتدهور نصيب الفرد من الغذاء، وتدني مستويات الخدمات العامة.. إلخ.
وعلى سبيل المثال؛ فإن متوسط الدخل السنوي للفرد في سيراليون خلال فترة الحرب الأهلية لم يكن يزيد عن 100 دولار، كما كان متوسط نسبة الملتحقين بالتعليم الأساسي خلال سنوات الصراع في كل من الصومال وإثيوبيا وليبيريا: 11%، و28%، و40% على الترتيب. كما انخفض نصيب المواطن من إمدادات الغذاء في تلك الدول ليصل إلى قِيَم سلبية، وتدهورت قدرة الحكومات على توفير الخدمات الأساسية كمًّا وكيفًا، وبخاصة في مجالات الصحة والتعليم، وتوفير مياه الشرب، والكهرباء، والنقل[27].
كما شهدت الصراعات الإثنية الإفريقيَّة أشكالًا عديدة من انتهاكات حقوق الإنسان؛ حيث كانت تلك الانتهاكات خاصية ملازمة لتلك الصراعات، وأداة رئيسة من أدوات إدارتها، وفي هذا السياق تشير الدراسات إلى وجود خمسة أشكال أساسية لهذه الانتهاكات هي: الإبادة الجماعية، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية، وانتهاك الحريات المدنية، وانتهاك الحقوق السياسيَّة، والتمييز الإثني والاجتماعي[28].
كما أن تلك الصراعات تؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا من بين قتيل وجريح، وغالبًا يكون معظم هؤلاء الضحايا من المدنيين، وبخاصة الفئات الضعيفة منهم (كبار السنّ، والنساء، والأطفال). وربما تصل مستويات العنف الناجمة عن الصراعات الإثنية إلى حدّ الإبادة الجماعية، مثلما حدث في رواندا في أبريل ومايو 1994م؛ حيث تُعدّ الحالة الرواندية واحدةً من أسوأ عمليات الإبادة الجماعية التي عرفها التاريخ الإنساني خلال القرن العشرين، عندما قُـتِلَ ما يزيد عن نصف مليون نسمة من التوتسي والهوتو المعتدلين على أيدي متطرفي الهوتو[29].
لقد وصلت ظاهرة التخلُّف في معظم دول القارة الإفريقيَّة درجة بالغة الأهمية، في الوقت الذي أصبحت حكومات كافة دول القارة مُطالَبَة بالخروج من هذا الوضع، فما الحركات التمردية التي تعيشها شعوب القارة المُندِّدة بسياسات أصحاب الحكم، ما هي إلا صورة مُعبّرة عن رَفْض هذا الوضع وتجسيد حقيقي للمطالب المُلِحَّة لتغيير الواقع الإفريقي، والعبرة من مواجهة هذا التخلُّف ترجع بالمقام الأول إلى إعطاء قيمة للقدرات والمؤهلات الذاتية الإفريقيَّة، وتعزيز الكفاءات من أجل الاستغلال الكامل والحكيم لمُقوّمات القارة الإفريقيَّة، وذلك من خلال استثمار جميع الطاقات المتاحة للدول الإفريقيَّة في مشاريع تنميتها، بالعمل على تنمية جميع قُدُرات بلدان القارة من طاقات بشرية وطاقات طبيعية واستغلالها بشكل عملي، عبر التخطيط الواعي المطابق لمصادر الإنتاج والتخطيط لإقامة صناعات صغيرة في بداية مراحل التنمية مطابقة للإمكانيات المتاحة في الدول الإفريقيَّة نفسها، والاعتماد على القوى الخارجيَّة في حدود شروط معينة تراعي الواقع التنمويّ، ووضع خطة للتعليم على أساس توفير الأُطُر العلمية الوطنية على المدى الطويل، بحيث تحقق الاستقلال العلمي والتكنولوجي؛ لأن الاستقلال الاقتصادي والسياسي لا قيمة له ما لم يتحقق الاستقلال العلمي والتكنولوجي، وحتى لا تستمر الدول النامية مربوطة بعجلة التخلف العلمي مادام اعتمادها سيكون مقتصرًا على الخبرة الأجنبية[30].
