يُسهم فَهْم تعدُّد مصادر كتابة التاريخ الإفريقي -في عملية مُعقَّدة للغاية- بإعادة النظر لهذا العِلْم وفق رؤًى إفريقية تُعيد الاعتبار لهذه المعرفة، وصياغة أفكار التخلُّص من هيمنة المركزية الأوروبية على هذه الكتابة بتحوُّلاتها المتعاقبة؛ التي لم تنجح إلا بالكاد -وفي أمثلة قليلة- في الفكاك من الرؤية الأوروبية-الغربية لتاريخ القارة؛ بدءًا من تحقيبه المصطنع في جُلّه، وصولًا إلى إعادة إنتاج تفسيراته.
وتُتيح أوراق جنيزة القاهرة رافدًا مُهمًّا للغاية، وبالغ الثراء في واقع الأمر، للدفع بأفكار تفكيك هيمنة المركزية الأوروبية في كتابة التاريخ الإفريقي، والتي كان من أهم محطاتها التأسيسية: طرح فريدرك هيجل Georg Wilhelm Friedrich Hegel (المتوفى عام 1831م)؛ الذي فصل شمال القارة عن جنوبها، ورسَّخ لأفكار خروج “إفريقيا” عن دائرة الحضارة الإنسانية، عبر تناول تلك الأوراق بالتحليل والدرس المكثَّف لمضامينها التي تُؤكّد بشكل عام على حيوية اندماج إفريقيا (لا سيما شمالها وشرقها ومناطق الصحراء وحوض النيل) في حركة التجارة العالمية. ويأتي كل ذلك انطلاقًا من قاعدة مهمة سياسية واجتماعية في ترابط العالمين الإفريقي والعربي تاريخيًّا وفي مسارات مستدامة؛ ألا وهي مصر.
أولًا: نظرة عامة على أوراق الجنيزة: التاريخ والمضامين
ارتبطت أوراق الجنيزة في القاهرة عضويًّا بتاريخ الجماعة اليهودية في مصر، وتفاعلاتها في سياقات تاريخية متعاقبة، منذ بَدْء العصر الفاطمي بشكل أكثر وضوحًا (القرن العاشر الميلادي)؛ إذ حرصت الجماعات اليهودية في مختلف مناطق وجودها على الاحتفاظ بأوراقها ووثائق معاملاتها الاجتماعية والاقتصادية في غرف مخصصة تُشبه كثيرًا الأرشيفات الحالية.
غير أن الأوراق التي عُثِرَ عليها في غرفة مُلحَقة بالمعبد اليهودي في مدينة الفسطاط، عاصمة مصر منذ الفتح الإسلامي، وأهم مدنها حتى نهايات العصر الفاطمي -رغم تأسيس القاهرة على بُعْد ميلين شمال شرق الفسطاط في العام 969م-؛ مثَّلت المجموعة الأهم في العالم والتي عوَّل عليها مؤرخون وباحثون كثيرون في أعمالهم العلمية منذ اكتشاف هذه المجموعة من الوثائق نهاية القرن التاسع عشر (تقريبًا 1889- 1890م) خلال عملية ترميم للمعبد اليهودي في بقايا مدينة الفسطاط (حي مصر القديمة بالقاهرة حاليًّا).
وأشار شيلومو دوف جواتين S. D. Goitein، الذي كرَّس عقودًا من حياته المهنية لدراسة أوراق الجنيزة، في مقدمة سِفْره بالغ الأهمية عن “الجماعات اليهودية في العالم كما صوَّرتها نصوص جنيزة القاهرة”([1]) إلى معرفة عدد من العلماء اليهود (لا سيما في مدينة القدس) بمضمون غرفة جنيزة “المعبد اليهودي” في حي مصر القديمة (أو مصر العتيقة بحسب تسمية أهله) بمدينة القاهرة، وجهود بعضهم (لا سيما في منتصف القرن التاسع عشر) للحصول على بعضها وبيعها، وقد سُجِّلت حالات دالة على ذلك منذ العام 1864م. وقد نجح أحدهم في الوصول لحجرة الجنيزة، وقدم تفاصيل عن محتوياتها في كتابٍ نشره في العام 1866م.
كما كانت مجموعة الجنيزة محل اهتمام شخصيات يهودية نافذة في عهدها؛ مثل الحاخام سليمان أرون ويرتايمر Rabbi Solomon A. Wertheimer ([2])، الذي نشَر عددًا من أوراق الجنيزة في تسعينيات القرن التاسع عشر، وإن كان هذا النشر “غير عِلْمي” على حدّ وصف جواتين.
وخلال فترة تجديد معبد بن عزرا، وما تلاها بِيعَ عدد من لفائف الجنيزة لمجموعة من جامعي الكتب الأوروبيين ومن بينهم ويرتايمر، الذي ركَّز نشاطه في القاهرة على شراء الكتب النادرة، والمجموعة المعروفة باسم “أخوات سيناء” Sinai Sisters، ومن أبرزهن آجنس سميث لويس Agnes Smith Lewis ومارجريت دنلوب جيبسون Margaret Dunlop Gibson اللتان قامتا بشراء العديد من هذه اللفائف خلال زيارتهما للقاهرة في العام 1896م. وعند عودتهما لكمبردج استشارتا عالمًا عبرانيًّا بخصوص ما عثرتا عليه في القاهرة، ورغم عدم تحمُّس هذا العالم، وهو سليمان شيكتر Solomon Schechter، في البداية لهذه اللفائف، فإنه عند دراسته لأوراق بن سيرا Ben Sira شعر بحماس لافت، وخاطب تشارلز تايلور C. Taylor، سيد سان جون كولدج St. John’s College من أجل تمويله رحلة عاجلة إلى القاهرة. وبالفعل اشترى في الفترة ما بين ديسمبر 1896 والعام 1897م جميع ما تبقى من أوراق الجنيزة، ولم يُخلِّف وراءه سوى الكتب المطبوعة في معبد بن عزرا، غير أن مؤرخين أكدوا أنه ليس واضحًا إن كان ما اشتراه كان فحسب من معبد بن عزرا أم من مجموعات مماثلة لجنيزته في مواقع مختلفة بالقاهرة (في إشارة إلى جنيزة مقابر اليهود بالبساتين على بُعْد كيلو مترات قليلة شرق موقع بن عزرا).
وأرسل ثمانية صناديق كبيرة تحتوي مشترياته إلى جامعة كمبردج قُدِّرت محتوياتها بنحو 140 ألف ورقة، وتُقدَّر حاليًّا بنحو 193 ألف مخطوطة تُمثِّل معًا Taylor-Schechter col-lection (T-S) في جامعة كمبردج، وهي الجزء الأكبر من مجموعة الجنيزة ككل. وتم في الفترة 1910- 1912م استخراج مجموعة أخرى من أوراق الجنيزة من مقابر اليهود في منطقة البساتين الواقعة خارج الفسطاط (قرب حي المعادي بالقاهرة)؛ حيث دفن اليهود بها بعض الأوراق خلال عمليات تجديد سابقة لمعبد بن عزرا، وقام بهذا الاستخراج كونت دهولست Count d’Hulst لصالح مكتبة البودليان Bodleian Library([3]). وقام كلّ من تشابيرا Chapira وإسرائيل ليفي Israel Levi، باسم جمعية الدراسات اليهودية Société des Études Juives الفرنسية، ووجدا أكثر من خمسة آلاف ورقة تمثل الآن مجموعة موسيري Mosseri Collection ([4]).
وتتمثل أغلب أوراق الجنيزة المتعلقة بتجارة المحيط الهندي، والمارة بشرق إفريقيا والبحر الأحمر، في الخطابات التي كانت تُرسَل من عدن أو الهند أو شرق إفريقيا إلى مصر القديمة بالقاهرة أو العكس؛ وثمة خطابات مُهمَّة أخرى تُرسَل من عدن إلى الهند أو العكس، ومن مدينة في الهند إلى أخرى. كما توجد في أوراق الجنيزة خطابات متبادلة بين تجار في شبه الجزيرة العربية وآخرين في شرق إفريقيا، أو بين مكان وآخر في اليمن.
ويندهش جواتين من سبب حِفْظ هذه الخطابات المتنوعة في مصر القديمة؛ ولا بد أن الكثير منها قد حُفِظَ في الهند لسنوات عديدة قبل نقله إلى القاهرة عبر طريق بالغ الخطورة بحرًا من الهند عبر شبه الجزيرة العربية إلى أحد موانئ شرق إفريقيا، ثم عبر الصحراء إلى إحدى المدن المصرية على النيل وصولًا إلى مدينة القاهرة.
ومن الواضح أن تلك الخطابات قد حُفظت حتى يتم الرجوع إليها (حال وجود خلافات أو حاجة للتثبت من وقائع ومعاملات معينة)، وبالفعل وُجِدَتْ العديد من الخطابات المشار لها في هذه السجلات وعلى نحو مستمر. وظلت الخطابات بحالة ممتازة بسبب جودة المادة المستخدَمة في الكتابة عليها والحبر المتميز، كما توفرت الخطابات في الغالب في نسختين يتم إرسالهم عادة في سفينتين مختلفتين([5]).
