أخفقت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (إيكواس) المكونة من 15 دولة في أحدث محاولاتها للضغط على القادة العسكريين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو لعودة النظام الدستوري وإجراء انتخابات ديمقراطية؛ إذ اتفق رؤساء الكتلة في اجتماع السبت الماضي (الموافق 4 مايو 2022م) على تأجيل نقاشها وقرارها حول معاقبة قادة في هذه الدول الثلاث الذين يصرّون على أنّ العودة إلى الديمقراطية وإجراء انتخابات جديدة ستستغرق سنوات.
وبحسب البيان الصادر يوم السبت الماضي؛ ستجتمع إيكواس مرة أخرى في 3 يوليو القادم لتحديد ما إذا كانت هناك عقوبات أخرى ستُفْرَض على الدول الأعضاء الثلاث أم لا.
بين موقف إيكواس وأوضاع ما بعد الانقلابات:
بدأت الموجة الجديدة للانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا في أغسطس 2020م عندما أطاح الجنود بقيادة “آسيمي غويتا” برئيس مالي المنتخب ديمقراطيًّا “بوبكر كيتا”. ونفّذ “آسيمي” انقلابًا ثانيًا بعد تسعة أشهر فقط بينما مالي لم تتخلص بعدُ من تداعيات الانقلاب الأول؛ حيث أقال رئيس الحكومة الانتقالية المدنية، وأصبح هو رئيسًا للبلاد. وكل هذا بعد مرور ثماني سنوات بدون انقلاب عسكري في مالي.
وفي سبتمبر 2021م أطاح جنود متمردون قادهم “مامادي دومبويا” بالرئيس “ألفا كوندي”, وذلك بعد مرور 13 عامًا دون انقلاب في البلاد. وفي انقلاب آخر في يناير الماضي (2022م) أطاح العسكر في بوركينا فاسو بالرئيس “روش مارك كريستيان كابوري”.
وإذا كانت الدوافع الرئيسية وراء هذه الانقلابات التي تؤيدها النسبة الكبرى من شعوب الدول الثلاث أن الأوضاع المعيشية والاقتصادية متدهورة, وأن الأزمة الأمنية والهجمات الإرهابية تزداد سوءًا, إضافة إلى عوامل سياسية؛ فقد وقعت معضلة أخرى عندما أصرّت إيكواس على العودة إلى الحكم المدني والديمقراطي في فترة زمنية قصيرة، وإجراء انتخابات جديدة في أقرب وقت ممكن, وهو ما يخالف مقترحات قادة الانقلاب هذه الدول الذين اقترحوا أُطرًا زمنية أطول بكثير مما طالبت به إيكواس.
وقد تعرّضت مالي لأكبر العقوبات والمضايقات على المستويين الإقليمي والدولي؛ إذ عُلّقت عضويتها داخل إيكواس والاتحاد الإفريقي, وفرضت عليها عقوبات اقتصادية قوية أدت إلى إغلاق معظم التجارة والحدود البرية والجوية مع دول أخرى في الكتلة. بينما تستغلّ فرنسا التي تأزمت علاقتها مع مالي موقف إيكواس لقيادة حملات أوروبية ودولية ضدّ قادة مالي العسكريين.
وهناك اتهامات موجهة لحلفاء فرنسا في غرب إفريقيا على أنهم يعملون لصالح دولة خارجية ومصالح أجنبية مع محاولات التدخل في الشؤون المحلية في مالي وغينيا وبوركينا فاسو. وتُلاحظ هذه النقطة في انسحاب مالي الأخير من “مجموعة دول الساحل الخمس” بعدما رفضت بعض الدول الأعضاء في المجموعة رئاسةَ مالي الدورية للمجموعة.
وفي منتصف مايو الماضي أعلنت الحكومة الانتقالية في مالي أنها أحبطت محاولة انقلاب قادها ضباط بالجيش مدعومون من قبل “دولة غربية”, مع وجود تقارير بأن قائد هذه المحاولة الفاشلة هو العقيد “أمادو كيتا”؛ أحد ضباط الجيش الذين استولوا على السلطة في أغسطس 2020م، وعززوا قبضتهم لاحقًا في الانقلاب الثاني في مايو 2021م.
وفي غينيا يواجه المجلس العسكري الحاكم ضغوطات مختلفة؛ بدءًا من تعليق عضوية البلاد في إيكواس وإصرار رؤساء الكتلة الإقليمية على أهمية استمرار فرض العقوبات عليها حتى تعود إلى الديمقراطية. وعلى المستوى المحلي رفضت ثلاثة أحزاب معارضة رئيسية وأكثر من 60 من حلفائها الصغار الجدول الزمني الذي اقترحه المجلس العسكري الحاكم، ومدته 39 شهرًا للانتقال الديمقراطي.
وهذا الرفض من الأحزاب المعارضة في غينيا يشكل تهديدًا للحوار الوطني مع جميع الأطراف المعنية والتي دعا إليها “المجلس الوطني الانتقالي” الذي شكله المجلس العسكري للعمل بديلاً للبرلمان إلى حين إجراء الانتخابات. ومن المحتمل أن يواجه المجلس العسكري الحاكم في الشهور القادمة سلسلة انتقادات وأنشطة مقاومة لحكمه مِن قِبَل بعض نواب المعارضة وأعضاء حزب الرئيس السابق المخلوع “ألفا كوندي”، وغيرهم من أفراد المجتمع المدني الذين صوّتوا ضد مقترح المجلس العسكري الحاكم بتحديد 39 شهرًا للانتقال الديمقراطي، وخرجوا من المجلس الوطني الانتقالي بعد إقرار المقترح.
