اتهمت إثيوبيا المنطقة المجاورة شبه المستقلة في القرن الأفريقي، “صوماليلاند”, بتهجير أكثر من 3 آلاف من الأوروميين فى أعقاب الاشتباكات على الحدود بين إقليمين إثيوبيين.
وقال وزير الإعلام الإثيوبي نيغرى لينتشو للصحفيين يوم الاثنين فى العاصمة أديس أبابا, إن المنطقة شبه ذاتية الحكم في شمال جمهورية الصومال شردت الأوروميين, وإنهم يأوون الآن فى ولايتى أوروميا والصومال الإثيوبيين.
وقال الوزير الإثيوبي إن الجزء الشرقي من أوروميا عانى من “صراع دموي” في الاشتباكات في شهر سبتمبر المنصرم, على طول حدود الولاية التي تمتد إلى أكثر من 1500 كيلومتر, مضيفا أن الأوروميين مستهدفين في إقليم الصومال الإثيوبي وفي صوماليلاند.
لكن حكومة إقليم الصومال الإثيوبي تنفي الاتهامات الموجهة إليها وتعارض الأرقام الصادرة من حكومة إقليم أورومو، حيث تقول إن أكثر من 30 صوماليا لقوا مصرعهم فى بلدة أودايا بأوروميا.
وقال أديسو أريغا، المتحدث باسم حكومة أوروميا, إن الاشتباكات أدت إلى نزوح ما لا يقل عن 55،000 شخص، لجأ بعضهم إلى مخيمات مؤقتة في ملعب بمدينة هرر الشرقية، في حين يخيم آخرون في مراكز الشرطة.
وهذه الاشتباكات هي الأخيرة من سلسلة الصراعات التي اندلعت منذ أكثر من 25 عاما. ورغم أن بعض أسبابها الجذرية لا تزال قائمة دون تغيير، فإن هناك ديناميات جديدة تسهم في إشعال فتيلها، بما فيها تزايد نشاط الميليشيا في المنطقة وتصاعد التوترات، مما تجعل الحلول (ربما) أكثر صعوبة.
ففى ظل حكومة “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” – وهى حركة متمردة استولت على السلطة عام 1991 بعد الإطاحة بنظام عسكري، ونتيجة لذلك اتجهت ثانى أكبر دولة فى إفريقيا من حيث عدد السكان إلى تطبيق نظاما اتحاديا يهدف إلى منح الحكم الذاتى للجماعات العرقية. وكان الترتيب السياسي الفيدرالي يقوم على أسس عرقية لغوية – وهو ما يعزّز تصاعد الصراعات الصغيرة ، حسبما يشير عدد من النقاد.
خريطة توضح تقسيمات المناطق في إثيوبيا
وبينما يصنف صندوق النقد الدولى دولة إثيوبيا كاقتصاد أسرع نموا فى القارة الأفريقية، فإن الاضطرابات تهدد بعرقلة هذه الطفرة الاقتصادية والتنموية.
توتر مستمرّ رغم قدم العلاقات
تشترك ولايتا أوروميا والصومال في أطول الحدود الداخلية لإثيوبيا، وهي خط متعرج من مويلي في الجنوب إلى مولو في الشرق. وتتبع أجزاء من الحدود نهر غانالي دوريا، ولكن الحدود الإقليمية تمتد في الغالب بين المراعي الأورومية والصحراء الصومالية.
وكما تقول الكاتبة سليم سولومون, إن هناك طريقة مشتركة للحياة ترتبط بين شعبي أورومو والصومال, حيث يتقاسمان اللغة والدين والثقافة. بل هناك مجموعات تتحدث اللغة الأورومية وهي تعرف بالصومالية، والعكس صحيح. غير أن هاتين المجموعتين العرقيتين – على الرغم من هذه العلاقات الوثيقة – شهدتا صراعات متقطعة حول الموارد، بما فيها الأرض والمياه، على مدى السنوات ال 25 الماضية.
وتعود التوترات إلى تشكيل النظام الفيدرالي بإثيوبيا – وهو نظام حكم إثيوبي فريد من نوعه, وقسم السياسيون سكان البلاد – حوالي 50 مليون شخص في ذلك الوقت – إلى تسع ولايات إقليمية – على أساس العرق.
وقد أدت الخلافات حول ترسيم الحدود بين أوروميا والصومال إلى عدة استفتاءات، ولم يحدث حتى اليوم الترسيم الكامل للولايتين الإقليميتين، مما أسهم في استمرار حدوث التوترات, لأنها أكبر من مجرد حدود إدارية لارتباطها بالهوية التي تعدّ فارقا سياسيا وإثنيا بين أكبر منطقتين في إثيوبيا.
تبادل الاتهامات
لقد اتخذت الصراعات الأخيرة منعطفا جديدا، وهي – بحسب الخبراء ومنظمة هيومن رايتس ووتش – مثيرة للقلق. لأنه لم يتضح بعد من هم وراء عمليات القتل والتشريد الأخيرة. وحتى من داخل إثيوبيا, يحمّل المتحدثون من كلا الحكومتين الإقليميتين اللومَ على الجماعات المسلحة من الجانب الآخر.
“نحن هنا في إثيوبيا أيضا حائرين. ليس من السهل فهم ما يجري مع هذه الحدود الطويلة,” قال فيكادو أدوغنا، أستاذ مساعد في الأنثروبولوجيا الاجتماعية في جامعة أديس أبابا, في تصريحه لشبكة صوت أمريكا.
ويعود سبب عدم فهم حقيقة الصراع للتشكيلة المعقدة للجماعات الفيدرالية والإقليمية ووجود حركات متمردة منخرطة في نزاع مسلح في جميع أنحاء إثيوبيا. وقد اتُّهمت شرطة ليو، وهى قوة شرطة خاصة مقرها فى ولاية الصومال، بقتل أشخاص من الأورومو.
ولكن هذه شرطة ليو هذه قد قاتلت أيضا ضد “الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين”، وهي جماعة معارضة للنظام الإثيوبي تطالب بالحكم الذاتي للصوماليين.
“إن عددا من الأشخاص قد فقدوا أرواحهم,” يقول البروفيسور أدوغنا. ولكنه في كثير من الحالات، لا تزال الظروف الدقيقة لوفاتهم غير واضحة.
مظاهرات واعتقالات
يرى بعض المراقبين أن الحكومة الفيدرالية الإثيوبية تحمل قسطا من اللوم في إشعال صراعات الإقليمين. وأنها بدلا من السيطرة على الوضع فهي تعزز الانقسام العرقى.
يقول فيليكس هورن، الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش في القرن الأفريقي : إن الإثيوبيين الذين قابلتْهم هيومن رايتس منذ فترة طويلة شعروا بالتخويف من قبل الحكومة الفدرالية.
مضيفا أن “الغالبية العظمى تقول لنا، ‘انظروا، (الوضع) كان دائما بهذه الطريقة. هناك اعتقالات تعسفية دائما، كما تعلمون … هناك دائما سوء معاملة من قبل الشرطة، إلا أن الأمور قد صارت أكثر حدة بعض الشيء من حيث كمية الاعتقالات التعسفية“.
لقد شهدت إثيوبيا سلسلة احتجاجات انتشرت في جميع أنحاء البلاد في عام 2016 – مما أدى إلى حالة الطوارئ لمدة 10 شهور وحملة مكثفة من الحكومة بدأت في أكتوبر الماضي, وذلك عندما اقترحت الحكومة الفيدرالية توسيع حدود العاصمة الإثيوبية أديس أبابا إلى إقليم أوروميا. وأنتجت الاضطرابات في منطقتي أوروميا وأمهرة وفاة المئات.
ويقول فيليكس هورن : إن حالة الطوارئ أسكت المتظاهرين دون معالجة شكاواهم الحقيقية بشأن حقوق الأراضي والتمثيل السياسي وحرية التعبير، مما مهد السبيل لأحدث أعمال العنف.
“ما وجدناه هو أن (الحكومة) أعادت تعريف مظالم المتظاهرين بما يتوافق مع احتياجاتها إلى حد كبير. تحدثوا (أي الحكومة) عن الفساد؛ وتحدثوا عن الحاجة إلى خلق فرص العمل؛ حول تحسين الحكم الرشيد”. “وهذه كلها أمور مهمة.. ولكنها ليست جوهر الأشياء التي يرددها المتظاهرون بشكل روتيني ويطالبونها في الشوارع.”
وترى مارغوكس بيناولد، الباحثة في مجال العنف السياسي في أفريقيا لدى “مشروع بيانات النزاع المسلح وبيانات الأحداث” – وهي هيئة تنتج بيانات فورية لتحليل مفصل للصراعات ورسم خرائطها – أن حالة الطوارئ أوقفت الاحتجاجات والعنف المرتبط بها. ولكن النشاط المسلح ازداد في الوقت نفسه في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الأكثر تضررا من الاحتجاجات، بما في ذلك أوروميا.
تقول بيناولد : “إن نشاط الميليشيات العرقية فى إثيوبيا في أعلى مستواه منذ عام 1997, ثم النشاط الذي تقوم به الميليشيات السياسية، على الرغم من أنها عادة جماعات مسلحة مجهولة الهوية – ولكنها تقوم بهجمات ضد المدنيين أو تشارك في اشتباكات مع قوات الدولة – مرتفعة حقا مقارنة ببقية البيانات التي ننظر إليها”.
وأضافت الباحثة أن ازدياد النشاط المسلح يمكن أن تشير إلى تصاعد في “الحركة الشعبية”.
وقد أصبحت هذه الحركة على نحو متزايد كفاحا مسلحا بشأن المظالم مع الحكومة الاتحادية، والتي يقول العديد من الإثيوبيين أنها لا تمثل مصالحهم.
عدم تسييس وعرقنة الحدود
وقال وزير الإعلام الإثيوبي نيغرى لينتشو, “إننا نفهم أن عملية بناء الديمقراطية (في إثيوبيا) فى مرحلة الرضيع”، لكن “الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية” مصممة على استعادة السلام.
أما البروفيسور أدوغنا, فهو يذهب إلى أن جذور الصراع تكمن في مزيج متقلب: المعنى الرمزي الذي يُعطى للحدود الأورومية الصومالية، وعدم وجود ترسيم رسمي. وعليه ينقسم الحل جزأين: “ترسيم الحدود بشكل فعلي في أقرب وقت ممكن، وإعادة التأكيد على دلالته”.
ويعني ذلك – بالنسبة إلى أدوغنا – التركيز على الوظائف الإدارية للحدود. مشيرا إلى أنه “يجب على الحكومة عدم تسييس الحدود. ويجب عليهم عدم عرقنة الحدود” بما لا يعرقل الحركة الرعوية بوجه خاص لأن المجتمعات البدوية تقطن كلا المنطقتين – لا سيما في الجانب الصومالي.
وقال أدوغنا إنه من المهم أيضا استشارة السكان المتأثرين بالاشتباكات، ولا سيما “المجموعات المحرومة تاريخيا”, في عملية ترسيم الحدود. وتشمل هذه المجموعات شعب الأورومو – الذي على الرغم من كونه أكبر مجموعة عرقية في البلاد، لا يتمتع إلا بسلطة سياسية قليلة في ظل الفيدرالية الإثيوبية.
وبخصوص ما تقوم به الحكومة حاليا لصدّ الصراعات والحدّ من الاشتباكات في الإقليمين الإثيوبيين, يقول وزيز الإعلام نيغري, إن القوات المسلحة الفيدرالية تتخذ “إجراءات مناسبة” ضد الجماعات المسلحة “تحاول زعزعة استقرار المنطقة”، وتحقق فى ادعاءات بما فيها عمليات قتل خارج نطاق القضاء.