تقديم: أولجا تروفيموفا، مركز إدارة الدفاع الوطني لروسيا الاتحادية (موسكو)
ترجمة: مروة أحمد عبد العليم
باحثة في الشأن الروسي
تُعدّ إفريقيا واحدة من أهم المناطق في السياسة والاقتصاد العالميين؛ نتيجةً للعمليات السياسية والاجتماعية المهمة التي تجري في بلدان القارة، وتؤثر بشكل كبير على الوضع في العالم. ففي المستقبل، بسبب النمو السكاني النشط، من الممكن حدوث صراعات عسكرية وموجات من الهجرة إلى الشرق الأوسط وآسيا وأوروبا، كما أن روسيا، باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في بناء هيكل أمني عالمي جديد، تم تكليفها تاريخيًّا بدور مشارك رئيسي في عمليات حلّ المشكلات الناشئة، بما في ذلك في القارة الإفريقية.
كما تجدر الإشارة إلى الاهتمام المتزايد للقوى العالمية الرائدة بالبلدان الإفريقية، في المقام الأول كسوق لمختلف السلع، بما في ذلك المجمع الصناعي العسكري، فضلًا عن رغبتها في توسيع وجودها العسكري السياسي في القارة.
وفي هذا الصدد، يبدو من المُلِحّ النظر بشكل شامل في البُعْد العسكري-السياسي للقارة الإفريقية في سياق مفهوم السياسة الخارجية الجديد لروسيا الاتحادية؛ لإظهار المشكلات القائمة في هذا المجال، وتحديد الطرق الرئيسية لحلها.
وقد تكون هذه الموادّ، إلى حدّ ما، مطلوبة مِن قِبَل السلطات الحكومية والعسكرية في روسيا الاتحادية عند تطوير واتخاذ القرارات في المجال العسكري السياسي؛ بهدف تعزيز مكانة روسيا في القارة الإفريقية، والقضاء على المشكلات القائمة.
كما تجدر الإشارة إلى أنه في العلوم السياسية المحلية والأجنبية لم تتم صياغة تعريف واضح لمصطلح “البُعد السياسي-العسكري” بعدُ، على الرغم من أنه يتم استخدامه في كثير من الأحيان في الأنشطة العملية والعديد من الوثائق المتعلقة بالعلاقات الدولية.
وهكذا، فإن الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، الموقَّعة في 1 أغسطس 1975م في هلسنكي، سجَّلت الاتفاقيات الرئيسية في مجال الأمن، بما في ذلك البُعْد العسكري السياسي[1]، المُعبَّر عنها في الاتفاق على مجموعة من تدابير بناء الثقة في المناطق العسكرية (إخطارات أولية بشأن التدريبات العسكرية، والتحركات الرئيسية للقوات، وتبادل المراقبين على أساس طوعي في التدريبات العسكرية، وما إلى ذلك)[2]. وهذا المصطلح موجود أيضًا في وثائق مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا (CICA).
على وجه الخصوص، وفقًا لكتالوج تدابير بناء الثقة المحدَّث (الذي تمَّت الموافقة عليه في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في CICA في 12 أكتوبر 2021م)، من أجل ضمان الاستقرار الدائم، وتعزيز الثقة المتبادلة في “التحالف العسكري-العسكري”، و”البُعد السياسي”، تأخذ الدول الأعضاء في الاعتبار مصالحها الأمنية المشروعة، وتسمح بإمكانية وجود وحدات عسكرية أجنبية على أراضي الدول الأعضاء؛ إذا كان الكشف عن هذه المعلومات مسموحًا به مِن قِبَل الدولة المضيفة لمثل هذه الوحدات[3].
وغالبًا ما يُستخدم هذا المصطلح أيضًا في أعمالهم مِن قِبَل العديد من العلماء الأجانب والمحليين. وهكذا قال الباحث في قطاع أوروبا الغربية بقسم أوروبا وأمريكا بمركز أبحاث المعلومات العلمية للمشكلات العالمية والإقليمية التابع لمعهد المعلومات العلمية للعلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية F.O، يستخدم ترونوف في بحثه الجانب العملي لمفهوم “البُعد العسكري السياسي”[4]. في حين يُعتقد أن البُعْد العسكري السياسي للقارة الإفريقية يُشكِّل عنصرًا مهمًّا في السياسة الخارجية الروسية، ويمثل اتجاهات تفاعلها مع دول هذه المنطقة عسكريًّا وسياسيًّا ومضمونهما.
ويتجلى الاهتمام المتزايد الذي تُوليه القيادة الروسية لتعميق العلاقات مع الدول الإفريقية في حقيقة أنه في مفهوم السياسة الخارجية الجديد لروسيا الاتحادية لعام 2023م، ارتقت إفريقيا إلى المركز السادس بين الأولويات الإقليمية[5]، وفي الوثيقة المماثلة السابقة لعام 2016م، كانت في المركز الأخير. بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ دعم تنمية التكامل الإقليمي ودون الإقليمي في إطار المؤسسات الدولية متعددة الأطراف ومنصات الحوار والاتحادات الإقليمية في إفريقيا، إحدى مهام تحقيق أهداف السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية[6].