أما في بوركينا فاسو, فلا يزال الخلاف قائمًا بين القادة العسكريين والكتلة الإقليمية حول تسريع وعود إجراء انتخابات جديدة, بينما تتراجع الثقة بين بعض السكان ببعض المناطق حول أحد الوعود التي قدّمها المجلس العسكري الحاكم أثناء الانقلاب والمتمثل في عجز حكومة الرئيس السابق “روش مارك كريستيان كابوري” عن توفير الأمن في البلاد. بل وأدى انتشار الهجمات العنيفة بعد الانقلاب إلى تضاؤل آمال الناس في العودة السريعة للسلام والاستقرار؛ حيث لم يتمكن الجيش إلى الآن من عكس اتجاه انعدام الأمن المتصاعد قبل الانقلاب.
وهناك تقارير بأن الحركات المسلحة في بوركينا فاسو تستغل الانقطاع في سلسلة القيادة بسبب الانقلاب. وأشار المجلس القومي للإغاثة والتأهيل الطارئ إلى ارتفاع أرقام عدد النازحين من 1,741,655 في نهاية يناير إلى 1,814,283 في نهاية فبراير؛ أي بزيادة 4.17 في المئة. ولعلّ هذه التطورات في المجالات الأمنية والمعيشية أدّت مؤخرًا إلى ظهور انتقادات ضد المجلس العسكري الحاكم بسبب عجزه، رغم أن الرئيس الانتقالي “بول هنري سانداوغو داميبا” حمَّل سبب عدم إحراز تقدم على الحاجة إلى إنشاء مؤسسات انتقالية بإمكانها توفير إطار سياسي لمحاربة التطرف العنيف بفعالية.
ولإنشاء هذه المؤسسات, أعلنت السلطات الانتقالية عن ميثاق يحدد 36 شهرًا كفترة العودة إلى الديمقراطية. ولا يمكن الجزم حاليًا ما إذ كانت خطة المجلس العسكري الحاكم ستتناسب مع وتيرة الأمل والتوقعات من قبل البوركينابيين؛ حيث طول تنفيذ الخطة وتحقيق الوعود قد يؤدي إلى أزمة سياسية جديدة.
مطالب وتدابير غير عملياتية:
يلاحظ من اجتماع إيكواس الأخير أن الكتلة تراهن على مدى صبر المواطنين مع القادة العسكريين في كل من مالي وغينيا وبوركينا فاسو, ومدى تحمّلهم للأوضاع الاقتصادية والأمنية وتداعيات العقوبات.
على أن إيكواس نفسها تعرّضت لانتقادات لموقفها غير الواقعي؛ لأن العودة السريعة إلى الديمقراطية لا تتوافق مع خطوات وإجراءات لازمة يجب القيام بها أثناء عملية البناء, كما أن التحول السياسي الإيجابي الدائم يتطلب وقتًا طويلاً. ومن المعلوم أن تسريع إجراء الانتخابات لا يضمن نزاهتها أو استمرار الحكم المدني بعدها, كما لا يضمن عدم حدوث انقلاب عسكري آخر.
وهناك شكوك مثارة حول مدى فاعلية تدابير إيكواس وعقوباتها المفروضة على مالي؛ لأن هذه التدابير لم تُحدث أي تغيير في السلطة, بل زادت من دعوات شعبية بالانسحاب من الكتلة. ولم يُثْنِ الكولونيل “أسيمي غويتا” عن اتخاذ خطوات جديدة لعزل مالي دوليًّا. وقد أدت زيادة تدهور الوضع الإنساني في مالي وبوركينا فاسو بسبب الوضع الأمني جزئيًّا وضعف موسم الأمطار وتأثير الحرب الأوكرانية الروسية، من بين أسباب أخرى؛ كلها أدت إلى طلب بعض رؤساء إيكواس برفع العقوبات عن مالي وتبنّي طرق أخرى لإقناع القادة العسكريين على تقليل مدة العودة إلى الديمقراطية. وقد فشل تحقيق هذا الطلب لرفض بعض قادة الكتلة عن رفع العقوبات والتدابير الأخرى.
وعلى كل حال, تستدعي الأوضاع في الدول الثلاث من قادة إيكواس تحديد استراتيجيات دعم مرنة وعملياتية، مع تفضيل آلية الحوار والتشارك الأخوي في إيجاد الحل، ومراعاة التغييرات المحلية والإقليمية، سواء رفض أم وافق قادة المجلس العسكري الحاكم في هذه الدول على مقترح كتلة إيكواس للعودة إلى النظام الدستوري في غضون فترة زمنية “قصيرة”؛ وذلك لأن الأهمية في الوقت الراهن إيجاد نهج بنَّاء لمساعدة الدول الثلاث على تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والأمنية. وهذه الأهداف يصعب تحقيقها في ظل العقوبات الاقتصادية القاسية التي قد تؤدي إلى دوامة سلبية وتأزم العلاقات بين الجيران.
_____________________
للمزيد:
عقوبات الإيكواس على مالي وثلاثية التنافس الفرنسي الروسي الصيني: https://studies.aljazeera.net/ar/article/5256
توغو ومساعي زحف الحركات المتطرفة العنيفة نحو ساحل خليج غينيا: https://studies.aljazeera.net/ar/article/5392
Any decision on Mali, Burkina Faso, Guinea must consider the people, Buhari tells ECOWAS leaders:
Burkina Faso: Northern blockade cuts food supply to thousands of people:
Colonel Close to Mali Junta Linked to Coup Attempt, Sources Say:
ECOWAS sets new poll deadlines for Burkina Faso, Mali and Guinea:
ISS: Burkina Faso’s junta under pressure to deliver on security promises:
Mali’s military junta says it foiled attempted coup: