التفاوت الرقمي والتنوّع اللغوي: دراسة حالة إثيوبيا([1])
Digital Inequality and Language Diversity: An Ethiopic Case Study
تأليف: إيزابيل أ. زوج
ترجمة: أسماء عبدالحفيظ خميس نوير
باحثة دكتوراه ومترجمة في فلسفة العلوم – كلية الآداب- جامعة أسيوط- مصر
ملخص:
بينما يتزايد الدعم الرقمي للتنوع اللغوي؛ فإن الدعم المقدَّم للغات والكتابات الإفريقية لا يزال متخلفًا عن الركب. تدفع هذه الفجوات الأفارقة إلى الاعتماد على اللغات الاستعمارية أو الكتابة اللاتينية عند استخدام الأجهزة، مما يخلق عوائق أمام أولئك الذين يفتقرون إلى هذه المهارات.
يتناول هذا البحث مفهوم “التفاوت الرقمي” بشكل أوسع؛ حيث يعرض كيف تؤدي التكنولوجيات إلى تفاقم حالات اللامساواة خارج الإنترنت، مثل الاندثار السريع للغات وكتابات الأقليات والسكان الأصليين.
كما يتناول هذه القضايا انطلاقًا من دراسة الحيوية الرقمية للغات الإثيوبية والإريترية. ويوضح المقال كيف تؤدي الفجوات في الدعم الرقمي للنص الإثيوبي إلى تحويل اللغات الإثيوبية إلى حروف لاتينية، مما يُفْقِد هذه اللغات معناها ثلاثي الأبعاد. ويختتم المقال بتقديم توصيات تتعلق بالسياسات ودعوات لجعل الأدوات الرقمية متاحة لمستخدميها من خلفيات لغوية متنوعة.
مقدمة:
تتمثل أهم جوانب التفاوت الرقمي، التي غالبًا ما تُغْفِل تأثير اللغة، في خلق حواجز أمام المتحدثين باللغات غير الدارجة. فقد تم تطوير التكنولوجيا الرقمية في البداية في إطار اللغة الإنجليزية. وعلى الرغم من توسيع نطاق دعم اللغات الأخرى؛ إلا أن هذا التوسُّع كان مدفوعًا بشكل كبير بالاعتبارات السوقية، مما أدَّى إلى استبعاد المجتمعات اللغوية الصغيرة أو الفقيرة التي لا يمكن تطوير دعم تجاري لها. هناك ما يقرب من 7000 لغة تُستخدَم اليوم، و98% منها مُهمَّشة رقميًّا، مما يعني أنها تفتقر إلى الدعم من أنظمة التشغيل والمتصفّحات والتطبيقات والأجهزة السائدة. ويُقدِّر عالم اللغويات الحاسوبية أندراس كورناي András Kornai أن 5% من اللغات فقط قد تُحقَّق “حيوية رقمية digital vitality”.
وإن غياب الدعم الرقمي للغالبية العظمى من اللغات يمنع المتحدثين بها من الاستفادة الكاملة من التقنيات الرقمية.
أما بالنسبة للناطقين باللغات المُهمَّشة رقميًّا الذين يتحدثون لغتين؛ إحداهما لغة مهيمنة عالميًّا، فإن غياب الدعم الرقمي للغتهم الأم يدفعهم إلى استخدام لغة ثانية مدعومة بشكل جيد، مثل الإنجليزية، عند التواصل عبر الأجهزة الرقمية.
ويُظهر هذا الاتجاه في الخيارات اللغوية في الفضاء الرقمي أن التقنيات الرقمية تُسهم في تراجع التنوع اللغوي والكتابي بسرعة في الجنوب العالمي. أما الناطقون بلغات أُحَادِيَّة اللغة من اللغات المُهمَّشة رقميًّا، فإن غياب الدعم الرقمي للغتهم قد يُشكِّل عائقًا كبيرًا أمام عدد من أشكال الاستخدام الرقمي.
يتناول هذا البحث الحيوية الرقمية للغتين الإثيوبية والإريترية في إطار السياق الإفريقي. ويختتم بتقديم توصيات للسياسات العامة وأفضل الممارسات بهدف جعل الأدوات الرقمية متاحة لفئة أوسع من المستخدمين ذوي التنوع اللغوي.
كما يعرض البحث كيفية فهم التنوع اللغوي في ضوء الإطار النظري للفجوات الرقمية على المستويات الأول والثاني والثالث، مع مراعاة تفسير مصطلح “التفاوت الرقمي” ليشمل الطرق التي تُسْهِم بها الأدوات الرقمية في تفاقم أشكال التفاوت غير المتصلة بالإنترنت، مثل الاندثار السريع للغات الأقليات ولغات المجتمعات المحلية.
1- التفاوت الرقمي والتنوع اللغوي
يُمثِّل مصطلح “التفاوت الرقمي digital inequality” مفهومًا يشير إلى وجود عقبات واسعة النطاق تُعيق استخدام الأدوات الرقمية والاستفادة منها، وترتبط هذه العقبات بتفاوتات اجتماعية واقتصادية أخرى. يهدف هذا المصطلح إلى تعزيز فهم العلماء متزايد التعقيد للكثير من “الفجوات الرقمية digital divides” التي تفصل بين الأفراد الذين يمتلكون الأدوات الرقمية والذين لا يمتلكونها. وقد قام الباحثون بتطوير إطار نظري لفهم هذه الفجوات من خلال تصنيفها إلى ثلاثة مستويات، وهي:
الفجوة الرقمية من المستوى الأول تتعلق بالوصول إلى الإنترنت والأدوات اللازمة لاستخدامه.
أما المستوى الثاني فيتناول الفجوات في المهارات الرقمية والتصورات الذاتية التي تعيق النشاط الرقمي.
بينما تعكس الفجوة الرقمية من المستوى الثالث النتائج والفوائد المتباينة التي يمكن أن يحققها الأفراد والمجتمعات من الاستخدام الرقمي. وتشير ميرا بوريBurri Miraإلى أن الوصول إلى المحتوى ذي الصلة في الفضاء الإلكتروني يمثل الحاجز من المستوى الثالث.
تُشكِّل الفجوات في الدعم الرقمي للكثير من اللغات مشكلة تتعلق بالفجوة الرقمية، لكنَّ موقعها في هذا السياق يعتمد على تصوراتنا حول العلاقة بين التكنولوجيا والتنوع البشري. ويمكننا أن ننظر إلى إتقان لغة مهيمنة عالميًّا مثل الإنجليزية، التي تحظى بأعلى مستوى من الدعم الرقمي، بمثابة “مهارة skill” من المستوى الثاني في الفجوة الرقمية، التي يجب على المرء إتقانها للاستفادة الكاملة من الأدوات الرقمية.
وغالبًا ما يُعدّ هذا الافتراض هو السائد عالميًّا. ومع ذلك، كما أُشير، يمكننا تعزيز فكرة أن الأدوات يجب أن تتكيف لتلائم المستخدمين بدلًا من العكس. في هذه الحالة، تُعدّ الفجوات في دعم التنوع اللغوي جزءًا من الفجوة الرقمية من المستوى الأول “الوصول access”، وهو ما يوازي الحجج التي تدعو إلى ضرورة تلبية الأدوات الرقمية لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة.
