بقلم: كوامي موديست
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
شهدت الآونة الأخيرة انضمام العديد من البلدان الإفريقية بشكل متزايد إلى مبادرة مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل. وتمثل الفعالية التي تم تنظيمها في مراكش في الفترة من 31 يناير إلى 2 فبراير 2024م، وانضمام المزيد من الدول الإفريقية خطوةً مهمةً في ترسيخ المبادرة الإفريقية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ولكن: هل كانت المشاركة المتنامية للقارة نتيجة للوعي بالتهديدات؟ أم بسبب الإرادة السياسية المؤكدة لمواجهتها بطريقة منسقة على المستوى الإقليمي؟ أم أنها ديناميكية مختلفة تمامًا؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال:
يتزايد عدد الدول الإفريقية المنضمّة إلى المبادرة الأمنية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، سواء الصواريخ والقنابل النيوترونية وغاز السارين… وقد أعلنت غامبيا، مؤخرًا، التزامها بهذه المبادرة التي تهدف إلى تعزيز التعاون العملي بين الدول المشاركة لوقف تدفق هذه الأسلحة. ويأتي هذا الانضمام بعد أشهر قليلة من انضمام مدغشقر، وبذلك تصبح الدولتان 112 و113 اللتان تنضمان إلى الدول الراغبة في التعاون لوضع حدّ لنقل المكونات التي يمكن استخدامها في تصنيع مثل هذه الأسلحة.
وهذا الانضمام جاء تزامنًا مع مشاركتهما في اجتماع مراكش، الذي نظَّمه المغرب والولايات المتحدة في الفترة من 31 يناير إلى 2 فبراير 2024م، مما يدلّ على التأثير الإيجابي لهذا الاجتماع على المشاركة الإقليمية. ويكفي أن نقول: إن القارة الإفريقية، التي ظلت لفترة طويلة على هامش هذه الديناميكية، تشهد الآن اهتمامًا متجددًا بهذا الشأن.
إن القارة الإفريقية(*) التي اعتُبرت لفترة طويلة نقطة عمياء في مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل، بدأت تستيقظ من سباتها، وتأخذ زمام المبادرة في مواجهة هذا التهديد الوجودي المتزايد.
ومع استمرار خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتوسّع أنظمة إيصالها؛ فإن المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار تضع نفسها كأداة حاسمة متعددة الأطراف لمواجهة هذه المشكلة الخطيرة. وهذه المبادرة، التي تم إطلاقها في عام 2003م، تجمع اليوم 113 دولة التزمت بحظر النقل غير المشروع لأسلحة الدمار الشامل وأنظمة إطلاقها والمواد ذات الصلة بتصنيعها.
لقد كان اجتماع PSI الأخير، وحدث التوعية في مراكش، بمثابة لحظة فاصلة للمشاركة الإفريقية في PSI. وجمع مؤتمر مراكش ممثلين كبار من 35 دولة من المجتمع الدولي، بما في ذلك 25 دولة إفريقية و10 دول من مجموعة الخبراء العملياتيين التابعة لـPSI. وبحثت المناقشات الأُطُر القانونية وأفضل الممارسات وقدرات الحظر اللازمة لمكافحة تهديدات انتشار أسلحة الدمار الشامل.
وفي أعقاب الاجتماع، أعلنت خمسة بلدان إفريقية إضافية (بنين، وتوغو، وزامبيا، وغينيا الاستوائية، وغانا) عن انضمامها إلى عضوية المبادرة، وبذلك يصل العدد الإجمالي للدول الإفريقية المنضمة إلى المبادرة إلى 13 بلدًا من أصل 113 بلدًا في جميع أنحاء العالم. وأعربت العديد من الدول الأخرى عن عزمها الانضمام إلى المبادرة قريبًا.
ورغم أن هذه المبادرة كانت غربية في بداياتها، إلا أنها شهدت تطورًا حقيقيًّا في إفريقيا في السنوات الأخيرة. وتدل هذه العضوية المتزايدة من البلدان الإفريقية على وعيها بالمخاطر المرتبطة بانتشار أسلحة الدمار الشامل ورغبتها في المشاركة في المعركة الإقليمية ضد هذه الآفة. كما يعكس الجهود الدبلوماسية التي يبذلها المغرب والولايات المتحدة من أجل الترويج للمبادرة في القارة.
ويعكس هذا الحماس المتزايد الوعي بالقضايا الأمنية المرتبطة بانتشار أسلحة الدمار الشامل في إفريقيا؛ حيث إن القارة، التي تُواجه تحديات متعددة مثل الإرهاب والاتجار غير المشروع والجريمة المنظمة، وعدم الاستقرار السياسي، في مناطق معينة، تمثل الآن نقطة عبور إستراتيجية لشبكات انتشار تلك الأسلحة.
وتدرك البلدان الجديدة المنضمة إلى المبادرة الأمنية لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل أهمية تعزيز إطارها القانوني والتشغيلي لمواجهة هذه التهديدات. وهم سوف يستفيدون من تعزيز تبادل المعلومات والمساعدة التقنية والدعم في تعزيز قدراتهم على الحظر.
الغائبون الكبار:
وعلى الرغم من هذا التقدم الملحوظ، فإن العديد من البلدان الإفريقية لا تزال متخلفة عن الركب. ومع وجود 13 دولة فقط من أصل 54 دولة، فإن 24% فقط من دول القارة تشارك في هذا المشروع، وهو منخفض نسبيًّا. أما الغائبون الرئيسيون، مثل جنوب إفريقيا والجزائر ونيجيريا وإثيوبيا وكينيا، فلهم ثِقَل كبير في معادلة الأمن الإقليمي. ومن شأن عضويتهم في المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار أن تساعد في سدّ فجوات مهمة وتعزيز التعاون عبر الحدود، وهو أمر ضروري لمواجهة شبكات الانتشار التي تزدهر بسبب الثغرات القانونية والعملياتية.
وبعيدًا عن العضويات الرسمية؛ يظل التحدي الرئيسي هو التنفيذ الفعَّال لمبادئ الحظر. ولا تزال العديد من البلدان الإفريقية تفتقر إلى الموارد التقنية والبشرية والمالية اللازمة لضمان السيطرة الفعَّالة على حدودها البحرية والجوية والبرية. ويُشكّل تعزيز القدرات الوطنية والإقليمية لكشف وتفتيش واعتراض الشحنات المشبوهة أولوية قصوى.
ومن شأن تمارين الحظر المشتركة والتدريب المتخصص وتبادل أفضل الممارسات أن تُمكِّن البلدان الإفريقية من مواجهة هذا التحدي الكبير، بدعم من شركائها الدوليين. إن مستقبل الأمن الجماعي في إفريقيا يَعتمد على ذلك.
التزام إفريقي متزايد:
وإلى جانب الأعضاء الجدد، سلَّط اجتماع مراكش الضوء أيضًا على أهمية التعاون فيما بين بلدان الجنوب في مكافحة انتشار الأسلحة النووية. وتتمتع البلدان الإفريقية بقدرات وموارد فريدة يمكن تكريسها لمواجهة هذه التحديات الأمنية المشتركة.
وقد تميَّزت بعض البلدان الإفريقية بالفعل في التزامها بالمبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار. وهذا هو حال المغرب، الذي شارك في رئاسة اجتماع مراكش، وتعهد بمواصلة جهوده لتشجيع البلدان الإفريقية الأخرى على الانضمام إلى المبادرة. وشدَّد المغرب أيضًا على الدور المحوري للبُعد الإفريقي في التعاون الدولي لمكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
تعزيز القدرات الوطنية والإقليمية:
وبعيدًا عن العضويات الرمزية؛ فإن التحدي الأساسي الذي يُواجه البلدان الإفريقية يظل يتمثل في تعزيز قدراتها الوطنية والإقليمية في مكافحة انتشار تلك النوعية من الأسلحة. ويسلط اجتماع مراكش الضوء على الأهمية الحاسمة لتنمية المهارات والتنسيق بين الوزارات وتبادل المعلومات للكشف عن المواد المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل واعتراضها بشكل فعَّال.
وتلتزم الدول الأعضاء في PSI بمساعدة الأعضاء الجدد، وخاصةً من إفريقيا، من خلال تبادل أفضل الممارسات وتقديم التدريب وتعزيز التعاون العملي. ومن المقرَّر عقد حلقات عمل وتدريبات إقليمية لتمكين البلدان الإفريقية من تعزيز قدراتها في مجال الحظر.
وتقديم المساعدة الأساسية أمر محوريّ؛ حتى يتم ترجمة الالتزامات التي تم التعهد بها في إطار ISP إلى ممارسات حقيقية على أرض الواقع، على مستوى قوات الأمن والجمارك وخفر السواحل، وغيرها من الجهات الفاعلة المشاركة في مكافحة انتشار تلك الأسلحة.
التحديات ووجهات النظر:
وعلى الرغم من هذا التقدم المشجّع، إلا أنه لا تزال هناك تحديات أمام ضمان المشاركة الإفريقية الكاملة في المبادرة. ويظل تعزيز الأُطُر القانونية الوطنية، ورفع مستوى الوعي بين صانعي السياسات، وتخصيص الموارد الكافية، من الأولويات بالنسبة للعديد من البلدان في القارة.
ورغم ذلك، فإن الديناميكية الحالية تشير إلى التزام إفريقي متزايد في السنوات المقبلة، إلى حد أن قضية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل أصبحت الآن معترفًا بها بالكامل كأولوية أمنية إقليمية، الأمر الذي يتطلب تعزيز التعبئة الجماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
(*) الدول الإفريقية الـ13 التي انضمت للمبادرة اعتبارًا من 3 يونيو 2024م، هي: أنجولا، بنين، جيبوتي، غامبيا، غانا، غينيا الاستوائية، ليبيريا، ليبيا، مدغشقر، المغرب، توغو، تونس، زامبيا. (المصدر: وزارة الخارجية الأمريكية).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: