يبدو أن إثيوبيا قد استوعبت حجم المعضلة الكبيرة التي تواجهها طيلة السنوات السابقة منذ عام 1993م من كونها دولة حبيسة غير قادرة على الوصول إلى البحر الأحمر.
فقد أفادت صحيفة Capital الإثيوبية في تقرير لها صدر في 2 ديسمبر 2019م استضافة دولة جيبوتي للقاعدة البحرية الإثيوبية المزمع إقامتها، على أن يكون مقر قيادتها في مدينة بحر دار بإقليم أمهرة الإثيوبي شمال شرق البلاد.
وإن كان السفير الجيبوتي لدى أديس أبابا (محمد إدريس فارح) قد أشار في مقابلة مع إذاعة بي بي سي الأمهرية بعدها بيومين إلى أنه لم يتم الاتفاق رسميًّا بين البلدين؛ إلا أن ذلك لم يَنْفِ نية إثيوبيا إقامة القاعدة على الأراضي الجيبوتية.
وقد أشارت بعض التقارير إلى أن هناك صلة بين زيارة آبي أحمد إلى جيبوتي في أكتوبر 2019م والاتفاق على إنشاء القاعدة، وكذلك زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون إلى جيبوتي، ثم إثيوبيا خلال جولته في منطقة القرن الإفريقي في مارس 2019م، خاصة أن باريس قد تعهَّدت بتقديم الدعم اللازم لإثيوبيا من أجل قيام القوة البحرية الخاصة بها في إطار اتفاق تعاون دفاعي هو الأول من نوعه بين البلدين.
وهو ما يبرز الدور الفرنسي في هذا الشأن؛ فهناك بعض أفراد البحرية الإثيوبية يتلقون التدريب في فرنسا، كما تشرع إثيوبيا في مراجعة هيكل القوات البحرية الفرنسية، وكذلك الكينية؛ كمرجعية للقوات المزمع تأسيسها. وإن كانت المؤشرات حول قيام القاعدة البحرية تعود إلى ما قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة في أبريل 2018م؛ حيث قام وفد عسكري إثيوبي بزيارة إلى منطقة أوبوك Obock الجيبوتية بالقرب من خليج تاجورا بهدف إجراء مسح لها؛ تمهيدًا لقيام القاعدة البحرية الإثيوبية هناك.
يأتي ذلك في الوقت الذي تعددت فيه التكهنات حول أيٍّ من دول المنطقة ستستضيف القاعدة البحرية الإثيوبية من بين إريتريا وكينيا والصومال، وبعض الأقاليم الصومالية؛ مثل إقليم بونت لاند، وأرض الصومال، حتى إن الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة قد صرَّح في مقابلة له مع صحيفة Jeune Afrique في أبريل 2019م بأن القاعدة الإثيوبية ستكون في ميناء “مصوع” الإريتري قبل أن تنفي السلطات الإريترية ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا محاطة بخمس دول ساحلية باستثناء جنوب السودان (إريتريا، جيبوتي، كينيا، الصومال، والسودان الشمالي)؛ مما يعني كثرة البدائل أمامها في ظل الحالة الإيجابية التي تعيشها المنطقة في أعقاب التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي فيها منذ عملية المصالحة الإقليمية في يونيو 2018م، وسعي إثيوبيا نحو تطوير علاقاتها مع دول المنطقة؛ لتعزيز الاستفادة الاقتصادية في إطار عملية التكامل الاقتصادي الإقليمي التي تستهدفها إقليميًّا.
ولم يكن غريبًا أن يقع الاختيار على جيبوتي في ضوء العلاقات المتطورة التي تجمعها مع أديس أبابا؛ حيث تتمتع الأولى بأهمية استراتيجية في المنظور الإثيوبي؛ كونها ممرًّا مهمًّا للتجارة الإثيوبية عبر ميناء جيبوتي. كما يلعب القرب الجغرافي بينهما دورًا مهمًّا في تعزيز التعاون، وهو ما يبرّر مشروعات البنية التحتية الراهنة للربط بين البلدين. وترتبط البلدان باتفاقات تعاون في كافة المجالات لا سيما في مجال الموانئ البحرية؛ حيث تحصلت إثيوبيا على حصة في ميناء جيبوتي في مقابل استفادة جيبوتي من الحصول على امتيازات في بعض الشركات الوطنية الإثيوبية.
أولًا: الدوافع الإثيوبية لإقامة القاعدة البحرية
مع مجيء آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي إلى السلطة في أبريل 2018م حاملًا مشروعًا إصلاحيًّا بشقَّيْهِ الداخلي والإقليمي في سبيل النهضة الإثيوبية، وتعظيم الدور الإثيوبي الإقليمي؛ كانت المؤسسة العسكرية الإثيوبية جزءًا من أهداف هذا المشروع. فقد أعلنت إثيوبيا منذ عام 2018م نيتها إعادة إحياء قوتها البحرية، وهو ما أكدته تصريحات آبي أحمد بأنه “يجب أن نبني قوتنا البحرية في المستقبل”، وذلك بعد بناء قوة برية وجوية. وعليه وافق البرلمان الإثيوبي في ديسمبر 2018م على مشروع قانون حول هيكلة الجيش الإثيوبي يتضمن تعديل ثماني مواد من إعلان تأسيس قوات الدفاع الإثيوبية، وبناء القوات البحرية الإثيوبية.
ولا يجب إغفال أن إثيوبيا قد عانت على مدار عقدين أو أكثر من كونها دولة حبيسة بعد استقلال دولة إريتريا التي كانت بمثابة المنفذ البحري لها في عام 1993م، وهو الأمر الذي دفَعها إلى تفكيك قوتها البحرية -التي أُنشئت في عام 1955م- في تسعينيات القرن الماضي بعد فقدها إمكانية الوصول للبحر. قبل أن تُعيد التفكير في البحث عن موطئ لقاعدة جديدة على البحر الأحمر في إحدى دول الجوار الإقليمي.
وتُحرّك الرغبة الإثيوبية في إقامة قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر العديد من الدوافع التي تستهدفها أديس أبابا في إطار الطموح الإثيوبي الذي عزّزته التحركات النشطة لآبي أحمد على الصعيد الإقليمي خلال الفترة السابقة.
وتتمثل أبرز تلك الدوافع فيما يلي:
– ورقة انتخابية في يد آبي أحمد:
يأتي توقيت الإعلان عن قيام القاعدة البحرية في مرحلة محورية يمر بها نظام آبي أحمد، في ضوء الترتيبات والإجراءات الجديدة التي اتَّخذها مؤخرًا من عملية دمج للائتلاف الحاكم في حزب جديد لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة المزمع عقدها في مايو 2020. وما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع من جرّاء تلك الخطوة؛ وذلك بالتزامن مع بعض الاضطرابات الإثنية التي تشهدها بعض الأقاليم الإثيوبية. الأمر الذي يهدّد استقرار البلاد، وفي نفس الوقت اهتزاز ثقة الشارع الإثيوبي في آبي أحمد؛ مما يؤثر سلبًا عليه، ويهدد شعبيته في البلاد، بما ينعكس على نتيجة الانتخابات المقبلة. ومن ثَمَّ، ربما يكون توقيت الإعلان عن تلك الخطوة بمثابة ورقة انتخابية مهمة يمكن أن يستغلها آبي أحمد في استعادة بعض من بريقه المفقود في الأوساط الشعبية، باعتبارها خطوة في استعادة المجد الإثيوبي القديم، وتعزيز نفوذها الإقليمي في القرن الإفريقي.
– تعزيز الوجود الإثيوبي في البحر الأحمر:
فهناك حرص من آبي أحمد على أن تكون بلاده جزءًا من الدول الأجنبية التي لها وجود وقواعد على ساحل البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ بهدف الحفاظ على مصالح الدولة الإثيوبية وأمنها القومي. وذلك من خلال تأمين موطئ قدم لها في البحر الأحمر يسهل عملية الوصول الإثيوبي إلى البحر الأحمر عبر جيبوتي.
كما أن هناك رغبة إثيوبية في أن تكون أديس أبابا طرفًا في التجارة الدولية، وما يستوجب ذلك من حماية طرق التجارة البحرية على وجه الخصوص. كما تبدو المساعي الإثيوبية نحو لعب دور أمني وعسكري في المنطقة؛ من خلال الدخول كطرف في المعادلة الإقليمية الخاصة بأمن البحر الأحمر، والمشاركة بقواتها في تأمين المدخل الجنوبي للبحر الأحمر ومضيق باب المندب ضمن القوات المشاركة في هذا الأمر. علاوة على المساهمة في مكافحة القرصنة، وكذلك الهجرة غير الشرعية، وهو ما يرفع من أسهمها لدى القوى الدولية كطرف إقليمي فاعل في القضايا والملفات الإقليمية والدولية الشائكة.
– تأمين طرق المرور للبحر الأحمر:
لدى إثيوبيا هواجس عديدة بشأن واقعها الجغرافي، وتأثيراته السلبية عليها، ومن ثَمَّ فهي تسعى إلى تنويع طرق الوصول إلى البحر خوفًا من تدهور علاقاتها مع بعض دول المنطقة. لذلك فقد سعت خلال العامين الماضيين إلى توقيع اتفاقات وصفقات بحرية مع دول الجوار الجغرافي؛ مثل الصومال وجيبوتي، وكينيا والسودان الشمالي. يعزز ذلك أيضًا رغبة إثيوبيا في تأمين نقل النفط الذي تم اكتشافه في بعض الأقاليم الإثيوبية. أضف إلى ذلك الرغبة في إقامة قاعدة بحرية يمكن الاعتماد عليها أيضًا في تصريف نفط الصومال، وحمايته، وتأمين نقله في ظل عدم امتلاكها قدرات عسكرية كافية لحماية مصالحها في المنطقة.
– تأمين المصالح الإثيوبية في المنطقة:
تمتلك إثيوبيا مصالح اقتصادية واستراتيجية في المنطقة. ومن هنا، يمكن من خلال تلك القاعدة ربط اقتصادات دول المنطقة بالاقتصاد الإثيوبي؛ مما يعني المزيد من الهيمنة الإثيوبية في القرن الإفريقي. كما تسعى إثيوبيا إلى حماية السفن التجارية التي تمتلكها في البحر الأحمر، ويبلغ عددها 11 سفينة تقوم برحلات بحرية إلى موانئ بحرية عدة في أنحاء العالم؛ مثل دول الخليج العربي وشبه القارة الهندية، والصين واليابان، وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وجنوب إفريقيا وإندونيسيا. من هنا، تسعى إثيوبيا إلى قطع أي طريق أمام أيّ تحدٍّ قادم يمنع وصولها إلى المياه الدافئة في البحر الأحمر.
– تطوير القدرات العسكرية الإثيوبية:
هناك رغبة إثيوبية قوية نحو تعزيز قدراتها العسكرية، وإدخال العديد من الإصلاحات والتطويرات في الجيش الإثيوبي. وربما يرتبط ذلك بطبيعة التفاعلات والتغيرات الإقليمية في المنطقة، واحتمالية اندلاع أية أزمات مستقبلية مع دول المنطقة، أو من خارج المنطقة. في سياق آخر، تعزز تلك الإصلاحات من رغبة آبي أحمد في تعظيم الدور الإقليمي الإثيوبي في المنطقة، وتحقيق التفوق النوعي بالنسبة لدول المنطقة لضمان الهيمنة الإثيوبية.
– تأكيد التفوق الإثيوبي في القرن الإفريقي:
هناك رغبة إثيوبية في استعراض قوتها في المنطقة كقوة إقليمية يجب أن تُظهر نفوذها في البحر الأحمر في ظل قدوم دولٍ قَدِمَتْ من مناطق بعيدة للهيمنة في المنطقة. يأتي ذلك في ظل النعرة الإثيوبية؛ حيث تنظر إثيوبيا إلى نفسها بأنها دولة كبرى يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، كما أنه لا يوجد أيّ سبب لأن تظل إثيوبيا دولة حبيسة في القرن الإفريقي. ويرتبط الأمر أيضًا باستعادة إثيوبيا جزءًا من مجدها القديم، ومن ثم السعي نحو تعزيز مكانتها الإقليمية كقوة إقليمية كبرى في نطاقها الإقليمي والقاري.
– القلق الإثيوبي من الوجود الأجنبي في القرن الإفريقي:
يسيطر القلق على الجانب الإثيوبي من الوجود الأجنبي، وانتشار القواعد العسكرية في جيبوتي، في ضوء اعتماد إثيوبيا على جيبوتي بشكل شبه كامل في مرور بضائعها عبر ميناء جيبوتي. فضلًا عن تزاحم القوات الأجنبية في المنطقة؛ الأمر الذي يهدّد بزعزعة استقرارها في حالة اندلاع صراعات أو خلافات بينها في إطار تعارض مصالح القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في المنطقة.
– التوسع في إقامة القواعد البحرية:
يفتح قيام القاعدة البحرية الإثيوبية في جيبوتي الباب أمام إمكانية التوسع في إقامة قواعد بحرية أخرى في دول أخرى في المنطقة. وهو ما يمكن أن يُدلّل عليه توقيع الجانب الإثيوبي عدة اتفاقات مع بعض دول المنطقة للوصول إلى بعض الموانئ البحرية على البحر الأحمر؛ مثل السودان الشمالي، للوصول إلى ميناء بورتسودان، واتفاق مع جيبوتي من أجل حصة في ميناء جيبوتي، واتفاق مع إقليم أرض الصومال على حصة في ميناء بربرة بنسبة 19%، بالإضافة إلى اتفاق مع كينيا على تسهيل حيازة جزء من الأراضي في جزيرة “لامو” لتسهيل الوصول إلى ميناء “لامو” كجزء من المشروع الإقليمي “لابسيت” الذي يربط الدول الثلاث؛ إثيوبيا وكينيا وجنوب السودان.
– ملء الفراغ الإفريقي:
حيث يبدو غياب قوى إفريقية تزاحم القوى الدولية والإقليمية في القرن الإفريقي والبحر الأحمر بشكل خاص، ومن هنا تسعى إثيوبيا إلى ملء هذا الفراغ، ومزاحمة القوى الكبرى في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي.
على الجانب الآخر، ترى إثيوبيا في إقامة القاعدة البحرية أنها ستصبّ في صالح دول المنطقة من منطلق عملية تكاملية؛ حيث إن دول المنطقة تمتلك السواحل البحرية على البحرية، لكنها تفتقر إلى القدرات وهو الأمر الذي يتوفر في الجانب الإثيوبي من أجل ضمان تحقيق التكامل الإقليمي في القرن الإفريقي، وهي رؤية ترسّخ من التفوق الإثيوبي في المنطقة.
ثانيًا: القاعدة البحرية وموازين القوة في القرن الإفريقي
يحمل الإعلان عن نية إثيوبيا إقامة قاعدة بحرية جديدة لها في جيبوتي العديد من المآلات والتداعيات على الصعيد الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. ويعني الوجود الإثيوبي في البحر الأحمر المزيد من التزاحم مِن قِبَل القوى الإقليمية والدولية، مما يعني تغييرات محتملة في المعادلات الإقليمية والدولية الحاكمة لأمن البحر الأحمر.
في حين أن انضمامها سوف يلقى ترحيبًا من بعض الدول التي تربطها بإثيوبيا مصالح وعلاقات متقدمة مثل إسرائيل، كون أن انضمام إثيوبيا إلى حلبة البحر الأحمر يعني التقليل من سيطرة وهيمنة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، والذي لا يزال يُمَثّل مصدر قلق بالنسبة لإسرائيل منذ عقود طويلة.
كما يسمح الوجود الإثيوبي بتوطيد علاقاتها مع القوى الكبرى المنخرطة بشكل قويّ في المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بتنفيذ مناورات وتدريب بحري في البحر الأحمر والمحيط الهندي. وفي نفس الوقت يمكن لإثيوبيا تطوير علاقاتها التجارية مع العالم الخارجي، ولعل انخراطها في تدشين بنية تحتية مشتركة مع بعض دول الجوار يعزّز من وصولها بسهولة إلى المياه الدافئة، كما يعزز أيضًا من قدراتها التجارية في المستقبل.
وفي نفس السياق، إن التحرك الإثيوبي نحو إقامة قواعد بحرية على البحر الأحمر، واستحداث قوة بحرية كجزء من المنظومة العسكرية الإثيوبية من شأنه إحداث تغيير في توازنات القوة في منطقة القرن الإفريقي، بحيث يكون ميزان القوة لصالح إثيوبيا في ظل ضعف قدرات دول المنطقة الأخرى؛ مما يعزز المكانة الإقليمية للأولى.
لكن في الوقت ذاته، تثير هذه الخطوة الإثيوبية القلق الإقليمي لدى بعض دول المنطقة من تعاظم النفوذ الإثيوبي في المنطقة. فالقلق الإريتري من المحتمل أن ينبُع من التقارب الإثيوبي الجيبوتي على حسابها خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين أسمرة وجيبوتي بسبب الخلافات الحدودية بينهما. علاوةً على أن استغلال إثيوبيا الموانئ الجيبوتية، وإقامة قاعدة بحرية هناك من الممكن أن يؤثر سلبًا على نشاط مينائي عصب ومصوع الإريتريين في المستقبل. كما أن الأمر سوف يثير أيضًا المزيد من التخوفات لدى الجانبين الكيني والأوغندي من تزايد النفوذ الإثيوبي في المنطقة في إطار التنافس الإقليمي في شرق إفريقيا.
وفي المقابل، من الممكن أن تُشَكِّل تلك الخطوة دافعًا نحو المزيد من التعاون الإثيوبي الجيبوتي والإثيوبي الصومالي في ضوء أن تلك القاعدة البحرية من الممكن الاستعانة بها كمنصة يتم الانطلاق منها في سبيل محاربة حركة شباب المجاهدين في الصومال، وكذلك مكافحة القرصنة في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
كما أنها تفتح خطّ اتصال بالموانئ الصومالية في ضوء الاتفاق بين الحكومتين الإثيوبية والصومالية على استغلال الأولى، والاستثمار في أربعة موانئ صومالية خلال زيارة آبي أحمد إلى مقديشو في يونيو 2018م، والتي تسلمت أديس أبابا أولاها وهو ميناء جرعد بولاية “مدق” بوسط الصومال في النصف الثاني من عام 2019م.
ثالثًا: أضواء على مستقبل الدور الإثيوبي في المنطقة
تأتي تلك الخطوة ضمن خطوات أخرى تسعى من خلالها الإدارة الإثيوبية الجديدة إلى تعظيم الثقل الإقليمي الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي، مستغلة في ذلك التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة خلال العامين الماضيين، وما تبع ذلك من ترحيب ومساندة دولية وإقليمية لإثيوبيا؛ لا سيما مِن قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تعطي ميزة إضافية لأديس أبابا كونها حليفًا إقليميًّا مُهِمًّا لتلك القوى في الوقت الراهن.
وإن كانت هناك بعض التحديات التي يمكن أن تُوَاجِه مستقبل الدور الإثيوبي، متمثلة في اضطراب الأوضاع الداخلية التي تشهدها البلاد خلال عام 2019م بسبب التوترات العرقية والإثنية، والتي من شأنها أن تنذر بمخاطر متعددة تؤدي إلى زعزعة استقرار الجبهة الداخلية، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على الدور الإقليمي الإثيوبي في المنطقة، ويكبح جماح طموح آبي أحمد خارجيًّا خلال الفترة المقبلة، وقبيل انعقاد الانتخابات المقبلة في مايو 2020م. إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك؛ على الأقل في المدى المنظور.
ويبدو أن الإعلان عن النية الإثيوبية بإقامة تلك القاعدة البحرية على أراضي جيبوتي لن تكون هي الأخيرة؛ فالطموح الإثيوبي المصحوب بتخوفات من المستقبل ستدفع الإدارة الإثيوبية إلى تبنّي سلسلة من القواعد البحرية في دول المنطقة؛ من أجل ضمان وتأمين وصول إثيوبي إلى المياه الدافئة، للتغلُّب على التخوف والصداع الدائم المسيطر على صانع القرار الإثيوبي من مسالب “الدولة الحبيسة” التي تلازمها طيلة العقود الثلاثة الماضية.