ونتيجة لهذه المظاهر عانت القارة الإفريقيَّة من تهميش طوال سنوات عديدة تمخَّض عليه مشاكل لامست بناء الدولة وتشكيل السُّلْطَة فيها، وتأثيرهما على الحياة المجتمعيَّة فيها، سعت هذه الأخيرة إلى طرح مجموعة من المبادرات لإصلاح الأوضاع وتحقيق التنمية المنشودة سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، ولعل أهم هذه المبادرات تجلَّت في تبنّي مقاربة الحكم الراشد من خلال مبادرة النيباد، وبالرغم من أن مقاربة الحكم الراشد طُرِحَت في سياق دولي إلا أن بلدان القارة تبنَّتها من خلال مجموعة من المبادرات معلنة بذلك بداية عهد جديد لمناهضة الأوضاع المزرية التي نتجت عن اتباع سياسات أثبتت فشلها على الواقع.
كما كان النموذج التنموي المناسب للنظم الإفريقيَّة محل جدل بين المحللين الأفارقة وغير الأفارقة، الذين لم يختلفوا كثيرًا حول تأثير الأبعاد السياسيَّة على التنمية المستدامة في القارة، وأدَّى ظهور مفهوم الحكم الراشد إلى إضافة أبعاد جديدة أصبحت محلًا للخلاف، وقد اكتسب الجدل المتعلق بالحكم الراشد في إفريقيا زخمًا قويًّا بعد الإعلان عن ظهور مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا “النيباد”، والتي جعلت من مفهوم الحكم الراشد أحد مبادئها الأساسية لأجل تحقيق التنمية المستدامة للقارة، فحسب الوثيقة التأسيسية للمبادرة فإن الشراكة تعتبر خطة لتجديد إفريقيا على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي بذلك تختلف في نهجها واستراتيجيتها عن خطط التنمية السابقة، فقد اعتبرت الدول المؤيدة لهذه المبادرة والاتجاهات الأكاديمية المؤيدة لها أن تضمين مبدأ الحكم الراشد في المبادرة يعبر عن الاعتقاد بأن التنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها في ظل غياب هذا النمط من الحكم[31].
بناءً على ما سبق، يتضح أنه لا يتأتّى اليوم البناء القويّ لدولة القانون والمؤسّسات والحكم الرشيد في إفريقيا من خلال الجانب السياسيّ فقط، بل لا بد أيضًا من تنشيط دَوْر الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، وضمان الحريات وحماية حقوق الإنسان؛ لأنّ الاندماج الوطنيّ بين المكونات الاجتماعية المختلفة، والتنمية البشرية، وتنمية البنية التحتية، كلّها عوامل تساعد على قيام الدولة القانونية المؤسّسية، في مناطق تحتوي على مخزونٍ ضَخمٍ من الخيرات المختلفة، من الموارد الزراعية والمائية والمعدنية وغيرها[32].
ثالثًا: مقاربة الحكم الراشد وإصلاح الأنساق في رواندا: من الإبادة إلى الريادة
رواندا، دولة صغيرة تقع في منطقة البحيرات العظمى في الجهة الشرقية من إفريقيا، مساحتها 26.3 ألف كم² فقط، وسكانها لا يتجاوزون 13 مليون نسمة، يتألف مجتمعها من عرقيات؛ 80% من الهوتو و10% من التوتسي، والبقية من أقليات من جماعات التوال والأقزام.
ولا تمتلك رواندا حقولًا نفطية عملاقة، ولا مناجم ضخمة للمعادن النفيسة، كما أنها عانت من صراع قَبَلِيّ راح ضحيته عشرات الآلاف من الأشخاص، وَوَلَّد العداوات بين أبناء الشعب، ورغم كل ذلك استطاعت الدولة الصغيرة خلال العشرين عامًا الأخيرة تحقيق إنجازات اقتصادية كبرى، بُنِيَتْ في الأساس على رؤية حكومية للخروج من شَبَح تداعيات الحرب الأهلية، وخَلْق مناخ التعايش والتسامح وتحقيق التنمية والرفاهة لأبناء الشعب.
وحققت رواندا العديد من الإنجازات التَّنمويَّة خلال الفترة الماضية؛ فقد حافظت على معدلات نموّ مرتفعة خلال العقد الماضي، متفوقة على بعض الدول الكبرى مثل الصين والهند؛ حيث بلغ المعدل 8.6% خلال العام 2018م، بعد أن كان 6% في عام 2017م. ومن المتوقع أن يبلغ خلال العام 2019م نحو 7.8%.. كما قفزت رواندا في مؤشّر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018م الصادر عن البنك الدولي إلى المرتبة 29 عالميًّا والثانية إفريقيا، متقدمة من المركز الـ41 خلال عام 2017م، وهو المؤشر الذي يوجّه المستثمرين المحليين والأجانب في مختلف دول العالم، وهو ما دفع شركة فولكس فاغن عملاق صناعة السيارات إلى اختيارها لتصبح مركزًا لصناعة السيارات وتوزيعها إلى الشرق الإفريقي، وأخيرًا طرحت السيارة الأولى في الأسواق.
