حسناء بهاء رشاد
باحثة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر- كلية الآداب- جامعة سوهاج- مصر
مقدمة:
بعد عام 1994م، شهدت جنوب إفريقيا انتشارًا ملحوظًا للعنف السياسي والاغتيالات. وكانت مقاطعة كوازولو ناتال KwaZulu-Natal، التي تثير الكثير من الجدل، مسرحًا لعمليات القتل ذات الدوافع السياسية.
بدأت هذه العمليات كجزء من الصراع بين الأحزاب، خاصةً خلال فترة الانتقال إلى الديمقراطية؛ حيث كان المؤتمر الوطني الإفريقي وحزب الحرية إنكاثا Inkatha يتنافسان على السيطرة في بعض مناطق مقاطعتي جوتنج Gauteng وكوازولو ناتال. ومع هيمنة المؤتمر الوطني الإفريقي في كوازولو ناتال، نشبت صراعات داخل الحزب الحاكم بين أعضائه على المناصب الحكومية والهياكل الحزبية.
في هذا السياق، يستعرض المقال أزمة الفصائل من خلال تحليل التوترات الداخلية والاغتيالات المستهدَفة في المؤتمر الوطني الإفريقي، وكيف تُشكّل هذه الظواهر تهديدًا للأمن البشري في كوازولو ناتال.
منهجيًّا، يعتمد المقال على تقييم نوعي للأدبيات وتحليل المحتوى لاستكشاف تأثير هذه التوترات والاغتيالات على الأمن البشري في المقاطعة.
يُعدّ العنف السياسي والاغتيالات خطرًا كبيرًا يُهدّد الديمقراطية في البلاد. هذه الظاهرة ليست مستقلة، بل تتداخل مع الجريمة المنظمة والشبكات الإجرامية. إن العلاقة بين هذه الشبكات والاغتيالات السياسية في جنوب إفريقيا تُظهِر الحاجة المُلِحَّة لوضع إستراتيجيات شاملة لمكافحة الجريمة المنظمة ووقف عمليات القتل المستهدَف.
في سياق مساعيه للحدّ من أزمة الفصائلية داخل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم؛ يبرز المقال أهمية إعادة تقييم آلية اختيار القيادات. يبدو أن هذه الصراعات نشأت خلال عملية اختيار القيادة، مما أدَّى إلى تنافس شديد على المناصب في الحكومة وهياكل الحزب. وينبغي لأعضاء الحزب الحاكم أن يتحدوا ككيان واحد، بدلًا من الانقسام إلى مجموعات فصائلية متباينة؛ حيث إن عدم قدرة الحزب على معالجة الانقسامات الداخلية قد يؤدي إلى تفاقم العنف والقتل الناتج عن التنافس على المناصب والموارد. ولذلك تم تقسيم المقال إلى المحاور الآتية:
- جنوب إفريقيا: المنهجية ورصد الاغتيالات.
- القتل المستهدَف والاغتيالات السياسية.
- ضحايا الاغتيالات وأنواعها.
المحور الأول
جنوب إفريقيا: المنهجية ورصد الاغتيالات
تشهد جنوب إفريقيا منذ الانتخابات البلدية التي جرت في نوفمبر 2021م سلسلة من الاغتيالات السياسية؛ حيث تم اغتيال 21 عضوًا في المجلس المحلي بإقليم كوازولو ناتال خلال أقل من عام. وفي هذا الإطار، حذَّرت الجمعية الجنوب إفريقية الحكومات المحلية، خلال مؤتمر صحفي في دربان، من هذه الاغتيالات التي تستهدف القادة السياسيين، مشيرة إلى أنها تُمثّل تهديدًا خطيرًا للديمقراطية في البلاد.
أصبح الصراع على السلطة بين الفصائل السياسية المختلفة وما يرافقه من عنف سياسي ظاهرة شائعة. يتضح أن جميع الوسائل تُعتبر مشروعة للحفاظ على المكاسب الاقتصادية أو السياسية. وتُعدّ عمليات اختطاف واغتيال المستشارين السياسيين، بالإضافة إلى “مافيا البناء” والاستغلال غير القانوني للموارد المعدنية، من أبرز مظاهر الجريمة المُنظّمة في هذا البلد.
