الأفكار العامة:
– الذكرى 52 لرحيل أميلكار كابرال الثائر الإفريقي وزعيم حركة الاستقلال في غينيا بيساو والرأس الأخضر.
– تبنَّى كابرال المنهج المزدوج بين الكفاح المسلح والحركة السياسية لطرح المستعمر، وظل منهجه مصدر إلهام للحركات الإفريقية المناهضة للاستعمار.
– تطالب بعض الجهات العالمية بإدراج اسمه في قائمة عظماء العالم من ذوي التأثيرات الإيجابية على البشرية.
– يرى كابرال أن قيمة الاستقلال مرهونة بتحسين الظروف المعيشية، ولا يمكن ذلك دون إعادة سيطرة الأفارقة على تاريخهم.
– يؤمن بضرورة التركيز على الثقافة والهوية لبناء أساس التنظيم السياسي والاجتماعي للمجتمعات الإفريقية.
– كان يَعتبر التعليم عاملًا أساسيًّا في عملية التنمية والتحوُّل الاجتماعي للظروف المادية للحياة في المجتمعات الإفريقية.
– كانت مساهمات كابرال أساسية في ترسيخ مفهوم الوحدة الإفريقية.
– تم اغتياله في يناير 1973م على أيدي الخونة في الحزب الإفريقي لتحقيق استقلال غينيا والرأس الأخضر بالتآمر من الشرطة السرية البرتغالية.
بقلم: عثمان باديان
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
يصادف يوم 20 يناير 2025م الذكرى 52 لوفاة أمليكار كابرال، الثوري الإفريقي وزعيم حركة الاستقلال في غينيا بيساو والرأس الأخضر.
أميلكار كابرال، من مواليد 12 سبتمبر 1924م في بافاتا في غينيا بيساو، التي كانت آنذاك مستعمرة برتغالية، وُلِدَ لعائلة من أصل رأسمالي في غينيا بيساو، وترسخت بقوة في الرأس الأخضر، وهو أرخبيل مكوّن من عشر جزر وثماني جزر صغيرة تقع على بعد 450 كيلو مترًا قبالة ساحل داكار.
وقد ساعد كابرال، من خلال جَمْعه بين الكفاح المسلح وقيادة حركة سياسية وأيديولوجية، على صياغة عقيدة تدعو إلى إنهاء الاستعمار، وتؤثر باستمرار على حركات التحرُّر في جميع أنحاء القارة الإفريقية وخارجها.
والآن، وبعد خمسة عقود من اغتياله في 20 يناير 1973م في كوناكري، لا يزال إرثه حيًّا أكثر من أيّ وقت مضى، ولا يزال مصدر إلهام للحركات الإفريقية المناهضة للاستعمار.
وفي عام 2020م، طلبت مجلة “بي بي سي” العالمية للتاريخ من المؤرخين وقرائها تسمية “أعظم حاكم” –شخص مارس السلطة، وكان له تأثير إيجابي على البشرية– واستكشاف إنجازاته وتراثه. فصوَّت أكثر من 5000 قارئ، وبنسبة 25% من الأصوات، تم اختيار “أميلكار كابرال” كثاني أكبر زعيم في العالم على الإطلاق؛ وفقًا لتصنيف مجلة “بي بي سي” العالمية.
كان كابرال -المعروف أيضًا باسم “أبيل جاسي”-، يُجسِّد بمفرده قيادة الكفاح من أجل استقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر.
وكان أيضًا كاتبًا ومهندسًا زراعيًّا وقوميًّا ماركسيًّا، وله حضور في برايا، عاصمة الرأس الأخضر؛ حيث يوجد اسمه وصورته في كل مكان في الجزيرة؛ حيث يُمثِّل عصره وسيرته مصدر إلهام للأجيال الحالية.
ميلاد زعيم إفريقي:
في عام 1932م، انتقلت عائلة كابرال إلى الرأس الأخضر، وواصَل الشاب أميلكار لوبيز تعليمه الابتدائي والثانوي في برايا.
في عام 1945م، وفي سن الـ21، حصل على منحة للدراسة في المعهد الزراعي في لشبونة، البرتغال، وتخرَّج منه في عام 1950م.
خلال إقامته في لشبونة، تعرَّف على طلاب من أقاليم أخرى للإمبراطورية البرتغالية، أقام معهم مركزًا للدراسات الإفريقية، وأسَّس أول حركة مناهضة للاستعمار، وتزوَّج برتغالية اسمها “ماري هيلينا رودريغز”.
