تُشكّل الأزمة السياسية الراهنة بين الصومال وكينيا عبئًا إضافيًّا على كاهل البلديْن في ضوء التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجههما، وما يمكن أن تُمثّله هذه الأزمة أيضًا من تهديدٍ واضحٍ على نطاق واسع في منطقة القرن الإفريقي التي أضحت ساحةً معرَّضة للاضطرابات وعدم الاستقرار؛ بسبب تفاقم الأزمات المتتابعة في بعض دولها؛ مثل: قطع العلاقات بين الصومال وكينيا، والحرب في إثيوبيا ضد إقليم تيجراي، وما تنطوي عليه من زعزعة للاستقرار الإقليمي. وهو ما يدفع نحو ضرورة التحرُّك الإقليمي للضغط بشأن تسوية الأزمة؛ للحيلولة دون تكبُّد المزيد من الخسائر على المستويين الثنائي والإقليمي.
أولاً: طبيعة وأسباب الأزمة
لم يكن غريبًا تصاعُد التوتر بين الصومال وكينيا مؤخرًا وصولاً إلى إعلان الصومال قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في 15 ديسمبر الجاري، وسحب دبلوماسييها من كينيا، ومطالبتها البعثة الدبلوماسية الكينية بمغادرة البلاد، وهو ما يُمثّل تتويجًا لسنوات من الخلافات والعلاقات المتدهورة بين البلدين، بالرغم من إعادة افتتاح الصومال لسفارتها في نيروبي في نوفمبر الماضي بعد 10 سنوات من المنازعات القضائية حول ملكيتها مع رجل أعمال كيني، وهو ما اعتبره الكثيرون بمثابة خطوة إيجابية في مسار العلاقات الثنائية بين البلدين.
وقد برَّرت الحكومة الصومالية موقفها بالتدخل الكيني في الشأن الداخلي الصومالي. وهو ما دلَّل عليه السلوك الكيني خلال الفترة الأخيرة الذي اعتبرته مقديشو بمثابة مصدر تهديد داخلي؛ إذ تتّهم مقديشو نيروبي بتورطها في العمل على تقسيم البلاد؛ بسبب تدخلها المستمر في الشؤون الداخلية للصومال، لا سيما النفوذ الكيني المتنامي في ولاية جوبالاند في جنوب الصومال، وهو ما يُعدّ انتهاكًا للسيادة الصومالية.
وعلى إِثْرِهِ أعلنت الصومال خَفْض علاقاتها الدبلوماسية مع كينيا في 29 نوفمبر الماضي، واستدعاء سفيرها لدى كينيا، محمود أحمد ترسن، كما طالبت السفير الكيني لدى مقديشو، لوكاسو تامبو، بمغادرة البلاد، وذلك للحفاظ على سيادتها الوطنية في ظل السلوك الكيني.
وتلعب العلاقة التي تربط بين كينيا وإقليم أرض الصومال دورًا سلبيًّا على مستوى العلاقات بين الجانبين الصومالي والكيني؛ حيث أجَّجت زيارة رئيس الإقليم، أحمد مدوبي، إلى نيروبي -لإجراء محادثات ثنائية مع الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين في 13 ديسمبر الجاري- التوتر بين البلدين للدرجة التي دفعت مقديشو إلى قطع صلاتها مع كينيا بعد ثلاثة أيام من تلك الزيارة، وهو ما يكشف مدى حساسية قضية أرض الصومال بالنسبة للحكومة الصومالية التي تعتبرها جزءًا لا يتجزأ من الأراضي الصومالية، وتعارض أي محاولات لانفصالها عنها، مع رفضها التامّ أن تُوظّف تلك القضية في الضغط على النظام الصومالي لفرض تنازلات في ملفات إقليمية أخرى، لا سيما أن قضية النزاع البحري بين البلدين لا تزال تُنْظَر أمام القضاء الدولي. ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي تتَّخذ فيها الحكومة الصومالية إجراءً صارمًا في هذا الصدد، فقد سبق لها قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة غينيا في يوليو 2019م؛ بسبب استضافتها لرئيس أرض الصومال.
