وليد وفيق
كاتب سياسي مصري مهتم بشؤون المنطقة العربية والشرق الأوسط وإفريقيا
مع اقتراب عام 2021م على طيّ أوراقه سجلت شهوره المتتابعة تطورات مهمَّة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية في الصومال.
فقد حدّدت السلطات الصومالية العاشر من أكتوبر موعدًا للانتخابات الرئاسية؛ بعدما أدَّى إرجاؤها في الأشهر الأخيرة إلى واحدة من أسوأ الأزمات السياسية في القرن الإفريقي.
وإثر مفاوضات بين المسؤولين السياسيين استمرت يومين، نشر مكتب رئيس الوزراء محمد حسين روبلي عبر تويتر جدولاً زمنيًّا مفصلاً لهذه الانتخابات المرتقبة.
وأعلن روبلي في تغريدة أنَّ “المؤتمر الوطني التشاوري حقَّق نجاحًا كبيرًا، وخرج بنقاط مهمة لانتخابات البلاد”.
وفي منتصف أبريل، أدَّى تمديد ولاية الرئيس محمد عبدالله محمد لعامين بعدما انتهت في الثامن من فبراير من دون التمكن من إجراء انتخابات، إلى مواجهات عنيفة في مقديشو هددت الاستقرار الأمني الذي سبق أن شهد حربًا أهلية.
وبداية مايو، وفي بادرة تهدئة، كلف الرئيس فرماجو رئيس الوزراء بتنظيم انتخابات في أقرب الآجال.
وبعد شهر من ذلك، أعلنت الحكومة بعد مشاورات مع مسؤولي المناطق في البلد الفدرالي، أنها ستُجري انتخابات بعد ستين يومًا، ما يعني أنها ستبدأ في 25 يوليو باختيار أعضاء مجلس الشيوخ، ثم انتخاب البرلمان “مجلس الشعب” بين العاشر من أغسطس والعاشر من سبتمبر.
وينص النظام الانتخابي الصومالي على أن ينتخب مفوّضون خاصون البرلمانيين الذين يختارون الرئيس. وسيجتمع البرلمانيون في العاشر من أكتوبر لانتخاب الرئيس.
وسجل خلال هذا العام تجدد الخلافات بين الحكومة الصومالية والمعارضة حول أسلوب إدارة البلاد، ما أوصل الطرفين إلى طريق مسدود، وسط اتهامات للرئيس محمد عبدالله فرماجو بتخييب آمال الصوماليين في العبور إلى دولة المؤسسات.
ومنذ بداية يناير الماضي تصاعدت حدة التجاذبات، إذ تتهم المعارضة حكومة مقديشو بشكل مستمر بالتدخل في شؤون الولايات، وافتعال الأزمات الأمنية لنسف الانتخابات.
وتحدثت المعارضة الصومالية، آنذاك، عن أن حكومة فرماجو ترغب في إيصال مرشحيها إلى السلطة، وهو ما فسَّره مراقبون بأنه محاولة لإعادة المركزية، والتخلّي عن الدستور الفيدرالي.
واتهمت المعارضة حكومة فرماجو أيضًا بالعمل وفق أجندتها الخاصة، واتباع أساليب سياسية متطرفة في الداخل، والاستفراد برؤيتها لإدارة ملفات السياسة الخارجية.
وفي مطلع 2019م، أيضًا ارتكبت الحكومة الصومالية خطأ بإجازتها قانون النفط، قبل حسم الخلافات في الحدود البحرية مع جارتها كينيا، وهو ما قاد نيروبي إلى قطع علاقاتها مع مقديشو، وهنا أكدت المعارضة أن سلسلة الأخطاء هذه أدَّت إلى تشويه سمعة البلاد أمام المجتمع الدولي.
وبحلول مارس من العام نفسه، أعلنت وحدات من الجيش الصومالي انسحابها من بعض المواقع والقواعد العسكرية؛ احتجاجًا على عدم صرف رواتبها.
