أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حالة طوارئ صحية عالمية؛ بسبب خطورة وسرعة انتشار فيروس كورونا الجديد، وذلك في أعقاب تأكُّد تفشّيه في 7 يناير 2020 بمدينة “ووهان” الصينية؛ مما أجبر الحكومة الصينية على إغلاق حوالي 20 مدينة، وأدَّى إلى وضع ما يُقدّر بنحو 60 مليون شخص تحت المراقبة الصحية.
ووفقًا للحكومة الصينية؛ فقد ارتفع عدد الوفيات بفيروس كورونا إلى ما لا يقلّ عن 361 شخصًا، وتأكُّد -حتى مساء الاثنين 3-2-2020- أكثر من 20 ألف حالة في أكثر من عشرين دولة حول العالم، ومعظم هذه الحالات في الصين، بينما العشرات الباقية منها في مختلف الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية والشرق الأوسط.
وعلى ما يبدو، لم تتأكد حتى الآن داخل قارة إفريقيا حالة من الإصابة بفيروس كورونا، رغم ما أثاره البعض من التخوُّفات بسبب ما أسموه “ضعف أنظمة الرعاية الصحية داخل إفريقيا”، وكثرة الرحلات اليومية بين الصين والدول الإفريقية، ونظرًا للعديد من الروابط بين الدول الإفريقية والصين، وسهولة اختراق حدود بعض دول القارة.
حالات مشتبهة داخل إفريقيا
بعد أسبوعين من إعلان تفشِّي فيروس كورونا؛ سجّلت كل من ساحل العاج وإثيوبيا وكينيا أولى حالات مشتبَه فيها؛ لكنَّ كل هذه الحالات أتَتْ بنتائج سلبيَّة بعد اختبارات وفحوصات مخبرية لعيّنات من دمهم.
وحتى 3 فبراير 2020؛ أفادت كينيا وإثيوبيا وبوتسوانا بأنها تَفْحَص حالات جديدة يشتبه في إصابتها بفيروس كورونا. بينما سجّلت بوتسوانا أولى حالات مشتبه فيها ولم يتمَّ تأكيدها بعدُ.
على أن تقريرًا جديدًا يفيد بأنَّ طالبًا كاميرونيًّا أُصيب بفيروس كورونا في الصين؛ حيث أكدت إصابته بالفيروس. ووفقًا لبيان جامعة يانغتسى التي يدرس فيها، فإن الطالب البالغ من العمر 21 عامًا يُعالَج في مستشفى بمدينة جينغتشو الجنوبية. وقد أُصيب بالفيروس أثناء زيارته لمدينة ووهان، وعاد من ووهان إلى مكان إقامته في جينغتشو في 19 يناير، أي قبل فرض إغلاق كامل للمدينة لمنع انتشار الطاعون.
دروس من الإيبولا: التأهُّب ورَدّ فِعْل إفريقيّ
لقد اتخذت جلّ الدول الإفريقية عدة خطوات وكثَّفت التدابير لمنع تفشّي الفيروس داخل بلدانهم، وعلى رأس هذه التدابير: نشر وحدات صحيَّة لإجراء فحوصات صارمة في نقاط الدخول وخاصة المطارات.
ومن الواضع أن بعض هذه البلدان قد تعلّمت دروسًا من تفشّي فيروس إيبولا الذي اجتاح ليبيريا وسيراليون وغينيا في الفترة من 2014م إلى 2016م، مما أسفَر عن مقتل حوالي 11،300 شخص في غرب إفريقيا.
يُضَاف إلى ذلك أن هناك تعاونًا بين هذه البلدان مع منظمة الصحة العالمية على زيادة جهود التأهب للفيروس، ودعمهم لتنفيذ التوصيات التي حددتها لجنة الطوارئ في اللوائح الصحية الدولية في اجتماعها في جنيف سويسرا في 30 يناير.
وكانت نيجيريا ضمن الدول التي أصدرت نصائح سفر تطلب من مواطنيها تأخير سفرهم إلى الصين ما لم يكن “ضروريًّا للغاية”. وأوضح وزير الصحة النيجيري “أوساغي إهانير”، في اجتماع بأبوجا حول فيروس كورونا؛ أن نيجيريا تمتلك القدرة على الاكتشاف والتقييم والتجاوب في حال وجود فيروس كورونا في البلاد.
“بينما يوجد خطر استيراد (الفيروس إلى البلاد)، يمكننا أن نؤكد للنيجيريين قدرة الأمة على الاكتشاف والتقييم والتعامل مع هذا الخطر وأيّ تهديدات أخرى للصحة العامة عند نقطة الدخول”.
وأشار الوزير النيجيري إلى أن الحكومة قد خصَّصت مَبالِغ لرفع خدمات وحدة صحة الموانئ وزيادة إمكاناتها، مؤكدًا أن الحكومة كانت على اتصال بـ 16 مواطنًا نيجيريًّا في مدينة ووهان؛ مركز الفيروس في الصين.