وترى مقديشو أن كينيا قد تحوَّلت إلى قاعدة للهجوم عليها؛ نظرًا لكونها أضحت تمثل مقرًّا لبعض القوى السياسية المعارضة الصومالية، وحملاتها الانتخابية؛ حيث يوجد فيها بعض قادة المعارضة السياسية مثل عبد الرحمن عبد الشكور ورسمي، زعيم حزب “ودجر” المعارض، وحسن علي خير، رئيس الوزراء السابق والمرشح الرئاسي المحتمل الذي يستجدي دعمًا إقليميًّا لمشروعه الانتخابي من خلال جولاته إلى بعض دول الجوار الصومالي مثل جيبوتي وكينيا. في الوقت الذي لا تستضيف فيه مقديشو أيّ معارض كيني على أراضيها؛ بما يعني حرص الصومال على أمن واستقرار كينيا.
وعليه، فقد وجّهت الصومال اتهامات لكينيا بإيوائها جماعة صومالية متمردة بشكل غير قانوني من أجل خَلْق حالة من عدم الاستقرار، وشروعها في تقديم الدعم اللوجستي لميلشيات صومالية تستعد لمهاجمة بعض قواعد الجيش الصومالي والمدن الصومالية الحدودية مثل “بلدحواء”. وهو ما اعتبرته مقديشو عملاً عدائيًّا دفعها لحشد قوات عسكرية على طول الحدود مع كينيا، والتمركز بالقرب من المناطق الحدودية الكينية. كما اتهمت الحكومة الصومالية نظيرتها الكينية بسعيها إلى التباعد والتفرقة بين الشعبين، وتهديد مصالحهما المشتركة.
وتشعر الإدارة الصومالية بحالة من الاستياء تجاه ما وصفته بمعاملة كينيا للصومال على أنها طفل “بالتبني”، وليس شريكًا على قدم المساواة، في إشارة إلى التدخل الكيني في شؤون الصومال، وهو ما دفعها لتقديم مذكرة احتجاج للهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” التي أعلنت عقد اجتماع عاجل لمناقشة القضية في جيبوتي في 20 ديسمبر 2020م.
وقد حاول الجانب الصومالي ممارسة ضغوط لتغيير السلوك الكيني، والتوقف عن الممارسات الكينية التي تعتبرها مقديشو معادية لها؛ من خلال حظر استيراد نبات القات من كينيا منذ مارس 2020م، وهو ما يضرّ بمعيشة آلاف المزارعين الكينيين، وفرض استخراج تأشيرة دخول للكينيين.
في المقابل، حاولت نيروبي خلال الأزمة الراهنة استيعاب الموقف؛ من خلال التأكيد على رغبتها في تجاوز الأزمات السياسية مع مقديشو، وأعربت عن نيتها إنشاء لجنة لتقييم الأزمة والمساعدة في معالجتها، وأنها لن تصعّد الأمر، وتأمل في إنهاء الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية، وقررت أنها ستُولِي الأمر لمنظمتي إيغاد والكوميسا لبحث سُبُل تسوية الأزمة.
يأتي ذلك في إطار دعوة مفوضية الاتحاد الإفريقي إلى إجراء محادثات بين البلدين، وأشارت إلى أن التوتر بين البلدين يمثل مصدر قلق للاتحاد الإفريقي، كما حذرت من تصاعد العداء بين البلدين الذي يؤدي بدوره إلى تهديد الاستقرار الإقليمي.
وباستمرار هذه الأزمة، تفوق خسائر الطرفين مكاسبهما؛ نظرًا لاستراتيجية العلاقة بين البلدين، ففي الوقت الذي ظلت فيه كينيا والصومال لسنوات حليفتين رئيسيتين في عددٍ من القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي، لا سيما الحرب ضد حركة الشباب المجاهدين الصومالية؛ حيث تشارك كينيا ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الصومال “أميصوم” بأكثر من 3600 جندي يتمركزون في ولاية جوبالاند المتاخمة لكينيا، فضلاً عن استضافة كينيا لأكثر من 350 ألف لاجئ صومالي في مخيمات مثل داداب وكاكوما، إلا أن الخلاف السياسي وتوتر العلاقات الدبلوماسية قد عصف بتلك العلاقات الاستراتيجية.
