روضة علي عبد الغفار
صحفية مهتمة بالشأن الإفريقي
الشدة ليست دائمًا ما تقود البلاد إلى الأمام؛ فالمرونة السياسية، واستيعاب التحديات الراهنة؛ قد تدفع إلى طريق الاستقرار، والسياسة الحكيمة قد تفعل ما لا يفعله “البلدوزر”!
بعد مرور عام على تولّي الرئيسة “سامية حسن” مقاليد الحكم في دولة تنزانيا؛ نجد تغييرات جذرية في سياسة الدولة وطريقة إدارة البلاد، رغم الظروف الطارئة التي تولّت فيها الرئيسة سامية الحكم؛ بعد الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل ماجوفولي؛ حيث أصبحت رئيسة البلاد كونها نائبة الرئيس الراحل، وليس عبر انتخابات.
وهذا يضعنا أمام عدة تساؤلات؛ ما سبب التغيير الإيجابي الذي تشهده تنزانيا؟، وما أهم إنجازات “سامية حسن” بعد أول عام لها في الحكم؟ ولماذا اختلفت سامية عن ماجوفولي رغم انتمائهما لذات الحزب؟، وما شكل المستقبل في ظل القيادة الجديدة؟ هذا وأكثر تتناوله “قراءات إفريقية” في هذا التحقيق.
عام من الإنجازات:
كان واضحًا أن سامية حسن، منذ تولّيها منصب الرئاسة، تريد تغيير مسار البلاد في كثير من المجالات، وعلى الرغم من كونها كادرًا من كوادر حزبCCM ؛ إلا أن ترقيتها لمنصب الرئيس قد أثار شكوك زملائها السياسيين في قدرتها على النفوذ، خاصة أنها أتت بعد رجل قوي مثل الراحل ماجوفولي المُلقب بـ”البلدوزر”، ورغم ذلك فقد تألق نجمها السياسي، ولاقى تنصيبها استقبالًا حسنًا في المنطقة ومن الشعب التنزاني.
وبعد مرور عام؛ يرى مراقبون أنه كان عامًا حافلًا بالإنجازات، التي تركّزت على إحياء اقتصاد البلاد، واستعادة ثقة المستثمرين، والتركيز على الدبلوماسية الاقتصادية، من خلال قيام الرئيسة سامية بزيارات واجتماعات مع اللاعبين الرئيسيين في الاقتصاد الدولي، وزيارات لدول مثل: أوغندا وكينيا ورواندا وبوروندي وفرنسا وبلجيكا. وقد بلغ النمو الاقتصادي 4.9% في عام 2021م، مقابل 4.8% في عام 2020م.
في حواره مع “قراءات إفريقية” قال الصحفي التنزاني تشارليز كومبي: إن أهم الإنجازات التي حققتها الرئيسة سامية حسن: هو مواصلة الدفع نحو مشروع التنمية الضخم الذي يتم تنفيذه في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك جسر تنزانيا الذي تم افتتاحه مؤخرًا في دار السلام، وخط السكة الحديد، وخط جوليوس نيريري للطاقة الكهرومائية، وبناء خط أنابيب النفط من منطقة هويما في أوغندا إلى منطقة تنجا في تنزانيا.
وأكد “كومبي” أن الأوضاع في تنزانيا تغيَّرت، وبدأ الكثير من المواطنين في فتح أعمال تجارية جديدة منذ أن تولت الرئيسة سامية منصبها، على عكس السابق؛ حيث كان الناس يشتكون من عدم وجود أموال، وأن الوضع المعيشي سيئ، أما الآن فهناك مشاريع استثمارية مختلفة، ويحصل المواطنون العاديون على دخل من هذه المشاريع.
وعن الشارع التنزاني وشعوره بالتغيير منذ تولي سامية حسن؛ يرى “كومبي” أن هناك فرقًا كبيرًا بين الحكومتين، قائلًا: الآن في عهد الرئيسة سامية لدينا حرية صحافة، والمواطنون قادرون على إبداء آرائهم، بينما في عهد ماجوفولي كان هناك رقابة والخوف كان سائدًا، وواجهت المعارضة تحديات كثيرة بما في ذلك السجن والتعذيب، كما أن قيادة “سامية” خففت من حدة الرأي العام بسبب أسلوبها الدبلوماسي وهدوئها، بينما كان ماجوفولي قاسيًا وصريحًا.
