شهدت القارة الإفريقية في العام 2021م تطورات متفاوتة؛ حيث نجحت في تجاوز بعض عقبات وتداعيات سلبية ألمَّت بالعالم كله جرّاء جائحة كوفيد-19 وما تلاها، وحقَّقت العديد من دولها اختراقات اقتصادية مهمة يُتوقع تعميقها في العام 2022م.
غير أن العام 2021م شهد وقوع العديد من الانقلابات العسكرية، فيما وصفه مراقبون “بعودة عهد الانقلابات”؛ بعد سلسلة من الانقلابات الناجحة في غينيا ومالي والسودان والمحاولات الانقلابية في دول أخرى.
كما تعاظمت في هذا العام كبرى الأزمات الإفريقية الراهنة في إثيوبيا التي تضم مقر الاتحاد الإفريقي، إضافة إلى توتر إفريقي- فرنسي ملحوظ، ومواصلة الولايات المتحدة “عمليًّا” سياسات فكّ الارتباط مع مجمل القضايا الإفريقية والاعتماد على جهود “وكلاء” إقليميين.
وكانت خلاصة العام 2021م تجسّد تآكل واضح لأدوار منظمة الاتحاد الإفريقي بشكل كبير، وفي كافة ملفاته تقريبًا في ظل رئاسة باهتة للرئيس الكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، وعجز المنظمات الإقليمية الفرعية مثل “إيكواس” في معالجة الأزمات المتصاعدة داخل دول المجموعة لا سيما مالي وغينيا (كوناكري)، وتعطل مسار منطقة التجارة القارية الإفريقية والاقتصار على إعلانات متكررة عن خطوات مستقبلية وتحالفات محتملة مع دول أخرى (مثل ما تم في قمة تركيا- إفريقيا في ديسمبر 2021م).
عام مالي؟
تجتذب مالي منذ الانقلاب العسكري الذي قاده عاصمي غويتا أنظار القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمتشابكة مع الأوضاع بالدولة الإفريقية التي تتقاطع مع إقليم الساحل وغرب إفريقيا وتجاور الشمال الإفريقي.
ويبدو أن الانتقال السياسي نحو “الحكم المدني” مسألة عسيرة في العام 2022م مع اضطراب خريطة الطريق السياسية، وعزم السلطات الحاكمة على تأجيل الانتخابات دون تحديد موعد دقيق لها في العام 2022م، بينما كان من المقرر نهاية الرحلة الانتقالية بقيادة القوات المسلحة في فبراير 2022م. ويبدو هذا الاضطراب واضحًا رغم إعلان “غويتا” في ديسمبر 2021م لجماعة “إيكواس” عزمه تقديم جدول زمني مفصل لإنهاء الحكم العسكري بحلول نهاية يناير 2022م.
وربما يكون العام 2022م هو عام دولة “مالي” بامتياز للنظر إلى عدة اعتبارات؛ منها تصاعد التنافس الدولي على النفوذ والتأثير والتخوُّف من تمدُّد النفوذ الروسي والتركي بشكل كبير هناك؛ وكون مالي محطة مهمة في مسار تراجع النفوذ الفرنسي التقليدي في القارة على خلفية رَفْض شعبي متنامٍ في مالي لهذا النفوذ، إلى جانب اتهامات رسمية من قيادة المرحلة الانتقالية في مالي لباريس بدعم الجماعات الإرهابية هناك، وهي اتهامات خطيرة وتُعدّ مؤشرًا على مستوى توتر العلاقات الفرنسية- المالية التي شهدت نكسة جديدة في نهاية العام 2021م بعزوف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن عقد القمة التي أعلن عنها معه “عاصمي غويتا” بحجة مخاوف من جائحة كوفيد-19، رغم عقد ماكرون عدة لقاءات مع رؤساء دول إفريقية في ديسمبر 2021م بعد الموعد الذي تم تفويته بخصوص زيارته لباماكو.
