تمهيد:
برزت اقتصاديات الحلال في السنوات الأخيرة، وبات هذا القطاع الحيوي واحدًا من أكثر القطاعات الفرعية ديناميكية وحيوية في الاقتصاد العالمي، مع تمتعه بقوة تحويلية كبيرة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ وبالتالي أصبح مُكونًا رائدًا للنموّ الاقتصادي والتنمية والتوظيف والتجارة وزيادة معدل الابتكار، فضلاً عن التماسك الاجتماعي في معظم الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
وتُعدّ سوق الأغذية والمنتجات الحلال مكونًا رئيسيًّا في تلك الاقتصاديات، كما أنها تنمو بنِسَب مطردة، ويمكن لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء أن تستفيد من هذا القطاع الاقتصادي في تحقيق تنميتها الشاملة بما يتوافر لديها من إمكانيات لتوسيعه، وهو الأمر الذي قد يُحقِّق لها في حال نجاحه فرصة لتحديد مسارها التنموي الخاص، بعد فشل نماذج التنمية التقليدية، وأيضًا من خلال التغلُّب على التحديات التي تواجهه.
ومن هذا المنطلق، نحاول من خلال هذه المقالة، التعرُّف على اقتصاديات الحلال في بلدان الإقليم، والتركيز على قطاع الأغذية فيه من خلال النقاط التالية:
- المحور الأول: صناعة الحلال: التاريخ والمفهوم والحجم.
- المحور الثاني: سوق الحلال في إفريقيا جنوب الصحراء.
- المحور الثالث: نماذج من إفريقيا جنوب الصحراء.
- المحور الرابع: تحديات وفرص صناعة الأغذية الحلال في إفريقيا جنوب الصحراء.
- خاتمة.
المحور الأول
صناعة الحلال: التاريخ والمفهوم والحجم
أولاً: تاريخ صناعة الحلال
بالنظر إلى تاريخ سوق الحلال في العديد من البلدان الأكثر نشاطًا في صناعته؛ نجد أن الشركات النيوزيلندية بدأت في إصدار شهادات الحلال في العام 1970م، وبدأت في سنغافورة عام 1972م، ووضعت معاييرها في المملكة العربية السعودية عام 1972م. وبدأت في جنوب إفريقيا عام 1975م، ثم في أستراليا عام 1977م، وفي أمريكا عام 1980م، وبدأ إصدار تلك الشهادات في البرازيل في الثمانينيات، وفي ماليزيا 1981م، وفي إندونيسيا 1986م، وفي المملكة المتحدة 1994م، وفي باكستان 1996م، وفي تركيا 2000م، وغيرها من دول العالم.
وقد اشتدت الحاجة إلى ضمان التزام الدول غير المسلمة بشروط الغذاء الحلال، مما نشَّط اتجاه سوق الحلال الدولي، ومن المثير للاهتمام أن البرازيل تتصدر القائمة عالميًّا كمُصدِّر رئيسي لمنتجات الحلال. ومع رواج تلك الصناعة، فقد وضعت منظمة التعاون الإسلامي معايير لها تحت إشراف معهد المعايير والمقاييس للدول الإسلامية ((SMIIC.([1])
ثانيًا: مفهوم الأغذية الحلال
يشير مصطلح الأغذية الحلال إلى “الأطعمة والمشروبات التي يتم إعدادها وفقًا للقواعد التي يحددها الشريعة والنظام الغذائي الإسلامي، كما يتم تعبئتها وتخزينها وفقًا للإرشادات الموصوفة”.
ويمكن أن يُعزَى النمو في هذا السوق إلى ارتفاع عدد السكان المسلمين، وزيادة الدخل المتاح، وتغيُّر الأنماط الغذائية عبر مناطق مختلفة من العالم.
