نجح نظام آبي أحمد في تجاوز عقبات خطيرة هدّدت سلامة البلاد بفضل دعم إقليمي ودولي في المقام الأول، وتأجيل أزمة إقليم التيجراي، وتعميق التعاون مع الصين، وتفعيل قويّ لاتفاق شراكة وتعاون استراتيجي شاملComprehensive Strategic Partnership of Cooperation بين البلدين تم توقيعه في العام 2017م، كما كشفت عنه زيارة المبعوث الصيني الخاص للقرن الإفريقي زوي بينج Xue Bing لأديس أبابا بعد ساعات قليلة من انتهاء اجتماع مؤتمر حزب الازدهار الأول ولقائه بوزير الخارجية ديميكي ميكونن، وفي استشراف لخطورة التداعيات الداخلية والخارجية ورؤية رئيس النظام باستباق أيّ حوار وطني شامل دعت له الأطراف الدولية بتقوية أركان النظام في الداخل؛ تمَّت الدعوة إلى عَقْد المؤتمر الأول لحزب الازدهار منتصف مارس الجاري بعد أكثر من عامين من تأسيس الحزب (ديسمبر 2019م) على أنقاض الجبهة الشعبية الثورية الإثيوبية.
سياق المؤتمر الأول لحزب الازدهار الحاكم:
بدا أن سياق المؤتمر العام الأول لحزب الازدهار هو تقديم بديل مرحلي “للحوار الوطني الشامل” الذي تعهّد به نظام آبي أحمد، ويبدو ذلك واضحًا في استباق الحزب لانعقاد مؤتمره بالتأكيد في بيان مهم (16 فبراير الفائت) على أن الحوار الوطني “المزمع” في البلاد يهدف إلى تحقيق الإجماع بين الشعب الإثيوبي، وأنه “لا يعني التفاوض مع جماعات صُنِّفت إرهابية (تحديدًا جبهة تحرير التيجراي وجيش تحرير الأورومو) مِن قِبَل البرلمان الإثيوبي (في مايو 2021م)”؛ رغم المطالب الدولية المتكررة التي دعت الحكومة الإثيوبية لشَطْب هذا التصنيف لإفساح الطريق أمام تسوية سلمية للحرب الأهلية في إثيوبيا المستعرة منذ نوفمبر 2020م، لا سيما توصية مجلس الأمن في 26 أغسطس 2021م مِن قِبَل الدول الأعضاء بوجوب استعداد برلمان إثيوبيا “المقبل” للاستعداد لرفع التصنيف الإرهابي “للفاعلين المسلحين”؛ للسماح باتصال وتفاوض مباشر مع الفاعلين المسلحين المعارضين للحكومة([1])؛ الأمر الذي يؤكد سعي نظام آبي أحمد لحوار وطني غير مكتمل، ورهن مخرجاته بتصوراته المسبقة.
كما جاء انعقاد المؤتمر الأول للحزب وسط انتقادات محلية ودولية لسِجِّله في ملفّ حقوق الإنسان، مع انتشار فيديو لحرق عناصر من قوات حكومية لمواطن (من إثنية التيجراي) حيًّا في إقليم بني شنقول-قمز، ما أثار موجات غضب داخلية غير مسبوقة منذ مقتل المغني الأوروموي الشهير هاشالو هونديسا (يونيو 2020م)، عوضًا عن الاحتجاجات على خلفية عجز قوات الأمن الإثيوبية عن حماية الآلاف في إقليم الأورومو من القتل، وحاول الحزب تخفيف حدَّة هذه الاتهامات بوضع تقييم على المستويات الإقليمية، وعزل بعض كبار مسؤولي الحزب المتورطين في هذه الاتهامات “بإساءة التصرف”([2]).
أجندة مؤتمر حزب الازدهار الأول:
اختتم حزب الازدهار الحاكم في إثيوبيا مؤتمره الأول (11- 13 مارس 2022) بحزمة من المداولات والمخرجات تصدَّرها انتخاب رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد رئيسًا للحزب، وما وصفه بإجماع حول قضايا عديدة متعلقة بالوضع الحالي في البلاد ومسارها مستقبلًا. كما انتخب المؤتمر نائب رئيس الوزراء ديميكي مكونين ورئيس مكتب الحزب آدم فرح نائبين لرئيس الحزب([3]).
ونال آبي أحمد 1480 صوتًا مقابل 1370 صوتًا لآدم فرح و970 صوتًا لديميكي مكونين من إجمالي عدد ناخبين وصل نحو 1600 ناخب انتخبوا أيضًا 225 عضوًا باللجنة المركزية، و45 عضوًا باللجنة التنفيذية للحزب([4]).