ثانيًا: أوراق الجنيزة مصدرًا تاريخيًّا إفريقيًا: الوثيقة وتفسير التاريخ
تفيد أوراق الجنيزة وتفاصيلها التي تُغطِّي مناحي الحياة اليومية في فَهْم أكبر لهذه الجوانب. وقدَّم فرناند برودل F. Braudel، المؤرخ الفرنسي البارز وأحد رواد مدرسة الحوليات في الكتابة التاريخية الفرنسية، إشارة عابرة لهذه المسألة بعد تناوله لتطور النظام المصرفي في العالم، وأنه بمجرد معرفة الإنسان الكتابة وصكّ العملات حلّ النقد محل الوثائق والوعود والسندات والأوامر، وأرجع أولها إلى مدينة بابل في العراق قبل ألفي عام من الميلاد. كما أشار لما شهدته مدينة الإسكندرية من تطوُّر اقتصادي كبير شمل مجمل البلاد المصرية في العهدين اليوناني والهلنستي لا سيما أن الإسكندرية كانت مركز التجارة العالمية بلا منازع في ذلك الوقت. واعتبر أن أبرز وثائق تؤرخ للعهد الإسلامي (من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية تحديدًا) منذ القرن العاشر الميلادي هي أوراق الجنيزة “لا سيما التي عُثِرَ عليها في (حي) مصر القديمة”([6]).
كما تمثل وثائق الجنيزة مصدرًا أوليًّا مُهمًّا لتحليل جوانب مهمة من تاريخ إفريقيا الاقتصادي (في مصر نموذجًا)، ولا سيما مسألة العلاقة بين تكوين الدولة والتنظيم الاجتماعي والتغير داخل هذا المجتمع. ويبدو أن هذا التوجُّه قد حَظِي باهتمام “غربي” واضح ضمن سياقات جهود التأريخ لإفريقيا من منظور غربي. فقد ناقش تاريخ كمبردج لمصر Cambridge History of Egypt في فصوله التمهيدية الحقبتين اليونانية والرومانية في مصر بالتركيز على الانقسامات الإثنية والدينية واللغوية داخل مصر وسرد التمرد الشعبي المتصاعد، ووصف ما اعتبره استغلالًا عربيًّا لهذا الوضع لغزو مصر. وأن هذا التمرد المستمر قد انتهى مع بدء عملية مطولة من التعريب والأسلمة لقطاعات مسيحية ويهودية في مصر، وجاء في قلب تلك العملية الطبقات الوسطى في مصر. وقد تم تكوين هذه الطبقات في سياق “الإمبراطورية العربية” عندما تكون من الوحدة السياسية للعديد من الدول (التي أطلق عليها مؤرخون غربيون “المنطقة الجافة” Arid Zone) سوقًا مشتركة لما وصفه المؤرخ البريطاني أنتوني هوبكنز A. G. Hopkins في كتابه تاريخ غرب إفريقيا الاقتصادي Economic History of West Africa (1973)([7]): “جزرًا اجتماعية للقوة الشرائية” يتم الربط فيما بينها عبر تجارة المسافات البعيدة.
وتمثلت تلك الجزر في المدن التي أقامها العرب كحواضر لجيوشهم وعواصم لأقاليمهم على امتداد هذه الطرق التي اتبعها الغزاة حتى أطراف إمبراطوريتهم. وتمثل ذلك في مصر على وجه التحديد في نشأة مدينة الفسطاط التي اشتقت ثروتها في المقام الأول من وفود ثروات النيل الزراعية إليها، أو كما وصفت بـ”الواحة الشاسعة في الصحراء” (خلافًا لحقيقة وقوع الفسطاط على بُعْد عشرات الأمتار من ضفة النيل الشرقية، ولا تبعد خرائبها الحالية في ظهير مسجد عمرو بن العاص عن مجرى النيل سوى في حدود كيلو متر واحد فقط، أخذًا في الاعتبار مواسم فيضان النيل ووصول المياه المرجح مباشرة إلى المدينة)، ثم مِن موقعها على تلاقي طرق التجارة بين القارات المختلفة وطرق الحج. وقد كان النيل عاملًا أساسيًّا في كلاهما، كما ذكر المقدسي في القرن العاشر للميلاد عندما لاحظ التجارة الغنية في الفسطاط. وقد فصّلت وثائق الجنيزة هذه التطورات فيما يتجاوز الجماعة اليهودية في الفسطاط إلى البيروقراطية في الدولة ككل وإدارة نظام الري والنقل وبيع السلع. وتنوَّعت مضامين وثائق الجنيزة في العهد الفاطمي تحديدًا من تناول شؤون الأسرة الحاكمة حتى التجار من الفلاحين وأشباههم ([8]).
