تمهيد:
يبدو بما لا يدع مجالًا للشك أن أزمات المناخ التي تملأ العيون والآذان والمؤتمرات والدراسات والتحليلات، هي القضية الأبرز التي تطفو على السطح؛ حيث إنها أحدث حِيَل الاستعمار وأساليبه؛ فبعدما سقطت الشيوعية، وأصبحت شماعة الإرهاب غير مُقنِعَة بالدرجة الكافية، برزت أزمات وتداعيات تغيُّر المناخ.
وأيًّا كان لون الاستعمار، أسود أو أزرق، أو أخضر، وحِيَله، ماديًّا أو فكريًّا؛ فهدفه الأخير نهب الثروات وتهميش وإفقار الآخر، واختراع الأزمة وحلّها، وحجب الأخير.
لقد مر على منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كافة ألوان الاستعمار، والنسخة الأخيرة منه الاستعمار الأخضر والإمبريالية المناخية. تلك النسخة بُنِيَت على نظيراتها في العقود السابقة، في تسلسل محكم، وتراتب مثير.
ومن هنا تحاول المقالة بإيجاز استعراض مفاهيم الاستعمار الأخضر والإمبريالية المناخية وتطبيقاتها في إفريقيا جنوب الصحراء من خلال المحورين التاليين:
- المحور الأول: الاستعمار الأخضر: آخر نُسَخ استعمار إفريقيا جنوب الصحراء.
- المحور الثاني: الإمبريالية المناخية وتطبيقاتها في إفريقيا جنوب الصحراء.
- خاتمة وتوصيات.
المحور الأول
الاستعمار الأخضر: آخر نُسَخ استعمار إفريقيا جنوب الصحراء
أولًا: الرأسمالية الخضراء Green Capitalism
اعتمدت أيديولوجيا الرأسمالية البيئية، أو كما تُعرَف بالرأسمالية الخضراء، على تحقيق مبدأين متنافسين: أولهما: رغبة الأعمال التجارية في توليد الأرباح. والمبدأ الآخر يتمثل في الحاجة الملحة لتبنّي إجراءات مناسبة بهدف معالجة البيئة المتضررة نتيجة النشاط البشري.
ويرى منظرون رئيسيون للرأسمالية الخضراء في إطارها المفاهيمي -من أمثال: بول هوكين وليستر براون وفرانسيس كيرنكروس-، أن الفرصة متاحة لتأسيس مقاربة بين الحفاظ على البيئة في ظل مجتمع رأسمالي. وعليه يجب تحمُّل المسؤولية الاجتماعية والقيمية.([1])
ثانيًا: الاستعمار الأخضر (الإمبريالية الخضراء) والاستحواذ الأخضر
يمكن فَهْم الاستعمار الأخضر على أنه امتداد للعلاقات الاستعمارية القائمة على النَّهْب والتجريد، فضلًا عن نزع الصفة الإنسانية عن الآخر، وتحويل التكاليف الاجتماعية والبيئية إلى العصر الأخضر وفترة الطاقة المُتجدِّدة؛ حيث يعتمد الانتقال الحالي غير المتكافئ نحو الطاقات المُتجدِّدة، والذي يحدث بشكل أساسي في دول الشمال، على الاستخراج المستمرّ للمعادن النادرة لتصنيع الألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والشفرات، والبطاريات الكهربائية. والتي تأتي مواردها من دول الجنوب؛ حيث يستمرّ تدمير البيئة واستغلال العمالة. بينما يتمّ الحفاظ على أنماط الإنتاج والاستهلاك العالمية نفسها التي تَستخدم الطاقة بكثافة، والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تُولِّد انعدام المساواة والفقر، فيما يستمرّ نزع الملكية على حاله.([2])
وقد اخترع باحثون مفهوم “الاستحواذ الأخضر”، وهو مفهوم يشير إلى بعض ديناميكيات الاستيلاء على الأراضي التي تتمّ وفق أجندة يُفتَرض أنها خضراء؛ أي: تخصيص الأراضي والموارد لأهداف بيئية مُفترضة؛ بدءًا من بعض مشاريع حفظ البيئة التي تُجرِّد مجتمعات السكان الأصليين من أراضيهم، إلى مصادرة الأراضي الجماعية من أجل إنتاج الوقود الحيوي، إلى زرع محطات الطاقة الشمسية الكبيرة ومزارع الرياح على أراضي الزراعة الرعوية دون موافقة سكّانها والعاملين فيها.([3])
يتمتع السكان الأصليون بحقوق حيازة تغطي 38 مليون كيلو متر مربع من الأراضي عبر 87 دولة، أي أكثر من 40٪ من المناطق المحمية على وجه الأرض. وقد تعرَّضت العديد من سياسات تغير المناخ التي نشأت في الغرب لانتقادات بسبب إدامة التفكير النيوليبرالي والاستعماري. وتُجسِّد سياسات انتقال الطاقة الخضراء التي يُروِّج لها الشمال العالمي للاستعمار الأخضر؛ لأنها تخاطر باستغلال السكان الأصليين ومواردهم.([4])
يتخذ الاستعمار الأخضر أشكالًا مختلفة في بيئات مختلف، ويحدث عندما يحقّق الشمال العالمي مستوى معيشة مرتفعًا من خلال استغلال الصحة والعمالة والأراضي في الجنوب، وأيضًا قد يحدث داخل بلد ما؛ ومع الاستثمار في المزيد من الطاقة المتجددة، وغيرها من أنشطة الحفاظ على البيئة، فإن ذلك يأتي على حساب المجتمعات المهمَّشة. فمثلاً قد يكون هناك مجتمع أصلي اعتمد لفترة طويلة على الغابة لأغراض الطب أو الثقافة أو الصيد، لكنه لم يَعُد قادرًا على القيام بهذه الأنشطة في الغابة بعد الآن؛ حيث يتم إزالتها بالقوة.([5])
ثالثًا: الاستعمار الأخضر والاستعمار الداخلي في إفريقيا
تم ترسيخ الاستعمار الأخضر من خلال برمجة القادة الأفارقة الذين استخدموا ما يسمى بالمعايير الدولية لتعزيز مصالحهم. وباع الاستعمار فكرة البحث عن الاقتصادات الخارجية للحصول على النقود في مقابل المواد الطبيعية والعمالة للنخب المحلية.
