اختتمت مفوضية الحوار الوطني التي شكلتها الحكومة في إثيوبيا عملها، بهدف إيجاد مواقف مشتركة حول مختلف التباينات والقضايا الوطنية، وسط تحديات سياسية وتهديدات أمنية لجماعات مسلحة في بعض مناطق البلاد.
وانطلقت أعمال المفوضية رسميا في العاصمة أديس أبابا، والتي استمرت على مدى أيام، بحضور رئيس الوزراء آبي أحمد، ومشاركة ممثلي قادة المجتمع والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والسلطات الحكومية (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، باعتبار أن أديس أبابا أهم المناطق التي تتم فيها عملية الحوار بجانب 10 أقاليم ومدينة دري داو.
وقال رئيس مفوضية الحوار الوطني، مسفن أريا، إن الحوار يهدف لتحقيق الوحدة والإجماع الوطني حول القضايا التاريخية على الرغم من التحديات، وأوضح في كلمته بالجلسة الافتتاحية، أنه تم انتخاب الممثلين للمشاركة في جلسات جمع مقترحات جدول أعمال الحوار من أكثر من ألف منطقة في 10 أقاليم ومدن، مؤكدا أن جلسات جمع المقترحات في الأقاليم ستبدأ قريبا، كما سيتم انتخاب المشاركين في إقليمي أمهرة وتيغراي.
وأرجع عضو المفوضية السفير محمود درير إطلاق الحوار من أديس أبابا؛ إلى اعتبارها عاصمة تحتضن جميع الفئات المجتمعية والمؤسسات السياسية، ومقر الاتحاد الإفريقي وأهم مراكز الدبلوماسية في العالم، وقال: هذا يعكس للعالم أن الشعب الإثيوبي قرر حل كل قضاياه عبر الحوار بدون تدخل خارجي، وستكون تداعياته إيجابية على الأقاليم التي ستشهد جلسات مماثلة.
ومنذ إنشائها، شرعت مفوضية الحوار في مهمتها وخطتها عبر إجراءات، وسط تحديات أمنية وسياسية معقدة جراء الأوضاع الراهنة في البلاد. وضمن جهود الحكومة لتعزيز دور المفوضية، التقى آبي أحمد حكام وقادة المجتمع في جميع أقاليم البلاد، وبحث معهم قضايا السلام والأمن وتهيئة الظروف للحوار.
لكن طريق المفوضية التي وصلت مراحل متقدمة في عملية الحوار، لم يكن معبدا وواجهت انتقادات واتهامات وتحديات أمنية أضعفت من دورها، واتهم تجمع يضم 11 حزبا معارضا في إثيوبيا المفوضيةَ بالفشل في تحقيق الهدف المعلن لتسهيل حوار وطني “شامل”، وقال التجمع إن المفوضية تم استخدامها لأغراض سياسية من قبل الحزب الحاكم.
وللتذكير فإن أديس أبابا كانت أعلنت عن تكوين مفوضية لمشروع الحوار الوطني، وشكلت لجنة مستقلة من 11 عضوا، وافق عليها البرلمان، لصياغة أجندة الحوار، واختيار المتحاورين مع ضمان مشاركة ممثلي مختلف شرائح المجتمع والحكومة وفق معايير وإجراءات واضحة، وتنظيم جلسات الحوار على مستوى المركز والأقاليم.
وظلت الحكومة تؤكد أن الحوار المقصود امتداد وتأكيد لالتزامها بالوعود التي قطعتها قبيل الانتخابات العامة التي جرت في يوليو 2021 بإجراء حوار وطني لتعزيز المصالحة والاتفاق حول المسائل الوطنية المهمة. وقال آبي أحمد: “هناك قضايا سياسية لم تجد حلا في إثيوبيا -مثل اللغة ورمزية العلم الوطني وقضايا الأرض ونظام الحكم- يشملها الحوار بين المعنيين”.
ولفت عضو المفوضية، السفير درير -في حديث للجزيرة نت- إلى فرص كثيرة لم يستفد منها الإثيوبيون على الرغم من الدعوات المتكررة لأحزاب سياسية وشخصيات مرموقة لإجراء حوار وطني، وقال إنه كان من المفترض أن يقام حوار وطني في مرحلة سقوط النظام الملكي (استمر بين 1930 و1974)، وأيضا في مرحلة انهيار النظام الشيوعي (1974-1991).
ويعد الحوار الوطني الإثيوبي من أهم المشروعات الوطنية من خلال سعيه لخلق موقف وطني مشترك حول القضايا التي ظلت تعرقل العمل أو التعقيدات المسكوت عنها طوال الفترات الماضية، في حين تظل أبرز القضايا التي ضجت بها الساحة السياسية وأروقة الأكاديميين منذ أن أطلت فكرة الحوار، هي تعديل الدستور، وإنشاء محكمة دستورية، والنظام الفدرالي ما له وما عليه.
ويرى عدد من الباحثين أن المفوضية المناط بها الحوار؛ مطالبة بتحديد المبادئ السياسية وبؤر الخلاف، وتبني خطط وبرامج تجاهها، كقضايا تشكل تقاطعات فكرية لدى مثقفين وأكاديميين وسياسيين وقادة مجتمع، في حين ركز آخرون على أهمية الحوار لإنهاء النزاعات في ظل غياب نظام معمول به لحل هذه القضايا بشكل صحيح.
ويرى الكاتب المختص بشؤون القرن الإفريقي هاشم علي أن أهمية الحوار تأتي من كونه دعوة لكافة الإثيوبيين للتوافق علي الثوابت الوطنية، التي يمكن عبرها تحقيق الإجماع الوطني، ووضع أسس المشاركة السياسية على أرضية راسخة بدون عزل أي جهة، وقال للجزيرة نت: “عانت إثيوبيا طوال تاريخها خلافات سياسية أدت إلى عدم استقرار الأوضاع، وتعطيل التنمية، وتطورت الخلافات إلى درجة الحروب، لذا سيكون الحوار الوطني مهما للخروج من هذه الدائرة”.
وأضاف قائلا أن أبرز القضايا التي تكونت من أجلها المفوضية هي “السلام القومي الشامل”، وكيفية الوصول إليه عبر التوافق السياسي القومي الذي يكفل الحقوق لكافة الجهات والآراء، وحول هذا أكد عضو المفوضية أنه “لا توجد أجندات ممنوعة في هذا الحوار. كل الأجندات مفتوحة لأبناء الشعب ليناقشوها عبر ممثليهم”.