إفريقيا وإلغاء الرحلات الجوية من/إلى الصين
لم يمنع تسابق العلماء فيما بينهم لإيجاد لقاح لفيروس كورونا، دولًا مثل أستراليا واليابان والولايات المتحدة من فرض قيودٍ على أولئك الذين سافروا مؤخرًا إلى الصين. كما علَّقت ستٌّ من بين ثماني شركات طيران إفريقية رحلاتها المجدولة من/إلى الصين.
وقد لقيت قرارات شركات الطيران الإفريقية بتعليق رحلاتها الصينية تأييدات بعض مسؤولي الصحة والعديد من المواطنين الأفارقة.
وقال مسؤول في وزارة الصحة بالكونغو الديمقراطية: “في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أودى فيروس إيبولا والحصبة بحياة الآلاف؛ ففيروس كورونا لا نحتاج إليه، وبالتالي فإن إلغاء الرحلات الجوية أمر معقول”.
وأضاف المسؤول: “تختلف أنظمة الفحص والرعاية الصحية من بلد إلى آخر، وبالتالي إذا وصل الفيروس إلى بلد إفريقي واحد من الصين؛ فقد يكون من الصعب إيقاف انتشاره إلى البلدان الأخرى”.
ومن بين الخطوط الجوية الإفريقية التي علَّقت رحلاتها الصينية؛ الخطوط الجوية الملكية المغربية، الخطوط الجوية الرواندية، الكينية، اير موريشيوس، اير مدغشقر ومصر للطيران. بينما اختارت الخطوط الجوية الإثيوبية والخطوط الجوية الجزائرية مواصلة رحلاتهما الجوية من وإلى الصين.
غير أن قرار الخطوط الجوية الإثيوبية بمواصلة تشغيل رحلاتها الصينية يثير منذ أيام انتقادات الإثيوبيين الذين وصفوا تأكيد حكومتهم استعدادها للتصدّي لفيروس كورونا بأنه أمرٌ محفوفٌ بالمخاطر؛ نظرًا لاستقبال البلاد في مطارها حوالي 1500 مسافر يوميًّا من وإلى الصين، ولأن الدول الأخرى داخل إفريقيا وخارجها التي تملك إمكانات أقوى من إثيوبيا من حيث البنية التحتية للرعاية الصحية قد أصدرت قيودًا على السفر إلى الصين كخطوة احترازية.
جدير بالذكر أن الحركة الجوية بين الصين وإفريقيا ارتفعت بنسبة 630٪ في العقد الماضي، وتشغل الخطوط الجوية الإثيوبية الآن نصف رحلات الطيران السنوية البالغ عددها 2،616 رحلة بين القارّة والصين. كما يُشكل العملاء الصينيون أكبر مجموعة من رُكاب خطوط الطيران الإثيوبية.
وباعتبار إثيوبيا البوابة الجديدة المؤدية إلى إفريقيا –بعد تفوقها على دُبَي العام الماضي كمركز عبور رئيسي للسفر لمسافات طويلة إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى-؛ تضاعف حجم مطار بولي الدولي في أديس أبابا ثلاث مرات، ويستوعب الآن ما يصل إلى 22 مليون مسافر سنويًّا. ويأتي تمويل وتنفيذ توسعة المطار مِن قِبَل الصين مقابل 363 مليون دولار؛ الأمر الذي يُرجِّح وجهة نظر الذين قالوا: إن قرار إثيوبيا بمواصلة تشغيل الرحلات الصينية قد يكون تعاطفًا مع الصين أو تحايلاً دبلوماسيًّا عليها.
إجلاء الأفارقة عن مدينة ووهان
منذ نهاية يناير 2020 بدأت 18 دولة في جميع أنحاء العام إجلاء مواطنيها من مدينة ووهان الصينية. وتوجد من بين هذه الدول دولتان إفريقيتان: الجزائر (36 مواطنًا وفق تقرير، معظمهم من الطلاب) والمغرب (حوالي 100 طالب وفق تقرير).
وإذ لم تُصدر باقي الحكومات الإفريقية بيانات رسميَّة بشأن إجلاء مواطنيها من “ووهان”؛ فقد قالت نيجيريا: إنها تتابع أحوال مواطنيها في المدينة، ما يعني أن على النيجيريين انتظار قرار حكومتهم. أما الجنوب إفريقيون في “ووهان”؛ فقد عبروا عن شعورهم بالإحباط إزاء افتقار حكومتهم لخطط الإجلاء من المدينة.
بل وأكّد بيتر فيلغوين، الذي سافر من جنوب إفريقيا إلى “ووهان” لحضور مؤتمر أعمال قبل بدء إغلاق المدينة، أن السلطات في جنوب إفريقيا وسفارتها في بكين لم تقدّم أيّ دعم أو معلومات حول خُطَط إعادتهم إلى وطنهم.
وفي توضيح لموقف الحكومة بجنوب إفريقيا؛ أشار وزير الصحة الجنوب إفريقي، زويلي مخيز إلى أن “الحكومة لم تقرّر بعدُ إجلاء مواطنيها”؛ لأن “الحكومة الصينية قد أكّدت لنا أنه لا يوجد دليل يستلزم إجلاء الرعايا الأجانب المقيمين في مدينة “ووهان”، وطلبت منا الهدوء حيال ذلك”.