د. بدر حسن شافعي(*)
عند قيامنا بتحليل المواد الأكاديمية الخاصة بالعرب, والمنشورة في الدوريات العربية, بغضّ النظر عن جنسيتها, فإننا نستطيع استخراج صورة الأفارقة لدى العرب من زوايا مختلفة, بعضها يتعلق بالجوانب السياسية, وبعضها الآخر يتعلق بالجوانب الاقتصادية, وثالثها يتعلق بالجوانب الإعلامية, ورابعها يتعلق بالجوانب الثقافية.
ويُلاحَظ أنه داخل كل زاوية هناك نقاط فرعية يمكن تناولها, فعلى سبيل المثال يمكن النظر إلى القضايا السياسية في إطار قضايا العلاقات السياسية الثنائية العربية – الإفريقية, مثل قضايا نزاعات الحدود العربية – الإفريقية, كقضية النزاع الموريتاني – السنغالي حول الحدود، وهناك النزاع الليبي – التشادي حول إقليم أوزو, وغير ذلك من القضايا السياسية التي يكون أحد أطرافها ذا هوية عربية – إفريقية، والطرف الآخر ذا هوية إفريقية خالصة.
كما يمكن النظر إلى هذه العلاقات من زاوية قضايا حق تقرير المصير وموقف كلّ طرف منها, مثل حق تقرير مصير استقلال إريتريا عن إثيوبيا والموقف السياسي العربي – الإفريقي منها، وكذلك الموقف من استقلال إقليم الصحراء الغربية عن المغرب، ورؤية الجانبين لذلك (1).
لكننا سنحاول في هذه الورقة التركيز في الرؤية العربية لقضايا سياسية إفريقية محددة، حيث سيتم التركيز في الرؤية الخاصة بمؤسسات الحكم في إفريقيا، ونقصد بها المؤسسة التشريعية والتنفيذية، فضلاً عن المؤسسة العسكرية لما لها من دور كبير في العملية السياسية.
تحديد المفهومات:
ولكن قبل الخوض في نطاق هذه الدراسة لا بد من توضيح أمر مهم يتعلق بتحديد المفهومات, بمعنى من هو الإفريقي ومن هو العربي المقصود في الدراسة, وذلك لوجود تداخل بين العربي والإفريقي, مثل حالة دول شمال إفريقيا (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، فضلاً عن (السودان والصومال وجزر القمر وجيبوتي), فهذه الدول عضو مزدوج في كلٍّ من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية, ومن بعدها الاتحاد الإفريقي, أي أنها تجمع بين الهوية العربية والإفريقية في آن واحد.
وهناك العديد من المفكرين العرب الذين يستبعدون هذه الدول العربية ذات الحضارة العربية الإسلامية عند الحديث عن الإفريقي، حيث يرون أن الإفريقي هو الإنسان ذو البشرة السمراء «معيار اللون»، أو الذي يسكن جنوب الصحراء «معيار الجغرافيا»، أو الذي خضع للاستعمار الأنجلوفوني أو الفرنكفوني, أو حتى الليزوفوني «معيار حضاري»(2)، وإن كان هذا المعيار الأخير غير دقيق؛ لأنه يركز في الدول التي خضعت للاستعمار جنوب الصحراء فقط، في حين يتجاهل الدول العربية في الشمال التي خضعت لأنظمة استعمارية مختلفة، كمصر (أنجلوفوني)، ليبيا (إيطاليا)، تونس والجزائر (فرانكفوني)، إلى ما غير ذلك، ولا شك أن هذه النظرة أو الصورة الذهنية غير صحيحة، وتترتب عليها آثار سلبية فيما يتعلق بمدركات كل طرف عن الآخر، وهو ما ينعكس بدوره على الممارسات العملية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها, ومع هذا فهي النظرة المستخدمة في معظم الكتابات العربية محل البحث والدراسة.
منهج الدراسة:
سوف تحاول هذه الدراسة استخدام منهج «تحليل المضمون» لفهم الصورة الذهنية الإفريقية لدى الأكاديميين العرب كما ورد في بعض الدوريات الأكاديمية العربية, على أساس أنه هو المنهج الأنسب لفهم ملامح هذه الصورة عند تناولها من خلال أفكار هؤلاء الأكاديميين, وكما هو معروف فإن منهج «تحليل المضمون» كما يعرّفه علماء البحث الاجتماعي – ومنهم برلسون -: «هو أسلوب للبحث يهدف إلى الوصف الموضوعي المنظّم والكمّي للمحتوى الظاهر للاتصال»(3), ووسيلة الاتصال قد تكون متنوعة (كتاب، دورية، صحيفة.. إلخ).
ويتمثل الأسلوب العملي لهذا المنهج في تقسيم المادة التي تخضع للتحليل وتصنيفها – وهي في دراستنا هذه الدوريات العربية التي تتحدث عن نُظُم الحكم في إفريقيا – إلى فئات رئيسة وأخرى فرعية, لعل أبرز هذه الفئات الرئيسة هي: فئة ماذا قيل؟ وفئة كيف قيل؟ وداخل كل فئة هناك مجموعة من الفئات الفرعية, ففئة «ماذا قيل؟» تضم: موضوع الاتصال، مضمونه، كيفية معالجته، الأهداف أو القيم المرجوة من الكتابة (الهدف من الدراسة)، والمكان الذي صدرت منه الدورية.
أما فئة «كيف قيل؟» فهي تضم فئات فرعية, لعل أبرزها: وسيلة الاتصال المستخدمة، اللغة المستخدمة، ويُقصد باللغة هنا أسلوب الكتابة, وهل تتضمن حقائق أو هي أماني للكاتب في التدليل على فكرته, وهناك وسيلة المضمون، ويُقصد بها أسلوب الكاتب؛ هل يستخدم لغة التعميم في الكتابة، وهل يستشهد بأمثلة لأشخاص معروفين.. إلى ما غير ذلك(4).
