بعد هزيمة الحاج يحيى جامع, الرئيس الغامبي المنتهية ولايته, أمام مرشح تحالف الأحزاب المعارضة, فإنه يجب علينا تعديل قوائمنا حول الرؤساء الأفارقة الذين مكثوا 15 سنة أو أكثر في رئاسة بلدانهم. ليعود الرئيس “جامع” بعد يناير المقبل وبعد تقاعده إلى حياته العادية إذ هو ابن مزارع بعد كل شيء, حيث أشار هو في خطابه يوم الجمعة, إلى أنه سينتقل إلى مزرعته في موطن ولادته.
خسر السباق, الزعيم الغامبي, بعد أكثر من عقدين من الزمن في الحكم الرئاسي – قال في إحدى تصريحاته أنه سيستمر فيه إلى بليون سنة لحكم البلاد. ولعلّ ما صدم الجميع أنه اعترف بهزيمته أمام منافسه أداما بارو، في بثّ تلفزيوني مباشر، قائلا لـ”بارو”: “لقد اختارك الشعب الغامبي وبعد 22 عاما أنا شاكر لله عزّ وجلّ على ذلك.”
وكغيرهم, تفاجأ مسؤولو اللجنة الانتخابية بإعلانهم أن الرئيس “جامع” قبل النتائج. “إنها حالة نادرة جدا أن مثل هذا يحدث”، وفق قول “أليو مومار نجي”, رئيس لجنة الانتخابات الذي يبدو عليه أثر التوتر. وذلك لأن “جامع” أصدر تهديدات ضد المعارضة ولم يعط أي مؤشرات على أنه سيحترم نتائج الانتخابات وهو يؤكد أنه “فخور” بنفسه كـ”دكتاتور”.
وكل ذلك جعل خطابه المتلفز لإعلان اعترافه بالنتائج غير عادي بالنسبة للمراقبين. “لقد تحدثتم بعبارات لا لبس فيها” يقول “جامع” للغامبيين وعلى وجهه ابتسامة عريضة غير عادية… “أريد أن أكون واضحا جدا بأنني لن أحكم أبدا هذا البلد من دون تفويض ولن أغش أبدا.”
احتلّ يحيى جامع المرتبة الثانية بحصوله على 212,099 صوتا, وحاز الرئيس المنتخب وزعيم ائتلاف المعارضة, آدما بارو, على 263,515 صوتا, وفق النتائج المعلنة بعد فرز الأصوات من قبل لجنة تنظيم الانتخابات المستقلة يوم الجمعة. ولكن.. لماذا انقلب الغامبيون على “جامع” بعد 22 سنة من حكمه؟
أسباب خسارة يحيى جامع:
يعاني الاقتصاد الغامبي في السنوات الثلاث الماضية من عدة مشاكل، مما يصعب الحياة على الكثيرين من الغامبيين، وتسبب بمغادرة الآلاف عبر ركوب البحر الأبيض المتوسط للبحث عن حياة أفضل في أوروبا. وساهمت أزمة إيبولا في 2013، رغم خلوّ البلاد منها, في تراجع عدد السياح الذين يشكلون 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وفي عام 2016, فرضت السلطات الغامبية زيادة كبيرة في الرسوم الجمركية للشاحنات التي تدخل أراضيها من السنغال، ونتج عنها حصار وتوقف الإمدادات الحيوية لعدة أشهر.
يرى عدد كبير من الغامبيين أن سياسات رئيسهم “جامع” تقودهم إلى المجهول والانعزال, ويذهب آخرون منهم إلى أن إعلانه دولة غامبيا جمهوريةً إسلامية, خطوةٌ ليست في صالح البلاد وشعبها وأنها فقط لمكاسبه الشخصية.
إضافة إلى أن انسحابه من الكومنولث والمحكمة الجنائية الدولية سيعرض البلاد للخطر, ولذلك كان من وعود الرئيس المنتخب آدما بارو أثناء حملاته الانتخابية مراجعة تلك السياسات والانسحابات.
وغذّى الاستياء العام، ما شهدته البلاد من مضايقات الشرطة وإفلات الفسدة والمسؤولين في الأجهزة الأمنية من المساءلة القانونية والعقاب، وخاصة وكالة المخابرات الوطنية التي تقدم تقاريرها مباشرة ليحيى جامع.