وواصل الاستعمار الجديد هذا النمط من البحث عن الاستثمار المباشر الأجنبي الذي يستخرج في المقام الأول العمالة والمواد الخام، ويعطيها النقد الأجنبي الذي يتم تحديد قيمته عن بُعْد. ومن الأمثلة على ذلك: الزراعة النقدية؛ فلقد زرع الاستعمار بذور البحث عن الريع، وسقاها تلاعبات المؤسسات المالية الدولية. كما كانت الديون أداةً لتغيير التصورات التنموية والضغط على البلدان لحملها على الانفتاح أكثر على النهب. ومنح الشركات العابرة للحدود ظروفًا اقتصادية ليبرالية، كما تشارك الحكومات في الاستفادة من منافع هذه الشركات، مما يجعل من المستحيل فرض رقابة تنظيمية صارمة. مما أدى إلى الاستغلال البيئي القاتل، والذي أدَّى بالفعل إلى إنشاء مناطق ميتة.
ولقد ساعد على تعزيز حرية الاستغلال: إنشاء مناطق التجارة الحرة، أو المناطق الاقتصادية الخاصة، ومن بينها: منطقة معالجة الصادرات؛ التي أُنشئت لتعزيز الصادرات الصناعية والتجارية. وكمحفزات لجذب الاستثمار. وتشير التقارير إلى وجود أكثر من 200 منطقة اقتصادية خاصة منتشرة في 38 دولة إفريقية. وما لا يقل عن 56 منطقة قيد الإنشاء، وأن مناطق أخرى لا تزال في مرحلة مبكرة من التطوير. وتبلغ مساحة الأراضي المخصَّصة للمناطق الاقتصادية الخاصة في إفريقيا نحو 150 ألف هكتار، في حين تم حشد أكثر من 2.6 مليار دولار استثمارات في معالجة المنتجات الزراعية، والتصنيع، والخدمات.
كما كان نظام الاستخراج من أجل النقد الأجنبي قصة لا تنتهي، وتساعد مبادئ حقوق الإنسان الطوعية السطحية، ومبادرات الشفافية، الشركات على إضفاء اللون الأخضر على أنشطتها، وتصدير المشكلات عبر السياسيين الفاسدين.
وفي حالة التنافس على النفط والغاز في إفريقيا، يرى القادة أن الفرصة سانحة للاستفادة من المشاريع السريعة؛ بما يعزز من قدرة شعوبهم على الوصول إلى الطاقة، على الرغم من أن عقودًا من الاستخراج لم تُسْفِر إلا عن الدمار البيئي والفقر. كما أدى التركيز على التجارة الاستعمارية إلى بناء “اقتصاد الفودو”، وهي ديناميكية تُرسِّخ ثقافة الريع أو التبعية؛ حيث تعتمد البلدان الإفريقية على الشركات الاستخراجية متعددة الجنسيات لتحقيق الإيرادات الوطنية.
كما أن خرائط الموارد الطبيعية والصراعات في القارة تتداخل بشكلٍ مثالي تقريبًا؛ فلقد تم دعم الاستغلال مِن قِبَل الجيوش الوطنية، وشركات الأمن الخاصة والمرتزقة. ويتم الاستخراج حرفيًّا خلف الدروع العسكرية، متجاهلين حقوق الإنسان وحقوق المجتمعات. وأبرز مثال على هذا: الموقف المقلق المتمثل في الدفع اللامتناهي نحو الوقود الأحفوري في مواجهة الانحباس الحراري، ما تقوم به شركة توتال الفرنسية، وهي أبرز مثال على الإمبريالية الأحفورية fossil imperialism.([6])
لقد حوّلت أوروبا أزمة الطاقة إلى ثورة طاقة نظيفة في اللحظات الأخيرة؛ حيث خلق التدخل الروسي في أوكرانيا تدافعًا عاجلاً نحو تقليل الاعتماد على واردات الطاقة الروسية. لكنَّ المشكلة التي تعترض السعي نحو الطاقة النظيفة تتمثّل في أن مناخ أوروبا لا يكفي لتحقيق ما تحتاجه القارة، ما يجعلها تتجه إلى إفريقيا لاستغلال مناخها، وهو ما يُعيد العلاقة إلى المربع التاريخي، ولكنْ هذه المرة استعمار أخضر بوَجْه مُعتم.([7])
ومع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية في أوروبا، تجني النرويج الكثير من الأموال. فهي ثاني أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا، وقد وافقت على زيادة صادرات الغاز الطبيعي بمقدار 2 مليار متر مكعب لتخفيف النقص الحاد في الطاقة في القارة. ومع ذلك، وحتى مع قيام النرويجيين الأثرياء بحساب أرباحهم بفضل ارتفاع الأسعار والصادرات المزدهرة؛ تعمل حكومتهم بجد لمنع بعض أفقر دول العالم من إنتاج الغاز الطبيعي الخاص بها. جنبًا إلى جنب مع سبع دول أخرى كانت النرويج تضغط على البنك الدولي لوقف تمويل جميع مشاريع الغاز الطبيعي في إفريقيا وأماكن أخرى بحلول عام 2025م، وحتى ذلك الحين فقط في “ظروف استثنائية”، كما يوضح بيان غير منشور للمجموعة، اطلعت عليه فورين بوليسي. وفي مؤتمر المناخ COP26، ذهبت 20 دولة إلى أبعد من ذلك؛ حيث تعهَّدت بوقف جميع التمويل لمشاريع الوقود الأحفوري في الخارج بدءًا من العام المقبل. وتقترح أن يقوم البنك الدولي بتمويل حلول الطاقة النظيفة في العالم النامي “مثل الهيدروجين الأخضر وشبكات الطاقة الصغيرة الذكية”.
وهذه الفكرة ربما أكثر تكنولوجيا الطاقة تعقيدًا وتكلفة، وهي فكرة سخيفة. حتى الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح -إذا تم بناؤها بسرعة كافية- لا يمكن أن تُغذِّي التنمية في الجنوب العالمي بدون طاقة احتياطية باستخدام الوقود الأحفوري، والذي يُعدّ الغاز أنظفها على الإطلاق.
وفي إفريقيا، التي لديها حقول غاز كبيرة، وتضم أفقر دول العالم؛ فإن حظر تمويل مشاريع الغاز من شأنه أن يُنْهِي عمليًّا دعم البنية الأساسية للطاقة الحيوية اللازمة لدعم التنمية الاقتصادية ورفع مستويات المعيشة، والبنية التحتية. ويعيش أكثر من 400 مليون شخص في إفريقيا على أقل من دولارين في اليوم. واحتياجاتهم أعظم من أن تُلبّيها تكنولوجيات الطاقة الخضراء وحدها، والتي هي أيضًا باهظة التكلفة بالنسبة لمالية هذه الحكومات.
وفي الوقت نفسه، يتحمَّل أكثر من مليار شخص في 48 دولة في إفريقيا جنوب الصحراء مسؤولية أقل من 1% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية. وحتى لو ضاعفت هذه الدول توليد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي فقط، وهي نتيجة غير محتملة؛ نظرًا للموارد المتجددة في إفريقيا، مثل الطاقة الكهرومائية؛ فإن الانبعاثات العالمية لن تزيد إلا بنحو 1%. ومن ناحية أخرى، فإن حرمان هؤلاء المليار شخص من الوصول إلى المزيد من الكهرباء يزيد من احتمالات بقائهم فقراء، وبالتالي جعلهم أكثر عُرضة للاحتباس الحراري الذي تتحمل البلدان الغنية المسؤولية عنه إلى حد كبير.([8])
رابعًا: الاستعمار الأخضر 2.0 Green Colonialism 2.0
لقد ساهمت إفريقيا بأقل قدر من الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للانحباس الحراري، ومع ذلك فهي الأكثر تضررًا من أزمة المناخ وآثارها؛ فلقد شهدت بالفعل خسائر كبيرة في الأرواح وفقدان التنوع البيولوجي، ونقص المياه، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وكلها مرتبطة بشكل مباشر بتغيُّر المناخ. في عام 2022م، خلّفت الأحداث المناخية المتطرفة دمارًا في كلّ منطقة من القارة، بدءًا من الجفاف الشديد في إثيوبيا إلى الفيضانات الكارثية في جنوب إفريقيا.([9])
يتناول الاستعمار الأخضر 2.0؛ مزارع الأشجار وتعويضات الكربون في إفريقيا. ومنصة التأثير الحرجي الإفريقي (AFIP) التي تموّلها مؤسسات تمويل التنمية الأوروبية وشركات النفط اليابانية وشركة استثمار أسترالية. وتُجسِّد المنصة “الاستعمار الأخضر” الذي يُروّج له الرئيس الكيني روتو، ما يفتح الباب لمزيد من استخراج موارد إفريقيا.
وعلى الرغم من ادعاء المنصة بتعزيز “الحلول القائمة على الطبيعة”، فإن نمطًا مزعجًا من الاستغلال والتضليل البيئي يؤكد على استثماراتها وأصحاب المصلحة والداعمين الماليين. أول استحواذ لمنصة التأثير الحرجي الإفريقي هو Green Resources، وهي شركة نرويجية لزراعة الغابات وائتمان الكربون، هي شركة سيئة السمعة نظرًا لتاريخها في الاستيلاء على الأراضي، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتدمير البيئي في جميع أنحاء أوغندا وموزمبيق وتنزانيا.
كما أن ترويج كينيا لأسواق الكربون الطوعية يتجاهل عيوبها الأساسية. وعلى مدى أكثر من عقدين، فشلت هذه الأسواق فشلًا ذريعًا في الحد من انبعاثات الكربون، بل تسببت في إحداث دمار اجتماعي؛ من خلال التسبب في عمليات الإخلاء القسري وفقدان سبل العيش والعنف. وتنتشر صراعات المصالح والاحتيال والمضاربة في هذه الأسواق، في حين يؤدي توسُّع مخططات تعويض الكربون وزراعة الأشجار إلى مصادرة أراضي المجتمعات المحلية لتوليد الأرباح.([10])
ومن المثير للاهتمام أن السعي الدؤوب من جانب بعض المنظمات غير الحكومية والمؤسسات والحكومات الغربية لحماية الطبيعة الإفريقية لا يستلهم فقط المخاوف البيئية والمناخية، بل يميل أيضًا غالبًا إلى نشر صورة زائفة لإفريقيا باعتبارها آخر جنَّة على وجه الأرض من أجل السيطرة على مواردها. فبعض تلك المنظمات وحكوماتها تتآمر أحيانًا مع بعض الحكومات الإفريقية لنشر الرأسمالية العالمية والاستعمار الأخضر بحجة التنمية المستدامة المتناقضة، في محاولتها الحفاظ على جنة إفريقية أسطورية. مثل هذه المنظمات وحكوماتها تفرض وتدعم أحيانًا (إنشاء مناطق محمية) كما في حوض الكونغو كوسيلة خفية لاستقطاب طبيعة إفريقيا والأفارقة إلى الرأسمالية الليبرالية الجديدة. وفي أغلب الأحوال، بدلًا من حماية حوض الكونغو، يبيع المستعمرون الخضر وأنصار التنمية المستدامة، ويقوضون السبل البديلة لتحقيق السعادة البشرية، ويقتلون المعرفة، مما يؤدي إلى تفشي الفقر وازدياد الاستياء بين السكان المحليين.([11])
المحور الثاني
الإمبريالية المناخية وتطبيقاتها في إفريقيا جنوب الصحراء
أولًا: مفهوم الإمبريالية المناخية Climate imperialism
يُشار إليها أحيانًا باسم الاستعمار المناخي، ويمكن فهمها في سياق الدول الأوروبية التي أنشأت إمبراطوريات شاسعة خلال عصر الإمبريالية، ومع توسعها واستعمارها خلقت مآسي إنسانية وحالات استغلال هائلة. وهو ما نراه اليوم في سياق أزمة المناخ؛ فدول الشمال التي خلقت –تاريخيًّا- أكبر انبعاثات للغازات المسببة للانحباس الحراري، مما وضع أكبر قدر من الضغط على الناس في الجنوب لإحداث التغيير. وإخبار الناس في الجنوب بأنه لا يُسمح لهم بتنمية اقتصاداتهم؛ لأنهم سيزيدون من تفاقم أزمة المناخ. في الوقت الذي تقوم فيه الشركات والدول من الشمال باستغلال شعوب وأراضي الجنوب أيضًا من أجل الوصول إلى الموادّ اللازمة للثورة الخضراء!([12])
إن تغير المناخ يعبر عن أنماط جديدة من الهيمنة والتبعية ويولدها. وكما هو الحال مع جميع أشكال الإمبريالية؛ حيث كانت الإمبريالية الكلاسيكية مدفوعة بشكل مباشر بالمصالح الإستراتيجية للقوى المهيمنة؛ فإن الإمبريالية المناخية غير مباشرة، وتعمل التسلسلات الهرمية المكانية في ظل تغير المناخ على إعادة توجيه أشكال التقسيم الطبقي القائمة مسبقًا، بين الدول وبين النخب والمتنافسين. كما تتغير العلاقات العالمية؛ حيث تضع الإمبريالية المناخية أطرافها كمناطق تضحية، مهجورة لتقلبات اضطراب المناخ والفيضانات. وعلى نحو مماثل، يتغير منطق مكافحة الإمبريالية، ويجد أسسًا جديدة بين المجتمعات المُعرَّضة لخطر تغير المناخ والحركات الاجتماعية الداعية إلى العدالة المناخية، والتي تتمركز عبر الانقسامات بين الشمال والجنوب.([13])
وقد شهد القرن التاسع عشر العديد من مثل هذه الصراعات في التوسع الاستعماري إلى أراضٍ أخرى، في محاولة لإرساء السيطرة على الأراضي المادية مع المزايا المصاحبة لها. كانت الحروب في أواخر القرن العشرين مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسيطرة على مصادر الطاقة مثل النفط. وقد يشهد القرن الحادي والعشرين حروبًا متزايدة على المياه. ولقد أصبح التغيير الناتج عن الانقسامات البشرية في عملية التمثيل الغذائي لنظام الأرض يُحدّد مجال الصراع على النفوذ والسيطرة والاستيلاء. إن هذه السمة الخاصة للرأسمالية العالمية اليوم وارتباطها بالإمبريالية أصبحت أكثر وضوحًا في: (1) كيف تتمكن البلدان والنخب الأساسية من الإنتاج والاستهلاك على أساس أسلوب حياة إمبريالي، مما يُولّد انبعاثات كربونية عالمية متزايدة مع بصمات بيئية متزايدة؛ (2) الطرق الخادعة والضعيفة التي يتم بها معالجة تغيُّر المناخ في المفاوضات الدولية؛ (3) عمليات التمويل العالمي التي تزيد من انبعاثات الكربون بينما تفشل في توفير التمويل المطلوب لإستراتيجيات التخفيف الفعالة؛ (4) احتكارات المعرفة المخصصة التي تمنع معظم البشرية من القدرة على الوصول إلى التقنيات الحاسمة المطلوبة لمواجهة تحدي المناخ؛ و(5) المتطلبات التكنولوجية المتغيرة لكل من التخفيف والتكيف، والتي تؤدي إلى المزيد من الاستيلاء على الموارد الطبيعية التي تستهدف بشكل خاص المعادن الإستراتيجية. ولا تشكل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء سوى 2%([14]) من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم من عام 1750 إلى عام 2020م.([15])
تاريخيًّا، تتحمل البلدان المتقدمة ما يقرب من 80% من الانبعاثات الكربونية التراكمية من عام 1850 إلى عام 2011م. وهذه الانبعاثات المُسبِّبة للانحباس الحراري العالمي هي المساهم الرئيسي في تأثيرات تغير المناخ التي يواجهها العالم. وهي في الأساس نتيجة للاستغلال المفرط وإساءة استخدام الكوكب مِن قِبَل مجموعة صغيرة من البلدان الغنية الآن، والتي تمثل اليوم حوالي 14% من سكان العالم.