وتشير مستجدات الأوضاع في الصومال عن حالة مخاض متعثرة بعض الشيء بالنسبة للمصالحة الوطنية في البلاد؛ فقد تنامت في الآونة الأخيرة حالة الصدام السياسي بين الحكومة المركزية في مقديشو ورؤساء الولايات الإقليمية على خلفية استمرار العديد من المشكلات التي تؤرّق حكام الولايات، وهي المشكلات التي تتعدد أبعادها ومستوياتها، وجميعها تمت الإشارة إليها من خلال أكثر من بيان صادر عن رؤساء الولايات عبر ما يطلق عليه (مجلس تعاون الولايات الفيدرالية)، والذي سبق وأن أطلق مؤتمره الأول في كسمايو عاصمة ولاية جوبالاند خلال شهر أكتوبر من عام 2017م.
ومن خلال مجمل مؤتمرات هذا المجلس ومنها مؤتمره التشاوري الأخير، يمكن استخلاص أهم نقاط الخلاف والتوتر الحالي بين الولايات والحكومة المركزية؛ فعلى المستوى السياسي يتحفظ رؤساء الأقاليم على قيام الحكومة المركزية في مقديشو -من وجهة نظرهم- بإهمال شرعيتهم وأحقيتهم في مشاركتها كافة القرارات السياسية الحاسمة والمؤثرة في مسيرة البلاد الديمقراطية عبر النظام الفيدرالي، إلى جانب تحفظات أخرى تتعلق بتقليص دور الولايات في الإسهام الفعلي في عملية مراجعة دستور البلاد، والتلكؤ في تهيئة الأجواء الصومالية للمُضِيّ قُدُمًا في إجراء انتخابات عامة في ربوع البلاد بنهاية عام 2020م، وهو ما يترتب عليه استمرار فشل مؤتمر البلاد الوطني المتعلق بتلك المراجعة الدستورية وبمجمل العملية السياسية في البلاد.
بينما على المستوى الإداري والاقتصادي، يمتلك حكام الولايات العديد من التحفظات على الحكومة المركزية في مقديشو، وخاصة ما يتعلق بملفي تقاسم الثروات والسلطات في البلاد، إلى جانب ما يعتبره هؤلاء الحكام تدخلاً سافرًا من الحكومة المركزية في توجيه الشؤون السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالولايات وفق الرؤية الخاصة بمقديشو، وهو ما يتنافى من وجهة نظرهم مع دستور البلاد، وإجمالاً يتهم قادة الولايات الإقليمية، الحكومة الفيدرالية، بعدم احترام الثقل السياسي لحكومات الأقاليم الفيدرالية، وهَضْم حقوقها الدستورية وحصصها القومية، والسعي إلى الإطاحة بهم.
وعلى ذِكْر السجال الحادث في الولايات والأقاليم الصومالية، تجدر الإشارة هنا إلى مستجدات انتخابية حادثة في بعض هذه الولايات، قد يكون لها آثار جذرية في توجيه المزاج السياسي والانتخابي لدى الصوماليين في المرحلة القادمة، وتُعد التدخلات السافرة لحركة الشباب في ولاية جنوب غرب الصومال، إحدى ركائز هذه المستجدات المشار إليها؛ ذلك أن الحركة قامت خلال أحد بياناتها باستتابة شيوخ العشائر الذين شاركوا في انتخاب نواب البرلمان الفيدرالي الصومالي وبرلمانات الولايات الإقليمية، بل وأمهلتهم خمسة وأربعين يومًا لإعلان توبتهم عن كل ذلك أمام قيادات الحركة، وهو ما سيكون له ما بعده من تأثيرات كبيرة في نفوس العشائر تجاه أي عمليات انتخابية قادمة.
ومن مستجدات الوضع الصومالي أيضًا: عودة الحالة الأمنية الصومالية إلى التدهور والتراجع مجددًا؛ فقد استغلت جماعة الشباب، حالة الصدام السياسي المشار إليها سابقًا في البلاد، لاستئناف ضرباتها الموجعة في الداخل الصومالي وفي العاصمة مقديشو؛ فخلال أسابيع ماضية شهدت العاصمة سلسلة تفجيرات أودت بحياة عشرات الصوماليين، منها تفجيرات استهدفت نقاط تفتيش أمنية في مقديشو، إلى جانب تفجيرات أخرى.