ومع شَغفه بالآداب العالمية والأدب الإفريقي، كان يقرأ كتبًا في التاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسية، ما أسهم في تشكيل ثقافته الإنسانية الغنية.
وفي عام 1952م، بينما كان في 28 عامًا من العمر، عاد إلى بيساو للعمل موظفًا في مكتب الخدمات الزراعية والحرجية في المقاطعة.
وتم تكليفه، في العام التالي، بإجراء تحقيق زراعي لصالح السلطات الاستعمارية البرتغالية. وتوازيًا مع نشاطه المهني، كان أميلكار كابرال يقوم بتوعية السكان.
بعد عام من السفر إلى الريف الغيني، اعتقد أميلكار كابرال أن الاستقلال لن يتحقق إلا من خلال الجهود العسكرية. ولذا كان نشاطه في توعية الجماهير يُزْعِج السلطات الاستعمارية، واضطر إلى اللجوء للمنفى في أنغولا؛ حيث التقى بزملاء سابقين في الدراسة.
وبعد عودته إلى غينيا في سبتمبر 1956م، أسَّس مع بعض أصدقائه الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا وجزر الرأس الأخضر، وهو حزب أيديولوجي ماركسي يدعو إلى استقلال الرأس الأخضر وغينيا بيساو، ثم شارك بعد فترة وجيزة في تأسيس الحركة الشعبية لتحرير أنغولا.
اضطر كابرال وأصدقاؤه إلى العمل سرًّا وبهدوء، في مواجهة تعنُّت الحكومة البرتغالية التي كانت تسيطر على بلادهم في ذلك الوقت، وفتحوا عدة جبهات: المقاومة المسلحة، والسلك الدبلوماسي، والحركة الأيديولوجية والثقافية.
يرى كابرال أن الاستقلال لا معنى له؛ إلا إذا تحسنت الظروف المعيشية للسكان، ولكي يتحقق ذلك، يجب على الأفارقة أن يستعيدوا السيطرة على تاريخهم الذي خرَّجهم منه الاستعمار.
ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون التركيز على الثقافة لبناء أساس التنظيم السياسي والاجتماعي للمجتمعات الإفريقية.
كان كابرال بارعًا أيضًا في تعبئة الشعب حول قضية مشتركة. وكان يدرك أن النضال من أجل الحرية لن يكون سهلًا ولا سريعًا، ولذلك علَّم أتباعه ليس فقط القتال، ولكن أيضًا زراعة طعامهم الخاص ورعاية بعضهم البعض.
وقد انتشرت أفكاره في غينيا بيساو والرأس الأخضر، وغرست بذور الاستقلال في قلوب وعقول الناس.
الكفاح الطويل من أجل الاستقلال:
وفقًا لكابرال، لم يكن التحرير الوطني سوى الخطوة الأولى في عملية طويلة كان من المفترض أن تؤدي إلى تشكيل ما أسماه “رجل جديد وامرأة جديدة”، مشيرًا إلى أنها عملية معقَّدة تجاوزت السياسة الرمزية المتمثلة في الاستقلال والاحتفالات. وفقًا لشروطه الخاصة، فإن الخلاص الوطني والتحرير “يجب ألَّا يُنهيا المعاناة فحسب، بل أيضًا التخلُّف”، مضيفًا أن الأفارقة بحاجة إلى “العودة إلى المنبع”، من أجل إعادة اختراع ثقافتهم وتراثهم ومواجهة الهيمنة الأجنبية والاستعمار.
ومن عام 1963م بدأت مقاومة الاستعمار البرتغالي. فبعد عدة سنوات من التخطيط والدراسة والإستراتيجية، بدأ الحزب الإفريقي حملته العسكرية، التي نجحت في غضون بضع سنوات في كسب التأييد الشعبي في غينيا بيساو والرأس الأخضر، ثم هزَّت أُسُس الكيان الاستعماري البرتغالي.
وبعد ذلك، تم إعلان أول المناطق المحررة في عام 1965م، واستمرت حتى الاستقلال في عام 1974م، عندما كانت جميع البلاد تقريبًا في أيدي القوى الثورية.
وقد أدى الكفاح العسكري من أجل الاستقلال، بدعم من كوبا والاتحاد السوفييتي، إلى تحرير ثلثي غينيا بيساو. وعندها كثَّف القادة البرتغاليون أنشطتهم العسكرية، وحاولوا كسب المعركة من خلال القمع والإصلاحات.
في نهاية المطاف، قررت الأمم المتحدة أن غينيا بيساو هي وقعت في أيدي حركة المقاومة، ودعت إلى الاعتراف بالنصر واستقلالها.
كان كابرال مؤيدًا قويًّا لاستقلال غينيا على الساحة الدولية. وقد تم نشر خطاباته وكتاباته على نطاق واسع، بما في ذلك في إنجلترا والاتحاد السوفييتي.
وفي عام 1970م، استقبل البابا بولس السادس كابرال ووفدًا من الحزب الإفريقي لتحقيق استقلال غينيا والرأس الأخضر في جلسة استماع لحشد دعمه للثورة.
وفي عام 1972م، خاطب كابرال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في دورته 163، وطلب إرسال وفد مراقب لتقييم الصراع بين البرتغال وقوات الحزب الإفريقي لتحقيق استقلال غينيا والرأس الأخضر.
وفي العام نفسه، أنشأ أميلكار كابرال وحزبه “الحزب الإفريقي لتحقيق استقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر” برلمانًا للإعداد لاستقلال غينيا بيساو والرأس الأخضر.
ولكن، لسوء الحظ، لم يشهد كابرال النصر النهائي للكفاح من أجل التحرير الوطني، وحُرِمت غينيا بيساو والرأس الأخضر من القيادة التي كان سيُجسِّدها في فترة ما بعد الاستعمار غير المؤكدة.
ففي 20 يناير 1973م، اختطفه أعضاء ساخطون في الحزب الإفريقي لتحقيق استقلال غينيا والرأس الأخضر، كانوا يعملون بالتعاون مع الشرطة السرية البرتغالية، وأطلقوا عليه النار، وكان على رأسهم أحد قدامى المحاربين في الحزب الإفريقي لتحقيق استقلال غينيا والرأس الأخضر، ومسؤول سابق في القوات البحرية التابعة لحركة إينوسينسيو كاني، الذي اعتبره ورثة كابرال خائنًا.
وفي 10 سبتمبر 1974م، اعترفت السلطة الاستعمارية البرتغالية باستقلال غينيا بيساو، بعد أكثر من عام على إعلان الاستقلال من جانب حركة استقلال الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا بيساو (PAIGC).
كابرال: الإرث السياسي والنفوذ الأيديولوجي
أميلكار كابرال مثال عن مثقف مكتمل تلقَّى تعليمًا وتدريبًا، وعمل مهندسًا زراعيًّا، لكنَّه اختار التضحية بحياته من أجل شعبه وجميع الأفارقة.
ووفقًا له، يُعتبر التعليم “السلاح الأول” لحرية وتنمية إمكانات وقدرات الأطفال والشباب والكبار، من أجل تنفيذ مشاريع حياة كريمة وعادلة وتحررية.
والتعليم عامل أساسي في عملية التنمية والتحول الاجتماعي للظروف المادية للحياة في المجتمعات الإفريقية؛ نظرًا لتأثيره على الأبعاد الاقتصادية والسياسية والتاريخية والثقافية والإثنية واللغوية والهوية.
وعلى الرغم من أنه لم يكتسب السلطة ولم يمارسها، فليس هناك شك في أن تراث أميلكار كابرال قد ألهم ولا يزال يُلْهِم أجيالًا من الأفارقة، الذين لا يزال الكثيرون منهم ينتظرون التحُّرر الكامل من الاستعمار والهيمنة الأجنبية.
وبعد 52 عامًا من وفاته المأساوية، لا يزال إرثه مصدر إلهام لأجيال من الأفارقة وغيرهم من الشعوب التي تُناضل لاستعادة سيادتها واستقلالها السياسي والاقتصادي والثقافي.
يُلخِّص بيدرو بيريس، الرئيس السابق لجمهورية الرأس الأخضر ورئيس مؤسسة أميلكار كابرال، أهمية الشخصية قائلاً: “يُعرَف أميلكار كابرال عالميًّا بأنه مُفكِّر ومُنظِّر وإستراتيجي ورمز للنضال من أجل التحرر السياسي والاجتماعي والثقافي للمجتمعات والشعوب التي لا تزال مضطهدة ومستعمرة حديثًا. مع أميلكار كابرال، نريد أن نكتب قصة كفاحنا من أجل التحرر الوطني. إن أميلكار كابرال هو القائد، وهو أهم شخصية في هذا الكفاح المنتصر من أجل التحرر الوطني. إنه صاحب الرؤية العظيمة والمُنظِّر لهذه الحركة التي أدت إلى هذا التغيير العظيم. لقد كان المستعمر طوال الوقت هو الذي يفرض مسار التغيير، وهو القوي. وهذه المرة، كان المستعمَر هو الذي أحدث التغيير في المستعمِر. فماذا نريد من كل هذا؟ تسليط الضوء على دور الأفارقة في إفريقيا”.
