في يوم الاثنين (15 فبراير 2021م), دعت منظمة التجارة العالمية (World Trade Organization = WTO) إلى اجتماع افتراضي خاص لمجلسها العام اختارت فيه الدول الأعضاء رسميًّا وزيرة المالية النيجيرية السابقة وخبيرة البنك الدولي المخضرمة الدكتورة “انغوزي أوكونجو-إيويالا” كأول مدير من إفريقيا، وأول امرأة تقود منظمة التجارة العالمية، وذلك لقيادة المنظمة التجارية لتخطّي أزماتها الداخلية واستعادة حيويتها في التعافي العالمي من فيروس كورونا.
وستتولى “أوكونجو-إيويالا”, البالغة من العمر 66 عامًا, منصبَها في الأول من مارس القادم لفترة ولاية حتى 31 أغسطس 2025م قابلة للتجديد. وقد اعترفت بصعوبة المهمة في بيانها فور تأكيدها في الوظيفة يوم الاثنين؛ حيث أشارت إلى ضرورة إصلاح المنظمة و”العمل مع الأعضاء لتشكيل وتنفيذ الاستجابات السياسية التي نحتاجها لإعادة الاقتصاد العالمي إلى الريادة”.
جدير بالذكر أن منظمة التجارة العالمية بلا قيادة منذ تنحّي مديرها السابق الدبلوماسي البرازيلي “روبرتو أزيفيدو” في أغسطس الماضي، أي قبل عام من انتهاء فترة ولايته. وتغلّبت “أوكونجو-إيويالا” على عقبات تعيينها بعدما انسحبت وزيرة التجارة من كوريا الجنوبية “يو ميونغ” -المنافِسَة الوحيدة المتبقية من السباق-، وبعدما فاز الرئيس الأمريكي الجديد “جو بايدن” دعم اختيار “أوكونجو إيويالا”.
من هي “أوكونجو-إيويالا”؟
وُلِدتْ الدكتورة “انغوزي أوكونجو-إيويالا” في “أوغواشي-أوكوو” (Ogwashi-Ukwu) ولاية “دلتا” جنوب نيجيريا. وكان والدها “تشوكووكا أوكونجو” أستاذًا جامعيًّا وملِكًا من عائلة “أوباهَايْ” الملكية لـ “أوغواشي أوكوو”.
تلقت “أوكونجو-إيويالا” تعليمها في ولايتي “إنوغو” و”إيبادان” بالمدرسة الدولية. ووصلت إلى الولايات المتحدة عام 1973م للدراسة في جامعة هارفارد؛ حيث تخرجت بامتياز مع بكالوريوس في الاقتصاد عام 1976م. وحصلت في عام 1981م على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الإقليمي والتنمية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) مع أطروحة بعنوان: “سياسة الائتمان والأسواق المالية الريفية والتنمية الزراعية في نيجيريا”.
وقبل ترشحها لرئاسة منظمة التجارة العالمية, أمضت 25 عامًا في البنك الدولي بواشنطن العاصمة؛ حيث عملت في مجال التنمية وارتقت إلى المركز الثاني كمدير عام لعمليات البنك الدولي. وبصفتها العضو المنتدب في المنظمة، أشرفت على الحافظة التشغيلية البالغة 81 مليار دولار في إفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى. وقادت مبادرات البنك الدولي لمساعدة البلدان منخفضة الدخل خلال 2008-2009م، والأزمات الغذائية خلال الأزمة المالية. وكانت في عام 2010م رئيسة حملة تجديد موارد المؤسسة للتنمية والتي جمعت 49.3 مليار دولار في شكل “مِنَح” وائتمان منخفض الفائدة لـ”أفقر البلدان في العالم”. وكانت أيضًا خلال فترة عملها في البنك الدولي عضوًا في لجنة التعاون الإنمائي مع إفريقيا.
وتعتبر الدكتورة “أوكونجو-إيويالا” أول امرأة تتولى وزارة المالية في نيجيريا ووزارتها الخارجية؛ حيث شغلت مرتين منصب وزيرة المالية في عهد الرئيسين السابقين “أولوسيغون أوباسانجو” (2003 – 2006م) و “غودلاك جوناثان” (2011 – 2015م).
جدير بالذكر, أن “أوكونجو-إيويالا” عالجت ديون نيجيريا الضخمة عندما كانت وزيرة المالية؛ من خلال نجاحها في إقناع القوى الغربية المتشككة من تقديم “منح” للبلاد, ما أدى إلى إطلاق لقب “المصلح اللامع” عليها مِن قِبَل البعض. بينما يرى آخرون أنها ساهمت في استشراء الفساد تحت إدارة الرئيس النيجيري السابق “غودلاك جوناثان”, وأن الصفقات التي أبرمتها مع الدائنين أقل منفعة مما روّجه مؤيدوها, خاصة وأن البلاد لم تحقق الوعود التي قطعتها للنيجيريين بالنمو الاقتصاديّ وخَلق فرص العمل للشباب.
ما الذي يعنيه تعيين “أوكونجو إيويالا” ؟
بعد تأكيدها كمدير عام لمنظمة التجارة العالمية، ستحتاج “أوكونجو إيويالا” إلى التوسط في محادثات التجارة الدولية والانهماك في مواجهة الصراع الأمريكي الصيني المستمر, والاستجابة لضغوط إصلاح قواعد التجارة, ومكافحة الحمائية التي تصاعدت بسبب جائحة كوفيد -19.