خريطة الانتخابات الإفريقية 2022م:
هناك ترقب سيشهده العام 2022م على صعيد الانتخابات في إفريقيا في عدة دول تتباين أوضاع استقرارها السياسي والعسكري بشكل واضح. ففي تشاد يتوقع أن تعقد انتخابات “مهمة” في صيف 2022م، لكن مخرجات هذه الانتخابات، عوضًا عن تنوع احتمالات عقدها بالأساس، تظل محل شكوك كبيرة. وعلى سبيل المثال رأى ترولز هيننسن Troels Burchall Henningsen المتخصص في شؤون الساحل بكلية الدفاع الدانماركية الملكية أن المرجح استبدال العملية الانتخابية بحزمة من الإصلاحات السياسية “تحافظ على طريقة عمل الشبكة الحاكمة” بقيادة محمد ديبي ابن الزعيم التشادي الراحل إدريس ديبي الذي لقي مصرعه خلال مواجهات مع جماعات معارضة مسلحة (أبريل 2021م).
وفي شرق إفريقيا، من المقرر أن تُجرَى في كينيا انتخابات رئاسية في أغسطس 2022م حيث سيكون الرئيس الحالي أوهورو كينياتا قد استكمل فترة رئاسته الثانية والأخيرة حسب الدستور الكيني. ومن المتوقع، في ظل استقرار دستوري واضح في كينيا، أن يتصدر سباق الانتخابات الرئاسية كل من وليام روتو W. Ruto (نائب الرئيس كينياتا وعضو الحزب الحاكم) وزعيم المعارضة البارز رايلا أودينجا Raila Odinga.
وتواجه أنجولا ورئيسها الحالي Joao Lorenco (في ظل قيادة الحركة الشعبية لتحرير أنجولا MPLA التي تقود البلاد منذ استقلالها عن البرتغال في العام 1975م) سباقًا انتخابيًّا في أغسطس 2022م؛ حيث كونت المعارضة تحالفًا سياسيًّا جديدًا يحمل اسم “الجبهة الوطنية المتحدة” United Patriotic Front، وسط تحليلات متنوعة تؤكد وحدة هذه الجبهة بشكل ملحوظ مقارنة بالانقسامات المتصاعدة داخل “الحركة الشعبية” الحاكمة.
أما غينيا (كوناكري) فإنها تواجه ضغوطًا دولية وإقليمية متسارعة لوضع جدول زمني للمرحلة الانتقالية وعقد الانتخابات في نهايتها؛ وبالفعل أعلنت السلطات “الانتقالية” في غينيا عن انعقاد “المجلس الانتقالي الوطني” نهاية ديسمبر 2021م لاقتراح جدول زمني، بغض النظر عن مطالبة الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بضرورة العودة للنظام الدستوري قبل يونيو 2022م.
معضلة “الانتقال الديمقراطي”:
تتمركز معضلة الانتقال الديمقراطي في إفريقيا في حالتين بارزتين؛ أولهما السودان الذي يمر بمرحلة انتقالية منذ سقوط الرئيس عمر البشير (أبريل 2019م)؛ وثانيهما إثيوبيا ثاني أكبر دول إفريقيا عددًا في السكان، والتي أطلق رئيس وزرائها قبل نهاية العام 2021م دعوة “لحوار وطني شامل”، ربما تكون لها تداعياتها الحقيقية في العام 2022م.
وقد تسارعت الأحداث في السودان منذ اتخاذ رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان خطوات مهمة في 25 أكتوبر 2021م “لتصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، وانتهت التفاعلات “داخل مكونات قيادة المرحلة الانتقالية” في نهاية العام بإعلان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك خريطة طريق لعقد الانتخابات السودانية في العام 2023م. غير أن التظاهرات الاحتجاجية لم تتوقف وسط تآكل لشعبية “حمدوك” في أوساط المكون المدني السوداني بشكل ملحوظ. وفي أفضل الأحوال سيكون انضباط المسار السياسي في السودان في العام 2022م قوة كبيرة دافعة نحو عقد الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية وترك جميع الخيارات قائمة أمام الناخب السوداني؛ وتلك مسألة أخرى لا يتوقع أن تتم بسلاسة.