وتشعر البلدان النامية بآثار هذه التأثيرات المناخية بشكل غير متناسب، وهي أقل قدرة على التعامل مع عواقبها. إن الالتزامات الصافية الصفرية للمستقبل التي قدمتها البلدان الغنية لا تذكر صراحة التأثير السلبي الهائل حقًّا لمسارات النمو السابقة الخاصة بها. وفي المفاوضات الدولية بشأن معالجة تغير المناخ، نجحت الاقتصادات المتقدمة في تحويل الشروط بعيدًا عن أيّ مفاهيم تتعلق بالمسؤولية التاريخية وديون المناخ، والتركيز بدلًا من ذلك فقط على مستويات الانبعاثات الحالية. ولا يوجد أيضًا أيّ اعتراف بالحاجة إلى تعويض البلدان الأكثر تضررًا بتغير المناخ بالفعل، والتي عانت من خسائر وأضرار واسعة بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر، وأحداث مناخية أكثر تطرفًا، وتدهور إمكانيات الزراعة.([16])
كما أن الكيفية التي تعمل بها التمويلات العالمية والإستراتيجيات المالية للدول الكبرى على زيادة انبعاثات الكربون، في حين تفشل في توفير التمويل المطلوب لإستراتيجيات التخفيف الفعّالة. وكانت التزامات خدمة ديون الدول الفقيرة ضخمة؛ حيث بلغت ضعف مبلغ الإنفاق الاجتماعي (مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية).([17])
ثانيًا: الإمبريالية المناخية في إفريقيا جنوب الصحراء
تُعدّ إفريقيا جنوب الصحراء الأكثر عرضة لتغير المناخ؛ حيث إن الاحتباس الحراري سيكون أكبر من المتوسط العالمي، والزراعة التي تعتمد بشكل أساسي على الأمطار، هي المصدر الأساسي لمعيشة المجتمعات الريفية. وتكشف نظرة سريعة على الأدبيات المتاحة أن العديد من الأبحاث أُجريت حول تغيُّر المناخ في إفريقيا، ولكن دون اهتمام واضح بالعواقب المترتبة على الاستعمار والاستعمار الجديد على تغير المناخ. وتكتشف أن الفترة الاستعمارية في إفريقيا (1880-1960م) تميزت بتغيير الأساليب الأصلية للتخفيف من الكوارث البيئية. كما استخرجت القوى الأوروبية الموارد الطبيعية لصالحها الاقتصادي، وغالبًا مع القليل من الاهتمام بالبيئة والمجتمعات المحلية في إفريقيا. مع تغيُّر مسار الاستعمار الجديد (1961-2024م) مع الاستعمار، ولا يزال استغلال البيئة في إفريقيا جنوب الصحراء من خلال أنشطة القوى الاستعمارية السابقة والشركات متعددة الجنسيات قائمًا.([18])
وكانت الحلول المقترحة كنهج سوق الكربون -بما في ذلك أنظمة تداول الانبعاثات وضرائب الكربون- غير مُهِمّ في مواجهة الانبعاثات المتزايدة؛ حيث يُعالج جانبًا واحدًا فقط من التدهور البيئي، ويتجاهل التأثيرات المستدامة، ويترك قضايا أكبر من الفقر والتخلف دون معالجة. وقد ثبت أن معايير الانبعاثات الصفرية الصافية غير قادرة على تقليل الانبعاثات بشكل فعَّال، أو تثبيت عزل الكربون أو زيادة احتجاز الكربون وتخزينه اللازم لإزالة الكربون. كما تم الكشف عن الحلول القائمة على الطبيعة باعتبارها متناقضة، وتفتقر إلى أجندة شاملة، مما يسمح باستخدامها كذريعة للوقود الأحفوري والمشاريع الصناعية واسعة النطاق.
إن جهود النمو الأخضر وفك الارتباط التي تهدف إلى دمج السياسات والبرامج الخضراء في النموذج الاقتصادي الرأسمالي أثبتت أنها غير مُبتكَرة وغير عملية مثل الحلول الأخرى المستكشفة.([19])
كان ميناء لوبيتو القلب الاقتصادي لحكم البرتغال في أنغولا، إلى جانب خط سكة حديد بنغيلا المتعرج، والذي بدأ العمل لأول مرة في أوائل القرن العشرين. وعلى مدار جزء كبير من القرن العشرين، كانت لوبيتو مركزًا لتصدير السلع الزراعية والمعادن المستخرجة من حزام النحاس في إفريقيا إلى أوروبا.
واليوم، يظل حزام النحاس منطقة غنية بالموارد تضم معظم الكونغو الديمقراطية وشمال زامبيا. بعد نصف قرن من انتهاء السيطرة الاستعمارية، يغرس الاستعمار الجديد خطافه الآن في لوبيتو. لقد أصبح ميناؤها وخط سكة حديد بنغيلا، الذي يمر على طول ما يُعرَف بممر لوبيتو، نواة رئيسية لجهود الصين والعالم الغربي للانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة في عالمنا الجديد الساخن.
ويُعتقد أن منطقة جنوب الصحراء وحدها تحتوي على 30٪ من إجمالي احتياطيات المعادن الحيوية في العالم. وتشير التقديرات إلى أن الكونغو مسؤولة عن 70٪ من إنتاج الكوبالت العالمي وحوالي 50٪ من احتياطيات العالم. في عام 2024م، تعهدت الصين بـ4.5 مليار دولار لمناجم الليثيوم الإفريقية وحدها و7 مليارات دولار أخرى للاستثمار في البنية التحتية لتعدين النحاس والكوبالت. في الكونغو، على سبيل المثال، تسيطر الصين على 70٪ من قطاع التعدين. بعد تأخرها عن استثمارات ذلك البلد في إفريقيا لسنوات، تبحث الولايات المتحدة الآن عن تعويض الأرض.
يقع مكتب شركة كوبولد ميتالز في وسط مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا، وهو أبعد ما يكون عن مناجم زامبيا القذرة. ويعمل فريق من روَّاد الأعمال في مجال التكنولوجيا بجدّ لتحديد موقع عملية التعدين الكبيرة التالية في زامبيا باستخدام الذكاء الاصطناعي. بدعم من المليارديرين بيل جيتس وجيف بيزوس، تروج كوبولد لنفسها باعتبارها آلة وادي السيليكون الخضراء، ملتزمة بالتحول العالمي نحو الطاقة الخضراء.
وأوضح الرئيس التنفيذي للشركة في زامبيا، لصحيفة فاينانشال تايمز في عام 2024م: “أي شخص يعمل في مجال الطاقة المتجددة في العالم الغربي… يبحث عن النحاس والكوبالت، وهما عنصران أساسيان لصنع المركبات الكهربائية”. و”سيأتي هذا من هذا الجزء من العالم وأقصر طريق لاستخراجهما هو لوبيتو”.
كما تُعدّ مناجم كونكولا للنحاس (KCM) اليوم أكبر مُنتِج للخام في زامبيا؛ حيث تستخرج ما مجموعه مليوني طن من النحاس سنويًّا. يبلغ طول نهر كافوي أكثر من 1500 كيلو متر، مما يجعله أطول نهر في زامبيا وربما أكثرها تلوثًا الآن. من الشمال إلى الجنوب، تتدفق مياهه عبر حزام النحاس، حاملة معها الكادميوم والرصاص والزئبق من المنجم. في عام 2019م، رفع آلاف القرويين الزامبيين دعوى قضائية ضد شركة فيدانتا، زاعمين أن شركة KCM التابعة لها سمَّمت نهر كافوي، وتسببت في أضرار لا يمكن التغلب عليها لأراضيهم. ثم وجدت المحكمة العليا البريطانية أن شركة فيدانتا مسؤولة، وأُجبرت الشركة على دفع تسوية غير مُعلَنة، ربما بملايين الدولارات. ولكن من المؤسف أنه على الرغم من هذا النصر القانوني المهم، لم يتغير الكثير في زامبيا؛ حيث تظل اللوائح البيئية ضعيفة، ويكاد يكون من المستحيل فرضها.([20])
ثالثًا: تكاليف وخسائر التغير المناخي في إفريقيا جنوب الصحراء
وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية تأثر أكثر من 110 ملايين شخص في إفريقيا بشكل مباشر بالمخاطر المتعلقة بالطقس والمناخ والمياه في عام 2022م. منذ بداية عام 2023م، شهدت القارة خمس كوارث جوية كبرى. في إثيوبيا وكينيا والصومال، دفعت مواسم الأمطار المتتالية من عام 2020 إلى عام 2022م القرن الإفريقي إلى شفا المجاعة، وشرَّدت الملايين قبل أن تغمر الأمطار التي طال انتظارها المنازل والأراضي الزراعية في جميع أنحاء المنطقة خلال أحداث الطقس المتطرفة في مارس 2023م.
لقد شهدت منطقة غرب ووسط إفريقيا واحدة من أسوأ كوارث الفيضانات المسجلة، مما أسفر عن مقتل الآلاف وتشريد الملايين في 20 دولة، قبل أن يضرب الإعصار المداري “فريدي” مالاوي وموزمبيق ومدغشقر في أوائل عام 2023م. وجلبت أشهر الصيف موجة حر خانقة؛ حيث فرضت درجات الحرارة المرتفعة مخاطر صحية شديدة في معظم أنحاء القارة. تؤكد آثار ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفيضانات أن البشرية تتخلف عن الركب في سباقها ضد تغيُّر المناخ العالمي، ولا يوجد مكان تظهر فيه التأثيرات المدمرة على سبل العيش والرفاهية بشكل أكثر وضوحًا وإدراكًا وتجربة من إفريقيا. في حين أن القارة ساهمت بشكل ضئيل في انبعاثات الكربون العالمية؛ إلا أنها تبرز بشكل غير متناسب باعتبارها المنطقة الأكثر ضعفًا في العالم.
إن أزمة المناخ الحالية هي تداعيات واستمرار لنهب القارة مِن قِبَل رأس المال العالمي، مدعومًا بطبقة حاكمة رجعية متواطئة. يُوصَف تمويل المناخ بأنه برنامج غسيل أخضر بدأته البلدان المتقدمة ونفَّذته مؤسسات دولية للتعويض عن تكاليف التكيف مع المناخ. لكن الحقيقة هي أن مخططات الإقراض هذه تعطي أملًا كاذبًا في التحسن في شكل إكسير منوم يسمى التنمية. وبدلًا من دعم الإنذار المبكر والتخفيف من خلال القدرات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية، أصبحت سياسات المناخ العالمية النيوليبرالية وسيلة لتحويل إفريقيا إلى سوق خضراء ومصدرًا للمواد الخام للإنتاج العالمي لمنتجات المناخ، فضلًا عن منطقة لاستخراج الوقود الأحفوري المستمر. إن القروض والاستثمارات المخصصة للتحول في مجال الطاقة والتكيف مع المناخ تعمل على تعميق الديون وتعزيز الاعتماد.([21])
كان عام 2023م من بين الأعوام الثلاثة الأكثر دفئًا في السجل الذي استمر 124 عامًا في إفريقيا. وكان متوسط درجة الحرارة أعلى بمقدار 0.61 درجة مئوية من متوسط الفترة 1991-2020م، وأعلى بمقدار 1.23 درجة مئوية من خط الأساس طويل الأمد للفترة 1961-1990م. وارتفعت درجة حرارة القارة الإفريقية بمعدل أسرع قليلًا من المتوسط العالمي، بنحو +0.3 درجة مئوية لكل عقد بين عامي 1991 و2023م. وكان الاحترار أسرع في شمال إفريقيا، بنحو +0.4 درجة مئوية لكل عقد بين عامي 1991 و2023م، مقارنة بنحو +0.2 درجة مئوية لكل عقد بين عامي 1961 و1990م.
وشهدت منطقة الجنوب أدنى اتجاه للاحترار مقارنة بالمناطق الفرعية الأخرى، بنحو +0.2 درجة مئوية لكل عقد بين عامي 1991 و2023م. وأبلغت عدة دول، بما في ذلك مالي والمغرب وجمهورية تنزانيا المتحدة وأوغندا، عن أحرّ عام لها على الإطلاق. وأثَّرت موجات الحر الشديدة في يوليو وأغسطس على شمال إفريقيا. ووصلت تونس العاصمة إلى رقم قياسي بلغ 49.0 درجة مئوية، ووصلت أكادير بالمغرب إلى أقصى درجة حرارة جديدة بلغت 50.4 درجة مئوية.
كان للظواهر المناخية المتطرفة بما في ذلك الفيضانات والجفاف تأثير كبير على الأمن الغذائي. وكان إنتاج الحبوب في شمال إفريقيا في عام 2023م أقل بنحو 10% من متوسط السنوات الخمس المقدر بنحو 33 مليون طن في عام 2023م، وهو ما يشبه حصاد العام السابق الذي عانى بالفعل من الجفاف. وكانت تونس الأكثر تضررًا.
وأدى هطول الأمطار غير المنتظم والحالة العامة لانعدام الأمن إلى إبقاء إنتاج الحبوب عند مستويات أقل من المتوسط في الأجزاء الشمالية من المنطقة الفرعية، بما في ذلك السودان وجنوب السودان ومنطقة كاراموجا في أوغندا وإريتريا وإثيوبيا ووسط وغرب كينيا. وفي السودان، كانت الأمطار الموسمية أقل من المتوسط ومتقلبة زمنيًّا، مع فترات جفاف مطولة. ومن المتوقع أن ينخفض إنتاج الذرة الرفيعة والدخن بنحو 25٪ و50٪ على التوالي، مقارنة بعام 2022م.([22])
في المتوسط، تخسر البلدان الإفريقية ما بين 2 و5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحول العديد منها ما يصل إلى 9% من ميزانياتها للاستجابة للظواهر المناخية المتطرفة. وتقدر تكلفة التكيف بما بين 30 و50 مليار دولار سنويًّا على مدى العقد المقبل، أو 2-3% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وفقًا لتقرير حالة المناخ في إفريقيا 2023م الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وبحلول عام 2030م، من المتوقع أن يتعرض ما يصل إلى 118 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع (يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم) للجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة إذا لم يتم وضع تدابير استجابة مناسبة. وسيفرض هذا أعباء إضافية على جهود التخفيف من حدة الفقر ويعيق النمو بشكل كبير. وتحتاج البلدان الإفريقية إلى إعطاء الأولوية لزيادة الاستثمار في الخدمات الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا، وتسريع تنفيذ مبادرة الإنذار المبكر للجميع لإنقاذ الأرواح وسبل العيش. “ومن شأن هذا أن يساعد في تخفيف المخاطر وبناء القدرة على التكيف، وتعزيز المرونة على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية وتوجيه إستراتيجيات التنمية المستدامة.([23])
ويتعين على البلدان الغنية أن تتابع اتفاقها من خلال تمويل صندوق الاستجابة للخسائر والأضرار، وهو الصندوق الدولي الرئيسي الذي يعالج الأضرار التي لا مفرّ منها الناجمة عن تغير المناخ. وحتى الآن، تعهدت هذه البلدان بأقل من 700 مليون دولار من أصل 400 مليار دولار تقدر البلدان ذات الدخل المنخفض أنها بحاجة إليها لتغطية الخسائر والأضرار بحلول عام 2030م.([24])
خاتمة وتوصيات:
على الرغم من مساهمتها الأقل في انبعاثات الكربون العالمية، فإن إفريقيا تتحمل بعضًا من أسوأ عواقب أزمة المناخ. ومع ذلك، فإن ما يسمى بالحلول التي طرحتها الجهات الفاعلة في الشمال العالمي -مزارع الأشجار وتعويضات الكربون- ليست أكثر من استمرار لنفس النموذج الاستغلالي للاستعمار الذي غذى هذه الكارثة البيئية. وباستغلال أزمة المناخ لصالحها، أعادت هذه الكيانات تسمية هذه الأنشطة الاستخراجية بأنها “خضراء”. وفي جوهر الأمر، وجد الشمال طريقة جديدة لاستخراج الأرباح من إفريقيا. من أجل مستقبل مناخي عادل، يتعيَّن على البلدان الصناعية الغنية وشركات الوقود الأحفوري التوقف عن دفع هذه الحلول الزائفة المدمرة والاعتراف بدورها في التسبب في أزمة المناخ. وفي سبيل القيام بذلك، يتعين عليها أيضًا تحمُّل المسؤولية عن دفع تعويضات المناخ لإفريقيا، بما في ذلك الخسائر والأضرار التي تكبَّدتها بالفعل؛ بسبب تأخيرها في اتخاذ إجراءات مناخية حقيقية.
إن دول الشمال الأوروبي وغيرها من الدول الغنية تراهن على تحقيق طموحاتها المناخية دون الحاجة إلى سياسات أكثر صرامة في الداخل. ومن المغري للغاية بالنسبة لقادة الدول الغنية -بما في ذلك تلك التي تنتج كميات كبيرة من النفط والغاز- أن يفرضوا قيودًا على الآخرين. إن ملاحقة طموحات المناخ على حساب أفقر الناس في العالم ليس مجرد نفاق؛ بل إنه غير أخلاقي وغير عادل، ويمثل الاستعمار الأخضر في أسوأ صوره.
