جمهورية مالي إحدى دول غرب إفريقيا غير الساحلية، تجاور الجزائر (من الشرق والشمال)، والنيجر (من الشرق)، وموريتانيا (من الغرب)، وترتبط بحدودها الجنوبية مع كل من الستغال وغينيا وبوركينا فاسو وساحل العاج.
تُعد مالي من أفقر 25 دولة فى العالم، وتعتمد على المساعدات الخارجية، يعمل 80% من السكان بالزراعة وصيد السمك، معدّل النمو لا يتجاوز 2,7%، ومعظم السكان أميّون، فما لا يقل عن 69% من الراشدين لا يعرفون القراءة والكتابة، في حين أن 27% فقط من الأطفال يلتحقون بالمدارس، ويعاني السكان تَدنّي المستوى الصحي، حيث يقلّ متوسط العمر المتوقع عن 50 سنة، ويموت حوالي نصف الأطفال حديثي الولادة.
وسياسياً؛ تعاني مالي منذ استقلالها حالة من عدم الاستقرار، فهناك العديد من قبائل الطوارق تسعى إلى الاستقلال والانفصال بإقليم أزواد في شمال مالي، وقد شهد شمال مالي العديد من الانتفاضات لقبائل الطوارق في 1962م و 1990م، ثم انتفاضة 2006م، هذا مع صعود تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي، وظهور العديد من الجماعات الجهادية المسلحة المنتمية للعديد من القبائل العربية في المنطقة، وتدخّل الرئيس الليبي السابق معمّر القذافي في الصراع.
وبعد انتفاضة 2006م أصبح هناك 3 أطراف رئيسة للصراع في مالي، وهي:
1 – قبائل الطوارق.
2 – الجماعات المنتمية للإسلام السياسي.
3 – الحكومة.
وفي 2011م حدث تبدّل في المواقف، حيث شكّل الطوارق والجماعات المنتمية للإسلام السياسي تحالفاً ضد الحكومة التي كان يقودها «موديبو ديارا»، وهو الممثل السابق لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، والممثل السابق لشركة مايكروسوفت في إفريقيا.
وفي ديسمبر تم اعتقال «ديارا» وإجباره على تقديم استقالته، وكلّف «ديونكوندا تراور» رئيس جمهورية مالي المؤقّت «ديانجو كيسوكو»، بتولي منصب رئيس الوزراء(1).
أولاً: الأوضاع الاقتصادية في مالي:
يُعد اقتصاد مالي ذا طابع ريفي، حيث تعتمد مالي على الزراعة، وتربية الماشية، والتجارة عبر الصحراء مع الشعوب المجاورة، وخصوصاً أنها «دولة مغلقة» ليس لها منفذ بحري، وتُعد ضمن أقل 25 دولة نمواً في العالم، وتنتمي مالي إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، وإلى الاتحاد الإفريقي، غير أن عضويتها بالاتحاد عُلّقت بعد انقلاب 2012م.
تشكّل قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصيد البحري الدعامات الأساسية التي يرتكز عليها الاقتصاد المالي، ووفق دراسة نشرها البنك الدولي 2012م؛ فإن هذه القطاعات تمثّل مجتمعة أكثر من 36% من الناتج المحلي الخام للبلاد.
1 – الزراعة:
يتصدّر القطاع الزراعي أهم القطاعات التي يرتكز عليها اقتصاد مالي، وتُقدّر مساحة الأراضي المزروعة بمالي بحوالي 3 ملايين هكتار، أي ما يمثّل 10% من الأراضي الصالحة للزراعة بالبلاد، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف سكان مالي يعتمدون في دخلهم على نشاطهم الزراعي، وتحتل زراعة الحبوب مكانة كبيرة في تأمين المتطلبات المعيشية للسكان.
غير أن القطاع الزراعي بمالي يواجه تحديات كبيرة، لعل أبرزها تخلي الدولة عن دعم القطاع بفعل سياسية الإصلاح الهيكلي التي تبنّتها الحكومة مطلع تسعينيات القرن المنصرم، مما نجم عنه ضعف القدرة التنافسية للصادرات الزراعية المالية بالأسواق الإقليمية والدولية.
وتأتي مالي في طليعة الدول المنتجة للأرز على مستوى غرب إفريقيا، وتُعد البلاد من أكبر منتجي مادة القطن على المستوى العالمي، ويُغطي إنتاج البلاد سنوياً من مادة القطن حوالي 15% من الناتج المحلي الداخلي، ويعيش على حساب القطن المالي حوالي 3 ملايين شخص مالي.
2 – الثروة الحيوانية:
تعتبر الثروة الحيوانية ثاني أكبر ثروة بالبلاد بعد الزراعة، وتمثّل حوالي 10% من الناتج الوطني الخام، ويعتمد عليها حوالي 30% من السكان، وتتركز الثروة الحيوانية بالمناطق الشمالية من البلاد، ويعتمد عليها بشكل رئيس سكان هذه المناطق، كالعرب والطوارق والفلان، وكشفت إحصائيات اقتصادية حديثة عن أن هذه الثروة تحتل المركز الثالث في صادرات البلد الخارجية، خصوصاً إلى البلدان المجاورة كالسنغال وساحل العاج وموريتانيا.
3 – الصيد:
ولا يقل قطاع الصيد أهمية عن باقي القطاعات، فالقطاع يشكّل حوالي 4,2% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل فيه قرابة ربع مليون شخص، وينتعش نشاط الصيد في المناطق القريبة من دلتا النيجر وبحيرات «سلينكي» و «مانتنلي» وبحيرة «دبو»، ومعظم الإنتاج من أسماك الشبّوط والسلور والأسماك النهرية.
4 – الثروة المعدنية:
يوجد في مالي إرسابات معدن البوكسيت والنحاس والذهب وخام الحديد والمنجنيز والفوسفات والملح واليورانيوم، ويُعدُّ استخراج الملح أكبر إنتاج معدني في البلد، بجانب استخراج الذهب، حيث يعد الذهب أهم المصادر المعدنية للاقتصاد المالي، ويُقدر احتياطي البلاد منه بـ 800 طن، حسب بيان وزارة المعادن والطاقة قبل عام، وتتواجد أبرز مناجم الذهب بمناطق «كاراكوتو» و «سياما» و «كوديرا»(2).
5 – الصناعة:
تعد صناعة النسيج والمواد الغذائية والمنتجات الجلدية من أهم النشاطات الصناعية بالبلاد، وتمتلك الحكومة كل المصانع الكبيرة، ولكنها تعمل على تشجيع زيادة الاستثمارات الفردية، وقد تم تشييد معظم المصانع الكبرى بفضل المساعدات الخارجية، مثل مصانع الأسمنت والسكر والتعليب والنسيج.
6 – التجارة:
يُشكل القطن المحصول الرئيس للتصدير، ويُقَدّر بحوالي نصف الصادر من مالي، وتعمل مالي أيضاً على تصدير الأسماك والجلود والماشية واللحوم والفول السوداني، وتتمثل أهم الواردات في المواد الكيميائية والمواد الغذائية والآلات والنفط والمنسوجات، ويتم التبادل التجاري أساساً مع دول غرب إفريقيا وفرنسا وبعض دول غرب أوروبا.
وبجانب هذه القطاعات تشكّل تحويلات العاملين بالخارج أحد أهم مصادر الدخل القومي، لكن البلاد تعتمد بشكل رئيس على المعونات الأجنبية.
وتُعد السنغال أكبر دولة مستوردة من مالي، فيما تُعد الصين أكبر دولة مصدّرة لها.
وقد بلغ إجمالي الدخل الفردي، وفق تقديرات بعض المنظمات الدولية عام 2005م، نحو 380 دولار سنوياً لكل مواطن، وكانت مالي تكتفي ذاتياً من اللحوم نتيجة لثروتها الحيوانية، لكن موجات الجفاف المتوالية على مرّ العقود الأخيرة أفقدتها هذه الميزة(3).
ثانياً: الاستغلال الخارجي الغربي والفرنسي لموارد مالي والمنطقة:
منطقة الساحل التي تغطي شمال مالي وجنوب الجزائر وشمال النيجر وشرق موريتانيا وجنوب ليبيا، عبر مساحة تتجاوز أربعة ملايين كيلومتر مربع، تُعد من أفقر مناطق العالم اقتصادياً، فلا زراعة بمفهومها المتعارف عليه، أو صناعة، أو نشاط اقتصادي يجعل الأضواء تسلط على تلك المنطقة من العالم، إلا أنه بالرغم من الفقر المدقع للسكان في تلك المنطقة يُطلق عليها أرض «الفقراء الأغنياء»، فتلك المنطقة غنية بثرواتها الطبيعية، حيث تحتوي على أعلى معدّل احتياطي لليورانيوم والذهب والنحاس والحديد، كما أن هناك احتياطياً عظيماً من البترول الخام بمواصفات قلّما تتوفر لدى دول أخرى، هذا بجانب احتياطاتها من الغاز الطبيعي.
والدول التي لها مطامع في ثروات المنطقة تنقسم إلى:
– دول طامعة في لليورانيوم: كفرنسا التي تستخدم الطاقة النووية لإنتاج 80% من إجمالي احتياجاتها من الطاقة، وتستمد 40% من احتياجاتها من اليورانيوم من النيجر من خلال شركة «اريفا».
– دول طامعة في البترول والغاز: كالولايات المتحدة، حيث تتوجه أهدافها بالدرجة الأولى نحو البترول والغاز الطبيعي.
– دول طامعة في الثروات المعدنية: كبريطانيا وألمانيا، وتسعى كل منهما نحو الهيمنة على الثروات المعدنية في المنطقة(4).
وقد سبق لهذه الدول أن شهدت صراعاً ممتداً في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والأول من القرن العشرين للهيمنة على ثروات دول المنطقة ومقدّراتها، وبالرغم من انتهاء الاحتلال العسكري استمرت هيمنتها الاقتصادية والسياسية على مقاليد الأمور فيها، وعندما يظهر ما يمكن أن يهدّد هذه الهيمنة أو يحدّ منها يكون التدخل العسكري هو البديل الأول، بمساعدة النُّخب السياسية في دول المنطقة، والتي تدين بالولاء الأول والأخير للمستعمرين السابقين!
1 – فرنسا:
في ظلّ ولاية الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي المنتمي إلى يمين الوسط؛ قادت فرنسا العالم للتدخل في ليبيا، في ذلك الوقت؛ أظهرت استطلاعات الرأي الفرنسية أن الدعم الأقوى للتدخل العسكري منذ البداية جاء من جانب الناخبين ذوي الميول اليسارية، لأن التدخل جرى تأطيره جيداً في البلاد وفي الخارج على أنه «عمل إنساني»، لكن في وثيقة تم تسريبها إلى صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، تعهّد المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا بزيادة نسبة فرنسا إلى 35% من النفط الليبي (بعد أن كانت 17% قبل الحملة) في مقابل الدعم الفرنسي الكامل، وقفزت الشركات الفرنسية إلى الواجهة في عقود إعادة البناء العائدة للقطاع الخاص والعقود الأمنية في ليبيا.
وفي مالي كان الأمر أكثر سهولة بالنسبة لفرنسا، مع مباركة الرئيس المالي «ديونكوندا تراوري»، ومجلس الأمن الدولي، ودول غرب إفريقيا الأخرى، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي «هولاند» بتوصيف العمليات العسكرية في مالي بأنها: «جهد إنساني يهدف إلى دحر العناصر الإرهابية المعروفة بوحشيتها وتحجّرها، ومن أجل أمن الشعب المالي، والوافدين إلى مالي من فرنسا، والبالغ عددهم 6 آلاف فرنسي».
