استطاع آبي أحمد منذ تسلمه السلطة في إثيوبيا في أبريل 2018م تحقيق نجاحات ملموسة على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي، وتكللت جهوده تلك، وتحديدًا عقد المصالحة الإقليمية مع أسمرة في يوليو 2018م؛ بحصوله على جائزة نوبل للسلام 2019م، والذي لاقى ترحيبًا واسعًا إقليميًّا ودوليًّا. إلا أنَّ ذلك لا يعني غض الطرف عن حجم التحديات التي تواجه الزعيم الإثيوبي الجديد في الداخل، وتأثيراتها على شعبيته واستقرار الدولة الإثيوبية، ومستقبله في الحكم؛ خاصةً مع اقتراب عقد الانتخابات العامة في البلاد والمقرر لها في مايو 2020م. بالإضافة إلى التحدي الخارجي الأبرز وهو إدارة ملف سد النهضة مع مصر في ضوء تعقُّد الموقف والإجراءات التصعيدية المتَّخذة من جانب الحكومة المصرية مؤخرًا، والتي تضع المزيد من التساؤلات حول مبدأ تصفير المشكلات التي يتبعها آبي أحمد في سياسته الخارجية، واستطاع من خلاله أن يحقّق إنجازات عدة مع جواره الإقليمي والجغرافي المباشر منذ صعوده إلى الحكم.
أولًا: طبيعة وتطورات التفاعلات في المشهد السياسي الإثيوبي
بالرغم من نجاح سياسات آبي أحمد الإصلاحية في معالجة عددٍ من الملفات الضاغطة والشائكة في الداخل الإثيوبي التي عانت منها البلاد على مدار سنوات عديدة، وتسببت معظمها في تفجُّر الغضب الشعبي الذي أطاح في النهاية بحكم رئيس الوزراء السابق هيلا ماريام ديسالين في فبراير 2018م. إلا أن هناك بعض الملفات التي لا زالت تُشكّل تحديًّا صريحًا للسلطة في البلاد، ومهدّدة للاستقرار الداخلي بالانفجار في أيّ لحظة، وهو ما يهدّد مستقبل آبي أحمد وفُرَص بقائه في السلطة لولاية ثانية في منتصف العام المقبل 2020م.
فمنذ أن شرع آبي أحمد في اتخاذ الإجراءات الإصلاحية الداخلية على مستويات مختلفة؛ دفع ذلك إلى ظهور تيار معارض له، وقُوَى محافظة رافضة للإصلاح، وتشعر بالاستياء جرَّاء التحوُّل الذي تشهده البلاد خلال الفترة الأخيرة. وتسعى إلى تقويض تلك الجهود للحفاظ على مكتسباتها. فضلًا عن رفض بعض الأطراف صعود الأورومو بالأساس إلى السلطة في البلاد؛ لا سيما قومية التيجراي. ومن ناحية أخرى، رفع سقف الطموحات والمطالب لدى بعض القوميات لا سيما قومية الأورومو التي استطاعت الوصول إلى حكم البلاد بعدما سيطرت عليه قومية الأمهرة طوال العقود الماضية، قبل أن تصعد قومية التيجراي بعد الإطاحة بنظام مانجستو في تسعينيات القرن الماضي. أضف إلى ذلك فتح ملف الخلافات الحدودية بين بعض الأقاليم الإثيوبية؛ الذي أدَّى بدوره إلى نزع فتيل النزاعات الإثنية التي تسبّبت في سقوط مزيد من القتلى والمصابين مما يهدّد مستقبل البلاد.
وقد تزامن مع صعود آبي أحمد إلى الحكم تجدّد الصراعات والنزاعات الإثنية بين بعض القوميات لأسباب مختلفة؛ مثل الخلافات الحدودية، والهيمنة على المراعي والمياه والمصالح الاقتصادية، وغيرها من الأسباب التي تسبّبت في نزوح أكثر من مليوني شخص داخل البلاد وقتل العشرات من المواطنين خلال الفترة الماضية. فالصراع بين قوميتي الأورومو والصومالية المستمر منذ يوليو 2018م قد ترتب عليه نزوح أكثر من 200 ألف شخص. كما أن اندلاع الصراع بين الإقليم الصومالي الإثيوبي والعفر على المنطقة الحدودية بينهما (إنديفو) يعصف باستقرار البلاد.
