ترجمة: مروة أحمد عبد العليم
الأدب الإفريقي هو الأدب الوليد في البيئة الإفريقية من أبناء هذه القارة أنفسهم، مُعبِّرًا عن مشاعرهم وانفعالاتهم، ومُؤثِّرًا في القارئ والسامع بأسلوب رفيع، وقد برز الأدب الإفريقي في العصر الحديث كعنصر حقيقي من عناصر العولمة الثقافية في إفريقيا ليظهر كأيقونة مستقلة بين أنواع الأدب العالمي.
وفي هذا الحوار أشار “كيريل باباييف” دكتوراه في فقه اللغة، مدير “معهد الصين وآسيا الحديثة”، التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، وعضو الأكاديمية الروسية للعلوم، إلى أن الأدب الإفريقي يتمتع بالعديد من الخصائص التي تُميِّزه عن غيره من الآداب؛ لكونه يعتمد على السرد القصصي الذي تميَّز بإظهار الطابع الإفريقي التقليدي الخاص بالقارة.
وفيما يلي نص الحوار مع الدكتور “كيريل باباييف”.
– لماذا اخترت إفريقيا موضوعًا لكتابك عن الدراسات اللغوية؟
خصصت عقدًا كاملًا من حياتي لإفريقيا؛ حيث عملت كثيرًا في البعثات اللغوية والإثنوغرافية في مختلف بلدان إفريقيا الاستوائية؛ وخصَّصت أطروحتي للدكتوراه والعديد من كتبي العلمية للغات إفريقيا، بما في ذلك أول كتاب مدرسي عن اللغويات الإفريقية في روسيا، وكنت محظوظًا في إفريقيا بما يكفي للقيام بأحد اكتشافاتي العلمية الرئيسية -وهو اكتشاف ووصف لغة زيالو غير المعروفة سابقًا-، وعلى الرغم من كوني اليوم أعمل في دول آسيا، لكنّ إفريقيا تظل حبّي إلى الأبد، وكثيرًا ما أسافر بكل سرور حول القارة السمراء.
– خلال رحلاتك في إفريقيا، ما الذي لفت انتباهك؟ ماذا أعجبك؟ ما الذي لم يعجبك؟ ما الذي لم تكن مستعدًّا له؟
في إفريقيا قد يُعجبك أو لا يُعجبك شيء ما، ولكنّ كل شيء مفاجئ، في المناطق الريفية والغابات والصحاري، لا تزال ثقافات العصر الحجري التقليدية محفوظة؛ حيث يمكنك رؤية كيف عاش أسلافنا منذ عشرات الآلاف من السنين. وفي المدن، تم تطوير توليفة مذهلة من الحضارات التقليدية والحديثة، والتي لا تقل إثارةً وتدفع للاهتمام بدراسة هذه الظواهر. ففي إفريقيا، يمكنك إعادة التفكير بالكامل في حياتنا، والنظر إليها من الخارج من نواحٍ عديدة، وكيف أن هذا الكوكب لا يزال مختلفًا، وفي كتابي حاولت أن أروي فقط الأشياء الأكثر إثارةً للاهتمام التي يمكنك رؤيتها وتعلّمها، والأهم من ذلك، فهمها هناك.
– ما هو الدور الذي لعبه الذهب في الإمبراطوريات الإفريقية القديمة؟
الذهب في العصور الوسطى جعل إفريقيا واحدةً من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهارًا في العالم. وفي الجزء الغربي من القارة، أصبح الذهب أساسًا لثروة الدول القوية مثل غانا ومالي وسونغاي، والتي كان حجم الأخيرة منها أكبر تقريبًا من أوروبا الغربية بأكملها، كما كان الذهب الإفريقي معروفًا في أوروبا والشرق الأوسط؛ حيث كانت الإمبراطوريات الإفريقية تُعدّ أغنى الإمبراطوريات في العالم، وعندما ذهب أحد الحكام الماليين إلى الحج وسافر إلى مكة، ومرَّ عبر المدن العربية الغنية، انخفض سعر الذهب في الأسواق المحلية بشكل كبير؛ بعدما أنفق إمبراطور مالي الكثير منه، في حين أن تاريخ إمبراطوريات العصور الوسطى في غرب إفريقيا لا يزال غير مفهوم جيدًا، لكنّه يُعدّ واحدًا من أكثر الأحداث المدهشة في تاريخ العالم.
– المدن القديمة والأكواخ في إفريقيا… ماذا بقي منها؟ ما الذي حل محلها؟
ذات مرة في إفريقيا، كانت هناك مدن ضخمة من العصور الوسطى، ولم يبقَ منها سوى ألغاز، أطلال زيمبابوي العظمى أو مابونجوجوي في جنوب إفريقيا، وبقايا جدران ولاتا الطينية في الصحراء، كل هذه ألغاز لا تزال تنتظر حلها، لكنّ العديد من المدن القديمة احتفظت لنا بثقافتها التي تعود إلى ألف عام، على سبيل المثال: جيني في مالي، لاليبيلا في إثيوبيا، فاس في المغرب أو مدينة زنجبار الحجرية، وهنا يمكنك أن تشعر بالروح المذهلة لإفريقيا القديمة، ولكن لكي تُقدّرها تمامًا، عليك أن تعرف شيئًا على الأقل عن تاريخ وثقافة أولئك الذين بنوا هذه المدن وسكنوها.
– الخرافات الإفريقية… هل تصدقها؟ ولماذا؟
تُعدّ المعتقدات الدينية للأفارقة واحدة من أكثر الموضوعات المتعددة إثارةً للاهتمام والدراسة في القارة. أولًا، لأنها متنوعة للغاية؛ من الإيمان بالأرواح، والطوائف الشامانية إلى الوثنية والطوطمية، ثانيًا، حتى بالنسبة إلى الإسلام والمسيحية المشهورين، المنتشرين في القارة، اكتسبا أشكالًا جديدة مذهلة تمامًا في إفريقيا، والتي لا تشترك كثيرًا مع فهمنا لهذه الديانات العالمية.
إن وجود شامان يحمل رأس ثعبان في يد وصفحات من القرآن في اليد الأخرى أمر طبيعي في إفريقيا، كما هو الحال بالنسبة للانتقال السهل من الإسلام إلى المسيحية والعكس، والمعتقدات مصحوبة بعددٍ لا يُحصَى من العادات والخرافات والطقوس المثيرة للاهتمام في حدّ ذاتها؛ لأنها تعكس أحيانًا أعمق العصور القديمة.
– ما الذي يأخذه الأدب الإفريقي الحديث في أصوله من الأساطير والحكايات القديمة؟
لقد نشأ كل الأدب الإفريقي تقريبًا من الحكايات الشفهية والأساطير والمعتقدات، ولا نرى هنا سوى طبقة رقيقة من التأثير الأوروبي في شكل توزيع الأدب حسب النوع أو تكوين الحبكة أو أسلوب الكتابة، لكنَّ التقليد الشفهي لا يزال سائدًا، وبهذا المعنى، من الصعب مقارنة الأدب الإفريقي بأدبنا؛ فهو ظاهرة فريدة من نوعها، وتستمر الأنواع الشفهية أيضًا في الوجود، ما عليك سوى الذهاب إلى مراكش والاستماع إلى رواة القصص المحترفين في ساحة جامع الفنا، الذين يجمعون حشودًا من المستمعين بقصصهم عن الحكام القدماء، والأبطال الخارقين في عالم الإنسان أو الحيوان، والأساطير حول أصل العالم.
– أيّ من الأساطير القديمة التي سمعتها عالقة في روحك؟
أثناء العمل مع لغات إفريقيا، كتبت العديد من الأساطير والحكايات الخيالية، ولكن على الرغم من أن مؤامراتها مختلفة تمامًا، إلا أنها متَّحدة إلى حدّ كبير بشيء واحد؛ ألا وهو الرغبة في الخروج من الحياة اليومية وأداء عمل متميز، واحترام الأبطال الشعبيين الذين ينتهكون المبادئ المحافظة. في كثير من الأحيان، يكون هذا البطل حيوانًا؛ فعلى سبيل المثال، الأرنب، الذي يُحقِّق النصر على أعداء أقوى ليس بمساعدة القوة، ولكن بخفة الحركة والذكاء. لقد جاء إلينا Brother Rabbit منذ طفولتنا على وجه التحديد من مثل هذه القصص الخيالية الإفريقية.
– ما هي الكتب التي تقرأها؟
نادرًا ما أقرأ الروايات، ولسوء الحظ، ليس لدي الوقت الكافي لقراءتها، لكن مجموعتي تتكون من كتب علمية وشعبية، وبما أنني أعمل اليوم في الاتجاه الآسيوي، فإن معظم هذه الكتب مخصَّصة للصين ووسط وجنوب شرق آسيا وتاريخها وثقافتها وسياستها واقتصادها، لذا، ربما سأبدأ قريبًا في قراءة كتب جديدة حول ماهية آسيا.
_____________________