إلا أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي ليس مجرد ضربة ضد الإرهاب فقط، ففرنسا أيضاً تسعى إلى الحصول على موقع لها في الفرص المستقبلية، حيث ذكر موقع وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية أن: «صادرات مالي إلى فرنسا (المركزة في الذهب والقطن والماشية) لا تتعدى معدّل 10 ملايين يورو في السنة على مدى السنوات الخمس الماضية، ولقد تراجعت في عام 2010م إلى 5,8 ملايين يورو»، وفرنسا اليوم لم تعد المستثمر الأجنبي رقم واحد في مالي، نتيجة للاستثمارات الأكبر من جنوب إفريقيا (في مجال التعدين والأعمال الزراعية)، والمغرب (في مجال البنوك وشركات الاتصالات)، وليبيا (في مجال الفنادق والمشاريع الزراعية)، ويبدو أن هناك فرصة كبيرة لفرنسا في أن تتقدم أهميتها في تلك اللائحة(5).
ولا يمكن تناول الدور الفرنسي في مالي بمعزل عن كونها الدولة الاستعمارية التي استعمرت مالي لعقود طويلة من الزمن، وما زالت تتعامل معها من منطلق أنها بمثابة الفناء الخلفي لها حتى الآن، واللغة الرسمية في مالي هي الفرنسية، وهي وسيلة توحيد لمواطني مالي الذين يتحدثون أكثر من 40 لغة مختلفة بعشرات اللهجات.
فالوجود الفرنسي في المنطقة يشكّل إرث الماضي الاستعماري، إضافة إلى المصالح الاقتصادية الكبيرة في غرب إفريقيا، ومن أهم تلك المصالح الاقتصادية استخراج اليورانيوم من النيجر، والذي تديره شركة «أريفا» الفرنسية، والذي يزود به أكثر من ثلث محطات الطاقة النووية لشركة «أو دي إف» للكهرباء في فرنسا، حيث حصلت شركة «أريفا» على امتياز استغلالها منذ عقود(6).
يُضاف إلى ذلك أن مالي هي المستورد رقم 87 من فرنسا، والمصدّر رقم 165 لفرنسا، ومعظم صادراتها من الذهب والقطن، وتبلغ 10 ملايين يورو سنوياً، وهو ما يعادل 0,002% من الواردات الفرنسية، وتسيطر المؤسسات والشركات الفرنسية في مالي على 65% من قطاع الخدمات، و 20% في التجارة، و 15% في قطاع الصناعة(7).
هذا بجانب الموقع الجغرافي لمالي المحاذي للنيجر المهمة بالنسبة لفرنسا على المستوى الاقتصادي، فأهم مستغلي اليورانيوم في النيجر هما الصين وفرنسا، وتمثّل النيجر رهاناً استراتيجياً إذا تفاقمت الأوضاع بما قد يمسّ النيجر، وبجانب شركة «أريفا» هناك العديد من الشركات الفرنسية (مثل شركة توتال) التي تعمل في مالي ودول الجوار الجغرافي لها، وبخاصة الجزائر التي تعد الشريك الأول لفرنسا في إفريقيا(8).
وفي 17 يناير 2013م، وبعد تصريحات الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند، التي أكد فيها أن «فرنسا ليس لديها مصلحة في مالي»، وأنها «لا تدافع عن أية مصالح اقتصادية أو سياسية»، تساءلت صحيفة لوفيجارو: «ماذا عن الشركات الفرنسية العاملة في مجالات البترول والغاز واليورانيوم في مالي، وهي قطاعات ذات أهمية استراتيجية؟»، وأضافت الصحيفة: «إن مصادر الثروة الكامنة تحت الأرض في مالي ما زالت حتى الآن غير مستغلة وغير مكتشفة»، مضيفة أن: «الذهب هو المعدن الوحيد الذي تصدّره هذه الدولة، ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا»(9).
وقد عهدت شركة «روكجيت» في 15 نوفمبر 2012م إلى مجموعة «دي آر ايه» الجنوب إفريقية بإجراء دراسة جدوى حول مشروعها في «فاليا»، والذي يهدف للتنقيب عن اليورانيوم والفضة والنحاس، وأشارت التقديرات الأولية إلى أن المنجم يحتوي على حوالي 12 ألف طن من اليورانيوم، أي ما يزيد أربع مرات على إنتاج المنجم الذي نقبت عنه شركة «اريفا» في «آرليت» بالنيجر عام 2012م(10).
وفيما يتعلق بالمحروقات «المواد الهيدروكربونية»؛ فإن الوجود الفرنسي في مالي محدود، إذ تمتلك شركة «توتال» الفرنسية ما يقرب من أربعين محطة خدمة في مالي، وفي الدول المجاورة لمالي تقوم «توتال» تقوم ببعض عمليات التنقيب في موريتانيا، حيث تنتج 33 ألف برميل بترول يومياً، وهو ما يعادل إنتاجها في الجزائر.
وفي إطار هذه الاعتبارات؛ تكشف المقارنة بين مواقف فرنسا تجاه الوضع في سوريا ومالي عن أطماع اقتصادية، لخصها نائب في البرلمان البلجيكي بقوله: «الهدف من الحرب على مالي هو السيطرة على اليورانيوم.. نحن لسنا مغفلين»، فتدخّل فرنسا في مالي جاء بهدف الحفاظ على المصالح الاقتصادية الكبيرة لها في غرب إفريقيا(11).
2 -الولايات المتحدة:
كانت أول اشارة على وجود يد أمريكية في أزمة مالي تصريحات بيل جيتس رئيس شركة مايكروسوفت المؤيدة لـ «ديارا» رئيس الوزراء السابق الذي تمت الإطاحة به واعتقاله في ديسمبر 2012م، فقد أعلن صراحة رغبة بلاده في تولّي أحد رجالها المخلصين رئاسة البلاد، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي الإدارة الأمريكية، وتمت الإطاحة سريعاً بـ «ديارا».
كما أن الوجود الأمريكي في المنطقة يتحرك عبر كندا وشركاتها العاملة في مالي والدول المجاورة، وإسرائيل التي تعمل بكل قوتها في الدول الإفريقية، ومنها المجاورة لدولة مالي.
ومن أشهر الشركات الكندية العاملة في المنطقة وأكبرها شركة «روك جيت»، وقد قدمت طلباً للتنقيب عن اليورانيوم في منطقة «فاليا» التي تبعد مسافة 350 كلم غرب العاصمة المالية باماكو وبالقرب من حدود السنغال وغينيا، ولم تعثر الشركة الكندية فقط على اليورانيوم ولكن أيضاً على الفضة والنحاس، ويقدّر بعض الخبراء الجيولوجيين كميات اليورانيوم بـ 12 ألف طن، أي ما يساوي أربعة أضعاف ما تنتجه شركة «أريفا» الفرنسية من أهم مناجمها «أرليت» في النيجر(12).
وتشهد الإدارة الأمريكية صراعاً حول الموقف الذي يجب الالتزام به في أزمة مالي، فعدد من مسؤولي البنتاجون وضباط كبار يحذّرون من أن غياب التزام أكبر من جانب الولايات المتحدة يمكن أن يجعل مالي ملاذاً للمتطرفين كما كانت أفغانستان قبل اعتداءات 11 سبتمبر 2001م، لكن مستشاري البيت الأبيض يرون أنه غير واضح حتى الآن ما إذا كانت جماعات مالي بينها عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، وإلى أى مدى يشكّلون تهديداً لمصالح الولايات المتحدة، ويخشى مستشارو البيت الأبيض من أن تُجر الولايات المتحدة إلى نزاع معقد ضد عدوٍّ لا يمكن السيطرة عليه في مالي بينما تقوم القوات الأمريكية بالانسحاب من أفغانستان(13).
3 – الصين:
دخلت الصين بشكل فعّال في مالي في عهد حكم الرئيس «أمادو توماني»، واستثمرت في البنية التحتية، وقامت ببناء جسر عبر النيجر في باماكو، كما كان من المخطط بناء طريق سريع من العاصمة حتى الشمال، في المقابل توجهت المواد الخام من مالي إلى الصين التي أصبحت تستورد ثلث صادرات مالي في الآونة الأخيرة.
بداية؛ كان القطن والذهب، وبالمقابل ازداد حجم صادرات صناعة الآلات الصينية، والذي بدأ يشكّل ضغطاً على الشركات الفرنسية المهيمنة في تلك المنطقة، وكلما نشطت الصين في مالي ضعف موقف فرنسا هناك، ولذلك يشير الخبراء إلى الدور الفرنسي في إطاحة الرئيس «أمادو» عام 2012م؛ لأنه كان متعاطفاً بشكل علني مع الصين.
وقد ازداد حجم المصالح الاقتصادية للصين بشكل كبير في إفريقيا خلال العقود الأخيرة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري أكثر من 100 مليار دولار سنوياً، وهذا يزيد عن حجم التبادل لأمريكا والاتحاد الأوروبي معاً في إفريقيا، ولهذا فإن أي زعزعة في الأوضاع تُعد ضربة لمصالح الصين في القارة الإفريقية.
والحديث يدور حول استثمار الصين في أعمال تنقيب النفط في شمال مالي، علماً بأن الشركات الإيطالية والجزائرية والأسترالية والنيجيرية والكندية والفرنسية والقطرية كانت قد أجرت أعمال تنقيب وبحث عن منابع النفط هناك، ولذا يمكن تفسير مشاركة القوات الفرنسية في العملية العسكرية على أنها ضوء أخضر لشركاتها للبدء في استخراج النفط هناك.
ومن المتوقع ازدياد التنافس على الفوسفات في الشمال، وهذه المادة الخام تُستخدم لإنتاج الأسمدة التي تفتقر إليها الصين بشكل واضح، ويبدو أن فرنسا في حال تحقيقها نجاح على الجبهة العسكرية سوف تجني أرباحاً من هذه العملية.
والمواجهة ستتفاقم، وذلك في سبيل الحصول على اليورانيوم والذهب والنفط والموارد الأخرى، في الوقت التي ستحاول فيه الصين الحفاظ على مصالحها، ولن تتخلى عن النضال من أجل الحصول على فوائد جديدة في قارة إفريقيا، فضلاً عن أن الأحداث في ليبيا وتقسيم السودان كانت ضربة قوية لمصالح الصين في إفريقيا، وذلك لأنها فقدت المصادر المستقرة من النفط المستورد، ولم يُعرف مصير المليارات من الدولارات التي سُخّرت للاستثمار في البنية التحتية، لقد فقدت الكثير من الأرباح والنفوذ والخطوة التالية هي مالي(14).
4 – ألمانيا:
في يونيو 2011م أعلن وزير الخارجية الألماني «جيدو فيستر فيله» الخطوط العريضة للسياسة الألمانية الجديدة في إفريقيا، حيث تسعى الحكومة الألمانية لاستبدال الصورة النمطية لها كإحدى أبرز الدول الغربية المانحة للمساعدات للقارة الإفريقية، واستخدمت مصطلح الشراكة لوصف العلاقة التي تعتزم أن ترتبط بها مع الدول الإفريقية في المستقبل، تحت شعار «شراكة متساوية طويلة الأمد مع إفريقيا»(15).
وأكد «فيستر فيله» أن ألمانيا لا تهدف إلى استغلال دول القارة بحثاً عن مكاسب اقتصادية قصيرة المدى، وإنما ترغب في شراكة متساوية لا تكون فيها ألمانيا دولة مانحة والدول الإفريقية دولاً متلقية للمساعدات التنموية، وإنما تتحق فيها الفائدة للطرفين معاً.
وقد بدأت ألمانيا بالفعل السير في طريقين متوازيين، فهي تنتهج سياسة دبلوماسية نشطة في دول القارة الغنية بالنفط والغاز والمعادن النادرة المستخدمة في التقنيات الحديثة، وغيرها من المواد الخام، وخصوصاً في غرب إفريقيا(16).