وفيما يتجاوز مصر إلى بقية مناطق جوارها الإفريقية التي غطتها -بشكل أو بآخر- أوراق الجنيزة فإنه ثمة رابط مُهِمّ آخر ودالّ للغاية في تناول التاريخ الإفريقي استنادًا لأوراق الجنيزة لفت بروفيسور عطية القوصي إلى ملاحظة مهمة -في سياق تناوله لتجارة “الكارم” في ضوء وثائق الجنيزة- بإشارته لافتراض روتم ليتمان Rotem Littman أن اسم تجارة الكارم أو الكارمية “قد أخذ عن متاجر التجار نفسها؛ إذ وجد أن لفظة “كوراريما” الأمهرية kuararima التي تعني الحبهان؛ وهو من التوابل التي تاجروا فيها، ثم حُرِّفت هذه الكلمة وأصبحت (كارم)، وأُطلقت على هؤلاء التجار. كما رجح في تفسير اسم “الكارمية” أنه اسم عام لأنه “ليست هنالك كلمة في العربية بهذا المعنى”. فقد نقل كاترمير Quatremere ما أورده القلقشندي من أن هذا الاسم مأخوذ عن الكانم، وهي “منطقة من السودان الغربي تقع بين بحر الغزال وبحيرة تشاد”، وأن هذا الاسم انتشر بين من اشتغلوا بتجارة البهار بعد أن وقع فيه تصحيف وأصبح “كارم”. لكنَّ القوصي استبعد هذا الرأي لأنه “ليس لدينا ما يدل على أن تجار الكانم (قد استقروا في مصر للاتجار في بضائع الشرق من توابل وغيرها إلا نص القلقشندي فحسب، وهو كاتب متأخر عن العصر الفاطمي([9]).
وتشير هذه الإشارات إلى أصول للاعتقاد في وجود ارتباطات وثيقة لأوراق الجنيزة بالأوضاع في الهضبة الحبشية من جهة أو بلاد السودان الغربي من جهة أخرى حتى في مرحلة لاحقة على العهد الفاطمي في مصر (969- 1171م)، وهي صلات مرجحة في ضوء شواهد تاريخية متلاحقة ليس محلها هذا المقام([10]).
وقد تحدثت وثائق الجنيزة بالتفصيل عن تجارة الكارم بالتفصيل، ويمكن وصفهم بأنهم فئة من كبار التجار اشتغلوا باحتكار تجارة الهند والشرق الأقصى في التوابل، وما إليها من السلع الأخرى، وكان مركز نشاطهم الأول في المحيط الهندي، وعملوا في التجارة عبر قواعد لهم في موانئ ساحل الهند الغربي وفي الخليج العربي وعند مدخل البحر الأحمر الجنوبي. وكانت دراسات المستشرق جواتين عن نشأتهم قائمة بالأساس على أوراق الجنيزة تلك، وأثبت من خلالها وجود نشاط الكارم في عهد الفاطميين (وبدء انتقال حركة تجارتهم بالأساس من الخليج الفارسي إلى البحر الأحمر)، مؤكدًا بذلك ما سبق أن أشار له القلقشندي في حديث عابر عن نشاطهم في ذلك العهد، كما أثبت جواتين من واقع هذه الوثائق مشاركة التجار اليهود في تجارة الكارم طوال عهد الفاطميين جنبًا إلى جنب مع المسلمين، مخالفًا بذلك القول السائد باقتصار هذه التجارة على المسلمين، مع ملاحظة ورود كلمة “كارم” أو “الكارم” صراحة في خطابات من الجنيزة في العصر الفاطمي، وأن الكلمة باتت بمعنى السلع أو البضائع التي يتَّجر فيها أولئك التجار ونسبوا إليها، وبمعنى التجار أنفسهم([11]).
ثالثًا: إفريقيا في أوراق الجنيزة: ما وراء التجارة؟
ثمة ملاحظة أولية مهمة في عملية تعمّق دراسة أوراق الجنيزة، واستقراء محتوياتها لإثراء فروع شتى في التاريخ الإفريقي، وهي أن قسمًا كبيرًا من هذه الأوراق جاء من تجار مقيمون على طريق تجارة المحيط الهندي من سواحل الهند الغربية حتى إسبانيا والمغرب الأقصى، وأن سواحل إفريقيا، الواقعة في وسط خطوط التجارة تلك، كانت تستضيف أعدادًا من هؤلاء التجار لفترات مطولة رسَّخت اختلاطهم بسكان المواقع الإفريقية التي أقاموا بها.