ورغم التصريحات الإيجابية للحكومة الصومالية بشأن حركة الشباب مؤخرًا، إلا أن جهود الحركة لا تزال حثيثة نحو الانتقال من إقليم جنوب الصومال إلى وسط الصومال، غير أن من أخطر مستجدات الوضع الأمني في الصومال، ظهور تكتلات مسلحة جديدة بخلاف جماعة الشباب، وعلى سبيل المثال يوجد كل من تنظيم داعش، وجماعة صاعدون بالحق في بونتلاند.
ووفق مؤشرات ومستجدات الحالة العامة في الصومال وما يرتبط ويتعلق بها من توجهات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، فإنه يمكن القول: إن مجمل هذه الأوضاع، باتت أسيرة لنتائج المواقف الخاصة للرئيس الصومالي، وهذه المواقف وإن كانت تسير وفق متطلبات السيادة الصومالية في معظم الأحيان، إلا أنها أدت إلى تحولات شاملة على مستوى العلاقات المحلية والإقليمية والدولية للصومال ككل؛ فعلى سبيل المثال، أدَّى موقف الرئيس الإيجابي تجاه الدعم القطري للصومال، على حساب الدعم الإماراتي، دورًا سلبيًّا في مسار العلاقات الخارجية للصومال من جهة، ومسار العلاقات الداخلية بين الحكومة المركزية ورؤساء الأقاليم المتمسكين بالمصالح الخليجية من جهة أخرى، وهو ما أفضى في النهاية إلى بروز تأثير خليجي سلبي على النواحي الاقتصادية والسياسية لا يزال يظهر صداه ضمنيًّا داخل المسار السياسي والاقتصادي الصومالي.
وقد بات واضحًا في الآونة الأخيرة أن المواقف الصارمة للقيادة الصومالية الحالية بزعامة الرئيس الصومالي، لم تكن مناسبة في كل الأحيان، كما أن بعض المواقف المهادنة لم تكن كذلك، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة الصومالية، ما يعني معاناة القرار السياسي الصومالي من عدم التوازن والانسجام، وهو ما قد يفسّره ويؤكده تكرار توتر علاقات الصومال الراهنة مع أطراف خارجية عديدة، كما توضحه مواقف عديدة للقيادة الصومالية، يتأكد للبعض من خلالها معاناة السياسة الخارجية للصومال من ظاهرتين خطيرتين هما التسرّع في اتخاذ القرارات المصيرية، وازدواجية المعايير في التعامل مع علاقات الدول، ويضاف إلى هاتين الظاهرتين ما تعانيه السياسة الصومالية الراهنة من حالة تردد كبيرة تنتابها بشأن الانخراط الجدي والفاعل في محيطها الإقليمي، الأمر الذي دفَع البعض إلى طرح تساؤلاته بهذا الخصوص قائلاً: لماذا يدير الرئيس الصومالي محمد عبدالله ظهره لترتيبات التعاون الإقليمي بعد أن تجاوب معها في البداية؟
وخلاصة مستجدات الوضع الصومالي تصبّ في اتجاه المزيد من الأزمات البينية بين المركز والإقليم، جنبًا إلى جنب مع تراجع السياسة الخارجية في بعديها الإقليمي والدولي بفعل الوضع الصومالي المشتبك والمعقد على المستوى الداخلي، والذي يعيق تفرغ الحكومة الصومالية لإدارة ملف السياسة الخارجية للصومال بشكل متوازن وفعَّال.
هذا بالإضافة إلى تصاعد الضربات الأمنية وتوسع النشاط الإرهابي وتعدّد جماعاته، وهذه المؤشرات الإجمالية، تصبّ جميعها في سحب الرصيد الجماهيري والشعبي من بين يدى القيادة السياسية الحالية في الصومال؛ إذ من المحتمل أن يتمخّض المسار الصومالي الحالي عن تراجع كبير في شعبية الرئيس الصومالي، قد يترتب عليه إشكاليات سياسية عديدة عليه أن يواجهها خلال الاستحقاقات الانتخابية القادمة، ولعل تكرار التظاهرات الشعبية في العاصمة مقديشو، والتي رفع خلالها المتظاهرون مطالبات بعزل الرئيس، تؤكد وجود مثل هذا الاحتمال.