تبدو معظم التقديرات حول مستقبل منطقة القرن الإفريقي خلال العام الجديد 2023م غير متفائلة بشأن استعادة المنطقة لجزء من الاستقرار السياسي والأمني والإنساني الذي غاب عنها بشكل نسبي في العام المنقضي 2022م، وذلك في ضوء المخاوف من تجدُّد بعض الصراعات الداخلية والإقليمية في بعض دول المنطقة، إلى جانب سوء الأوضاع الإنسانية؛ بسبب تفاقم موجات الجفاف والمجاعات، التي دفعت الأمم المتحدة للقول بأن «المنطقة ستكون ضمن أخطر المناطق التي تتعرض للأزمات الإنسانية في عام 2023م».
ومع ذلك، يحدو الإثيوبيين المزيدُ من الأمل أن يكون العام 2023م هو عام التعافي من الحرب التي شهدتها البلاد منذ نوفمبر 2020م، وخلَّفت وراءها نحو 600 ألف قتيل في شمال البلاد، والتخلص من الصراعات والتحديات السياسية والأمنية والاجتماعية، بالإضافة إلى استعادة الأنشطة الاقتصادية المعطّلة، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمّرتها الحرب، إلى جانب استعادة العلاقات مع القوى الفاعلة في المنطقة، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب؛ لا سيما بعد الخطوات الإيجابية التي اتخذتها أطراف الصراع الإثيوبي في سبيل تحقيق السلام، والتي بدأت بتوقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية المعروف باسم اتفاق بريتوريا في 2 نوفمبر 2022م، وما تلاه من توقيع اتفاق نيروبي في 7 نوفمبر 2022م؛ لبحث تفكيك القوة العسكرية لجبهة تحرير تيجراي من خلال تسريح مقاتليها، وإعادة دَمْجهم، ونزع سلاح الجبهة الذي تمَّت المرحلة الأولى منه خلال شهر يناير الجاري (2023م)؛ بهدف التسريع نحو استعادة السلام في شمال إثيوبيا.
إلا أن هناك العديد من التحديات التي ربما تعرقل تلك المساعي لإحلال السلام في البلاد، مما ينذر بعام ثالث من الصراع والاضطراب السياسي والأمني ربما يهدد استقرار ووحدة الدولة الإثيوبية.
أولًا: السياق الحاكم في إثيوبيا
تعيش إثيوبيا سياقًا عامًّا تسوده حالة من الترقب لمستقبل الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية في البلاد، ويمكن الإشارة إلى أبرز المؤشرات التي تعكس طبيعة الوضع الراهن على الساحة الإثيوبية على النحو التالي:
1- حالة ترقُّب لعملية السلام:
يرى البعض أن عملية بدء تسليم جبهة تيجراي للأسلحة الثقيلة التي تمتلكها للحكومة الفيدرالية تمثل خطوة مهمة ورئيسية نحو إتمام عملية السلام في شمال إثيوبيا، وهي تأتي تنفيذًا للاتفاقين المبرمين في كل من بريتوريا ونيروبي في نوفمبر الماضي. والتي تتزامن مع انسحاب بعض القوات الإريترية من بعض المناطق بإقليم تيجراي في أواخر ديسمبر الماضي (2022م)، وإن كانت لم تغادر الأراضي الإثيوبية بشكل كامل. ومع ذلك، تتزايد المخاوف من عرقلة الاتفاق وتجدد الصراعات في شمال البلاد؛ مما قد يُعيد البلاد إلى المربع الأول والانزلاق لحرب جديدة، وما قد يترتب على ذلك من تهديد للاستقرار الداخلي الإثيوبي والإقليمي في القرن الإفريقي.