ونحن سنحاول في هذه الدراسة استخدام الفئتين الرئيستين، وكذلك الفئات الفرعية داخلهما – قدر الإمكان -.
وبالنسبة للعينة التي شملتها الدراسة: فقد حرصت الدراسة على حصر الدوريات العربية المهتمة بشؤون نُظُم الحكم الإفريقية قدر الإمكان، حتى تكون هذه العينة مطابقة للواقع إلى حدٍّ كبير، وحتى لا تقودنا العملية الانتقائية في اختيار العينة إلى نتائج قد تكون بعيدة عن الواقع, ولا شك أن عملية التجميع هذه تطلبت جهداً شاقاً من الفريق البحثي المعاون، والذي قام بجمع المادة العلمية من قرابة 11 دورية مختلفة(5), تضمنت قرابة 425 دراسة، في خلال فترة زمنية طويلة نسبياً (1993م – 2007م)، ثم قمنا بتبويب هذه المادة وفق تقسيم الدراسة من أجل المساعدة في عملية تحليل المضمون.
أولاً: الصورة الذهنية فيما يتعلق بنظام الحكم:
لقد كان واضحاً من الدراسات محل البحث أن بعضها تناول نُظُم الحكم الإفريقية بصفة عامة، بمعنى دراستها بوصفها إطاراً نظرياً من حيث علاقاتها بالقوى الداخلية في المجتمع, أو فيما يتعلق بعلاقاتها بالقوى الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية، وإن كان هذا لا يمنع من إشارة هذه الدراسات أو المقالات إلى بعض نُظُم الحكم في دول معينة على سبيل التوضيح أو المثال, لكن يُلاحَظ أنّ أغلب الدراسات كانت تتحدث عن نُظُم بعينها, ولعل هذه كانت السمة البارزة لمعظم الدراسات التي كانت لا تتحدث عن أُطُر نظرية لفكرة نُظُم الحكم الإفريقية بقدر تركيزها في دراسة حالة معينة، بحكم كون معظم الدوريات فصلية أو تتعلق بأحداث جارية CURRENT EVENTS, مثل الأزمة الصومالية، والتي حظيت باهتمام عدد كبير من الدوريات, مثل المستقبل العربي، السياسة الدولية، آفاق إفريقية، وغيرها, وكان من أبرز ما ورد فيها موضوعات تتعلق بضعف نظام الحكم، ولجوئه إلى دول الجوار, وبخاصة إثيوبيا, لدعمه في مواجهة القوى السياسية الوطنية والإسلامية وبخاصة المحاكم الإسلامية.
أولاً: السلطة التنفيذية وأداؤها السياسي :
ونقصد بالسلطة التنفيذية: مؤسسة الرئاسة من ناحية، والحكومة من ناحية ثانية, وبالنسبة للحكومة فإننا سنتحدث عنها بشكل عام، مع إعطاء مزيد من التفصيل للمؤسسة العسكرية (وزارة الدفاع) نظراً لدورها السياسي المهم – الإيجابي أو السلبي – في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في القارة من عدمه.
أ – مؤسسة الرئاسة وأداؤها السياسي:
يُلاحَظ من عملية تحليل مضمون الدراسات والمقالات محل البحث ما يأتي:
– أن معظم هذه الدراسات العربية اهتم بمؤسسة الرئاسة الإفريقية أكثر من تركيزه على المؤسسات الأخرى، بما فيها مجلس الوزراء الذي يُعد المؤسسة الثانية في السلطة التنفيذية، بل قد تكون لهذه المؤسسة الثانية الأهمية الأكبر في النُّظُم البرلمانية, لكن يُلاحَظ أن معظم النُّظُم الإفريقية تأخذ بالنظام البرلماني الموروث عن النظام الأنجلوفوني، أو النظام المختلط الذي يُعظّم من سلطة رئيس الجمهورية في مواجهة الحكومة والبرلمان على حدٍّ سواء كالنظام الفرنسي.
– أن الدراسات العربية أكّدت أن الدور الخارجي لبعض القيادات الإفريقية قد ارتبط بالبُعد الداخلي، ومدى التزام هذه القيادات بالآليات الديمقراطية من عدمه، بمعنى أنه كلما كان النظام يعاني أزمة شرعية داخلية، ويقوم باضطهاد شعبه؛ سعى للعب دور خارجي لصرف الانتباه عن الأزمات الداخلية، مثل حالة لوران كابيلا في الكونغو الديمقراطية، وقيامه بدعم ميليشيات الهوتو في رواندا وبوروندي، أو معمّر القذافي فيما يتعلق باتجاهه نحو تعزيز الوحدة الإفريقية في ظل حالة الاستبداد التي يعانيها شعبه، وأدت في النهاية إلى الثورة عليه.
– أن الكتابات عن الرئاسة أو القيادة الإفريقية وممارساتها الديمقراطية قد عملت على التمييز بين مرحلتين تاريخيتين مهمتين, هما:
المرحلة الأولى: تمتد من فترة الاستقلال، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة أوائل تسعينيات القرن الماضي: حيث كانت السمة السائدة فيها هي: سيطرة حزب واحد على السلطة، غياب التعددية السياسية، سيطرة الرئيس على مقاليد الأمور، انتشار الفساد بصورة كبيرة، غياب سيادة القانون، الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان خصوصاً في صفوف المدنيين والمعارضة، الاستيلاء على السلطة عبر الانقلابات العسكرية, وإن كان هذا لا يمنع من وجود بعض الممارسات الديمقراطية المحدودة لمؤسسة الرئاسة خلال تلك الفترة, لذا فإن الصورة الذهنية للنظام الرئاسي الإفريقي لدى الأكاديميين العرب كانت سلبية إلى حدٍّ كبير.