وفي مايو 2019م، أطلقت رواندا أول قمر صناعي في تاريخها صممته شركة OneWeb البريطانية لربط مدارسها ومناطقها الحضارية بالإنترنت المجاني، وجاءت الخطوة في إطار مشروع متكامل لتحديث وتطوير شبكة الإنترنت بتكلفة بلغت مليارَي دولار، وكذلك في إطار السعي لتكون رواندا مركزًا للابتكار التكنولوجي في إفريقيا.
وجاءت تلك المظاهر اللافتة للنهضة الاقتصادية في رواندا كنتيجة لجملة من السياسات المخطَّطة التي عملت عليها الدولة في أعقاب الحرب الأهلية، والتي يمكن أن تُقدّم دروسًا مُهمَّة لكل الدول التي مرَّت بمشاكل سياسية، أو تلك التي تسعى نحو نهضة اقتصادية.
وبعد تسلُّم الرئيس بول كاغامي منصبه أطلقت الحكومة خطة قومية تُغطّي الآجال الاقتصادية المختلفة، فالهدف على المدى القريب هو تكوين الثروات وتقليل الاعتماد على المعونات والديون الخارجيَّة عبر سنّ مجموعة من الإجراءات الضريبية وتشجيع الاستثمار بالبلاد، وبناءً على ذلك قلّص الوقت اللازم لإنشاء نشاط تجاري من 43 يومًا إلى 4 أيام، وأعاد بناء البنية التحتية.
أمّا الهدف الثاني، متوسط الأجل، فيتمثل في التحوُّل من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد قائم على المعرفة من خلال تطوير التعليم وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وعلى المدى البعيد؛ تهدف الرؤية إلى تعزيز روح المبادرة الخاصة، وخلق طبقة وسطى من المستثمرين المحليين قادرة على خلق الثروة والمساهمة في تطوير اقتصاد البلاد.
وحققت الخطة نجاحًا كبيرًا؛ إذ إن الدولة حققت العديد من القفزات في مؤشرات الاقتصاد الكلي، ومنها ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 231 دولارًا في عام 2005م إلى 542 دولارًا عام 2015م، ثم من المتوقع أن يبلغ 857 دولارًا في عام 2020م.
وتشير دراسة للدكتور رضا الشكندالي والمعنونة برؤية 2020م لرواندا والتحوّل من الإبادة الى الريادة، إلى أن الدولة اعتمدت على القطاع الخاص كمُحرّك رئيس للنمو، على أن تقوم بتحفيز الاستثمار الخاص وتحسين البنية التحتية والارتقاء بالموارد البشرية والأُطُر القانونية وبناء القطاع المالي القادر على تشجيع وتمويل الاستثمار الخاص، ونتجت من ذلك زيادة نِسَب الاستثمار الخاص من الناتج المحلي الإجمالي من 16% عام 2005م إلى 21% تقريبًا عامي 2015 و2020م، في مقابل تراجع الاستثمارات الحكومية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 10% عام 2005م إلى 8% فقط طوال الأعوام الماضية.
وكنتيجة لجهود الدولة في تشجيع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، أصبحت الإجراءات اللازمة لإنشاء مشروع في رواندا لا تتعدى مدة القيام بها ست ساعات فقط، كما تمت مَيْكَنة النظام الضريبي، فأصبح تسجيل الشركات والضرائب إلكترونيًّا، وساعد ذلك على الحدّ من الفساد وتشجيع الاستثمار مما خفَّض معدل البطالة حتى أضحى لا يتجاوز 1.4% حاليًا بحسب بيانات البنك الدولي. وخلقت الاستثمارات الأجنبية ما يقرب من 66 ألف وظيفة في عام 2017م مقارنة بعام 2016م، الذي شهد توفير 56 ألف وظيفة.
كما تبنَّت الحكومة الرواندية خلال العقد الماضي موقفًا صارمًا ضدّ الفساد والكسب غير المشروع؛ من خلال إطلاق مبادرة وطنية ضد الفساد عام 2012م هدفت إلى تعزيز النزاهة والحكم الرشيد ومحاربة الفساد، وأثمرت عن احتلال رواندا المرتبة الثالثة في لائحة أقل الدول فسادًا في إفريقيا بحسب النسخة الأخيرة من مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية لعام 2018م.