ويتضح من عدد من خطابات الجنيزة في الربع الأول من القرن السادس الهجري/ مطلع القرن الثاني عشر للميلاد، التي نقل القوصي عن جواتين تحليله لها، أن ميناء سواكن كان محطة رئيسة في هذه التجارة في طريق العودة إلى مصر والمغرب في أقصى شمال غرب إفريقيا، بل وأن التجارة كانت تمر أحيانًا من الهند إلى سواكن مباشرة دون المرور بميناء عدن. كما لاحظ جواتين من وثائق يرجع تاريخها إلى سنة 491هـ/ 1097م أن بعض السفن كانت تسير رأسًا إلى الشاطئ الإفريقي دون أن تمر بعدن (رغم أهميتها القصوى في تجارة الهند)، وأنه “ربما كان ذلك نظامًا بحريًّا مُتَّبعًا في ذلك الوقت أو بسبب حالة البحر”؛ بحسب جواتين ([12]). ويتسق ذلك مع ملاحظة برنارد لويس في دراسته عن الفاطميين والطريق إلى الهند([13])، وإن في سياق تحليل تاريخي يميل للمبالغة والأدلجة، أن الخلفاء الفاطميين في مصر سعوا للاستحواذ على تجارة الهند من يد الخلفاء العباسيين في بغداد([14]).
وتولت دراسة لموشي جيل Moshe Gil أجريت على مجموعة قوامها 818 خطابًا ووثيقة من أوراق الجنيزة المكتبة بالعبرية والعربية معًا دراسة حالة النقل في البحر المتوسط في القرن الحادي عشر للميلادي وفق ما ورد في هذه النصوص تحديدًا. واعتبر أنه يوجد حدثان فاصلان غيَّرا الحياة والتجارة في البحر المتوسط في نهاية القرن الحادي عشر؛ وهما: الغزو الصليبي لفلسطين، وغزو النورمان لصقلية المسلمة حينذاك. مع ملاحظته وجود علاقات تعاون طيبة بين التجار وملاك السفن وقادتها([15]).
وقد تمتعت مدينة الفسطاط برصد تاريخي متميز مِن قِبَل المصادر الإسلامية المتعاقبة في نصوص الطبري والكندي والإدريسي وأبي الفدا وابن سعيد، وفي تاريخ القبط في مصر الذي وضعه المقريزي وكتابه الخطط([16]). وفي عمل مفصل للغاية لابن دقماق “الكنائس والأديرة في مصر([17]).
كما تُحيلنا وثائق الجنيزة، إلى جانب المصادر التاريخية التقليدية المتمثلة فيما وصلنا من كتابات معاصرة كما تقدم، إلى مسألة مهمة للغاية، وهي استقدام العناصر الإفريقية بوفرة للعمل في دوائر الدولة الفاطمية في مصر؛ إذ كان جهاز الدولة حينذاك معسكرًا للغاية، مع تجنيد أعداد أكبر من الجنود العبيد، لا سيما من الجماعات غير العربية، وشغلت تلك العناصر بأعداد متزايدة ثكنات الجيش الفاطمي، ولعبت دورًا متصاعدًا في الإدارة. وفيما كان الجيش الفاطمي المبكر مكوّنًا بالأساس من رجال قبائل البربر في شمال إفريقيا، الخاضعين للأئمة الفاطميين، فإنه بعد الغزو الفاطمي لمصر حدث تغيُّر جذري في هذه السمة؛ واستضافت الثكنات العسكرية المتسعة في القاهرة مجموعات كبيرة من الجنود العبيد السود الأفارقة إلى جانب أعداد من الفرسان الأتراك، والأرمن وغيرهم. وخُصّصت أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية في مصر في مختلف أرجائها لدعم وحدات هذا الجيش ([18]).
وكشف محمد فضل في مقدمة تحقيقه لكتاب “رفع شأن الحبشان” لجلال الدين السيوطي (توفي: 1505م) عن لمحة تاريخية لدور الأحباش في عصر الدولة العباسية، ثم في الدول “التي استقلت عن الخلافة العباسية خاصة في مصر”؛ حيث اعتمدت تلك الدول على السود في تكوين جيوشها، وبعد استقلال أحمد بن طولون بمصر “استكثر من العبيد السود”، وآلت مقاليد الدولة في عهد الإخشيديين “إلى أحد هؤلاء السود وهو أبو المسك كافور الإخشيدي صاحب مصر والشام، اشتراه سيده بثمانية عشر دينارًا”، ثم أعتقه ثم رقَّاه حتى جعله من كبار القواد؛ لِمَا رأى منه الحزم والعقل وحسن التدبير، “وكان حبشيًّا أسود، وكان بصَّاصًا [مُخْبِر سرّي] تقدّم عند الإخشيد”، ثم لما مات أستاذه صار أتابك ولده، ثم آل إليه الأمر في سنة 255 هـ (868-869م)([19]).
وقد ازدهرت التجارة في مصر إبَّان العصر الفاطمي، وتمتعت مصر بثراء عظيم، ويرجع سبب هذا الثراء إلى تجارة الهند والصين التي تحوَّلت عن طريق الخليج الفارسي منذ أواخر القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وبذل الفاطميون جهدهم في المحافظة على هذه التجارة التي أصبح المغرب فيها -بحكم مركزه الوسيط- همزة الوصل بين إسبانيا وبلاد أوروبا وبين مصر، ونشطت العلاقات التجارية بين مصر وبلاد المغرب نتيجة لخضوعهما إلى سلطة سياسية واحدة، وازدادت التسهيلات الممنوحة لتجارهما.
وقدمت أوراق الجنيزة معلومات تفصيلية حول هذه التجارة بين مصر وبلاد المغرب فكانت منها المنسوجات الكتانية من مختلف الأشكال، والحرير الذي يبدو أنه كان يدخل في تجارة الحرير حرير الأندلس، الذي كان يُعاد تصديره إلى مصر من موانئ المغرب، ويتجلى ذلك في أحد خطابات الجنيزة المؤرخ بالعاشر من أكتوبر 1138م من تاجر مقيم بالمرية إلى أحد أقاربه في تلمسان، وفي الخطاب يتحدث عن أصناف الحرير في سوق بالمرية بالأندلس “كنت قد أبلغتكم بأنني تسلمت المائة مثقال المرسلة منكم من فارس، وقد طلب مني أشتري بالمبلغ حريرًا، والواقع أن سعر الحرير كان معقولًا، لذلك اشتريت حرير بخمسين مثقالًا”. وهو ما أكد مثله المؤرخ البكري في مؤلفه “المغرب في ذكرى بلاد إفريقية” بخصوص الحرير القادم من سوسة على طريق التجارة المغربية- المصرية: “فكان يغزل بها غزل يباع زنة المثقال منه بمثقالين من ذهب.. كما كانت تكثر في هذه المدينة ثياب القيروان الرفيعة..”([20]).
وبينما واصل المماليك إنفاق قدر كبير من الذهب الذي تحصلوا عليه من تجارتهم مع السودان على تجارة الرقيق والسلع الفارهة من البحر الأسود والأقاليم المجاورة؛ فإن سكان مصر استهلكوا جزءًا من تجارة التوابل القادمة من الشرق. ويوقن إ. آشتور E. Ashtor أن هذه النفقات وازنها الذهب الذي تلقته مصر من السودان مقابل السلع الرخيصة التي باعتها هناك. علاوة على ذلك كانت الفترة من منتصف القرن الرابع عشر حتى سقوط المماليك مرحلة تجدد منتظم لتجارة إعادة تصدير السلع مع مصر وسوريا، والتي ظلت ناجحة حتى انهيار الدولة المملوكية. ورغم أن هذه التجارة ظلت لصالح مصر فإن اقتصاد الأخيرة انهار في منتصف القرن الخامس عشر نتيجة لارتفاع تكاليف الحروب ضد البدو والتركمان داخل مصر وعلى حدودها، وضد البرتغاليين في البحر الأحمر، والعثمانيين في الشمال، وبسبب التأخر التكنولوجي مقارنة بأوروبا التي حققت اختراقات في الصناعة والحرف اليدوية؛ مع التأثير الواضح لطاعون “الموت الأسود” على مصر وبقية أرجاء الشرق الأوسط (1347- 1349)، وقدَّر المقريزي وفاة ثلث أهل مصر في هذا الطاعون([21]).
ورغم الأهمية الكبيرة للإسكندرية باعتبارها ثغر مصر البحري الرئيس على مدار القرون، فإن أوراق الجنيزة تبرز “توجه مصر الجنوبي” انطلاقًا من مدينة الفسطاط في الفترة التي تغطيها تلك الأوراق؛ ومثالًا على ذلك نشر كل من ريتشارد جوتيل Richard Gottheil ووليام وريل William H. Worell في العام 1928 مجلدًا كبيرًا متضمنًا وثائق من جنيزة القاهرة التي حصل عليها السيد تشارلز ل. فرير Charles L. Freer في مصر في العام 1908م، ومثَّلت بدَوْرها جزءًا من مجموعة “معرض فرير الفني” Freer Gallery of Art في مدينة واشنطن العاصمة ([22])؛ وقدَّم المحرران في العمل مقدمة وافية حول الجنيزة لغة ومضمونًا وتاريخًا، وأفردا مساحة لعرض جغرافية وثائق الجنيزة وامتدادات انتشارها. ولاحظا أن أوراق الجنيزة جاءت من أرجاء متفرقة من حلب وتركيا شمالًا إلى عدن وشرق إفريقيا في الجنوب، ومن إسبانيا وفرنسا غربًا إلى الهند في الشرق، واكتسبت مصر أهمية قصوى في أوراق الجنيزة لكونها موئلًا لجالية يهودية كبيرة نسبيًّا وثرية للغاية ومهتمة بتدوين تعاملاتها التجارية مع أطراف شتى.
وكان معبد إلياه في الفسطاط (مصر القديمة حاليًّا) هو أهم موقع لهذه الأوراق؛ لكونه المكان الذي حُفظت فيه أغلبية الأوراق ذات الأهمية التاريخية، وكون الفسطاط نفسها مركزًا لاستقبال نُسَخًا من كافة المراسلات التي يقوم بها التجار اليهود احتياطًا، مع ملاحظتهما في هذا الرصد لسهولة وصول الخطابات من البحر الأحمر إلى الفسطاط لوجود قناة نهرية (الخليج المصري) من السويس إلى أطراف الفسطاط نفسها. وفاق ذكر الفسطاط في هذه الأوراق ذكر مدينة الإسكندرية، وهي ملاحظة مهمة للغاية في سياق تفسير ارتباطات مصر بإفريقيا في الفترات التي شملتها أوراق الجنيزة([23])، مما يقود إلى استنتاج الحاجة لتعميق دراسة هذه الملاحظة، وما سيقود له من إسهام في كتابة التاريخ الإفريقي بوجه أكثر حيوية.
كما تكشف وثائق جنيزة القاهرة بشكل مكثف عن لعب اليمن (وتحديدًا ميناء عدن الذي شهد حضورًا يهوديًّا ملموسًا ووثيق الصلة بيهود الفسطاط اجتماعيًّا وتجاريًّا) دور الوسيط التجاري بين شرق إفريقيا والبحر المتوسط مرورًا بمصر. ومن أهم السلع التي نُقلت من شرق إفريقيا إلى عدن بغرض نقلها لاحقًا لمصر أو للهند، والتي ورد ذِكْرها في هذه الوثائق، كان كل من: رؤوس الماشية، ومنتجات الجلود، والعاج، ومنتجات العاج، والذهب، وهي سلع يُرجّح أن يكون أغلبها قادمًا من سواحل إفريقيا على المحيط الهندي والبحر الأحمر.
ولاحظ جواتين ملاحظة بالغة الأهمية، وربما تكون بحاجة إلى نقد مفصل، وهي أن وثائق الجنيزة لم تتضمن الكثير عن إفريقيا (بشكل مباشر بطبيعة الحال)؛ لأن التجار اليهود الذين تركوا لنا تلك الوثائق لم يهتموا بالتجارة مع الأفارقة (في الشرق)([24])، وأنه من المرجح أن تكون هذه التجارة تتم عبر وسطاء أفارقة وعرب في المقام الأول.
خلاصة:
هدفت هذه القراءة الأولية إلى استشراف أهمية توظيف وثائق الجنيزة في كتابة التاريخ الإفريقي بجوانبه المختلفة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية)؛ وما يهمنا أكثر في السياق الحالي هو شمول أوراق الجنيزة ومضامينها لمناطق إفريقية متاخمة لمصر منذ نهاية القرن العاشر الميلادي، وما يُوفّره هذا الشمول من آفاق إعادة النظر في كتابة تاريخ هذه المناطق وصلاتها بمصر و”عالم البحر المتوسط” ومقدمات الاستعمار الأوروبي الحديث بالاستفادة من نصوص الجنيزة الغزيرة، والمكتوبة في كثير منها بلغة عربية تمثل قيمة مضافة للكتابة التاريخية العربية- الإفريقية.
……………………..
[1]– S. D. Goitein, A Mediterranean Society: The Jewish Communities of the World as Portrayed in the Documents of the Cairo Genizah, Vol. I: Economic Foundations, University of California Press, Berkeley, 1999, p. 2.
– وتتشابك مقدمة جويتين في كتابه مع دراسة سابقة عليه نشرها في العام 1955م عن الجنيزة مصدرًا لتاريخ الحضارة الإسلامية:
- Goitein, S. D. The Cairo Geniza as a Source for the History of Muslim Civilisation, Studia Islamica , 1955, No. 3 (1955), pp. 75-91
- يقوم حاليًّا د. أحمد العدوي، أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الإلهيات في جامعة Onsekiz Mart التركية، بالعمل على ترجمة هذا السِّفر بمجلداته الأربعة، مما سيمثل بالتأكيد إضافةً مهمة للمكتبة العربية المعنية بدراسة عالم البحر المتوسط والمناطق المجاورة له.
[2] – قام ويرتايمر (1866-1935م) خلال إقامته وأسرته في القاهرة منذ العام 1890م بالاطلاع على مجموعة الجنيزة، وقدَّم عملًا مقسمًا على ثلاثة أجزاء (بحسب الموسوعة اليهودية) في الفترة 1896- 1902م، حمل عنوان Ginze Yerushalayim عرض لمجموعة من الموضوعات العلمية والأدبية والشعرية “مستقاة من مخطوطات نادرة” زوَّدها بملاحظات ومقدمة باللغة العرية:
- Isidore Singer, Wertheimer, Solomon Aaron, Jewish Encyclopedia, Vol. 12, p. 505. https://www.jewishencyclopedia.com/articles/14869-wertheimer-solomon-aaron
[3] – قدَّر جويتين مجموعة مكتبة البودليان بقرابة 700 وثيقة، يتسم أغلبها (نحو 500 وثيقة) بالطول والأهمية الكبيرة:
- Goitein, S. D. The Cairo Geniza as a Source for the History of Muslim Civilisation, Op. Cit. p. 77.
[4] Cohen, Zina, Composition Analysis of Writing Materials in Cairo Genizah Documents, Brill, Leiden, 2022, pp. 12-3.
[5] Goitein, S. D. From the Mediterranean to India: Documents on the Trade to India, South Arabia, and East Africa from the Eleventh and Twelfth Centuries, Speculum, Apr., 1954, Vol. 29, No. 2, Part 1 (Apr., 1954), pp. 185-6.
[6] Braudel, Fernand, Civilization and Capitalism: 15th – 18th Century. Vol. I, The Structures of Everyday Life: the Limits of the Possible (translated by Sian Reynolds), William Collins Sons & Co Ltd, London, 1981, pp. 471-3.
[7] Hopkins, A. G. An Economic History of West Africa, Routledge, London, 2nd edition, 2020.
[8] Brett, Michael, The Fatimids and Egypt, Routledge, London, 2019, p. 22.
[9] – عطية القوصي: أضواء جديدة على تجارة الكارم من واقع وثائق الجنيزة، المجلة التاريخية المصرية، العدد 22 (مايو 1975)، ص ص 25-26.
[10] – راجع على سبيل المثال في تفاصيل التجارة بين السودان الغربي والمشرق العربي في العصور الوسطى المؤلف الهام:
- Gomez, Michael A. African Dominion: A New History of Empire in Early and Medieval West Africa, Princeton University Press, Princeton, 2018.
[11] – عطية القوصي: أضواء جديدة على تجارة الكارم من واقع وثائق الجنيزة، مرجع سابق، ص ص 17-18.
[12] – عطية القوصي: أضواء جديدة على تجارة الكارم من واقع وثائق الجنيزة، مرجع سابق.
[13] Lewis, Bernard, The Fatimids and the Route to India,
[14] Goitein, S. D. and Friedman, Mordechai Akiva India Traders of the Middle Ages Documents from the Cairo Geniza (‘India Book’), The Ben-Zvi Institute- Brill, Leiden, 2008, p. 21.
[15] Gil, Moshe, Shipping in the Mediterranean in the Eleventh Century A.D. as Reflected in Documents from the Cairo Geniza, Journal of Near Eastern Studies , Vol. 67, No. 4 (October 2008), pp. 247-292.
[16] Worman, Ernest James, Notes on the Jews in Fustat from Cambridge Genizah Documents, The Jewish Quarterly Review, October 1905, pp. 1-39
- ويقدم النص ترجمة إنجليزية وعبرية لعدد من مقتطفات هذه المصادر ولا سيما نص ابن دقماق المقتطف من “الانتصار لواسطة عقد الأمصار”، مع مضاهاتها بنصوص الجنيزة في كمبردج.
[17] – إبراهيم بن محمد بن إيدمر العلائي (ابن دقماق): الجزء الرابع من كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية، الطبعة الأولى، القاهرة سنة 1309 هجرية (1891-1892م)، ص ص 2-25، وفي مواضع متفرقة.
[18] Frenkel, Yehoshua, A Concise History of Islamic Egypt (in: Frenkel, Miriam, editor, The Jews in Medieval Egypt) Academic Studies Press, Boston, 2021, p. 33.
[19] – محمد عبد الوهاب فضل (دراسة وتحقيق): رفع شأن الحبشان، تأليف الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي المتوفى 911 هـ (الناشر: المؤلف)، القاهرة، 1991، ص ص 37-38.
[20] – حسن خضيري أحمد: علاقات الفاطميين في مصر بدول المغرب (632- 567 هـ/ 973- 1171م)، مكتبة مدبولي، القاهرة، ص ص 105-107.
[21] Levanoni, Amalia, A Turning Point in Mamluk History: The Third Reign of al-Nasir Muhammad Ibn Qalawun (1310-1341), E. J. Brill, Leifen, 1995, Pp. 136-7.
[22] Gottheil, Richard and Worrell, William H. editors, Fragments from the Cairo Genizah in the Freer Collection, the Macmillan Company, London, 1927.
[23] Gottheil, Richard and Worrell, William H. editors, Fragments from the Cairo Genizah in the Freer Collection, the Macmillan Company, London, 1927, p. xxiv.
[24] Goitein, S. D. and Friedman, Mordechai Akiva India Traders of the Middle Ages Documents from the Cairo Geniza (‘India Book’), The Ben-Zvi Institute- Brill, Leiden, 2008, p. 413.