في آخر تطور في الأزمة السياسية الحالية في إثيوبيا، قدَّم رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين استقالته رسميًّا من منصبيه؛ كرئيس للحكومة ورئيس لائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي؛ وذلك للسماح باستمرار الحوار والإصلاح.
ولا شكَّ أنه تطوُّر دراماتيكي لا أحد يعرف إلى أين سيؤدي؛ إذ انتخب ديسالين كمرشح توافقي بإمكانه تحقيق التوازن بين مصالح مختلف الفصائل داخل الائتلاف الحاكم، والحفاظ على الوضع الراهن.
وفيما يبدو, فقد نفَّذ ديسالين هذه المهمة بشكل بدا أنه جيد وأدار الأوضاع حتى الوقت القريب؛ حيث أتى تنحيه من منصبه بعد أيام من الإفراج عن كبار الشخصيات المعارضة والصحفيين البارزين في محاولة لتهدئة التوترات المستمرة التي تُزْعِج شعب هذه الدولة منذ أكثر من عامين.
“إن الاضطرابات والأزمة السياسية أدَّت إلى خسائر في الأرواح وتشريد الكثيرين,” قال هيلي ماريام ديسالين في خطاب متلفز. وأضاف “إنني أعتبر استقالتي حيوية في محاولة تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية مستدامين”.
إن استقالة ديسالين المفاجئة تثير شكوكًا حول كيفية قيام الائتلاف الحاكم بحل ومعالجة القضايا المتعلقة بالفيدرالية، والعدالة الاجتماعية، وإصلاح الأراضي والتنمية الاقتصادية العادلة، إلى جانب فتح الحوار السياسي، وخلق توافق وطني في الآراء.
ومن جانب آخر, هل الأزمة السياسية والاحتجاجات الحالية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، ثم استقالة ديسالين تُمَثِّل بداية النهاية لطبيعة الفيدرالية الإثيوبية المعهودة (أو التي أسسها ميليس زيناوي) منذ عام 1991م؟
في عام 1991م انتهت سنوات الحرب الأهلية، وتم القضاء على “الديكتاتورية الشيوعية” في إثيوبيا. فتولى ميليس زيناوي المنصب كرجل قوي تدعمه منظمته العرقية، وهي جبهة تحرير شعب تيغراي – والتي حكمت لسنوات كجزء من الائتلاف الذي يُعرَف بـ “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي”.
وعلى الرغم من أن الائتلاف يضمُّ أحزابًا تمثل ثلاث مجموعات عرقية أخرى -هي أمهره, أورومو، والقوميات الجنوبية, فإن الأقلية العرقية (تيغراي) هي التي تسيطر على مقاليد القوة والسلطة.
وقد أنشأ ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي نسختها الخاصة من نظام الحكم – الفيدرالية الإثنية -لإدارة أكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة في البلاد. وهو ما تراه الجبهة ومؤيدوها في غاية الأهمية لعدة أسباب, منها أن هذا النوع من النظام يعتبر؛
– أفضل طريقة لتصحيح الظلم الإداري السابق.
– الحل المناسب لتجنُّب عدم الاستقرار في إثيوبيا والقرن الإفريقي، والبحر الأحمر، والجزء الشمالي الشرقي من المحيط الهندي.
– وأنه يسهّل عملية التعايش السلمي بين أكثر من 80 مجموعة عرقية، ويساعد في إنقاذ إثيوبيا من التفكك.
إلا أن الواقع أن هذا النظام لم ينجح بعدُ في مواجهة جُلّ العقبات التي وُضِعَ من أجلها. وغالبًا ما يُنْتَقَد مِن قِبَل المحللين الإثيوبيين والأكاديميين الأجانب المتخصصين في العلوم السياسية.
بل وصفت لوفيس آلين في كتابها الأخير (الذي شاركتها في تأليفه راجنهيلد مورياس) الفيدرالية الإثيوبية بـ”حكم استبدادي شامل”؛ مشيرة إلى أن “الاستبداديين” في إفريقيا يتبنون – استراتيجيًّا – عمليات اللامركزية والإصلاحات لتعزيز قوتهم, وأنهم يستخدمون اللامركزية كوسيلة لاستقطاب النُّخَب وسحق الخصوم السياسيين.
وقد تولى ديسالين البالغ من العمر 52 عامًا السلطة في عام 2012م بعد وفاة رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي. وتحت حكمه الذي دام ست سنوات، اتخذت البلاد منحنًى حاسمًا – سياسيًّا واقتصاديًّا، مُشرفًا على نموّ اقتصادي هائل رغم تزايد عدد السكان، وتحسين البنية التحتية، وتقوية التحالف مع الصين؛ الأمر الذي جعل إثيوبيا نقطة مضيئة في إفريقيا.
وفي ظل حكمه أيضًا, انخفضت مستويات الفقر في ثاني أكبر بلد في إفريقيا من حيث عدد السكان، ولا يزال النمو الاقتصادي مرتفعًا باستمرار لأكثر من عقد من الزمان دون الاعتماد على ازدهار الموارد الطبيعية.
