من المقرر أن تجرى في كينيا واحدة من الانتخابات الأكثر تكلفة في أفريقيا, إذ يتوقع وصول النفقات الكلية (نفقات الحكومة والمرشحين) إلى 1 مليار دولار. وفى تقرير اقتصادي ومالي صدر مؤخر وقبل انتخابات 8 اغسطس، قالت وزارة الخزانة الوطنية الكينية إن إعداد وتنفيذ الانتخابات سيكلف 480 مليون دولار.
وكان أكبر قسط في الميزانية خُصص للجنة الانتخابية التي تستخدم ما يقرب من 413.2 مليون دولار لتوظيف العاملين، وشراء المواد الانتخابية، وإجراء عمليات توعية الناخبين، إلى جانب جمع النتائج وتوصيلها.
وسيتم إنفاق 4 مليارات شلن (عملة كينيا) إضافية أيضا على تعزيز الأمن في مناطق مختلفة بما فيها المناطق الحدودية، وتيسير عملية الحصول على بطاقات الهوية الوطنية، وضمان التعايش السلمي أثناء الانتخابات وبعدها.
إضافة إلى ما يخصص من ملايين الدولارات في التمويل المباشر وغير المباشر للسلطة القضائية والاستخبارات الوطنية ومكاتب أخرى.
لم تكن هذه الانتخابات الرئاسية الكينية من أغلى الانتخابات فقط, بل هي أيضا من أهم الانتخابات الأفريقية التي ستجرى في هذا العام, مع بدء صدور توقعات بأنها ستكون مثيرة للجدل، لوجود اثنين من المعارضين المألوفين ضمن المرشحين في بلد له تاريخ من عنف ما بعد الانتخابات.
من جانب آخر, يرى محللون أن هذه الانتخابات قد تكون مؤشرا إيجابيا على حالة الديمقراطية في كينيا ونجاح الإصلاحات الحكومية الأخيرة. حيث تعد هذه هي الانتخابات الثانية منذ إقرار الدستور الجديد في عام 2010، ومن المرجح أن يكون تصويت الكينيين بمثابة استفتاء على بعض نجاحات الحكومة الحالية وفشلها.
ومع ذلك, فإن أهم القضايا الرئيسية التي يتم طرحها في الساحات الكينية والتي قد تحدد نتائج انتخابات 8 أغسطس تتمحور حول: الإضرابات المستمرة للأطباء والعاملين في القطاع الصحي، وتأثيرات الأخبار الكاذبة، وإمكانية تزوير النتائج.
تأتي الانتخابات في وقت يعاني اقتصاد كينيا من الصدمات الناجمة عن الجفاف، وارتفاع معدلات التضخم، والتباطؤ في الائتمان من القطاع الخاص – على الرغم من أن البلاد شرعت في سلسلة من الاصلاحات الدستورية ولامركزية السلطة لتوزيعها في الحكومات المحلية, وذلك بعد العنف الذى اندلع بعد الانتخابات المتنازع عليها في عام 2007 والتي لقي فيها حوالى 1400 شخص مصرعهم وشُرد 600,000 شخص من ديارهم.
وتشمل العناصر الرئيسية للإصلاحات التي شهدتها البلاد نقل السلطة إلى مستوى المقاطعات، بما في ذلك منحها – أي المقاطعات – الولاية القضائية على الرعاية الصحية الأولية والثانوية.
غير أن النتائج تثبت أن هذا الإصلاح الدستوري مرهق، لأن معظم المقاطعات غير مجهزة تجهيزا كافيا لإدارة جميع المستشفيات والعيادات على نحو مناسب. ويتجلى فشل الحكومة الوطنية والمقاطعات، في العديد من الإضرابات التي تحدث في غالبية أقسام القطاع الصحي والتعليمي, حيث الموظفون الحكوميون يطالبون زيادة في الرواتب.
ويذكر أن إضراب القطاع الصحي الأخير يضم ما يقرب من 3000 ممرض وممرضة منذ أوائل يونيو، مما أدى إلى شل القطاع في كينيا وتسبب في تأخيرات في مختلف أشكال الرعاية.
هذه الإضرابات وغيرها – جعل البعض يقولون بأن هذه الأوضاع قد تكون إشارة إلى أن نقل السلطة لم يكن الدواء الشافي الذي يعتقده الكثيرون لإصلاح التحديات الكينية العميقة الجذور.
إن فشل الحزب الحاكم، الذي يرأسه الرئيس أوهورو كينياتا، في تمويل وتنظيم تشغيل المرافق الصحية على مستوى المقاطعة قد يكون محل نظر الناخبين في الانتخابات المقبلة.
بالإضافة إلى أن التكلفة التراكمية لتدخل كينيا الأمني في الصومال يثقل أيضا نفقات الحكومة. بل وأشارت وزارة الخزانة مؤخرا إلى أن المخاوف بشأن العنف الذي وقع في الانتخابات السابقة يمكن أن تضعف النمو على المدى القصير، وتضعف ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
تسهم أيضا العناوين التشهيرية عن المرشحين في إثارة المخاوف من الانتخابات. إذ الأخبار الكاذبة تنتشر سريعا في البلاد ويمكن مشاركتها بشكل سريع بين السكان – وخصوصا الشباب – بسبب ارتفاع معدل الوصول إلى الهاتف النقال والإنترنت دون الدقيق والتفريق بين الحقيقة والوهم, لكون جميع الأطراف تتنافس على تبادل أحدث المعلومات والتطورات. وكما أشار عبد اللطيف طاهر من “كوارتز”، فإن وسائل الإعلام التقليدية والمحلية كالصحف المطبوعة ليست محصنة أيضا من نشر العناوين الكاذبة.
كما أن طريقة فرز الأصوات كانت أيضا محل جدل في الانتخابات الكينية الأخيرة، ولا تزال تثير قلق المتابعين. لأن الانتخابات الكينية لها تاريخ من كونها عرقية – كمعظم الدول الأفريقية الأخرى، وتعتمد على قدرة المرشح على تعبئة كتلة مؤيديه. وبقدرة هذه التكتلات العرقية رفع المخاطر ونشر العنف في حال اشتعال الأوضاع.
في عام 2007، كان الخلاف حول جدولة الأصوات فأدى إلى العنف الجماعي والتشريد, وفي عام 2013 أجريت أول انتخابات بعد إقرار الدستور الجديد، لكن نظام التحقق من الأصوات الرقمية فشل أثناء الانتخابات, ليضطر مسؤولو لجنة الانتخابات إلى عدّ الأصوات يدويا, ونتج عن ذلك ظهور عدم الثقة في النتيجة لأن طريقة الفرز أكثر عرضة للتزوير. وعليه, فإن موثوقية الجدولة الرقمية لا تزال تشكل مشكلة بالنسبة لانتخابات عام 2017.
الاتحاد الأفريقي والانتخابات السلمية في كينيا
دعا الاتحاد الأفريقي إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة وسلمية في كينيا, مُبديا إشادته بالسلطة القضائية لاستعدادها لحل النزاعات المتعلقة بالانتخابات.
وخلال اجتماعها مع رئيس القضاة الكيني “دافيد ماراجا” والرئيس “اوهورو كينياتا” فى العاصمة الكينية نيروبى, أعربت بعثة مراقبة الانتخابات بالاتحاد الأفريقي برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق “ثابو مبيكى” بمرافقة رئيس الاتحاد الأفريقي “موسى فكي” عن ثقتها بأن انتخابات 8 أغسطس ستكون سلمية وأن “الذين لا يرضون بنتائج الانتخابات يجب ان يسعوا إلى التحكيم من المحاكم.”
وقال الفريق إن الاتحاد الأفريقي يتابع الانتخابات بشدة, مُشدّدا على الحاجة إلى الالتزام الصارم بالقانون حتى تكون الانتخابات حرة ونزيهة. وأنهم كانوا موجودين في البلاد لإظهار تضامنهم مع كينيا بخصوص الانتخابات, حيث التقوا بمجموعات مختلفة من بينهم السياسيين ومسؤولي الهيئة الانتخابية.
وخلال الاجتماع، قال القاضي “ماراجا” إن السلطة القضائية اتخذت إجراءات مختلفة تشمل تعيين قضاة سيتعاملون مع المسائل المتعلقة بالانتخابات وتعديل قواعد المحكمة العليا (التماس الانتخابات الرئاسية) لعام 2017، ومن المتوقع أن يتم نشرها قريبا.
“وأضاف مارجا :” إن السلطة القضائية تبذل كل ما في وسعها لضمان إجراء الانتخابات ضمن حدود زمنية دستورية. نحن نقوم بدورنا، بأفضل طريقة ممكنة”.
وخلال الاجتماع, قال الرئيس الكيني “كنياتا” لبعثة الاتحاد الأفريقي, إن المعارضة تشارك في حملة سافرة لإجباره على تأجيل انتخابات اغسطس لتخريب إرادة الكينين. ووفق بيان صدر عقب الاجتماع, فإن الرئيس تحدث عن الإجراءات والنشاطات غير القانونية من جانب زعماء المعارضة تظهر تصميمهم على إعاقة العملية الانتخابية.
وقال كينياتا, إن المعارضة تهدف إلى الفوضى وليست مهتمة بمنافسة عادلة حيث الناخبون يختارون فيها الفائز. “لقد أعلنّا باستمرار أننا على استعداد لقبول إرادة الشعب، لكن المعارضة ترفض بشدة أن تلتزم بهذا التعهد,” يقول الرئيس الكيني كينياتا.
أما كوامي أوينو, الرئيس التنفيذي لمعهد الشؤون الاقتصادية الكينى , فقد صرح لصحيفة الغارديان البريطانية, بأنه سئم من الأشخاص الذين يطلبون منه توقعا حول ما إذا كانت البلاد ستدخل في اضطرابات بعد الانتخابات القادمة مثلما حدث بعد انتخابات عام 2007.
“إننا علقنا مع عامي 2007 و 2008، وهى ظروف محددة للغاية .. نحن نرى أن أي شيء لا يؤدي إلى العنف هو مقبول. والأمر ليس كذلك.
“لقد تعبتُ من هذه الفكرة، هل ستكون الانتخابات سلمية أم لا؟ هذه ليست النتيجة الوحيدة التي نتوقعها. لدينا دستور طموح جدا، لذلك كان القول بأن لدينا نتيجة (الانتخابات) ولم يحدث أي عنف، بمثابة تحديد درجة منخفضة جدا لأنفسنا. أعتقد أننا يجب أن نكون أكثر طموحا ونقول أننا سنجري انتخابات سلمية، ستكون لدينا رئاسة شرعية، وسيكون لدينا انتقال ناجح، لأن هناك أيضا انتخابات برلمانية. ونتوقع أن نصل إلى ثلثي أهداف المساواة بين الجنسين التي حددها لنا الدستور (والتي تتطلب أن تشغل النساء ثلث المناصب في البرلمان)، (سنحقق) كل ذلك,” يقول كوامي أوينو.