وقد اتخذت الكثير من الحكومات مبادرات مختلفة من حيث التسويق وتثقيف المستهلكين حولها. وكانت ثقة المستهلكين في العلامات التجارية الحلال العامل الأكثر تأثيرًا في زيادة الطلب على تلك المنتجات. وظهرت العديد من الشركات التي امتثلت للقواعد واللوائح الإسلامية، مما زاد من القدرة التنافسية في السوق. ووفَّر التقدم التكنولوجي ومنصات البلوك تشين الشفافية في الاقتصاد الحلال؛ حيث سمح بتتبُّع أصل المنتجات الغذائية الحلال ومعرفة مدى التزامها بالشروط الشرعية. وتُعدّ قيمة منتجات اللحوم والدواجن والمأكولات البحرية هي الأكبر في سوق الحلال، وتحتفظ متاجر التجزئة بحصة سوقية كبيرة، كما تطوَّرت قنوات السوبر ماركت بسرعة للاستثمار في التقنيات الأحدث، وتقديم مجموعة واسعة من المنتجات الحلال للمستهلكين.([2])
ثالثًا: فرص اقتصاديات الحلال
تُقدَّر قيمة صناعة الحلال العالمية بنحو 2.3 تريليون دولار (باستثناء التمويل الإسلامي). وتنمو الصناعة بمعدل 20%، وتقدر قيمتها بنحو 560 مليار دولار سنويًّا. ولذا فهي واحدة من أسرع قطاعات المستهلكين نموًّا. ولم تَعُد سوق الحلال تقتصر على المنتجات ذات الصلة بالأغذية، بل توسَّعت إلى ما هو أبعد لتشمل الأدوية ومستحضرات التجميل والمنتجات الصحية والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى مكونات قطاع الخدمات؛ مثل الخدمات اللوجستية والتسويق والوسائط المطبوعة والإلكترونية والتغليف والعلامات التجارية والتمويل. ومع زيادة عدد المسلمين الأثرياء، توسَّعت بشكل أكبر لتشمل عروض نمط الحياة بما في ذلك خدمات السفر والضيافة الحلال والموضة، وقد نشأ هذا التطور بسبب التغيير في عقلية المستهلكين المسلمين، بالإضافة إلى اتجاهات المستهلكين الأخلاقية.
إن سوق الحلال ليس حكرًا على المسلمين، واكتسب قبولًا متزايدًا بين المستهلكين غير المسلمين الذين يربطون الحلال بالاستهلاك الأخلاقي. وقد أدركت العديد من الدول الاتجاه العالمي الناشئ فيه، وهي الآن تتسابق لكسب موطئ قدم في صناعة الحلال.
إن هذا السوق يوفّر إمكانات هائلة للشركات والمنظمات وغيرها من الجهات، ومن المتوقع أن ينمو عدد المسلمين في العالم بنحو 35% على مدى السنوات العشرين المقبلة، أو 2.2 مليار بحلول عام 2030م، أو 26.4% من إجمالي عدد سكان العالم المتوقع البالغ 8.3 مليار نسمة. وبحلول عام 2050م، قد ينمو إلى 2.6 مليار، ويمثل الراغبون في اقتناء الحلال ما يقرب من 30% من عدد السكان المتوقع في العالم. وبحلول عام 2030م أيضًا، من المتوقع أن تضم 79 دولة: مليونًا أو أكثر من عدد السكان المسلمين، على عكس 72 دولة حاليًّا.([3])
المحور الثاني
سوق الحلال في إفريقيا جنوب الصحراء
وفقًا لتقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي 2022م؛ فإن اقتصاد الحلال ينمو بمعدل يكاد يكون مثلي نمو الاقتصاد العالمي. بلغت قيمته الإجمالية في عام 2021م حوالي 4.831 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 6.854 تريليون عام 2025م. وبلغت القيمة السنوية لقطاع الأغذية الحلال وحده حوالي 1.27 تريليون دولار في عام 2021م، بلغ حجم مبيعات سوق الأغذية الحلال 1.4 تريليون دولار في عام 2017م، وكان من المتوقع أن تزيد قيمتها بنسبة 12.6٪ في عام 2023م. ([4])، وهو ما يمثل 17٪ من إجمالي سوق الأغذية العالمية، وكان من المتوقع أن ينمو بنسبة 7% في عام 2022م ليصل إلى 1.67 تريليون دولار عام 2025م، بمعدل نمو سنوي مركب لمدة 4 سنوات يبلغ 7.1%.
وبلغ إجمالي أصول الخدمات المصرفية والمالية الإسلامية 3.6 تريليون دولار في عام 2021م، وكان من المتوقع أن تنمو بنسبة 8% في عام 2022م، وتصل إلى 4.9 تريليون عام 2025م بمعدل نمو سنوي مركب لمدة 4 سنوات يبلغ 7.9٪، وهو ما يمثل 1.27% من إجمالي السوق العالمية.