من جانب آخر؛ تصاعدت حالات النزعة الانفصالية في البلاد في ظل تمسك الجبهة الوطنية لتحرير الأوجادين بانفصال الإقليم عن إثيوبيا، وكذلك الأمر بالنسبة للإقليم الصومالي الإثيوبي. ناهيك عن التظاهرات التي يدعو إليها بعض الأحزاب السياسية، مثل حزب حركة أمهرة الوطنية ضد الحكومة بشأن جرائم القتل التي وصفتها الحكومة بأنها محاولة انقلابية، وبسبب الهجمات المتكررة على الكنائس والكهنة.
وتسببت تلك الاضطرابات التي تشهدها بعض أقاليم البلاد التي انعكست على سوء الحالة الأمنية في البلاد في رصد الأجهزة الأمنية الإثيوبية بعض عمليات التهريب للسلاح من بعض دول الجوار مثل السودان، في ظل حالة الاحتقان الإثني بين الأقاليم الإثيوبية؛ الأمر الذي يسهم في اشتعال الوضع الداخلي في البلاد حال استمرار النزاعات العرقية.
كما برز السباق بين بعض القوميات الإثيوبية على إقامة إقليم عاشر في البلاد -إلى جانب الولايات التسع الرئيسية-، ففي إقليم شعوب جنوب إثيوبيا تعيش ثلاث قوميات هي سيداما (5%) والولايتا (2.3%) والهديا (1.7%) من إجمالي سكان البلاد. وقد أعلنت قومية سيداما عن نواياها في إعلان نفسها إقليم جديد يتمتع بحكم شبه ذاتي -وهو مطلب قديم مستمر منذ عام 1995م-، وحددت موعدًا في 18 يوليو 2019م للإعلان عن الحكم الذاتي لتصبح الإقليم العاشر في البلاد. الأمر الذي لاقى مناهضة ورفضًا من الحكومة الفيدرالية في ظل التخوُّف من تشجيع هذا الأمر عرقيات أخرى لطلب الانفصال بحكم شبه ذاتي خاصة أن الدستور الإثيوبي يُقِرُّ هذا الحق للجميع. فهناك حوالي 8 مجموعات عرقية تستهدف الحصول على الاستقلال الذاتي على غرار قومية سيداما في البلاد. ففي يوليو 2019م قامت بعض مناطق قومية “الولايتا” برفع العلم الخاص بها إلى جوار العلم الإثيوبي الفيدرالي.
في سياق آخر، تزداد مخاوف بعض الأطراف السياسية في البلاد من “أورمة” الدولة الإثيوبية، خاصة في ظل صعود آبي أحمد الذي ينتمي لقومية الأورومو للسلطة، والتغييرات التي أجراها، وإطاحته ببعض القيادات الحكومية والعسكرية من قومية التيجراي في مقابل تصعيد بعض القيادات من الأورومو. علاوة على ملاحقة العديد من المسئولين الحكوميين مثل اعتقال أكثر من 60 مسئولاً حكوميًّا في تُهَم فساد واستغلال المنصب وإهدار المال العام. فضلاً عن الكشف عن الفساد في مشروع سدّ النهضة. وعلى إثره تم استبعاد شركة “ميتيك” التابعة للجيش الإثيوبي والتي تضم حوالي 98 شركة تابعة لها بسبب فساد مسئوليها الذين وُجِّهَ لهم تُهَم بالفساد وتَمَّ اقتيادهم إلى السجون.
واعتبر البعض سياسات الحكومة الجديدة تِجَاه ظاهرة الفساد في المؤسسات الحكومية والمتورطين فيه بمثابة محاولة من آبي أحمد للتخلُّص من شبكات المصالح التي تدين بالولاء لقومية التيجراي، وترفض أية إصلاحات، بالإضافة إلى فرض سيطرته على مفاصل الدولة الإثيوبية لمزيد من ترسيخ حُكمه في مواجهة محاولات إفشاله من قبل التيجراويين.
وتنشط الحركة القومية الأورومية المعاصرة التي تساند المسيحيين من الأورومو في مطالبهم للكنيسة الأرثوذكسية باعتماد اللغة الأورومية كلغة رسمية دينية في الكنيسة بدلًا من اللغة الأمهرية التي تُعتبر اللغة الرسمية للكنيسة، واللغة الجعزية التي اندثرت بعدما كانت اللغة الرسمية القديمة. فلا يمكن إغفال البُعد السياسي في هذا الشأن؛ حيث ينظر الأوروميون بشيء من الريبة للدور السياسي الذي تلعبه الكنيسة. وذلك من خلال التأثير على الرأي العام الداخلي بتوجيه المواطنين لدعم توجهات حركة أمهرة القومية لاستعادة المكانة السياسية لقومية الأمهرة. خاصة أن جميع المناصب الدينية في الكنيسة من نصيب الأمهريين في أقاليم عديدة منها أوروميا. ومن ثم يرون ضرورة تحييد التأثير السياسي للكنيسة بدعم سيطرة الأورومو على الكنيسة. كما قام بعض المسيحيين الأوروميين بإزالة العلم الكنسي ورفعوا أعلام إقليم أوروميا على الكنيسة.
ويقود هذه الحركة القس “بلاي” الذي يتمتع بعلاقات متعددة في الأوساط الدينية والسياسية والاجتماعية في إقليم أوروميا ومع حركة “قيرو” الأورومية. وهو ما أدَّى إلى استنفار الكنيسة الأرثوذكسية وأصدرت بيانًا ندَّدت فيه بمطالب القيادات الدينية الأورومية التي تدعم حركات المسيحيين الأوروميين في ظل التخوفات من تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية في البلاد. كما دعت إلى مسيرات وتظاهرات حاشدة في إقليم أمهرة للتنديد بالاعتداءات على الكنيسة.
ومع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات التشريعية في البلاد في مايو 2020م تميز المشهد السياسي الإثيوبي بحالة من الحراك والسيولة في ضوء ما عبر به آبي أحمد عن إيمانه بتطبيق الديمقراطية التعددية في إثيوبيا، وأنه لا خيار سواها في هذه المرحلة، وضرورة بناء ثقافة ديمقراطية قوية في البلاد. وإن تصاعدت شكاوى المعارضة السياسية من بعض التعقيدات في التعديلات التي أقرها البرلمان الإثيوبي في 24 أغسطس 2019م بخصوص مسودة قانون الانتخابات والأحزاب السياسية ليمهّد الطريق أمام إجراء الانتخابات. الأمر الذي وصل إلى تهديد بعض الأحزاب بعدم المشاركة ومقاطعة الانتخابات المقبلة في حالة عدم تعديل قانون الانتخابات التي تعتبره منحازًا لصالح الائتلاف الحاكم. خاصة بعدما تجاهل الأخير اقتراحًا من جانب 57 حزبًا معارضًا بالبلاد بخصوص بعض التعديلات على مشروع القانون. فقد فرضت تلك التعديلات مزيدًا من القيود على قيام الأحزاب؛ من حيث زيادة عدد التوقيعات لتسجيل حزب من 150 إلى 1000 توقيع، وبالنسبة للأحزاب الإقليمية 4000 توقيع بدلًا من 750 توقيع. وترى المعارضة أن التعديل لم يُعالِج مطالبها، وفي حالة تطبيقه سيمهّد الطريق مجددًا لاستحواذ الائتلاف الحاكم على السلطة.
ومع ذلك وقَّع الائتلاف الحاكم ومئة من الأحزاب السياسية والتنظيمات السياسية في البلاد في مارس 2019م على ميثاق شرف ينظّم العمل السياسي في البلاد. وذلك بهدف الحفاظ على تداول السلطة في البلاد ونَبْذ العنف وسياسة الإقصاء والتهميش، وتوسيع الحريات السياسية. كما قام حزب “الأورومو الديمقراطي” بزعامة “آبي أحمد” بتوقيع اتفاق للعمل السياسي المشترك مع حزب “جبهة تحرير أورومو المعارض” بزعامة “داوود إيبسا”، ومؤتمر الأورومو الفيدرالي بزعامة “مرارا جودينا”؛ بهدف عقد انتخابات نزيهة تتمتع بقدر كبير من الشفافية، وإنهاء حالة الاحتقان والتوترات الدائرة.
في المقابل شرعت المعارضة السياسية في إثيوبيا خلال الفترة الأخيرة في تكوين تحالفات وائتلافات من بعض أحزاب المعارضة لخوض الانتخابات المقبلة، وزيادة القدرة على الحشد والتعبئة في مواجهة الائتلاف الحاكم. ففي مايو 2019م اتفقت خمسة أحزاب سياسية على تأسيس ائتلاف حزبي معارض جديد أطلقوا عليه ائتلاف “الحزب الديمقراطي الإثيوبي الموحد”، يضم كلاً من: المجلس الانتقالي الوطني، حركة الشعوب الإثيوبية، حزب الفصح الإثيوبي الديمقراطي “توسا”، اتحاد شعوب أومو الديمقراطي، وحركة نجوم جنوب إثيوبيا الخضراء الديمقراطية.
كما اتفقت بعض قوى المعارضة الأخرى على التوصل لاتفاق من شأنه تشكيل ائتلاف جديد باسم “حزب المواطنين الإثيوبيين من أجل العدالة الاجتماعية” بزعامة “برهانو نغا” زعيم حركة “قنبوت سبات”. وقد ضمَّ عددًا من الأحزاب هي “الحزب الديمقراطي الإثيوبي”، “حركة قنبوت سبات”، حزب “الأزرق”، حزب “الجيل الجديد”، حزب “جامبيلا”، حزب “الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة”، وحزب “عموم إثيوبيا”.
فضلًا عن ظهور بعض الأحزاب الجديدة؛ مثل: حزب “الوياني الثالث”، وهو حزب سياسي شبابي جديد في إقليم تيجراي في شمال البلاد، وقد اقتبس الاسم من حزب جبهة تحرير شعب تيجراي أحد أضلاع الحكم في البلاد “الائتلاف الحاكم”. ويُعرَف بأنه حركة إصلاحية تهدف إلى إجراء العديد من التغييرات في إقليم تيجراي من خلال برنامج تنموي يتم من خلاله تأسيس عدة مشروعات؛ منها شركة طيران خاصة بالإقليم وتطوير المشروعات الزراعية وحزمة من البرامج التنموية في أنحاء الإقليم. ويعكس ذلك تشتت أحزاب المعارضة في ائتلافات مختلفة بدلًا من التكتل ككتلة واحدة لإحداث تغيير في الوزن التصويتي يمكنها من منافسة قوية مع الائتلاف الحاكم الذي يسيطر على السلطة منذ تسعينيات القرن الماضي. وهو ما يمثل نقطة ضعف بالنسبة للمعارضة قد يؤدي إلى تفتيت الأصوات ممَّا يضاعف من قوة أحزاب الائتلاف الحاكم خلال الانتخابات القادمة.
بشكل عام، على الرغم من الإنجازات التي حقَّقها آبي أحمد خلال الفترة الماضية منذ أبريل 2018م، وتسوية بعض الملفات الشائكة داخليًّا؛ مثل ملف المعتقلين السياسيين، وملف الحركات المسلحة، وغيرها؛ إلا أن مشاعر الغضب والسخط تحاصر آبي أحمد خاصة من جهتين معلومتين؛ الجهة الأولى من قومية “الأورومو” التي ينتمي إليها، والتي ترى أنه لم يتمكن حتى الآن من معالجة مشكلاتها. أما الجهة الثانية فهي قومية “تيجراي” التي ترفض سياساته، وتسعى إلى تقويض أركان حكمه؛ لإفشاله، ومن ثَمَّ الإطاحة به من السلطة. فضلاً عن ضغط بعض الملفات مثل التوترات الإثنية، وهو ما يهدِّد باضطراب الأوضاع الداخلية خلال الفترة المقبلة، وما يترتب عليها من تداعيات على استقرار البلاد، وتأخُّر انعقاد الاستحقاقات الانتخابية في موعدها.
