تطرح دبلوماسية المبادرات مساحة مشتركة جديدة من التفاهمات والتقاطعات لتقريب وجهات النظر في منطقة القرن الإفريقي. فقد انطلق عددٌ من المبادرات الإقليمية التي طرحتها بعض القوى الفاعلة في القرن الإفريقي مثل الإمارات وقطر، في محاولة لتسوية بعض الأزمات المحورية التي تُضْفِي المزيد من التعقيد على السياق الإقليمي في المنطقة، مثل الأزمة الحدودية السودانية-الإثيوبية، والنزاع البحري الصومالي-الكيني، وأزمة سد النهضة الإثيوبي، والأزمة السياسية الصومالية.
وتُعبِّر تلك المبادرات في الأساس عن توجُّهات جديدة تستهدف إعادة ترتيب المعادلة الإقليمية في ضوء المستجدات التي تطرأ على المنطقة، وتنبئ بإعادة تشكيل الخريطة الجيوستراتيجية في المنطقة، مع احتمالات إعادة تكثيف الحضور العسكري الأمريكي خلال الفترة المقبلة، وفي ضوء تصاعد التنافس الأمريكي-الصيني هناك.
ويدفع هذا الأمر للتساؤل حول مدى فاعلية دبلوماسية المبادرات في تجنيب القرن الإفريقي للصراعات والتوترات، وتأثيراتها المحتملة على مجمل التفاعلات الإقليمية في المنطقة.
تُلْقِي هذه الورقة الضوء على طبيعة المبادرات الإقليمية التي طُرِحَتْ في ضوء السياق الإقليمي الراهن في القرن الإفريقي، ودوافعها، وتأثيراتها المحتملة.
أبرز الملفات الخلافية في الإقليم:
بخلاف التوقعات الإيجابية التي صاحبت التحول اللافت منذ ثلاث سنوات عقب توقيع اتفاق السلام بين دولتي إثيوبيا وإريتريا في يوليو 2018م؛ يبدو المشهد الإقليمي اليوم في منطقة القرن الإفريقي أكثر تعقيدًا حول ترسيخ دعائم الاستقرار الإقليمي، وتصفير المشكلات بين بلدان المنطقة.
إذ سرعان ما تفجَّرت النزاعات والتوترات الداخلية والإقليمية في القرن الإفريقي؛ لتُضفي المزيد من الشكوك حول إمكانية تحقيق السلام في المنطقة، مما قد يُنْذِر بمزيدٍ من التكالب الدولي نحو الإقليم تحت ذريعة إحلال السلام وحفظ الأمن فيه.
وتتمثل أبرز تلك النزاعات الإقليمية في القرن الإفريقي في الآتي:
1- النزاع الحدودي السوداني-الإثيوبي: اندلع في نوفمبر 2020م بالتزامن مع الصراع الدائر في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا؛ حيث يتنازع الطرفان السوداني والإثيوبي على السيادة على منطقة الفشقة، وسط حالة من الحشد العسكري والأمني بين الجانبين؛ تحسُّبًا لتصعيدٍ مُحتَملٍ بينهما. ولم تفلح المحادثات بين الخرطوم وأديس أبابا في التوصل لاتفاق حول تسوية هذا الخلاف.
2- أزمة سد النهضة الإثيوبي: يتصاعد الخلاف بين الدول الثلاث؛ مصر والسودان وإثيوبيا، بعد فشل المفاوضات التي دارت طوال السنوات السابقة، ومع إصرار الجانب الإثيوبي على المُضِيّ قُدُمًا نحو الملء الثاني لسد النهضة بشكل أُحادِيّ دون التوافق مع كلٍّ من مصر والسودان، بما يُهدِّد الأمن المائي للبلدين.
3- الخلاف الصومالي-الكيني: وهو نزاعٌ مُركَّب، فهناك نزاع بحري مستمر تنظر فيه محكمة العدل الدولية للفصل بشأنه منذ عام 2014م، وشهد تصعيدًا بين الطرفين خلال الفترة الأخيرة. في حين توترت العلاقات الثنائية بين البلدين مؤخرًا على خَلْفِيَّة اتهام مقديشو لنيروبي بالتدخل في الشأن الصومالي، ممَّا أفضى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في ديسمبر 2020م قبل استئنافها مُجدَّدًا في مايو الماضي.
4- الحرب في إقليم تيغراي الإثيوبي: التي اندلعت في 4 نوفمبر 2020م بسبب ما أسماه النظام الحاكم في البلاد انتهاك جبهة تحرير تيغراي للقانون والهجوم ضد القوات الإثيوبية في المنطقة العسكرية الشمالية، وبالرغم من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، تحقيق عملية إنفاذ القانون أهدافها في الإقليم في 28 نوفمبر 2020م، إلا أن ثمة تقارير تشير إلى استمرار الصراع الداخلي في تيغراي وسط حالة من التعتيم تفرضها السلطات الإثيوبية. الأمر الذي امتدت تداعياته إلى المحيط الإقليمي في ضوء تفاقم الأوضاع الإنسانية ولجوء الآلاف من المواطنين إلى بعض دول الجوار مثل السودان.
5- الأزمة السياسية في الصومال: فقد شهدت الساحة الصومالية مزيجًا من الاستقطاب السياسي والاضطراب الأمني؛ نتيجة رفض الأطراف السياسية لسياسات النظام الحاكم الخاصة بتمديد فترة ولاية الرئيس محمد عبد الله “فرماجو” والمؤسسات الحكومية لمدة عامين؛ مما عمَّق الأزمة السياسية في البلاد قبل أن يتراجع فرماجو عن قراراته بفعل الضغوط الإقليمية والداخلية.
دبلوماسية المبادرات في القرن الإفريقي:
في خِضمّ هذا السياق الإقليمي المُثْقَل بسلسلة من الأزمات، برزت بعض المبادرات الإفريقية وغير الإفريقية بهدف تخفيف حدة التوترات في القرن الإفريقي، والحيلولة دون تصعيد الأمر للمواجهات العسكرية، بما ينعكس على تهديد السلم والأمن الإقليميين في المنطقة.
فعلى صعيد أزمة سد النهضة، طرح الاتحاد الإفريقي بعض المبادرات خلال العامين الماضيين بادر بها كلٌّ من جنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية، باعتبارهما رئيسيْ الاتحاد السابق والحالي لعامي 2020/2021م، بعد فشل المبادرة الأمريكية التي طرحتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، في نوفمبر 2019م؛ بسبب انسحاب إثيوبيا قبل التوقيع على وثيقة واشنطن في فبراير 2020م.
فقد جرت سلسلة من الجولات التفاوضية التي رعتها الدولتان بين الأطراف المعنية؛ في محاولة لتقريب وجهات النظر بينها([1]). كما أبدت موسكو اهتمامها بالتوصل لحلول بشأن الأزمة؛ إذ تقدمت باقتراح للمساعدة التقنية في مفاوضات سد النهضة في 2020م إلَّا أنها باءت بالفشل([2])، ما أضْفَى مزيدًا من التعقيد حول إمكانية إيجاد تسوية لهذه الأزمة وسط تنبؤات بتصعيد محتمل يُنْذِر بزعزعة الاستقرار الإقليمي.
كما طرحت بعض الدول الإفريقية مبادراتها لتسوية الأزمة في إقليم تيغراي الإثيوبي الذي يشهد صراعًا منذ نوفمبر 2020م؛ إذ تقدمت السودان، باعتبارها رئيس الهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد)، بمبادرة بين الحكومة الإثيوبية وقادة جبهة تحرير تيغراي للتفاوض بشأن إنهاء الحرب الدائرة في الإقليم، ودعت أوغندا إلى تغليب لغة الحوار في هذه الأزمة، بالإضافة إلى محاولات أخرى قامت بها جنوب إفريقيا، باعتبارها رئيس الاتحاد الإفريقي في 2020م، إلا أن تلك المبادرات لاقت رفضًا صارمًا مِن قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الذي بدا مصممًا على تحقيق عملية إنفاذ القانون أهدافها كاملة بالقضاء على جبهة تحرير تيغراي في شمال البلاد، باعتبارها عقبة أمام مشروعه السياسي في البلاد، وفي الإقليم.
وبعد نجاح مبادرتها الإقليمية في القرن الإفريقي في عام 2018م التي أفضت إلى توقيع المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو من نفس العام؛ أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة في يناير 2021م رغبتها في الوساطة بين السودان وإثيوبيا لتخفيف حدة التوتر بين البلدين، وتسوية الأزمة الحدودية بينهما حول منطقة الفشقة المتنازَع عليها، وزار وفد إماراتي كلا البلدين في ذلك الوقت، إلا أن المبادرة برزت بشكل فعلي في مارس الماضي دون إعلان عن أيّ تفاصيل رسمية بشأنها مِن قِبَل الأطراف المعنية.
وهدفت المبادرة الإماراتية إلى حلّ الخلاف بين البلدين، وذلك في إطار رؤية استراتيجية شاملة للقرن الإفريقي تهدف أيضًا إلى تقريب وجهات النظر في ملف سدّ النهضة الإثيوبية بين مصر والسودان وإثيوبيا([3]). وتقوم المبادرة على ثلاثة بنود أساسية تتمثل في تكثيف العلامات الحدودية بين السودان وإثيوبيا على أساس اتفاقية 1902م، ومراعاة أوضاع المزارعين من خلال تمويل الإمارات لمشروع تنموي يستفيد منه جميع الأطراف؛ مما يجعلها بمثابة صِيَغ استثمارية وفق القوانين السودانية في أراضي منطقة الفشقة، بالإضافة إلى وقف التصعيدين الإعلامي والسياسي بين الخرطوم وأديس أبابا([4]).
وبرغم موافقة الحكومة السودانية على المبادرة الإماراتية مبدئيًّا لحل الخلافات مع إثيوبيا في 23 مارس 2021م تأكيدًا لحسن النوايا ومراعاة حسن الجوار الإقليمي والتمسك بالحلول السلمية عبر الحوار([5])، وإشادة مجلس الأمن والدفاع السوداني بالمبادرة الإماراتية، إلا أن موقف السودان منها رُهِنَ بوضع العلامات الحدودية وفقًا لاتفاقية 1902م كأساس لأيّ تعاون مستقبلي مع إثيوبيا([6]). وهو ما دفع أبوظبي إلى سحب المبادرة في 24 مايو 2021م؛ حرصًا منها على تماسك الجبهة الداخلية السودانية، والحيلولة دون حصول أي تشرذم أو انقسام إزاء المبادرة، وتأكيدًا على احترامها للموقف السوداني الذي يقضي بتكثيف العلامات الحدودية في منطقة الفشقة.
وفي سياق متصل، دخلت الدوحة على خط الأزمة عقب سحب المبادرة الإماراتية مباشرة بعدما أبدت رغبتها في الوساطة بين السودان وإثيوبيا لتسوية الخلافات بين البلدين في ملفي سد النهضة الإثيوبي والحدود المشتركة. وزار وزير الخارجية القطري السودان في 25 مايو 2021م التقى خلالها رئيس المجلس الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان([7])، كما التقى في الدوحة، في 27 مايو، بوزير الدولة للشؤون الخارجية الإثيوبية رضوان حسين، في محاولة لتفعيل المبادرة القطرية التي لم يُعْلَن عن تفاصيلها([8]).
إلا أن المبادرة القطرية لم تُحقّق أهدافها المرجوة في ضوء استمرار النزاع قائمًا بين الخرطوم وأديس أبابا دون أيّ تسوية راهنة، وإن كانت الدوحة تستند إلى خبرتها السابقة في الوساطة في النزاع بين جيبوتي وإريتريا على جزيرة دميرة في عام 2011م، فضلاً عن اعتقادها بأن رئاستها للدورة الحالية لجامعة الدول العربية قد تمنحها الزخم اللازم، وتسهم في دفع الجهود لحل الخلافات في القرن الإفريقي، بغية تعزيز دورها في المنطقة([9]).
وعلى صعيد الخلاف الصومالي-الكيني؛ سعت الدوحة للعب دور في تسوية النزاع البحري بين البلدين([10])، حيث بادرت إلى إرسال مبعوث خاص زار البلدين في 3 و6 مايو الماضي مُحمَّلاً برسالة من أمير قطر لزعيمي الدولتين([11])، بهدف تقريب وجهات النظر بينهما، وذلك بالتعاون مع الكونغو الديمقراطية بحكم رئاستها للاتحاد الإفريقي([12]). وتفيد تقارير باتفاق محتمل سيعقد في الدوحة خلال الفترة المقبلة بشأن تقاسُم كلٍّ من كينيا والصومال عائدات مبيعات النفط والغاز داخل المثلث البحري المتنازع عليه([13]). وقد نجحت التحركات الدبلوماسية القطرية في عودة العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا في 6 مايو الماضي([14])، وإن كانت تلك المبادرة تبدو مرشحة للفشل في ظل هشاشة هذا التقارب مع استمرار ضغط بعض الملفات الشائكة على العلاقات بين البلدين، لا سيما النزاع البحري الذي لا يزال أمام التحكيم الدولي للفصل فيه، فضلاً عن استمرار حظر استيراد الصومال لنبات القات من كينيا، وقيام كينيا بغلق المجال الجوي بين البلدين قبل أن تعيد فتحه مرة أخرى، وملف الانتخابات الصومالية المقبلة([15]). أضف إلى ذلك، قيام الصومال بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي في يونيو الجاري تتضمن إدانة الجانب الكيني، واتهامه بالتورط في قصف مناطق بإقليم غدو الصومالي، والذي أسفر عن مقتل وإصابة مواطنين بينهم نساء وأطفال، مُقدِّمةً الأدلة على ذلك([16]).
ومع الحضور البارز لقطر في الصومال على مستويات عدة منذ وصول الرئيس فرماجو إلى السلطة في 2017م، تسعى الدوحة إلى تسوية الأزمة السياسية الصومالية؛ حيث أجرى مبعوثها سلسلة من اللقاءات التي شملت كافة الأطراف السياسية في الساحة الصومالية مثل رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، ورئيس البرلمان الفيدرالي، ورئيس جهاز الاستخبارات، كما التقى مع اتحاد المرشحين الرئاسيين المعارض باستثناء شيخ شريف أحمد الذي رفض لقاء المبعوث القطري([17])، وذلك بهدف التوصل لاتفاق حول إجراء الانتخابات المقبلة، وبحث سبل إيجاد حل للأزمات السياسية، وتخفيف حدة الخلاف بين النظام الحاكم والمعارضة السياسية في البلاد.
وأعلنت قطر أيضًا رغبتها في أن تكون جزءًا من الجهود الدولية للوساطة في محادثات الصومال وأرض الصومال([18])، خاصة بعدما قام مطلق بن ماجد القحطاني، المبعوث الخاص لوزير الخارجية القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية المنازعات، بزيارة العاصمة هرجيسا مؤخرًا، واتفق على فتح مكتب دبلوماسي للدوحة هناك بالإضافة لمكتب لمنظمة قطر الخيرية([19]).
دوافع التحركات الإقليمية:
تتباين الأهداف والمصالح التي دفعت بعض الأطراف الإقليمية، لا سيما الإمارات وقطر، نحو تبنّي مبادرات إقليمية لتسوية أزمات القرن الإفريقي، وسط سياق إقليمي ربما يشهد بوادر إعادة هندسة المنطقة، في ضوء عودة الاهتمام الأمريكي بالمنطقة خلال الفترة الأخيرة، بعد تعيين جيفري فيلتمان، مبعوثًا أمريكيًّا خاصًّا للمنطقة في أبريل 2021م([20])، بالإضافة إلى بعض التقارير التي تفيد باحتمالية قيام واشنطن باستعادة قواتها مجددًا إلى الصومال([21])، والتي كانت قد انسحبت في يناير الماضي بقرار من إدارة ترامب السابقة.
الدوافع الإماراتية:
يمكن القول إن أهمها يتمثل في الآتي:
1-تثبيت الدور الإماراتي كحليف استراتيجي في القرن الإفريقي، مما يسهم في توسيع نفوذها السياسي وتعزيز مكانتها الإقليمية والدولية في المنطقة، والتأكيد على دورها المحوري في المنطقة، خاصة بعد دورها المحوري في اتفاق السلام الإثيوبي-الإريتري قبل ثلاث سنوات، مما يعزز ثقة المجتمع الدولي فيها، وانعكاسات ذلك في إعادة ترتيب توازنات القوى الإقليمية في المنطقة.
2-الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لدولة الإمارات، بما فيها الاستثمارات المتعددة في معظم دول المنطقة، إذ تمتلك أبو ظبي العديد من الاستثمارات في كل من السودان وإثيوبيا وغيرهما في شتى القطاعات.
3-الحرص على منع نشوب الصراعات والنزاعات في منطقة القرن الإفريقي، والمساهمة في معالجة الأسباب الجذرية لتلك النزاعات في سبيل تحقيق السلام والأمن والتنمية في الدول الإفريقية، وتحقيق الاستقرار في القرن الإفريقي.
4-أهمية منطقة القرن الإفريقي بالنسبة للإمارات، باعتبارها مرتكزًا أساسيًا لها على الصعد الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، ومن ثمّ تستمر المساعي الإماراتية للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة من خلال توظيف كل إمكاناتها وأدواتها لتسوية الملفات الشائكة إقليميًّا.
5-التأكيد على أن التعاون في سبيل تحقيق التنمية المشتركة هو السبيل الوحيد للحدّ من فُرَص تجدُّد الصراعات في القرن الإفريقي، وما يمكن أن يترتب عليه من زعزعة للاستقرار الإقليمي هناك. والتأكيد على اتباع نهج الحلول السلمية كمبدأ أساسي في حل النزاعات الإقليمية في المنطقة من دون أيّ تصعيد محتمل.
6-حرص الإمارات على دعم السودان في تعزيز السلام والتنمية والاستقرار، ودعم المرحلة الانتقالية الجارية في السودان، انطلاقًا من أن أمن السودان يظل ركيزة أساسية ومهمة في أمن المنطقة.
7-استغلال العلاقة الجيدة بين الإمارات والنظام الإثيوبي الحاكم لإيجاد مخرج للخلافات القائمة في المنطقة، لا سيما الحدود المشتركة مع السودان وملف سد النهضة، وما يترتب عليها من دعم لآبي أحمد في ظل الضغوط الداخلية التي يواجهها نظامه.
8-مواجهة النفوذين التركي والقطري في القرن الإفريقي، وعدم ترك الساحة مفتوحة أمام تحركاتهما التي تهدد المصالح الاستراتيجية هناك، في ظل تقلص النفوذ العربي في المنطقة.
9-الحيلولة دون تهديد أمن البحر الأحمر، وتجدُّد الصراعات بالقرب منه، في ضوء الأهمية الجيوستراتيجية التي يحظى بها في سياسات القوى الدولية والإقليمية.
الدوافع القطرية:
1-كسب مزيد من الدور والنفوذ في القرن الإفريقي، وتعزيز حضور قطر في كل من إثيوبيا والسودان، ومحاولة لعب دور في أمن البحر الأحمر مستقبلاً. أضف إلى ذلك، وجود رغبة قطرية في تقديم نفسها إلى دول القرن الإفريقي والقوى الدولية الفاعلة على أنها الحليف القادر على تفعيل مبادرات السلام الإقليمية في القرن الإفريقي.
2-محاولة الدوحة فتح قنوات اتصال مع كل الأطراف السياسية المعارضة في الصومال؛ تحسبًا لخسارة فرماجو في الانتخابات المقبلة. بالإضافة إلى حرصها على عدم وصول أيّ تيارات سياسية مناهضة لها ولا تتماشى مع أهدافها في الصومال والمنطقة.
3-تعزيز الحضور القطري في القرن الإفريقي، والظهور كلاعب إقليمي يلعب دورًا بارزًا في تحقيق السلام في المنطقة؛ مما يدعم صورتها أمام المجتمع الدولي أيضًا.
4-الحفاظ على الصومال كجزء من محور الدوحة-أنقرة الذي برز منذ عام 2017م، في ظل تطابق المواقف الخارجية لمقديشو مع مواقف هذا المحور، لا سيما فيما يتعلق بموقفها إزاء التدخل التركي في ليبيا وسوريا، والموقف الصومالي الحيادي تجاه أزمة سد النهضة الإثيوبي؛ فقد تحفظت مقديشو على بعض بنود قرار الجامعة العربية الذي دعا لانسحاب كافة القوات الأجنبية من ليبيا، بما فيها القوات التركية. كما تحفظت على البند الخامس من قرار الجامعة العربية الذي صدر في يونيو 2020م، والذي يقضي بضرورة امتناع كافة الأطراف عن اتخاذ أي إجراءات أحادية، بما في ذلك امتناع إثيوبيا عن البدء في ملء سد النهضة دون التوصل لاتفاق مع دولتي المصب([22]).
5-حماية الاستثمارات القطرية ومصالحها الاستراتيجية في الصومال وكينيا؛ إذ تنفذ الدوحة بعض المشروعات الاستثمارية في الصومال مثل تطوير ميناء هوبيو في إقليم مدغ الذي يقع بالقرب من خليج عدن، وبعض مشروعات البنية التحتية بقيمة 200 مليون دولار. كما تمتلك بعض الاستثمارات النفطية في كينيا([23]). لذلك، ينذر استمرار الخلافات الإقليمية واحتمال تصعيدها بالتأثير السلبي على المصالح الاقتصادية لقطر، كونها تُعدّ شريكًا تجاريًّا رئيسيًا للبلدان الأربعة، وهو ما ينعكس بالسلب على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
6-تأمين الاستثمارات القطرية في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين الصومال وكينيا، خاصةً أن لدى الدوحة مصالح مشتركة مع شركة النفط الإيطالية “إيني” التي تقوم باستكشافات على بعض كتل الغاز والنفط في المثلث البحري المتنازَع عليه بين البلدين. كما وقَّعت شركة قطر للبترول اتفاقًا مع شركة توتال الفرنسية التي تمتلك حقولاً نفطية في بعض الكتل البحرية مثل L11A وL11B وL12، والتي لا تُعدّ جزءًا من النزاع.
7-حماية المصالح النفطية القطرية في المحيط الهندي، فقد قامت الدوحة في عام 2019م بشراء ثلاث كتل للتنقيب عن النفط في المحيط الهندي عبر شركة قطر للبترول، وتقول: إن تلك الكتل لا تقع ضمن النزاع الدائر بين الصومال وكينيا([24]).
التأثيرات والانعكاسات:
ثمة معوقات تقف أمام تفعيل المبادرات الإقليمية المطروحة لتسوية أزمات القرن الإفريقي، منها ما هو متعلق ببعض المواقف الرافضة لها بفعل الانقسامات الداخلية وتوظيف بعض القوى السياسية مِن قِبَل دول وقوى إقليمية بهدف تقليص دور بعض القوى الإقليمية لحساب قوى أخرى، في حين يتخوف البعض من دور بعض المبادرات في تقليص نفوذ دول المنطقة لصالح المزيد من النفوذ والتعويم للدور الإثيوبي، بالإضافة إلى غياب الدعم الدولي والإقليمي لتفعيل تلك المبادرات.
ويمكن قراءة تأثير تلك المبادرات الإقليمية على مستويات ثلاثة:
1. الدور الإقليمي في القرن الإفريقي: تمنح تلك المبادرات زخمًا للدور الإقليمي للدول الراعية لها، بغض النظر عن نجاحها أو إخفاقها، مما ينعكس بشكل كبير على توسيع نفوذها في المنطقة على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما يُنظر إليها كراعي وصانع للسلام الإقليمي، وتلقي بظلالها على تعزيز وتوسيع نطاق استثماراتها، وحماية مصالحها الاستراتيجية هناك. وهو ما قد يخصم في نفس الوقت من نفوذ بعض القوى الإقليمية الأخرى في القرن الإفريقي في ظل حالة التنافس الإقليمي على النفوذ هناك.
2- أمن واستقرار القرن الإفريقي: تلعب تلك المبادرات دورًا في تعزيز الاستقرار الإقليمي كونها تسهم في تخفيف حدة التوترات والخلافات بين دول القرن الإفريقي والحيلولة دون أيّ تصعيد محتمل، والسماح بالجلوس على طاولة المفاوضات للحوار والتسوية، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي على أمن المنطقة واستقرارها.
3- التنافس الإقليمي والدولي في المنطقة: يبدو أن دبلوماسية المبادرات الإقليمية باتت تمثل شكلاً جديدًا من أشكال التنافس في القرن الإفريقي، في سبيل كسب المزيد من الدور والنفوذ، لا سيما مع نجاح بعض المبادرات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط في إعادة إحياء أدوار بعض القوى الإقليمية في المنطقة، لا سيما في ملفي الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية. وهو ما يفتح المجال أمام مسارعة العديد من القوى الإقليمية والدولية للانخراط في أزمات القرن الإفريقي بحثًا عن موطئ قدم يُمهِّد للمزيد من النفوذ والهيمنة وتعزيز المصالح الاستراتيجية هناك.
[1] Egypt/Sudan/ Ethiopia: Will Tshisekedi calm the waters in the GERD dispute?, The Africa Report, 31 March 2021, available at:
[2] Sarah El-Sheikh, Russia offers technical assistance in Nile dam negotiation: Lavrov, Daily News, 12 April 2021, available at:
[3] “الإمارات تسحب مبادرتها بين السودان وإثيوبيا”، شبكة القرن الإفريقي للإعلام، 24 مايو 2021، متاح على:
[4] عبد القادر محمد علي، “بعد سحب مبادرة الإمارات وانطلاق “حماة النيل”.. وادي النيل على صفيح ساخن”، TRT عربي، 26 مايو 2021، متاح على:
[5] “السودان يبحث مبادرة الإمارات لحل النزاع مع إثيوبيا”، موقع الشرق، الإمارات، 5 أبريل 2021، متاح على:
[6] عبد الحميد عوض، “رفض في السودان لوساطة إماراتية مع إثيوبيا”، العربي الجديد، 19 أبريل 2021، متاح على:
[7] Qatari deputy PM voices support for peace efforts in Sudan, Xinhua Net, 25 May 2021, available at:
[8] Asmahan Qarjouli, Qatar’s FM meets senior Ethiopian official amid ongoing dam dispute, Doha News, 27 May 2021, available at:
[9] “قطر: مستعدون للتوسط بين الخرطوم وأديس أبابا لحل الخلافات حول سد النهضة والحدود المشتركة”، موقع مصراوي، 24 مايو 2021، متاح على: https://bit.ly/3gGl0Jx
[10] Brian Oruta, Kenya lifts ban on flights to and from Somalia, The Star, Kenya, 10 June 2021, available at: https://bit.ly/3iNDnPe
[11] Somalia restores diplomatic ties with Kenya, The Star, Kenya, 7 May 2021, available at: https://bit.ly/3gEBv8T
[12] Eliud Kibii, How Kenya-Somalia relations were restored?, The Star, Kenya, 9 May 2021, available at: https://bit.ly/2SHzb9h
[13] Victor Amadala, Kenya and Somali to equally split disputed oil blocks proceeds, The Star, Kenya, 19 May 2021, available at: https://bit.ly/35toBp8
[14] Situation in Somalia – Report of the Secretary-General (S/2021/485), Relief Web, 24 May 2021, available at: https://bit.ly/3xpoxCM
[15] Kenya to reopen Mogadishu embassy, ministry says, The East African, 5 June 2021, available at: https://bit.ly/3wxBESd
[16] “الصومال يرفع شكوى ضد كينيا إلى مجلس الأمن الدولي”، مؤسسة الصومال الجديد للإعلام والبحوث والتنمية، 15 يونيو 2021، متاح على: https://bit.ly/3wMKThw
[17] “بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها”، مؤسسة الصومال الجديد للإعلام والبحوث والتنمية، 3 مايو 2021، متاح على: https://bit.ly/35ELt4W
[18] Breaking News: Qatar offer to mediate Somaliland- Somalia Talks, Horn Daily, 9 May 2021, available at: https://bit.ly/3j21SZc
[19] “بعد أربع سنوات من الدور السلبي في الصومال: قطر تحاول تلميع صورتها”، مرجع سبق ذكره.
[20] Special Envoy for the Horn of Africa, US Department of State, 23 April 2021, available at: https://bit.ly/2TVLW06
[21] “الولايات المتحدة تدرس إعادة إرسال قواتها إلى الصومال”، مؤسسة الصومال الجديد للإعلام والبحوث والتنمية، 17 يونيو 2021، متاح على: https://bit.ly/2Uvzh4o
[22] المرجع السابق نفسه.
[23] عبد الرحمن عبدي، “التحرك الدبلوماسي القطري في الصومال.. الأسباب والأهداف”، مركز مقديشو للبحوث والدراسات، 12 مايو 2021، متاح على: https://bit.ly/3vKVQPi
[24] Ibid.