ثانيًا: أبرز القضايا الخلافية بين البلدين
برزت بعض القضايا الخلافية التي أدت إلى انسداد أفق العلاقات الصومالية الكينية على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي شكَّل فرصةً مواتية للنظام الصومالي باتخاذ إجراء عاجل بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في توقيت حاسم بالنسبة للمشهد السياسي الصومالي لأغراض انتخابية؛ حيث اندفع البعض إلى الاعتقاد بأن الرئيس فرماجو يسعى لصرف انتباه الرأي العام الداخلي عن تعقُّد المشهد الانتخابي في البلاد في ضوء الخلافات مع المعارضة السياسية على نظام الانتخابات المزمع عقدها في ديسمبر 2020م وفبراير 2021م. إلا أنَّ التوتر بين الصومال وكينيا -على أيّ حال- من شأنه تفاقم التعقيدات الجيوسياسية في منطقة القرن الإفريقي المهدّدة بتزايد عوامل زعزعة الاستقرار الإقليمي والتهديدات الإرهابية.
وتتمثل أبرز تلك القضايا الخلافية في:
1- النفوذ الكيني في الصومال:
حيث تتهم مقديشو كينيا بممارسة نفوذ سياسي كبير في ولاية جوبالاند من أجل تعظيم مصالحها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في الصومال، وممارسة ضغط سياسي على رئيس الإقليم، أحمد مدوبي، وتوظيفه كورقة ضغط سياسية لتنفيذ أهدافها في الصومال، وإفشال العملية الانتخابية في البلاد من خلال رفضه لقانون الانتخابات الذي توافقت عليه القوى السياسية في سبتمبر 2020م بشأن إجراء الانتخابات العامة في البلاد خلال الفترة ما بين ديسمبر 2020 وفبراير 2021م، وهو ما يعزّز ادعاءات الحكومة الصومالية بشأن تعاون مدوبي مع الاستخبارات الكينية لدوافع خفية.
فقد لُوحِظَ رفض مدوبي إجراء الانتخابات التشريعية التي كان مقررًا لها في أوائل ديسمبر الجاري عقب زيارته لنيروبي ولقائه بالرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، إلى أن تسحب الحكومة الفيدرالية قواتها من منطقة “جدو” المتنازع عليها بين الطرفين. كما تسيطر نيروبي على الولاية أمنيًّا بحكم تمركز القوات الكينية المنضوية تحت لواء بعثة الاتحاد الإفريقي “أميصوم” البالغ عددها 3600 جندي في جوبالاند، وهو ما قد يشير لاستقواء مدوبي بالنفوذ الكيني لحماية حكومته ضد الحكومة المركزية الصومالية.
2- علاقات كينيا مع أرض الصومال:
حيث أسفرت الزيارة الأخيرة لرئيس إقليم أرض الصومال، موسى بيهي، إلى كينيا عن عدد من التفاهمات التي من شأنها تعزيز العلاقات بين الطرفين؛ الأمر الذي أثار حفيظة النظام الحاكم في الصومال، وتفاقمت على إثره الأزمة السياسية بين البلدين. فقد اتفق زعيم أرض الصومال خلال زيارته لنيروبي على فتح قنصلية كينية في هرجيسا عاصمة أرض الصومال بحلول نهاية مارس 2021م، وبدء الخطوط الجوية الكينية وشركات الطيران الكينية في تسيير رحلات مباشرة بين نيروبي وهرجيسا. وأيضًا رفع أرض الصومال تمثيلها الدبلوماسي في نيروبي، وحصول المسؤولين من كلا الطرفين على تأشيرات الدخول في المطارات، وتعزيز تعاونهما المشترك في قضايا التنمية والسلام والبنية التحتية للاقتصاد. وهو الأمر الذي يعزّز مخاوف الحكومة الفيدرالية من تَبِعَات ذلك بإعلان الحكومة الكينية اعترافها بأرض الصومال كدولة مستقلة، مما يهدّد وحدة الصومال.
3- النزاع الحدودي البحري:
اندلع هذا النزاع منذ عام 2005م، ومرَّ بعددٍ من المراحل المختلفة من مفاوضات وتوترات وصولاً إلى الاحتكام للتحكيم الدولي للفصل بشأن سيادة أيّ من البلدين على المنطقة البحرية محل التنازع. وقد مارست كينيا عدة ضغوط على الحكومة الصومالية لسحب شكواها من محكمة العدل الدولية، وتسوية الأزمة بشكل سلمي وثنائي؛ إلا أن الحكومة الصومالية تتمسك بموقفها في نزاع الحدود البحرية بين البلدين وانتظار الحكم الدولي بشأن القضية، وهو ما اعتمد عليه فرماجو في كسب المزيد من الشعبية باعتباره مطلبًا قوميًّا صوماليًّا.