في حين ينبغي السعي لمواصلة إضافة القدرة على الطاقة المتجددة وتنفيذ برامج الحفاظ على البيئة، ينبغي لصناع السياسات وقادة المشاريع أن يفعلوا ذلك بالتعاون مع المجتمعات الأصلية، التي كانت ترعى وتدافع عن النظم البيئية في جميع أنحاء العالم لقرون.
هناك أيضًا حاجة مُلحَّة إلى “العدالة المناخية” و”الانتقال العادل”. وهذا يعترف بأن تغير المناخ له تأثيرات اجتماعية واقتصادية وصحية عامة مختلفة على المجموعات المحرومة أو الأقليات. ويجب معالجة هذه التفاوتات من خلال إستراتيجيات التخفيف والتكيف طويلة الأجل.
ولا بد أن يتم إنشاء برامج الطاقة المتجددة والحفاظ عليها بالتعاون مع المجتمعات الأصلية، ولا بد أن يتم تشجيع مشاركتها النشطة. وهذا يستلزم دمج المعرفة الأصلية التي تُعدّ حيوية لتنفيذ أنظمة حماية بيئية مرنة.
………………………………………
[1]) آلاء الله أحمد عبد الرحمن عميرة، “الرأسمالية الخضراء والتنمية المستدامة في الفلسفة الأيكولوجية وانعكاسها في الفن المعاصر”، بحوث في التربية الفنية والفنون (حلوان: كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، المجلد 22، العدد 1، 2021م) ص106.
[2]) حمزة حموشان، تفكيك الاستعمار الأخضر وتعريته: نحو انتقال عادل في شمال إفريقيا. 2023\3\2. متاح على الرابط:
https://aub.edu.lb/critical-development/Pages/Dismantling-Green-Colonialism-arabic.aspx
[3]) حمزة شومان وكآيتي ساندويل (محررون)، تحدّي الرأسمالية الخضراء (الجيزة: دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات، 2024م). ص ص52-53.
[4]) Millie May, What Is ‘Green Colonialism’ And How Do We Decolonise Policy?.at: https://climatalk.org/2024/05/23/what-is-green-colonialism-and-how-do-we-decolonise-policy/
[5]) earth, Explainer: What Is Green Colonialism? https://earth.org/green-colonialism/
[6]) Nnimmo Bassey, Green and Internal Colonialism in Africa.at:
https://globaldialogue.isa-sociology.org/articles/green-and-internal-colonialism-in-africa
[7]) مركز الروابط للبحوث الدراسات الإستراتيجية: الاستعمار الأخضر: وجه معتم للاستثمار في الطاقة المتجددة في إفريقيا، 8 مارس 2023م. متاح على الرابط: https://rawabetcenter.com/archives/158719
[8]) Vijaya Ramachandran, Rich Countries’ Climate Policies Are Colonialism in Green. Nov 3, 2021.at: https://foreignpolicy.com/2021/11/03/cop26-climate-colonialism-africa-norway-world-bank-oil-gas/
[9]) The Oakland Institute, Green Colonialism 2.0: Tree Plantations and Carbon.at: https://www.oaklandinstitute.org/green-colonialism-two-carbon-offsets-africa
[10]) https://www.oaklandinstitute.org/green-colonialism-two-carbon-offsets-africa
[11]) Nsah, Kenneth Toah. 2023. Conserving Africa’s Eden? Green Colonialism, Neoliberal Capitalism, and Sustainable Development in Congo Basin Literature. Humanities 12-38:. https://doi.org/10.3390/ h12030038
[12]) https://www.irishevs.com/stop-engaging-in-climate-imperialism
[13]) James Goodman, Three worlds of climate imperialism? Prospects for climate justice.at:
https://www.taylorfrancis.com/chapters/edit/10.4324/9780429470325-22/three-worlds-climate-imperialism-james-goodman
[14]) سبق وذكر أن إفريقيا مسؤولة عن أقل 1% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، ولكن نسبة 2% هي تراكمية للفترة المذكورة، وفي مصادر أخرى ذُكر أنها مسؤولة عن أقل من 5% من تلك الانبعاثات.
[15]) Jayati Ghosh, Shouvik Chakraborty and Debamanyu Das, Climate Imperialism in the Twenty-First Century. (Jul 01, 2022).at:
[16]) Idem.
[17]) uwc.ac.za, The Poor Suffer Most from Climate Imperialism: The Case for Coordinated Strategies Across the Global South.at: https://www.uwc.ac.za/news-and-announcements/news/the-poor-suffer-most-from-climate-imperialism-the-case-for-coordinated-strategies-across-the-global-south
[18]) Kanu, Ikechukwu Anthony. 2024.“Colonialism, Neo-colonialism, and Environmental Crisis in Sub-Saharan Africa”. in Alternative Spiritualities of Celebration, Resistance, and Accountability: Engaging Our Colonial and Decolonial Contexts. Cambridge, MA.
[19]) achary J. Patterson, Op.cit.
[20]) Joshua Frank, The New Climate Colonialism in Africa. Oct 15, 2024.at: https://inkstickmedia.com/the-new-climate-colonialism-in-africa/
[21]) achary J. Patterson, 2023. “Climate imperialism in Africa: critical commentary on the political economy of global climate change regime,” Review of African Political Economy, Taylor & Francis Journals, vol. 50(177-178), pages 509-513, October.at: https://ideas.repec.org/a/taf/revape/v50y2023i177-178p509-513.html
[22] ) https://wmo.int/news/media-centre/africa-faces-disproportionate-burden-from-climate-change-and-adaptation-costs
[23] ) https://wmo.int/media/news/africa-faces-disproportionate-burden-from-climate-change-and-adaptation-costs
[24] ) https://www.amnesty.org/en/latest/news/2024/11/africa-richer-countries-must-commit-to-pay-at-cop29-as-climate-change-forcibly-displaces-millions-across-africa/