إعداد: معهد توني بلير للتغيير العالمي (TBI)
المؤسس والرئيس التنفيذي، “توني بلير” رئيس الوزراء السابق لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية
ترجمة: ميادة شكري المحمودي
باحثة ماجيستير – كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة
الملخص التنفيذي:
يُواجه القادة الأفارقة معضلة صعبة بين دفع عجلة التنمية عبر تراكم الديون التي تثقل كاهل الأجيال المقبلة، أو زيادة الضرائب التي قد تؤدي إلى موجات من الغضب الشعبي والاضطرابات السياسية، من أجل تحقيق تحسينات في مستوى معيشة المواطنين، حتى أصبح من الضروري تخصيص أموال ضخمة للبنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية، لكنَّ الإمكانات المالية محدودة جراء الأعباء الضخمة لخدمة الديون، فضلاً عن صعوبة رفع الضرائب.
إن المواطنين الأفارقة يريدون التغيير، ويكافح القادة الأفارقة لتحقيق ذلك، وهم مثقلون بأعباء الفائدة وسداد الديون.
لذا نحن نقترح مسارًا للخروج من أزمة الديون المتنامية من خلال خطة تتألف من خمس ركائز “خطة جديدة لإعادة هيكلة الديون في إفريقيا”، وتقضي هذه الخطة باستبدال الديون ذات أسعار الفائدة المرتفعة بديون ذات أسعار فائدة منخفضة، في أعقاب تحسينات ملموسة في أنظمة التمويل العام ونتائجه، وبالاقتران بالإصلاح المحلي والتعاون الدولي، يمكن لصفقة الديون الجديدة أن تساعد في تفكيك الحواجز التي تفرضها دورة الإدراك السلبي للمخاطر، وخفض تكاليف الاقتراض، وإطلاق العنان لفرص النمو المستدام.
لقد شهدت إفريقيا ارتفاعًا حادًّا في نِسَب الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي، من 31% في عام 2010م إلى 67% في عام 2023م، وعلى الرغم من انخفاض مستويات الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي مقارنةً بدول مجموعة السبع؛ فإن ارتفاع تكاليف الاقتراض له تأثير غير متناسب على الاقتصادات الإفريقية. على سبيل المثال، تمتصّ مدفوعات الفائدة 26% من إيرادات الحكومة في غانا، مقارنةً بنحو 3% في فرنسا، على الرغم من انخفاض مستوى الدَّيْن النسبي في غانا.
حيث تنبع أسعار الفائدة المرتفعة التي تدفعها الحكومات الإفريقية من تصورات المقرضين للمخاطر، والحوكمة القديمة والتحديات المالية، والبنية المالية العالمية غير العادلة.
إن جوهر هذه القضية يكمن في تكلفة الدَّيْن، وتكلفة حجم الدَّيْن نفسه. ففي حين تقترض الدول ذات الدخل المرتفع بمعدلات فائدة تتراوح بين 2% و3%، تواجه الدول الإفريقية معدلات فائدة تتجاوز 10% في بعض الأحيان، وهو التناقض الذي ينشأ عن إدراك المستثمرين المتزايد للمخاطر في الاقتصادات الإفريقية.
وتترجم أسعار الفائدة المرتفعة لبعض الحكومات الإفريقية إلى أسعار فائدة أعلى للقطاع الخاص أيضًا، فالشركات التي ترغب في الاستثمار تدفع أيضًا هذه الأسعار؛ حيث إن سعر الفائدة على الديون السيادية يُشكّل غالبًا الحد الأدنى الذي يُطبّق على الشركات، لذلك فإن الإقراض في الدول الإفريقية غالبًا ما يكون أكثر تكلفة بكثير من الإقراض في العديد من الدول ذات الدخل المرتفع (18% مقابل 4%)، ما يجعل الأمر بالنسبة لرائد الأعمال غير مقبول لتمويل استثمارات بأسعار فائدة مكونة من رقمين.
إن هذه التصورات تخلق حلقة معززة ذاتيًّا نطلق عليها “دورة الإدراك السلبي للمخاطر”؛ حيث تعمل تكاليف الاقتراض المرتفعة على تقويض الاستثمار الاقتصادي، وتكافح الاقتصادات الضعيفة للوفاء بالتزامات الديون، وتتعمق تصورات المخاطر بشكل أكبر. وتَحُدّ هذه الدورة من الحيّز المالي المتاح للاستثمار في البنية الأساسية ورأس المال البشري، مما يترك العديد من الدول في وضع اقتصادي وأيضًا سياسي محفوف بالمخاطر. ويُنظَر إلى هذا في بعض الأحيان باعتباره أحد تحيزات النظام المالي العالمي ضد الدول منخفضة الدخل.
تتكون الصفقة الجديدة التي نقترحها بشأن إعادة هيكلة الديون لإفريقيا من خمس ركائز:
- القادة الأفارقة ملتزمون بتحقيق أهداف مالية قابلة للتحقيق، مدعومة بممارسات مُعزِّزة لإدارة المالية العامة، وتصميم مؤسسات تضمن الحكم الرشيد والتخطيط الوطني الفعّال. ولا بد من توصيل هذه الخطط بوضوح إلى الشركاء والمقرضين والمستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني. ومن العناصر الأساسية لكسر حلقة الإدراك السلبي للمخاطر: وضع الخطط وتحقيق النتائج.
- التزام الدول ذات الدخل المرتفع وشركاء التنمية بدعم الدول الإفريقية في تحسين وتوسيع نطاق تعبئة الإيرادات الضريبية المحلية الإفريقية من خلال استخدام التكنولوجيا. وسوف يتيسر ذلك من خلال التوأمة طويلة الأجل بين الإدارات الضريبية في الدول ذات الدخل المرتفع والمنخفض.
- التزام الزعماء الأفارقة -كما يطالب مواطنوهم- بتحسين كفاءة حكوماتهم؛ من خلال إعادة تنظيم الإنفاق والاستثمار، والحد من الهدر، وبناء القدرات، واستئصال الفساد؛ من خلال التدقيق ومراجعة الإنفاق، والتخطيط السليم للميزانية وتحسين تنفيذها. وبعيدًا عن مجرد معالجة الديون، فإن هذا أمر بالغ الأهمية إذا كان الزعماء راغبين في تعزيز الثقة وتحقيق نتائج أفضل للمواطنين.
- ضرورة تجنُّب الجهات الفاعلة العالمية والدول ذات الدخل المرتفع والقروض قصيرة الأجل، وأن يقبلوا أن القادة الأفارقة سوف يحتاجون إلى الاستثمار في ركائز النمو الاقتصادي، وأن هذا سوف يتطلب مزيدًا من الوقت، وربما تراكم المزيد من الديون لسداد مثل هذه الاستثمارات. ولا بد أن تتوافق الميزانيات الإفريقية مع الواقع السياسي لكل دولة، واحتياجات مواطنيها، والاستخدام الأكثر كفاءة لهذه الميزانية.