غير أن تزايد الممارسات التي تُوصَف بـ”الاستبدادية” أدَّت – مع الفراغ الذي خلَّفه وفاة ميليس – إلى اندلاع احتجاجات شعبية في عام 2015م. لتواجه حكومة رئيس الوزراء المستقيل وضعًا صعبًا. وأعلن رئيسَا أكبر الأقاليم في البلاد، أمهره وأوروميا – موطن أكبر مجموعتين عرقيتين – أنهما يؤيدان الاحتجاجات جزئيًّا، وطالَبا بحكم ذاتي إقليمي حقيقي، ووضع حد لهيمنة شعب تيغراي.
وتواصلت التحديات الداخلية في عام 2017م؛ حيث اشتدت الاشتباكات بين الإثنيتين الصومالية والأورومية، اللتين تشكلان معًا أكثر من 40 في المائة من سكان البلد الذين يزيد عددهم على 100 مليون نسمة. وقد خلَّف العنف العرقى عشرات القتلى وأدَّى إلى نشوء أزمة إنسانية أسفرت عن تشريد عشرات الآلاف من الأشخاص.
إصلاحات وخيارات ما بعد الاستقالة:
إن استقالة ديسالين تعني أن عمليات الإصلاح الداخلي في ائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي قد أبدت استياءها من القيادة المركزية للحزب؛ حيث ألقى بيان صادر عن اللجنة التنفيذية للحزب في ديسمبر 2017م باللوم على القيادة الحالية لانعدام الحكم الرشيد والفشل في حماية المدنيين من الاضطرابات.
وشجَّع بيان اللجنة الأطراف الأربعة الأعضاء في الائتلاف على تغيير قادتهم، وهو ما فعلته مؤخرًا جبهة تحرير شعب تيغراي. وبالمثل، طلبت الجبهة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية الجنوبية من قادتها – بمن فيهم ديسالين هيلي ماريام – التنحي عن منصبهم.
فمن سيحلُّ محل ديسالين رئيسًا للوزراء؟
تجتمع حاليًا اللجنة المركزية لائتلاف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي, لمناقشة هذه المسألة التي تميزت بالحوارات الإثنية الساخنة. ونظرًا للاحتجاجات في منطقة أوروميا، فقد يبدو من الطبيعي تعيين شخص من شعب أورومو لقيادة البلاد. غير أن ذلك سيتطلب دعم ثاني أكبر مجموعة عرقية، وهي أمهره -النخبة التقليدية في إثيوبيا قبل مجيء “الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي” للحكم.
وكما ترى لوفيس, فإنه من المؤكد أن أعضاء اللجنة مدافعون في مناقشاتهم لإدراكهم أنهم إذا لم يتمكنوا من التوحد خلف مرشح واحد، فإن الائتلاف يخاطر بتقسيم حقيقي على أسس عرقية ومعركة حول الفصيل الذي سيتحكم في الحكومة.
ولتجنب الانقسام، قد ينتهي بهم المطاف إلى اختيار نائب ديسالين في الحزب الجنوبي، كمرشح آخر للتسوية، في محاولة يائسة للحفاظ على الوضع الراهن.
ولا يزال هناك بديل آخر، اقترحه زعماء أورومو الإقليميون: وهو السماح بدخول ومشاركة الأحزاب المعارضة من خارج الائتلاف الحاكم، لتحقيق مصالحة وطنية حقيقية. وهذا يمكن أن يُعالِج مطالب المتظاهرين لمزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان. غير أن إعلان الحكومة حالة طوارئ جديدة يوم الجمعة الماضي، قد يشير إلى أن الحزب الحاكم يريد الاستمرار في “احتكار” السلطة. ولعل الحكومة تعتزم اتخاذ تدابير استباقية قاسية لاحتواء الاحتجاجات المستمرة في جميع أنحاء البلاد.
فما الذي يعنيه استقالة ديسالين – على أساس كل ما سبق؟
يقول حاسن حسين، محلل في القرن الإفريقي، وأستاذ مساعد في جامعة سانت ماري بولاية مينيسوتا: إنه نظرًا لطابع الحكومة القوي في عهد ديسالين, فإن استقالته لا تعني سوى “نهاية شائنة لفترة حكم مشينة”.
أما بيفيقادو هايلو, الصحفي الذي سجن تحت حكم ديسالين, فهو يصف رحيله من الحكم بحجر الزاوية للسياسة الإثيوبية. “كان (تنحيه) متوقعًا قليلاً، ولكنه أيضًا يجعل (الفترة الحالية) فترة حاسمة جدًّا”؛ مضيفًا أنه “سيتم الكشف عن تطورات مثيرة للاهتمام قريبًا”.
المصادر:
– De Waal, A. (2012). The theory and practice of Meles Zenawi. 148-155.
– Ethiopia After Meles, Crisis Group Africa Briefing, 22 August 2012
– Quartz Africa: Ethiopia’s prime minister has stepped down. Abdi Latif Dahir, Published on: February 15, 2018. Retrieved from: https://goo.gl/5a1sJk
– DW: Ethiopia searches for renewal after Hailemariam Desalegn’s resignation. Philipp Sandner, Published on: February 19, 2018. Retrieved from: https://goo.gl/duM7rB
– Africa News: Ethiopia bans protests, incitive publications under state of emergency. Published on: February 19, 2018. Retrieved from: https://goo.gl/4JEgQh