سادت أجواء من التفاؤل في منطقة القرن الإفريقي وعدد من الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة فيها عقب توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في يوليو 2018م الذي أنهى فترة عصيبة من التوتر بين البلدين دامت لسنوات عدة، وكانت لها انعكاساتها على أمن واستقرار المنطقة، ومنح فرصة جديدة لدول المنطقة لتعزيز التعاون الإقليمي في مختلف المستويات.
ومع مرور عام على المصالحة الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي يصبح من الضروري إجراء عملية تقييم لها خلال العام المنقضي، والتلميح لأبرز الفرص والتحديات التي تواجهها، مع استشراف رؤية حول مستقبل اتفاق السلام في ضوء المستجدات والمتغيرات الإقليمية في القرن الإفريقي.
أولاً: عملية المصالحة بعد مرور عام.. تقييم أولي
مَثَّل صعود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى السلطة في أبريل 2018م نقطة تحول جوهرية نحو تغيير المشهد السياسي في منطقة القرن الإفريقي وخلق نظام جديد هناك؛ بفضل تبنّيه لسياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار التي أفضت إلى توقيع اتفاق السلام الإقليمي مع إريتريا في يوليو 2018م الذي أضحى بمثابة تحريك للمياه الراكدة في القرن الإفريقي بعد هدم سور برلين الإفريقي بين إثيوبيا وإريتريا الذي استمر الخلاف بينهما لأكثر من عقدين.
وقد صاحَب نجاح عملية السلام الإقليمي بين البلدين سياسة إقليمية جديدة قائمة على الانفتاح، وطيّ صفحات الماضي، وفتح آفاق جديدة بين دول الجوار الإقليمي في المنطقة، وتسوية كافة الأزمات بينها؛ الأمر الذي برز في عودة العلاقات الطبيعية بين إريتريا وإثيوبيا، وإريتريا والصومال، وإثيوبيا والصومال؛ حيث سادت حالة من الحراك السياسي في المنطقة تمثَّلت في عددٍ من الجولات والزيارات المتبادلة بين دول المنطقة، بالإضافة إلى تصاعُد دور الوساطة في تقريب وجهات النظر في بعض الملفات والقضايا الشائكة بينها، فقد زار آبي أحمد إريتريا أكثر من مرة وكذلك الصومال، ونفس الشيء بالنسبة للرئيس الإريتري أسياسي أفورقي؛ حيث قام بعددٍ من الزيارات إلى إثيوبيا خلال العام المنقضي، كما قام آبي أحمد بجولات صاحبه فيها الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو إلى إريتريا وجيبوتي، وقد كان الهدف من هذا الحراك تعزيز عملية السلام الإقليمي وترسيخها؛ بحيث تبدأ دول المنطقة مرحلة جديدة من العلاقات في إطار تعزيز عملية التكامل الإقليمي على مستويات عدَّة.
وقد أسهمت عملية المصالحة الإقليمية في تغيير ميزان القوى في القرن الإفريقي بشكل نسبي؛ حيث أكسبت إثيوبيا التي تبنَّت هذه الخطوة ثقلاً إقليميًّا ودوليًّا فأصبحت هي مركز التفاعلات الإقليمية في القرن الإفريقي في ظل رؤية آبي أحمد نحو التكامل الإقليمي السياسي والاقتصادي بما يمنح الغلبة لإثيوبيا ويجعل دول المنطقة تدور في الفلك الإثيوبي في منطقة القرن الإفريقي، وهو ما يجعلها محط أنظار واهتمام القوى الدولية التي تتكالب على النفوذ في المنطقة، بالإضافة إلى اتخاذها خطوات متقدِّمة في بناء قوتها البحرية مستغلة عودة العلاقات مع إريتريا ومعتمدة على الساحل الإريتري على البحر الأحمر وموانئها خاصة ميناء عصب ومصوع؛ مما يضيف إلى قوة إثيوبيا الإقليمية في المنطقة.