الأرقام المنشورة في هذا السياق تثير الدهشة؛ حيث قُتل 6228 شخصًا خلال الربع الثاني من عام 2023م، بينهم 895 امرأة و293 طفلًا و31 شرطيًّا، وفقًا لتقارير الشرطة. من المؤكد أن هذه الجرائم تُشكّل تهديدًا حقيقيًّا للمؤسسات الديمقراطية والاقتصاد والمواطنين في جنوب إفريقيا، التي تبدو وكأنها في حالة حرب مع نفسها([1]).
وأوضح ثامي نتولي، مدير الجمعية في إقليم كوازولو ناتال، أنه منذ بداية عام 2024م، وقعت أربع عمليات قتل ذات طابع سياسي في الإقليم، دون أن يتم القبض على أيّ شخص. وأكَّد على أن مسؤولية الحكومة تكمن في ضمان إجراء الانتخابات المقبلة في أجواء آمنة للناخبين والسياسيين. وأشار إلى أن الأمر المقلق هو عدم القبض على المخططين وراء هذه الهجمات، مما قد يحرم الضحايا من الحصول على العدالة.
سجَّلت المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (GI-TOC)، من خلال مرصد جنوب إفريقيا (SA-Obs)، ما لا يقل عن 10 اغتيالات ذات طابع سياسي بين شهرَي يناير وأبريل 2024م. وقد أصدرت المنظمة تقريرًا جديدًا في 20 مايو الماضي يتضمن أحدث نتائج أبحاثها. ويشير معهد GI-TOC إلى أن هناك دائمًا زيادة في حالات الاغتيالات السياسية خلال سنوات الانتخابات، خاصةً في المناطق المتنازَع عليها مثل كوازولو ناتال (KZN). وخاصةً بعدما تم تحديد انتخابات عام 2024م، التي تمثل الانتخابات الوطنية السادسة في البلاد منذ 30 عامًا من الديمقراطية، كفرصة حاسمة لحسم الصراع السياسي في جنوب إفريقيا([2]).
ومع قرب موعد الانتخابات الوطنية في جنوب إفريقيا، التي تمَّت يوم الأربعاء 29 مايو 2024م، شهدت الساحة السياسية اهتزازًا كبيرًا نتيجة موجة من الاغتيالات؛ حيث تم تسجيل 40 حالة منذ بداية العام الماضي. وقد استهدفت هذه الاغتيالات بشكل رئيسي المسؤولين المحليين والسياسيين والناشطين، مما يُؤثّر بشكل كبير على نتائج الانتخابات. وأدَّت هذه الحوادث إلى خلق أجواء من الانفلات الأمني والشلل الحكومي، مما زاد من غضب الناخبين. كما أن فشل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم في التصدي للعنف أدَّى إلى تآكل شعبيته([3]).
حزب المؤتمر الوطني الإفريقي:
بعد رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي في 2 فبراير 1990م، عاد كريس هاني إلى جنوب إفريقيا ليصبح متحدثًا شعبيًّا بارزًا في البلاد. بحلول عام 1990م، أصبح معروفًا بقربه من جو سلوفو، السكرتير العام للحزب الشيوعي؛ حيث كان كلاهما يمثلان شخصيات يخشاها اليمين المتطرف في جنوب إفريقيا بمختلف تشكيلاته. بعد إعلان جو سلوفو عن إصابته بالسرطان في عام 1991م، تولى هاني منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي. وفي عام 1992م، قرّر التخلي عن مهامه في الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الإفريقي ليتفرغ لقيادة حزبه الشيوعي.
وعلى الرغم من أن الشيوعيين كانوا بارزين في المؤتمر الوطني الإفريقي؛ إلا أنهم واجهوا تهديدات؛ حيث أدى انهيار التجربة الاشتراكية في أوروبا إلى إضعاف الحركة الشيوعية واليسار بشكل عام في جميع أنحاء العالم. كانت هناك مناقشات حول استقلالية مواقف الحزب الشيوعي في سياق الدعوات المنتشرة للانضمام إلى مجموعات مناهضة للفصل العنصري. عندها قاد هاني حملة لتعزيز مكانة الحزب الشيوعي كحزب سياسي وطني، وحقّق نجاحًا ملحوظًا؛ حيث أصبح الشيوعيون أكثر تأثيرًا في المجتمع، وخاصةً بين الشباب الذين لم يعرفوا الديمقراطية خلال عقود الفصل العنصري([4]).