أما إثيوبيا، التي مثَّلت البؤرة الأكثر دموية في إفريقيا في العام 2021م رغم التجاهل المستغرب مِن قِبَل الاتحاد الإفريقي لمعالجة الأوضاع الإنسانية المأساوية؛ بحجة أن الأزمة “شأن داخليّ”؛ فإن العام 2021م انتهى بإعلان رئيس الوزراء آبي أحمد نهاية المرحلة الأولى من عمليات القوات الفيدرالية العسكرية في عدد من أقاليم البلاد أبرزها العفر والأمهرا المجاورين لإقليم التيجراي، ثم إطلاقه حوارًا وطنيًّا شاملًا يتوقع أن يشمل إقليم التيجراي وقيادته السياسية رغم التحفظات المبدئية التي أعلنها نظام آبي أحمد وفسَّرها محللون بأنها لتعزيز “موقفه التفاوضي” ليس أكثر.
ويتوقع أن يشهد العام 2022م حوارًا وطنيًّا شاملًا في ظل الرقابة الدولية اللصيقة للأزمة الإثيوبية، واتفاق أغلب الأطراف الدولية على ضرورة حل الأزمة “سياسيًّا” لضمان ألا تنفجر الأوضاع في إثيوبيا، حتى على حساب تجاوز استمرار نظام آبي أحمد ورهن بقائه بإدارة “مرحلة انتقالية” قصيرة في الغالب.
إفريقيا والإرهاب: مسارات 2022م
تضفي تداعيات جائحة كوفيد-19 ظلالًا على توقعات اتجاهات الإرهاب ومساراته في إفريقيا في العام 2022م، لا سيما ما يترقبه متخصِّصون من تداعيات استمرار حالات الإغلاق العام من إثارة سخط قطاعات كبيرة من السكان، وسهولة استقطاب الجماعات والمنظمات الإرهابية للعناصر من بينها. ويتوقع أن تشهد أجزاء من إفريقيا موجة جديدة من الهجمات الإرهابية. ويرجح المحللون تنامي أعمال العنف والإرهاب في إثيوبيا، بالتزامن مع تفكيك مركزية عمل الجماعات الإرهابية.
وهناك توقعات استباقية بتمدد أنشطة تنظيم “الدولة في إقليم وسط إفريقيا (خاصة في الكونغو الديمقراطية وأوغندا). وفيما يتعلق بتكتيكات الجماعات الإرهابية يتوقع مواصلة الجماعات الإرهابية مساعيها الحصول على التكنولوجيات المتطورة لتعزيز قدراتها الهجومية (مثل الحصول على مسيرات مزودة بالذخيرة الحية Explosive-laden Drones). كما يلاحظ أنه بعد عقدين من “الحرب العالمية على الإرهاب” فإن الولايات المتحدة وحلفاءها يصرفون انتباههم ومواردهم نحو مساعي حسم التنافس الدولي في إفريقيا من قبل قوى عظمى: روسيا والصين.
إفريقيا في العام 2022م: رؤية عامة
برهنت أحداث العام 2021م على هشاشة العمل المؤسساتي والجماعي الإفريقي وارتهانه بتفسيرات متناقضة لآليات عمل المنظمات المعنية؛ بين إعلانٍ غير مفهوم لشعار حلول إفريقية لقضايا إفريقية على حساب العديد من الأزمات الإنسانية التي ألحقت ضررًا بالغًا بحقوق المواطن الإفريقي في عدة بؤر في أقاليم القارة المختلفة لاسيما الأزمة الإثيوبية الجارية، وإقرارٍ “أحادي” بقبول عضوية إسرائيل مراقبًا في الاتحاد الإفريقي دون “عِلْم” دُول بحجم نيجريا ومصر وجنوب إفريقيا والجزائر، والعديدِ من الأمثلة الأخرى الدالة على ضعف آليات “العمل الجماعي” الإفريقي ووصوله لمستويات دنيا ربما تكون غير مسبوقة.
لا يُتوقع بشكل عام تغيُّر الأمور لمستوى أفضل في العام 2022م في ظل الاختراقات الإقليمية والدولية لكافة ملفات الأزمات والمصالح الإفريقية على حساب التعاون الإقليمي بين دول القارة؛ وتبقى الفرص ضئيلة في نجاح عدد من القوى المهمة في القارة في إعادة ضبط مسار القارة الإفريقية وإطلاق مبادرات لتصويب المقاربات القارية إزاء العديد من المشكلات والملفات الاقتصادية والسياسية والإنسانية والأمنية.