دعا نائب الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا الذي فاز برئاسة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم قبل شهر, المدعين العامين إلى الاستعجال في ملاحقتهم لشركة يملكها أصدقاء الرئيس جاكوب زوما.
وعلى الرغم من التوقعات التي تشير إلى أن يحلّ رامافوسا محلّ زوما كرئيس قادم لجنوب إفريقيا عام 2019, فإن التطورات في البلاد بشكل عام وتحركات قادة الحزب الحاكم بقيادة رامافوسا, تعطي إشارات بأن حلول الأوّل في المنصب الرئاسي قد يكون أقرب مما يتصور.
وكثّف رامافوسا فى الأيام الأخيرة هجومه على الشركات التى تسيطر عليها عائلة “غوبتا” ورجال أعمال مقربين من الرئيس زوما المتهمين باستخدام علاقاتهم السياسية دون مبرر لكسب العمل والمشاريع مع الدولة.
وقد صرح رامافوسا ، خلال اجتماعه مع قادة الأعمال ومجلس الوزراء، قائلا : “نريد التعامل مع التعفن، ومن غير المقبول .. أن تكون الشركات المملوكة للدولة والتى أسست لصالح الشعب قد اختطفت”.
وقد نفت عائلة “غوبتا” و “جاكوب زوما” قيامهم بأي مخالفات, مشيرين إلى أنهم ضحايا حملة ذات دوافع سياسية. لكن المدعي العام لجنوب افريقيا قال يوم الأربعاء الماضي أنه سيعلن أمرا قضائيا يتعلق بعقد قيمته 1.6 مليار راند لمشروع “اسكوم” (لجنة الكهرباء العامة بجنوب أفريقيا) الذي عملت حوله شركة “ماكنزى” مع شركة “تريليان” المحلية التى يسيطر عليها شركاء أسرة “غوبتا”.
وتشمل الشركات الدولية التي تحقق معها سلطات جنوب أفريقيا للعمل مع عائلة “غوبتا” ؛ الشركة الألمانية صانعة البرمجيات (SAP)، ومؤسسة التدقيق (KPMG), وشركة الاستشارات ماكينزي (McKinsey) التي قدمت اعتذارها للعمل مع “تريليان” في مشروع “اسكوم” عام 2016 دون عقد حقيقي وأبدت استعدادها لدفع نسيبها من الرسوم، لكنها نفت قيامها بأي شيئ مخالف للقانون.
أزمة (اسكوم) وفضائح فساد:
يجرى البرلمان في جنوب أفريقيا تحقيقات موسعة في “لجنة توريد الكهرباء” في البلاد “اسكوم”، والتي تعتبر أيضا أكبر مرافق للطاقة فى أفريقيا.
كما أن الاضطراب المالي للشركة ومزاعم سوء الإدارة والفساد مصدر قلق كبير للمستثمرين ووكالات التصنيف. ووفقا لوزير المالية مالوسي جيغابا يوم الخميس, فإنه ليس باستطاعة الخزانة تحمل نفقات “اسكوم”.
وقد صرح الرئيس جاكوب زوما، الذى وُجّه إليه تهم فساد منذ توليه منصبه فى عام 2009 ونفى العديد منها، أنه سينشئ لجنة تحقيق فى الادعاءات المتعلقة بتأثير النفوذ فى الحكومة.
غير أن قيادة حزب زوما الذى أدت فضائح حكومته إلى تدهور ثقة المستثمرين فى اقتصاد جنوب إفريقيا ودعم الناخبين لحزب المؤتمر الوطنى الأفريقى، ترغب فى أن تغادر زوما منصبه كرئيس البلاد قبل بدء حملة الانتخابات العامة فى العام القادم.
وكان من المقرر أن تنتهي فترة ولاية زوما الثانية والأخيرة في منتصف عام 2019, حيث نجا من محاولتين سابقتين للإطاحة به في اللجنة التنفيذية الوطنية للجزب الحاكم منذ نوفمبر 2016، قبل تحوّل ميزان القوى في اللجنة بعد المؤتمر الانتخابي في ديسمبر الماضي الذي فاز فيه “سيريل رامافوسا” بزعامة الحزب.
إجبار “زوما” على الاستقالة:
وقررت قيادة حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى الحاكم فى جنوب أفريقيا في لقائها الأخير بضرورة مغادرة الرئيس جاكوب زوما لمنصبه، بيد أنها لم تحدد إطارا زمنيا للمغادرة، وفقا لما ذكره ستة من كبار مسئولى الحزب – هذا بالرغم من أن آيس ماغاشولي الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي يصر على أن استدعاء الرئيس ليس على جدول أعمال اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب.