المرحلة الثانية: تبدأ من أوائل التسعينيات, خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة: حيث بدأت معظم النُّظُم الإفريقية تتجه نحو التعددية السياسية وآليات الديمقراطية وفق المنظور الغربي حتى إن كانت هذه التعددية في بعض الأحيان شكلية, وإن اختلف توقيت البدء في كل دولة عن الأخرى، لكن بصفة عامة كان هناك اتجاه متصاعد لدى الرئاسة الإفريقية بضرورة التحوّل الديمقراطي، وإن اختلفت أسباب هذا التحول ما بين أسباب داخلية دفعت في هذا الاتجاه, خصوصاً تلك المتعلقة بتنامي نفوذ المعارضة المسلحة تحديداً، وما بين أسباب خارجية تمثلت في الضغوط الأمريكية والأوروبية, وإن كان هذا لا يمنع من وجود قيادات إفريقية أخذت بفكرة التحوّل الديمقراطي، والتنازل عن الحكم بصورة طوعية ودون ضغوط خارجية, مثل حالة نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا(6).
ومن هنا يمكن القول بأن الصورة الذهنية العربية عن الرئاسة الإفريقية وأدائها السياسي, خصوصاً فيما يتعلق بعملية التحوّل الديمقراطي, كانت إيجابية إلى حدٍّ كبير، وإن كان هذا لا يمنع من وجود حالات استثنائية.
وفيما يأتي تفصيل لكلتا المرحلتين:
المرحلة الأولى: الصورة الذهنية لمؤسسة الرئاسة وأدائها السياسي خلال مرحلة ما بعد الاستقلال, وحتى انتهاء الحرب الباردة:
1- الممارسات غير الديمقراطية لمؤسسة الرئاسة:
لقد تعددت هذه الممارسات على النحو الآتي:
– هيمنة مؤسسة الرئاسة على مجلس الوزراء؛ لدرجة وصلت في بعض الأحيان إلى قيام الرئيس بحبس رئيس وزرائه, كما حدث في تشاد عندما قام الرئيس ديبي بسجن رئيس وزرائه كاسبري كوماكوي.
– هيمنة مؤسسة الرئاسة على السلطة التشريعية (البرلمان) وإجبارها على اتخاذ قرارات تتماشى مع مصالح الرئاسة، وفي حالة الرفض يكون حلّ البرلمان هو البديل, كما فعل رئيس بوروندي بيير بويويا.
– الوصول إلى الحكم عبر الطرق غير الديمقراطية، خصوصاً من خلال الانقلابات العسكرية, والأمثلة كثيرة على ذلك, لعل من أبرزها حالة الرئيس بيير بويويا في بوروندي، والذي وصل للحكم عبر انقلاب عسكري عام 1987م.
– الممارسات غير الديمقراطية لمؤسسة الرئاسة ضد فئات معينة من الشعب, سواء لأسباب دينية (مثل حالة إثيوبيا وتنزانيا)، أو لأسباب إثنية (مثل حالة رواندا), ففي حالة إثيوبيا قام الإمبراطور هيلاسلاسي بمنع أبناء المسلمين من التعليم، ولم يسمح لهم بذلك إلا بعد اختيار أسماء نصرانية لهم. أما في حالة تنزانيا؛ فإن أول رئيس للبلاد – جوليوس نيريري – كان منحازاً للكنيسة الكاثوليكية, وهو ما انعكس على ممارساته تجاه المسلمين(7).
أما بالنسبة للاضطهاد الإثني فالأمثلة كثيرة خصوصاً في رواندا وبوروندي.
– الفساد السياسي لمؤسسة الرئاسة، وعدم الفصل بين الممتلكات الخاصة وممتلكات الدولة العامة، حيث كان بعض الرؤساء يقومون بتسخير ممتلكات الدولة لمصلحتهم هم وأقربائهم, مثل رئيس زائير الأسبق – الكونغو الديمقراطية حالياً – موبوتو سيسي سيكو(8).
2 – الممارسات الديمقراطية للرئاسة:
بالرغم من قلّة الممارسات الديمقراطية للرئاسة في تلك الفترة فلا يمكن لأحد إنكارها, بل إن هناك انطباعاً لدى بعض الأكاديميين بأن إفريقيا شهدت بعد رحيل الاستعمار عملية تحوّل من الحكم العسكري إلى الحكم المدني.
والأمثلة على هذه الممارسات عديدة, نذكر منها ما يأتي:
– تداول السلطة عبر تولي نائب الرئيس مقاليد الحكم خلفاً للرئيس, مثل تولي وليام تولبرت الحكم في ليبيريا عام 1971م بعد رحيل الرئيس توبمان(9).
– قيام مؤسسة الرئاسة بمراعاة عدالة التوزيع بين أفراد الشعب، واحترام حقوق الإنسان إلى حدٍّ كبير, مثل الرئيس هوافييه بوانيه في ساحل العاج.
المرحلة الثانية: الصورة الذهنية لمؤسسة الرئاسة وأدائها السياسي بعد انتهاء الحرب الباردة:
1 – الممارسات الديمقراطية للرئاسة:
كما سبق القول؛ فإن الصورة الذهنية خلال تلك المرحلة كانت إيجابية إلى حدٍّ كبير على النحو الآتي:
– التنازل الطوعي للحاكم عن الحكم، سواء كان هذا الحاكم عسكرياً (حالة نيجيريا)، أو مدنياً (حالتا أنجولا وجنوب إفريقيا), ففي حالة نيجيريا تنازل الجنرال عبد السلام أبو بكر طواعية عن الحكم عام 1999م, وتم إجراء انتخابات رئاسية تعددية حرة أسفرت عن فوز الرئيس أوليسجون أوباسانجو بها. أما في حالة جنوب إفريقيا؛ فقد تنازل الرئيس مانديلا عن السلطة بمحض إرادته في يونيو عام 1999م، لكي يواصل رسالته التطوعية، تاركاً السلطة لخلفه تابو مبيكي(10). أما في أنجولا؛ فقد أعلن الرئيس سانتوس عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة في البلاد(11).
– السماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة حتى إن فازت المعارضة بها, وهو ما يعني تداول السلطة بشكل سلمي وفق آليات الديمقراطية الحديثة, والأمثلة على ذلك عديدة بسبب كثرة الحالات التي شهدتها القارة في هذا الشأن، وهو الأمر الذي يؤكد مدى إيجابية الصورة لدى الأكاديميين العرب, فقد تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة – إلى حدٍّ كبير – في نيجيريا عام 1999م، أسفرت عن فوز رئيس مدني بها هو الرئيس أوباسانجو بالرغم من أنه مسيحي في دولة يدين أكثر من 60% منها بالإسلام(12).
أما بالنسبة لحالات فوز المعارضة في الانتخابات, سواء الرئاسية أو العامة, فهي كثيرة في مختلف أقاليم القارة (شرق، غرب، وسط القارة)، وفي دولها المختلفة, ففي كينيا (في الشرق) أسفرت انتخابات عام 2003م الرئاسية عن فوز مرشح المعارضة في حينها الرئيس كيباكي – الرئيس الحالي – بها، حيث حصل على 66%، وهي النسبة نفسها التي فاز بها حزب المعارضة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام نفسه.
وفي غانا (غرب إفريقيا) تمكّن مرشح المعارضة في حينها جون كافور من الفوز في جولة الإعادة في الانتخابات التي شهدتها البلاد عام 2000م، كما فازت المعارضة في الانتخابات البرلمانية.
وفي رواندا (وسط القارة) شهدت البلاد عام 2002م أول انتخابات تعددية منذ استقلالها عام 1962م، أسفرت عن فوز مرشح أقلية التوتسي بول كاجمي بها، كما تميّزت هذه الانتخابات بظاهرة إيجابية تمثّلت في نسبة المشاركة العالية جداً بها, والتي وصلت إلى 96%.
– حدوث تحوّل في الثقافة السياسية الإفريقية بصفة عامة، وتجاه تولّي المرأة للمناصب السياسية العليا بصفة خاصة, حيث أفرزت عملية الانتخابات التعددية في ليبيريا – التي مزقتها الحرب الأهلية أكثر من عشر سنوات – فوز أول امرأة بمنصب الرئاسة في إفريقيا، وهي إيلين سيرليف جونسون، وذلك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد(13).
– تقاسم السلطة، والسماح بمشاركة المعارضة بها نتيجة اتفاق سياسي، وهي ظاهرة إيجابية استرعت اهتمام الأكاديميين العرب، مثل قبول الرئيس العاجي السابق لوران جباجبو تقاسم السلطة مع المعارضة(14).
– الحفاظ على فكرة السيادة وسيادة القانون واحترام هيبة القضاء, مثل رفض الرئيس السوداني تقديم بعض الأشخاص السودانيين للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التورط في ارتكاب جرائم حرب في دارفور، كذلك رفضه فكرة نشر قوات دولية في حينها, والحصول على تأييد البرلمان في ذلك(15).
2 – الممارسات غير الديمقراطية للرئاسة:
وهي ممارسات لا يمكن تجاهلها، حيث سعى بعض القادة إلى إحداث ما اصُطلح على تسميته «بانقلاب دستوري» عبر تعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء في الحكم لأكثر من مدة، والأمثلة كثيرة على ذلك، مثلما حدث في الجابون وتوجو والكونغو الديمقراطية وغيرها, ويبدو أن هذا الأسلوب أصبح هو المفضل لدى معظم القيادات, خصوصاً بعدما صارت أساليب الانقلاب العسكري، والوصول إلى الرئاسة عن طريق العنف غير مقبولة من المجتمع الدولي والرأي العام الداخلي على حدٍّ سواء, في حين عمل فريق ثان على الوصول للحكم عبر الآليات غير الديمقراطية, مثل السلاح, كما قام فريق ثالث بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بالرغم من وصوله للحكم عبر الآليات الديمقراطية!
ومن الممارسات غير الديمقراطية للرئاسة:
– تولي الرئاسة عن طريق السلاح:
فقد وصل الرئيس الكونغولي جوزيف كابيلا للحكم عن طريق السلاح بعد مقتل والده لوران كابيلا, لذا فهو يفتقر إلى الخبرة السياسية, وبالرغم من تعهده بالتداول السلمي للسلطة فإنه لم يلتزم بذلك!
– الرغبة في البقاء في الحكم عن طريق التعديلات الدستورية:
وكما قلنا؛ فإن هذه الحالات كانت كثيرة، واسترعت اهتمام الأكاديميين العرب الذين وصفوها بأنها «انقلاب دستوري».
ففي زيمبابوي حرص الرئيس موجابي على تعديل الدستور بما يسمح ببقائه في الحكم بعد انتهاء فترة رئاسته عام 2002م، لكن الشعب رفض معظم هذه التعديلات في حينها، ومع ذلك ترشّح مرة أخرى.
وفي الجابون تم تعديل الدستور في يوليو 2003م.
وفي توجو وافقت الجمعية الوطنية (البرلمان) في فبراير 2005م على تعديل الدستور بما يسمح بتولّي نجل الرئيس الراحل إياديما الحكم، حيث كان يُفترض أن يتولّى رئيس البرلمان الحكم.
وفي تشاد تم تعديل الدستور عام 2005م بما يسمح للرئيس ديبي الذي حكم البلاد منذ عام 1990م بالترشّح مرة أخرى في انتخابات 2006م.