ثانيًا: أبرز التحديات التي تواجه نظام آبي أحمد
تكشف التفاعلات الراهنة في الداخل الإثيوبي عن حجم التحديات التي تواجه نظام آبي أحمد بما يضع المزيد من المحاذير حول مستقبله ومستقبل البلاد مع قرب انعقاد الانتخابات التشريعية في مايو 2020م كما هو محدَّد لها سلفًا. وتتمثل أبرز تلك التحديات فيما يلي:
– استمرار الصراعات والتوترات العرقية: والتي من شأنها التأثير سلبًا على شعبية آبي أحمد لدى الرأي العام الإثيوبي. كما أنه من الممكن أن يترتب عليها تعطيل إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في مايو 2020م، خاصة أن النزاعات الراهنة قد أسهمت في عجز الحكومة الإثيوبية خلال الفترة الماضية عن إجراء المسح العام لتعداد السكان مرتين متتاليتين.
– انقسامات داخل الائتلاف الحاكم: فمع دعوة آبي أحمد في أوائل 2019م بشأن دمج أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة في حزبٍ واحدٍ جديدٍ من المنتظر أن يُطلق عليه “حزب الازدهار الإثيوبي”؛ وفقًا لصحيفة “أديس ماليدا” الأسبوعية الناطقة بالأمهرية. الأمر الذي من شأنه السماح لأنحاء البلاد أن يكون لها تمثيل نسبي في تشكيل الحكومة الفيدرالية، مع ضمان الإدارة الذاتية على مستوى الدولة. إلا أنَّ هناك مخاوف من انقسامات قد يشهدها الائتلاف في ظل احتجاج حزب جبهة تحرير تيجراي برغم موافقته على حالة الاندماج في السابق، واستمرار المشاورات بين أحزاب الائتلاف بشأن عملية الدمج في حزب واحد.
– عودة نشاط الحركات المسلحة: في ظل اختراق بعض الحركات لاتفاقات السلام التي أبرمتها مع الحكومة خلال الشهور الماضية. فعلى الرغم من توقيع اتفاق بين جبهة تحرير الأورومو والحكومة الإثيوبية؛ إلا أنه تم اختراق الاتفاق، واندلعت الاشتباكات من جديد في البلاد. ومن ثَمَّ، أضحى من المحتمل انهيار اتفاقات السلام مع بعض الحركات المسلحة في ضوء استمرار الاضطرابات والنزاعات الإثنية الدائرة في معظم الأقاليم الإثيوبية.
– تهديدات الإرهاب: وهذا يرتبط الأمر بشقين؛ أحدهما داخلي، والآخر خارجي؛ فعلى الصعيد الداخلي جاء تهديد تنظيم داعش في الصومال باستهداف الدولة الإثيوبية، والقبض على بعض خلايا التنظيم في العاصمة أديس أبابا ليُشكِّل مصدر قلق بشأن اختراق التنظيم للدولة الإثيوبية، والقيام بعمليات انتقامية؛ ممَّا يهدِّد الأمن والاستقرار في البلاد؛ خاصة مع نجاح التنظيم في استقطاب وتجنيد بعض المواطنين الإثيوبيين.
أما على الصعيد الخارجي فيُشَكِّل استهداف حركة شباب المجاهدين للقوات الإثيوبيَّة الموجودة في الصومال والمنضوية تحت لواء القوات الإفريقية “أميصوم” ضغطًا على الحكومة الإثيوبية أمام الرأي العام الداخلي، وهو ما يدفعها نحو توجيه ضربات جوية ضد معاقل الحركة.
– الدعوات الانفصالية: فلا يجب إغفال أن هناك بعض المطالب المستمرة منذ عقود طويلة؛ مثل محاولات الإقليم الصومالي الإثيوبي بالاستقلال عن إثيوبيا. وتزايدها في ظل تصاعد الصراعات الإثنية التي تلعب دورًا في مطالبة بعض القوميات الإثيوبية بالحكم الذاتي في ضوء ما يكفله الدستور الإثيوبي مثل قومية “سيداما” في الجنوب الإثيوبي، وغيرها ثمان قوميات إثيوبية. الأمر الذي يهدّد وحدة الدولة الإثيوبية في المستقبل.