كما يتطلب سدّ الفجوة الرقمية من المستوى الأول تطوير أدوات مخصَّصة للغة، مثل لوحات المفاتيح، فضلًا عن تحسين البنية التحتية الافتراضية، مثل دعم البرمجيات للنصوص المتنوعة. ووفقًا لمفهوم بوري، تؤثر المعوقات اللغوية على مستوى إدخال ومعالجة الكلمات على القدرة على نشر المحتوى والعثور عليه وعرضه بلغة معينة. وبالتالي، يمكن وصف الفجوة الرقمية اللغوية بأنها جزء من المستوى الثالث.
2- التفاوت الرقمي والتنوع اللغوي في إفريقيا والجنوب العالمي
إن هذا الطيف الواسع من التفاوت الرقمي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياق الإفريقي، بدءًا من القضية الأساسية المتعلقة بالوصول إلى الإنترنت. فقد بلغت نسبة انتشار الإنترنت في إفريقيا 35.9% في مارس 2019م، مقارنةً بالمتوسط العالمي الذي يصل إلى 56.1%. ويُعدّ الجنوب العالمي موطنًا لتنوُّع لُغَويّ غنيّ؛ حيث تحتوي إفريقيا وآسيا على ما يقرب من ثلثي جميع اللغات.
أستخدم هنا مصطلح “الجنوب العالمي Global South” كما صاغه دي سوزا سانتوس De Sousa Santos، ليشمل المجتمعات المُهمَّشة في الشمال العالمي. على سبيل المثال، يتناسب التنوع اللغوي الغني بين مجتمعات السكان الأصليين في أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر مع هذا الإطار الخاص بالجنوب العالمي.
تضم إفريقيا 2140 لغة، مما يُشكّل 30% من اللغات المستخدَمة عالميًّا. بينما تُستخدَم اللغات الإفريقية في السياقات المحلية والإقليمية، وأحيانًا على المستوى الوطني؛ تَظل اللغات الأوروبية الاستعمارية السابقة مثل الفرنسية والإنجليزية والبرتغالية مهيمنة، وغالبًا ما تُعدّ لغات محلية وإقليمية، وفي بعض الحالات تُستخدم كلغات وطنية في مختلف أنحاء القارة. في عام 1989م، كان يُقدّر أن حوالي 90% من الأفارقة “لا يعرفون اللغة الرسمية لبلدهم، رغم أنها من المفترض أن تكون وسيلة التواصل بين الحكومة والمواطنين”. ولا يزال إتقان اللغات الأوروبية مرتبطًا بالثروة والامتيازات التي تقتصر على النخبة حتى اليوم.
في هذا السياق، يتضح أنه ما لم تقدم التقنيات الرقمية دعمًا قويًّا للغات الشعوب الأصلية الإفريقية، فلن يتمكَّن عدد كبير من الأفارقة من الاستفادة الكاملة منها. فضلًا عن ذلك، يحذر لويس مورايس Luis Morais من أن “جميع اللغات الإفريقية تقريبًا مُهدَّدة بالانقراض بسبب تراجع استخدامها لصالح اللغات الأوروبية في مجالات متعددة نتيجة نقص الدعم الرقمي”.
من الضروري أيضًا تسليط الضوء على أهمية دور الأنشطة التنموية في سياق الفجوة الرقمية اللغوية. ولقد تم استقبال التكنولوجيات الرقمية كأدوات فعالة للتنمية، خاصةً في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل التنمية، المعروف أيضًا باسم “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرابعة من أجل التنمية” أو “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل التنمية”، أو “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية”؛ حيث تنظر إلى المجتمعات المتنوعة لغويًّا في الجنوب العالمي بوصفها أهدافًا رئيسة.
وبينما تسعى عدة مشروعات إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لسدّ الفجوة الرقمية من خلال توفير الوصول إلى الأدوات الرقمية؛ غالبًا ما يتم تجاهل ضرورة تكييف هذه الأدوات مع لغات المجتمعات المحلية. وهذا يعكس فشلًا أوسع في مجال التنمية في إدراك أهمية اللغات القومية كعوامل أساسية لتحقيق الأهداف التنموية. حتى في مجال التعليم، يحظى التعليم مُتعدِّد اللغات الذي يعتمد على اللغة الرسمية بدعم كبير مِن قِبَل المتخصصين.
هذا وتظهر دلائل على إمكانية تغيُّر التصور والأهداف. فخلال منتدى الأمم المتحدة الدائم المعنيّ بقضايا السكان الأصليين في عام 2019م، تم اقتراح عقد حدَث مشترك بين الاتحاد الدولي للاتصالات واليونسكوUNESCO؛ حيث أُشير إلى أن “تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن تكون أداة رئيسة لتمكين الشعوب الأصلية، ولكنَّ ذلك يتطلب أن تكون المعرفة والاقتصادات الرقمية متاحة بلغاتها الخاصة”. ولتحقيق تأثير مستدام في معالجة مشكلة التفاوت اللغوي الرقمي linguistic digital inequality، يجب أن يتحوَّل هذا التصوُّر إلى ممارسة شائعة تشمل المجتمعات اللغوية، والحكومات، وقطاع التكنولوجيا، ووكالات التنمية، والأوساط الأكاديمية، ومؤسسات الحوكمة الرقمية.
3- الإطار النظري
ما هي النظريات التي تساعدنا في فهم العلاقة بين التنوع اللغوي والتكنولوجيا، وكذلك بين التكنولوجيا واختيار اللغة، وبين هذه النماذج وقضايا المساواة؟
يشير الباحث في مجال العلوم والتكنولوجيا، لانجدون وينرLangdon Winner، إلى أن التصميم التكنولوجي technological design ينظّم النشاط البشري بطرق تُعزّز من قوة وسلطة وامتيازات بعض الأفراد على الآخرين. فالتقنيات الرقمية، التي تم تطويرها مِن قِبَل مُصمّمي اللغة الإنجليزية ولغات مهيمنة أخرى بدافع الربح لشركات أمريكية وعدد قليل من الدول، تدعم فقط عددًا محدودًا من اللغات.
وهذا يدفع المتحدثين باللغات المهمشة رقميًّا نحو ما تسميه ماري لويز برات Mary Louise Pratt “لغات القوة languages of power” للحصول على فوائد التكنولوجيا. كما تشير وينر إلى أن الأجهزة التقنية عادةً ما تُوفِّر طرقًا متعددة لتنظيم النشاط البشري، ولكن مع مرور الوقت، تُصبح هذه الطرق محدودة بشكل متزايد بسبب العوامل المادية والعادات الاجتماعية والاستثمارات المالية. ويؤكد وينر أن التصميم الرقمي له تأثيرات شديدة الْخَطَر على المستويات اللغوية والثقافية والاقتصادية والسياسية، مما يستدعي التدقيق لضمان توجيهه نحو الصالح العام.