وفي نفس السياق؛ أنقذت عملية المصالحة إريتريا من استمرار العزلة الإقليمية والدولية التي فُرضت عليها منذ عام 2009م بفضل الضغط الإثيوبي والصومالي في بعض الأحيان والتي كان لها دور في تدهور الأوضاع في إريتريا على كافة المستويات طوال السنوات الماضية؛ بحيث أعلن مجلس الأمن الدولي رفع العقوبات الدولية عن إريتريا في نوفمبر 2018م بدعم إثيوبي، كما فتحت الولايات المتحدة الأمريكية قنوات اتصال مع الجانب الإريتري في إطار المساعي نحو احتواء أسمرة، بالإضافة إلى انفتاح الاتحاد الأوروبي على إريتريا والاعتماد عليها في بعض الملفات والقضايا الشائكة مثل الهجرة غير الشرعية واللاجئين.
فيما جرى التصويت على انضمام إريتريا -التي تعاني من سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان- إلى عضوية مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في أكتوبر 2018م لمدة ثلاث سنوات مقبلة بدعم إثيوبي واضح في إطار الانفتاح على المنظمات والكيانات الدولية والأممية. هذا بالإضافة إلى انتصار كبير -كما يعتبره أفورقي- بشأن تحقيق شروط أسمرة للسلام بتطبيق إثيوبيا لقرار ترسيم الحدود الذي صدر في أبريل 2002م بشأن إعادة منطقة بادمي المتنازَع عليها بين البلدين إلى السيادة الإريترية.
ولعبت مصالحة القرن الإفريقي دورًا في تطور العلاقات بين دوله؛ حيث تراجعت بشكل ملحوظ عمليات إيواء ودعم الحركات المتمردة والمتمردين بين دول المنطقة، بالإضافة إلى تراجع الدعم الإريتري لحركة شباب المجاهدين في الصومال، وهو الأمر الذي تسبَّب في توتر العلاقات الإريترية الصومالية خلال السنوات السابقة، واستغلته إثيوبيا في تضييق الخناق على نظام الرئيس أفورقي أيضًا والتسويق لذلك عالميًّا؛ مما فرض على أسمرة المزيد من العقوبات والعزلة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وعلى الجانب الاقتصادي فقد هدفت عملية المصالحة الإقليمية إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة بما يعود بالنفع الاقتصادي عليها من خلال توقيع اتفاقيات التبادل التجاري بينها، وفتح المعابر الحدودية بينها من أجل تعزيز التبادل التجاري وتسهيل حركة التنقلات بالنسبة للأشخاص والبضائع، وفتح المجال الجوي بين دول المنطقة.
أضف إلى ذلك: استغلال الموانئ البحرية المتعددة المطلة على ساحل البحر الأحمر وتطويرها لكي تكون منفذًا تجاريًّا واستراتيجيًّا لدول المنطقة، وهو ما استغلته إثيوبيا خلال الفترة الماضية من خلال تفعيل دبلوماسية الموانئ التي مكَّنتها من توقيع اتفاقات مع معظم دول المنطقة مثل إريتريا وجيبوتي والصومال والسودان وكينيا بموجبها تستغل الموانئ البحرية لتلك الدول بما يجعلها تنتصر على الجغرافيا السياسية التي حرمتها أيّ منفذ بحري (دولة حبيسة) بعد استقلال إريتريا في عام 1993م.
كما أن التطلعات الإقليمية والدولية بعودة الاستقرار والأمن عقب توقيع اتفاق السلام بين أسمرة وأديس أبابا ترتب عليه توافد الاستثمارات الأجنبية إلى دول المنطقة مما يُعزِّز تصاعد التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة.
وبالرغم من الزخم الذي شهدته التفاعلات الإقليمية بين دول منطقة القرن الإفريقي في أعقاب إتمام عملية السلام الإقليمي إلا أن الطريق نحو سلام دائم وشامل في منطقة القرن الإفريقي ليس مُمَهَّدًا بشكل كامل؛ حيث لا تزال هناك بعض الخلافات الإقليمية في المنطقة التي تُلقي بظلالها على أمن واستقرار المنطقة، فلم تنجح عملية السلام والوساطة حتى الآن في الضغط على إريتريا وجيبوتي للجلوس على طاولة المفاوضات لتسوية النزاع القائم بينهما على منطقة “رأس دميرة”، ويزداد الأمر سوءًا في إطار تصاعد التنافس الاقتصادي بينهما فيما يتعلق بالموانئ البحرية والمخاوف الجيبوتية من تضرُّر ميناء جيبوتي -الذي تعتمد عليه إثيوبيا في 90% من صادراتها ووارداتها عبره- بعودة العلاقات الإثيوبية الإريترية، ومن ثَمَّ استغلال أديس أبابا للموانئ الإريترية.
كما أن تصاعد واستمرار الخلاف الكيني الصومالي على ترسيم الحدود البحرية بينهما يشكِّل مصدر تهديد للسِّلم والأمن الإقليميين في القرن الإفريقي؛ إذ تهدِّد هذه الخلافات استمرار عملية السلام في القرن الإفريقي.
وحيث استهدفت عملية السلام الإقليمي في القرن الإفريقي عدم انخراط دول المنطقة في التحالفات الإقليمية لما تحدثه من انقسامات وفقًا للمصالح والأيديولوجية في بعض الأحيان تؤثر على العلاقات بين دول المنطقة، إلا أن القرن الإفريقي يشهد منذ توقيع اتفاق السلام استمرار سياسة التحالفات والمحاور الإقليمية لا سيما محور القاهرة/الرياض/أبوظبي في مقابل محور الدوحة/أنقرة اللذين يسعيان إلى انضمام دول المنطقة إليهما من خلال الضغط تارةً، والإغراء بالمساعدات والقروض تارةً أخرى، وهو الأمر الذي يدعم التشرذم والانقسام بين دول المنطقة، ويعصف بالسلام الإقليمي بينها.
وقد كان للعملية السياسية الإقليمية في القرن الإفريقي -التي أضفت حالة من الاستقرار والأمن- دور بارز في كثافة التواجد الدولي والإقليمي في المنطقة، وتزايد التنافس بين القوى الدولية على موارد وثروات دولها بهدف تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري، وهذا الأمر يشكِّل تخوفًا من احتمالية الصدام الدولي والإقليمي مما يمثِّل تهديدًا لأمن المنطقة وزعزعة للاستقرار الإقليمي في القرن الإفريقي.
ومن ثم، فعلى الرغم من التحولات الإيجابية التي ترتبت على عملية المصالحة الإقليمية بين دول المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي يعزِّز من استمرارها وإزالة كافة الحواجز والعقبات التي من الممكن أن تتسبب في انتكاستها خلال المرحلة المقبلة.
ثانيًا: فرص وتحديات تواجه عملية المصالحة الإقليمية
في الوقت الذي تنبَّأت فيه جُلّ التوقعات بأن عام 2019م هو عام التطبيع في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا، إلا أنَّ هناك ثمة فرص وتحديات محتملة بشأن مسار العلاقات ومسار اتفاق السلام بين البلدين من شأنها أن تهدِّد بانتكاسة في العلاقات الإقليمية والعودة إلى المربع الأول في المشهد السياسي في منطقة القرن الإفريقي.
إذ يمثل الغطاء والدعم الإقليمي والدولي لعملية المصالحة الإقليمية واتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا فرصة جيدة لدول المنطقة ينبغي استغلالها بشكل جيد في الحفاظ على هذا الاتفاق ليدوم طويلًا؛ لما له من انعكاسات إيجابية على دول المنطقة على كافة المستويات. كما أن حفاظ دول المنطقة على ما تحقّق من مكتسبات خلال العام المنقضي منذ توقيع اتفاق السلام يجعل من السهولة البناء عليها خلال الفترة المقبلة مما يُعزِّز دعائم الاستقرار الإقليمي ويفتح المجال أمام التكامل الإقليمي السياسي والاقتصادي والأمني. وليس هناك أفضل من الاقتصاد في تدعيم عملية السلام الإقليمي بين دول القرن الإفريقي؛ من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بينها في ظل الفرص الاقتصادية العديدة التي تتمتع بها المنطقة.