- يتعين على المجتمع الدولي أن يتعاون لتطوير أدوات جديدة لتزويد القادة الأفارقة بتكلفة أقل للديون لإعادة تمويل ديونهم ذات الفائدة المرتفعة. وبهذا، يتعين على الجهات الفاعلة العالمية والمقرضين والدول ذات الدخل المرتفع إيجاد آلية جديدة لتوفير تمويل أقل تكلفة من شأنه أن يضمن أن تؤتي الاستثمارات في التحوُّل الرقمي والتنمية الاقتصادية والحوكمة والصحة والتعليم ثمارها. وينبغي لهذه الأداة أن تسمح بانخفاض أسعار الفائدة إلى جانب إصلاحات إدارة المالية العامة. وبفضل هذه القروض ذات الفائدة المنخفضة، تستطيع الدول الإفريقية إعادة تمويل ديونها ذات الفائدة المرتفعة أو تمويل برامجها الاستثمارية. ومن شأن هذه الأداة أن تُسهم أيضًا في إصلاح النظام المالي العالمي، وينبغي لكبار المقترضين والمقرضين الحكوميين، وكثير منهم متحدون في مجموعة العشرين، التي ترأستها جنوب إفريقيا، أن يجعلوا تخفيض التكلفة المرتفعة لرأس المال أولوية.
لقد دعمت آخر عملية تخفيف عبء الديون في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين 37 دولة بتخفيف أعباء ديونها بما يزيد على 100 مليار دولار، مما سمح ذلك بخفض قوي لمستويات الديون ومدفوعات الفائدة، واستخدام الحيّز المالي للاستثمار العام والقطاعات الاجتماعية، بما يتفق مع إستراتيجيات الحد من الفقر، مما يعود بالنفع على مواطني الدول منخفضة الدخل في جميع أنحاء العالم. وينبغي إحياء نوع القيادة التي أظهرتها الدول في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتكييفها مع عام 2025م، ليس فقط من خلال شطب الديون، ولكن من خلال ترسيخ إصلاحات الحوكمة بشكل مستدام والسماح بمبادلات الديون اللاحقة لخفض مدفوعات الفائدة.
لا يمكن التقليل من أهمية هذا الدعم؛ حيث إن الفشل في تطوير أدوات جديدة لتكلفة الديون لن يؤدي إلا إلى إدامة الواقع الحالي، الحكومات والشركات الإفريقية تعمل بجد لمحاولة تعزيز اقتصاداتها وخلق فرص العمل من خلال الاستثمار في البنية الأساسية والتعليم والتنمية الاقتصادية، بأسعار فائدة باهظة ومتعددة الأرقام. وفي الوقت نفسه، تقترض الحكومات والشركات في الدول ذات الدخل المرتفع، التي تعاني من ديون أكبر بكثير نسبة إلى حجم اقتصاداتها، وتستثمر مئات المليارات بتكاليف اقتراض أقل بكثير ومتعددة الأرقام.
وبالنظر إلى الخطر المتزايد المتمثل في الاضطرابات المدنية والهجرة الناجمة عن الفقر، فإن كسر دورة تصور المخاطر السلبية لا يكمن فقط في المصلحة السياسية للقادة الأفارقة ومواطنيهم، بل يظهر أيضًا في مصلحة بقية العالم.
ويرغب العديد من القادة الغربيين في تجنُّب تدفقات الهجرة غير النظامية الضخمة التي شهدناها في الماضي، وبالتالي فإن الدعم السياسي للخطوات الخمس، بما في ذلك أدوات إعادة التمويل الجديدة، مفيد في نهاية المطاف للطرفين، خاصةً وأن القروض أو الضمانات فقط هي المطلوبة. وإلى جانب الإصلاحات الملتزمة بالاستدامة المالية، فإن العمل على خفض تكلفة الديون من شأنه أن يُمكِّن إفريقيا من الاستثمار في النمو طويل الأجل، والحدّ من الهجرة غير النظامية من خلال خلق فرص العمل، وتعزيز الاستقرار القاري والديمقراطية في نهاية المطاف.
مقدمة:
يواجه الزعماء الأفارقة في أنحاء القارة اليوم تحديًا بالغ الصعوبة؛ حيث يتعين على الدول النامية أن تستثمر بشكل كبير لتحسين القدرة التنافسية الاقتصادية، وبالتالي تحسين حياة مواطنيها. ويشمل هذا الاستثمار في البنية الأساسية الحيوية، مثل إمدادات الطاقة، وتوزيع الكهرباء، والاتصال الرقمي، والطرق، ومراكز البيانات والإسكان، وفي رأس المال البشري، مثل التعليم، والصحة، والمهارات الرقمية والتجارية، والأهم من ذلك “فرص العمل”. ومن خلال تحسين الإنتاجية الزراعية، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتطوير السياحة، والابتكار التكنولوجي، والتصنيع، يمكن أن تُحفّز زيادة القدرة التنافسية الاقتصادية خلق فرص العمل.
لكن أغلب القادة الأفارقة يواجهون في الوقت نفسه عجزًا تجاريًّا كبيرًا أو عجزًا في الحساب الجاري، وعملات ضعيفة، وتأثيرات تغيُّر المناخ، وتضخُّم أسعار النفط والطاقة والغذاء بسبب الحروب الدولية، وتداعيات جائحة كوفيد-19، وكل هذا يُسهم في ارتفاع سريع في تكلفة المعيشة. وفي مواجهة مثل هذه الضغوط، تتطلب الديمقراطية أن يتَّخذ القادة إجراءات؛ حيث يريد الناس رؤية التغييرات التي من شأنها تحسين خدماتهم -من التعليم إلى الرعاية الصحية-، وتوفير فرص العمل لهم، وزيادة دخولهم ومساعدتهم في إعالة أسرهم.
لكن الاستثمار في البنية الأساسية، والخدمات العامة، والمهارات، والتنمية الاقتصادية يكلف المال. وفي ظل عبء الديون -وخاصة تكلفة تلك الديون التي فرضها المقرضون الدوليون- فإن الزعماء الأفارقة لا يملكون سوى خيارات محدودة لجمع الأموال اللازمة. ولجذب استثمارات القطاع الخاص، لا بد من منح الإعفاءات الضريبية للشركات؛ غالبًا ما يكون المواطنون ذوو الدخل المنخفض فقراء إلى الحد الذي يجعلهم غير قادرين على دفع الضرائب، ما يدفعهم إلى العمل ضمن الاقتصاد غير الرسمي.
وهذا يعني أن الحكومات الإفريقية لا تستطيع إلا زيادة الضرائب التي تدفعها الطبقة المتوسطة. والضغط على الطبقة المتوسطة من خلال زيادة الضرائب، وزيادة الضرائب على السلع الأساسية، مثل الغذاء، والذي بدوره يؤدي غالبًا إلى إثارة المزيد من الغضب العام.