وبجانب هذا التنافس الشرس على ثروات المنطقة الإستراتيجية (اليورانيوم، النفط، الغاز الطبيعي، الذهب) يبرز تنافس من نوع آخر على ثروات دول المنطقة السمكية، تتسبب عمليات صيد الأسماك غير القانونية، التي تمارسها سفن صيد أجنبية أساساً في المياه الإقليمية للدول ذات السيادة دون الحصول على التراخيص اللازمة، في أضرار بالغة لأكثر بلدان إفريقيا فقراً، سواء اقتصادياً، أو لثرواتها السمكية، تقدّرها منظمة «السلام الأخضر» العالمية بأكثر من مليار دولار سنوياً.
وتؤثر هذه العمليات غير المشروعة بصورة خاصة في دول غرب القارة المطلة على مياه المحيط الأطلسي، والممتدة على سواحل 15 دولة، من المغرب وموريتانيا شمالاً إلى أنجولا جنوباً، وتأتي غينيا وسييراليون ضمن أكثر هذه البلدان تضرراً من عمليات الصيد غير المشروعة التي تجريها سفن تحمل رايات: (الصين، روسيا، إندونيسيا، وبنما، واليابان، ودول أعضاء في الاتحاد الأوروبي كالبرتغال وإيطاليا، وغيرها)(17).
وتقدّر الخسائر التي يسبّبها صيد الأسماك غير المشروع في مختلف أنحاء العالم بما يتراوح بين 9 مليارات و 24 مليار دولار، كلّ سنة، بمصيد يقدّر حجمه بما بين 11 و 26 مليون طن من الأسماك، يعادل 10 إلى 22% من كمية الأسماك التي تُصطاد سنوياً، وهذه التقديرات لا تأخذ في الاعتبار الأضرار البيئية الناتجة عن عمليات الصيد الجائر التي قضت على العديد من أنواع الأسماك.
وفي غرب إفريقيا قدّر (المكتب المستشاري MRAG المعني بالترويج للاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، ومقره لندن)، أن المصيد غير القانوني يتجاوز كمية المصيد المشروع بحوالي 40%، وقدّر تقرير الهيئة البريطانية للتنمية الدولية أن الخسائر الناتجة عن الصيد غير القانوني في المياه الإقليمية لغينيا قد بلغت 110 مليون دولار في عام 2009م وحده، و 34,000 طن من الأسماك سنوياً، مما أدى إلى عدّ الصيد غير المشروع في مياه غينيا هو الأسوأ في إفريقيا كلها وفقاً لمؤسسة العدالة البيئية(18).
وتُعِدّ منظمة «السلام الأخضر» سنوياً «قائمة سوداء» بالسفن والشركات المشبوهة بإجراء عمليات صيد غير قانونية، استناداً إلى سجلات رسمية، لكن سلطات الموانئ والمرافئ في الدول الأوروبية تتجاهل هذه القائمة، وذكرت مؤسسة «العدالة البيئية» أن ميناء «لسا بالماس» في جزر الكناري الإسبانية يساهم في توفير الخدمات لعمليات الصيد غير المشروع في غرب إفريقيا(19).
ثالثاً: مصادر التمويل والإمكانات الاقتصادية لأطراف الصراع:
كان الملاحظ فيما يتعلق بمصادر التمويل للعمليات العسكرية في مالي تصريح الرئيس الفرنسي: «لقد حصلنا على دعم الإمارات المادي للعملية العسكرية في مالي، ولدينا ذات التوجهات فيما يخص الوضع هناك»، وأكّد أن بلاده قد أصبحت جاهزة مالياً لبدء حربها في مالي.
وأفاد بأن دعم الإمارات العسكري للعمليات الفرنسية في مالي يشمل استخدام القاعدة الفرنسية الموجودة في أبو ظبي، واستخدام بعض المعدات، مثل الطائرات الموجودة فيها لاستخدامها في مالي إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك، وأوضح أن الإمارات «قد تقدّم مساعدة إنسانية ومادية ومالية وربما عسكرية»، وقال: «إن ذلك يعود للإمارات أن تحدّد كيف تريد أن تساعدنا»، وبيّن أن الدعم الإنساني لدولة الإمارات بشأن الوضع الحالي في مالي يتمثّل في دعم المنظمات غير الحكومية التي تناهض التطرف والإرهاب في المنطقة.
وعن مستوى ثقته في الحصول على قوات من دول الخليج لنشرها في مالي؛ قال: «الكلّ يجب أن يلتزم بمحاربة الإرهاب، نحن واثقون من أن الإمارات ستسير في ذلك الاتجاه أيضاً»، وأكّد أنه يسعى إلى غطاء مالي خليجي للعمليات العسكرية، في وقت أصرّت فيه الدول الغربية على ترك فرنسا وحدها في الميدان، والاكتفاء بتقديم دعم معنوي عن بُعد(20).
رابعاً: الصراع في مالي وتداعياته:
يكشف الموقف الفرنسي عن ادّعاءات كاذبة وغير حقيقية، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس فرنسوا هولاند أن: «المبادرة الفرنسية غير مرتبطة بالدفاع عن أي مصالح، لأنه لا مصالح لنا في مالي، وأن تدخلنا جاء استجابة لنداء الاستغاثة الذي وجّهه رئيس جمهورية مالي «ديوكندا تراوريه» وقادة مجموعة غرب إفريقيا، وهي تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، وتحديداً القرار 2085 الصادر في 20 ديسمبر 2012م»، مؤكداً على موقفه بأنه لا مصالح اقتصادية كبيرة لفرنسا في مالي، إلا أن الحقيقة تناقض ذلك في ظلّ الاعتبارات الآتية:
– أن فرنسا قامت بسحب قواتها من أفغانستان، وأنها لم تلبّ طلب العديد من الدول بالتدخل فى سوريا، على الرغم من أن الصراع في سوريا أكثر دموية وخطورة على السلم والأمن الدوليين، وأكثر خطورة على حقوق الإنسان.
– أن ثمة استثمارات فرنسية ضخمة في مالي، فهناك ما يُقدّر بستين شركة فرنسية حاضرة في مالي، كما يوجد ستة آلاف فرنسي في مالي، بينما يبلغ عدد الماليين في فرنسا نحو 80 ألفاً.
– أن مالي تمتلك ثروة طبيعية كبيرة، يمكن أن تمثّل اغراءً مباشراً، ليس فقط لفرنسا وإنما لقوى دولية أخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى الولايات المتحدة، حيث تُعد مالي ثالث منتج للذهب في إفريقيا، كما أن أرضها تحتوي على اليورانيوم، فضلاً عن ذلك يلعب الموقع الجغرافي دوراً مهماً في هذا الخصوص، حيث تمثّل مالي محوراً لتقاطعات استراتيجية بالغة الأهمية، وعدم الاستقرار فيها لا يقتصر على أوضاعها الداخلية، وإنما يمتد إلى تهديد استقرار المنطقة كلها، والمسّ بأمن فرنسا ومصالحها بأكملها، خصوصاً تلك المتعلقة بأمن الطاقة.
– الصراع الفرنسي الأمريكي، فالولايات المتحدة تمثّل المنافس الأهم لفرنسا في إفريقيا، وتسعى إلى حسم موقفها بضرورة السيطرة على المنطقة لأهداف متعددة (اقتصادية، استراتيجية، لوجستية)، وترى أن تأميم مستعمرات فرنسا في القارة السمراء خطوة مهمّة لحسم صراعها المتصاعد مع الخصم الصيني، الراغب في الاستحواذ على الموارد الطبيعية الإفريقية هناك، لا سيما حقول النفط، وأن الوجود الفرنسي يمثّل عائقاً أمامها عبر وجوده، سواء الاقتصادي، أو الاستخباراتي، أو العسكري الذي يتمدّد في القارة الإفريقية عبر 100 قاعدة عسكرية فرنسية(21).
وفي إطار هذه الاعتبارات؛ تبرز مجموعة من الملاحظات، والتداعيات المحتملة على أطرف الأزمة المباشرين وغير المباشرين:
1 – التداعيات على مالي:
تواجه مالي العديد من المشكلات الاقتصادية، حيث تعتمد على الزراعة، في حين أن خُمس أراضيها فقط تُعد أرضاً خصبة وصالحة للإنتاج الزراعي، والحياة النباتية في إقليم السهل تعرضت لسنوات جفاف أدت إلى تدمير مساحات واسعة من الغطاء النباتي، وإلى موت ملايين الأبقار والأغنام والماعز، كما أدى تدني أسعار القطن وزيادة أسعار البترول في السوق العالمية إلى شدة تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد(22).
وقد أعلن صندوق النقد الدولي، عقب زيارة قام بها أحد وفوده لمدة أسبوعين إلى باماكو، أن: «الاقتصاد المالي الذي كان أصلاً متأثراً بسوء محاصيل موسم 2011م / 2012م يمرّ بمرحلة صعبة، وانعكس عليه سلباً انقلاب آذار / مارس 2012م وتداعياته»، وأضاف الصندوق أن: «احتلال شمال البلاد عطّل بشكل كبير الإنتاج الزراعي والتجارة، وتسبّب في تدهور الوضع الأمني، وتقليص عدد زيارات الأعمال إلى مالي بشكل كبير», في حين يتوقع الصندوق تراجعاً واضحاً في إجمالي الناتج الداخلي المالي بنسبة 1,5% في العام 2013م(23)، كذلك تأثرت الصناعة فأُغلقت 20% من المصانع في العاصمة(24).
2 – التداعيات على فرنسا:
القوات الفرنسية تحارب وحدها أولاً، ومن دون عون إفريقي أو غربي (باستثناء طائرتي نقل عسكري أرسلتهما بريطانيا، وكثير من بيانات التأييد الأوروبية)، وهي تحارب مجموعات عسكرية قاتلت طويلاً لتحقيق استقلال مناطق البلاد الشمالية.
والكثير من هذه المجموعات قاتلت في ليبيا ضمن صفوف الجيش الليبي بداية، ثم في صفوف معارضيه، بمعنى أن رجالها تمرّسوا على الحروب التقليدية وعلى حرب العصابات، يُضاف إلى هؤلاء مقاتلو «القاعدة» المعروفون بتدريبهم العالي وشراستهم القتالية.
بجانب مجموعة من حوالى 1600 مقاتل أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية حوالى 600 مليون دولار على تدريبهم وإعدادهم ليحاربوا «القاعدة» ضمن جيش مالي، ولم يلبثوا أن انضمّوا إلى «القاعدة»، وهم الآن في مواجهة القوات الفرنسية مع بقية الفصائل المقاتلة، ومن الطبيعى أن تعاني القوات الفرنسية في مواجهة هؤلاء المقاتلين المدرّبين جيداً، خصوصاً أنهم يعرفون أسرار الاستراتيجية التي تعتمدها القوات الأمريكية والغربية – عموماً – للقتال في المناطق الصحراوية.
وأمام هذه الوقائع؛ لا يبدو أن القوات الفرنسية ستكون قادرة على حسم المعركة سريعاً على الأرض، كما أن الطيران الحربي لن يمكّنها من كسبها من الجوّ، لذا فالحرب سوف تطول، والزمن لن يكون في جانب هذه القوات، فتراكم الأيام سوف يزيد تورّطها عُمقاً، ويحوّل مالي إلى مقصد ومستودع للجماعات الجهادية الإفريقية، ما يبرر المخاوف التي يتحدّث أصحابها عن «أفغانستان» جديدة.
3 – التداعيات على الجزائر:
إن العواقب ستكون وخيمة وخطيرة على استقرار الجزائر، حتى وحدة ترابها التي ستبدأ في التزعزع من الجنوب مستقبلاً، وهذا الخطر يعود لاعتبارات كثيرة، من بينها أنه توجد نسبة كبيرة من عناصر تنظيم القاعدة من الجزائريين، تدرّبوا على القتال في الجزائر، وستكون وجهتهم الجزائر عبر مسالك مفتوحة يعرفونها جيداً، وبأسلحة ثقيلة بينها حتى المضادة للطيران، وهو ما سيعيق المراقبة الجوية الجزائرية حتى الأجنبية، وقد تضطر السلطات بأن تسمح للطيران الفرنسي للقيام بعمليات عسكرية على التراب الجزائري، وهو ما يمكن أن يشكّل كارثة حقيقية وتطوراً خطيراً للأوضاع في الجزائر.
كذلك؛ فإن الجزائر ستكون وجهة للنازحين والهاربين من جحيم الحرب، بسبب صلة القرابة بين الأزواد والطوارق، وهذه الحرب ستطول، فلا يمكن استعمال الطيران ضد جماعات مدرّبة جداً على حرب العصابات، التي ستكون استنزافية للكل، وعلى رأسهم الجزائر التي تورّطت في «مستنقع مالي».
يضاف إلى ذلك أن الحرب في مالي أخذت بُعداً دينياً، حيث صار الكثيرون يعدّونها حرباً صليبية على المسلمين، وبما أن الجزائر انحازت إلى التدخل الخارجي بالسماح للطيران الحربي الفرنسي باستعمال أجوائها؛ فإنها بهذه الخطوة ستكون في نظر الجماعات المسلحة العدو الأساسي، وبما أن المغرب اتخذ الخطوة الجزائرية نفسها، وكذلك موريتانيا، فإنهما ستكونان أيضاً على خط مرمى الجماعات أيضاً.
4 – التداعيات على موريتانيا:
انعكاسات الحرب على موريتانيا ستكون خطيرة جداً، حيث يوجد في موريتانيا مستودع بشري كبير لتكوين الجماعات المسلحة وتمويلها، وهي الحلقة الأضعف من بين دول الطوق حول مالي (النيجر، الجزائر، موريتانيا)؛ لأنها تفتقر إلى نظام سياسي قادر على حفظ الاستقرار وتدعيم الجبهة الداخلية لمواجهة هذه المخاطر التي تحدق بها، كما أن موريتانيا توجد بها استثمارات دولية لشركات كبيرة، مثل (كينروس الكندية، وتوتال الفرنسية)، وهي أهداف محتملة للجماعات المسلحة، يضاف إلى ذلك أن موريتانيا متشابكة قبلياً وبشرياً مع سكان شمال مالي، ومن ثم فإنها ستجد صعوبة كبيرة في متابعة العناصر المرتبطة بتنظيم القاعدة داخل أراضيها، نتيجة لاندماجهم في المجتمع الموريتاني الشبيه بسكان إقليم أزواد(25).
الإحالات والهوامش:
(*) أستاذ العلوم السياسية – جامعة الإسكندرية.
(1) حرب أزواد: أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية، الثلاثاء / 22 يناير 2013م.
(2) وكالة الأناضول للأنباء، مالي.. الكنز الإفريقي فريسة لباريس، 24 يناير 2013م.
(3) تغطي الصحراء ثلثي شمال البلاد بالكامل، وتقل معدّلات الأمطار بها عن 127 مليمتر سنوياً، ويسكنها البدو الرحل، أما الوسط، أو «المنطقة الساحلية» للنهر، فتوجد بها بعض الزراعات للأرز والقطن والسورغو، و «المنطقة السودانية» في ثلث شمال البلاد تصل فيها معدّلات الأمطار إلى 1400 مليمتر سنوياً، وتغطيها السافانا التي تتحول إلى غابات في الجنوب، انظر: حسن مكي: جمهورية مالي.. حقائق في سطور، وكالة أنباء الأناضول، 22/1/2012م.
(4) زوهرال أوراس بوراس: غزو الساحل ما بين الإمارة الإسلامية والإمارة الاقتصادية، الأحد / 20 يناير 2013م.
(5) راشيل مارسدن: أهداف اقتصادية وراء التدخل الفرنسي في مالي، صحيفة البيان، عدد 23/1/2013م:
http://www.albayan.ae/one-world/directions-bearings/2013-01-23-1.1809007
(6) حرب أزواد: أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية، الثلاثاء / 22 يناير 2013م.
(7) يرى الوزير الموريتاني السابق «أسلم ولد عبد القادر» أن: «فرنسا لديها مصالح في هذه المنطقة، وهي لا تختلف كثيراً عن المصالح التي تسعى إليها الصين والولايات المتحدة في هذه المنطقة، حيث تعرف هذه القوى العظمى أن القارة الإفريقية قارة واعدة في الخمسين سنة القادمة».
(8) وهيبة خداش: التدخل العسكري في مالي والرهانات الاقتصادية، قناة القارة، الموقع الإلكتروني، 21/1/2013م.
(9) قالت الصحيفة أيضاً: «إن الجيولوجيين يعلمون أن باطن الأرض في مالي يحتوي على اليورانيوم»، مشيرة إلى أن شركة التعدين الكندية «روكجيت» تقدّمت بطلب للسماح بالتنقيب في منجم «فاليا» الذي يحتوي على اليورانيوم، والواقع على بعد 350 كم غرب العاصمة باماكو بالقرب من حدود السنغال وغينيا… أما الشركة الفرنسية «اريفا» فتمتلك شركات تنقيب في منطقة سارايا بالقرب من الحدود السنغالية.
(10) يُذكر أن شركة «كوجيما» التي كانت تنقب في مالي قبل مجيء شركة «افيرا» بحثت في مالي قبل خمسين عاماً ولم تكتشف أية مناجم.
(11) وكالة أنباء الأناضول، الحرب على الإرهاب ذريعة فرنسا لنهب ثروات مالي، 23/1/2013م.
(12) أعلنت ميشال ريفازي، النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي، أن الشركتين الفرنسية والكندية أبرمتا اتفاقاً لاستغلال مشترك لليورانيوم في مالي.
(13) حرب أزواد: أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية، الثلاثاء / 22 يناير 2013م.
(14) صوت روسيا، مالي.. ضربة لمصالح الصين، 29/1/2013م.
(15) حدّد «فيستر فيله» أهم أهداف السياسة الألمانية الجديدة في إفريقيا في: السعي لتحقيق السلام والأمن والرخاء في القارة السوداء، وذلك من خلال التعاون مع الدول الإفريقية التي ستلتزم بحقوق الإنسان والحكم الرشيد والتحرك نحو الديمقراطية، وفي المقابل فإن ألمانيا ستدعم حصول إفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن، وستعمل على فتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الإفريقية، وتوافر شروط عادلة للتجارة مع الدول الإفريقية.
(16) أبرمت ألمانيا شراكة للطاقة مع نيجيريا وأنجولا، كما تدعم مشروع «ديزرتك» لتوليد الطاقة الشمسية في صحراء شمال إفريقيا، وأجرى وزير التعاون الدولي «ديرك نيبل» مفاوضات مهمة في ليبيريا التي تملك أكبر احتياطي عالمي من خام الحديد. وتسعى الشركات الألمانية إلى ضمان حصة من حقوق استخراج الحديد هناك، بعد أن أبرمت ليبيريا في 2010م عقوداً بعشرة مليارات دولار لاستخراج الحديد، استفادت منها شركات بريطانية وأسترالية وبرازيلية، انظر: مازن حسان: ألمانيا تدخل السباق على ثروات إفريقيا، صحيفة الأهرام المصرية، 25/6/2011م.
(17) أفاد المركز الفني الأوروبي للتعاون الزراعي والريفي، التابع للاتحاد الأوروبي، والمعني بمساعدة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادي، بتوفير المعلومات والبيانات الخاصة بقضايا التنمية، بأن عمليات الصيد غير المشروعة في تلك المنطقة قد ازدادات على مدى السنوات العشرة الأخيرة.
(18) يقول «ساسكيا ريتشارتز» المسؤول بمنظمة «السلام الأخضر» البيئية العالمية: «إن كميات الأسماك التي يجري صيدها بصورة غير قانونية يجب أن تسبّب الحرج للدول الصناعية التي التزمت منذ عشر سنوات بالقضاء على عمليات الصيد غير المشروعة بحلول 2004م»، وقدّر الخسائر الاقتصادية التي تلحق بدول جنوب الصحراء الكبرى بأكثر من مليار دولار سنوياً، وأفاد أن ضعف الرقابة في الموانئ، وعدم رصد عمليات سفن الصيد، وتنفيذ القوانين، يسهّل من «غسل» المصيد غير القانوني، واتهم دول الاتحاد الأوروبي بعدم مكافحة الصيد غير القانوني بالصورة الواجبة، مفيداً أن منظمة «السلام الأخضر» قد رصدت ووثقت حالات سفن صيد وطنية ولشركات من دول الاتحاد الأوروبي تخرق الاتفاقيات الدولية، وتصطاد الأسماك في الأماكن المحظورة أو دون ترخيص، وتتمتع بحصانة كاملة.
(19) خوليو غودوي، خاصة في 15 دولة غرب القارة – العالم ينهب أيضاً ثروات إفريقيا السمكية، برلين، وكالة أنباء «انتر بريس سرفيس» IPS، أبريل 2012م، انظر:
http://www.ipsinternational.org/arabic/index.asp
(20) حاولت الإمارات أن تسوّغ دعمها عبر محاولتها التغطية على دعم الحملة العسكرية؛ من خلال الحديث عن عمليات إغاثة إنسانية ستقوم بها الدولة في مالي، فقد صرّح الدكتور أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية محاولاً إضفاء صفة إنسانية على قرار الدولة تقديم الدعم المالي والعسكري لفرنسا: «إن وزارة الخارجية تواصل التشاور مع الدول المجاورة لمالي والمحيطة بها، وكذلك مع المنظمات الدولية المعنية، من أجل بذل جميع الجهود الممكنة لتقديم العون لمواطني مالي»، وأكد أن: «ما تقدّمه دولة الإمارات في هذا الصدد إلى مالي ينبع من إيمانها العميق والثابت بدعم الدول الشقيقة والصديقة، تجسيداً لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي لا تفرّق بين البشر، وتدعو إلى تقديم الدعم والمساعدة لهم في الأزمات والملمّات والكوارث»، انظر: مركز الجزيرة للدراسات، العلاقات الإماراتية – الفرنسية، ومبررات دعم الحرب في مالي، الثلاثاء / 22 يناير 2013م، الرابط:
http://studies.aljazeera.net/ResourceGallery/media/Documents/2013/1/22/20131228217877734Emirati%20relations-French.pdf
(21) عماد المهدى: مالي ولعبة الصراعات المتقاطعة، صحيفة الأهرام المصرية، عدد 23/1/2013م.
(22) سليمان قبلان: اليورانيوم والموقع الاستراتيجي، وتتعدد أسباب التدخل، صحيفة الثورة السورية، 15/11/2012م، الموقع الإلكتروني.
(23) قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يسحب من مالي وضع «الشريك التجاري المميز» للولايات المتحدة؛ بسبب تراجع الديمقراطية في ذلك البلد.
(24) وكالة أنباء موسكو، اضطرابات شمال مالي تتسبب في أزمة اقتصادية طاحنة، 26/12/2012م، الرابط:
http://anbamoscow.com/world_politics/20121226/378917295.html
(25) حرب أزواد: أمريكا تلعب من وراء الستار، واليورانيوم كلمة السر في الحرب، بوابة الوفد الإلكترونية، الثلاثاء / 22 يناير 2013م.