وفي المقابل، تتنوع التحديات التي تواجه عملية المصالحة الإقليمية بين دول القرن الإفريقي؛ حيث يتمثل أبرزها في تداعيات عملية إغلاق الحدود والمعابر بين إثيوبيا وإريتريا التي توسَّعت خلال الفترة الماضية مثل معبر عصب-بوري في 22 أبريل 2019م، ومعبر حمرا-أم حجر في 18 أبريل 2019م الذي افتتحه أفورقي وآبي في 7 يناير 2019م، فضلًا عن تراجع اللقاءات الثنائية بين آبي أحمد وأفورقي منذ بداية العام الجاري والتي تكاد تكون منعدمة، وهو ما يمكن أن يعكس حالة انعدام الثقة بين البلدين بما يعني هشاشة التقارب بينهما، على الرغم من تبرير رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأنه جاء من أجل أن يكون هناك تعزيز لمراقبة الحدود ونظام الفحص الجمركي بين البلدين، وذلك خلال لقاء له أجراه مع إذاعة صوت أمريكا الناطقة باللغة الأمهرية.
أضف إلى ذلك، طبيعة شخصية الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي (74 سنة) الذي يرى أن إريتريا وإثيوبيا على قدر المساواة، وهو ما يمكن أن يثير المشكلات في المستقبل؛ خاصةً أن إثيوبيا لن تقبل التعامل بالمثل مع إريتريا نظرًا لفارق الإمكانيات بينهما وثقل الوزن الإقليمي لإثيوبيا في القرن الإفريقي، وهو ما جعل البعض يفسِّر تحركات أفورقي على صعيد الأزمة السودانية بأنها مناوئة للدور الإثيوبي الذي قدم مقترحًا للتسوية من خلال الوثيقة الإثيوبية، كما أن أفورقي ينظر إلى نفسه كأب أو مرشد بالنسبة لآبي أحمد (46 سنة)، وليس على قدم المساواة، فضلًا عن أنه لن يسمح بأن تأتي تداعيات اتفاق السلام الإقليمي على حساب سلطته ونفوذه في إريتريا، ومن ثم فترويض أفورقي يذهب بعيدًا باتفاق السلام خلال المرحلة المقبلة دون أية عوائق على الأقل من جانبه.
كما يمكن أن تمثل قضية اللجوء السياسي وهروب أعداد كبيرة من الإريتريين إلى دول الجوار لا سيما إثيوبيا وأحيانًا إلى أوروبا خلافًا بين أسمرة وأديس أبابا، فقد وصل في يونيو المنقضي إلى إثيوبيا حوالي 410 جنود إريتريين كانوا مكلفين بحراسة الحدود الجنوبية الإريترية طالبين حق اللجوء السياسي، واستقبلتهم السلطات الإثيوبية وقامت بتوجيههم إلى مخيمات اللاجئين، وفي نفس السياق على الحدود الشمالية تزايدت موجات هجرة الشباب الإريتري الذين تتراوح أعمارهم بين 18-27 سنة إلى السودان، هربًا من الخدمة العسكرية الإجبارية لفترات طويلة من الزمن، ومن حرب يرونها محتملة مع إثيوبيا يتهيأ لها النظام الإريتري منذ أن قام بإغلاق الحدود وحظر الأنشطة التجارية للتجار الإثيوبيين.
وتشكل التحولات الجارية في الداخل الإثيوبي وتصاعد النزاعات الإثنية في البلاد تحديًا يهدِّد سلطة آبي أحمد في البلاد، ومن ثَمَّ تهديد مستقبل اتفاق السلام مع إريتريا خاصة في ظل وجود بعض التيارات في إثيوبيا ذات توجهات معارضة لعملية المصالحة معها؛ الأمر الذي يعيه الجانب الإريتري جيدًا؛ مما دفع مستشار الرئيس الإريتري “يماني قبرآب” إلى التصريح بأن “إثيوبيا تحكمها ثلاث حكومات، وأن آبي أحمد لا يسيطر على زمام الأمور فيها”. جاء ذلك خلال اجتماع جماهيري مع الجالية الإريترية في الرياض في أبريل 2019م. يأتي ذلك في ضوء الصراعات الإثنية في إثيوبيا بين قوميات عدة مثل الأورومو والأمهرة والصومال والتيجراي، وهو ما تراه أسمرة أحد مظاهر ضعف الحكومة الإثيوبية. كما أن الإريتريين كانت لديهم أريحية في التعامل مع وزير الخارجية السابق “ورقنه غبيو” في حين تتهم أسمرة وزير الخارجية الحالي بالتشدد، وأنه يتبنَّى فكرة إبقاء إريتريا في حالة ضعف دائم مثلما سعى ميلس زيناوي خلال فترة حكمه.