– انتقام قومية التيجراي: حيث تحاول بمختلف الطرق تقويض وتعطيل مسيرة آبي أحمد في الحكم من خلال تأليب الرأي العام الداخلي ضده. كما تسعى إلى إفشال مشروعه الإصلاحي الداخلي بهدف إسقاطه وعودة التيجراي إلى الحكم مرة أخرى. بالإضافة إلى محاولة تغذية المطالب الانفصالية في البلاد بهدف توريط النظام الحاكم الحالي في أزمات متعددة.
– تجدُّد سلسلة الاغتيالات السياسية: ففي ظل التوترات العرقية، وحالة الاستقطاب السياسي في البلاد؛ نجا آبي أحمد من محاولة اغتيال في عام 2018م. بينما لم ينجُ رئيس أركان الجيش الإثيوبي من محاولة الاغتيال التي دُبِّرَتْ له خلال الشهور الأخيرة. مما يجعل من المحتمل تعرُّض آبي أحمد لمحاولات اغتيال خلال الفترة المقبلة وقبل خوض الانتخابات التشريعية في البلاد.
– توحيد المعارضة السياسية: نجاح بعض أحزاب المعارضة السياسية في البلاد في خَلْق هياكل حزبية جديدة يهدّد الكتلة التصويتية للائتلاف الحاكم في الانتخابات المقبلة. فضلًا عن ظهور أحزاب وحركات سياسية جديدة في الأقاليم التي تخضع لأحزاب الائتلاف الحاكم؛ بهدف الضغط عليها، وحشد المزيد من المناصرين على حساب الائتلاف الحاكم خلال الانتخابات المقبلة.
ثالثًا: فرص آبي أحمد في الانتخابات المقبلة 2020
هناك عدد من المؤشرات التي يمكن من خلالها التنبؤ بمستقبل آبي أحمد في السلطة. فهناك ما يدعم شعبيته ويزيد من فرص استمراره في ولاية ثانية في 2020م؛ مثل الإجراءات التصحيحية الداخلية التي اتخذها منذ صعوده إلى السلطة في أبريل 2018م، وما عكسته من إحداث تغييرات إيجابية في المناخ السياسي بالبلاد.
أضف إلى ذلك نجاحه في حشد أكبر عدد من المواطنين للالتفاف حوله؛ من خلال الترويج لمشروع سدّ النهضة باعتباره مشروعًا قوميًّا إثيوبيًّا يتعرَّض للمخاطر من بعض دول الجوار الإقليمي، إلا أن إثيوبيا تقف في وجه أية محاولات للتراجع عن بناء السد، وهو ما يزيد من أسهمه الانتخابية.
في الوقت نفسه يلقى آبي أحمد دعمًا إقليميًّا ودوليًّا مقبولًا في ظل سياسته الخارجية التي تعتمد على دبلوماسية تصفير المشكلات في محيطه الإقليمي -بغض النظر عن أزمتها مع مصر بشأن سد النهضة التي لم تتخذ منحًى تصاعديًّا قويًّا حتى الآن- وتنويع الحلفاء من كلّ أنحاء العالم. وهو ما جعل إثيوبيا وجهةً للعديد من الاستثمارات الأجنبية. الأمر الذي يضيف إلى رصيد آبي أحمد داخليًّا.
في المقابل؛ تظل التوترات والنزاعات الإثنية في إثيوبيا والصراعات بين بعض الأقاليم الإثيوبية تحديًا كبيرًا أمام آبي أحمد، وتظل شعبية آبي أحمد على المحك لطالما استمرت البلاد منخرطة في هذه الأزمة. كما يظل نشاط قومية تيجراي وعناصر الحرس القديم في مؤسسات الدولة -أو ما يُعرَف بالدولة العميقة المناهضة لسياسات آبي أحمد عقب صعوده إلى السلطة- أحد التحديات التي يمكن أن تؤثّر على الأصوات الانتخابية بالنسبة للائتلاف الحاكم خلال الانتخابات المقبلة.
كما يمثل نشاط أحزاب المعارضة السياسية، واتجاه معظمها إلى التحالف سويًّا لمواجهة الائتلاف الحاكم والخصم من رصيده التصويتي في الشارع الإثيوبي مصدر قلق للأخير في ضوء عدم قدرة الحكومة على تسوية بعض الأزمات السابق ذكرها، والتي تستغلها المعارضة في حشد أكبر عدد من المناصرين لها.