وأضاف الصحفي التنزاني؛ أن الرئيسة تمكنت من استعادة ثقة الشعب، وخاصة الفئات المختلفة: مثل كبار السن والشباب والنساء، ونسبة كبيرة من الفتيات؛ لأنها سمحت للفتيات الحوامل بمواصلة التعليم الرسمي، وذلك خلافًا لسياسة أسلافها التي تمنع الفتاة الحامل من المشاركة في التعليم. وأردف أن كل مواطن لديه آراء حول حكومة الرئيسة سامية، لكن الكثير من الناس متفائلون، وهناك من يرى أنه يجب منحها مزيدًا من الوقت لإصلاح ما تركه سلفها.
عهد جديد من الحقوق والحريات:
“بالنسبة لأولئك الذين لديهم شك في أن المرأة بإمكانها تولّي منصب الرئاسة، أريد أن أخبرهم أن الشخص الذي يقف أمامك هو رئيس تنزانيا”؛ هكذا قالت سامية حسن منذ عام عند تنصيبها، ومن الواضح أنها كانت تخوض تحديًا من البداية، وهذا قد يفسّر لنا التغيير الذي شهدته تنزانيا، خاصةً في مجال الحقوق والحريات.
وفي الأول من مارس الحالي تم الإفراج عن زعيم المعارضة، فريمان مبوي، رئيس حزب تشاديما، واجتمعت به الرئيسة سامية، وتحدثت معه حول أهمية العمل معًا لبناء تنزانيا بثقة واحترام متبادلين، وأعلن “مبوي” أنه مستعدّ للعمل مع الحكومة لتحقيق التنمية.
كما قامت الرئيسة التنزانية بإعادة فتح وسائل الإعلام التي تم إغلاقها أو قمعها في عهد الرئيس ماجوفولي، وقالت: دعونا لا نمنحهم فرصة ليقولوا إننا نَحُدّ من حرية الصحافة.
الحقوقي التنزاني ماكسينس ميلو، المؤسِّس والمدير التنفيذي لمنصة “منتديات جامي”([1])، التي تدعو للإبلاغ عن المخالفات والنقاشات الجادة عبر الفضاء الرقمي، تم القبض عليه خلال فترة حكم ماجوفولي، ووُجِّهت إليه تُهَم عديدة ومَثُلَ أمام المحكمة ثلاث مرات، ولم يُسمَح له بعبور حدود مدينة دار السلام.
في حديثه مع “قراءات إفريقية” أكد “ماكسينس” أن هناك ازدهارًا في مجال الحقوق والحريات في تنزانيا على يد سامية حسن، وأن ما حدث في السنوات الست الماضية يوضح أن هناك تحولاً كبيرًا في الديمقراطية والحريات الأساسية وخاصة حرية التعبير، وقال: إن التنزانيين يمكنهم الآن أن يتنفسوا؛ لأن لديهم إدارة جديدة مختلفة.
وأضاف “ماكسينس” قائلًا: هناك تقدُّم في الحقوق السياسية أيضًا، وهذا مختلف تمامًا عن الحكومة السابقة، الآن نرى زعيم المعارضة السياسية يلتقي بالرئيسة، وهو ما لم يحدث أبدًا في السنوات الخمس الماضية، وبصفتي مدافعًا عن حقوق الإنسان أرى أن هذا جيد، فالسياسيون الآن يمكنهم الجلوس معًا والتحدث بحُرّية، ومهما كانت النتائج فذلك أمر جيد لبلدنا.
وعن التحديات الماثلة أمام سامية حسن، يرى “ماكسينيس” أن التحدي الرئيس هو أن معظم الأشخاص الذين اعتادوا تقديم المشورة لماجوفولي ما زالوا في إدارة الرئيسة سامية، والكثير منهم لا يؤمنون بحقوق الإنسان، ويحاولون وضع الكثير من القيود في الإدارة الجديدة. لكنَّ الشيء الجيد هو أن الرئيسة سامية تستمع إلى أشخاص من خارج الحكومة.
وتحدث “ماكسينس” عن مشروع قانون نموذجي بشأن البيانات الشخصية والحماية والخصوصية، وقال: نريد إشراك الحكومة فيما نعتقده كمدافعين عن حقوق الإنسان، وما يجب القيام به لعدم انتهاك الحقوق والحريات، فعندما تتبنَّى الحكومة هذا القانون سيكون لدينا طريقة أفضل لتنظيم الفضاء الرقمي.
ويعتقد الحقوقي التنزاني أن هناك مستقبلاً مشرقًا لتنزانيا، رغم وجود الكثير من الفساد تحت إدارة سامية حسن، وكما أن هناك الكثير من الحريات، هناك أيضًا مجال للأشخاص الفاسدين لاستغلال الفرصة والاستيلاء على ممتلكات الناس وحقوقهم، لكنَّ الرئيسة سامية لديها القدرة على محاربة هذا الفساد.