وقد أكّدت “أوكونجو-إيويالا” في خطاب قبولها في منظمة التجارة العالمية على أن الحصول على صفقة تجارية سيكون “أولوية قصوى” في الاجتماع الوزاري القادم, وأنها تسعى إلى الضغط على رفض قومية اللقاح وتوزيعه بشكل عادل. إضافة إلى موقفها الذي يتلاءم مع موقف مسؤولين سابقين في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الداعين إلى تحديث قواعد المنظمة وتحديث قواعدها، ما يعني أن أمامها تحديات تحقيق الإجماع على القيام بذلك الإصلاح.
“يمكنني تحمل المشقة. يمكنني النوم على الأرض الباردة في أي وقت”؛ هكذا قالت “أوكونجو إيويالا” لـ “بي بي سي” في عام 2012م, مضيفة أنها وعت دروسها بعد أن عانت من الحرب الأهلية في نيجيريا خلال سنوات مراهقتها؛ حيث فقدت أسرتها خلالها كل مدخراتها.
وعلى حدّ تعبيرها: “تبدو منظمة التجارة العالمية مشلولة في الوقت الذي سيستفيد فيه كُتّاب قواعدها بشكل كبير من تحديث قضايا القرن الحادي والعشرين؛ مثل: التجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي، والاقتصادات الخضراء والدائرية”.
وهناك توقعات من المحللين أن يدعم تعيين “أوكونجو إيويالا” مشاركة المرأة في التجارة العالمية؛ حيث أشارت الدكتورة إلى أنه “ينبغي بذل جهود أكبر لإدراج الشركات المملوكة للنساء في القطاع الرسمي”.
إفريقيا في أجندة “أوكونجو-إيويالا”:
كمبعوثة خاصة للاتحاد الإفريقي بشأن مكافحة جائحة كورونا؛ كانت “أوكونجو-إيويالا” عضوًا في مجلس إدارة Gavi – تحالف اللقاحات؛ الذي كان عبارة عن شراكة صحية بين القطاعين العام والخاص بهدف إيصال اللقاح للناس في “البلدان الفقيرة”.
وعليه, يرى الكثيرون أن منصبها مهمّ بالنسبة لإفريقيا؛ لأن القارة لم تشغل المنصب قط, بينما تشعر الدول الإفريقية أن وظيفتها ستعزز استفادتها بشكل أفضل من نظام التجارة العالمي مع إمكانية تقوية القارة لمبادرة اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وتحفيز اقتصادات دولها، وتمكينها من مواجهة النظام التجاري العالمي.
“تمثل تجارة إفريقيا حوالي 3% من التجارة العالمية، وهذه تحتاج إلى زيادة”؛ هكذا قالت “أوكونجو-إيويالا”, مضيفة أن “وجودها في منظمة التجارة العالمية أمر سيفيد إفريقيا، ولكن هدفي هو التأكد من استفادة جميع أنحاء العالم”.
وحول القصور في توزيع لقاحات كورونا وصعوبة حصول إفريقيا على حصتها, أشارت “أوكونجو-إيويالا” إلى أن الفيروس كشف استمرار الاتجاهات المألوفة في العالم, وأن بإمكان منظمة التجارة العالمية تقديمَ مساهمات لتعزيز حصة الدول الإفريقية من سلسلة التوريد والمعدات الصحية والإمدادات الطبية، وغيرها.
وعلى حدّ تعبيرها: “أنا قلقة للغاية، والسبب هو أن الدول الإفريقية شعرت بالتأثير الاقتصادي للوباء أولاً قبل أن تشعر بالتأثير الصحي: انخفضت أسعار السلع مثل النفط بنسبة 60% بين ديسمبر 2019م ومارس 2020م. وفي الوقت نفسه، كان هناك هروب لرأس المال من القارة، وانخفضت التحويلات، وتراجعت السياحة. لأول مرة منذ 25 عامًا، يُتوقَّع تناقض اقتصادات القارة بنحو 2%، لذا فإن تأثيرها كبير”.
على جانب آخر, رحّبت “أوكونجو-إيويالا” باستعداد مجموعة العشرين لتأجيل سداد الديون لإفريقيا، ولكنها أوضحت أن تجميد الديون لمدة قصيرة لن يكون كافيًا. ولذا كان موقفها في أواخر العام الماضي أن تمدّ الصين مدة التجميد لبضع سنوات لتمكين القارة من النظر في قضايا القدرة على تحمُّل الديون.
وأخيرًا, هناك مَن يرى أن تعيين “أوكونجو-إيويالا” لن يكن سوى تمويه لأجندات القوى الغربية, وأنها ستواجه صعوبات في تحقيق أجنداتها تجاه القارة الإفريقية ومقاومة المسؤولين الأوروبيين الذين دعموها للوصول إلى المنصب.
______________________
- للمزيد:
‘I’m a fighter’: first female, African head of WTO ready for battle:
Nigeria’s Ngozi Okonjo-Iweala makes history twice by taking over the WTO:
Nigeria’s Okonjo-Iweala named first female, African WTO boss:
Okonjo-Iweala shares her plans for WTO, if appointed:
She’s dealt with hardship and hostage takers, and now this African woman is taking charge of the WTO: https://cnb.cx/37zhH3h