تتضمن الاغتيالات السياسية، كما يمكن أن نستنتج بسهولة، عمليات قتل مستهدَفة تستهدف موظفين عموميين، سياسيين، ناشطين سياسيين، ومُبلّغين عن المخالفات، بالإضافة إلى أعضاء آخرين في المجتمع المدني. ومن الأمثلة البارزة على ذلك: مقتل الناشط المناهض للفصل العنصري كريس هاني، الذي تعرَّض للاغتيال بالرصاص في 10 أبريل 1993م، خلال فترة التوتر التي سبقت انتقال البلاد إلى الديمقراطية. وقد أُجريت أول انتخابات ديمقراطية في جنوب إفريقيا بعد مرور أكثر من عام بقليل على مقتل هاني بشكل وحشي([5]).
يواجه المؤتمر الوطني الإفريقي تحديات الشقاق والتنازع الداخلي، حتى أصبحت الفصائلية سمة بارزة في سياسته الداخلية، خاصةً خلال الفترة التي سبقت تنظيم المؤتمر الوطني الانتخابي لعام 2007م الذي عُقِدَ في بولوكواني. حيث كان مؤتمر بولوكواني نقطة تحوُّل في تاريخ الحزب بعد انتهاء نظام الفصل العنصري؛ فقد شهد انقسامًا حادًّا على أُسُس فصائلية. وقد أدَّت هذه الانقسامات إلى صراعات عنيفة على السلطة والمناصب القيادية داخل الحزب.
علاوةً على ذلك، لعبت القبلية دورًا مهمًّا في حشد الدعم قبل مؤتمر بولوكواني. على سبيل المثال، استخدم “جاكوب زوما” انتماءه إلى قومية الزولو لجذب الدعم في كوازولو ناتال، معقله الرئيسي، قبل المؤتمر. ونتيجة لذلك، خرج زوما منتصرًا من مؤتمر بولوكواني.
في سياق حملته، صور “زوما” أيّ معارضة لصراعه على السلطة على أنها مؤامرة “مناهضة للزولو”، واعتبر “ثابو مبيكي” جزءًا من نخبة متعلمة أعلنت “الحرب” على تقاليد إفريقيا ومؤسساتها وأسلوب قيادتها. وفي هذا الإطار، ارتدى أنصار “زوما” خلال الحملة السياسية قمصانًا تحمل شعار “100% زولو”، مما يدل على سعي “زوما” لتطبيق سياسة تعكس هويته الثقافية([6]).
تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بقيادة الرئيس سيريل رامافوسا، من غير المرجح أن يحصل على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، مما يزيد من احتمالية اضطراره لتشكيل حكومة ائتلافية. وحذَّر الحزب في وثيقة مؤتمره الأخيرة من محاولات العصابات الراسخة وشبكات الابتزاز لإنشاء أشكال مجرمة من الحكم([7]).
على الرغم من اعتراف الحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا بخسائره الكبيرة في صفوف أعضائه نتيجة عمليات القتل السياسي في مقاطعة كوازولو ناتال، إلا أن حادثة “إنتشانجا” كانت الأبرز بالنسبة لهم. وقد نشأت العلاقة السببية للصراع بين أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي بعد فوز الحزب الشيوعي في انتخابات الحكومة المحلية لعام 2016م على حساب أعضاء المؤتمر الوطني الإفريقي. بالإضافة إلى ذلك، اعتقد أعضاء الحزب الشيوعي أن التوترات في “إنتشانجا” كانت ناتجة عن التنافس على القيادة في منطقة إيثيكويني.
في الوقت نفسه، كان للحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا قاعدة قوية في “إنتشانجا”؛ حيث أظهر دعمه الكامل لجيمس نكسومالو. تعرَّض أعضاء الحزب الشيوعي الذين كانوا يحملون عضوية مزدوجة مع المؤتمر الوطني الإفريقي لعقوبات مِن قِبَل المؤتمر الوطني الإفريقي في إنتشانجا، مما أدَّى إلى تهميشهم من الأنشطة المتعلقة بالمؤتمر. على سبيل المثال، حُرم الأعضاء الداعمون لنكسومالو من الحزب الشيوعي أو المؤتمر الوطني الإفريقي من فرصة تجديد عضويتهم في المؤتمر. نتيجة لذلك، تمَّ تهميش معظم أعضاء الحزب الشيوعي أو المؤتمر الوطني الإفريقي في منطقة إنتشانجا، مما منعهم من المشاركة بنشاط في فعاليات الفرع.
كما أشار الحزب إلى وجود نشاط ملحوظ لأفراد الأمن الخاص في السيطرة على الاجتماعات السياسية لصالح المؤتمر الوطني الإفريقي. وفي هذا السياق، أفاد شهود عيان بأن هناك زيادة في وجود أفراد الأمن الخاص حول مسؤولي الحكومة المحلية.
ووفقًا للحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا، بلغت التوترات بين المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي ذروتها عندما اقتحم مسلحون اجتماعًا نظمه الحزب في ملعب كوا ندوكويني؛ حيث أطلقوا النار بشكل عشوائي، مما أسفر عن إصابة ووفاة العديد من الحاضرين من الحزب الشيوعي.
وبعد عدة محاولات من هياكل التحالف للتوسط بين الفصيلين، حظي المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي في إنتشانغا بترحيب واسع من قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي في منطقة إيثيكويني.
بالإضافة إلى ذلك، اعتبر الحزب الشيوعي أن عمليات القتل السياسي تضمنت استخدام شركات الأمن التابعة للدولة، التي عملت لاحقًا كحراس أمن شخصيين لبعض السياسيين في المؤتمر الوطني الإفريقي. كما أشار الحزب إلى وجود نشاط ملحوظ لأفراد الأمن الخاص في السيطرة على الاجتماعات السياسية لصالح المؤتمر الوطني الإفريقي. وفي هذا السياق، أفاد شهود عيان بأن هناك زيادة في وجود أفراد الأمن الخاص حول مسؤولي الحكومة المحلية([8]).
المحور الثاني:
القتل المستهدَف والاغتيالات السياسية
عشية الانتخابات الحاسمة لعام 2023م، شهدت البلاد تصاعدًا مأساويًّا في العنف السياسي؛ حيث تم اغتيال عدد من المستشارين في ظل استمرار التوترات السياسية على مستوى المجالس المحلية في مختلف المناطق، وخاصة في مقاطعة كوازولو ناتال، التي شهدت مقتل 19 مستشارًا خلال الأشهر الاثني عشر الماضية، وفقًا لإحصائيات الشرطة.
والأسوأ من ذلك، أن أكثر من 150 سياسيًّا لقوا حتفهم في الإقليم منذ عام 2011م، معظمهم نتيجة الصراع على السلطة والنفوذ والمال. وتشير الاستطلاعات إلى أن الاغتيالات السياسية لا تستثني أيّ حزب، لكن حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (الحاكم) وحزب الحرية إنكاثا والحزب الوطني للحرية هم الأكثر تضررًا.
الأمر الأكثر سوءًا هو أنه في بعض الحالات وفي بعض البلديات، شهدنا انقضاض مستشارين على بعضهم البعض، مما أدى إلى تصفية زملائهم لأسباب سياسية. وهذا يفسر بشكل كبير مخاوف السلطات العامة من تفاقم العنف السياسي عند حلول موعد انتخابات 2024م. وفي تلك الظروف، حذر وزير الشرطة بيكي سيلي من تصاعد الصراع السياسي، الذي أجبر العديد من المستشارين على مغادرة منازلهم. فعندما يُقتل أحد المستشارين، يصبح حزبه غير قادر على المنافسة في الانتخابات الجزئية في البلدية التي يمثلها، مما يمنح خصومه السياسيين ميزة واضحة([9]).
أوضح الباحث رومبيدزاي ماتامبا rumbidzai ma tampaمن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية أن الاغتيالات التي تحدث على مستوى البلديات تؤثر سلبًا على نتائج الانتخابات الوطنية؛ حيث تعطل الخدمات المحلية الأساسية التي يحتاجها الناخبون. وأشار إلى أن العديد من هذه الاغتيالات ترتبط بنزاعات حول عقود حكومية فاسدة تتعلق بالخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي والأمن والمياه وجمع القمامة والكهرباء وإصلاح الطرق. كما أضاف “ماتامبا” أن هذه الاغتيالات تمثل أيضًا محاولة مِن قِبَل المجرمين للسيطرة على الفروع المحلية للأحزاب، التي تلعب دورًا حيويًّا في اختيار المرشحين على المستوى الوطني وزيادة إقبال الناخبين([10]).
سُجِّلت 31 حالة اغتيال سياسي خلال عام 2023م، من إجمالي 131 عملية قتل مستهدَفة في ذلك العام. وهذا يجعلها ثالث أكثر أنواع القتل المستهدَف شيوعًا، بعد القتل المرتبط بالجريمة المنظمة (الأكثر شيوعًا، مع 46 حالة مسجلة)، وصناعة سيارات الأجرة (45 عملية قتل مسجلة). والمقاطعة الأكثر تأثرًا بعمليات القتل السياسية هي كوازولو ناتال؛ حيث شهدت 19 جريمة قتل، معظمها لأعضاء المجالس المحلية، في عام 2023م، مقارنة بأربعة في كيب الغربية وثلاثة في مبومالانجا. كما تأثرت نفس المقاطعة بشكل كبير بعنف سيارات الأجرة؛ حيث سُجلت 14 عملية قتل، على الرغم من أنها جاءت بعد كيب الشرقية التي شهدت 15 عملية قتل في هذا السياق([11]).
في الفترة التي سبقت الانتخابات الوطنية في جنوب إفريقيا في 29 مايو، حدث ما لا يقل عن عملية اغتيال بدوافع سياسية كل أسبوعين بين يناير وأبريل 2024م. وقد تم تفصيل هذا الاتجاه المثير للقلق في تقرير جديد بعنوان “سياسات القتل: الحوكمة الجنائية والقتل المستهدَف في جنوب إفريقيا”، صادر عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (Gi-TOC). ناقشت واحدة من مُعدّي التقرير، وهي شوايتا توبيلا، في مقابلة مع “ناشيونال سيكيوريتي نيوز” كيف تتزايد عمليات القتل السياسي في جنوب إفريقيا. وحدّدت توبيلا العوامل الرئيسية على أنها صراعات داخل الحزب حول المناصب السياسية والمنافسة على العطاءات البلدية المربحة. وأشارت إلى أن عمليات الاغتيال أصبحت أكثر وقاحة؛ حيث شجّع القتلة المأجورين عدمُ وجود عواقب لجرائمهم، مما أدى إلى هجمات على أفراد بارزين في الأماكن العامة وحتى داخل الكنائس.
تم تصنيف الاغتيالات المرتبطة بالسياسة إلى أربع فئات؛ تشمل هذه الفئات الأفراد الذين يعملون في الحكومة، وأعضاء الأحزاب السياسية، ومسؤولي البلديات، والمبلّغين عن المخالفات، بالإضافة إلى موظفي مكافحة الفساد. كما نتابع عمليات القتل المرتبطة بقطاع سيارات الأجرة، والتي ترتبط بشكل كبير بالنزاعات حول الطرق المربحة في هذه الصناعة. علاوة على ذلك، لدينا فئة تتعلق بالجريمة المنظمة؛ حيث نركّز على العصابات الإجرامية، والنزاعات الإقليمية، وحروب العصابات، والتي غالبًا ما تتضمن عمليات قتل مستهدفة لأعضاء العصابات وقادتها. وأخيرًا، تشمل الفئة الأخيرة عمليات القتل الشخصية، التي تتعلق عادةً بجرائم عاطفية أو عمليات قتل تُنفّذ بأمر من الأقارب للحصول على تعويضات التأمين. في سياق الاغتيالات السياسية، نلاحظ أن أعضاء المجالس المحلية، والعاملين في البلديات، والمُبلّغين عن المخالفات غالبًا ما يكونون من بين الأهداف([12]).