وفي الكونغو الديمقراطية تم تعديل الدستور في نهاية عام 2005م، حيث تم خفض سنّ الترشيح للرئاسة من 35 عاماً إلى 34 عاماً؛ بما يسمح للرئيس جوزيف كابيلا – 34 عاماً – من خوض الانتخابات الرئاسية عام 2006م!
– الرئاسة وانتهاك حقوق الإنسان:
والأمثلة كثيرة، لعل من أبرزها ممارسات الرئيس الليبيري الأسبق تشارلز تايلور ضد خصومه بعد تولّيه الحكم عبر انتخابات ديمقراطية عام 1997م، حيث قام بالاعتقال التعسّفي لقادة الرأي العام، وتصفية خصومه البارزين، وإغلاق الصحف والإذاعة, وكذلك المذابح التي ارتكبها الرئيس الرواندي هابيا ريمانا – من خلال حرس الرئاسة – ضد أقلية التوتسي، والتي أدّت إلى وفاة مئات الآلاف(16).
– الرئاسة والفساد السياسي:
حيث تورّط عدد من القيادات الإفريقية في نهب ثروات بلادهم، خصوصاً فيما يتعلق بالماس، ومن بينهم رئيس توجو الراحل إياديما، ورئيس بوركينا فاسو كومباوري، ورئيس ساحل العاج الأسبق بيديه.
ب – الحكومة وأداؤها السياسي:
كما سبق القول؛ فإن الحكومة هي الفرع الثاني في السلطة التنفيذية بعد الرئاسة، وغالباً ما تخضع لهيمنة الرئاسة، خصوصاً في النُّظُم الرئاسية أو المختلطة في القارة, ولعل هذا يفسّر أسباب عدم قيام معظم الكتابات بالتفرقة بينهما، لذا فهي تستخدم لفظ «الحكومة» للتعبير عن ممارسات الرئاسة في كثير من الأحيان.
وبصفة عامة؛ يمكن القول بأنه من خلال عملية تحليل مضمون كتابات الأكاديميين العرب عن الحكومة الإفريقية يتضح ما يأتي:
– أن نظام الحكم الإفريقي – بصفة عامة – موروث عن النُّظُم الاستعمارية، فبعض الدول الإفريقية أخذت بالنظام البرلماني الأنجلوفوني، وبعضها الآخر أخذت بالنظام الرئاسي على غرار النموذج الفرنكفوني(17)، وإن كان هذا لا يمنع من أن النُّظُم الإفريقية عملت على صبغ هذه النُّظُم بصبغتها الخاصة, خصوصاً فيما يتعلق بعدم مساءلة القيادة السياسية أمام البرلمان والأخذ بالنظام المختلط الذي يعطي صلاحيات واسعة للرئيس في مواجهة البرلمان والحكومة على حد سواء.
– أن هذه الحكومات ضعيفة في مواجهة الرئاسة، حيث تخضع لهيمنة الرئاسة، والتي تقوم في معظم الحالات بتعيينها وإقالتها، ومن ثم فهي مسؤولة أمامها على غرار النُّظُم الرئاسية, وفي بعض الدول التي تكون فيها مساءلة للسلطة التنفيذية في مواجهة البرلمان وفق النموذج البرلماني؛ فإن الذي يخضع للمساءلة في هذه الحالة هو الحكومة فقط وليس الرئيس (حالة زيمبابوي)(18).
– بالنسبة لعلاقة الحكومة بالبرلمان؛ فإنها علاقة هيمنة من قبل الحكومة على البرلمان، وإن كان من المفترض أن يحدث العكس؛ فتكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان, ويرجع هذا الوضع المقلوب في القارة إلى هيمنة القيادة السياسية – التي ترأس الحكومة – على مقاليد الأمور، وقد تستخدم في ذلك وسائل الترغيب والترهيب، خصوصاً فيما يتعلق بإمكانية حلّ البرلمان، أو مطالبته بإسكات أصوات المعارضة به، وإن كانت هذه الصورة قد بدأت في التحسّن خلال الفترة الأخيرة، حيث ظهرت أصوات تطالب بضرورة محاسبة الحكومة من قِبل البرلمان(19).
– أن هذه الحكومات ضعيفة إلى حدٍّ كبير، بسبب عدم قيامها بتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية للشعب، فضلاً عن تورطها في قضايا فساد، لذا فإنها ترفض فكرة دعاوى الإصلاح القادمة من الخارج على أساس أن ذلك يُعد تدخّلاً في شؤونها الداخلية(20).
– أن هذه الحكومات – بسبب ضعف أدائها – قد تلجأ إلى العديد من الوسائل لتقوية موقفها، وشغل الرأي العام الداخلي والخارجي عن هذا الأداء، فهي قد تلجأ إلى استمالة بعض رموز المعارضة للمشاركة في الحكومة, أو قد تلجأ إلى الاستعانة بقوى خارجية لمواجهة المعارضة، وبخاصة المعارضة المسلّحة، مثل طلب رئيس وزراء ليسوتو الاستعانة بكلٍّ من جنوب إفريقيا وبتسوانا للتدخل العسكري في بلاده من أجل إنهاء الاشتباكات بين الحكومة والمتمردين(21).
– أن كثيراً من هذه الحكومات وأعضائها متورطون في أعمال فساد، خصوصاً فيما يتعلق بتجارة الماس(22).
– أن كثيراً من هذه الحكومات قد ترتكب مخالفات جسيمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، خصوصاً في مواجهة المعارضة، وخصوصاً إذا كانت هذه المعارضة ذات أصول إثنية مغايرة, وهو ما قد يؤدي إلى حدوث حرب أهلية على غرار ما حدث في رواندا وبوروندي في ظل الخلافات التاريخية بين الهوتو والتوتسي, والتي راح ضحيتها مئات الآلاف(23).