وارتكزت أجندة المؤتمر الأول لحزب الازدهار حول خمسة محاور رئيسة: الاستماع والتصديق على تقارير اللجنة المركزية ولجنة التحقيق والإشراف- مناقشة برنامج الحزب والتصديق عليه- مناقشة الأنظمة الأساسية للحزب- اختيار كبار قيادات الحزب- وانتخاب رئيس له.
وناقش المجتمعون في الجلسة الأولى المحورين الأولين “ديمقراطيًّا وبشفافية” وصادقوا عليهما. كما تم الاتفاق في المرحلة المبكرة من الاجتماع على معالجة المشكلات الأمنية “في المناطق العديدة عبر شغل الفجوات في القيادة ومحاربة التطرف”.
وناقش المجتمعون بالتوازي مع هذه الملفات قضيتي التضخم والجفاف في البلاد، وأقروا بوجوب تصميم وتطبيق استراتيجية فعَّالة من أجل الحلّ الدائم للجفاف في المناطق المنخفضة([5]).
وتشير تقديرات إثيوبية مهمة إلى أنه رغم ظهور “الازدهار” بمظهر الحزب الواحد المتَّحد فإنه لا يختلف كثيرًا عن الجبهة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية EPRDF التي ورثها الحزب من جهة استمرار الحضور القوي للتقسيم الإثني في الحكم داخل الحزب في مؤتمره الأخير. وأنه لا يزال يكوّن مكاتبه الفرعية الحزبية في الولايات الإقليمية على النحو الذي كان يتم في الجبهة التي تم حلها (اختيارات من القيادة دون اعتبار يُذْكَر للقواعد الحزبية party grassroots)، وما يُلاحَظ بقوة من تحوُّل بناء حزب الازدهار – منذ تأسيسه في نهاية العام 2019م- لأن يكون مؤسسة حاكمة قائمة على أُسُس إثنية خارج العاصمة أديس أبابا([6]).
أهم مسارات “السياسة الحزبية” الإثيوبية:
بادر رئيس الوزراء آبي أحمد منتصف مارس –بعد انتهاء أعمال المؤتمر الأول لحزب الازدهار مباشرة- بالاجتماع بأعضاء اللجنة المركزية في حزب الازدهار لمناقشة “مبادئ واتجاهات الحزب”، وأكد خلال الاجتماع على أهمية الإصلاح، وتخفيف حدة العداءات وما وصفه بالراديكالية الإثنية. ودعا آبي أحمد أعضاء اللجنة إلى استفادة الحزب من دروس فشل الأحزاب “في أجزاء أخرى من العالم”([7]).
وتوحي المتابعة اللصيقة لرئيس الحزب بوجود مسارات محددة سيعمل الحزب على إنجازها في الفترة القصيرة المقبلة بالتوازي مع ترتيبات انعقاد “الحوار الوطني الشامل” ويمكن رصد أهم هذه المسارات على النحو التالي:
1-التحول نحو النظام الرئاسي
حسم الاجتماع الحزبي مسألة مهمة سيكون لها تداعياتها على مستقبل إثيوبيا، ويؤشر إلى مضي آبي أحمد في سياسات “الإثيوبيانية” بخطوات واسعة في المستقبل القريب؛ فقد تم اختيار آبي أحمد رئيسًا ونائبيه ديميكي مكونن وآدم فرح وفق قواعد عمل التحالف السابق (الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية Ethiopian Peoples’ Revolutionary Democratic Front (EPRDF))، وأقر قاعدة انخراط جديدة يترأس آبي أحمد بمقتضاها حزب الازدهار حتى الانتخابات المقبلة “المقررة بعد عامين ونصف”؛ ما اعتُبِرَ تمهيدًا مباشرًا “للنظام الرئاسي” في الحزب (بدلًا من فكرة التحالف المنحلّ القائمة على المشاركة الإقليمية)، وترجيح ما رآه مراقبون إثيوبيون مؤدِّيًا إلى الانتقال من نظام رئيس الوزراء إلى النظام الرئاسي على المستوى الوطني([8]).
2-الحفاظ على “وحدة إثيوبيا”
بناء على توجيهات آبي أحمد، رئيس الوزراء ورئيس حزب الازدهار، يتبنّى حزب الازدهار في الفترة المقبلة سياسة “عدم السماح لانفصال (إقليم) التيجراي عن إثيوبيا”، مع التمييز بين شعب الإقليم وجبهة تحرير التيجراي، وعدم السماح بتجويع شعب التيجراي. وسيلتزم الحزب برؤية آبي أحمد القائمة –حسب مداولاته في الاجتماع- على ضرورة عدم كون “ديمقراطية إثيوبيا من نوع الديمقراطية التي تهدّد وحدة البلاد، وعدم التفرقة بين مسألة شعب التيجراي وإقليمي بني شنقول وجامبيلا”([9]).
3-تعديل الدستور
أشار رئيس حزب الازدهار، فيما يتعلق بمراجعة دستور إثيوبيا، إلى أن حزبه أو أية أحزاب أخرى لن تقرر حسم هذه المسألة، بل إن قرار المراجعة يعود إلى “شعب إثيوبيا” الذي يجب أن يشارك في العملية بفاعلية، ويقرّر حسمها، وأعلن الحزب انفتاحه على قبول إرادة الشعب وقراره، ولفت أحمد إلى “أننا (حزب الازدهار) لا نقتنع أن الدستور غير قابل للمساس مثل الكتاب المقدس أو القرآن الكريم” في إشارة إلى عدم مشاركة شعب الأمهرا في صياغة الدستور الإثيوبي الحالي، وأن قضايا من هذا القبيل سيتم تناولها من خلال “الحوار الوطني”([10]).
خلاصة:
سارت أعمال المؤتمر الأول لحزب الازدهار الحاكم بسلاسة لافتة، وأسفرت عن اختيار آبي أحمد رئيسًا للحزب حتى انعقاد الانتخابات المقبلة في البلاد بعد نحو عامين ونصف؛ وكشفت مسارات برنامج عمل الحزب عن الرغبة في إحداث تحولات بنيوية في مؤسسات الحكم في إثيوبيا عبر تغيير النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وتعميق تطبيق سياسات “الإثيوبيانية” على حساب الميراث الفيدرالي، وما يعنيه ذلك من قدرة على تحجيم الوجود المستقبلي لإقليم التيجراي تحديدًا في نظام الحكم الإثيوبي، عوضًا عن فرض مشروطيات مسبقة على أيّ حوار وطني “شامل” –أو جهود لتعديل الدستور شعبيًّا- وتهميش خياراته وتحويله لمجرد أداة لتمرير سياسات آبي أحمد.
[1] Ruling Party reiterates inclusive dialogue won’t include ‘terrorist’ groups, Addis Standard, February 16, 2022 https://addisstandard.com/news-ruling-party-reiterates-inclusive-dialogue-wont-include-terrorist-groups/
[2] Ethiopia’s ruling party hopes to emerge stronger after congress, Borkena, March 8, 2022 https://borkena.com/2022/03/08/ethiopias-ruling-party-hopes-to-emerge-stronger-after-congress/
[3] Ethiopia’s ruling party concludes first congress, vows to address mounting uncertainties, Xinhua, March 14, 2022 http://www.xinhuanet.com/english/africa/20220314/d0e4a4b6b4804cb1bb02af6ab43bf6b5/c.html
[4] PP Congress Elects Abiy Ahmed President, Ethiopian News Agency, March 12, 2022 https://www.ena.et/en/?p=34226
[5] Prosperity Party Congress Reaches Consensus on Various Issues in Half-Day Session, Ethiopian News Agency, March 12, 2022 https://www.ena.et/en/?p=34219
[6] Prosperity Party 1st Congress to elect “strong leaders”, Borkena, March 10, 2022 https://borkena.com/2022/03/10/prosperity-party-first-congress-to-elect-strong-leaders/
[7] Abiy Ahmed laying out principles and directions for his party, Borkena, March 16, 2022 https://borkena.com/2022/03/16/abiy-ahmed-meeting-central-committee-members/
[8] Ethiopia ruling party introduces presidential system, News Business Ethiopia, March 13, 2022 https://newbusinessethiopia.com/politics/ethiopia-ruling-party-introduces-presidential-system/
[9] “We shouldn’t allow Tigray secession”, says Ethiopia PM, News Business Ethiopia, March 13, 2022 https://newbusinessethiopia.com/politics/we-shouldnt-allow-tigray-secession-says-ethiopia-pm/
[10] “We shouldn’t allow Tigray secession”, says Ethiopia PM, News Business Ethiopia, March 13, 2022 https://newbusinessethiopia.com/politics/we-shouldnt-allow-tigray-secession-says-ethiopia-pm/ظنمجخ.شارة إلى عدم مشاركة شعب الأمهرا في صياغة الدستور الإثيوبي الحالي وأن قضايا من هذا القبيل سيتم تناولها من خلال “الحوار الوط