بلغت قيمة السفر والسياحة 102 مليار دولار عام 2021م، وهو ما يمثل 11% من إجمالي السوق العالمية، وكان من المتوقع أن تنمو بنسبة 50.0% عام 2022م إلى 154 مليار دولار وتصل إلى 189 مليار دولار عام 2025م بمعدل نمو سنويّ مركب لمدة 4 سنوات يبلغ 16.5%؛ وبلغت قيمة الموضة المحتشمة 295 مليار دولار في عام 2021م، وهو ما يمثل 11% من السوق العالمية، وكان من المتوقع أن تنمو بنسبة 6.0% في عام 2022م إلى 313 مليار دولار، وتصل إلى 375 مليار دولار في عام 2025م بمعدل نمو سنويّ مركب لمدة 4 سنوات يبلغ 6.1؛ وبلغت قيمة قطاع الإعلام والترفيه 231 مليار دولار في عام 2021م، وهو ما يمثل 6% من السوق العالمية، وكان من المتوقع أن ينمو بنسبة 7.5% عام 2022م إلى 249 مليار دولار، ويصل إلى 308 دولارات عام 2025م بمعدل نمو سنوي لمدة 4 سنوات يبلغ 7.5%.
وبلغت قيمة قطاع الأدوية الحلال 100 مليار دولار في عام 2021م، وهو ما يمثل 7% من السوق العالمية، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 6.7% في عام 2022م إلى 106 مليارات دولار ويصل إلى 129 مليار دولار في عام 2025م بمعدل نمو سنوي مركب لمدة 4 سنوات يبلغ 6.7%. وبلغت قيمة قطاع مستحضرات التجميل 70 مليار دولار، وهو ما يمثل 7% من السوق العالمية، وكان من المتوقع أن ينمو بنسبة 7.2% أخرى عام 2022م ليصل إلى 75 مليار دولار، ويصل إلى 93 مليار دولار في عام 2025م بمعدل نمو سنوي مركب لمدة 4 سنوات يبلغ 7.4%.([5])
وتُعدّ شركات نستله ويونيليفر وكادبوري في طليعة المشاريع الحلال؛ حيث تمثل التكتلات الأوروبية والأمريكية سبعة من أصل عشرة لاعبين عالميين في سوق الحلال العالمية.([6])
في عام 2013م وحده، أنفق المستهلكون في إفريقيا جنوب الصحراء ما يقدر بنحو 114 مليار دولار على الأغذية الحلال (اللحوم الحلال، وامتيازات الحلال، والوجبات الجاهزة، والأطعمة المعلبة والمجمدة والفورية). مع نموّ حادّ تم تسجيله بأوقات مضطربة، كجائحة كوفيد. ويظهر القطاع كواحد من أكبر الفرص لإفريقيا. مع أكثر من 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وتمثل الزراعة 32٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي، مع أكثر من مليار نسمة، وسوقًا تُحسَد عليها للسلع والخدمات الحلال، وإمكانات سوقية هائلة غير مستغلة، كما يُوفّر الاقتصاد الإسلامي للدول الإفريقية خيارًا مجديًا وفرصًا جديدة.([7])
من المتوقع أن يشهد سوق الحلال في جنوب إفريقيا نموًّا بمعدل نموّ سنوي مركب بنسبة 6.50٪، مع حجم سوق يبلغ 6.80 مليار دولار في عام 2024م. ويتوسع سوق الأغذية الحلال؛ حيث تكون العناصر الفاخرة عالية الجودة هي المحور الرئيسي. ومن المتوقع أن يشهد سوق الحلال النيجيري نموًّا بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.60%، مع حجم سوق يبلغ 4.52 مليار دولار مع ختام عام 2024م. ومن المتوقع أن يشهد سوق الحلال في بقية منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا نموًّا بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.50% خلال الإطار الزمني المتوقع، مع حجم سوق يبلغ 5.08 مليار دولار في نهاية العام 2024م.([8])
ويعتنق ما يقرب من نصف سكان إفريقيا الإسلام. وتتزايد الصادرات البرازيلية من المنتجات الحلال إلى القارة بشكل كبير، وكانت أهمية الأسواق الإفريقية للمنتجات والخدمات الحلال موضوع حلقة نقاش “سوق الحلال: الفرص والشراكات في البرازيل وإفريقيا” في منتدى البرازيل وإفريقيا؛ حيث صدَّرت البرازيل 8 مليارات دولار من تلك المنتجات إلى الدول الإفريقية في عام 2022م، بزيادة قدرها 35٪ عن العام السابق. مع ذلك، هناك عدد لا يُحْصَى من الفرص غير المستغلة في هذا السوق بوجود 30 دولة بها أغلبية سكانية إسلامية. ([9])
