“في العام الماضي، طرأت تغييرات ديمقراطية على السلطة في إفريقيا أكثر من أيّ وقت مضى. وقد تعلمت صفوف المعارضة في مختلف البلدان شيئًا جديدًا”؛ كما يقول عالم السياسة البريطاني وأستاذ الديمقراطية في جامعة برمنجهام “نيكولاس تشيزمان/ Nicholas Cheeseman”؛ حيث أجرت صحيفة “NZZ” السويسرية حوارًا معه تتساءل فيه إذا ما كانت إفريقيا على أعتاب ربيع ديمقراطي؟
لقد كان هذا هو الحال على الأرجح في عام ٢٠٢٤م، عقب نتائج انتخابات مفاجئة شهدتها كلّ من جنوب إفريقيا وبوتسوانا، أو بعد أن أثارت حركات احتجاجية قوية ضد النخب السياسية حِراكًا إيجابيًّا في جميع أنحاء القارة.
لقد كان ذلك بعد أن سيطرت الانقلابات العسكرية في العديد من دول الساحل على المشهد في السنوات السابقة. والآن ستُجْرَى انتخابات في دول إفريقية رئيسية هذا العام. ومع ذلك، لا تُعرف الجابون وتنزانيا والكاميرون وكوت ديفوار بالانفتاح السياسي. ويشرح “نيكولاس تشيزمان”، عالم السياسة البريطاني، ما يُوحي به هذا الأمر بشأن وضع الديمقراطية في القارة. وجاء نص الحوار كالتالي:
أجرى الحوار: دومينيك بوركهارت
ترجمة: شيرين ماهر
تشيزمان.. في رأيك، هل تشهد إفريقيا صحوة ديمقراطية؟
أجل.. لقد شهد العام الماضي تغييرات ديمقراطية في السلطة في إفريقيا أكثر من أيّ وقت مضى. ولا يمكن إرجاع ذلك إلى زيادة عدد الجولات الانتخابية فحسب، ولكن أيضًا إلى ما يُسمَّى بـ “رياح التغيير” التي صعّبت على الأحزاب القائمة بالفعل البقاء في أماكنها، مما اضطرهم إلى الرحيل أو أضعف تأييدهم الشعبي.
ما الذي تعنيه بـ “رياح التغيير”؟ هل تلاحظ قاسمًا مشتركًا بين اضطرابات عام ٢٠٢٤م؟
هناك عدة عوامل يمكن ملاحظتها في العديد من الدول الإفريقية. العامل الأول، تعاني جميع الدول التي أجرت انتخابات عام ٢٠٢٤م من أزمة اقتصادية طاحنة. فقد ارتفعت أسعار الغذاء والطاقة بشكل حاد، وكذلك معدلات التضخم. ولم تعد الحكومات قادرة على إقناع السكان بسُبُل إدارة الوضع الاقتصادي على نحو جيد. العامل الثاني، شكَّلت مسألة إخفاق الحكومات في معالجة الفساد قضية مُلِحَّة لدى العديد من الناخبين. وقد سمح ذلك لأحزاب المعارضة بتحقيق مكاسب انتخابية من خلال تقديم وعود بأخذ مطالب السكان على محمل الجد.
ليست هذه مسألة جديدة.. إذن لماذا استطاعت أحزاب المعارضة أن تحقق انتصارًا العام الماضي؟
في كلٍّ من جنوب إفريقيا وبوتسوانا وناميبيا -وهذا هو العامل الثالث- أسهم حدوث تغيير اجتماعي عارم في تمكين عملية الانتقال. لقد أصبح عدد كبير من السكان الأفارقة أكثر شبابًا وأقل صبرًا. بالنسبة لفئة الشباب، فقدت الأحزاب التي ظلت في السلطة لفترة طويلة بريقها. ففي بوتسوانا، ظل الحزب نفسه في السلطة منذ الاستقلال عام ١٩٦٦م. وفي جنوب إفريقيا، حكم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مُنفردًا منذ إجراء أول انتخابات حرة عام ١٩٩٤م. وفي ناميبيا، حكمت حركة التحرير السابقة “سوابو” منذ تأسيس الدولة عام ١٩٩٠م. في هذه البلدان، فقدت غالبية السكان الأمل في نجاح الحُكام الحاليين في حل المشكلات التي تواجهها البلاد. في بوتسوانا، تم إقصاء الحزب الحاكم السابق عمليًّا من البرلمان. أما في جنوب إفريقيا وناميبيا، فلم يفقد الحزب المهيمن السلطة، ولكنه فقد قدرًا كبيرًا من الدعم الشعبي.