إن القادة الأفارقة الذين يواجهون نقص الموارد يضطرون إلى الاختيار بين دفع ثمن التنمية من خلال تراكم الديون التي تتحمَّلها الأجيال القادمة؛ أو عدم فعل أيّ شيء، أو فِعْل القليل، ولكنهم يتخلفون أكثر في التنمية الاقتصادية؛ أو زيادة الضرائب والمخاطرة باستياء واسع النطاق واحتجاجات وعدم استقرار سياسي محتمل.
وفي أحدث تقرير عن الديون الدولية، دعا البنك الدولي إلى تخفيف أعباء الديون وإصلاح هيكل إعادة هيكلة الديون العالمية، مؤكدًا أن “النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين مطلوب لضمان العدالة في الإقراض لجميع الاقتصادات النامية”. ومن الناحية الأساسية، يجب تمكين الزعماء الأفارقة من الاستثمار في القدرة التنافسية الاقتصادية. وفي نهاية المطاف، مستقبل بلدانهم، ولكن الطريق إلى الاستثمار يبدأ بمعالجة التحدي الحاسم المتمثل في معضلة الديون.
معضلة الديون:
لقد كُتب الكثير في الآونة الأخيرة عن الديون السيادية الإفريقية، بما في ذلك مِن قِبَل مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، مع إعادة هيكلة الديون التي قام بها صندوق النقد الدولي مؤخرًا في زامبيا ومالاوي وإثيوبيا وغانا، إلا أن الدول الإفريقية تحملت ديونًا أكثر مما ينبغي. ولكن هل حدث هذا بالفعل، وكيف وصلنا إلى هذه النقطة؟
في أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اجتمع العالم تحت مبادرة دعم الدول الفقيرة المثقلة بالديون، والتي دعمت –بالشراكة مع مبادرة تخفيف أعباء الديون متعددة الأطراف- 37 دولة بتخفيف أعباء ديونها بما يزيد على 100 مليار دولار.
شكل (1)
تمكنت مبادرة دعم الدول الفقيرة المثقلة بالديون/ مبادرة تخفيف أعباء الديون متعددة الأطراف من خفض مستويات الديون بشكل كبير بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل المثقلة بالديون.
المصدر: صندوق النقد الدولي
تُعدّ هذه المبادرات بمثابة نجاح مشروط؛ حيث تظهر أدلة قوية على تراجع مستويات الديون ومدفوعات الفائدة، مما فتح المجال لزيادة الاستثمارات في القطاعات العامة والاجتماعية، بما يتماشى مع إستراتيجيات مكافحة الفقر. وبذلك، استفاد مواطنو الدول منخفضة الدخل من مبادرة تخفيف أعباء الديون في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. كما أشار صندوق النقد الدولي إلى وجود تأثيرات إيجابية مختلطة على النمو الاقتصادي في السنوات التي تلت تنفيذ المبادرة، مع تسجيل زيادة في متوسط النمو بنسبة 0.7% بعد اكتمالها، رغم أن عوامل أخرى مثل التجارة الدولية والأسعار العالمية كان لها تأثير أيضًا على هذا النمو.
شكل (2)
عكست تأثيرات مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون/ مبادرة تخفيف أعباء الديون متعددة الأطراف، انخفاض الإنفاق على خدمة الديون وارتفاع الإنفاق على الحد من الفقر
المصدر: صندوق النقد الدولي
شهدت القارة الإفريقية زيادة في الديون بين عامي 2010 و2019م، جراء استثمارات الدول في النمو والتنمية، بهدف تقليص الفجوة في المهارات والبنية التحتية بينها وبين الدول المتقدمة. وارتفعت نسبة الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي من 31% إلى 57%. في الفترة بين 2019 و2023م، واستجابت الدول الإفريقية للأزمات مثل كوفيد-19، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وعدم الاستقرار الجيوسياسي عبر زيادة الإنفاق بالعجز، مما أدى إلى ارتفاع نِسَب الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي. على الرغم من الأضرار الكبيرة التي تسبَّبت فيها جائحة كوفيد-19، وصعوبة الحصول على اللقاحات، فقد ارتفعت مستويات الديون في إفريقيا بنفس المعدلات التي شهدتها الدول السبع الكبرى، لكنها ظلت أقل من تلك التي في الدول ذات الدخل المرتفع.
شكل (3) التغير في متوسط نِسَب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بعد كوفيد (مجموعة الدول السبع مقابل إفريقيا)
المصدر: بيانات الأونكتاد
لا يمكن اختزال التحديات الحالية المتعلقة بالديون التي تواجهها دول إفريقية مثل غانا وكينيا وزامبيا وإثيوبيا في مجرد مسألة حجم الديون. ففي عام 2023م، بلغت نسبة الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي في إفريقيا 67%، بينما كان المتوسط في دول مجموعة السبع يتجاوز 111%.
شكل رقم (4) تتمتع جميع دول مجموعة السبع تقريبًا بنِسَب دَيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى من الدول الإفريقية.
المصدر: الأونكتاد (2023)
تشهد دول مجموعة السبع، مثل اليابان وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة، نِسَب دَيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 100% أو أكثر، مع استمرارها في الإنفاق بالعجز بمعدلات تتراوح بين 4% و7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نِسَب تفوق بكثير معدلات نموّها الاقتصادي. ومع ذلك، يَحْظَى هؤلاء الأعضاء بتصنيفات ائتمانية عالية من الدرجة الاستثمارية ضمن النظام المالي العالمي. في المقابل، تواجه العديد من الدول الإفريقية، التي تتمتع بمستويات ديون أقل نسبيًّا، صعوبات كبيرة في سداد التزاماتها المالية، مما اضطرها إلى إعادة هيكلة ديونها.
ووفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، هناك 18 دولة إفريقية إما تعاني بالفعل من ضائقة ديون أو تواجه خطرًا كبيرًا بالوقوع فيها. ولا يرجع ذلك فقط إلى حجم الديون التي تحمَّلتها هذه الدول، بل أيضًا إلى التحديات التي تَعترض قدرتها على خدمة تلك الديون. فمن عام 2010 إلى عام 2023م، ارتفعت نسبة مدفوعات الفائدة إلى الإيرادات في إفريقيا من 6.5% إلى 16.7%. كما يسلط البنك الدولي الضوء على هذا الاتجاه من خلال مؤشرات أخرى، مشيرًا إلى أن مدفوعات الفائدة تصل الآن إلى حوالي 6% من عائدات التصدير في الدول المؤهلة للحصول على مساعدات من مؤسسة التنمية الدولية، وهي أعلى نسبة منذ عام 1999م. وفي بعض الحالات، تتراوح هذه النسب بين 10% و38%.
شكل (5) مدفوعات الفائدة الإفريقية تفوق مدفوعات الفائدة للاتحاد الأوروبي/ مجموعة الدول السبع، في حين أن الديون الإفريقية متساوية أو أقل
المصدر: تحليل TBI استنادًا إلى بيانات الأونكتاد
تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البرتغال وفرنسا نحو، 99% و111% على التوالي، وتستخدم الدولتان 5% و3% على التوالي من إجمالي إيراداتهما الحكومية لسداد الفوائد على هذه الديون. وبالمقارنة، تستخدم مالاوي وكينيا وغانا، التي تقل نسبة الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها عن البرتغال وفرنسا، نحو 26% من إيراداتها الضريبية لسداد الفوائد.