عند تطوير التفاعل مع دول القارة الإفريقية؛ تأخذ القيادة الروسية في الاعتبار سمة مهمة لسياستها الخارجية الحديثة، إذا كانت الدول الإفريقية المستقلة حديثًا في الستينيات تبحث عن هويتها، وكانت بمثابة ساحة للمواجهة بين الأنظمة الرأسمالية والاشتراكية؛ فقد أصبحت الآن جهات فاعلة كاملة العضوية في العلاقات الدولية، وتشهد نهضة حقيقية. بينما تتميز النُّخَب العسكرية السياسية الحالية في العديد من البلدان في القارة الإفريقية بوجود التعليم العالي، من الجامعات العسكرية والمدنية السوفييتية والروسية، والانتقائية في اختيار الحلفاء، مع الأخذ في الاعتبار دروس الماضي الاستعماري، وهذا ما تؤكده، على وجه الخصوص، نتائج القمم الروسية الإفريقية التي أصبحت منتظمة بالفعل، والتي يشارك فيها العديد من ممثلي النخب العسكرية والسياسية الإفريقية[7].
وكما يُظهر التحليل، فإن البعد العسكري السياسي لتفاعل روسيا مع الدول الإفريقية له عدة جوانب مهمة.
الأول: يتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرُّف في القارة الإفريقية، وتقدّم روسيا المساعدة لعدد من الدول الإفريقية في مجال الأمن، بما في ذلك المساعدة الاستشارية والتدريبية، ولا سيما مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، وغيرها.
والجانب الثاني: هو مشاركة روسيا النشطة في عمليات حفظ السلام في القارة الإفريقية؛ حيث تشارك قوات حفظ السلام الروسية في عمليات تحت رعاية الأمم المتحدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية والصحراء الغربية وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وكذلك في منطقة أبيي المتنازَع عليها بين السودان وجنوب السودان.
أما الجانب الثالث: فهو أن روسيا تقدّم رؤيتها الخاصة لإمكانيات حل الأزمات في إفريقيا، والتي يمكن في رأينا وصفها بأنها نموذج للاستخدام المرن لما يسمى بالقوة الذكية، التي تجمع بين مكونات “القوة الناعمة” (خلق صورة جذابة للدولة، وتقديم المساعدة الإنسانية وغيرها من المساعدات للدول الإفريقية الصديقة لروسيا، وتزويدها بالقروض بشروط مقبولة، وتدريب الأفراد العسكريين وضباط إنفاذ القانون في هذه البلدان في مختلف التخصصات بما يتوافق مع المعايير الروسية التعليم، وما إلى ذلك)، و”القوة الصارمة” (القدرة على الدفاع بثقة وكفاءة عالية عن المصالح الوطنية في أيّ منطقة من العالم).
ويُعتبر هذا النموذج أكثر فعالية من النموذج الذي يُروِّج له حاليًّا الغرب الجماعي، بقيادة الولايات المتحدة، كما يتضح من التحليل المقارن لسماتها المميزة (كما في الجدول التالي) أنها تتكيف بمرونة مع الحقائق الجيوسياسية الإفريقية القائمة، كما يتضح، على وجه الخصوص، من خلال الاختبار الناجح لآليات معينة للتفاعل العسكري السياسي مع بوركينا فاسو ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى.
ومن الأمثلة على الأداء الناجح للنموذج الروسي: اتفاق السلام السياسي المبرم في الخرطوم في 6فبراير 2019م بين حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى والجماعات المسلحة الرئيسية العاملة في البلاد. وتعتبر هذه الاتفاقيات حدثًا مهمًّا في الحياة السياسية لجمهورية إفريقيا الوسطى، إيذانًا ببدء عملية المصالحة الوطنية، وأصبح هذا الاتفاق ممكنًا بفضل جهود الوساطة التي قامت بها روسيا والسودان، حيث بدأت المفاوضات بين الجماعات المسلحة في الخرطوم في أغسطس 2018م، والتي نتج عنها تشكيل رابطة معارضة لوسط إفريقيا من أجل تحقيق سلام طويل الأمد ومستدام في جمهورية إفريقيا الوسطى[8].
ومن الواضح أن الجوانب المعروضة للبُعْد العسكري السياسي للعلاقات بين روسيا الاتحادية والدول الإفريقية مهمة لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وكذلك لتطوير التفاعل الاقتصادي والعسكري والثقافي متبادل المنفعة.
ومع ذلك، ينبغي ألا يغيب عن الأذهان أن العديد من بلدان القارة الإفريقية تسعى في الوقت الحاضر إلى تطوير تعاون متعدّد المجالات، وإقامة تفاعل مع مختلف بلدان العالم. ومن أجل فهم الفرص التي تتمتع بها روسيا في هذا المجال، وكيفية استخدامها على النحو الأمثل، فمن المستحسن أن تأخذ في الاعتبار إستراتيجية اللاعبين الجيوسياسيين الآخرين الذين يحاولون توسيع نفوذهم في هذه المنطقة.
يحاول الغرب الحديث إعادة إنشاء النظام الاستعماري الجديد من خلال العلاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية غير المتكافئة مع البلدان النامية في إفريقيا، وللقيام بذلك، يتم استخدام مجموعة كاملة من الأدوات المتاحة في مختلف المجالات. ففي المجال الاقتصادي، تتوسع أنشطة شركات النفط والغاز الكبرى، وغيرها من الشركات العابرة للحدود الوطنية، مثل شركة رويال داتش شل، وكونوكو فيليبس، وإكسون موبيل، وشيفرون، ودي بيرز، وغيرها، وفي المجال الثقافي، تتوسع المنظمة الدولية “الفرنكوفونية”، وتكثف جهودها سعيًا إلى ربط المستعمرات الفرنسية السابقة بالسياسة في المدن الكبرى السابقة.
كما تنتهج الولايات المتحدة أيضًا سياسة استعمارية جديدة نشطة في إفريقيا، وذلك في المقام الأول من أجل تعزيز الحرب ضد الإرهاب والتأثير المتزايد لدول البريكس في القارة، ويتمثل النهج الأمريكي في استغلال إمكانات الشركات العابرة للحدود الوطنية على نطاق واسع بدعم نشط من “الدولة العميقة” (عشائر الأوليجارشية).
علاوةً على ذلك؛ يعمل حلف شمال الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة، حاليًّا على إستراتيجية شاملة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل، تستكشف إمكانية إنشاء بعثات تدريبية واستشارية لحلف شمال الأطلسي في دول المنطقة لمواجهة النفوذ المتزايد لروسيا[9].
اليابان شاركت الجوانب الاقتصادية والسياسية في علاقاتها مع الدول الإفريقية، وقررت تقديم الدعم الإنساني لها، وخلال السنوات القليلة الماضية، بلغ حجم التبادل التجاري بين اليابان ودول القارة حوالي 24 مليار دولار وبمبادرة من القيادة اليابانية، فإن الشكل الرئيسي للمفاوضات هو مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية، الذي يُعقَد منذ عام 1993م وكان يتم تنظيمه في السابق كل خمس سنوات، والآن كل ثلاث سنوات، والهدف هو تعميم الاتجاه الإفريقي وجذب المانحين، لقد اختارت اليابان لنفسها تكتيكات دبلوماسية الظل، أي أنها نادرًا ما تكشف عن اتجاهات سياستها في هذه المنطقة، لذا هناك القليل جدًّا من المعلومات حول هذا الأمر، ولا تظهر إلا في بعض الأحيان في وسائل الإعلام ولا يتم تحليلها عمليًّا.
بينما تركز الصين جهودها الرئيسية على الاستثمار وبناء البنية التحتية في البلدان الإفريقية، وتقدم لها قروضًا ميسورة التكلفة، ونظرًا لأن دول القارة غالبًا لا تستطيع دفع تكاليف المشاريع الصينية بمفردها، بالتالي تظل في كثير من الأحيان مِلْكًا لجمهورية الصين الشعبية. لكن هذه السياسة تبدو مثيرة للجدل إلى حد كبير؛ حيث تقع الانقلابات بشكل منتظم في هذه المنطقة، وقد تقوم الحكومة الجديدة بتأميم البنية التحتية الصينية، الأمر الذي قد يُصبح مصدرًا للصراع.
كما تسعى قيادة جمهورية الصين الشعبية إلى توسيع قائمة شركائها ونفوذها الدبلوماسي في القارة. ومع ذلك، تركز بكين حاليًّا على التوسع الاقتصادي بدلاً من التوسع العسكري أو السياسي، وفي الوقت الراهن، وقَّعت أكثر من 35 دولة إفريقية اتفاقيات مع الصين في إطار مفهوم “حزام واحد، طريق واحد”؛ ليصبح النموذج الرئيسي لعلاقات الصين مع الدول الإفريقية هو الموارد مقابل البنية التحتية.
ويتلخص النهج الذي تتبنَّاه الهند في القوة الناعمة وعلى النقيض من الصين، فإنها لا تهتم بمشاريع البنية التحتية، بل بقطاع تكنولوجيا المعلومات. وفي الوقت الحالي، لا يمكن للهند أن يكون لها نفس التأثير الاقتصادي على الدول الإفريقية مثل الصين، لذلك فهي تتعاون غالبًا مع الولايات المتحدة في هذه المنطقة.
ولدى دول الخليج سياسة مختلفة قليلًا في إفريقيا، فلا تتميز أنشطتهم بالدعاية؛ فهم يستخدمون الدبلوماسية السرية (دبلوماسية القنوات الخلفية)، والاتصالات غير الرسمية؛ حيث تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى نوعًا من النموذج الجذاب الذي يتم فَهْمه في البلدان الإفريقية، ويتم ذلك بطرق ناعمة إلى حدّ ما، على سبيل المثال؛ من خلال نشر القيم التقليدية مع التقنيات المتقدمة.
ومن المنطقي أن نتناول سياسة فرنسا في إفريقيا بمزيد من التفصيل؛ لأن تفاعلها مع دول القارة يمر حاليًّا بأزمة حادة، وهذا ما أشار إليه ليس فقط الروس، ولكن أيضًا الخبراء الأفارقة الفرنسيون. وهذه الأزمة ذات طبيعة ثلاثية، تتجلى في المجالات الرئيسية التالية:
- في المجال العسكري السياسي: الفشل في استكمال عملية برخان، والتكتيكات غير الفعَّالة، والافتقار إلى نَهْج متكامل، ونتيجة لذلك، الفشل في الحرب ضد الجماعات الإرهابية؛ و”برخان” هي عملية تُنفّذها القوات المسلحة الفرنسية في بوركينا فاسو وموريتانيا ومالي والنيجر وتشاد (دول مجموعة الساحل الخمس) ضد الجماعات الإرهابية، وهي استمرار لعملية سيرفال التي تُنفّذها فرنسا في مالي منذ عام 2013م. ومنذ يوليو 2014م، وبعد أن حصلت على اسم “برخان”، توسعت العملية، لتضم كلاً من مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا والنيجر وتشاد. إن منطقة الصحراء الساحل هي منطقة عرضها 400 كيلو متر جنوب الصحراء الكبرى، وتمتد عبر أراضي عشر دول لمسافة 3.9 ألف كيلو متر من المحيط الأطلسي غربًا إلى البحر الأحمر شرقًا، وأصبحت منطقة الساحل تهديدًا لدول غرب إفريقيا بسبب الأنشطة الإرهابية.
- في المجال المالي والاقتصادي – الانخفاض السريع في النفوذ الاقتصادي الفرنسي في إفريقيا، ونمو المشاعر المعادية لفرنسا (المشاعر المضادة لفرنسا)، والمطالبة برفض استخدام الأدوات المالية والاقتصادية الفرنسية وغيرها من الأدوات.
- في الجانب المعرفي – فقدان الصورة على الساحة الدولية، الهزيمة في الصراع من أجل عقول وقلوب الإفريقيين، فشل السياسة الفرنسية الإفريقية بسبب الاستخدام غير الفعَّال للأساليب والوسائل والإستراتيجيات[10].
وكأداة مالية لسياستها الاستعمارية الجديدة، اخترعت فرنسا فرنك وسط إفريقيا (الفرنك CFA Centrafricain – الوحدة النقدية للدول الإفريقية الست المدرجة في منطقة عملة الفرنك)، والذي يُستخدم في العديد من البلدان الإفريقية، ولكن يسيطر عليه البنك الوطني الفرنسي، ترغب الدول الإفريقية في التخلُّص من الفرنك الإفريقي، واستبداله بعملة منظمة التعاون الاقتصادي الخاصة بها، والتي تنوي العديد من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) طرحها، والتي يجري العمل عليها بنشاط في الوقت الحالي.
وفي أوائل مايو 2022م، أُبلغت فرنسا بالقرار الأحادي الذي اتخذته حكومة مالي الانتقالية بالانسحاب من اتفاقية التعاون الدفاعي معها، وفي 9 نوفمبر 2022م، أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيانًا رسميًّا حول انتهاء العملية الفرنسية لمكافحة الإرهاب برخان في منطقة الساحل بإفريقيا[11].
وتشير هذه الحقائق إلى أن الهيمنة الفرنسية في إفريقيا لم تَعُد بديهية؛ حيث يطرح خبير الدعاية الفرنسي توماس ديتريك سؤالًا بلاغيًّا: “هل تخسر فرنسا حقًّا الأرض في جمهورية إفريقيا الوسطى؟” ويجيب عنه بالإيجاب: «الأحداث الأخيرة تشير إلى ذلك؛ وفي باريس يرون أن نفوذهم في جمهورية إفريقيا الوسطى قد ضعف إلى حد ضئيل»[12]. كما يتساءل كبار المستشارين في مجموعة الأزمات غير الحكومية، تشارلز بوسيل وإمري ساري، في حيرة من الوضع الناشئ: «لماذا أصبح الوجود العسكري الروسي واضحًا الآن في هذا البلد الذي تسوده الفوضى، والذي كان سابقًا في منطقة نفوذ فرنسا؟»[13].
في حين أن فرنسا لم تغادر القارة الإفريقية بشكل كامل، فوجودها العسكري السياسي لا يزال محسوسًا في عدد من البلدان الواقعة على ساحل خليج غينيا؛ وخاصةً في السنغال وكوت ديفوار والجابون؛ حيث توجد في كل منها قواعد عسكرية ولها معاقل واتصالات، بينما أنهت وجودها في كل من مالي في مايو 2022م، وبوركينا فاسو في يناير 2023م، ضمن اتفاقيتي وضع القوات مع فرنسا.
ومن الجدير بالذكر أن الوضع في السنغال في الوقت الحالي ليس واضحًا كما كان من قبل. وفي 16 مايو 2024م، أثار رئيس حكومة السنغال، عثمان سونكو، مسألة إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في البلاد، خلال مؤتمر مشترك مع جان لوك ميلينشون زعيم حزب إنفيكتوس فرانس[14].
هذا، وشهدت مالي وبوركينا فاسو والنيجر انقلابات عسكرية أدانها شركاء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والدول الغربية، ونتيجة للعزلة عن حلفائها السابقين، كثَّفت دول منطقة الساحل تعاونها العسكري التقني والاقتصادي مع روسيا، وقطعت علاقاتها مع القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا)، وتم سحب القوات الفرنسية من هذه الدول، والآن يقوم المتخصصون العسكريون الروس بمساعدة ثلاثي الساحل، ومنذ أن فرضت منظمة الإيكواس عقوبات على حكومات المتمردين، أعلنت الأخيرة انسحابها من الكتلة وإنشاء “تحالف دول الساحل”، فضلاً عن تشكيل قوات مشتركة لمحاربة المتمردين[15].
إلا أن فرنسا لم تغادر جمهورية إفريقيا الوسطى بشكل كامل، بل تم سحب الوحدة العسكرية الفرنسية فقط، وهي آخر مهمة لوجستية عسكرية صغيرة، لكن الحضور السياسي والدبلوماسي لا يزال قائمًا في مجال التعليم ودعم العلاقات الإنسانية.
ومع أخذ ما سبق في الاعتبار، يمكن ملاحظة اتجاه متزايد لتأثير الدومينو المتزايد في تغيير مواقف عدد متزايد من البلدان في القارة الإفريقية، والذي تم التعبير عنه في الإحجام عن رؤية وجود الدول الغربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة على أراضيهم. هذا هو بالضبط ما كتبت عنه، على سبيل المثال، صحيفة Le Renouveau-RCA في جمهورية إفريقيا الوسطى في 5 سبتمبر 2023م، كما أعطت إجابة صادقة إلى حدّ ما عن سؤال حول سبب حدوث مثل هذه إعادة توزيع القوات في المنطقة: “هذا هو حيث يكون الميزان: لقد أعطى الله الغرب الذكاء، ووهب إفريقيا الثروة”[16].
وكما لاحظ محررو الصحيفة بشكل صحيح، معربين عن رأي مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى، فإن إفريقيا تتحرك على إيقاع الانقلابات؛ فمن مالي إلى بوركينا فاسو مرورًا بالنيجر والجابون، يصل الجيش إلى السلطة.
بشكل منفصل؛ تجدر الإشارة إلى الرأي حول هذه المسألة الذي أعرب عنه وزير الدفاع وشؤون المحاربين القدامى في جمهورية مالي، العقيد س. كامارا، في مؤتمر موسكو الحادي عشر للأمن الدولي، وتحدث عن النتائج السلبية لانعدام الأمن في المنطقة، عندما تؤدي الجهود الجماعية للدول الإفريقية لإيجاد الحلول المناسبة إلى التخلف الاقتصادي[17].
لذا ما هي التحديات الأمنية الرئيسية التي تواجه دول الساحل وغرب إفريقيا؟ تشهد المنطقة مستوى من العنف نادرًا في تاريخها، يتجلى في أعمال بعض الاعتداءات الداخلية والخارجية، والتي تُصنّف بحسب وزير دفاع مالي، بحسب دوافعها، ضمن أعمال الجماعات الإرهابية المسلحة أو الجماعات الإجرامية المنظمة العابرة للحدود الوطنية أو الجماعات الهجينة ذات الميول الانفصالية الذين تجمعهم الرغبة في تشجيع واستغلال أزمات التعايش الاجتماعي التي يتغذى عليها[18].
ومن خلال التركيز على نموذج جمهورية إفريقيا الوسطى على وجه الخصوص، من الممكن بناء نموذج معين لكيفية إعادة توجيه مصالح البلدان الإفريقية نحو روسيا الاتحادية. كما تعلمون، كانت هذه الجمهورية مستعمرة فرنسية عندما كانت تسمى أوبانجي شاري، وبدأ التعاون الوثيق بين روسيا وجمهورية إفريقيا الوسطى مع اتفاقية التعاون العسكري المبرمة بين روسيا الاتحادية وجمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2018م. وعلى إثر ذلك، بادرت روسيا بإصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يسمح لها بتسليح كتيبتين من القوات الحكومية وإرسال 140 مدربًا عسكريًّا إلى هذا البلد[19].
نائب رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة التخصصات لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا) كيني جلوك (الولايات المتحدة الأمريكية) في عام 2019م، رغم أنه قال: إن تصرفات روسيا تُسبِّب بعض “التوتر”، لكنه اعترف بأن “إمدادات الأسلحة من موسكو والتدريب العسكري “هذا حدث إيجابي للغاية”[20].
وفي عام 2023م، صرح ألكسندر بيكانتوف السفير الروسي لدى جمهورية إفريقيا الوسطى، في مقابلة مع مراسل وكالة ريا نوفوستي، بوجود عدد كبير من المدربين العسكريين الروس في جمهورية إفريقيا الوسطى[21].
ووفقًا له، تقدر سلطات الجمهورية تقديرًا عاليًا عملهم في تدريب العسكريين وضباط الشرطة وضباط الدرك، وكذلك في تقديم المشورة بشأن مكافحة الجماعات المسلحة غير الشرعية. وأشار أيضًا إلى أن وجود المدربين العسكريين الروس في البلاد عزَّز القدرة القتالية للجيش، على الرغم من أنه تسبب في استياء دول ثالثة، ولا سيما فرنسا، التي تعاونت حتى ديسمبر 2022م مع جمهورية إفريقيا الوسطى في المجال العسكري، عن طريق الوحدة الفرنسية داخل البلاد. وكانت بعثة MISLOG-B مسؤولة عن الدعم الفني المادي للقاعدة في العاصمة بانجي، والتي استخدمها أعضاء بعثة التدريب على تحقيق الاستقرار التابعة للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى. وفي نهاية عام 2022م، أوقفت فرنسا تعاونها العسكري مع جمهورية إفريقيا الوسطى؛ لأنها اعتبرت أن البلاد تشارك في حملة مناهضة لفرنسا، وغادر آخر 130 جنديًّا فرنسيًّا البلاد[22].
إن موقف روسيا بشأن التعاون مع الدول الإفريقية، على عكس العديد من الدول الغربية، تم التحقق منه بشكل مدروس، ويهدف إلى التقارب مع الدول الإفريقية وتعزيز المسؤولية المشتركة عن مستقبل العالم، مما يسمح لجميع الدول المهتمة بالحصول على المزيد من الفرص لحل المشكلات العالمية بشكل مشترك، وتحقيق المساواة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وفي الوقت نفسه، في مجال التفاعل العسكري والسياسي بين روسيا والدول الإفريقية، هناك أيضًا بعض المشكلات الناجمة عن عدد من العوامل، من أهمها ما يلي:
أولًا: العواقب السلبية لضعف علاقات روسيا مع الدول الإفريقية في التسعينيات من القرن الماضي، بسبب انهيار الاتحاد السوفييتي، وتحول روسيا إلى الغرب مع ترسيخ إعادة التشكيل السياسي المقابل في مفهوم السياسة الخارجية، لم يتم القضاء عليها بالكامل بعدُ.
ثانيًا: تقوم الجهات الفاعلة الدولية الأخرى بتوسيع أنشطتها في إفريقيا، بما في ذلك أولئك الذين ينتهجون سياسة معادية بشكل علني تجاه روسيا (زيادة نشاط الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى وفرنسا، وترويجهم للنهج الاستعماري الجديد، والرغبة في إخراج روسيا الاتحادية من إفريقيا بأيّ ثمن واستعادة النفوذ المفقود)، وكذلك دول عدم الانحياز التي لها مصالحها الخاصة في هذه المنطقة (الهند، الصين، اليابان، دول الخليج وغيرها).