إن التصميم المادي للتقنيات الرقمية ورموزها يؤثر بشكل كبير على إمكانية استخدام لغات ونصوص معينة، سواء كان ذلك سهلًا أو غير ملائم أو حتى مستحيلًا. على سبيل المثال، في حين يدعم نظام تشغيل أندرويد اللغة الأمهرية الإثيوبية Ethiopian language Amharic، إلا أن اختيار التبديل من اللغة الإنجليزية الافتراضية يتطلب إتقانًا كافيًا للغة الإنجليزية للبحث في إعدادات الهاتف. ونتيجة لذلك، يجد عدد كبير من المستخدمين أنفسهم مضطرين لكتابة اللغة الأمهرية، التي تُكتَب عادةً بالخط الإثيوبي، باستخدام الأبجدية اللاتينية المترجمة. ويزيد من تعقيد الوضع أن الكلمات الأمهرية قد تُصحّح تلقائيًّا إلى كلمات إنجليزية غير مقصودة. وبما يتماشى مع مخاوف “وينر”، يتضح أن تصميم التكنولوجيا يمكن أن يسهم في خلق أو تخفيف العوائق اللغوية التي تُواجه مستخدمي اللغات المُهمَّشة رقميًّا.
4- اندثار اللغة ودور التكنولوجيا الرقمية
يتنبأ اللغويون بأن ما بين 34% و50% و90% من اللغات العالمية تُواجه خطر الاندثار خلال هذا القرن. وتُسهم في ذلك عوامل مثل تاريخ الاستعمار، ووسائل الإعلام العالمية، ووسائل النقل، واضطهاد الأقليات اللغوية، فضلًا عن التحضُّر. ويُعبِّر العلماء عن قلقهم من أن الفجوات في الدعم الرقمي قد تؤدي أيضًا دورًا متزايدًا في هذه الأنماط من التحوُّل اللغوي language shift.
تُعدّ التعددية اللغوية Multilingualism ظاهرة رائجة في عدد كبير من مجتمعات الجنوب العالمي، حيث تُستخدم لغات متنوعة في مجالات مختلفة. يُصنّف اللغويون اللغات المستخدمة في السياقات الرسمية والمهنية والتعليمية على أنها “لغات عالية”، بينما تُعدّ اللغات المستخدَمة في السياقات الخاصة والعائلية والشخصية “لغات منخفضة”. ويُعدّ الاندثار اللغوي عملية تحل فيها اللغة “العالية”، التي يُطلق عليها بوب هولمان “اللغة المتسلطة bully language”، محل اللغة “المنخفضة” حتى في أكثر المجالات خصوصية. فعندما يؤدي عدم توفر لوحة مفاتيح سهلة الاستخدام على الهواتف المحمولة إلى جعل مجالات التواصل الرقمي “منخفضة”، مثل الرسائل النصية أو وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر ملاءمة بلغة “عالية” مثل الإنجليزية بدلًا من لغات السكان الأصليين الأفارقة؛ فإننا نشهد هذا النوع من التحول في المجال الرقمي.
صاع أندراس كورناي András Kornai مصطلح “الاندثار الرقمي digital extinction” للإشارة إلى هذه الظاهرة ووصفها، وحدّد ثلاثة محاور رئيسة؛ أولًا، عندما تصبح بعض الوظائف مثل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية صعبة أو غير ملائمة مع لغة الشخص المفضَّلة، فإن هذه الأنشطة تُنْجَز بلغة “عالية” مدعومة بشكل جيد. بدلًا من ذلك، قد يلجأ المستخدمون إلى تَرْجَمَة لغتهم باستخدام النص اللاتيني؛ نظرًا لأن لوحة مفاتيح كويرتي QWERTY غالبًا ما تكون افتراضية. في هذه الحالة، قد يتم تهجئة الأسماء الأمهرية “تيودروس” بطرق مختلفة مثل “ثيودروس”، أو “تيودروس”. هذه الاختلافات في التهجئة تجعل هذا النهج عشوائيًّا، مما يُسبِّب ارتباكًا للقراء ويقلل من فعالية وظائف مثل “البحث”، سواء على الإنترنت أو على سطح المكتب الشخصي.
ثانيًا: عندما لا تحظى اللغة بدعم رقمي كافٍ، تتراجع مكانتها. فالتقنيات الرقمية مثل الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة لا تؤدي دورًا وظيفيًّا في المجتمع فحسب، بل تعكس أيضًا مستوى الثراء والطبقة الاجتماعية والمكانة. ويؤدي انخفاض المكانة إلى تقليل الرغبة، خاصةً بين الشباب، في استخدام تلك اللغة، حتى خارج الفضاء الرقمي (الإنترنت). ومع تراجع عدد الأشخاص الذين يستخدمون لغتهم الأم على الإنترنت، يقلّ المحتوى المتاح بتلك اللغة، مما يَخْلق حلقة مفرغة a vicious cycle تُعزّز انعدام الدافع لاستخدام لغة ذات مكانة منخفضة.
ثالثًا: الفقدان التدريجي للكفاءة اللغوية أو النصية. فالشباب الذين لا يزالون يتقنون لغة ما قد يَفقدون مهاراتهم في الكتابة والتهجئة والقدرة الكلية على التواصل بلغتهم الأمّ، إذا لم يُجيدوا استخدامها رقميًّا. ومرة أخرى، لا يقتصر هذا التأثير على خيارات اللغة المتاحة على الإنترنت فحسب، بل يمتدّ ليؤثر على استمرار وجود اللغة بوجهٍ عامّ.
فضلًا عن الوظيفة والوجاهة والكفاءة، أودّ أن أقترح فئة رابعة تتمثل في “المنطق logic”. إن الدعم القوي للتقنيات الرقمية لعدد محدود من اللغات فقط يسهم في ترسيخ منطق التدرج الهرمي اللغوي، الذي يعود جذوره على الأقل إلى فترة الاستعمار colonialismوظهور الدول القومية. هذا المنطق يُحدّد مسبقًا بعض اللغات، ولا سيما اللغات “الوطنية” أو “الاستعمارية” أو “العالمية” مثل الإنجليزية، بوصفها لغات الحداثة. في ظل هذا المنطق، تبدو اللغات المحلية المرتبطة بهذه اللغات، التي يتحدث بها السكان الأصليون والأقليات في مختلف أنحاء العالم، محكوم عليها بالاندثار في طيات التاريخ. إن الاعتراف الواسع بأن الاندثار اللغوي أمر لا مفر منه، يحدث بالرغم أن جذوره في الكثير من المجتمعات قد تم صياغتها بعناية في الماضي أو الحاضر بالرجوع إلى السياسات والعقوبات التي تفضل بعض الناطقين باللغات على الآخرين، مما يؤدي إلى ضعف الدافع المجتمعي لدعم التنوع اللغوي language diversity.