وعليه يمكن القول: إن رواندا جسَّدت تجربة لحرب أهلية دامية، وأوضاع اقتصادية بالغة الصعوبة، وإرادة حقيقية للعيش والتسامح والبناء، ومبادرات من الإنسان إلى الإنسان، وإنها نجحت في بناء تنموي حقيقي وليس رقميًّا فقط، وتمثل هذه التجربة درسًا لباقي الدول الإفريقيَّة[33].
كما كانت تجارب المصالحة الوطنية قد قادت إلى نتائج مبهرة في الدول التي تمرّ بمراحل مماثلة، وساهمت في تعزيز المسار الديمقراطي، وتكريس العدالة وسيادة القانون.
والتجربة الرواندية -في هذا الإطار- مُهمَّة، وجديرة بالاطلاع والاستفادة، فبعد أن وضعت الإبادة الجماعية أوزارها، والتي أدَّت إلى إبادة مليون شخص في ثلاثة أشهر، استطاع المواطنون أن يتفقوا على حلّ الخلافات بطريقة: (لا غالب ولا مغلوب)، بمعنى أنّ الخسارة كانت لجميع الأطراف، من هنا استطاعت رواندا أن تداوي جراحاتها.
يُضاف إلى ذلك في تجربة رواندا في المصالحة، على المستوى السياسي، أنّ الأحزاب في الحكومة والمعارضة اتفقوا على نقاطٍ، هي بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها مهما بلغ بينها الخلاف. كما شرعت الحكومة الرواندية في تطبيق نظامٍ تشاركيٍّ للعدالة، يُعرف باسم: (غاتشاتشا) (ينطق هذا الاسم هكذا: غا- تشا- تشا)، وذلك في عام 2001م، من أجل مواجهة ذلك الكمّ العظيم من القضايا المتراكمة في النظام القضائي، وفي هذا النظام يقوم القضاة المنتخبون على الصعيد المجتمعي بالاستماع إلى محاكمات المشتبه في مشاركتهم في الإبادة الجماعية والمتهمين بأي جريمة من الجرائم، باستثناء التخطيط لعمليات الإبادة أو الاغتصاب، وحاكمت هذه المحاكم الأهلية المتورطين في أعمال عنصرية بالسجن، وحكمت على الذين أدينوا بأن يقضوا نصف المدة بالسجن والنصف الآخر بتقديم خدمات اجتماعية.
كما قامت رواندا بتشكيل (لجنة الوحدة والمصالحة الوطنية)، ومهمتها الأساسية عملية التصالح والتسامح، بدءًا من تحقيق العدالة، وعرض الحقيقة، ومن ثم يأتي التصالح، وهذا يعتبر حقًّا طبيعيًّا لضمان حقوق المظلومين وعدم إهدارها، وقد رأى الروانديون هذه الطريقة مفيدة جدًّا للمصالحة الوطنية، كما ساهمت في إخراج البلاد من أتون حرب أهلية كادت تقضي على كيان الدولة، وبفضل الوحدة والمصالحة تمكّنت رواندا من الخروج من تمزّق النسيج الاجتماعي الناجم عن عواقب الإبادة الجماعية التي حدثت سنة 1994م.
إنّ الحديث عن هذه المصالحة الوطنية لا يعني بحالٍ أنها العلاج السحري الوحيد القادر على حلّ مشكلات الوحدة في رواندا، وإنما هي مقترح يستند إلى تجارب سابقة مماثلة في غينيا وجنوب إفريقيا.. ويُسترشد بها، ولا بد أن تصحبها وسائل وآليات ومقترحات أخرى تأسيسًا على الإرادة السياسيَّة، لتكون نقطة البداية لحلّ النزاعات، وعودة الوئام واللُّحْمَة الوطنية إلى سابق عهدها[34].