كابرال “سانكارا الناطق بالبرتغالية“:
مع أن أميلكار كابرال أقل شهرةً من توماس سانكارا، إلا أنه بطل في الكفاح من أجل إنهاء الاستعمار في إفريقيا.
على عكس الزعيم البوركينابي، فقد عاش كابرال في وقتٍ لم يستفد فيه من التعرض الإعلامي في سياق حروب التحرير، والتي خدمته في بعض الأحيان في الأراضي الناطقة بالفرنسية في إفريقيا.
بالإضافة إلى اغتياله قبل حصوله على الاستقلال في الأراضي التي حارب من أجلها، وبالتالي أُتيحت له الفرصة لممارسة السلطة السياسية والتأثير على مسار التاريخ.
وُلِدَ كابرال في بلد كانت فيه قوة استعمارية أجنبية ترفض رفضًا قاطعًا السماح للغالبية العظمى من السكان بالحصول على التعليم، ولم يكن لديه سوى القليل من الوقت لتكريس التيارات المناهضة للمثقفين للحركة التقدمية. في الواقع، كان مقتنعًا بأن الحركات الحالية المناهضة للإمبريالية تحتاج إلى ترسيخ أيديولوجي أفضل.
ولا تزال تأملاته حول العلاقة بين الثقافة والتحرر الوطني أكثر أهميةً من أيّ وقت مضى رغم مضي وفاته أكثر من 50 عامًا.
وتُولي المجتمعات الأكاديمية والعلمية، في البلدان الإفريقية الناطقة بالبرتغالية، اهتمامًا متزايدًا بفِكْر أميلكار كابرال وتأثيره في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية التي تُركّز على دراسة الأبعاد المختلفة التي تؤثر على تنظيم وهيكلة وعمل المجتمعات الإفريقية المعاصرة.
وبالمثل، ففي السياق العالمي، يعتبر أميلكار كابرال مفكرًا ومثقفًا معترفًا به في المؤسسات الأكاديمية في مختلف البلدان والقارات.
كما كرّس كابرال -الذي قُتِلَ بوحشية عن عمر يناهز 49 عامًا-، حياته القصيرة ولكن الثرية، لتحرير الدول الإفريقية من الاستعمار، ليس فقط في بلده الأصلي غينيا بيساو والرأس الأخضر، ولكن أيضًا في أنغولا والجزائر وليبيريا.
يتضمن إرثه أيضًا سلسلة من الخطابات؛ حيث رسم كابرال الخطوط العريضة لفكره السياسي وعرض موقفه من المناقشات الأيديولوجية الرئيسية في عصره.
وقد تطرَّق على سبيل المثال إلى موضوعات تتعلق بالإستراتيجية الثورية، والهيمنة الإمبريالية، ونظرية التاريخ والقوة الدافعة للتاريخ، ودور البرجوازية الصغيرة في نضال التحرير، وأهمية الثقافة، كأداة للهيمنة وسلاح للمقاومة.
كان “أميلكار كابرال” القائد الفعلي لنضال شعوب المستعمرات البرتغالية ضد الاستعمار. وكانت إسهامات كابرال أساسية في ترسيخ مفهوم الوحدة الإفريقية.
لقد كان ثوريًّا وإنسانيًّا وشاعرًا وإستراتيجيًّا عسكريًّا وكاتبًا غزير الإنتاج عن النظرية الثورية والثقافة والتحرير.
تتردد أصداء أفكاره في عصرٍ يتَّسم بتحديات عالمية هائلة، بما في ذلك اختلالات النماذج الاقتصادية الحالية والعواقب الوخيمة للعولمة في بلدان الجنوب، وتواتر وشدة الأزمات البيئية والاجتماعية التي تتجاوز الحدود الوطنية والقارية.
وتؤكد هذه التحديات الجديدة، أكثر من أيّ وقتٍ مضَى، على الحاجة إلى تنفيذ نماذج إنمائية أخرى من أجل عالم أكثر عدلًا وإنصافًا، وهو ما ناضَل أميلكار كابرال من أجله على حساب حياته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/articles/cd7dne57py5o