ثمة سؤال محوري يطرح نفسه: لماذا ينبغي علينا أن نهتم إذا كان ما يصل إلى 90% من اللغات مهددة بالاندثار خلال القرن المقبل؟ قام اللغويان ديفيد ك. هاريسون David K. Harrison ونيكولاس إيفانز Nicholas Evans بتوثيق الأضرار التي تلحق بالمجتمعات نتيجة تدهور اللغات واندثارها. من بين هذه الأضرار، نجد انقطاع التواصل بين الأجيال. هذا الانقطاع في الحياة الاجتماعية يؤدي إلى فجوات في نقل المعرفة، ويؤدي إلى معاناة من فقدان التراث، وفقدان الإحساس بالانتماء. وقد يكون هذا الانقطاع عاملًا مساهمًا في تطرُّف الشباب.
يؤثر اندثار اللغات على البشرية بوجهٍ عامّ؛ حيث تحتوي الموروثات الشفهية على معرفة تفوق تلك المدونة في الكتب أو المتاحة على الإنترنت. وغالبًا ما تتلاشى المعرفة المتعلقة بالنظم البيئية ecosystems، بما في ذلك الأنواع الطبية والممارسات الزراعية المرتبطة بالمناخ، مع اندثار اللغات، مما يؤثر سلبًا على قدرة البشرية على مواجهة التحديات المستقبلية. ثم إن التخلّي عن النصوص المكتوبة يقلل من إمكانية الوصول إلى المعرفة التاريخية. ومن الأمثلة البارزة على أهمية استمرار النصوص المكتوبة واللغة في توفير إمكانية الوصول إلى المعرفة، اكتشاف العالمة الصينية يويو تو Youyou Tu، الحائزة على جائزة نوبل. فقد اكتشفت خلال دراسة فريقها للنصوص الصينية الكلاسيكية أن مادة الأرتيميسينين artemisinin هي مادة فعَّالة في مكافحة الملاريا، مما أدَّى إلى تحوُّل كبير في تطوير الأدوية التي أنقذت حياة الملايين من البشر.
لا يمكن أن تُعزى جاذبية اللغة الإنجليزية وغيرها من “لغات القوة languages of power” بالكامل إلى التكنولوجيات الرقمية، لكنَّ التَّحيُّز اللغوي في هذه التكنولوجيات يظهر بوضوح في مجتمعات الجنوب العالمي، مما يترتب عليه تكلفة كبيرة على كرامة المتعلمين ومواردهم المالية، ويؤدي إلى تفاقم الفجوات بين أصحاب الامتيازات والمستضعفين. ونظرًا لتوسع البنية التحتية الرقمية وزيادة الاعتماد على الفضاء الرقمي في الاتصالات، تصبح المخاوف التي أشار إليها موريس Morais وزوغ Zauggبشأن احتمال اندثار اللغات والكتابات الإفريقية نتيجة التخلي الرقمي عنها أكثر إلحاحًا.
بناءً على ذلك، أرى أنه من الضروري توسيع مفهوم “التفاوت الرقمي” ليشمل أكثر من مجرد عدم المساواة في الوصول إلى الأدوات الرقمية واستخدامها. وينبغي أن يتضمَّن هذا المفهوم التأثيرات غير المتصلة بالإنترنت المتعلقة بالاختيارات واللغة وغيرها، فضلًا عن “المنطق” الذي تُعزّزه التقنيات الرقمية لصالح فئة معينة على حساب أخرى. وكما يشير وينر، يجب أن نأخذ في الحسبان الأفراد الذين يتعرضون لأضرار نتيجة الابتكارات، وغالبًا ما يكونون من الفئات الأكثر ضعفًا. لذا من المهم أن نصحح المسار في الوقت المناسب قبل أن تتجذر هذه التقنيات، وتؤثر سلبًا على المجتمع.
5- دراسة حالة للغات الإثيوبية: السياق اللغوي والتاريخي
يتناول هذا الجزء الحالة الدلالية للحيوية الرقمية للغات الإثيوبية والإريترية التي تستخدم النص الإثيوبي، بهدف فهم كيفية ظهور التفاوت الرقمي في سياق التنوع اللغوي في إفريقيا بشكل أفضل. وقد تم الاعتماد على إطار قياس الحيوية الرقمية الذي وضعه سيمونز Simons وزملاؤه، الذي يستند إلى أعمال كورناي Kornai× حيث تم تطويره وتحسينه.
تُعدّ إثيوبيا إحدى الحضارات القديمة؛ حيث يعود تاريخها المسجل إلى سفر التكوين 2:13. في القرن الثالث الميلادي، كانت إمبراطورية أَكْسُوم الإثيوبية واحدة من أربع قوى عظمى، إلى جانب فارس وروما والصين. كانت لغة الجيز هي اللغة الرسمية لإمبراطورية أكسوم، وقد انتقلت هذه اللغة إلى اللغات الإثيوبية والإريترية الحديثة، التي تُعرف في الغرب باسم “الإثيوبي”، تمامًا كما انتقلت اللغات الأوروبية إلى الخط اللاتيني. ويُعدّ القرن الثالث الميلادي هو الفترة التي يعود إليها أقدم نص مكتوب باللغة الجيزية؛ حيث يُقدّر عدد الوثائق الجيزية بمئات الآلاف. وقد تم اكتشاف ما يُعتقد أنه أقدم كتاب مقدس مكتوب بلغة الجيز في إثيوبيا مؤخرًا.
هذا الاكتشاف ليس مفاجئًا بالنظر إلى تاريخ إثيوبيا العريق في المسيحية اليهودية، الذي يعود على الأقل إلى زيارة ملكة سبأ الأكسومية للملك سليمان، فضلًا عن إدراج اللغة الجيزية ضمن اللغات الـ72 التي تم التحدث بها من خلال وحي الروح القدس في يوم العنصرة، وإعلان الملك “عزانا” في القرن الرابع الميلادي رسميًّا أن المسيحية هي الدين الرسمي للبلاد.
تُمثل إثيوبيا موطنًا لحوالي 90 لغة حية، تشمل الفصائل اللغوية السامية والأوموتيكية والكوشيتية والنيلوسهارية. بحلول أوائل القرن العشرين، تم تطوير شكل مكتوب لنحو ستّ لغات، جميعها تستخدم الكتابة الإثيوبية. في الوقت الحالي، تسعى المجتمعات اللغوية الأخرى في إثيوبيا وإريتريا إلى إنشاء تقاليد كتابة جديدة، تعتمد إما على الكتابة الإثيوبية أو على الكتابة اللاتينية التي تم استخدامها مؤخرًا.
عقب سقوط نظام الدرج الاشتراكي Socialist Derg في إثيوبيا عام 1991م، تم تعزيز الفيدرالية العرقية؛ حيث حصلت الجماعات العرقية المهيمنة على مستوى عالٍ من الحكم الذاتي الإقليمي. وبعد فترة وجيزة، قررت حكومة أوروميا الإقليمية تغيير نظام كتابة اللغة الأورومية من الأبجدية الإثيوبية إلى الأبجدية اللاتينية. كانت هذه الخطوة سياسية تهدف إلى فصل عرقية الأورومو لغويًّا عن المجتمعات اللغوية الإثيوبية الأخرى التي تَستخدم اللغة الإثيوبية. وقد تم تبرير هذا القرار، من بين حجج أخرى، بالقول: إن الأبجدية اللاتينية تدعم بشكل أفضل من خلال التقنيات الرقمية. يوضح هذا المثال كيف أن التحيزات اللغوية والكتابية المرتبطة بالتقنيات الرقمية تُعزّز “منطقًا” يتجاوز المجال الرقمي ليشمل مجالات أخرى من الحكم.