– أن عملية تقاسم السلطة أو تشكيل حكومات وطنية – انتقالية – لا تحدث طواعية في الأغلب الأعم، وإنما تحدث نتيجة مواجهات مسلحة، تدرك معها الحكومة عجزها عن مواجهة المتمردين, لذا قد يكون البديل الأنسب بالنسبة لها هو تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق حصص معينة لكل فصيل سياسي، وغالباً ما تكون هذه الحكومات مؤقتة، ويتم الانقلاب عليها بمجرد توافر عناصر القوة والهيمنة لدى فصيلٍ ما في مواجهة الفصائل الأخرى, كما حدث في ليبيريا بعد ترك تايلور السلطة عام 2002م، وتعيين نائبه موسى بلاه خلفاً له، حيث اعترضت قوى التمرد على ذلك، وتم التوصل لاتفاق سياسي بشأن تشكيل حكومة انتقالية وفق نظام الحصص، وهو الأمر الذي يفسّر لنا عدم وجود قناعة بفكرة التداول السلمي للسلطة, وأن مقتضيات الواقع العسكري – تحديداً – هي التي تساهم في عملية التسوية السياسية.
ثانياً: السلطة التشريعية وأداؤها السياسي:
بالنسبة للسلطة البرلمانية, والتي يُفترض أنها المؤسسة الثانية من مؤسسات الحكم، والمؤسسة الأقوى في النُّظُم البرلمانية تحديداً، فيُلاحَظ أن الصورة الذهنية العربية عنها لم تكن إيجابية إلى حدٍّ كبير, حيث أظهرت هذه المؤسسة بوصفها مؤسسة تابعة تخضع لهيمنة السلطة التنفيذية بشقيها الرئاسي والحكومي، خصوصاً أن معظم أعضاء البرلمان يتبعون الحزب الحاكم، ومن ثم فإن البرلمان لا يقوم بدوره الرقابي المعهود والمعمول به في النُّظُم الديمقراطية، وإنما يقوم بتمرير القوانين التي تحتاج إليها الحكومة من أجل إضفاء الشرعية عليها, وإن كان هذا لا يمنع من وجود أصوات تطالب بضرورة حصول البرلمان على مكانته الطبيعية بوصفه مؤسسة رقابية على السلطة التنفيذية، كما أن تشكيلة بعض البرلمانات في الآونة الأخيرة – خصوصاً مع هبوب رياح الديمقراطية وما استتبعها من إجراء انتخابات تعددية أسفرت عن فوز المعارضة في بعض الأحيان – تشير إلى بداية استعادة البرلمان لهذا الدور، وإن كانت عقبة امتلاك رئيس الدولة – في كثير من الأحيان – لسلطة حلّ البرلمان تمثّل قيداً عليه في هذا الشأن.
وتفصيل ما سبق على النحو الآتي:
– تأكيد العديد من الدراسات أن غالبية الدول الإفريقية صارت لديها برلمانات منتخبة، وهو ما يعني الأخذ بمبادئ الديمقراطية بالنسبة لإجراء الانتخابات، لكن ما يشوب هذه الانتخابات من أعمال تزوير تجعل هذه البرلمانات في النهاية لا تعبّر بصورة حقيقية عن الإرادة الشعبية للمواطنين بقدر ما تعبّر عن صفوة المجتمع(24)! وهو ما ينعكس على نوعية النواب من ناحية، وأدائهم البرلماني من ناحية ثانية، فبالرغم من أن بعض البرلمانات شهدت للمرة الأولى دخول جيل جديد من المثقفين والمهنيين والأكاديميين المؤمنين بالتعددية السياسية؛ فإن معظم أعضاء البرلمانات الأخرى يفتقدون الخبرة البرلمانية اللازمة، فضلاً عن عدم تدريب هؤلاء النواب على قواعد العمل البرلماني، علاوة على عدم وجود مكاتب معاونة لتقديم الاستشارة اللازمة لهم(25).
– أن دور هذه البرلمانات – في الأغلب الأعم – هو التعبير عن رؤية الحزب الحاكم، ومن ثم الحكومة، بصورة أكبر من تعبيرها عن مصالح الناخبين! وقد يرجع ذلك لأسباب عدة, لعل من أهمها قيام الحكومة بممارسة أعمال الترغيب والترهيب ضد هؤلاء، ومما يزيد من تعقيد الأمور – كما سبق القول – هو امتلاك الرئيس – في أحيان كثيرة – لسلطة حلّ البرلمان, كما في كينيا وغيرها(26).
– أن البرلمانات تناقش القضايا المطروحة عليها من قبل الحكومة، حتى إن كان للشعب رأي آخر بشأنها، ولعل ما حدث في كينيا إبان التعديلات الدستورية عام 2005م خير دليل على ذلك، حيث وافق البرلمان عليها، لكن الشعب رفضها في الاستفتاء(27)، ويُلاحَظ أن هناك قضايا أخرى لا تقوم الحكومة بطرحها على البرلمان بدعوى الأمن القومي(28)؛ بالرغم من أن مناقشة هذه القضايا من صميم عمل السلطة التشريعية.
– أن هناك بعض التحسّن في أداء السلطة التشريعية في الآونة الأخيرة، خصوصاً فيما يتعلق بممارسة البرلمان لدوره الرقابي في مواجهة الحكومة، حيث ظهرت بعض الأصوات التي تطالب بمحاسبة الحكومة، ولم تعد العلاقة بين الجانبين في كثير من البلدان الإفريقية كما كانت في السابق من حيث خضوع البرلمان لما تريده الحكومة(29).
ثالثاً: المؤسسة العسكرية ودورها السياسي:
بالرغم من أنه من المفترض في النُّظُم الديمقراطية أن المؤسسة العسكرية هي جزء من المؤسسة التنفيذية، بحكم خضوع وزارة الدفاع للحكومة، وأن الدور الأساسي المنوط بالجيش هو مواجهة العدو الخارجي – أي خارج الحدود –، ومن ثم يُفترض عدم انخراطه في السياسة، نقول بالرغم من ذلك فإن المؤسسة العسكرية مارست – ولا تزال – دوراً مهماً في الحياة السياسية الإفريقية، ليس فقط فيما يتعلق بدعم الأنظمة الحاكمة، بل – وهذا هو الأغلب – في تقويض النظام الحاكم, سواء كان مدنياً أو عسكرياً، والوصول إلى السلطة، وعدم التنازل عنها إلا في حالات قليلة تكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة (مثل حالة سوار الذهب في السودان، والجنرال عبد السلام أبو بكر في نيجيريا، والعقيد ولد فال في موريتانيا), لذا لا غرابة في أن يأتي الحديث العربي عن المؤسسة العسكرية الإفريقية في هذا الإطار:
– أن الجيش في إفريقيا يشكّل العقبة الكبرى أمام انتشار الديمقراطية، فقد قام بالاستيلاء على السلطة في 27 دولة إفريقية (أي قرابة نصف دول القارة)، وإن كانت هذه النظرة ترتبط – إلى حدٍّ كبير – بالوضع السائد قبل انتهاء الحرب الباردة.
– أن المؤسسة العسكرية بالرغم من نجاحها في الداخل؛ فإنها أخفقت – في كثير من الأحايين – في صد الهجوم الخارجي الذي تتعرض له البلاد(30).
– أن معظم الجيوش الإفريقية يتم تشكيلها على أساس إثني(31)، وهو ما قد يجعل المؤسسة العسكرية تتأثر بأي توترات سياسية بين الإثنيات المختلفة، ولعل أحداث رواندا وبوروندي خير دليل على ذلك.
– أنه نظراً لخطورة هذه الظاهرة فإن منظمة الوحدة الإفريقية, ومن بعدها الاتحاد الإفريقي، رفضا الاعتراف بشرعية الحكومات الناشئة عن انقلاب عسكري(32).
ويُلاحَظ بالنسبة للدراسات العربية التي تناولت الاستقرار السياسي في إفريقيا ما يأتي:
– أن عدم الاستقرار السياسي يرجع إلى ضعف الولاءات الوطنية لحساب الولاءات القبلية، وهو ما ينعكس بدوره على المؤسسات الإفريقية التي تتسم بالضعف في هذه الحالة(33).
– أن الأزمات الاقتصادية تُعد أحد أسباب عدم الاستقرار السياسي في القارة، وأنه كلما ارتفع مؤشر التنمية في بعض الدول كان ذلك سبباً في تحقيق استقرار النظام السياسي, على غرار ما هو حادث في بعض دول غرب إفريقيا(34)، وإلى حدٍّ كبير في دولة مثل جنوب إفريقيا، في حين نرى في المقابل أن هناك مناطق وأقاليم أخرى لا تنعم بهذا الاستقرار السياسي, مثل بعض دول تجمع الساحل والصحراء(35).
– أن ممارسات النُّظُم الحاكمة هي المسؤولة بالأساس عن عدم الاستقرار السياسي، وأن رد فعل المعارضة – سواء السلمي أو العسكري – يُعد نتاجاً لهذه الممارسات الحكومية.
– أن العامل الخارجي قد يؤدّي دوراً في حدوث عدم الاستقرار السياسي، مثل حالة الصومال التي لا تتمتع بالاستقرار السياسي بسبب تشجيع إثيوبيا للحكومة الانتقالية، فضلاً عن تشجيعها للحركات الانفصالية, مثل الحركة الوطنية الصومالية، فضلاً عن مناصبتها العداء للمحاكم الإسلامية، وجماعات الإسلام السياسي, مما يترتب عليه عدم استقرار سياسي، يتحوّل إلى عدم استقرار أمني كما ظهر في الأزمة الأخيرة.
– أن عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى تهديد السلم والأمن في كل أرجاء القارة، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار بعض البلدان الإفريقية(36), وهناك نماذج بارزة في هذا الشأن مثل ليبيريا وغيرها.
خاتمة الدراسة:
من العرض السابق يمكن استخلاص بعض الملاحظات الختامية، أبرزها ما يأتي:
– أن الصورة الذهنية السياسية للعرب عن الأفارقة قد اختلفت من مرحلة لأخرى، ومن مجال لآخر، فبالنسبة لعملية التحوّل الديمقراطي فقد كانت الصورة سلبية إلى حدٍّ كبير خلال المرحلة التالية للاستقلال وحتى انتهاء الحرب الباردة، إلا أنها تحسّنت بصورة كبيرة – إلى حدٍّ ما – بغض النظر عن كون هذا التحوّل جاء طواعية أو نتيجة لضغوط خارجية.
وبالنسبة لمجالات الصورة؛ فقد شهدت تحسّناً في مجال التحوّل الديمقراطي وتداول السلطة, خصوصاً في المرحلة الثانية، لكن الصورة ما زالت سلبية في مجالات الفساد وحقوق الإنسان.
– حدوث تراجع في الانقلابات العسكرية في الآونة الأخيرة (صورة إيجابية)، وإن كان هذا لم يمنع من انتشار الصراعات والحروب الأهلية الداخلية تحديداً (صورة سلبية).
– أن هناك دوريات كانت أكثر عمقاً في رصد الصورة الإفريقية بمجالاتها السياسية المختلفة, ويأتي في مقدمتها: آفاق إفريقية، ومن بعدها مجلة السياسة الدولية، ثم الديمقراطية، وكلها دوريات مصرية، الأمر الذي يكشف أسباب الاهتمام المصري الأكاديمي المتزايد بالآخر الإفريقي.
– أن النتائج التي توصّلت إليها الدراسة ليست قطعية، وهذه هي طبيعة الدراسات الاجتماعية عامة، والسياسية خاصة، لكنها يمكن البناء عليها في بحوث أكثر تفصيلاً وعمقاً.
– أن الصورة الذهنية لدى الأكاديميين العرب معظمها معتمد على المصادر الغربية، لذا تشابهت هذه الصورة مع الصورة الغربية عن إفريقيا، وقد يكون هذا أمراً طبيعياً لأنها معتمدة عليها (صورة غير مباشرة)، وإن كان هذا يتطلب من هؤلاء الأكاديميين السعي إلى الاختلاط بالأفارقة، بل الذهاب إلى عمق القارة السمراء، لأن الخبر يختلف كثيراً عن المعاينة (الصورة المباشرة).
الإحالات والهوامش:
(*) أستاذ العلوم السياسية الزائر – جامعة قناة السويس.
(1) لمزيد من التفاصيل انظر: د. إبراهيم أحمد نصر الدين: التعاون العربي الإفريقي من أجل تنمية إفريقيا، ص ص 5 – 6.
(2) المرجع السابق نفسه، ص 3.
(3) حول هذا التعريف انظر: السيد ياسين «محرر»: تحليل مضمون الفكر القومي العربي.. دراسة استطلاعية، (بيروت – مركز دراسات الوحدة العربية،1980م)، ص 11.
(4) المرجع السابق نفسه، ص ص 11 – 12.
(5) من بين هذه الدوريات: السياسة الدولية, ملف الأهرام الاستراتيجي، مجلة الديمقراطية، آفاق إفريقية، المستقبل العربي.. وغيرها.
(6) جلال عبد المعز: الانتخابات الرئاسية في تشاد، آفاق إفريقية، القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، عدد 9، ربيع 2002م.
(7) الطيب زين العابدين: الأوضاع التعليمية للأقليات المسلمة في إفريقيا، دورية دراسات إفريقية السودانية.
(8) حسن الحاج علي: الدولة الإفريقية ونظرية العلاقات الدولية، السياسة الدولية (القاهرة: مؤسسة الأهرام، عدد 160، أبريل 2005م).
(9) نورا عبد القادر حسن: ليبيريا.. أزمة جديدة للدولة في إفريقيا، السياسة الدولية، عدد 154، أكتوبر 2003م.
(10) مانديلا.. غاندي إفريقيا، آفاق إفريقية، عدد 2، صيف 2000م.
(11) خالد حنفي علي: آفاق السلام في أنجولا بعد مقتل سافيمبي، السياسة الدولية، عدد 149، يوليو 2002م.
(12) إبراهيم أحمد عرفات: الدور الإقليمي لنيجيريا: مراجعة استراتيجية، السياسة الدولية، عدد 154، أكتوبر 2003م.
(13) ناصر كامل: عام الانتخابات في إفريقيا، آفاق إفريقية، عدد 19، شتاء 2006م.
(14) أكرم ألفي: كوت ديفوار.. هل ينجح اتفاق باريس في إنهاء الأزمة، السياسة الدولية، عدد 152، أبريل 2003م.
(15) بدر حسن شافعي: أزمة دارفور بين الأَفْرَقة والتدويل، السياسة الدولية، عدد 164، أبريل 2006م.
(16) أحمد إبراهيم محمود: حقوق الإنسان في الصراعات الإفريقية: جرائم الإبادة الجماعية في رواندا والسودان، آفاق إفريقية، عدد 22، خريف 2006م.
(17) د. إبراهيم نصر الدين: إفريقيا في الفكر السياسي المصري: رؤية أوّلية، السياسة الدولية، عدد 161، يوليو 2005م.
(18) خليل العناني: العوامل الداخلية لتآكل مؤسسة الدولة في إفريقيا، آفاق إفريقية، عدد 6، صيف 2001م.
(19) أحمد حجاج: الحكومات الإفريقية والبرلمان الإفريقي: هل ستنجح التجربة، السياسة الدولية، عدد 156، أبريل 2004م.
(20) كريستين عبد الله إسكندر: الشرق الأوسط وإفريقيا في قمة مجموعة الثماني، السياسة الدولية، عدد 157، يوليو 2004م.
(21) سامية بيبرس: جنوب إفريقيا ومواجهة قضايا القارة، السياسة الدولية، عدد 147، يناير 2002م.
(22) أيمن السيد شبانة: تطورات الصراع والتسوية في البحيرات العظمى، آفاق إفريقية، عدد 20، ربيع 2003م.
(23) أحمد إبراهيم محمود، مرجع سابق.
(24) أحمد حجاج: عن إفريقيا والتعددية السياسية الجديدة، آفاق إفريقية، عدد 9، ربيع 2002م.
(25) المرجع السابق نفسه.
(26) نبيل بكر: الاستفتاء على الدستور الكيني، آفاق إفريقية، عدد 19، شتاء 2006م.
(27) المرجع السابق نفسه.
(28) أحمد حجاج: الديمقراطية والتعددية الحزبية في إفريقيا، آفاق إفريقية، عدد 9، ربيع 2002م.
(29) أحمد حجاج: الحكومات الإفريقية والبرلمان الإفريقي، مرجع سابق.
(30) خليل العناني، مرجع سابق.
(31) المرجع السابق نفسه.
(32) نبيل عثمان: الاتحاد الإفريقي ومستقبل القارة الإفريقية، آفاق إفريقية، عدد 6، صيف 2001م.
(33) نصر كامل: الأمن والتنمية في إفريقيا، آفاق إفريقية، عدد 21، صيف 2006م.
(34) إجلال رأفت: السياسة المصرية في إفريقيا، آفاق إفريقية، عدد 2، صيف 2000م.
(35) سامي السيد: برامج وآليات السلم والأمن داخل المنظمات الإقليمية الإفريقية، آفاق إفريقية، عدد 20، ربيع 2006م.
(36) هنا سيد محمود: جمهورية زيمبابوي، آفاق إفريقية، عدد 13، ربيع 2003م.