الخاتمة:
إنَّ محاولة إصلاح الواقع الإفريقي بكلّ أنساقه، يتطلب تبنّي مقاربة الحكم الراشد بكل آلياته من أجل المساهمة الفعلية والمؤثرة في إدارة مؤسسات الدولة، وتوجيه اهتماماتها وسياساتها من أجل تحقيق الصالح العام في إطارٍ من الشراكة مع مختلف الفاعلين من مجتمع مدنيّ وقطاع خاص، وذلك من خلال تفعيل آليات المشاركة، الشفافية والمساءلة وغيرها من الآليات التي تنسجم مع القوانين والنُّظُم التي يتم إقرارها ديمقراطيًّا، وأنه لما توافرت هذه الشروط في المجال الاقتصادي تعزَّزت سلامة الحكم السياسي وانعكست إيجابًا على الوضع الاجتماعي، ووصلت إلى الإصلاح والرشد؛ ذلك أن الحكم الراشد هو ذلك السلوك القيمي وفقًا لمفهوم المثالية التي يصعب تحقيقها بشكل مطلق، إلا أنه من الضروري العمل على تحقيق الممكن منه، من خلال بيئة مناسبة تتلاءم فيها معاييره مع الخصوصية المجتمعيَّة وتنمية بشرية تتمتع بوعي حضاري وثقافة استيعابية ومؤسَّسات مستدامة، تضمن تحقيق نتائج تلبي الاحتياجات المجتمعيَّة.
وإن نجاح أي إصلاح في إفريقيا على مختلف الأصعدة السياسيَّة والاقتصادية والاجتماعية يعتمد بالدرجة الأولى على رغبة واستعداد النخب داخل القارة الإفريقيَّة، ومدى استعدادها على تنفيذ الإصلاحات على أرض الواقع، فعلى المستوى السياسي فإن الإصلاح مرهون بضرورة تبنّي مقاربة الحكم الراشد من أجل إعادة بناء المؤسسات، وإقرار دولة القانون حتى يتسنَّى للمواطنين ممارسة مواطنيتهم من خلال ممارسة الواجبات وتحصيل الحقوق والانتفاع بها داخل إقليم الدولة.
كما أن عملية الإصلاح السياسي لا تمسّ النظام السياسي كهيكل أكثر ما تمسّ إعادة بنائه، وفق أبنية تكون قادرة على إدارة شؤون الدولة والمجتمع وفق مبدأ الفصل بين السلطات، وعدم تغوُّل السُّلْطَة التنفيذية على باقي السلطات الأخرى، مع ضرورة إقرار التعددية السياسيَّة والحزبية، التي تكفل التمثيل الحقيقي لكل فئات المجتمع وفق نسق استيعابي وليس إقصائيًّا يكفل المشاركة للجميع.
أما الإصلاح الاقتصادي فإنه يتمثل بالدرجة الأولى في محاربة الفساد بكل أنواعه؛ لأنه يعتبر المُثبّط الأول للنهوض بوتيرة التنمية؛ بسبب تقويضه لكل محاولة لتحسين الأوضاع المعيشية للشعوب الإفريقيَّة.
أما الإصلاح الحقوقي والقانوني فيعتمد على ضرورة صياغة دستور يكفل الحقوق والحريات العامة، ويضمن حرية التعبير ويقر حق المواطنة من أجل المشاركة في صنع السياسيات العامة، وتنفيذ البرامج التَّنمويَّة وحماية حقوق المواطنين وخاصة الفئات الضعيفة والمهمشة.
كل هذه الإصلاحات تتأتّى بتبنّي مقاربة الحكم الراشد، وهذا ما تمكّنت بواسطته رواندا من تحقيق أهدافها.
1- قانة زكي، الحكم الرشيد ومكافحة الفساد وتأثيرهما في نجاح الإصلاح والتنمية، مجلة دراسات اقتصادية، العدد 16، مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعليمية، يوليو 2010م، ص ص113-114.
[2] – علي حافظ منصور أحمد الصفني، النقود والبنوك والعلاقات الاقتصادية الدولية، دار الثقافة العربية، 1995/1996م، ص 375.
[3]– horrison Graham, The world Bank and Africa; the construction of governance states,( London: Routledge, 2004–, P 109
[4]– البنك العالمي، إدارة النزاهة للبنك العالمي: الفساد، تاريخ التصفح 09/03/2017م، متاح على الرابط. www.almatamar.net.new
[5]– موقع شبكة الجزيرة للأخبار: الفساد يكبد إفريقيا 900 مليار دولار، شبكة الجزيرة الإخبارية، تاريخ التصفح 10/04/2017، متاح على الرابط:
http://www.aljazeera.net/news/ebusiness/20133/10/25
[6]– Ibid, P,66.
[7]– Werner Hammel, « The political dimension of Aid : developing contries must shoulder responsabily » (http://www.one world.org/euforrc/dandc/97-eham.htm. PP 2,3.)