اتبعت عدة لغات كوشيتية وأوموتيكية أخرى نهج الأورومو. وقد شهدت بعض المجتمعات تغييرات في استخدام النصوص؛ حيث استخدمت كلا النظامين في سياقات متنوعة. تستند العلاقات بين اللغة والنص في الفقرات التالية إلى نتائج موقع Ethnologue لعام 2016م. في بعض الحالات، تم فرض النص المكتوب كقرار إداري، مثل توجيه الحكومة الإريترية بتحويل لغة البلين من الكتابة الإثيوبية إلى اللاتينية.
ومع ذلك، لا يزال الاستخدام الرقمي للغة البلين يعتمد بشكل كبير على الكتابة الإثيوبية، التي يظل الكثير من أفراد المجتمع متمسكين بها. كما تتداخل بعض المجتمعات اللغوية على الحدود بين إثيوبيا وإريتريا، مثل العفر Afar، التي تُكتب بالأبجدية الإثيوبية في إثيوبيا وبالأبجدية اللاتينية في إريتريا.
وتُعدّ اللغة الأمهرية، المكتوبة باللغة الإثيوبية، “اللغة الوطنية national language” لإثيوبيا، في حين تُصنف اللغة الإنجليزية كـ “اللغة الدولية international language”. لم تكن إثيوبيا مُستعمَرة في أيّ وقتٍ من الأوقات، مما يمنحها تاريخًا حديثًا في التعليم باللغة الإنجليزية، مقارنةً بالدول الإفريقية التي كانت تحت الاستعمار البريطاني. على الرغم من أن اللغة الإنجليزية تُستخدَم لغةً للتعليم في المرحلة الثانوية وما بعدها، إلا أن الكثير من المجالات المهنية الأخرى تعتمد على اللغة الأمهرية أو اللغات الإقليمية. وقد أصبحت إثيوبيا نموذجًا للدعم الحكومي لتعليم اللغة الأم؛ حيث يتم تدريس 60 لغة في المدارس الابتدائية الإثيوبية اعتبارًا من عام 2017م.
يمتدّ التاريخ اللغوي والسياسي لإثيوبيا وإريتريا عبر العصور. تاريخيًّا، كانت إريتريا جزءًا من إمبراطورية أكسوم وإثيوبيا، لكنَّها أصبحت إقليمًا منفصلًا عن إثيوبيا خلال فترة الاستعمار الإيطالي من 1890م إلى 1947م. بعد انتهاء الحكم الإيطالي، تم ضم إريتريا إلى إثيوبيا. وفي عام 1991م، نالت إريتريا استقلالها من خلال استفتاء، بعد سنوات من النضال المسلح من أجل الحرية. وتُعدّ إريتريا موطنًا لـ15 لغة، منها 9 لغات محلية، بالإضافة إلى عدة لغات “رسمية official”.
يُعدّ الخط الإثيوبي نظامًا صوتيًّا؛ حيث يمثل كل حرف مقطعًا لفظيًّا، بالإضافة إلى كونه يحمل دلالات دينية ورقمية عميقة الجذور في الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية التوحيدية. على الرغم من تصويره كنص مقطعي في الأدب الغربي، إلا أن المعاني المفاهيمية والعددية المرتبطة باللغة الإثيوبية، والتي تتجذر في كنيسة التوحيد الأرثوذكسية، تظل غائبة بشكل ملحوظ في الدراسات المنشورة باللغة الإنجليزية. ورغم توثيقها بشكل واسع في الأدب الإثيوبي الأصلي، فإن الوعي بوظائف الكتابة الإثيوبية ذات المستويات الثلاثة لا يزال نادرًا نسبيًّا بين مستخدمي هذه الكتابة اليوم، باستثناء قساوسة الكنيسة الأرثوذكسية التوحيدية في المقام الأول؛ حيث تم قمع المعاني الدينية والرموز ذات الصلة خلال فترة النظام الاشتراكي الإثيوبي من عام 1974 إلى 1991م.
تتمتع أكبر اللغات في إثيوبيا وإريتريا، وخاصةً بالمقارنة مع اللغات الإفريقية الأخرى غير اللاتينية، بتاريخ رقمي متميز. كان النص الإثيوبي هو أول نص إفريقي أصلي يتم ترميز مجموعة حروفه الأساسية في معيار يونيكود عام 1999م كجزء من إصدار يونيكود 3.0. ومنذ أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، استفادت اللغات الإثيوبية من تطوير معالجات الكلمات والخطوط ولوحات المفاتيح والمحتوى مِن قِبَل دعاة اللغة المتحمسين في إثيوبيا وإريتريا وشتاتها. كما تحتل اللغة الأمهرية مكانةً خاصةً بين حوالي 100 لغة مدعومة على منصات مثل فيسبوك وترجمة جوجل.
ومع ذلك، أظهرت دراستان مستقلتان على الإنترنت حول نطاق المستوى الأعلى للرمز الوطني الإثيوبي أن المحتوى باللغة الإنجليزية يشكل حوالي 80% إلى 90% من إجمالي المحتوى، بينما تمثل الأمهرية 18% أو 11%، في حين أن اللغات الإثيوبية الأخرى تشكل أقل من 1% من المحتوى. قد تتغير هذه النسب في المستقبل مع تزايد انتشار الإنترنت في إثيوبيا ليشمل فئات اجتماعية أخرى بخلاف الطبقات الأكثر ثراءً وتعليمًا، التي تتحدث الإنجليزية بشكل كبير كلغة ثانية أو إضافية. واعتبارًا من عام 2019م، كان 14.9% فقط من سكان إثيوبيا، الذين يبلغ عددهم 110,135,635 نسمة، يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الإنترنت.
ويُعدّ وجود “ويكيبيديا” بخمس لغات إثيوبية، وهي الأمهرية والصومالية والأورومية والتغرينية والعفرية، علامة إيجابية على التقدم في الوصول الرقمي اللغوي. ومع ذلك، فإن أحجام المحتوى في هذه اللغات تتفاوت بين المتوسطة والصغيرة والضئيلة والدقيقة والمحدودة، وصولًا إلى متناهية الصغر. ما يثير الانتباه هو أن متوسط معدل “المقالات الواقعيةreal article ” في اللغات الأربع النشطة على ويكيبيديا يبلغ 29.75%. كما يثير القلق أن ويكيبيديا الأمهرية، التي تُعدّ الأكبر بين هذه اللغات، كانت تحتوي في عام 2017م على أقل من صفحة واحدة لكل مستخدم إثيوبي للإنترنت سنويًّا. بالمقابل، في الربع الأخير من عام 2013م -وهي أحدث فترة زمنية تتوفر فيها البيانات- زار المستخدمون الإثيوبيون ويكيبيديا الإنجليزية بمعدل 57 مرة مقابل كل زيارة لويكيبيديا الأمهرية.
هذه الدلائل تدل على أن الإثيوبيين والإريتريين يميلون إلى الوصول إلى المحتوى العام على الويب باللغة الإنجليزية بشكل أساسي، وهذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى أن ويكيبيديا والمواقع الإلكترونية تُعدّ مجالات لغوية “عالية”. ومع ذلك، بالنسبة لعدد كبير من الإثيوبيين والإريتريين الذين لا يتحدثون الإنجليزية، وهي فئة من المستخدمين التي من المتوقع أن تتزايد مع تقليص الفجوة الرقمية من المستوى الأول وتوسيع نطاق الوصول إلى التقنيات الرقمية لتشمل شرائح أكبر من طبقات المجتمع المتعلمة تعليمًا عاليًا، فإن غياب المحتوى باللغة الإثيوبية والإريترية يُشكِّل عائقًا أمام قدرتهم على الوصول إلى المعلومات.
6- الحيوية الرقمية للغات الإثيوبية والإريترية
صاغ عالم اللغويات الحاسوبية أندراس كورناي András Kornai، الذي يُعدّ من أبرز الباحثين في مجال الفجوة الرقمية المتعلقة بالتنوع اللغوي، مصطلح “الحيوية الرقمية digital vitality” للإشارة إلى مدى تمتع اللغات بمزيج من “الدعم الرقمي digital support” و”الاستخدام الرقمي digital use”. يرتبط “الدعم الرقمي” بالمخاوف الأساسية المتعلقة بالوصول إلى المواد، بينما يتعلق “الاستخدام الرقمي” بالمخاوف الثانوية التي تتعلق بقدرة الأفراد على استخدام الأدوات المتاحة. وقد ابتكر كورناي طريقة حسابية لترجمة تقييمات اللغويين لحيوية اللغة في نظام EGIDS إلى السياق الرقمي. ويقسم كورناي حيوية اللغات الرقمية إلى أربع فئات: مزدهرة، حيوية، تراثية، وساكنة. وقد توصل إلى أن 5% كحد أقصى من اللغات تتمتع أو قد تصل إلى مستوى “مزدهر” أو “حيوي” في الحيوية الرقمية.
اختار كورناي ويكيبيديا كأفضل مثال على المحتوى الرقمي المتاح للجمهور الذي ينشئه المستخدمون بعدة لغات، على الرغم من استخدام علامات متعددة للدعم الرقمي. وقد جادل مايك جيبسونMaik Gibson بأن استنتاجات كورناي حول اندثار 95% من اللغات قد تكون مبالغًا فيها؛ نظرًا للاعتماد الكبير على ويكيبيديا بدلًا من مجالات أخرى مثل وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية؛ حيث يكون الاستخدام اللغوي “المنخفض” أكثر شيوعًا. كما اقترح جيبسون أيضًا إضافة فئات “ناشئة” و”كامنة” إلى المعايير، بهدف التقاط إشارات تدل على الحيوية الرقمية المحتملة في المستقبل.
في عام 2017م، تعاون كل من كورناي وجيبسون مع جاري ف. سيمونز Gary F. Simons وآبي توماس Abbey Thomas لتعزيز جهود كورناي، بما في تلك الفئة “الناشئة” التي أطلقها جيبسون. وقد اعتمدا على 20 مؤشرًا للدعم الرقمي، مثل لوحة مفاتيح تدعم الأحرف الخاصة باللغة، ودعم فيسبوك، والترجمة والبحث عبر جوجل، ودعم مايكروسوفت أوفيس، بالإضافة إلى الدعم المتاح في أنظمة التشغيل الرئيسة. ومع ذلك تظل ويكيبيديا مؤشرًا على الاستخدام “المزدهر” أو “الحيوي”، لكنهما يربطان أيضًا بين التغريدات بلغة معينة التي يجمعها مشروع تغريدات السكان الأصليين كدليل على الاستخدام “الناشئ”، والموارد المتاحة ضمن مجتمع أرشيف اللغات المفتوحة كدليل على الاستخدام “الثابت”.
في عام 2017، طبقت هذه المنهجية وتوسيعها لتقييم الحيوية الرقمية للغات الإثيوبية، فضلًا عن اللغات الإريترية التي تعتمد على اللغة الإثيوبية. وقد قمت أيضًا بدمج الفئتين “الكامنة” و”الثابتة”، وأضفت ثلاث علامات دعم إضافية: دعم يونيكود للأحرف، ومتطلبات تخطيط W3C للغة، ودعم مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (ICANN) للأحرف ضمن نطاقات المستوى الأعلى.
ويمكن النظر إلى إدراج نص ما في معيار يونيكود كخطوة أساسية لأي لغة مكتوبة بهذا النص؛ حيث تمثل هذه الخطوة الأولى لسد الفجوة الرقمية. وتوضح متطلبات تخطيط W3C كيفية تنسيق النص المكتوب بلغة معينة، وعند تطبيقها بشكل صحيح، تتيح للمواقع الإلكترونية عرض النص بلغة معينة بشكل صحيح؛ مما يُعدّ خطوة رئيسة تالية بعد الدعم الأساسي للنص المكتوب. يشير دعم مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة للأحرف ضمن نطاقات المستوى الأعلى إلى بداية توطين المجال الرقمي بالكامل، بما في ذلك كتابة النطاق الأساسي لعنوان URL بالنص الأصلي للغة غير اللاتينية. فيما يتعلق بالاستخدام الرقمي، تم إدراج اللغات التي تحتوي على بيانات ضمن مجموعة كروبادان Crubadan Corpus كدليل على الاستخدام “الثابت” (كما هو موضَّح في الجدول المشار إليه في الرابط([2])).
7- المناقشة
ما الذي يكشفه هذا التحليل عن الفجوة الرقمية المرتبطة بالتنوع اللغوي؟
يُظهر التحليل أن عددًا قليلًا من اللغات الإثيوبية والإريترية المختارة تتمتع بمستوى عالٍ من الحيوية الرقمية، في حين تفتقر الغالبية العظمى منها إلى أيّ علامات تدل على الاستخدام الرقمي النشط وفقًا لإطار عمل سيمونز وآخرين.
الخبر الإيجابي هو أن هناك دعمًا رقميًّا متاحًا لعدد أكبر من اللغات مقارنةً بما هو مستخدم حاليًّا، مما يبعث على الأمل في أنه مع زيادة عدد المتحدثين بهذه اللغات على الإنترنت، سيتمكنون من استخدام الأدوات الرقمية بلغتهم الأم إذا رغبوا في ذلك. ومع ذلك، فإن الوصول إلى المحتوى بلغتهم الأم سيظل محدودًا ما لم يزداد إنتاج المحتوى من قبل الأقران. أما بالنسبة للناطقين باللغات الإثيوبية والإريترية الذين لا يتحدثون لغات عالمية مهيمنة مثل الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية أو العربية، فإن الوصول إلى المحتوى المتاح لهم محدود أو غير موجود في الوقت الحالي. الفجوة الرقمية واضحة؛ حيث تتجلى الفروق بين الدعم الرقمي والمحتوى المتوفر للغات “المنتشرة” مثل الإنجليزية، مقابل اللغات “الغائبة” مثل لغة الإشارة الإثيوبية. وفيما يلي تحليل دقيق للبيانات المتعلقة بهذا الموضوع:
في عام 2017م، قام سيمونز وزملاؤه بتحديد 29 لغة حول العالم تتمتع بمستوى “حيوي رقمي مزدهر”. ورغم عدم وجود أيّ لغة إثيوبية أو إريترية ضمن هذه اللغات، إلا أن هناك لغتين من بين 188 لغة تم تصنيفها على أنها “حيوية”: الأمهرية، التي تُكتَب بالأبجدية الإثيوبية، والصومالية، التي تُعدّ لغة رسمية في إثيوبيا واللغة الوطنية للصومال، وتُكتَب بالأبجدية اللاتينية. وإن اعتبار هذه اللغات حيوية من الناحية الرقمية ليس بالأمر السهل، خاصةً الأمهرية التي تَستخدم حروفًا غير لاتينية. وقد تطلب تلك الدعوة لإدراج الأحرف الإثيوبية في نظام يونيكود، فضلًا عن اعتبارات التخطيط المستمر في مجال معالجة النصوص وغيرها. وعلى الرغم من “المنطق” الذي يشير إلى أن اللغة اللاتينية أكثر توافقًا مع التكنولوجيا الرقمية، فإن جهود الكثير من المعنيين -بدءًا من تطوير معالجات الكلمات باللغة الأمهرية في الشتات الإثيوبي والإريتري، وصولًا إلى شركات مثل جوجل التي تُقدّم دعم الترجمة والبحث بين الأمهرية والإنجليزية، بالإضافة إلى واجهة فيسبوك باللغة الأمهرية-، تُظهر أن النص الإثيوبي يمكن أن يكون فعَّالًا رقميًّا عند توفير الدعم المناسب له. بينما يُركّز هذا الفصل على قضية التفاوت الرقمي، وهو منظور يبرز الجوانب السلبية، من المهم أيضًا الاعتراف بالابتكارات التي قام بها ويقوم بها مستخدمو اللغات المحرومة رقميًّا، التي تُمثّل حلولًا بديلة أو تعديلات أو بدائل فعَّالة للأدوات التي لم تُصمم لتلبية احتياجاتهم.
الفئة الثالثة تُعرف بفئة “الناشئة”، التي تعكس الأمل في الحيوية الرقمية. وتُعد اللغة ناشئة إذا كانت تتلقى دعمًا رقميًا واحدًا على الأقل من بين 20 دعامة رقمية تم تقييمها. ومعظم هذه اللغات الناشئة تعتمد فقط على الدعم الأساسي الأكثر أهمية، وهو لوحة مفاتيح Keyman. ونظرًا لأن “الناشئة” تمثل فئة من الأمل، فقد قرَّر سيمونز وزملاؤه أن اللغات التي تحظى بدعم ناشئ تُعتبر بالتالي ذات “حيوية رقمية” ناشئة، حتى وإن لم يكن هناك مستوى استخدام مماثل. اللغتان الوحيدتان اللتان تُعتبران ناشئتين من حيث الاستخدام الرقمي هما التيغرينية والأورومو. ستحصل اللغات في هذه الفئة على فوائد من الدعم الرقمي المدمج في مستوى أعلى من “الركائز”، الذي يتجاوز مجرد لوحات المفاتيح.
رابعًا: تتعلق فئة اللغات “الكامنة/الثابتة” بدراستي التي تجمع بين فئة “الساكنة” التي اقترحها سيمونز وآخرون؛ حيث يشير ذلك إلى المجتمعات التي لا تستخدم لغتها بشكل نشط على الإنترنت، رغم توفر موارد ثابتة لها، وفئة “الكامنة” التي وضعها جيبسون، التي تشير إلى المجتمعات التي لا تستخدم لغتها رقميًّا حاليًّا، ولكنها تمتلك شرطين للاستخدام المحتمل: استمرارية انتقال اللغة بين الأجيال بشكل مستقر والقدرة على استخدام الخط. يشير جيبسون إلى أنه لا ينبغي الافتراض بأن الحيوية الرقمية لن تتحقق في المجتمعات التي بدأت للتو في استخدام التقنيات الرقمية.
إن النظرة المتشائمة قد تثني المعنيين عن تقديم الدعم، مما يعيق الفرص الكامنة لتعزيز الحيوية الرقمية في المجتمعات التي لا تزال تتناقل لغتها بنشاط. لذا، يتطلب الأمر اهتمامًا عاجلًا لدعم هذه اللغات رقميًّا، حتى لا يواجه المتحدثون بها عائقًا يمنعهم من الاستفادة من الفضاء الرقمي والوصول إلى المحتوى بلغتهم.
تُعدّ الفئة “الغائبة” واضحة ومباشرة. تبرز المشكلة التي تعاني منها لغة الإشارة الإثيوبية واللغات غير المكتوبة في الفضاء الرقمي. يعود ذلك جزئيًا إلى تركيز دراسة سيمونز وزملائه على الأدوات المعتمدة على النصوص. وتوفر خدمات المراسلة الصوتية غير المتزامنة في تطبيقات مثل واتساب ووي تشات وفايبر، بالإضافة إلى أدوات مثل البحث الصوتي في جوجل والمساعد الصوتي، فرصًا جديدة للمجتمعات التي لا تعتمد على أنظمة الكتابة والأشخاص الأميين، إذا تم تطويرها بشكل مناسب. ومع ذلك، يواجه المستخدمون الذين يعتمدون على لغة الإشارة أو الصوت فقط قيودًا كبيرة في الوصول إلى المجال الرقمي.
نظرًا لأن الأفراد متعددي اللغات يختارون اللغة المناسبة حسب السياق، يشير كورناي وجيبسون إلى أن قياس الاستخدام الرقمي للغات المهمشة اجتماعيًّا يجب أن يتجاوز ويكيبيديا ليشمل مجالات مثل وسائل التواصل الاجتماعي والرسائل النصية، التي تُعدّ من أكثر أشكال التواصل الرقمي الشخصية شيوعًا.
وللتحقق من حيوية اللغة الأمهرية في الفضاء الرقمي، بعيدًا عن إطار عمل سيمونز وزملائه، تم إجراء تحليل غير تقليدي للمحتوى في عام 2017م؛ حيث تمت دراسة خيارات اللغة والنصوص في التعليقات العامة على فيسبوك. حتى بالنسبة للغة الأمهرية التي تُعد “حيوية” رقميًّا على فيسبوك، وهي منصة تدعم اللغة رسميًّا باستخدام الحروف الإثيوبية، فإن أكثر من 50% من التعليقات المكتوبة بالأمهرية تُستخدَم فيها الحروف اللاتينية. مما يُبْرِز الحاجة إلى تحسين لوحات المفاتيح، سواء كانت لوحات مفاتيح محمولة أو مادية قابلة للتوصيل، بالإضافة إلى توفير دعم متقدّم مثل التدقيق الإملائي المدمج والترجمة التلقائية وغيرها من الميزات.
8- الاستنتاج: توصيات
تشير الأدلة إلى وجود أسباب قوية تدعو للقلق بشأن الحيوية الرقمية للغات الإثيوبية والإريترية؛ مما يُؤثّر على المستخدمين الرقميين الناطقين بها. وتمتدّ هذه المخاوف لتشمل 95% من اللغات العالمية التي يعتقد كورناي أنها لن تحقق الحيوية الرقمية. في دول مثل إثيوبيا، حيث انتشار الإنترنت منخفض، نُواجه نقطة تحول حاسمة. إذا تم تطوير الدعم الرقمي للغات الإثيوبية بشكل سريع، فسيكون ذلك في الوقت المناسب مع انتقال المجتمعات اللغوية إلى مرحلة الوصول الرقمي. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن نقص الدعم قد يؤدي إلى زيادة اعتماد اللغة الإنجليزية والكتابة بالحروف اللاتينية. بالنسبة لأولئك الذين يقللون من تأثير هذه التحولات على أهداف التنمية والهوية والثروة المعرفية، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن اللغة الإنجليزية والحروف اللاتينية لا يمكن أن تعكس المعاني العميقة التي تتجسَّد في الكتابة الإثيوبية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتذكر أن الأفارقة المحظوظين هم فقط من يمتلكون القدرة على إتقان “لغات القوة languages of power”، مما يُتيح لهم الاستفادة من الأدوات الرقمية المتاحة.
من المثير للاهتمام أن التأخير في معالجة الفجوة الرقمية من المستوى الأول قد يعود بالفائدة على الإثيوبيين والإريتريين من حيث تحقيق المساواة الرقمية وتعزيز لغاتهم، ولكن ذلك يتطلب بناء الدعم في هذه اللحظة الحاسمة قبل أن يتوسع الوصول إلى لغاتهم. كما يشير وينر، فإن الاحتمالات التصميمية المدمجة في الأدوات، بالإضافة إلى احتمالات اللغة والنصوص التي تحددها، تميل إلى أن تصبح ثابتة مع مرور الوقت. لذا، يجب أن يكون العمل سريعًا. على الرغم من أن معدل انتشار الإنترنت في القارة الإفريقية بوجه عامّ أعلى من ذلك في إثيوبيا، إلا أن هذا المبدأ ينطبق أيضًا على مستوى القارة؛ فمع توسُّع الوصول إلى الإنترنت ليشمل المناطق خارج المدن الإفريقية الكبرى، سيزداد التنوع اللغوي بين السكان الذين يتصلون بالإنترنت للمرة الأولى، مما يُعزّز الحاجة إلى أدوات وواجهات لغوية محلية.
ما هي السياسات وأفضل الممارسات التي يمكن أن تُعزّز المساواة الرقمية في دول الجنوب؟ وهل تُعدّ السياسة هي النهج الأمثل؟ أدعو إلى ضرورة تغيير المعايير؛ خاصةً في سياقات القوة التكنولوجية مثل وادي السيليكون، من خلال تعزيز قيمة التنوع اللغوي وتقديم الدعم الرقمي للمستخدمين الذين يتحدثون لغات متنوعة، مما يجب أن يُعَدّ أساسًا للمسؤولية الاجتماعية للشركات. ويمكن للمجتمعات اللغوية أن تدعم هذا المعيار من خلال الدفاع عن احتياجاتها؛ حيث يبرز عملي الميداني في وادي السيليكون على أن “العجلة التي تُصدر صريرًا هي التي تستحوذ على الشحوم” the squeaky wheel gets the grease. ويمكن صياغة الاحتياجات على أنها “إمكانية الوصول”؛ فكما يستحق الأفراد ذوو الإعاقة خدمات متساوية، فإن الناطقين بلغات متعددة يستحقون ذلك أيضًا. كما يتطلب الأمر تحمل المسؤولية لتصحيح الأضرار الجانبية التي تسببت بها التكنولوجيا في التنوع اللغوي، مثل تحميل الشركات مسؤولية معالجة الآثار البيئية.
ونظرًا لأن عددًا كبيرًا من دول الجنوب العالمي، مثل إثيوبيا، تشهد زيادة في عدد السكان ونموًّا في الناتج المحلي الإجمالي وتوسعًا في الوصول إلى الإنترنت، فإن الحاجة إلى أدوات تلبّي الاحتياجات اللغوية المتنوعة تزداد. ومع أن “الأسواق المستهدفة” تشمل حوالي 60,000,000,000 من الناطقين باللغة الأمهرية وغيرهم، إلا أن هناك مجتمعات لغوية صغيرة أو فقيرة للغاية لا تستطيع قيادة هذه الأسواق. لذا، ينبغي للحكومات تنظيم الدعم الرقمي للتنوع اللغوي، سواء في المنتجات المستوردة أو المصنعة محليًّا، بالإضافة إلى تعزيز الأوساط الأكاديمية لتطوير أدوات تتجاوز نطاق السوق. كما يمكن للمتطوعين المساهمة في سد هذه الفجوة، بينما يمكن لشركات التكنولوجيا الكبرى أن تؤدي دورًا داعمًا من خلال تقديم حوافز مثل الألقاب الفخرية أو الجوائز لأفضل المساهمين في مشروعات المشاركة الجماعية مثل ترجمة جوجل.
كما تتطلب سياقات الجنوب العالمي إنشاء مؤسسات تربط بين مختلف أصحاب المصلحة، مثل المجتمعات اللغوية، والأوساط الأكاديمية، والحكومات، وشركات التكنولوجيا الكبرى، ورواد الأعمال المحليين، ومؤسسات حوكمة الإنترنت؛ بهدف تعزيز المساواة الرقمية. وهناك نماذج قائمة، مثل META-NET، التي تدعم الحيوية الرقمية للغات الأوروبية. من هنا فإني أستكشف الفرص المتاحة في إثيوبيا، بينما أبحث على مستوى عالمي في سبل تعزيز الحيوية الرقمية والمساواة بين جميع لغات المجتمعات في الفضاء الرقمي.
ويُعدّ الدعم الرقمي للتنوع اللغوي أمرًا حيويًّا لسد الفجوة الرقمية من المستوى الثاني، من حيث مهارات المستخدمين وتصوراتهم الذاتية، مما يضمن أن المستخدمين المتنوعين لغويًّا يمكنهم تجاوز الفجوة من المستوى الثالث والاستفادة الكاملة من الأدوات الرقمية المتاحة.
……………………………..
[1] -Isabelle A. Zaugg. “Digital Inequality and Language Diversity: An Ethiopic Case Study”. In: Ragnedda, M., Gladkova, A. (eds) Digital Inequalities in the Global South. Global Transformations in Media and Communication Research – A Palgrave and IAMCR Series. Palgrave Macmillan, Cham, 2020, PP.247–267. https://doi.org/10.1007/978-3-030-32706-4_12
[2]– الجدول يوضح: الدعم الرقمي Digital support، والاستخدام الرقمي digital use، والحيوية الرقمية digital vitality للغات الإثيوبية، وخاصة اللغة الإريترية الإثيوبية. رابط الجدول: https://link.springer.com/chapter/10.1007/978-3-030-32706-4_12/tables/1