المحور الثالث:
ضحايا الاغتيالات وأنوعها
قبل ثلاثين عامًا، تم اغتيال كريس هاني، أحد أبرز قادة النضال ضد الفصل العنصري في البلاد. قام العنصري البولندي اليميني يانوش جاكوب والوز باغتيال هاني أمام منزله في داون بارك، إحدى ضواحي جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا. وقد نفّذ القاتل تعليمات من عضو حزب المحافظين اليميني المتطرف في جنوب إفريقيا، كلايف جون ديربي لويس، الذي زوَّده بالسلاح والمال وحدّد له الهدف([13]).
من بين 52 حالة قتل لمستشارين في عام 2023م، تم توثيق 31 حالة تتعلق بحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، و14 حالة لحزب الحرية إنكاثا، وأربع حالات للحزب الوطني للحرية، وحالتين للمناضلين من أجل الحرية الاقتصادية، وحالة واحدة للحزب الديمقراطي المسيحي الإفريقي([14]).
منذ عام 2019م، وثَّقت منظمة ماتامبا 166 حالة من حالات القتل السياسي، والتي تشمل اغتيال أشخاص يشغلون مناصب سياسية أو إدارية، ومرشحين لمناصب بلدية، بالإضافة إلى ناشطين ومبلغين عن المخالفات. وقد شملت هذه العمليات جميع الأطياف السياسية في البلاد. وفي عام 2018م، أنشأت الشرطة وحدة خاصة للتحقيق في جرائم القتل السياسي، مع التركيز على مقاطعة كوازولو ناتال، التي تُعدّ مركزًا لعمليات الاغتيال السياسية في جنوب إفريقيا، إلا أن هذه الوحدة نادرًا ما تُصدر تحديثات حول تقدم التحقيقات.
في سبتمبر الماضي، أعلن وزير الشرطة “بيكي سيلي” أنه تم توجيه اتهامات إلى 348 مشتبهًا بهم في 233 قضية تتعلق بالعنف السياسي، لكن مدى تحقيق العدالة لا يزال غير واضح. وأشار رئيس رابطة الحكم المحلي في جنوب إفريقيا، ثامي نتولي، إلى أن القبض يتم غالبًا على القتلة المأجورين فقط، وليس على أولئك الذين يُخطّطون ويُموّلون هذه الجرائم([15]).
جدير بالذكر انطلاق المبادرة العالمية التي تعمل على رصد حالات الاغتيال من خلال قاعدة بيانات تجمع وتحلل المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، هذه المبادرة بدأت في عام 2000م، وتستمر في جمع البيانات حتى عام 2024م. وتقوم بجمع المعلومات وتحليل الاتجاهات، وتحديد المناطق التي تعاني من مشكلات، مع تسليط الضوء على الجهات الفاعلة الرئيسية.
وركز أحدث تقرير للمبادرة بشكل رئيسي على بيانات عام 2023م، بالإضافة إلى بعض المعلومات التي تم جمعها حتى إصدار التقرير في عام 2024م. ويكشف التقرير عن زيادة عامة في حالات الاغتيال على مر الزمن منذ بدء جمع البيانات. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يُلاحظ وجود اتجاهات وارتفاعات في حالات الاغتيال خلال سنوات الانتخابات، سواء كانت محلية أو عامة([16]).
تشمل العوامل الأساسية التي تؤدي إلى الاغتيالات السياسية: النزاعات الداخلية بين الأحزاب حول المناصب والتصنيفات، والصراعات المتعلقة بالعطاءات البلدية المربحة، بالإضافة إلى محاولات إسكات المبلغين عن المخالفات أو أيّ شخص يُعبّر عن معارضته للفساد. وغالبًا ما تحدث عمليات القتل السياسي المستهدفة، سواء لأغراض سياسية أو اقتصادية، في سياق أفراد محددين.
اغتيالات أعضاء المجالس الحزبية:
كان أعضاء المجالس البلدية هم الأكثر تعرُّضًا للاغتيالات السياسية. فقد وقع 89 اغتيالًا لأعضاء المجالس بين عامي 2000 و2018م. وكانت كوازولو ناتال هي الأكثر تضررًا؛ حيث سجَّلت 63% من إجمالي الاغتيالات خلال هذه الفترة. تلتها مقاطعة جوتنج بنسبة 9%، ثم كيب الغربية بنسبة 8%. أما كيب الشمالية وشمال غرب المقاطعات، فقد كانت الأقل تضررًا بنسبة 2% و3% على التوالي.
باختصار، تؤكد البيانات أن اغتيالات أعضاء المجالس كانت مشكلة تؤثر على جميع المقاطعات، لكن مقاطعة “كوازولو ناتال” كانت الأكثر تضررًا من هذه العمليات المستهدفة.
في مقاطعة “كوازولو ناتال”، اتخذ العنف السياسي والاغتيالات السياسية شكل صراع بين الأحزاب وأيضًا داخل الحزب الواحد. بدأت هذه الظواهر العنيفة في الازدياد منذ عام 2000م؛ حيث أشار مونجال إلى أنه بعد عام 2004م، تحوَّل تركيز العنف السياسي في المقاطعة من صراع بين الأحزاب إلى صراع داخلي ضمن الحزب نفسه. جاء هذا التحول بعد أن أصبح المؤتمر الوطني الإفريقي هو القوة المهيمنة في الساحة السياسية بكوازولو ناتال، عقب تراجع الدعم لحزب الحرية إنكاثا الذي كان يسيطر سابقًا على السياسة في المنطقة. وبالمثل، يمكن القول: إن هيمنة المؤتمر الوطني الإفريقي على المجال السياسي بعد عام 2004م أدَّت إلى تنافس بين أعضائه على المناصب السياسية. وقد أسفر هذا النوع من المنافسة عن إقصاء الأفراد لبعضهم البعض كوسيلة لتعزيز فرصهم في الترشح للمناصب العامة. وكما يُقال، “حيثما توجد منافسة، يوجد خطر”. وقد أثارت هذه الديناميكيات موجة من العنف؛ حيث انقسم أعضاء الحزب الواحد إلى فصائل وتنافسوا فيما بينهم([17]).
الخاتمة:
إن معدل الملاحقة القضائية لهذه الجرائم يُثير القلق بشكل كبير. فقد أظهرت دراسة حديثة أن حوالي 15% فقط من قضايا القتل في جنوب إفريقيا يُفْصَل فيها، وهو ما يُعدّ أمرًا مقلقًا بحد ذاته. كما لاحظنا أن بعض الجرائم السياسية والاعتداءات بشكل عام أصبحت أكثر جرأة؛ حيث أصبح القتلة المأجورون يتصرفون بلا خوف من العواقب.
في هذا التقرير، وثّقنا حالات قتل تحدث في أماكن عامة دون أيّ اعتبار للناس، بما في ذلك عمليات قتل داخل الكنائس وأثناء الاجتماعات العامة مع شخصيات بارزة. إن السوق الإجرامية تشير بوضوح إلى عدم وجود عواقب لأفعالهم، مما يجعل هذه الجرائم مغرية ماليًّا لأولئك الذين يتلقون أجرًا لتنفيذها.
هذا الوضع مقلق للغاية، ولهذا السبب تم إنشاء قاعدة بيانات في شرطة جنوب إفريقيا حول جرائم القتل هذه، لكنها ليست مفصلة ولا شاملة؛ فهي لا تأخذ في الاعتبار حالات عديدة. وقد أظهر بحثنا وجود سوق محددة للقتلة المأجورين والقتل المستهدف؛ حيث يمكن لأي شخص بسهولة استئجار شخص ما للتخلص من فرد آخر لتحقيق مكاسب مالية.
تحتاج جنوب إفريقيا إلى صرخة استنكار جماعية ضد عمليات القتل السياسي. ومن الضروري أن تتزايد هذه الصرخات، خاصةً أن الإحصاءات لا تُقدّم تفاصيل كافية حول هذه الحالات. كما يتطلب الأمر استجابة إستراتيجية مستهدَفة تشمل عدة قطاعات. يجب على أجهزة إنفاذ القانون أن تبذل جهودًا أكبر، وعلى النيابة العامة أن تضمن محاكمة المتهمين في هذه القضايا عند ظهورها، وأن تفرض عواقب حقيقية. كما ينبغي على الأحزاب السياسية أن تتعاون لإيجاد حلول؛ نظرًا لأن معظم الصراعات ذات طابع سياسي. هذه المهمة ليست مسؤولية طرف واحد، بل تتطلب تعاونًا واسع النطاق بين مختلف القطاعات.