ثالثًا: تغطّي وسائل الإعلام الأجنبية زيادة الوجود الروسي في القارة بشكل سلبي بشكل رئيسي (أخبار كاذبة واتهامات لا أساس لها فيما يتعلق بالقمة الروسية الإفريقية التي عُقِدَت في يوليو 2023م[23] وغيرها، في محاولة للتقليل من نجاحاتها وإنجازاتها وجهودها وتشويه أهداف تطوير العلاقات مع الدول الإفريقية.
إلا أن روسيا قادرة تمامًا على التغلب على هذه المشكلات؛ لأنها تتمتع بعدد من المزايا في الاتجاه الإفريقي، والتي تُميِّزها بشكل إيجابي عن أنشطة الدول الغربية، ويوضح الشكل التالي أبرز هذه المميزات:
ومن أجل حلّ المشكلات القائمة بسرعة وتكثيف العلاقات بين روسيا الاتحادية والدول الإفريقية في محور تطوير البُعْد العسكري السياسي، يبدو أنه من المستحسَن تكثيف الأنشطة في المجالات التالية:
- التعزيز النوعي للعمل الدعائي في وسائل الإعلام في روسيا والدول الإفريقية الصديقة، ويجب أن تكون رسالتها الرئيسية هي تكوين فكرة مستقرة بين الأفارقة عن روسيا كدولة عائدة إلى القارة بجدية، ولفترة طويلة، وتقوم ببناء سياستها الخارجية على مبادئ نهج متبادل المنفعة والاحترام، متحررة من العقائد الأيديولوجية وغيرها، على أساس الالتزام الصارم بالقانون الدولي.
- توسيع التعاون مع البلدان الإفريقية في جميع مجالات النشاط الممكنة، وإشباعه بمشاريع حقيقية تتعلق، على سبيل المثال، بتعزيز النموذج الروسي للتعليم، وتوريد التقنيات والمعدات الروسية الحديثة، وبناء شبكات السكك الحديدية، والطرق السريعة، والمدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة النووية والكهرومائية والمؤسسات العلمية والثقافة مع الحفاظ على معايير السلامة العالية.
- تحسين وتوسيع الإطار التنظيمي في مجال التعاون العسكري، والسياسي العسكري، والعسكري الفني على مستوى الاتفاقيات والمذكرات الدولية، بما في ذلك ما يتعلق بضمان الدخول المبسط لسفن البحرية الروسية إلى موانئ الدول الإفريقية، وكذلك تعليم وتدريب المتخصصين العسكريين.
- زيادة كثافة الحركة الجوية مع الدول الإفريقية، وخاصةً الرحلات الجوية المباشرة، والتي بدورها ستؤدي إلى زيادة كبيرة في التدفقات السياحية في كلا الاتجاهين، وجذب الاستثمارات الروسية في مختلف مجالات نشاط الدول الإفريقية المهتمة، وفي المقام الأول في الصناعة، ونظام التعليم، والسياحة والبناء ومجالات أخرى، كما ستوفر فرصة للأفارقة لزيارة روسيا بشكل أكثر نشاطًا.
- تحسين آليات التفاعل بين الإدارات في إفريقيا.
- الترويج النشط في الشبكات الاجتماعية لصورة إيجابية لروسيا فيما يتعلق بالتعاون مع الدول الإفريقية.
- تسريع انتشار اللغة الروسية والمعرفة حول ثقافة الشعوب التي تعيش في روسيا في المنطقة.
- توسيع التعاون بين المراكز المتخصصة والتحليلية الروسية والإفريقية.
- مواصلة تطوير التبادل المتبادل للرموز الثقافية للبلدان في شكل سنوات متقاطعة: عام إفريقيا في روسيا، عام روسيا في إفريقيا.
- تحسين وتعزيز النموذج الأمني الروسي في دول القارة.
هذا وتتوافق الطرق المقدمة لتحسين العلاقات الروسية الإفريقية عمومًا مع الأحكام العقائدية للسياسة الخارجية الروسية في هذه المنطقة، ووفقًا لمفهوم السياسة الخارجية الجديد، تعتزم روسيا الاتحادية المساهمة في تعزيز مكانة إفريقيا كمركز مميز ومؤثر للتنمية العالمية، مع إيلاء الاهتمام على سبيل الأولوية لما يلي:
- الدعم في ضمان سيادة واستقلال الدول الإفريقية المهتمة، من خلال المساعدة في مجالات الأمن، بما في ذلك الأمن الغذائي والطاقة، فضلاً عن التعاون العسكري والعسكري الفني.
- المساعدة في حلّ الصراعات المسلحة في إفريقيا، والتغلب على آثارها، وخاصة النزاعات الدولية والعرقية، والدعوة إلى الدور القيادي للدول الإفريقية في هذه الجهود، استنادًا إلى المبدأ الذي صاغته “المشكلات الإفريقية – الحلول الإفريقية”.
- تعزيز وتعميق التفاعل الروسي الإفريقي في مختلف المجالات على أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، ولا سيما في إطار الاتحاد الإفريقي ومنتدى الشراكة الروسي الإفريقي.
- زيادة حجم التجارة والاستثمار مع الدول الإفريقية وهياكل التكامل الإفريقية (في المقام الأول منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، والبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد، وغيرها من المنظمات دون الإقليمية الرائدة)، من خلال الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
- تقديم المساعدة وتطوير الاتصالات في المجال الإنساني، بما في ذلك التعاون العلمي، وتدريب الموظفين الوطنيين، وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية، وتقديم المساعدة الأخرى، وتعزيز الحوار بين الثقافات، وحماية القيم الروحية والأخلاقية التقليدية، والحق في حرية اختيار الدين[24].
بالإضافة إلى ذلك، لروسيا الاتحادية مصالحها الخاصة في القارة الإفريقية في العديد من المجالات؛ حيث تعمل الشركات الروسية بشكل نشط في مجال التنقيب واستخراج الموارد المعدنية في العديد من الدول الإفريقية، بما فيها تلك الواقعة في القرن الإفريقي وفي خليج غينيا[25].
والآن تستعيد روسيا بثقة موقعها في إفريقيا، الذي فقدته مع انهيار الاتحاد السوفييتي، ونتيجة لذلك هناك تأثير إستراتيجي مستدام للحاق بالركب، وهو عملية ملء شامل وبوتيرة متسارعة للثغرات في تعاون روسيا مع دول القارة التي تتخذ مواقف ودية تجاهها. فعلى المستوى الإستراتيجي، في جميع المجالات والأشكال المقبولة، هناك عملية تقديم المساعدة للنُّخَب في العديد من البلدان الإفريقية في تعزيز دولتها، والدعم في جميع المنصات الدولية المهمة، وفي المقام الأول الأمم المتحدة، وبريكس، ومنظمة شانغهاي للتعاون. فضلاً عن تكثيف الأنشطة لخلق استمرارية أجيال من النخب المحلية وتوجههم القوي نحو روسيا كمركز جيوسياسي جديد للقوة في العالم الناشئ متعدّد الأقطاب.
كما يمكن أن يصبح تأثير اللحاق الإستراتيجي عاملًا مهمًّا في توسيع نطاق البُعْد العسكري السياسي في الجانب العسكري لتفاعل روسيا مع دول القارة الإفريقية زمانًا ومكانًا، وهذا بدَوْره من المرجح أن يسبب تأثير الدومينو المرتبط بزيادة متعددة في عدد البلدان الإفريقية المهتمة بتطوير التعاون متبادل المنفعة مع روسيا الاتحادية.
ويجب التأكيد على أن الأنشطة العسكرية والسياسية متعددة الأطراف التي تقوم بها روسيا في القارة الإفريقية يتم نشرها وتنفيذها ليس من أجل الحصول على أيّ فوائد أحادية من الناحية الجيوسياسية، كما يسعى الكثيرون في الغرب من أجل ذلك، ولكن من أجل إقامة تعاون متبادل المنفعة مع دول القارة في جميع المجالات، والحل العادل للصراعات القائمة، وتعزيز مؤسسات الدولة، والحفاظ على مستوى عالٍ من الأمن، والذي بدونه يستحيل ضمان التنمية المستدامة.
ومن خلال تلخيص النظر في البُعْد العسكري السياسي للقارة الإفريقية في سياق السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية، يمكن استخلاص الاستنتاجات الرئيسية التالية:
أولًا: وفي الوقت الراهن، تستعيد روسيا بثقة مكانتها في إفريقيا، التي فقدتها مع انهيار الاتحاد السوفييتي. ونتيجة لذلك، هناك تأثير إستراتيجي للحاق بالركب، وهو عبارة عن عملية سد الفجوات في تفاعل روسيا مع الدول الإفريقية التي تتخذ مواقف ودية تجاه روسيا الاتحادية، في مختلف المجالات والأشكال من أجل ضمان المزيد من التعاون متبادل المنفعة.
ثانيًا: لقد طوَّرت روسيا نموذجها الخاص لحلّ النزاعات المسلحة في إفريقيا، وتقوم بتنفيذه بنجاح كبير، والذي يتكون من الاستخدام الماهر لما يسمى بالقوة الذكية، والجمع بين مكونات “القوة الناعمة” (خلق صورة جذابة للدولة، وما إلى ذلك) و”القوة الصلبة”.
ثالثًا: من أجل تطوير المزيد من التعاون الناجح والمثمر بين روسيا ودول القارة الإفريقية في المجال العسكري/البحري، من الضروري توسيع الأنشطة المتعلقة بإبرام الاتفاقيات/المذكرات الحكومية الدولية بشأن التعاون متعدّد الأطراف، بما في ذلك في المجال البحري والمعاهدات الدولية بشأن تنظيم إجراءات دخول السفن الحربية التابعة للبحرية الروسية إلى موانئ الدول الإفريقية المهتمة، وتعزيز التعاون الشامل مع القوات المسلحة للدول الصديقة في القارة، وزيادة الجهود لتدريب أفرادها العسكريين وضباط إنفاذ القانون في مختلف المجالات والتخصصات، بما في ذلك قضايا مواجهة التحديات والتهديدات الجديدة في مجملها وعلاقاتها المتبادلة.
رابعًا: تعتمد آفاق التفاعل العسكري والسياسي متبادل المنفعة بين روسيا والدول الإفريقية إلى حد كبير على تحديد المشكلات القائمة في هذا المجال في الوقت المناسب، بما في ذلك تلك المتعلقة بالسياسات غير الودية للدول الغربية، والتطوير والتنفيذ المستهدَف للطرق المثلى لحلها، والتي يجب أن تصبح إحدى أولويات حكومات روسيا الاتحادية والدول الإفريقية المهتمة، بالإضافة إلى مختلف المنظمات العلمية المتخصصة في هذه القضايا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (معلومات أساسية):
http://files.school-collection.edu.ru/dlrstore/11ea82bb-e33e-47ed-966d-дe02b146e5d8/OBSE/index.html#:~:text=-%20военно политическое%20измерение%20%20согласование,и%20техники%20и%20окружающей%20среды (تاريخ النشر: 11/01/2023).
[2] البعد السياسي العسكري لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. https://www.eda.admin.ch/eda/en/fdfa/foreign-policy/international-organizations/osce/politisch-militaerische-dimension.html (تاريخ النشر: 11/01/2023).
[3] البعد العسكري السياسي / الموقع الرسمي لمؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا. أستانا. https://www.s-cica.org/ru/index.php?view=page&t=military-policy-dimension (تاريخ النشر: 11/01/2023).
[4] Trunov F. O. البعد العسكري والسياسي لحالة الأزمة الحالية في العلاقات بين الغرب وروسيا الاتحادية. https://cyberleninka.ru/article/n/voenno-politicheskoe-izmerenie-sovremennogo-krizisnogo-sostoyaniya-otnosheniy-zapada-i-rf (تاريخ النشر: 11/01/2023).
[5] مفهوم السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية. الفقرة 57. 2023. http://www.kremlin.ru/acts/bank/49090 (تاريخ النشر: 26.02. 2024).
[6] إستراتيجية الأمن القومي لروسا الاتحادية. البند الفرعي 9 من البند 101. 2021. http://www.kremlin.ru/acts/bank/47046 (تاريخ النشر: 01/05/2024).
[7] الصورة – أليكسي دانيتشيف، ريا نوفوستي. https://russianembassyza.mid.ru/ru/press-centre/news/sammit_rossiya_afrika_/ (تاريخ النشر: 15/06/2024).
[8] في ذكرى توقيع الاتفاق السياسي للسلام والمصالحة بين حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى والجماعات المسلحة الرئيسية العاملة على أراضي هذا البلد// الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية الروسية. 02/06/202 https://www.mid.ru/ru/foreign_policy/news/1426327/ (تاريخ النشر: 01/05/2024).
[9] الباييس: الناتو يستكشف فكرة إنشاء بعثات تدريبية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا// تاس.: https://tass.ru/mezhdunarodnaya-panorama/20680157 (تاريخ النشر: 05/01/2024).
[10] فيليبوف ف.ر. E. سياسة ماكرون في الاتجاه الإفريقي: التقييمات والتوقعات // موقع IMEMO RAS. 21 يونيو2017.. https://www.imemo.ru/special-rubrics/africa/text/politika-e-makrona-na-afrikanskom-napravlenii-otsenki-i-prognozi (تاريخ النشر: 20/02/2024).
[11] أعلن ماكرون انتهاء العملية العسكرية الفرنسية “برخان” في منطقة الساحل // إنترفاكس. 9 نوفمبر 2022. https://www.interfax.ru/world/871747 (تاريخ النشر: 25/02/2024).
[12] ديتريش تي. في إفريقيا الوسطى، عطر من الحرب الباردة. https://www.lopinion.fr/edition/international/en-centrafrique-parfum-guerre-froide-156731 (تاريخ النشر: 24.02. 2024).
[13] Bouessel Ch., Sari E. لماذا يتقدم فلاديمير بوتين ببيادقه في جمهورية إفريقيا الوسطى https://www.nouvelobs.com/monde/20180504.OBS6191/pourquoi vladimir-poutine-avance-ses-pions-en-centrafrique.html (تاريخ النشر: 06/02/2024).
[14] انتقد رئيس وزراء السنغال القواعد العسكرية الفرنسية في البلاد // المبادرة الإفريقية. 2023. 17 مايو 2024: https://afrinz.ru/2024/05/premer-senegala-raskritikoval-franczuzskie-voennye-bazy-na-territorii-strany/ (تاريخ النشر: 02/06/2024).
[15] المرجع نفسه.
[16] Lagnamiliko C. إفريقيا: الجنود يستولون على السلطة // Le Renouveau-RCA. 5 سبتمبر 2023.
[17] مواد مؤتمر موسكو الحادي عشر للأمن الدولي. 15 أغسطس 2023// الموقع الإلكتروني لوزارة الدفاع الروسية. https://mil.ru/files/MKMB%202023%20reports.pdf (تاريخ النشر: 02/06/2024).
[18] المرجع نفسه.
[19] أوردان ر. يتضاعف عدد الجنود والمرتزقة والمستشارين الروس في العاصمة الإفريقية الوسطى. https://www.lemonde.fr/afrique/article/2018/04/23/la-russie-installe-peu-a-peu-sa-presence-dans-la-capitale-centrafricaine_5289462_3212.html (تاريخ النشر: 24/02/2024).
[20] فيليبوف ف.ر. جمهورية إفريقيا الوسطى: المواجهة بين الكرملين وقصر الإليزيه // المكان: الناس، المجتمع، الثقافات، المعاني. 2019. رقم 1. ص124-142.
[21] ألكسندر بيكانتوف: شراكة روسيا مع جمهورية إفريقيا الوسطى في التعاون العسكري التقني تتطور بنشاط // ريا نوفوستي. 26/07/2023. https://ria.ru/20230726/tsar-1886299501.html (تاريخ النشر: 11/01/2023).
[22] المرجع نفسه.
[23] كورنيلوف ف. الغرب يفضح “السحر الأسود” لروسيا // ريا نيوز. 2023. 31 يوليو. https://ria.ru/20230731/sammit-1887234566.html?ysclid=lznp50bv71304796730 (تاريخ النشر: 10/08/2024).
[24] مفهوم السياسة الخارجية للاتحاد الروسي. النقطة 57.
[25] ميخلين أ.أ.، مولوتشني ف.ف. آفاق تنمية التعاون العسكري بين روسيا ودول القارة الإفريقية // الفكر العسكري. 2020. العدد 3. ص 64، 65، 67.
رابط الدراسة: https://interaffairs.ru/news/show/49623