[8]– Simeon Djamroy Jose G. Monatalvo and Marta reynal , queat “ The crise of Aid”, washington, bc. The world bank and C.E.P.R 2005, PP4-5
[9] – عبد العزيز رفاعي، مشاكل إفريقيا في عهد الاستقلال، ط1، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1970م، ص62.
[10] – فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة النظام العالمي ومشكلة الحكم والإدارة في القرن الحادي والعشرين، ترجمة: مجاب الإمام، العبيكان للنشر، الرياض، ص2007، ص ص، 11-15.
[11]– الحافظ النويني، أزمة الدولة ما بعد الاستعمار في إفريقيا: حالة الدولة الفاشلة (نموذج مالي)، مجلة المستقبل العربي، العدد 422، 2014م، الرباط، ص58.
[12]– حمدي عبد الرحمن، إفريقيا وتحديات عصر الهيمنة، أي مستقبل، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2007م، ص 24-25.
[13]– المعتصم صلاح الدين عبد الرحمن الدومة، إشكالية بناء الدول الإفريقية في ظل الصراع في المجتمع الإفريقي، ورقة مقدمة في المؤتمر العالمي (الكتاب الثاني)، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، 2006، ص168.
[14] – المعتصم صلاح الدين عبد الرحمن الدومة، مرجع سبق ذكره، ص232.
[15]– الحافظ النويني، مرجع سبق ذكره، ص59.
[16]– روجو أوين، الدولة والسلطة والسياسة في الشرق الأوسط، ترجمة: عبد الوهاب علوب، ط1، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 2004م، ص28.
[17]– المعتصم أحمد الأمين، إشكالية بناء الدولة في إفريقيا: دراسة مقارنة بين السودان والصومال، ورقة مقدمة في المؤتمر العالمي (الكتاب الثاني)، الخرطوم، جامعة إفريقيا العالمية، 2006م، ص204.
[18]– Hyden Goran, Afrique Politics in comparative perspective, (New. york : co,bridege University Press, 2006. , p 62.
[19]– فرانسيس فوكوياما، مرجع سبق ذكره، ص ص 166- 167.
[20]– Alymana Bathily et Pauline Bend et Alerandra Foulon, Médias et Religions est Afrique de l’ouest (Dakar : Institot Afrique de l’ouest, Janviez, 2009, p 27.
[21] – المرجع نفسه، ص 39.
3- شوقي عطا الله الجمل، عبد الله عبد الرزاق إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص، 332.
[22]– شوقي عطا الله الجمل، عبد الله عبد الرزاق إبراهيم، مرجع سبق ذكره، ص 333.
[23] – جمال محمد السيد ضلع، إشكالية الديمقراطية غير المباشرة في إفريقيا، ورقة مقدمة في الندوة الدولية حول إشكالية السلطة بين التسلط والتحرر كل السلطة للشعب، ليبيا، ص 7.
[24] – شوقي عطا الله الجمل، عبد الله عبد الرزاق ابراهيم، مرجع سبق ذكره، ص252.
[25]– المرجع نفسه، ص 376.
[26]– سعيد عبد المجيد شحاتة، حقوق الأقليات: منع الصراع والتحذير المبكر، دروس من دارفور، جماعة حقوق الأقليات الدولية، لندن، سبتمبر 2009م. ص 69.
[28] – سمية بلعيد، مرجع سبق ذكره، ص 33.
[29]– محمد خالد عبد الله: الأقليات الإثنية والصراعات في إفريقيا: التجربة النيجيرية الفيديرالية نموذجًا، مجلة دراسات إفريقية على الموقع الإلكتروني الآتي، تاريخ التصفح 17/05/2018 http//www.marefa.org
[30] – منظمة العمل الدولي، الانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم. التقرير الخامس، مؤتمر العمل الدولي الدورة، 103 السنة 2014، ص 31.
[31] -Leanard,DK ,Africa sucees :four publicmanagress of Kenyan rural development USA university of California prss, 1991,p 83.
[32]– محمد البشير أحمد موسى، مرجع سبق ذكره.
[33] – يونس موشومبا، قراءة في تحول رواندا.. من الاقتتال إلى التعايش، مجلة قراءات إفريقية، متاح على الرابط: http://www.ohchr.org/english/docs/northern_Uganda_august2007.pdf
[34] – يونس موشومبا، قراءة في تحول رواندا .. من الاقتتال إلى التعايش، مجلة قراءات إفريقية، متاح على الرابط: http://www.ohchr.org/english/docs/northern_Uganda_august2007.pdf