……………………………………..
([1]) تفاقم العنف السياسي في جنوب إفريقيا، تليكسبريس، نشر 15/11/2023م، متاح علي https://telexpresse.com/287192.htm
([2]) RUMBI MATAMBA | CHWAYITA THOBELA : The politics of murder Criminal governance and targeted killings in South Africa, Posted on 20 May 2024, متاح علي https://globalinitiative.net/analysis/the-politics-of-murder-criminal-governance-and-targeted-killings-in-south-africa/
([3]) إسراء عبدالمطلب: قبل الانتخابات-عمليات القتل السياسي تهز جنوب إفريقيا، رؤية الاخبارية، نشر 27 مايو 2024م، متاح علي https://roayahnews.com/
([4]) رشيد غويلب : قبل 30 عامًا اغتيل كريس هاني زعيم الشيوعي في جنوب إفريقيا، طريق الشعب ، 22 يوليو 2023م، متاح علي https://www.tareeqashaab.com/index.php/sections/articles/9115-30
([5]) Corruption Watch: CORRUPTION NEWS REPORT: POLITICALLY MOTIVATED KILLINGS INCREASE IN SA IN ELECTION YEARS, 23 May 2024, متاح علي https://www.corruptionwatch.org.za/report-politically-motivated-killings-increase-in-sa-in-election-years/
([6]) Collin O. Mongale, Jan C. Venter: The African National Congress’s factionalism and targeted killings as risks to human security in KwaZulu-Natal province, Jàmbá – Journal of Disaster Risk Studies, 26 Apr. 2024. متاح على https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles
([7])إسراء عبدالمطلب: قبل الانتخابات: عمليات القتل السياسي تهز جنوب إفريقيا، رؤية الإخبارية، نشر 27 مايو 2024م، متاح علي https://roayahnews.com/
([8])Collin O. Mongale, Jan C. Venter: The African National Congress’s factionalism and targeted killings as risks to human security in KwaZulu-Natal province, Jàmbá – Journal of Disaster Risk Studies, 26 Apr. 2024. متاح على https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles
([9]) تفاقم العنف السياسي في جنوب إفريقيا، تليكسبريس، نشر 15/11/2023م، متاح على https://telexpresse.com/287192.htm
([10]) إسراء عبدالمطلب: قبل الانتخابات: عمليات القتل السياسي تهز جنوب إفريقيا، رؤية الإخبارية، نشر 27 مايو 2024م، متاح على https://roayahnews.com/
([11]) Corruption Watch: CORRUPTION NEWS REPORT: POLITICALLY MOTIVATED KILLINGS INCREASE IN SA IN ELECTION YEARS, 23 May 2024, متاح على https://www.corruptionwatch.org.za/report-politically-motivated-killings-increase-in-sa-in-election-years/
([12]) تفاقم العنف السياسي في جنوب إفريقيا، تليكسبريس، نشر 15/11/2023، متاح على https://telexpresse.com/287192.htm
([13]) رشيد غويلب : قبل 30 عامًا اغتيل كريس هاني زعيم الشيوعي في جنوب إفريقيا، طريق الشعب، 22 يوليو 2023م، متاح على https://www.tareeqashaab.com/index.php/sections/articles/9115-30
([14])Collin O. Mongale, Jan C. Venter: The African National Congress’s factionalism and targeted killings as risks to human security in KwaZulu-Natal province, Jàmbá – Journal of Disaster Risk Studies, 26 Apr. 2024. متاح على https://pmc.ncbi.nlm.nih.gov/articles
([15])إسراء عبدالمطلب: قبل الانتخابات: عمليات القتل السياسي تهز جنوب إفريقيا، رؤية الإخبارية، نشر 27 مايو 2024م، متاح على https://roayahnews.com/