ويمكن تفسير جزء من هذا التباعد بانخفاض الإيرادات المحلية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في الدول الإفريقية مقارنة بالدول ذات الدخل المرتفع، ولكن أيضًا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة التي تدفعها هذه الدول. ففي حين تقترض الدول ذات الدخل المرتفع بمعدل فائدة يتراوح بين 2 و3%، تواجه الدول الإفريقية أسعار فائدة تتجاوز أحيانًا 10%، وهو التناقض الذي يُحرّكه إدراك المستثمرين المتزايد للمخاطر في الاقتصادات الإفريقية. على سبيل المثال، في عام 2024م، حصلت كينيا وبنين والسنغال على قروض سيادية بنسبة 10.4% و8.4% و7.8% على التوالي على إصدارات ديونها.
وعلى الرغم من مواجهة الحكومات الإفريقية تكاليف اقتراض أعلى بمرتين إلى ثلاث مرات من مثيلتها في الدول ذات الدخل المرتفع، إلا أن هذه الأرقام تُخْفِي قدرًا كبيرًا من التحدي الحقيقي. فمتوسط تكلفة ديون الحكومات الإفريقية يشمل قروضًا أقل تكلفة من حكومات ومؤسسات متعددة الأطراف أخرى بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، قروض تُقدَّم بأسعار فائدة أقل كثيرًا، ولكن أسعار الفائدة في القطاع الخاص أو تكلفة ديون القطاع الخاص في الدول الإفريقية أعلى كثيرًا، لتصل لنحو أكثر من 10% وحتى 30%. وإذا كانت الحكومات الإفريقية راغبة في الوصول إلى سوق الديون المصرفية العالمية، كما تفعل الدول ذات الدخل المرتفع، فإن أسعار الفائدة التي تواجهها باهظة.
شكل (6) تترجم أسعار الفائدة المرتفعة لبعض الحكومات الإفريقية إلى أسعار فائدة أعلى للقطاع الخاص أيضًا
المصدر: فيتش للتصنيف الائتماني والبنك الدولي
وقد يترك هذا تأثيرًا سلبيًّا مركبًا على آفاق التنمية الاقتصادية؛ حيث يتعين على الشركات داخل الدول الإفريقية التي ترغب في الاستثمار أن تدفع هذه المعدلات المرتفعة للغاية من الفائدة الخاصة أو المصرفية؛ لأن سعر الفائدة على الديون السيادية الخاصة غالبًا ما يكون الحد الأدنى الذي تدفعه الشركات.
بالنسبة لرائد الأعمال، فإن دفع أسعار فائدة مكونة من رقمين يُعدّ أمرًا محظورًا للاستثمار.
وبمعايير العالم ذات الدخل المرتفع، تتمتع العديد من الدول الإفريقية بحَيّز مالي يسمح لها بالاستثمار في مستقبلها على نحو إستراتيجي مُهِمّ، ولكنها لا تستطيع ذلك بسبب تكلفة ديونها. وعلى مدى السنوات المقبلة، ومع اقتراب الديون من نهاية أجلها، سوف تحتاج العديد من هذه الحكومات إلى إعادة تمويل ديونها القائمة. وفي ظل أسعار الفائدة المرتفعة الحالية، سوف تهيمن تكاليف خدمة الديون على نِسَب متزايدة من ميزانيات الحكومات. وقد اعترفت رئيسة مجموعة العشرين الحالية “جنوب إفريقيا” بالتأثير السلبي المهم الناجم عن ارتفاع تكلفة رأس المال على الدول منخفضة الدخل، وهي ترغب في “معالجة أقساط المخاطر المرتفعة لنسبة للاقتصادات النامية”.
شكل (7) ارتفعت مدفوعات الفائدة المتوسطة في إفريقيا إلى مستوى مذهل بلغ دولارًا واحدًا لكل ستة دولارات من عائدات الضرائب.
المصدر: تحليل TBI استنادًا إلى بيانات الأونكتاد
الإدراك السلبي للمخاطر:
وفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن التحديات التي تواجهها العديد من الدول الإفريقية نتيجة ارتفاع تكاليف خدمة الديون “قد تؤدي إلى مشكلات في القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية بالنسبة للعديد من الدول الهشَّة. وبعبارة أخرى، فإن الضغوط الحالية على المالية العامة قد تتحوَّل إلى أزمة ديون حقيقية، مع تداعيات خطيرة على النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، ومكافحة الفقر”.
في الواقع، شهدت التدفقات المالية الصافية إلى الدول منخفضة الدخل اتجاهًا سلبيًّا خلال الفترة 2022-2023م؛ حيث قام المقرضون من القطاع الخاص بسحب تمويلاتهم وإعادة توجيهها نحو الدول مرتفعة الدخل. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وزيادة مخاطر ضائقة الديون في الدول الإفريقية.
تكلفة تحمل الديون المرتفعة تُعيق قدرة هذه الدول على الاستثمار في القطاعات الحيوية التي تدعم النمو الاقتصادي المستقبلي، مثل التعليم، وتنمية المهارات، والرعاية الصحية، وغيرها. كما أن ارتفاع أسعار الفائدة لا يُؤثِّر فقط على تكلفة الاقتراض الحكومي، بل يمتدّ تأثيره إلى القطاع الخاص، مما يزيد من تكلفة التمويل للشركات، ويَحُدّ من قدرتها على تبنّي التكنولوجيا الحديثة، والاستثمار في البنية التحتية الأساسية مثل الطاقة المتجددة، وشبكات الكهرباء، والمطارات، والموانئ، والاتصالات.
إن إدراك المخاطر هو العامل الرئيسي الذي يُحدّد تكلفة الديون للدول الإفريقية؛ حيث يتم تقييم خطر التخلف عن سداد الديون بناءً على عدة عوامل، بما في ذلك جودة الحوكمة والمؤسسات، ومعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة، والأداء المالي والنقدي. وتُعتبر الاقتصادات الإفريقية بشكل عام أكثر عُرْضَة للمخاطر بسبب ضعف المؤسسات، وانخفاض مستوى الحماية القانونية، وارتفاع التقلبات في النمو الاقتصادي، فضلًا عن اعتمادها الكبير على العوامل الخارجية مثل التغيرات المناخية والصدمات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الحكومات تحديات تتعلق بالإنفاق غير الفعَّال وضعف إيرادات الضرائب، مما يُعزِّز من تصور ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد.
شكل (8) يمكن أن تكون مدفوعات فوائد الديون لكل دولة أعلى بكثير من المتوسط القاري – ما يصل إلى 1 دولار لكل 4 دولارات من عائدات الضرائب.
المصدر: تحليل TBI استنادًا إلى بيانات الأونكتاد
شكل (9) تفوق مدفوعات الفائدة نفقات الرعاية الصحية وتمثل ما يقرب من نصف الإنفاق على التعليم
المصدر: تحليل TBI استنادًا إلى بيانات الأونكتاد
وفقًا لصندوق النقد الدولي، فإن التحدي الذي يواجه العديد من الدول الإفريقية بسبب تكاليف الديون “قد يؤدي إلى مشكلات في القدرة على سداد الديون بالنسبة للعديد من الدول الضعيفة. وبعبارة أخرى، فإن ما يُشكِّل الآن ضغطًا على المالية العامة قد يتحوَّل إلى أزمة ديون، مع عواقب جوهرية على النمو وخلق فرص العمل والفقر”.
كانت التدفقات الصافية في الواقع، إلى الدول منخفضة الدخل سلبية في الفترة 2022-2023م؛ بسبب سحب المقرضين من القطاع الخاص تمويلهم وإعادة استثماره في الدول مرتفعة الدخل، مدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة وزيادة خطر ضائقة الديون في الدول منخفضة الدخل.
لقد قوَّضت تكاليف تحمل الديون المرتفعة، الدول الإفريقية عن الاستثمار في عناصر النمو ذاتها التي من شأنها أن تدعم ازدهارها الاقتصادي في المستقبل، التعليم، والمهارات، والرعاية الصحية، وغير ذلك؛ حيث تؤثر أسعار الفائدة المرتفعة ليس فقط على تكلفة الاقتراض التي تتحملها الحكومة، بل وأيضًا على القطاع الخاص، مما يرفع تكلفة الاقتراض الخاصة للاستثمار في الأعمال التجارية، وتبنّي التكنولوجيا، واستثمارات القطاع الخاص في البنية الأساسية الحيوية، مثل توليد الطاقة المتجددة، وتوزيع الكهرباء، والمطارات، والموانئ، والاتصالات.
مما لا شك فيه أن إدراك المخاطر هو الذي يُحرّك التكلفة الأساسية للديون بالنسبة للدول الإفريقية: خطر تخلُّف دولة ما عن سداد التزاماتها بخدمة ديونها. وتتمثل مؤشرات هذا الخطر في جودة الحكم والمؤسسات، والنمو الاقتصادي المتوقع، والنتائج المالية والنقدية. ويُنظَر إلى الاقتصادات الإفريقية على أنها تعاني من ضعف المؤسسات، بما في ذلك الحماية القانونية الأقل، وتقلبات أعلى في النمو ونتائج السياسات (باعتبارها تعتمد على البيئة الدولية والصدمات المناخية)، في حين تواجه الحكومات تحديات الإنفاق غير الفعّال وإيرادات الضرائب الأضعف، مما يُسهم في إدراك وجود خطر أكبر للتخلُّف عن السداد
شكل (10) دورة الإدراك السلبي للمخاطر
يُسهم هذا التصور للمخاطر في خلق حلقة مفرغة تُعرف باسم “نبوءة تتحقق ذاتها”، فغالبًا ما تُصنف الدول الإفريقية على أنها عالية المخاطر، بغضّ النظر عن مدى كفاءة الرئيس أو الحكومة الجديدة في إدارة شؤون البلاد؛ حيث يعتمد التقييم بشكل كبير على تاريخ المنطقة وأداء الحكومات السابقة. وفي حين يستفيد المستثمرون الدوليون من أسعار الفائدة المرتفعة، فإنهم يسرعون بالانسحاب عند تصاعد المخاطر (والتي تكون جزءًا لا يتجزأ من العوامل التي تدفع أسعار الفائدة للارتفاع)، مما يترك الحكومات الإفريقية في وضع مالي صعب، ويزيد الضغط على المؤسسات المالية الدولية.
يكون إدراك المخاطر في بعض الأحيان، انعكاسًا للواقع، خاصةً في الحالات التي تعاني فيها الحكومات من ضعف المؤسسات وسوء الإدارة المالية. ولكن في أحيان أخرى، حتى مع وجود نوايا حسنة مِن قِبَل الحكومة، يتحوَّل هذا الإدراك إلى واقع ملموس. تؤدي “دورة الإدراك السلبي للمخاطر” إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما يصعب جَذْب الاستثمارات ويضعف الأداء الاقتصادي، وبالتالي يُعيق قدرة الدول على سداد ديونها. وهذا بدَوْره يزيد من احتمالية التخلف عن السداد، مما يُعزّز تصورات المخاطر ويخلق حلقة مفرغة. يُنظَر إلى هذا الأمر أحيانًا على أنه تحيُّز هيكلي في النظام المالي العالمي ضد الدول ذات الدخل المنخفض.
الخيارات:
بالرغم من قبضة دورة الإدراك السلبي للمخاطر؛ فإن الزعماء لا يملكون خيارًا سوى التحرُّك؛ فالامتناع عن فعل أي شيء ليس خيارًا واردًا. وفي ظل الضغوط الهائلة الرامية إلى تحقيق تقدم ملموس في غضون دورات انتخابية قصيرة، يُدفَع الزعماء السياسيون إلى التحرك بسرعة، وكثيرًا ما يُعرَض عليهم حلول قصيرة الأجل محدودة، بما في ذلك زيادة الضرائب لسد الثغرات في الميزانية، أو خلق التزامات خارج الميزانيات العمومية، أو توسيع الإنفاق بالعجز الممول بقروض غير شفافة، أو قبول التمويل الأجنبي لمشاريع الاستثمار.
كينيا: دراسة حالة حول الإصلاح
عندما تولى الرئيس “ويليام روتو” منصبه في عام 2022م، كانت كينيا تعاني بالفعل من أزمة ديون. ومع عبء ديون خارجية بلغ 62 مليار دولار، كان من بين دائني كينيا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والولايات المتحدة والصين والمملكة العربية السعودية. وكان أكثر من نصف إيرادات الحكومة تذهب لسداد الديون.
تحت ضغوط تحسين الوضع المالي لكينيا، وجد الرئيس “روتو” أن محاولاته لمعالجة أزمة الديون من خلال زيادة الضرائب قُوبلت باحتجاجات واسعة النطاق. قدم مشروع قانون المالية لعام 2023م ضريبة إسكان بنسبة 2.5 في المائة للعاملين، ورفع ضريبة القيمة المضافة على الوقود من 8 إلى 16 في المائة دون معالجة ارتفاع تكاليف المعيشة وخفض الإنفاق غير الفعّال. علقت الحكومة دعم الوقود والأسمدة، لكنها أعادت دعم الوقود بعد اندلاع الاحتجاجات، مما أسفَر عن مقتل ستة أشخاص.
ساعدت قروض صندوق النقد الدولي الجديدة وإصدار سندات ذات أسعار فائدة مرتفعة كينيا على تجنُّب التخلف عن سداد سندات يورو بقيمة 2 مليار دولار تستحق في يونيو 2024م. ومع ذلك، فإن زيادة الضرائب في مشروع قانون المالية لعام 2024م على سلع مثل الخبز وزيت الطهي، بهدف خلق بعض المساحة للإنفاق على التنمية، ولكن مرة أخرى فشل في معالجة ارتفاع تكاليف المعيشة والقضية الأساسية المتمثلة في الإنفاق غير الفعّال، أدَّت إلى أعمال شغب واسعة النطاق ووفاة 39 شخصًا. تم سحب هذا القانون لاحقًا.
ومع محدودية القدرة المالية للاستثمار في تطوير البنية الأساسية باستخدام الأموال العامة، سعى القادة الأفارقة بشكلٍ متزايد إلى جذب الاستثمار المباشر الأجنبي من خلال استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو الحوافز المختلفة، من التنازلات الضريبية إلى المناطق الاقتصادية الخاصة وضمانات الدفع.
وكثيرًا ما تضمّنت مثل هذه الصفقات التزامات مستقبلية، بما في ذلك اتفاقيات سعر الشراء، أو الضمانات على المدفوعات أو التأمين على المخاطر. وهناك منطق قوي للشراكات بين القطاعين العام والخاص باستخدام إدارة ومهارات القطاع الخاص، مع تقاسم القطاع الخاص للمخاطر. ومع ذلك، وجد معهد توني بلير للتغيير العالمي، عبر برامجه القُطرية المختلفة التي تدعم التحولات في مجال الطاقة، أن العديد من مشاريع الطاقة الإفريقية تفتقر إلى التخطيط الكافي، ولم يتم شراؤها بشكل تنافسي، وكانت الأسعار الثابتة للشركات والمستهلكين النهائيين مرتفعة بشكل مصطنع. وقد أدَّى هذا إلى مشاريع أكثر تكلفة وتكاليف طاقة أعلى للسكان (مع تأثيرات سلبية على التنمية)، وأعاق الجهود المبذولة نحو تحقيق الحكم الرشيد (التخطيط، والشراء التنافسي والعقود الموحدة).
ولخفض تكلفة ديونها السيادية؛ سعت الحكومات الإفريقية أيضًا إلى تكوين صداقات جديدة. وفي سياق جيوسياسي متغير، نظرت العديد من الدول إلى إفريقيا باعتبارها مكانًا جديدًا للاستثمار واكتساب الموارد والنفوذ، وبمرور الوقت، أدى هذا إلى تغيير اتجاه ووجهة تدفق الأموال والديون. فمنذ عام 2005م، لعبت الصين دورًا متزايد الأهمية في التنمية الإفريقية، فقامت ببناء البنية الأساسية الرئيسية مثل خط السكة الحديدية بين أديس أبابا وجيبوتي الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار، والذي يربط إثيوبيا غير الساحلية بميناء رئيسي، وخط السكة الحديدية القياسي بين مومباسا ونيروبي في كينيا والذي تبلغ تكلفته 3.6 مليار دولار. وفي نيجيريا، موَّلت الصين وبنت خط السكة الحديدية بين أبوجا وكادونا، وساهمت في مشاريع متعددة للطاقة الكهرومائية، بما في ذلك سد زونجرو الذي تبلغ تكلفته مليار دولار.
وفي حين ندَّد البعض بتأثير الصين على الديون الإفريقية، بما في ذلك الافتقار إلى الشفافية بشأن شروط الصين، وزعموا أن الصين تهدف إلى تعزيز نفوذها السياسي في إفريقيا، فلا يمكن إنكار أن الصين دعمت وتستمر في دعم الدول الإفريقية لبناء البنية الأساسية الحيوية، من الطرق والإسكان إلى النطاق العريض. بالنسبة للعديد من القادة الأفارقة، كانت الصين شريكًا حقيقيًّا؛ حيث كانت أكثر استجابة وقدمت أموالًا أكثر من الغرب.
وفي الآونة الأخيرة، بدأت جهات فاعلة أخرى في تنمية العلاقات في إفريقيا، بما في ذلك دول الشرق الأوسط التي تسعى إلى تأمين سلاسل التوريد لاقتصاداتها المتنامية، وروسيا، التي تقدم مساعدات عسكرية في دول مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية. وكانت السنغال تناقش التعاون والاستثمار مع المملكة العربية السعودية، والصين، في حين تتفاوض حكومة الرئيس “روتو” على قرض بقيمة 1.5 مليار دولار من الإمارات العربية المتحدة.
انضمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت إلى الصين خلال عشرينيات القرن الحادي والعشرين، إلى لعب أدوار متزايدة الأهمية في الإقراض الثنائي أو التجاري في إفريقيا.
أقرضت الصين مبالغ كبيرة للدول الإفريقية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حتى بلغت القروض الجديدة من الصين ذروتها في عام 2016م، وفقًا لقاعدة بيانات ديون إفريقيا في عام 2022م.
شكل (11) يوضح كيف أصبحت الصين وأسواق السندات الخاصة مصادر حيوية للتمويل بالنسبة للدول الإفريقية
المصدر: معهد كيل للاقتصاد العالمي
شكل (12) يوضح كيف أصبحت الصين أكبر مستثمر دولي ثنائي وخاص في الديون الإفريقية (2022م)
المصدر: إعادة إنشاء TBI لتصور بيانات ONE باستخدام إحصاءات الديون الدولية للبنك الدولي
أدى سعي الولايات المتحدة والصين نحو تحقيق نفوذ جيوسياسي عالمي -من خلال الوسائل المالية والدبلوماسية والتكنولوجية-، إلى إبراز إفريقيا كمسرح مُهِمّ لهذه المنافسة. وتماشيًا مع المشهد المتطور للديون، ولتأمين التمويل المستقبلي وطرق التجارة والمشاركة في سلاسل التوريد العالمية، أقامت العديد من الدول الإفريقية علاقات وثيقة مع المجموعة الموسعة من مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا). وطالما أن البنية المالية الدولية تترك للقادة الأفارقة خيارات قليلة لتحقيق أهدافهم الإنمائية، فإن العديد منهم سيظلون منفتحين على إمكانية دعم هذه الدول لاحتياجاتهم الإنمائية.
مثل الإطار المشترك لمعالجة الديون بما يتجاوز مبادرة تعليق خدمة الدَّيْن، آلية لإعادة هيكلة الديون التي طوَّرتها مجموعة العشرين بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس (مجموعة غير رسمية من الدول الدائنة التي تنسق تخفيف أعباء الديون)، كما يتجاوز الإطار مبادرة تعليق خدمة الدين من خلال تمكين تخفيف أعباء الديون على المدى الأطول، بما في ذلك إعادة جدولة الديون أو خفضها أو إلغاؤها.
تستطيع الدول النامية التي تعاني من الديون أن تتقدم بطلب العلاج بموجب الإطار المشترك، ثم يقوم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتقييم استدامة الدين ومخاطر التخلف عن السداد ومستوى المساعدة المطلوبة. وإذا كانت الدولة مؤهلة، فإنها تدخل بعد ذلك في مفاوضات مع دائنيها.