بل وهناك بُعْد اندماجيّ للطعام الحلال في القارة الإفريقية؛ حيث أظهرت البحوث تراجُع نشاط الحركات المناهضة للطعام الحلال في إفريقيا جنوب الصحراء، والتي كان يقودها زعماء مسيحيون خاصة في الأجزاء الغربية والشرقية من القارة الإفريقية. ويسجل التاريخ أن المعارضة المسيحية للطعام الحلال في المجتمعات الإفريقية ترجع إلى أقدم عصور الاستعمار. وقد أدى هذا إلى استعادة الركيزة الإسلامية لمكانتها الكبيرة في المجتمع الإفريقي، والمساهمة في التنمية الاقتصادية والسياسية وصعود الشؤون الإفريقية.([10])
المحور الثالث
نماذج من إفريقيا جنوب الصحراء
أولاً: سوق الحلال النيجيري
تشمل سوق الحلال النيجيري الغذاء ومستحضرات التجميل والأدوية والإعلام والإبداع والأزياء، وقد كشفت منظمة المعايير النيجيرية (SON)، في عام 2023م أن الاقتصاد النيجيري يستفيد من صناعة المنتجات الحلال، ومن المتوقع أن ينتقل النمو من 107 مليارات دولار في عام 2022م إلى 180 مليار دولار بحلول عام 2027م. ومن المتوقع أن ينمو السوق بمعدل نمو سنوي قدره 10.7%.
وتمثل صادرات نيجيريا منه 5.7٪ من صادرات إفريقيا من المنتجات الحلال البالغة 4.2 مليار دولار إلى دول منظمة التعاون الإسلامي. وسوق الحلال قادرة على تعزيز سوق نيجيريا بمقدار 1.6 مليار دولار سنويًّا في غضون أربع سنوات. وهذا يُظهِر فرصًا كبيرة للشركات والاستثمارات للاستفادة من الطلب المتزايد عليه، كما أن لديها القدرة على خَلْق فُرَص العمل ونُموّ الاقتصاد، وخاصة في الزراعة، وتجهيز الأغذية، وصناعة الأفلام، والخدمات اللوجستية.
وأوصى التقرير بأن تبسيط اللوائح التجارية، وتعزيز القدرة التنافسية وزيادة وعي المستهلك وتعزيز الشراكات هي بعض الإستراتيجيات التي يمكن أن تساعد في تطوير وتنمية قطاع الحلال، وأن بعض المنتجات الرئيسية التي يجب إعطائها الأولوية للصادرات تشمل مستحضرات الكاكاو واللحوم وأحشاء اللحوم والسكر والحلويات والحيوانات الحية والأدوية.([11])
وتعمل الحكومة على وضع إستراتيجية لتصبح البلاد لاعبًا رئيسيًّا في اقتصاد الحلال العالمي، بهدف إضافة 1.5 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027م. وتسعى هذه المبادرة، التي أُعلن عنها في سبتمبر 2024م، إلى تنويع الاقتصاد من خلال تقديم خدمات تلبِّي المعايير الإسلامية. وستجمع الخطة بين الوكالات الحكومية وقادة القطاع الخاص والشركاء الدوليين للاستفادة من مكانة نيجيريا باعتبارها ثامن أكبر اقتصاد حلال في العالم. يأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تستمر فيه نيجيريا في الاعتماد على التمويل الإسلامي لدعم تنميتها. وقد كشفت التقارير أن نيجيريا جمعت بالفعل 1.43 مليار دولار من خلال سندات الصكوك لتمويل تنميتها.([12])
ثانيًا: سوق الحلال في جنوب إفريقيا
يُشكّل المسلمون 1.5٪ من سكان الدولة، وتقدم شهادة الحلال العديد من الفوائد لهم داخل السوق في جنوب إفريقيا.([13]) وتتمتع جنوب إفريقيا بتراث طويل من الحلال؛ حيث بدأت عملية إصدار الشهادات في أربعينيات القرن العشرين، وحتى الثمانينيات، وكانت الشهادات مخصصة في المقام الأول للحوم، ثم توسعت لتشمل قطاعات غذائية أخرى. حيث تطورت عملية الإصدار إلى وجود مجموعة كافية من المنتجات الحلال، مع حوالي 80 إلى 90% من المنتجات الحاصلة على شهادات الحلال، مقارنة بنحو 10 إلى 20% في البلدان الإفريقية الأخرى. ولا توجد إحصاءات رسمية عن إنتاج أو مبيعات الأغذية الحلال، لكن الهيئة الوطنية للحلال في جنوب إفريقيا (SANHA) قدرت أنه في عام 2012م، كان 60% من جميع المنتجات الغذائية حاصلة على شهادة الحلال.
وتُقدّر الهيئة أن صناعة الحلال في البلاد تبلغ قيمتها 45 مليار راند (3.22 مليار دولار)، بينما تبلغ قيمتها في بقية إفريقيا أكثر من تريليون راند (71.7 مليار دولار). وكانت أهم العلامات التجارية؛ ناندوز، وبوكومو، وبيف ماستر، وغيرها.([14])
وعلى الرغم من أن الدولة واحدة من أصغر الدول في القارة من حيث عدد السكان المسلمين، إلا أنها أصبحت واحدة من أكبر خمس دول منتجة للمنتجات الحلال في العالم؛ حيث بلغت قيمة صناعة الحلال ما يقرب من 3.3 مليار دولار عام 2017م في جنوب إفريقيا. ([15])
ولا يواجه القطاع الكثير من التحديات، كما يمكن تطوير السياحة الحلال، وهو من شأنه أن يُعزّز قطاع المطاعم، مع وجود محميات طبيعية مملوكة للمسلمين، وحدائق حلال. غير أن الدولة لم تحرص على تطوير قطاعات مستحضرات التجميل والأدوية؛ حيث كان التركيز على قطاع الأغذية. وفي الوقت الذي يتم فيها تصدير 10% من المنتجات الحلال، تخطط البلاد لتوسيع صادراتها الحلال، خاصةً وأن 35% من تجار السلع الاستهلاكية السريعة من المسلمين، مع فرص في قطاع المعالجة الزراعية وخدمات القطاع المصرفي الإسلامي. ([16]) وكان من المقرر أن تستضيف ديربان الجمعية العامة لليوبيل الفضي للمجلس العالمي للحلال (WHC) والمؤتمر الدولي للحلال في أكتوبر 2024م.([17])
المحور الرابع
تحديات وفرص صناعة الأغذية الحلال في إفريقيا جنوب الصحراء
أولاً: تحديات قطاع الأغذية الزراعية والحلال في إفريقيا
وفقًا للمجلس العالمي للحلال، من المتوقع أن تصل سوق الأطعمة الحلال العالمية إلى 1.93 تريليون دولار بحلول عام 2023م. وعلى الرغم من إمكانات النمو، إلا أن قطاع الأغذية الزراعية والحلال في إفريقيا يواجه العديد من التحديات. وتُعدّ البنية التحتية الضعيفة هي قضية رئيسية؛ حيث تفتقر العديد من الدول الإفريقية إلى الطرق والجسور ومرافق التخزين اللازمة لدعم الزراعة على نطاق واسع.
ووفقًا للبنك الدولي، تفتقر العديد من البلدان الإفريقية إلى البنية الأساسية اللازمة لدعم الزراعة واسعة النطاق، مثل الطرق والجسور ومرافق التخزين، مما يجعل من الصعب نقل المحاصيل وتخزينها. ويعد نقص الاستثمار في الزراعة تحديًا آخر. كما أن تأثير تغيُّر المناخ، وتفشّي الآفات والأمراض، والمنافسة من مناطق أخرى يُضيف إلى الصعوبات التي يواجها القطاع. ([18])
ثانيًا: الفرص المتاحة لقطاع الزراعة والأغذية الحلال في إفريقيا
على الرغم من التحديات، هناك العديد من الفرص للنمو والتطوير في قطاع الزراعة والأغذية الحلال في إفريقيا؛ حيث يتزايد الطلب العالمي على المنتجات الزراعية والأغذية الحلال، مما يُوفّر فرصًا للدول الإفريقية لزيادة صادراتها. وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة، من المتوقع أن يتضاعف الطلب على الغذاء في إفريقيا بحلول عام 2050م. مع وجود مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة والمناخ الملائم، كما أن الطبقة المتوسطة الناشئة في العديد من البلدان الإفريقية تدفع الطلب على المنتجات الغذائية المتنوعة وعالية الجودة، مما يُوفّر فرصًا للمنتجين المحليين لتلبية هذا الطلب.
وتتخذ بعض الحكومات الإفريقية خطوات لدعم القطاع. ووفقًا للبنك الإفريقي للتنمية، تلقى قطاع الزراعة الحلال الإفريقي استثمارات بقيمة 3.5 مليار دولار في عام 2018م. كما يعمل نمو السياحة الحلال على دفع الطلب على المنتجات الغذائية الحلال، مما يخلق فرصًا للمنتجين المحليين. وكان من المتوقع أن تحقق سوق السياحة الحلال العالمية إيرادات بقيمة 365 مليار نهاية عام 2023م.([19])
حيث اكتسبت القيم التي يُروّج لها الحلال -المسؤولية الاجتماعية، ورعاية الأرض، والعدالة الاقتصادية والاجتماعية، ورفاهة الحيوان والاستثمار الأخلاقي- اهتمامًا كبيرًا. وبدلًا من التحولات النموذجية في القضايا العالمية مثل الاستدامة وحماية البيئة ورفاهة الحيوان، فإن النمو المحتمل لصناعة الحلال جعلها سوقًا مربحًا.
ويتطلع اللاعبون من كل قطاع من الشركات متعددة الجنسيات الضخمة إلى الشركات الصغيرة، إلى الاستحواذ على حصتهم من هذه السوق المتنامية.
وفي هذا السياق، أطلقت مؤسسة إفريقيا للاقتصاد الإسلامي مبادرة الاقتصاد الحلال باعتبارها الوسيلة الفضية للمساعدة في تلبية الاحتياجات الرئيسية والواسعة النطاق للتنمية البشرية والاجتماعية في إفريقيا. ومع فقدان الكثيرين للإيمان بفعالية الأنظمة الاقتصادية والمالية التقليدية، تُشجّع المبادرة الدور المحتمل للاقتصاد الحلال في توفير إطار تكميلي أو بديل لجهود التنمية. وتُعدّ المبادرة المنصة الأساسية لإفريقيا لتبادل المعرفة والتعاون بشأن الاقتصاد الحلال. وهي تعمل على تعزيز عملها من خلال المنشورات والتعاون والأحداث الافتراضية. وتعمل بشكل مباشر مع الحكومات والشركات في جهودها لجذب الاستثمار وزيادة التجارة والوصول إلى أسواق جديدة. وتضع التركيز الإستراتيجي على الزراعة والتصنيع كأساس للتغيير الهيكلي في إفريقيا. كما أن تطوير المناطق الاقتصادية الخاصة الحلال ومناطق معالجة الصادرات والمتنزهات الزراعية الصناعية ومناطق التجارة الحرة ومراكز الخدمات اللوجستية هو جوهر المبادرة.([20])
ومن خلال معالجة التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة، وبمساعدة منصات التجارة الرقمية، يمكن للمزارعين الأفارقة التواصل مع المشترين والتغلب على الحواجز التجارية والوصول إلى أسواق جديدة، وتساعد OneAgrix مثلاً في حلّ تحديات التجارة من خلال توفير الوصول إلى شبكة عالمية من المشترين وحصة كبيرة من أسواق الأغذية الحلال، وتقديم جميع حلول الدفع والشحن، وبناء المصداقية.
وتعمل المنصة على إحداث ثورة في صناعة الزراعة من خلال مساعدة المزارعين الصغار على التغلب على الحواجز النظامية الرئيسية التي أعاقت قدرتهم على التجارة عالميًّا؛ من خلال رقمنة التجارة، والحصول على الوثائق والشهادات اللازمة، وتوفير منصة للمزارعين لبيع منتجاتهم.
علاوة على ذلك، نفذت حلول تتبع الحمض النووي والتسلسل، والتي تقدم فوائد متعددة للموردين. وتضمن إمكانية التتبع، والتحقق من أصل المنتجات وأصالتها وجودتها. ومن خلال تبنّي النظام البيئي الرقمي، يمكن للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة في إفريقيا التنقل بنجاح في المشهد التجاري العالمي، والاستفادة من سوق الأغذية الحلال المتنامية. وتشمل جهود المنصة العمل مع الحكومة النيجيرية في إطار مبادرة “نيجيريا تُغذِّي العالم”، والشراكة مع المجلس الزراعي الإفريقي لإضفاء الطابع الرسمي على التجارة للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة، وتحديد الفرص التجارية.([21])
خاتمة:
يبدو أن هناك عدة خيارات أمام بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لتوجيه بوصلة إستراتيجيتها التنموية الخاصة، ولا ينقصها سوى الإرادة السياسية؛ حيث تُشكِّل اقتصاديات الحلال، وفي جزء منها صناعة الأغذية الحلال، فرصة لتلك البلدان للتغلُّب على الكثير من المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها كالتغير المناخي، والأمن الغذائي، مستفيدةً مما يتوافر لديها من ميزة نسبية، ويساعدها على تحقيق أمنها الغذائي، بل وتصدير تجربتها.
…………………………..
[1] ) Maria Gul, and etal, International Halal Industry and Its Impact on Global Halal Market (A Historical Review and Future Business Prospect) Journal of Positive School Psychology, 2022, Vol. 6, No. 7, 5890-5907
[2]) researchandmarkets, South Africa Halal Food & Beverage Market Overview, 2027.at: https://www.researchandmarkets.com/reports/5684719/south-africa-halal-food-and-beverage-market?srsltid=AfmBOoqYN4Ce5ZmKUj_uAMiW0z3SiJxj3MEaAuodNgoqV3p5oucoiSD_
[3] ) Elasrag, Hussein, Halal Industry: Key Challenges and Opportunities, MPRA Paper No.pp.5-7.at: https://mpra.ub.uni-muenchen.de/69631/
[4] ) Maria Gul, and etal, Opacity. p.5890.
[5] ) world free zones organization, Overview of the Halal Economy.at: https://afrief.org/halal-economy-initiative-2/
[6] ) Usman Oyebamiji, How Over $100 Billion Dollar Halal Market Can Grow the Nigerian Economy, FEBRUARY 11, 2024.at: https://susafrica.com/2024/02/11/how-over-100-billion-dollar-halal-market-can-grow-the-nigerian-economy/
[7] ) world free zones organization,Op.cit.
[8]) Cognitive Market Research, Middle East and Africa Halal Market Report 2024.at: https://www.cognitivemarketresearch.com/regional-analysis/middle-east-and-africa-halal-market-report?srsltid=AfmBOopS3VRLldIyw8GG9yZDio9pxzhgz54vM5Hkx4NQPeNEjMdBkwqe
[9] ) abriel Malheiros , Africa has growing halal market, Nov, 01, 2023.at: https://www.datamarnews.com/noticias/africa-has-growing-halal-market/
[10] ) Adama Bamba, halal food in multi African society and Muslim Christian Relations Formation: A strategic Vision in Political and Economic Dimension, Humanities and Social Sciences Review, CD-ROM. ISSN: 2165-6258: 07(01):81–94 (2017).
[11] ) Usman Oyebamiji, How Over $100 Billion Dollar Halal Market Can Grow the Nigerian Economy, FEBRUARY 11, 2024.at: https://susafrica.com/2024/02/11/how-over-100-billion-dollar-halal-market-can-grow-the-nigerian-economy/
[12] ) ecofinagency, Op.cit.
[13] ) factocert, how important is Halal Certification.at: https://factocert.com/how-important-is-halal-certification-in-south-africa/
[14] ) https://halaal.org.za/overview-south-africas-halal-food-industry/
[15] ) Dana Sanchez, Halal Economy: South Africa Among Top 5 Global Producers of Halal Products.at: https://moguldom.com/136697/halal-economy-south-africa-among-top-5-global-producers-of-halal-products/
[16] ) https://salaamgateway.com/story/overview-south-africas-halal-food-industry
[17] ) fbreporter, South Africa to host the World Halal Council’s Silver Jubilee General Assembly.at: https://fbreporter.co.za/south-africa-to-host-the-world-halal-councils-silver-jubilee-general-assembly/
[18] ) oneagrix, How Can Africa Conquer Challenges and Capture Market Potential in the Halal Food Industry? https://www.oneagrix.com/blog/post/how-can-africa-conquer-challenges-and-capture-market-potential-in-the-halal-food-industry
[19] ) Idem.
[20] ) world free zones organization,Op.cit.
[21] ) oneagrix,Op.cit.