ينتمي الرئيس “جامع” إلى عرقية جولا في غامبيا, وهي تعتبر من العرقية “الأقلية” في البلاد. غير أنه ارتكب خطأ فادحا في يونيو من هذا العام، عندما أعطى تصريحا بأنه “سيمحو” شعب الماندينكا المحتجين ضدّه – والماندينكا من أكبر جماعة عرقية في غامبيا. مما دفع مستشار الأمم المتحدة الخاص المعني بالإبادة الجماعية، أداما ديانغ, إلى إدانة ذلك التعليق ووصفه بـ”وصمة عار عام ولاإنساني”، مشيرا إلى أنه كان تحريضا على العنف.
ولائتلاف الأحزاب المعارضة دورها في إنهاء فترات حكم “جامع” الطويلة, رغم ضعف هذه الأحزاب وانقسامها في البداية, فرأت القوة في تحالفها بعد قيام الحكومة بسجن العديد من الشخصيات المهمة في الحزب الديمقراطي الموحد (UDP) في يوليو.
فقد علقت” إيساتو توراي”، وهي واحدة من قادة حزب التحالف الثمانية, حملتَها الخاصة لرئاسة الجمهورية, لصالح من يرشحه التحالف, اعتقادا منها أن تشكيل جبهة موحدة هو السبيل الوحيد لتحقيق الفوز.
وأفاد بعض الغامبيين أجرت معهم وكالة فرانس برس مقابلة, أنهم في الحقيقة لا يؤيدون آداما بارو، ولكنهم صوتوا لصالحه لمجرد أنهم يريدون تنحّي الرئيس “جامع”، وليس هناك أي طريقة سوى تحالف المعارضة باعتباره أفضل وسيلة لتحقيق ذلك.
هذا, ويثير انتصار آداما بارو انتباه المتابعين لشؤون غامبيا. فهو شخصية خجولة وهادئة، وبعكس سلفه في الحزب – لا يحب الظهور الدائم في المجتمعات واللقاءات، ولما كان مرشحا للرئاسة على الإطلاق لولا أن الرئيس “يحيى جامع” سجّن حسين داربوي, مرشح حزبه حزب الاتحاد الديمقراطي.
ظنّ “جامع” أن اعتقال حسين ضربة قوية ضد المعارضة, لكن هذه الخطوة أتت بنتائج عكسية بشكل مذهل. فبينما كان “داربوي” في أواخر الستينات من عمره، كان خليفته بارو، في 51 من عمره ويعتبر مرشحا اتفق جميع أطراف التحالف عليه. وكان يتحدث معظم اللغات العرقية في غامبيا، والتي قد تساعده على رأب التوترات التي تجيش بين الأقلية الجولا – قبيلة الرئيس جامع- والشعب الماندينكا أكبر القبائل الغامبية.
هذا, وقد تكون غامبيا من أصغر الدول الأفريقية من حيث الحجم, وأقل أهمية من حيث الأدوار القارية، مما يساهم في قلة التأثير الذي قد تحدثه غامبيا تجاه دول مجاورة سياسيا واقتصاديا.
لكن الحقيقة أن ما حدث في غامبيا قد يكون مصدر إلهام للناخبين في جميع أنحاء القارة، وأملا لمنافسي الحكام الذين لا يقدّمون لشعوبهم أي شيء ولا يحترمون دساتير البلاد, ومن ثم يحاولون إخراجهم من سدّة الحكم.
“اعترف يحيى جامع بهزيمته! من كان بوسعه الاعتقاد بأنه سيفعل ذلك؟ هناك أمل!” يقول فريد زورونا، ناشط ديمقراطي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي تم سجنه وتهديده بعقوبة الإعدام لعمله. ومن المفترض أن تنتهي ولاية رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية, جوزيف كابيلا، في غضون أسبوعين، ولكنه بدلا من تنظيم الانتخابات، تفاوض على صفقة مع شريحة صغيرة من المعارضة للبقاء في السلطة. وحثّ “زورونا”, رئيس بلاده “كابيلا” أن يظهر نفس الاحترام لدستور الكونغو الديمقراطية, كالذي فعله الرئيس “يحيى جامع” لغامبيا.
وبالرغم من ذلك, فإن القادة الأفارقة الذين يتم وصفهم بـ”المستبدين” من قبل عدد من المنظمات, قد رد فعلهم على نهاية حكم الرئيس “جامع” بطريقتين، حسب رأي “ستيف كوكبيرن” من منظمة العفو الدولية: “يمكن أن تشجع (حالة غامبيا) الناس على الانفتاح قليلا لتجنب نفس الوضع ويمكن أيضا أن تشجع الآخرين على مضاعفة الخناق على القمع”.