2- الاضطرابات الأمنية في إقليم أوروميا:
يشهد الإقليم صراعًا قائمًا على أساس عرقي تتورط فيه قوات جيش تحرير أورومو -المصنَّفة إرهابيَّة من الحكومة الفيدرالية-، والذي أسفر عن سقوط المئات من قومية أمهرة، خاصةً في منطقة وليجا Wellega. وهو ما دفع جوار محمد، المعارض البارز من قومية أورومو، لدعوة النظام الحاكم للانتباه للقتال الدائر في إقليم أوروميا؛ خوفًا من تفاقم الأوضاع خلال المرحلة المقبلة. كما أن هناك سخطًا متزايدًا بسبب اتهامات بارتفاع معدلات الفساد الذي يتورط فيه حزب الازدهار الحاكم- فرع أوروميا، بما في ذلك الاستئثار بتعيين أنصاره في الوظائف المهمة في المؤسسات الفيدرالية الكبرى والبنوك التجارية.
3- تعزيز الانفتاح على الخارج:
يحاول نظام آبي أحمد تجاوز آثار الحرب الإثيوبية في تيجراي من خلال تعزيز الأنشطة الدبلوماسية لأديس أبابا مع المجتمع الدولي؛ بهدف استعادة الحضور الإثيوبي على الساحتين الإقليمية والدولية بغية تحقيق المزيد من المكاسب الاستراتيجية بما في ذلك تخفيف حدة العزلة التي فرضتها الولايات المتحدة والغرب أثناء الحرب الأخيرة، ومحاولة استقطاب المزيد من الاستثمارات والمساعدات الأجنبية لإنقاذ الاقتصاد الإثيوبي، وإعادة الإعمار في مناطق الحرب المتضررة في الشمال. فقد استقبلت أديس أبابا خلال شهر يناير وزراء خارجية دول ألمانيا وفرنسا والصين بهدف تعزيز العلاقات وإعادة ترميمها، كما عبرت بعض الدول عن نيتها توسيع التعاون مع إثيوبيا مثل بريطانيا. يأتي ذلك عقب زيارة آبي أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبي، إلى واشنطن في ديسمبر الماضي للمشاركة في قمة واشنطن-إفريقيا؛ مما قد يشير إلى انفراجة ربما تشهدها العلاقات الأمريكية الإثيوبية خلال المرحلة المقبلة، وربما تسهم في تسريع تنفيذ عملية السلام في البلاد.
4- وضع اقتصادي صعب:
وهو وضع ناتج عن آثار الحرب الإثيوبية على مدار عامين، بالإضافة إلى تأثير الأزمات الدولية الراهنة على الساحة الدولية لا سيما الحرب الروسية الأوكرانية. فقد وصل معدل التضخم في إثيوبيا إلى 35.1% وفقًا لبيانات شهر نوفمبر 2022م. فيما أعلنت وزارة التجارة والتكامل الإقليمي الإثيوبية ارتفاع أسعار الطاقة بنسبة قد تتجاوز 12% خلال الفترة المقبلة لتقفز من 57.05 بير إثيوبي (1.06 دولار) إلى 61.29 بير إثيوبي (1.14 دولار). وهي أحدث زيادة في أسعار المحروقات بعد أكثر من 3 أشهر من آخر زيادة أقرتها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية. وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية التي تزيد من معاناة الشعب الإثيوبي إلى جانب حالة الاضطرابات الأمنية في البلاد.
ثانيًا: قضايا وملفات شائكة
تبرز العديد من القضايا التي تشكل تحديات للنظام الحاكم في إثيوبيا خلال العام الجديد 2023م محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، نستعرض أبرزها فيما يلي:
1- قضايا داخلية
تتمثل أبرز تلك القضايا فيما يلي:
أ- تماسك الوضع الداخلي:
يرغب آبي أحمد في توظيف اتفاقي بريتوريا ونيروبي اللذين وقَّعهما قبل شهرين من أجل استعادة السيطرة على الجبهة الداخلية، مما يعزّز نفوذه الداخلي بما يُمكِّنُه من قطع الطريق على أيّ اضطرابات سياسية وأمنية من شأنها عرقلة الجهود لتحقيق السلام في البلاد. ويمكن أن يرتبط ذلك بمساعي آبي أحمد لاستعادة قوة الدبلوماسية الإثيوبية على الصعيد الخارجي بعد فترة من العزلة والانزواء عن قضايا الإقليم والعالم الخارجي.