إن العرض الأساسي الذي يقدمه هذا الإطار هو التعاون بين الدائنين؛ إذ تتطلب المفاوضات في إطار هذا الإطار من جميع الدائنين، بما في ذلك المقرضون من القطاع الخاص، توفير معاملة مماثلة للديون. وهذا يعني أن الدائنين من القطاع الخاص والرسميين لا بد أن يُقدّموا شروطًا مماثلة لإعادة هيكلة الديون حتى لا يتحمل أيّ دائن حصة غير متناسبة من العبء.
ولكن أحد التحديات الرئيسية يتمثل في تأمين مشاركة الدائنين من القطاع الخاص في عملية إعادة هيكلة الديون؛ وذلك أن الدائنين من القطاع الخاص غير ملزمين قانونًا بالإطار المشترك، وقد أبدوا إحجامًا عن المشاركة بشروط مماثلة، الأمر الذي يُؤخّر العملية ويُعقّدها.
وهناك قضية أساسية أخرى تتلخَّص في أن الصين، وهي المُقرض الأكبر لإفريقيا، تفضل المفاوضات الثنائية. وعلى هذا فإن آلية التنسيق التي يفرضها الإطار المشترك كانت محدودة النطاق إلى حد كبير في الممارسة العملية.
في أبريل 2024م، قال “إندرميت جيل”، كبير خبراء الاقتصاد في مجموعة البنك الدولي: “إنه بعد أربع سنوات لم يكن هناك دولار واحد لتخفيف الديون من الإطار المشترك”.
كما أشار إلى أن الإطار يحتاج إلى إعادة صياغة، مع إشراك الدائنين من القطاع الخاص منذ البداية وقبول الخسائر في مقابل الحصول على ضمانات بشأن قدرة الدول المدينة على السداد.
وقد دعا صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى اتباع نهج ثلاثي الركائز في التعامل مع الديون الإفريقية، يقوم على: تعبئة الموارد المحلية؛ والدعم الدولي من شركاء التنمية الثنائيين ومتعددي الأطراف، بما في ذلك من خلال توفير التمويل والمنح الأقل تكلفة؛ وتقليص أعباء خدمة الديون من خلال حلول جديدة، بما في ذلك: تعزيز الائتمان لإعادة تمويل الديون القائمة.
كسر حلقة الادراك السلبي:
لطالما ركّزت الحلول المقترحة لمعالجة التحديات المالية التي تواجهها الدول الإفريقية على الأعراض، وليس على جذور المشكلة. إن تخفيف أعباء الديون لمرة واحدة أو منح تمويل المناخ بمليارات الدولارات في المستقبل يُخفّف من أعراض تحدي الديون الحالي، لكنه لا يحل المشكلة في المستقبل. وطالما ظلت تكلفة ديون الدول الإفريقية مرتفعة، فإن تكلفة الاستثمار في المستقبل، بما في ذلك من خلال البنية الأساسية القادرة على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ، والمهارات، والتنمية الاقتصادية، ستظل مرتفعة أيضًا.
إن إصلاح الأسباب الكامنة وراء تحدّي الديون الإفريقية يتطلب تنفيذ إصلاحات حقيقية وحاسمة، ولا بد أن يركز الهدف الأساسي على إدراك المخاطر. ولخفض تكاليف الديون والاستثمار في مستقبل إفريقيا، لا بد أن ينصبّ التركيز على كسر حلقة الإدراك السلبي للمخاطر. ورغم أنه من الممكن اتخاذ العديد من الإجراءات الفردية لتحسين إدراك الاستدامة المالية، مثل تحصيل الضرائب، والإنفاق العام الفعّال والناجح، ومناخ الأعمال، وجذب الاستثمار، فإن كل هذه الإجراءات لا بد أن تخدم إصلاح إدراك المخاطر.
في أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ أطلق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمملكة المتحدة مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون ومبادرة تخفيف أعباء الديون متعددة الأطراف، والتي دعمت 37 دولة بأكثر من 100 مليار دولار من تخفيف أعباء الديون.
إن مثل هذه المبادرات لا بد أن تُعاد إلى الحياة، وأن تتواصل مع عام 2025م، من أجل التوصل إلى صفقة جديدة لإفريقيا. لقد أثبتت مبادرتا تخفيف أعباء الديون في إطار مبادرة دعم الدول الفقيرة المثقلة بالديون ومبادرة تخفيف أعباء الديون متعددة الأطراف؛ أنه من الممكن خفض خدمة الديون، وخلق المزيد من الحيز المالي المحلي للإنفاق على القطاعات الاجتماعية أو الاستثمار العام، ولكن لا بد أن يقترن هذا بتحسينات جوهرية في الإدارة المالية العامة والقدرة التنافسية الاقتصادية لكسر حلقة الإدراك السلبي للمخاطر وجعل المكاسب مستدامة.
إن كسر دورة الإدراك السلبي للمخاطر وتحقيق النمو المستقبلي المستدام يتطلب اتباع نهج قائم على خمس ركائز، مع تقاسم المسؤوليات بين القادة في إفريقيا والدول ذات الدخل المرتفع، فضلًا عن الجهات الفاعلة العالمية والمقرضين، وهذه الركائز هي:
- القادة الأفارقة ملتزمون بتحقيق أهداف مالية قابلة للتحقيق، مدعومة بممارسات مُعزِّزة لإدارة المالية العامة، وتصميم مؤسسات تضمن الحكم الرشيد والتخطيط الوطني الفعَّال. ولا بد من توصيل هذه الخطط بوضوح إلى الشركاء والمقرضين والمستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني. ويتمثل أحد العناصر الأساسية لكسر حلقة الإدراك السلبي للمخاطر في بناء الاتساق وتحقيق النتائج.
- تلتزم الدول ذات الدخل المرتفع وشركاء التنمية بدعم الدول الإفريقية في تحسين وتوسيع نطاق تعبئة الموارد الإفريقية من خلال استخدام التكنولوجيا مثل بطاقات الهوية الرقمية لتسهيل الامتثال الضريبي والإشراف، والحدّ من التهرب الضريبي وغسيل الأموال، وتوسيع نطاق إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصادات الإفريقية. ويمكن لكل إدارة ضريبية في بلد مرتفع الدخل أن تصبح “توأمة” مع إدارة ضريبية في بلد منخفض الدخل لتزويد الأخيرة بالتكنولوجيا والمساعدة الفنية والقدرة الإضافية المؤقتة والدعم السياسي على مدى فترة 25 عامًا. ولا يمكن الحفاظ على المسار نحو ميزانيات مالية أكثر توازنًا من خلال تشديد الضغوط على الاقتصاد الرسمي في إفريقيا فقط.