فيما تشهد المنطقة بعض الأحداث خلال الفترة الأخيرة؛ حيث تتصاعد التوترات في السودان عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير على إثر الأزمة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير التي تثير المخاوف في حال استمرارها إلى تهديد أمن واستقرار المنطقة. أضف إلى ذلك الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا على المناطق البحرية المتنازع عليها التي تُشَكِّل تهديدًا ملحوظًا للأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي. الأمر الذي يدفع إلى التأكيد على محورية دور القوى الدولية والإقليمية ومساعيها نحو تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة والسعي نحو إيجاد تسوية للأزمات المفتعلة هناك، والعمل على استمرار اتفاق السلام؛ لما له من انعكاسات إيجابية على دول المنطقة والمصالح الدولية والإقليمية في القرن الإفريقي.
ثالثًا: رؤية حول مستقبل عملية المصالحة في منطقة القرن الإفريقي
من المؤكَّد أن مكاسب اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا كانت عديدة، واستفادت منها دول المنطقة بأشكال مختلفة، وكذلك الأمر بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية؛ الأمر الذي يصنع الحافز نحو تمهيد الطريق والحفاظ على استمرار اتفاق السلام في المنطقة.
إلا أنَّ مستقبل عملية المصالحة الإقليمية بين دول القرن الإفريقي يظل مرهونًا بمآلات التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة خلال المرحلة المقبلة. كما أنه يرتبط بعدد من المعايير منها على سبيل المثال احتمالية حدوث التغيير السياسي في إثيوبيا أو إريتريا في ضوء عدم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية وتصاعد النزاعات الإثنية، بالإضافة إلى اندلاع بعض الخلافات الإقليمية بين بعض دول المنطقة مثل النزاع الكيني الصومالي، واستمرار الخلاف الإريتري الجيبوتي على منطقة رأس دميرة. علاوة على موقف القوى الدولية والإقليمية من الأحداث الإقليمية في القرن الإفريقي واستمرار تفعيل اتفاق السلام الإقليمي بين إثيوبيا وإريتريا.
ومن هنا تبرز عدد من السيناريوهات المحتملة بشأن مستقبل عملية المصالحة الإقليمية في القرن الإفريقي؛ يذهب السيناريو الأول إلى الحفاظ على مكتسبات اتفاق السلام الإقليمي في المنطقة، والحيلولة دون أية انتكاسة بشأنه؛ خوفًا من العودة إلى المربع الأول مرة أخرى.
في حين يذهب السيناريو الثاني إلى احتمالية تدعيم عملية المصالحة باتفاق جديد يعزّز من اتفاق السلام الأول، وينهي فترة من السكون، وربما التوتر المكتوم بين الطرفين، ويعزّز من دعائم الاستقرار والأمن الإقليمي.
بينما يتمثل السيناريو الثالث في فشل اتفاق السلام، وعودة التوتر بين البلدين واندلاع حرب جديدة بين البلدين، وإن كان هذا السيناريو يظل بعيدًا لأسباب عدة؛ منها عدم قدرة إريتريا على الدخول في حرب مع إثيوبيا لعدم تكافؤ قدرات الطرفين لصالح الجانب الإثيوبي إلا إذا تدخلت أطراف دولية وإقليمية، إضافة إلى الضغط الدولي والإقليمي للحيلولة دون اندلاع أية توترات في هذه المنطقة؛ حمايةً للمصالح الأجنبية في المنطقة، علاوةً على عدم استقرار الأوضاع في الجبهة الداخلية للبلدين خلال الفترة الأخيرة.