المصدر: مركز الدراسات الاستراتيجية الإفريقية
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
إن الانطباع السائد عن أن تعدد الانتماءات العرقية هو مصدر النزاعات ودوامة العنف في إفريقيا ، هذا التصور ليس دقيقا فقد اختلقه السياسيون لكسب الدعم ولتحقيق المكاسب السياسية والاستحواذ على ثروات البلاد؛ وعند استيعابنا بأن الانتماء العرقي وسيلة وليس حافزا للأزمات بين فئات المجتمع عندئذ نركز في جهود احتواء الأزمات باعتباره أحد العوامل السياسية المحرضة وليس هو مصدر النزاعلت.
وفي هذا السياق يتعين تعزيز استخدام استراتيجية التربية المدنية لنزع فتيل استغلال العرق لمكاسب سياسية وذلك لاستعادة الشعور بالانتماء إلى الهوية الوطنية المشتركة الذي تفتقر إليها العديد من الدول الإفريقية.
على أن الاعتقاد بأن إفريقيا منهمكة في دوامة العنف العرقي غير دقيق رغم أن الإبادة الجماعية في رواندا والعنف في دارفور وفي شمال نيجريا وفي كوت ديفوار إضافة إلى الأحداث المأساوية التي أعقبت الانتخابات المتنازعة عليها في كينيا- تكاد تعزز ذاك التصور غير أن تفاقم المظالم الجماعية هو الذي يفرز ردود الفعل ويغذي روح الانتقام والولع في الأخذ بالثأر.
ويلاحظ أن تعقيد التعدد العرقي يجعل من إفريقيا عاجزة أمام الأزمات المدمرة والمؤدية إلى التناحر وتحول دون تحقيق الطموحات في الديمقراطية والتنمية المستدامة.
المسألة العرقية ودورها في الأزمات
إن التعدد العرقي لا يشكل مصدرا محوريا للأزمات في إفريقيا إنما هو أداة يستغلها السياسيون والزعماء لأهداف سياسية واقتصادية وعلى الرغم أن الانتماء العرقي يظل العنصر الأساسي في تحديد الهوية الاجتماعية في إفريقيا إلا أن القبائل المختلفة تعيش –في الغالب-في وئام وسلام واختلاط من خلال المصاهرة والتعاون الاقتصادي ومشاطرة القواسم المشتركة تحُول دون تعميم التناحر.
كينيا
وقد اُستُغِلّ العنصر العرقي من طرف السياسيين في كينيا في الانتخابات عام (2007- 2008 ) من خلال تعبئة مؤيديهم؛ فنتجت عنها الأحداث المأساوية ولم يكن عامل العرق في حد ذاته منبع العنف الذي أعقب الانتخابات.
ورغم أن دانيال أراب موي حكم البلاد طيلة 25 سنة على أساس المحاباة والاعتماد على الأقلية العرقية وأدى ذلك إلى تسلل الانتماء العرقي إلى العُرف السياسي إلا أن التعدد العرقي لم يمنع القبائل الأخرى من المشاركة وخاصة قبائل كيكيو وقبائل لييو التي انضمت في تكوين ائتلاف ” الوحدة الوطنية الإفريقية لكينياKANU “في الستينات في نضالها لاستقلال البلاد.
وجدير بالذكر أنه تم إنشاء التحالف الوطني الكيني متعدد الأطياف (NARC) في عام 2002م بهدف فك هيمنة السلطة من اليد الواحدة مما يوحي أن التعاون بين مكونات المجتمع هو قاعدة وليس استثناء.
وعلى الرغم من ظهور قرابة نتجت عن التزاوج بين القبائل وخاصة في أوساط الجيل الجديد في كبريات المدن حيث الأولوية على الهوية الوطنية قبل الاعتبارات الأخرى، تظل التوترات العرقية قائمة وإن لم تشكل مصدر الأحداث المأساوية التي أعقبت الانتخابات 2007-2008م.
رواندا
في رواندا محاولة تفسير الخلافات بين الهوتو والتوتسي على أساس الفروق الفردية بين العرقين غير موضوعية حيث يتم التزاوج فيما بينهما وتجمعهما لهجة واحدة والمعتقدات ولكن حقيقية المشكلة تتمثل في أن الهوية العرقية مرتبطة بشكل وثيق بمهنة الفرد (المزارع أو القسيس) وتظل الهوية قابلة للتغير حسب تغيير مهنة الفرد.
على ان العنف يستمد حدته من سوء توزيع السلطة ثم أدى التلاعب السياسي للاستيلاء على السلطة في عام 1994م إلى إبادة جماعية حيث وظف سياسيون وإعلاميون مفهوم “الانتماء العرقي ” لحشد الموالين وقمع المعارضة.
غانا
وفي غانا عام 1979م قررت الحكومة العسكرية للجنرال (آكي أتشيمبونغ ) تفويض إدارة شئون الأراضي في شمال البلاد إلى أربع قبائل من أصل سبع عشرة قبيلة التي تقطن المنطقة وذلك في محاولة لإقناع الشعب على قبول “الحزب الواحد” حين كان مشروع القرار مطروحا للاستفتاء الشعبي حيث تصويت الشمال ب”بنعم” كان يرجح تصويت “لا” في الجنوب.
إذاً فإحالة إدارة الأراضي إلى قبائل معينة ليست سوى تبادل المصالح بين الحكومة وبين السياسيين في الشمال مقابل الدعم المتبادل حيث تكونت منها نقطة انطلاق للتعبئة لدى القبائل كونكونبا وفاجالا بدعوى تطوير المنطقة؛ مما أدى إلى اشعال فتيل النزاع عقب ذلك واستمرت طيلة 15 سنة ثم تفاقمت الأوضاع وصارت حربا أهلية في 1994 -1995م وأعمال عنف أدت إلى مقتل قرابة 2000 ضحية .
كما عرفت تلك الفترة 26 أزمة بين القبائل للقضايا المتعلقة بالأراضي أو النفوذ السلطوي في شمال غانا ورغم ذلك ظل التصور بأن مرجعية الأزمة يعود إلى التعدد العرقي.
غير أن تصور ذاك (سواء في غانا وفي كثير من الدول الإفريقية) تشخيص مشوه لهذه الظاهرة وقد ذهب الكثير من الباحثين والخبراء في مجال الأزمات إلى أن اعتبار التعدد العرقي كمصدر الأزمات في إفريقيا يفتقر إلى الموضوعية مؤكدين بأن المعيار العرقي عنصر يتم توظيفه من طرف السياسيين.
ويشار إلى أن مرد الأمر – في الواقع- هو أن التلاعب السياسي بالعنصر العرقي أفرز تفخيم تصور العدالة الاجتماعية والتهميش الاجتماعي وليس التعدد في حد ذاته الذي يغذي العنف.
فالتشخيص المشوه حول ارتباط جذور الأزمات بالتعدد العرقي ينُمُّ عن تجاهل الطبيعة السياسية للنزاعات حيث إنها لا تأتي من مجرد التعدد العرقي وإنما من توظيف الاعتبارات العرقية لعرقلة مصالح البعض وإقصائهم.
لكن ميل بعض المجتمعات الإفريقية إلى الاستسلام للتلاعب السياسي من النخبة يعزز تعقيد عملية بلورة مفهوم الدولة في اللاشعور الجماعي على مستوى القارة.
ويلاحظ أن الكثير من الدول الإفريقية تبنت سياسات تعول على التعبئة العرقية، أو بعبارة أخرى، تزدهر الأزمات المرتبطة بالاعتبارات العرقية في المجتمعات المتعددة الأعراق في الدول المتخلفة حال هيمنة فئة معينة والأخرى مهددة بالتهميش وغياب مؤسسات يمكن الرجوع إليها للمظالم. ومن ثم تزداد حدة النعرات العرقية ويتم تعبئتها حال تفاقم فقدان المساواة بين القبائل في التوزيع غير العادل لثروات الدولة وليس من الحقد الطبيعي ضد البعض.
آثار أعمال العنف في مدينة جوس بنيجيريا
على أن ظهور العنف بين فينة وأخرى بين المسيحيين والمسلمين في مدينة جوس (المتعددة المعتقدات) النيجيرية خير دليل حيث تم اعتباره على أنه اختلاف عقدي بين فئات المجتمع غير أن جوهره ناجم عن التدابير المؤسساتية من النظام الفيدرالي التي تحرض على إثارة العنف، لكن السلطات المحلية والدولة تعمل لضمان بقاء تلك التدابير للاستحواذ على 80%من الناتج الدخل المحلي.
فالسلطات المحلية هي المكلفة بتوزيع الثروات وفي السياق ذاته تصنيف فئات المجتمع إلى ” الأصليين” و ” المستعمرين” حيث تُحرم الأخيرة من الاستفادة من إعانات الدولة للتعليم ومن بعض المناصب الحكومية ومن حق امتلاك الأراضي، وقد صُنِّف المسلمون الناطقون باللغة الهوساوية في الولاية الوسطى في فئة ” المستعمرين” رغم تعاقب الأجيال في المنطقة وذلك يغذي العنف بشكل مستمر.
يمكن الاطلاع على المقال الاصلي من هنا