ب- هشاشة اتفاق وقف الأعمال العدائية:
يتابع المجتمع الدولي بحذر شديد خطوات النظام الإثيوبي تجاه تحقيق السلام في السلام، خاصةً في ظل تقديرات غربية تشير إلى احتمال تجدُّد الحرب الإثيوبية في أي وقت؛ بسبب هشاشة الاتفاق المبرم في بريتوريا، إضافة إلى تأجيل الفصل في بعض الملفات التي ربما تُشكّل ذريعة جديدة في اندلاع الصراع مجددًا بإقليم تيجراي، وعلى رأسها وضع السيادة في منطقة غرب تيجراي التي تدَّعي قومية أمهرة أحقيتها في السيادة عليها، ما دفعها لاستعادة السيطرة عليها عقب اندلاع الحرب الإثيوبية في نوفمبر 2020م، وهو ما رفضته جبهة تحرير تيجراي التي أصرت على استعادة سيادتها على المنطقة كشرط للتفاوض على السلام قبل أن تتجاوز هذا الشرط. كما أن استمرار القوات الأجنبية، وخاصةً الإريترية في شمال إثيوبيا، وتحالفها مع القوات الخاصة لأمهرة والميلشيات التابعة لها؛ يُمثِّل تهديدًا لاتفاق السلام بالرغم من إعلان انسحاب بعضها في ديسمبر الماضي.
جـ- وضع إقليم تيجراي:
تزداد المخاوف في الداخل الإثيوبي حول درجة التزام جبهة تحرير تيجراي بكافة بنود الاتفاقين المبرميْن مؤخرًا، بما في ذلك تسريح مقاتليها، وتسليم جميع الأسلحة للحكومة الفيدرالية؛ خاصةً أنها تحتفظ بنحو 75% من المعدات العسكرية للجيش الإثيوبي خلال فترة حكمها منذ عام 1991م حتى خروجها من السلطة في عام 2018م. كما أن قادة الجبهة يتخوفون من انقلاب آبي أحمد عليها بعد تجريدها من قوتها العسكرية، أو إطلاق يد كل من القوات الإريترية وقوات أمهرة للقضاء نهائيًّا على الجبهة في إقليم تيجراي؛ تمهيدًا لاحتوائه تحت سيطرة الحكومة الفيدرالية. فلا تزال الثقة بين الطرفين في أضعف حالاتها، في ظلّ صعوبة تجاوز طرفي الصراع الأثر النفسي للحرب الأخيرة، وما ترتب عليها من قتل 600 ألف شخص وتشريد نحو مليوني شخص تقريبًا. وهو ما يمثل تحديًّا أمام طرفي الصراع فيما يتعلق بتحقيق السلام في إثيوبيا.
د- إعادة الإعمار في شمال إثيوبيا:
تبحث إثيوبيا عن تمويل عمليات إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية التي دمّرتها الحرب الأخيرة في شمال البلاد، والتي تبلغ تكلفتها أكثر من 12 مليار دولار وفقًا للتقديرات الغربية، في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات الرسمية الإثيوبية إلى 3.6 مليار دولار فقط. وهو ما يُمثّل فرصة أمام القوى الدولية والإقليمية الطامحة لتعزيز نفوذها في إثيوبيا مثل الصين وفرنسا وتركيا وغيرها. فقد وقَّعت إثيوبيا وفرنسا في 13 يناير 2023م اتفاقًا يتضمَّن تقديم منحة مالية لأديس أبابا بقيمة 32 مليون يورو لدعم الجهود الجارية لإعادة الإعمار في شمال البلاد؛ وذلك بهدف تسريع تنفيذ اتفاق السلام في إثيوبيا، إضافةً إلى دعم حوالي 12 مليون شخص بما في ذلك 400 ألف مزارع بأقاليم تيجراي وأمهرة وعفر. كما أبدت الصين نيّتها في مساعدة إثيوبيا في مجال إعادة الإعمار بشمال البلاد، وذلك خلال زيارة وزير خارجيتها لإثيوبيا في يناير 2023م. فيما وقَّع البنك الدولي اتفاقًا مع أديس أبابا في مايو 2022م لتوفير 300 مليون دولار في نفس الشأن.