4- دعم كينيا لبعض المرشحين المحتملين:
حيث تخشى مقديشو من التدخلات الكينية المحتملة في تقديم الدعم وتوجيه الرأي العام وتوظيف حكومة ولاية جوبالاند في دعم مرشح معيَّن موالٍ لها لتنفيذ أهدافها في الصومال، والتخلص من النظام الحاكم الحالي الذي تتميز العلاقات بينهما بالتوتر لفترات طويلة.
5- إيواء كينيا لعناصر من المعارضة الصومالية:
حيث تنظر مقديشو لكينيا على أنها مركز رئيسي للمعارضة السياسية الرئيسية، كما أنها مقر للحملات الانتخابية للمرشحين الرئاسيين المحتملين، وهو ما يعتبره النظام الحاكم الصومالي مساعي كينية إلى إسقاط النظام خلال الانتخابات المقبلة، أو على الأقل الضغط عليه بشأن تنازلات في ملف النزاع الحدودي البحري بين البلدين.
6- ازدواجية عمل القوات الكينية في الصومال:
حيث يُنظَر إلى القوات الكينية العاملة تحت مظلة الاتحاد الإفريقي على أنها أكثر اهتمامًا بالدفاع عن زعيم ولاية جوبالاند، أحمد مدوبي، وإبقائه في السلطة عن محاربة الإرهاب وتهديدات حركة الشباب المجاهدين الصومالية، وهو ما يعزّز المخاوف الصومالية من دور سلبي لتلك القوات في المستقبل ضد الحكومة المركزية، فضلاً عن توظيفها لمدوبي في زعزعة أمن واستقرار الصومال، وتعطيل المسار الديمقراطي في البلاد؛ بحسب رؤية النظام الحاكم.
7- الاحتلال الكيني لمنطقة إنفدي:
ربما تستدعي الحكومة الصومالية ملف استعادة السيادة الصومالية على منطقة المقاطعة الشمالية الحدودية “إنفدي”، وهي الواقعة في أقصى الجنوب الغربي الصومالي، وأقصى الشمال الشرقي الكيني. والتي اقتطعها الاحتلال البريطاني لصالح كينيا، ولم تَعُدْ مرةً أخرى للسيادة الصومالية عقب الاستقلال. وهو ما ستحاول كينيا جاهدةً عدم التطرُّق إلى هذا الملف خلال الفترة المقبلة.
ثالثًا: تداعيات التوتر بين البلدين
باستمرار الأزمة السياسية بين كينيا والصومال دون أيّ محاولات للتسوية أو على الأقل تخفيف حدة التوترات بين البلدين في الأمد القصير قد يترتب عليه عدد من التداعيات السلبية على المستويين الثنائي والإقليمي في منطقة القرن الإفريقي؛ فقد يؤدي الخلاف الكيني الصومالي إلى تقويض التعاون في الحرب على الإرهاب ومواجهة حركة الشباب المجاهدين الصومالية؛ مما يعزّز التهديدات الأمنية في الصومال وكينيا.
كما أن التهديد بطرد القوات الكينية من الصومال في توقيت حرج يتزامن مع الاستعدادات لإجراء الانتخابات العامة الصومالية، وانسحاب القوات الأمريكية، وتصاعد نشاط حركة الشباب؛ من شأنه تفاقم الأزمة الأمنية في البلاد واحتمالية تعطيل سير العملية الانتخابية في معظم المناطق الصومالية لا سيما الوسط والجنوب حيث تتمركز الحركة هناك.
كما قد يؤثر الخلاف بين البلدين على العلاقات التجارية بين البلدين سلبًا، لا سيما أن الصومال قد حظرت استيراد نبات القات من كينيا، وهي تُعدّ أكبر سوق لنيروبي في هذه التجارة، وذلك بسبب تصديرها لأرض الصومال، بينما تسمح لإثيوبيا بتصدير القات إليها. ويتسبب تعطيل حركة الطيران بين البلدين، وإلغاء تأشيرات الدخول للكينيين عند وصولهم للمطارات الصومالية في تأثر قطاع السياحة بالبلدين؛ نظرًا لتحمُّل الشركات السياحية الصومالية العبء الأكبر في هذا الأمر.
ومن شأن هذا الخلاف التأثير سلبًا على العلاقات الاجتماعية بين البلدين والمصالح المشتركة بينهما؛ إذ يعيش نحو 35 ألف كيني في الصومال، بينما يعيش 500 ألف صومالي في كينيا، كما تستضيف كينيا نحو 200 ألف صومالي في مخيمات اللاجئين، لا سيما في مقاطعة جاريسا شمالي شرق كينيا، ومخيم كاكوما للاجئين.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد يزيد الخلاف الكيني الصومالي من تعقُّد المشهد الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي الذي يشهد بعض الأزمات مثل الصراع في إقليم تيجراي بإثيوبيا؛ الأمر الذي قد يعصف بالاستقرار النسبي في المنطقة، خاصةً أن تلك الأزمة من شأنها تأثر الوضع الأمني في الصومال بما يخدم أهداف حركة الشباب المجاهدين الصومالية في الداخل الصومالي وفي دول الجوار الإقليمي، مما يهدد الأمن الإقليمي في القرن الإفريقي.
رابعًا: مستقبل العلاقات بين البلدين
تبدو الفرصة سانحة أمام قمة منظمة “إيغاد” المنعقدة حاليًا في جيبوتي؛ لتحقيق خطوات عملية متقدمة بشأن تقريب وجهات النظر بين الجانبين الصومالي والكيني، والوصول إلى تسوية يتم من خلالها عودة العلاقات الدبلوماسية مجددًا، خاصةً في ظل اهتمام الاتحاد الإفريقي بالتوصل إلى حل نهائي لتلك الأزمة. وربما يمثل نجاح “إيغاد” في هذه القضية دافعًا قويًّا لها لتحريك ملف الصراع الإثيوبي نحو التسوية أيضًا.
ويشترط الجانب الصومالي للمصالحة الصومالية الكينية تعهُّد الطرف الكيني بالتوقف نهائيًّا عن التدخل في الشأن الداخلي الصومالي، وإيقاف دعمه لولاية جوبالاند، واحترام السيادة الصومالية على إقليم أرض الصومال، في الوقت الذي تنتظر فيه كينيا استئناف الحكومة الصومالية استيراد نبات القات منها، والسماح للكينيين بدخول البلاد دون تأشيرات مسبقة وإجراءات معقدة.
فيما يُستبعَد تصعيد الأمر بين البلدين لحالة الصدام العسكري؛ فالطرفان غير قادرين على تحمُّل عبء تكلفة المواجهة العسكرية، كما أن المجتمع الدولي لن يسمح بزعزعة استقرار المنطقة. لذلك، تبدو أفق المصالحة قائمة؛ خاصةً أنَّ الرئيس فرماجو ينشغل بتجديد ولايته الرئاسية، وتذليل كافة العقبات أمام إجراء الانتخابات؛ ومِن ثَمَّ؛ فقد يتقارب مع كينيا مجددًا؛ لتحقيق مصالحه المتمثلة في توظيف الضغط الكيني على أحمد مدوبي للعودة مرةً أخرى مع أطراف المعارضة للموافقة على نظام الانتخابات الجديد، وتأجيل أزمة إقليم “جدو” لما بعد الانتخابات المقبلة.
إلا أن فرماجو في الوقت نفسه يخشى التحرُّك الكيني ضده في الانتخابات المقبلة بدعم مرشَّح منافس، لذلك سوف يسعى لتحييد الجانب الكيني؛ على الأقل لضمان عدم التدخل في مجريات العملية الانتخابية واختيار الرئيس القادم. كما أنه بحاجة ماسَّة إلى كينيا كشريك في مكافحة حركة الشباب المجاهدين الصومالية، وتعزيز السلام الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي.
وفي المقابل؛ يخشى الرئيس أوهورو كينياتا من إيواء الصومال لعناصر من المعارضة الكينية، وتخفيف الرقابة على تحرُّكات حركة الشباب المجاهدين لمهاجمة الأراضي الكينية، وتعطُّل التجارة البينية بين البلدين. وفي نفس الوقت، يسعى بشكلٍ حثيثٍ إلى تقارب وجهات النظر مع النظام الصومالي؛ لربما ينجح في إقناعه بتسوية النزاع البحري وديًّا دون الاحتكام للقضاء الدولي.