على الصعيد العملي، هل كان النصر حليف المعارضة؟
ليس هذا فحسب، بل هناك أيضًا أمثلة على أرض الواقع تثبت أن المعارضة قد تعلمت دروسًا من الماضي. ففي موريشيوس، على سبيل المثال، تعلمت المعارضة، بشكل ملموس، من الانتخابات السابقة ضرورة حماية صناديق الاقتراع حتى لا تختفي أو يتم التلاعُب بها. أما في بوتسوانا، فقد تضافرت جهود الأحزاب لتشكيل ائتلاف معارضة فعَّال، وهو أمر بالغ الأهمية لهزيمة خصم قديم.
العوامل المذكورة أعلاه، والتي كان لها تأثير إيجابي على انتخابات عام 2024م، سوف تستمر في عام 2025م؛ فهل من المرجّح أن نشهد المزيد من التطورات الديمقراطية خلال هذا العام؟
إذا كانت الإجابة عن الأسئلة التالية بـ(نعم)، فمن المؤكد سوف ينتظرنا زخم ديمقراطي كبير: هل هناك استياء شعبي كافٍ، بالنظر إلى أن العديد من الانتخابات هذا العام تُجرَى في دول استبدادية إلى حدّ ما؟ هل يُمكن لأحزاب المعارضة تنظيم حملات انتخابية وتعبئة المواطنين؟ في الواقع إن السياسة لا تختلف في إفريقيا عن أي مكان آخر؛ فيتعين تنظيم حملات على مستوى القاعدة الشعبية، والتفاعل المباشر مع السكان وتحفيزهم على الذهاب إلى صناديق الاقتراع يوم الانتخابات. ولكن إذا اعتُقل قادة المعارضة أو مُنِعوا من المشاركة في الحملات الانتخابية، كما هو الحال في تنزانيا، وقُيِّدت حرية التجمع، وتعرَّض أنصار المعارضة للترهيب، لدرجة أنهم لم يعودوا يجرؤون على ارتداء ملابس حزبهم، فسيكون من الصعب إحداث التغيير.
هذا التوجه قد يُنذِر بنتائج مماثلة لتلك التي شهدتها موزمبيق عام ٢٠٢٤م؛ حيث خرج الناس إلى الشوارع على مدار أسابيع؛ احتجاجًا على تزوير انتخابي واسع النطاق. لقد قمعت الحكومة الاحتجاجات، وقُتل العشرات في الاضطرابات، وفرّ الآلاف إلى الخارج.
أخشى أن نشهد نتائج مماثلة في عدة دول إفريقية خلال عام ٢٠٢٥م. ولكن، لا ينبغي لنا دائمًا افتراض أن المستقبل سيكون نسخة من الماضي. ففي عام ٢٠١٥م في نيجيريا وعام ٢٠١٦م في جامبيا، أُجريت انتخابات اعتقد الكثيرون أنها سيشوبها التزوير مِن قِبَل حكام استبداديين. وفي كلتا الحالتين، فازت المعارضة، التي شكَّلت ائتلافات فعَّالة. علينا أن نثق أن التغيير ليس مستحيلًا لمجرد أن الدول تحكمها أنظمة استبدادية.
في العام الماضي، لم يقتصر التعبير عن السخط الشعبي على صناديق الاقتراع فحسب، بل تجلَّى أيضًا في احتجاجات الشوارع. ففي كينيا، كادت انتفاضة شبابية أن تُسقِط الحكومة. كما تظاهروا لأشهر في نيجيريا وأوغندا.
وهذا أيضًا كان نتاجًا للتوسع الحضري السريع في إفريقيا؛ إذ يعيش المزيد من الشباب المُتعلمين في المدن، والذين يعانون الإحباط من قلة الفرص. كما أصبح من الأسهل حَشْد الناس في المُدن؛ لأن الأجيال الشَّابَّة تُدرك أن الأنظمة السياسية غالبًا ما لا تفي بوعودها، وأن القوانين التي قد تكون حبرًا على ورق لا تُطبَّق ولا تخضَع للتنفيذ. كما أن هؤلاء الشباب يدركون الآن اللعبة السياسية للقوى القائمة، ويتصرفون وفقًا لذلك. ففي كينيا، على سبيل المثال، في الصيف الماضي، صرّح المتظاهرون بوضوح بأن احتجاجهم ليس حركة عرقية. ونجحوا في إيصال رسالة تفيد بأنها حركة كينية واسعة النطاق ملتزمة بتشكيل حكومة أكثر مسؤولية وتطبيق أفكار جديدة تخدم الشعب.
ما دور منصات التواصل الاجتماعي فيما يحدث؟
إذا أردتَ تنظيم احتجاجات بعيدًا عن الأحزاب السياسية أو القادة الحاليين، فعليكَ اللجوء إلى المجتمع المدني. أفضل طريقة للقيام بذلك عبر منصات التواصل الاجتماعي. يُعدّ التضليل الإعلامي مهمًّا أيضًا في هذا السياق، إذ يُعزز مناخ انعدام ثقة المواطنين القائم في الأصل. ولكن، مُجددًا، لا يرتبط ذلك بالضرورة بإفريقيا. إن التضليل الإعلامي يُمثِّل تحديًا كبيرًا، لا سيما في الولايات المتحدة، كما شهدنا في الأشهر الأخيرة.
من أبرز التطورات المناهضة للديمقراطية في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة الانقلابات العسكرية في العديد من دول الساحل. ما الدور الذي لعبه التضليل الإعلامي في هذه التطورات؟
من المعروف أن جهات فاعلة، مثل روسيا، تنشر معلومات مُضلّلة في بعض دول الساحل. ومع ذلك، كانت الانقلابات ممكنة، في الأساس؛ بسبب خيبة أمل المواطنين من أداء حكوماتهم. ومن بين ردود الأفعال على ذلك: النزول إلى الشوارع للمطالبة بتشكيل حكومات أكثر فعالية وديمقراطية، أو الاحتفال بانقلاب عسكري؛ أملاً في أن يُشكِّل الجيش حكومة أكثر كفاءة.
قد تبدو ردود الفعل هذه مُتباعدة؛ ففي كلتا الحالتين، تدفع إخفاقات الحكومة المواطنين إلى واقع مؤلم للغاية؛ إن العديد من المواطنين مستعدون، ولو مؤقتًا، لدعم أيّ شخص يُقدّم لهم وعودًا بتقديم المساعدة.
في أوائل التسعينيات، شهدت العديد من الدول الإفريقية مَوجةً من الديمقراطية. هل هناك أوجه تشابه بين ما حدث آنذاك وما يحدث الآن؟
جودة الديمقراطية اليوم أعلى بكثير مما كانت عليه في أوائل التسعينيات. هناك دول عديدة، مثل غانا وزامبيا ومالاوي، شهدت بالفعل عدة انتقالات سلمية وديمقراطية للسلطة. وكانت هناك، ولا تزال، نُخب سياسية مستعدة للتنازل. ولكن مما لا شك فيه أيضًا أنه في العديد من الدول الإفريقية، لا تزال لدينا نفس المشكلات التي واجهناها في أوائل التسعينيات: انتخابات يسيطر عليها الحزب الحاكم بشدة، واحتمال فوزه بها مرتفعة للغاية. وهذا يُعيدنا إلى نقطة البداية: لن تكون انتخابات هذا العام في تنزانيا أكثر ديمقراطية من تلك التي جرت في أوائل التسعينيات. وللأسف، ينطبق هذا على العديد من الدول التي ستجري فيها انتخابات هذا العام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط الحوار: