بقلم: كريستوف جيل و بيتر امواي
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
شهدت العقود التي أعقبت الاستقلال في إفريقيا العديد من الانقلابات العسكرية، وثمة مخاوف قائمة من انتعاش تلك الظاهرة مرة أخرى، وبشكل أكثر تكرارًا.
وقد مرَّت السودان بحدثين من هذا القبيل هذا العام: أحدهما الذي حدث في سبتمبر وباء بالفشل، بينما أدى الآخر إلى إقصاء الفرع المدني للحكومة الانتقالية من طرف الجنرال عبد الفتاح البرهان، ثم الاستيلاء على السلطة.
وشأنه في ذلك شأن القوات الخاصة التابعة للجيش الغيني التي أطاحت بالرئيس كوندي في سبتمبر بعد حدثٍ مشابهٍ في مالي المجاورة؛ نتيجة تدخل الجيش مرتين في أقل من عام، كانت الأخيرة في مايو. وفي النيجر، تم إحباط انقلاب في مارس، قبل أيام فقط من تنصيب الرئيس. لكن السؤال المطروح هو: هل التدخلات العسكرية أصبحت أكثر تواترًا في القارة؟
ما هو الانقلاب؟
من التعريفات المستخدَمة في تحديد الانقلاب: “يُعرّف الانقلاب بأنه محاولة غير قانونية وعلنية مِن قِبَل الجيش (أو غيره من المسؤولين المدنيين) للإطاحة بالحكام قَيْد الحكم”.
وقد رصدت دراسة أجراها باحثان أمريكيان، جوناثان باول وكلايتون ثين، أكثر من 200 محاولة انقلابية في إفريقيا منذ أواخر الخمسينيات نجح حوالي نصفها؛ حيث استمرت أكثر من سبعة أيام.
ففي غرب إفريقيا، فشلت محاولة انقلابية واحدة فقط في بوركينا فاسو، مقابل سبع محاولات ناجحة، وتصدرت بذلك قائمة ارتفاع عدد المحاولات الناجحة.
الانقلابات العسكرية في إفريقيا على مدى العقود
الأعمدة السمراء: الانقلابات الناجحة
الأعمدة الزرقاء: الانقلابات الفاشلة
لكن اللافت للنظر في معظم الحالات هو إنكار المشاركين في التدخلات العسكرية من هذا النوع بأنه انقلاب. وفي هذا السياق ظهر أحد زعماء الانقلابيين، وهو اللواء سيبوسيسو مويو، على شاشة التلفزيون في ذلك الوقت؛ لينفي بشكل قاطع أي استيلاء عسكري على خلفية الانقلاب العسكري الذي أنهى -في عام 2017م-، حكم روبرت موغابي لزيمبابوي، وهو الحكم الذي استمر لمدة 37 عامًا.
وفي أبريل من هذا العام، بعد وفاة الزعيم التشادي إدريس ديبي، نصب الجيش ابنه رئيسًا مؤقتًا على رأس المجلس العسكري الانتقالي، وهو الشيء الذي وصفه خصومه بـ”انقلاب الأسرة الحاكمة”، فيما ذهب جوناثان باول إلى القول: إن “النفي شبه الدائم لدى كل الانقلابيين أن يكون عملهم انقلابًا هو محاولة إضفاء صورة شرعية على العملية التي قاموا بها”؛ على حد تعبيره.
هل انخفض معدل الانقلابات في إفريقيا اليوم؟
خلال العقود الأربعة من 1960-2000م ظل العدد الإجمالي لمحاولات الانقلابات في إفريقيا ثابتًا بشكل ملحوظ؛ حيث بلغ المتوسط أربع محاولات كل عام، قبل انخفاض هذا الرقم إلى حوالي محاولتين سنويًّا على مدار العقدين الماضيين. لكنَّ جوناثان باول الذي يرى أن هذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى عدم الاستقرار الذي شهدته البلدان الإفريقية في السنوات التي أعقبت الاستقلال؛ أشار إلى القول: “لقد مرت الدول الإفريقية بالظروف المواتية للانقلابات؛ مثل: الفقر، وضعف الأداء الاقتصادي. وعندما يتعرض بلد معين للانقلاب؛ فإنه غالبًا ما يكون نذيرًا لانقلابات أخرى”؛ على حد قوله.
وعلى الرغم من مرور سنتين فقط على بدء العقد الحالي، تم الإبلاغ عن انقلاب واحد فقط في عام 2020م مما يجعل عدد الانقلابات أعلى بكثير من المتوسط هذا العام؛ حيث تم تسجيل ستة انقلابات أو محاولات الانقلاب حتى الآن. وقبل الانقلاب الحالي في السودان، كانت هناك انقلابات ناجحة في تشاد ومالي وغينيا، وعمليات استيلاء عسكرية فاشلة في النيجر والسودان.
وفي سبتمبر من العام الجاري، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، عن قلقه من “عودة الانقلابات العسكرية”، وشكك في عدم وحدة المجتمع الدولي في مواجهة التدخلات العسكرية، مشيرًا إلى أن “الانقسامات الجيوسياسية تقوض التعاون الدولي […]، وإفساح المجال لإحلال الشعور بالإفلات من العقاب”؛ على حد تعبيره.
ومن جانبه صرح ندوبويزي كريستيان آني، من جامعة كوازولو ناتال، بأن الانتفاضات الشعبية ضد الحكام المستبدين منذ فترة طويلة خلقت فرصة لعودة الانقلابات في إفريقيا، مضيفًا “إذا كانت الانتفاضات الشعبية شرعية، وبقيادة الشعوب، لكن نجاحها غالبًا ما يكون مرهونًا بقرار الجيش”؛ على حد قوله.
ما هي الدول الإفريقية التي شهدت أكبر عدد من الانقلابات؟
وبنجاح خمسة من أصل 17 محاولة انقلاب (دون اعتبار الانقلاب الحالي) تتصدر السودان قائمة الدول الإفريقية في هذا المجال؛ حيث شهدت البلاد أكبر عدد من الانقلابات ومحاولات الاستيلاء؛ فضلاً عن الإطاحة بالزعيم عمر البشير من السلطة بعد شهور من الاحتجاجات الشعبية في عام 2019م بعد استيلاء الأخير على السلطة عقب انقلاب عسكري منذ عام 1989م.
كما اشتهرت نيجيريا هي الأخرى في مضمار الانقلابات العسكرية في السنوات التي أعقبت الاستقلال؛ حيث شهدت البلاد ثمانية انقلابات بين يناير 1966م واستيلاء الجنرال ساني أباتشا على السلطة في عام 1993م. ومع ذلك، فمنذ عام 1999م، تم نقل السلطة في أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان من خلال انتخابات ديمقراطية.
الدول الإفريقية التي شهدت أكبر عدد من الانقلابات منذ 1952م
وقد تميّز تاريخ بوروندي بأحد عشر انقلابًا منفصلاً ومدفوعة بشكل رئيسي بالتوترات بين مجتمعات الهوتو والتوتسي.
وبينما شهدت سيراليون ثلاثة انقلابات بين عامي 1967 و1968م، وآخر في عام 1971م، وبين عامي 1992 و1997م شهدت خمس محاولات انقلاب أخرى. كما حصلت غانا أيضًا على نصيبها من الانقلابات العسكرية؛ حيث بلغت ثمانية في عقدين من الزمن بعد أن حدث الأول في عام 1966م نتيجة إزالة كوامي نكروما من السلطة، وأعقب ذلك، بعد عام، محاولة انقلاب فاشلة من صغار ضباط الجيش.
وعلاوة على ما سبق ذكره، تأتي إفريقيا في صدارة القارات في عدد الانقلابات على الصعيد العالمي باعتبار أن بين 11 انقلابًا التي تم رصدها في جميع أنحاء العالم منذ عام 2017م وقعت جميعها في إفريقيا باستثناء انقلاب ميانمار في فبراير من هذا العام.
______________________________
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/region-59057079