صحوة العملاق:
من أهم إنجازات سامية حسن هي إعادة ربط تنزانيا بمحيطها الإقليمي وحلفائها الدوليين، بعد انغلاق دام 5 سنوات. وفي حواره مع “قراءات إفريقية” قال الباحث المتخصص في شؤون تنزانيا وشرق إفريقيا، شمسان التميمي: إن الزيارات الدولية التي أجرتها الرئيسة سامية، منذ توليها السلطة منذ عام، تُعدّ بالغة الأهمية؛ من حيث عودة تنزانيا للانخراط في المجتمع الدولي، وبالأخص مع الدول المانحة، بالإضافة إلى الزيارات الإقليمية التي أدَّت الى تحسُّن العلاقات، خاصةً مع كينيا؛ التي شهدت توترًا حادًّا في العلاقات الاقتصادية مع تنزانيا، وصلت إلى حظر الخطوط الجوية بين البلدين وإغلاق الحدود البرية.
ويرى “التميمي” أن تعنُّت الرئيس الراحل ماجوفولي في قراراته وعدم اتّسامه بالمرونة الدبلوماسية في حلّ المشاكل مع الدول الأجنبية ساهم في انغلاق تنزانيا على نفسها؛ حيث رأى ماجوفولي أن تنزانيا دولة غنية وليست بحاجة لأحد، وأن المساعدات الأجنبية لا يتم منحها للأفارقة بحسن نيّة، بل قد يكون المقابل باهظًا ومحسوبًا على الأفارقة.
بينما سياسة الرئيسة سامية الانفتاحية مع جميع الدول الأجنبية، وتقبُّلها للمساعدات والقروض المالية الكبيرة دون قيود، قد تكون مجدية خلال الفترة الحالية، لكنها قد تتسبّب بمشاكل مالية وإثقال كاهل ميزانية الدولة في المستقبل، وربما تُفْرَض شروط قاسية على تنزانيا مقابل إتمام تلك الصفقات، بحسب “التميمي”.
ويردف الباحث المتخصص في الشأن التنزاني، أن الرئيس الراحل ماجوفولي كان حازمًا ومتشددًا، ولا يستشير أحدًا في سياساته الخارجية، أما الرئيسة سامية فهي منفتحة ومسالمة، وتترك قرارات كثيرة لمساعديها، وأبرزهم الرئيس الأسبق جاكايا كيكويتي المستشار الأول للرئيسة سامية، وإن كان ليس بصفة رسمية.
ومن وجهة نظر “التميمي”؛ فإن الرئيسة سامية ينبغي عليها دَمْج سياستها المسالمة مع سياسة ماجوفولي المتشددة؛ لتضبط الميزان في التعامل مع الدول الأجنبية.
وعن كيفية تعزيز تواجد تنزانيا في محيطها الإقليمي، قال “التميمي”: إنه يجب استغلال الثقل السياسي والإقليمي لتنزانيا في الضغط على المؤسسات الدولية؛ لرفع العقوبات عن الدول المجاورة مثل بوروندي وزيمبابوي، بالإضافة إلى استغلال خبرتها في حل النزاعات الإقليمية؛ باستضافة اجتماعات الوساطة لحل النزاع الرواندي البوروندي، ونزاع أوغندا ورواندا.
أما من الناحية الاقتصادية فيرى “التميمي” أن تنزانيا وكينيا، باعتبارهما الممر المينائي للعديد من الدول المجاورة، بإمكانهما استضافة مؤتمر اقتصادي لترويج الفرص وتقديم المميزات والحوافز، ولتنفيذ مشاريع اقتصادية وضمان الاستثمارات الأجنبية؛ حتى تصبح تنزانيا المركز الاقتصادي الأهم في المنطقة.
المستقبل بين التحديات والآمال:
أكدت الرئيسة سامية حسن، خلال إحياء الذكرى الأولى لوفاة الرئيس ماجوفولي، التزام حكومتها بتنفيذ كافة مشاريع التنمية التي بدأها الراحل ماجوفولي، ودعت إلى الوحدة والسلام والهدوء مع تنفيذ هذه المشاريع الاستراتيجية.
وتواجه الرئيسة سامية العديد من التحديات السياسية على الصعيدين المحلي والدولي، يذكر الباحث شمسان التميمي، التحديات المحلية والتي منها: المطالبات الشعبية العريضة، والتي تدعمها المعارضة، في إقرار الدستور الجديد للبلاد والذي يتضمن بنودًا وموادّ تقوّض من سلطات الرئيس والحزب الحاكم.
ومن التحديات الماثلة: مواجهة سامية حسن لمعارضيها داخل حزبها الحاكم، ممن ينتهجون سياسة الرئيس ماجوفولي، أو كما يسمى “الحلف الماجوفولي”، دون حدوث صدام حادّ يزيد من رقعة الانقسامات داخل الحزب الثوري الحاكم.
وكذلك أزمة نقل قبيلة “الماساي” من منطقة محمية “نجورونجورو”؛ حيث ترغب الحكومة في إخلاء المنطقة كونها تقع ضمن مواقع التراث العالمي التابعة لليونيسكو، وهناك أقاويل بأن المنطقة تم تأجيرها لأحد المستثمرين العرب.
وأضاف “التميمي” أن تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للشعب هو تحدٍّ آخر، فمنذ تولّي سامية السلطة ارتفعت معدلات التضخم والانقطاع المتكرر للكهرباء، والذي قد يؤدي إلى نتائج سلبية سياسية، كما أن هناك انتقادات بدت تطفو على السطح ضد “سامية حسن” في مسألة تعيين النساء في المناصب الحساسة؛ حيث أصبحت المرأة في تنزانيا تترأس السلطة، والبرلمان، ووزارة الدفاع، ووزارة الخارجية.
بينما على المستوى الدولي، يعتقد “التميمي” أن تنزانيا تفتقد لمن يدير دفَّة الدبلوماسية الخارجية باقتدار، خاصة بعد وفاة كل من وزير الخارجية الأسبق أوجستن ماهيجا، والرئيس الأسبق بنجامين مكابا، ومعاناة الدكتور سالم أحمد سالم من المرض وكبر السن، وإن كانت وزيرة الخارجية الحالية السيدة مولا مولا تُبْلِي بلاءً حسنًا حتى الآن.
واستعرض “التميمي” في حديثه مع “قراءات إفريقية”، موقف تنزانيا من الأزمة الروسية الأوكرانية؛ خاصةً أن الطرفين الروسي والأمريكي حليفان لتنزانيا، فمندوب تنزانيا في الجمعية العمومية للأمم المتحدة امتنع عن التصويت في القرار الأمريكي لإدانة الغزو الروسي، وهو قرار يبدو في منظوره العام أنه محايد، ولكن طبقًا لمعطيات الأزمة فإن الامتناع عن التصويت يميل لصالح روسيا، وهو أمر قد تتخذ منه أمريكا وأوروبا موقفًا ضد تنزانيا.
كما أن العلاقات التنزانية الإسرائيلية تمثل تحدِّيًا آخر؛ حيث شهدت توهجًا وتطورًا ملحوظًا خلال فترة الرئيس الراحل ماجوفولي؛ حيث افتتحت السفارة التنزانية في إسرائيل، والعمل كان جاريًا لافتتاح سفارة الكيان الصهيوني في تنزانيا.
وقد صرح “التميمي” بأن العلاقات بين الطرفين شهدت ركودًا ملحوظًا منذ استلام الرئيسة سامية السلطة، وأنها اعتذرت عن مقابلة السفير الاسرائيلي غير المقيم، الذي طلب مقابلتها للتعريف بنفسه عندما استلمت سامية حسن السلطة، ويبدو أن هذا نابع من توجهات الرئيسة سامية الإسلامية الزنجبارية.
وفي ظل هذه التحديات الراهنة، يتوقع “التميمي” أن يكون مستقبل البلاد مشرق؛ من حيث صفات “سامية حسن” الحميدة، ولكن يتوجب عليها مواجهة التحديات الماثلة أمام الدولة، ورغم قلة خبرتها في حكم البلاد؛ حيث إنها ترأست البلاد بشكل مفاجئ، لكنَّ هناك آمالاً عريضة بأن تُحْدِث نقلةً كبيرةً اقتصاديًّا وسياسيًّا، من خلال استغلال موارد الدولة الضخمة، وتوجيهها نحو تحسين الخدمات لرفاهية وازدهار البلاد.
وختامًا.. فإن المسيرة السياسية قد تتضح من أول يومٍ في الحكم، وقد تنجح الدبلوماسية أكثر من الشدة في وقتٍ من الأوقات، والواضح أن “ماما سامية” قد أدركت ما تحتاجه بلادها في الوقت الراهن، فهل تستمر الرئيسة سامية في سياسية الاحتواء؟ أم نجد وجهًا آخر عند ظهور متغيرات على الأرض؟ هذا ما ستنجلي عنه الأيام القادمة.