وقال المسؤولون الذين هم أعضاء فى حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى – وفق ما نقلته الصحف بالبلاد وقناة تلفزيونية رسمية – أن كبار قادة الحزب الستة المنتخبين حديثا سيديرون عملية الانتقال التى ستركز السلطة فى يد نائب زوما, سيريل رامافوسا البالغ من العمر 65 عاما, بحسب القرار المنسوب للجنة التنفيذية الوطنية فى اجتماع بالقرب من بريتوريا العاصمة فى وقت متأخر من ليلة الجمعة الماضية.
وقال الحزب فى بيان له “أن اللجنة التنفيذية الوطنية وافقت على أنه يتعين على حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى التصرف بحزم وبتصميم لاعادة بناء رابطة الثقة بين شعبنا والحركة, واستعادة كرامة حركتنا وإصلاح الشرعية الأخلاقية لحركتنا.”
ويرى المحلل السياسي الجنوب أفريقي, سومادودا فيكيني, أن خيارات اللجوء إلى عدم الثقة في الرئيس زوما وإقالته لن تكون ضرورية لفصله من منصبه.
“إن ذلك سيسهل (الأمور) على حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى إذا تنازل عن منصبه طواعية، ولن يخلق ذلك شقوقا فى القيادة المنتخبة حديثا. أشك فى أن مقاومة (تخلى زوما عن المنصب) ستكون قوية”.
وأوضح بيان الحزب أيضا أن رامافوسا ومسؤولين آخرين في الحزب “سيواصلون مشاركتهم مع الرئيس جاكوب زوما لضمان التنسيق الفعال بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي والحكومة”.
ومع ذلك, فقد حذرت رابطة امخونتو ويسيزوى للمحاربين القدامى, فى يوم الاثنين من أن إقالة زوما من رئاسة البلاد ستكلف حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى فقدان أصوات مؤيدي الحزب فى المناطق الريفية وستؤدي إلى تقسيم الحزب, لكن زيارة رامافوسا وستة من زعماء الحزب إلى مقاطعة “كوازولو ناتال” بداية الشهر الجاري تعدّ محاولة لجذب تأييد المنطقة المعروفة لدعمها القوي للرئيس زوما.
وقال خبير القانون الدستورى في جنوب إفريقيا, بيير دى فوس, إن عزل اللجنة التنفيذية الوطنية لـ”زوما” لن يكون له فى حد ذاته أي وضع قانونى لأن رئيس البلاد انتُخب بشكل قانوني من قبل الجمعية الوطنية.
وقال دى فوس أنه إذا “عزلت” اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب, الرئيسَ زوما من منصبه ورفض زوما الاستقالة, فإنهم (أي أعضاء اللجنة التنفيذية الوطنية) سيطلبون من تجمع حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى فى الجمعية الوطنية إقامة ودعم اقتراح بعدم الثقة في زوما، ومن ثم يُطرد بالفعل من منصبه رئيسا للبلاد.
ومن شأن رحيل زوما أن يسمح لـ”رامافوسا” بتولي منصب رئيس البلاد ومحاولة إقناع الناخبين بأنه ملتزم بالوفاء بتعهداته بإعادة بناء الاقتصاد المضطرب والحدّ من الكسب غير المشروع الذى أصبح مرادفا لعهد زوما.
“رامافوسا” ومواصلة الهيمنة على الحزب الحاكم:
وهناك دليل آخر في اجتماع اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأفريقي يوم الجمعة, على أن “رامافوسا” يواصل سيطرته على الحزب الحاكم، حيث أمّن حلفاؤه معظم مقاعد الحزب ذات 26 عضوا للجنة العمل الوطنية التي تشرف على إدارة الحزب بشكل يومي.
وقررت اللجنة التنفيذية الوطنية للحزب أيضا تعليق اللجان التنفيذية للمقاطعات التابعة لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في مقاطعتي “كوازولو ناتال” و “فري ستيت”، المؤيدتين لـ”زوما” والتي أعلنت المحاكم أن لجانهما التنفيذية لم تُنتخب على نحو سليم. وعليه ستدير هياكل الحزب المؤقتة شؤون الحزبَ في المقاطعتين إلى حين يتم إجراء تصويت جديد.
ويتوقع أن يعتمد رامافوسا، وهو محام وأحد أغنى الأغنياء في جنوب أفريقيا، سياسات أكثر ملاءمة للأعمال التجارية، كما أن انتخابه كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ساعد على زيادة قيمة عملة البلاد “راند” بنسبة 11 في المئة الشهر الماضي. ويترأس أيضا وفد جنوب إفريقيا إلى المنتدى الاقتصادى العالمى الذى سيقام فى دافوس الأسبوع القادم.