هـ- التهديدات الأمنية:
والتي تشكّل التحدي الرئيسي أمام الحكومة الفيدرالية خلال الفترة المقبلة؛ خاصةً في ظل اضطراب الأوضاع الأمنية في بعض المناطق الإثيوبية مثل تيجراي وأوروميا وأمهرة. وفي سياق متصل، ربما يُشكّل بقاء القوات الخاصة التابعة للأقاليم الإثيوبية وميلشياتها المسلحة تهديدًا للنظام الحاكم خوفًا من تكرار تجربة جبهة تحرير تيجراي في المستقبل، أو احتمال تمرُّد بعض الأقاليم مستقبلًا. كما تظل حركة الشباب المجاهدين الصومالية أحد أبرز مهددات الأمن القومي الإثيوبي، لا سيما بعدما نجحت في اختراق الحدود الإثيوبية مستهدفةً العمق الإثيوبي في يوليو الماضي (2022م)؛ لخلق بُؤَر إرهابية هناك، ويعزز ذلك تقارير غربية تفيد باستمرار وجود خلايا نائمة تابعة للحركة في بعض المناطق الإثيوبية لإحداث مزيد من زعزعة الاستقرار الداخلي في البلاد، بالتعاون مع بعض الحركات المسلحة مثل جيش تحرير أورومو.
و- تعافي الاقتصاد الإثيوبي:
كان العامل الاقتصادي حاسمًا في قرار آبي أحمد بإنهاء الحرب مع جبهة تحرير تيجراي والانخراط في التفاوض معها؛ حيث تراجَع الاقتصاد الإثيوبي بدرجة كبيرة خلال عامي الحرب؛ حتى إن الاحتياطي النقدي الأجنبي قد وصل إلى مليار ونصف دولار تقريبًا في العام الماضي، وهو ما أنذَر بأزمة اقتصادية حادة في إثيوبيا. وبعد توقيع اتفاق بريتوريا، يسعى آبي أحمد إلى إنعاش الاقتصاد الإثيوبي من خلال تجديد ثقة المجتمع الدولي، وخاصةً المستثمرين الأجانب، فيه؛ من أجل استقطاب المزيد من الاستثمارات والشركات الأجنبية للعمل في الداخل الإثيوبي.
2- قضايا إقليمية ودولية
يمكن الإشارة إلى أبرز القضايا الخارجية التي تشكل تحديًا لإثيوبيا خلال الفترة المقبلة على النحو التالي:
أ- استعادة النفوذ الإثيوبي في المنطقة:
وهو الذي تراجع بشكل نسبي نتيجة لانشغال آبي أحمد في حربه ضد إقليم تيجراي منذ عامين تقريبًا، مما دفع بعض دول المنطقة للتطلع لملء الفراغ الذي خلَّفته أديس أبابا في المنطقة مثل كينيا ورواندا والكونغو الديمقراطية وتنزانيا. لذلك، قد تنطلق إثيوبيا نحو استعادة دورها الإقليمي وهيمنتها في شرق إفريقيا بافتراض تماسك الجبهة الداخلية في البلاد، واستعادة الثقة مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم في قواعد اللعبة الدولية بشرق إفريقيا.
ب- الموقف التفاوضي في أزمة سد النهضة:
سيظل نهر النيل مصدر احتكاك في المنطقة؛ خاصةً في ظل صعوبة التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا إلى الآن حول إدارة وملء وتشغيل سد النهضة، لا سيما أن الموقف الإثيوبي يتسم بالمماطلة والتعنُّت تجاه المحاولات المصرية والسودانية من أجل التوصل لتسوية بشأن الأزمة.
ومع اقتراب الملء الرابع للسد بحسب إعلان الحكومة الإثيوبية، وفي حالة نجاح آبي أحمد في تسوية أزماته الداخلية، ربما يشكل ذلك مصدر قوة له في التمسك بموقفه تجاه أزمة سد النهضة مع الجانبين المصري والسوداني، ما لم توظّف القاهرة والخرطوم أدواتهما للدفع نحو ممارسة المجتمع الدولي المزيد من الضغوط على أديس أبابا للتوصل لاتفاق ملزم يَحمي المصالح المائية للأطراف المتضررة من بناء سد النهضة.
جـ- تسوية أزمة منطقة الفشقة المتنازع عليها:
وهو نزاع لا يزال مُعلَّقًا بين السودان وإثيوبيا في ضوء عدم التوصل لتسوية حقيقية بين الطرفين، بالرغم من تصريحات مسؤولي البلدين خلال العام الماضي (2022م) حول نيّتهم التوصل لحلٍّ سلميّ للأزمة. ومع ذلك، تشير بعض التقديرات إلى أن هذا النزاع يُعد بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت خلال عام 2023م، في ضوء الاشتباكات التي تندلع في المنطقة بين الحين والآخر، وهو ما قد يؤثر سلبًا على مسار العلاقات الإثيوبية السودانية التي شهدت بعض التوترات خلال العامين الماضيين.
د- العلاقات الإثيوبية الإريترية:
ثمة اختبار حقيقي لآبي أحمد خلال عام 2023م يتعلق بإمكانية خروجه من تحت عباءة وسيطرة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي منذ تحالفهما في الحرب على تيجراي في نوفمبر 2020م، خاصةً أنه مسؤول عن خروج القوات الإريترية من الشمال الإثيوبي وفقًا لاتفاق بريتوريا، في الوقت الذي تتهم فيه جبهة تحرير تيجراي إريتريا بأنها تمثل العقبة الرئيسية أمام تحقيق السلام في إثيوبيا بل والقرن الإفريقي ما لم يتمكن آبي أحمد من إقناع أفورقي بالانسحاب من الأراضي الإثيوبية، وإن كان آبي أحمد لم يطلب ذلك بشكل واضح من أسمرة. في الوقت الذي تشترط فيه إريتريا انسحابها من شمال البلاد بنزع سلاح جبهة تحرير تيجراي بشكل كامل. وهو ما يمكن أن يحدد مستقبل التحالف بين آبي أحمد وأسياس أفورقي خلال الفترة المقبلة.
هـ- تهدئة العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية:
قد تبدو مشاركة آبي أحمد في القمة الأمريكية الإفريقية الأخيرة التي جرت في ديسمبر 2022م بواشنطن بمثابة مؤشر إيجابي بشأن إمكانية عودة الدفء للعلاقات الأمريكية الإثيوبية التي توترت منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للسلطة في يناير 2021م، وبالتزامن مع احتدام الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي، والتي ترتب عليها مجموعة من الإجراءات العقابية التي اتخذتها واشنطن ضد أديس أبابا. لكن مع توقيع اتفاقي بريتوريا ونيروبي؛ سعيًا لتحقيق السلام في الشمال الإثيوبي، قد تشهد العلاقات الثنائية بين البلدين آفاقًا جديدة خلال الفترة المقبلة، لا سيما أن واشنطن تتخوَّف من احتمالية تحوُّل موقف إثيوبيا تجاه الصين نكايةً فيها، وهو ما قد يدفعها نحو إعادة استقطاب النظام الإثيوبي مجددًا لقطع الطريق أمام موطئ قدم استراتيجي جديد لبكين في القرن الإفريقي.
وإجمالًا، ينتظر إثيوبيا عامٌ يُعدّ بمثابة مفترق طرق بالنسبة لها ومستقبلها فيما يتعلق بالعديد من قضاياها الشائكة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعلى رأسها استعادة التوازن على صعيد الجبهة الداخلية؛ من خلال التنفيذ الشامل لاتفاقي بريتوريا ونيروبي، حتى تستطيع استعادة توازنها ونفوذها على المستويين الإقليمي والدولي. الأمر الذي يتطلب توافر الإرادة السياسية لدى النظام الحاكم، والقدرة على تحييد بعض الأطراف التي يُنظَر إليها على أنها عقبة أمام استعادة الاستقرار في الشمال الإثيوبي مثل إريتريا وقومية أمهرة.