- كما يطالب مواطنوهم، يتعيَّن على القادة الأفارقة الالتزام بتحسين كفاءة حكوماتهم من خلال إعادة تنظيم الإنفاق والاستثمار، والحد من الهدر، وبناء القدرات، واستئصال الفساد من خلال التدقيق، ومراجعة الإنفاق، والتخطيط السليم للميزانية وتحسين تنفيذ الميزانية. وهناك حاجة إلى جهود صارمة، مستمرة على مدى فترة طويلة من الزمن، للقضاء على الفساد لإقناع الشركات والناخبين بأن كل دولار من الضرائب المدفوعة يتم استخدامه بكفاءة. وتشكل الأنظمة المالية الواضحة والشفافة والقابلة للتنبؤ ضرورة أساسية لجذب تمويل الديون والاستثمار المباشر الأجنبي الأرخص. وبعيدًا عن مجرد معالجة الديون، فإن هذا أمر بالغ الأهمية إذا كان القادة راغبين في تعزيز الثقة وتحقيق نتائج أفضل للمواطنين.
- إن الأطراف العالمية والدول ذات الدخل المرتفع والمقرضين لا بد أن يتجنّبوا النظرة قصيرة الأجل وأن يتحلوا بالصبر، وأن يقبلوا أن القادة الأفارقة سوف يحتاجون إلى الاستثمار في ركائز النمو الاقتصادي، بما في ذلك البنية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية والمهارات والقدرة التنافسية الاقتصادية، وأن هذا سوف يستغرق وقتًا وجهدًا، وربما المزيد من الديون لتغطية تكاليف هذه الاستثمارات. إن الحد من الهدر أمر ضروري، ولكن ليس بالضرورة الحد من الإنفاق. وإن المعتقدات الاقتصادية التقليدية التي تدعو إلى زيادة الضرائب وخفض الإنفاق مناسبة تمامًا للاقتصادات المستقرة ولكنها غير قابلة للتطبيق سياسيًّا في البيئة الإفريقية الحالية. ويتعين على العديد من الدول الإفريقية أن تزيد من الإنفاق على البنية الأساسية والمهارات والتنمية، في حين تعمل في الوقت نفسه على تحسين فعالية الإنفاق للحد من الهدر. ولا بد أن تتوافق الميزانيات الإفريقية مع الواقع السياسي لكل بلد، واحتياجات مواطنيه، والاستخدام الأكثر كفاءة لهذه الميزانية، وإلا فإن المواطنين سوف يتمردون، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من ترسيخ دورة الإدراك السلبي للمخاطر.
- يتعين على المجتمع الدولي أن يتعاون لتطوير آلية مبتكرة لاستبدال الديون ذات الفائدة المرتفعة بديون ذات أسعار فائدة منخفضة. ويتعين على الجهات الفاعلة العالمية والمقرضين والدول ذات الدخل المرتفع أن تجد أدوات جديدة لتوفير تمويل متعدد الأطراف وثنائي منخفض التكلفة؛ وهذا من شأنه أن يضمن توافر الاستثمارات في التحول الرقمي والتنمية الاقتصادية والحوكمة والصحة والتعليم ثمارها. وينبغي للآلية أن تسمح بانخفاض أسعار الفائدة إلى جانب إصلاحات إدارة المالية العامة. وبفضل هذه القروض ذات الفائدة المنخفضة، يمكن للدول الإفريقية إعادة تمويل ديونها ذات الفائدة المرتفعة أو تمويل برامجها الاستثمارية. وينبغي لكبار المقترضين والمقرضين الحكوميين، وكثير منهم متحدون في مجموعة العشرين، التي ترأستها جنوب إفريقيا، أن يجعلوا تخفيض التكلفة المرتفعة لرأس المال أولوية.
خاتمة:
في الوقت الحاضر، تعاني العديد من الدول الإفريقية من عدم قدرة مزارعيها المتضررين من تغير المناخ على الحصول على التمويل للاستثمار في الري، كما يُواجه أطفالها صعوبة في الوصول إلى الإنترنت في مدارسهم الريفية. ويكافح رواد الأعمال للحصول على القروض لبناء وتوسيع أعمالهم، ويسعون بنشاط إلى البقاء في الاقتصاد غير الرسمي لتجنُّب دَفْع الضرائب.
ويشعر الشباب والشابات المتعلمون بالإحباط؛ لأنهم لا يستطيعون العثور على وظائف ذات رواتب جيدة في حقولهم، بينما ترتفع تكاليف المعيشة، ويستخدم ما يصل إلى 25 سنتًا من كل دولار ضريبي يدفعونه لسداد الفائدة على الديون الحكومية فقط، وهي غالبًا ديون أجنبية.
لا ينبغي للقادة غير الأفارقة ومستشاريهم أن يعتقدوا أن مديونية إفريقيا الحالية ودعوات قادتها لمزيد من مساعدات التنمية تستدعي العمل كالمعتاد، بل تطوير طرق لتخفيف الأزمة. وتشير نتائج انتخابات 2024م لصالح أحزاب المعارضة إلى دعم شعبي هائل للتغيير. وإذا تمكن القادة الأفارقة والمجتمع الدولي من الاستثمار في الاستقرار الآن، فإن الاستقرار سيقود النمو. وعلى العكس من ذلك، فإن تأخير العمل يعني تأخير التنمية والفرص التي ستفيد المواطنين في جميع أنحاء القارة. ومن شأن الحيز المالي قصير الأجل أن يوفر للقادة السياسيين الفرصة لدفع الإصلاحات الأطول أمدًا. وإن الالتزام بالإصلاحات سيجلب الاستقرار، ومن الاستقرار، سيكون للاقتصادات منصة مستقرة لبناء النمو الاقتصادي.
لا يمكن التقليل من أهمية هذا الدعم؛ حيث إن الفشل في تطوير أدوات جديدة لتكلفة الديون لن يؤدي إلا إلى إدامة الواقع الحالي، فالحكومات والشركات الإفريقية تعمل بجد لمحاولة تعزيز اقتصاداتها، وخلق فرص العمل؛ من خلال الاستثمار في الطرق والجسور والمدارس والمستشفيات والشركات الصغيرة وتوصيل الكهرباء، بالإضافة إلى التكيف مع المناخ والتكنولوجيا والتعليم وتنمية المهارات، بأسعار فائدة باهظة ومتعددة الأرقام. وفي الوقت نفسه، تقترض الحكومات والشركات في الدول ذات الدخل المرتفع، التي تعاني من ديون أكبر بكثير نسبة إلى حجم اقتصاداتها، وتستثمر مئات المليارات في الطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات والمهارات الرقمية والروبوتات والعلوم البيولوجية بتكاليف اقتراض أقل بكثير ومتعددة الأرقام.
ونظرًا لتزايد خطر الاضطرابات المدنية والانقلابات والأزمات الاقتصادية والهجرة جراء الفقر، فإن كسر دورة تصوُّر المخاطر السلبية لا يصبُّ في المصلحة السياسية للقادة الأفارقة ومواطنيهم فحسب، بل وأيضًا في مصلحة بقية الزعماء السياسيين في العالم. وإن العمل على خفض تكلفة الديون، إلى جانب الإصلاحات الملتزمة بالاستدامة المالية، من شأنه أن يُمكِّن إفريقيا من الاستثمار في النمو طويل الأجل، وتعزيز استقرار القارة، وفي نهاية المطاف تعزيز الديمقراطية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: