نِهاد محمود
باحثة دكتوراه بكليّة الدراسات الإفريقيّة العُليا – جامعة القاهرة
مُقَدِّمَة:
في ظل تصاعد الاهتمام البحثي بالدراسات التي تُركّز على الرياضة كنقطة ارتكاز لفَهم ما يُحيط بها من سياقات أوسع (سياسية واقتصادية واجتماعية، وغيرها)، ومع ترسُّخ حقيقة أن الأفارقة باتوا يُشَكِّلون جزءًا لا يتجزَّأ من صناعة العديد من الألعاب العالمية، وبخاصة رياضة كرة القدم، والانخراط الإفريقي اللافت باللُّعبة على المستوى العالمي (والأوروبي بشكل خاص)، من خلال وجود الكثير من اللاعبين الأفارقة بها، تتجلَّى أهمية التناول البحثي لتلك الظاهرة المتعلقة بهجرة لاعبي كرة القدم الأفارقة إلى الملاعب العالمية، سواء القُدامى منهم أو الحاليون، بما في ذلك الشباب الإفريقي الطامح لاحتراف اللُّعبة بالخارج، بتفانٍ وتركيز، على خُطى لاعبين أفارقة باتوا بوصلته في عالم كرة القدم.
بتعبير آخر نودّ القول: إن قصص لاعبي كرة القدم الأفارقة المحترفين بالخارج، ولا سيما ما يتعلق بنجاحاتهم العالمية التي حقَّقها بعض من نجوم اللعبة؛ أمثال لاعب كرة القدم الليبيري “جورج ويا”، والكاميروني “صامويل إيتو”، والإيفواري “ديدييه دروجبا”، والمصري “محمد صلاح”، وصولًا للاعب الصاعد -أو (الطفل المعجزة) كما يُطلَق عليه إعلاميًّا- “لامين يامال أو الأمين جمال” -الإسباني الذي وُلِدَ لأمّ من غينيا الاستوائية وأب من شمال المغرب-؛ قد أدَّت إلى تغذية أفكار الهجرة لعددٍ لا يُحصَى من الشباب الإفريقيّ الذي تُلهمه مثل هذه القصص للاعبين مرُّوا بظروف مشابهة، ما يجعلهم يحلمون بالسير على خطاهم وتحقيق نجاحات مماثلة، بل وأكثر.
ولا شك في أن تجارب هؤلاء اللاعبين، وما يتعرَّضون له من شدائد وصعوبات مُحيطة باللُّعبة، بل وحتى قبل دخولها، خلال محاولاتهم للخروج من بلدانهم الإفريقيّة للوصول للعالمية عبر بوابة أوروبا (أو آسيا)، كلها تثير الفضول البحثي والإنساني، لا سيما مع الاهتمام غير المنقطع (الإفريقي والعالمي) بعالم كرة القدم وحياة لاعبيها وكافة أجوائها، مع وضع كل ذلك في السياق الإفريقي الأوسع، وتحدّياته التي تدفع بهؤلاء اللاعبين إلى خوض مثل هذه التجارب سعيًا وراء لعبة وصناعة لا تَرحم، تتَّسم بالتنافسية والاحترافية الشديدة، وذلك هربًا من واقع أكثر صعوبة في أوطانهم الأصلية.
استنادًا لما استعرضناه أعلاه تأتي أهمية هذا الكتاب (هجرة كرة القدم الإفريقيّة… التطلُّعات والخبرات والمسارات)، الصادر عن جامعة مانشستر البريطانية لعام 2022م، لمؤلّفيه الثلاثة: “بول داربي” Paul Darby، و”جيمس إيسون” James Esson، و”كريستيان أونجروهي” Christian Ungruhe. وتجربتهم البحثية الثريّة واللافتة في الاشتباك مع تجارب بعض اللاعبين الأفارقة الذين احترفوا الملاعب العالمية (أوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا التي يُركّز عليها الكتاب بشكل أساسي)، مع إيلاء الاهتمام الأكبر لتجربة اللاعب الغاني “نيي لامبتي” Nii Lamptey؛ وهو مدرب كرة قدم ولاعب سابق في مركز الوسط، لعب في صفوف بعض الأندية مثل أستون فيلا الإنجليزي، وأشانتي كوتوكو الغاني، وأنقرة غوجو التركي، وآيندهوفن الهولندي، وغيرهم. كما شارك في كأس الأمم الإفريقية أعوام 1992 و1994 و1996م، وكذلك شارك في الألعاب الأولمبية الصيفية 1992م.
ويحاول الكتاب سَرْد بعض هذه التجارب المتعلقة باللاعبين الأفارقة، من منظور بيئاتهم الإفريقيّة الأم، وسياقاتها وتحديّاتها شديدة الخصوصية، مرورًا بكافة الصعوبات والانكسارات اللاحقة التي تواجههم داخل الملاعب العالمية والمجتمعات غير الإفريقيّة بشكل عام، والأسباب التي جعلتهم مُمَثَّلين بهذا الشكل الاحترافي داخل صناعة كرة القدم العالمية، وصولًا للحظات تقدُّمهم بالعمر التي تُؤثِّر بلا شك على مسارهم الكروي (المرتبط بالفئة العمرية الأكثر شبابًا، والقوة البدنية، والمهارات الجسدية اللازمة للُّعبة، كالقدرة على المراوغة، واستلام الكرة وتمريرها، وغيرها من أساسيات لُعبة كرة القدم، فضلًا عن المهام الفنية الخاصة بمركز كل لاعب)، وحتى حياتهم بعد خروجهم من الملاعب، واحتكاكهم بالفاعلين المنخرطين بهذه الصناعة من أكاديميات ووكالات وطنية وعابرة للحدود، وغيرها من جوانب ذات صلة بصناعة كرة القدم والدور الإفريقي بها، والتي يحاول الكتاب الاشتباك معها، في محاولة للإجابة عن عدد من التساؤلات، من أبرزها ما يلي:
- كيف أصبح اللاعبون الأفارقة جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه في صناعة كرة القدم العالمية؟
- ما الجهات الفاعلة والكيانات التي تُؤثِّر على فرص الأفارقة في احتراف كرة القدم بالخارج؟
- كيف يُبرّر الشباب الإفريقي دخولهم إلى اللعبة وتطلعاتهم من خلال نافذة كرة القدم؟
- كيف يُواجه الأفارقة سعيهم وراء هجرة كرة القدم؟ وما نتائج ذلك؟
- كيف يمكن رؤية حياة لاعبي كرة القدم الأفارقة المهاجرين خارج الملاعب (عقب انتهاء مسيرتهم الكروية)؟
أولًا: تقسيم الكتاب
تم عرض الأفكار الرئيسية للكتاب من خلال 9 فصول؛ بدءًا من وضع الأساس النظري لدراسات هجرة كرة القدم الإفريقيّة، ومراجعة الأدبيات ذات الصلة، مرورًا بالكشف عن الأبعاد التاريخية والجغرافية والتنظيمية المحيطة بلُعبة كرة القدم الإفريقيّة، بما في ذلك التطرُّق للاعب الإفريقي أحد الأضلاع الرئيسة لصناعة كرة القدم العالمية، وما يمر به -اللاعب- من تحدّيات؛ سواء داخل بلده الأم أو المضيف، وحتى انتهاء مسيرته المهنية.
وقد جاءت الفصول التسعة على النحو والتسلسل الآتي:
- الاتجاهات النظرية لدراسات هجرة كرة القدم الإفريقيّة.
- الجوانب التاريخية والجغرافية والتنظيمية المحيطة بكرة القدم الإفريقيّة.
- اللاعب الإفريقي كمكوِّن رئيس لصناعة كرة القدم الأوروبية.
- المضاربة (المراهنة) في هجرة كرة القدم الإفريقيّة.
- “أن تصبح شخصا ما” من خلال كرة القدم.
- الحظّ والطرد والجمود في عالم كرة القدم.
- الإبحار في صناعة كرة القدم الأجنبية.
- الأمل وغياب الاستقرار في كرة القدم.
- المنعطفات الحاسمة والصراعات المصاحبة لخروج اللاعبين من الملاعب (المستطيل الأخضر).
ثانيًا: أهم ما وَرَد بالكتاب من أفكار
فيما يتعلق بأهم الأفكار والمضامين ذات الصلة بظاهرة المهاجرين الأفارقة الساعين لاحتراف عالم كرة القدم في الملاعب العالمية (أوروبا الغربية وجنوب شرق آسيا بشكل أساسي كما وَردت بالكتاب)، فيمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- التأصيل النظري الموسَّع لدراسات (الهجرة الكرويّة الإفريقيّة):
وذلك من خلال عرض المنهج النظري والأدوات المفاهيمية التي يتبناها مُؤلّفو الكتاب. علمًا بأن الكتاب لا يهدف إلى الانخراط في مراجعة شاملة للأدبيات حول هجرة كرة القدم، بل يسعى إلى تقديم لمحة حول جهود عدد من الباحثين العاملين في دراسات الهجرة، وبخاصة هجرة كرة القدم الإفريقيّة. وكأن الغرض من ذلك توضيح أن تفكيك ظاهرة هجرة كرة القدم الإفريقيّة بشكل كافٍ وشامل، في جميع مراحلها الزمنية وتعقيداتها، يتطلب نهجًا نظريًّا موسّعًا ومتعدد التخصصات (العلوم السياسية، الأنثروبولوجيا أو علم الإنسان، الجغرافيا، التاريخ، وغيرها).
وعليه يقوم منظور الكتاب بتسليط الضوء على اللاعبين، والتنقل عبر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المحلية المحيطة بهم؛ لالتقاط الصورة بشكلها الكلي الدقيق، عبر شقَّيْها الجزئي والكلي. بما يؤدي لفهم هذه الظاهرة (هجرة كرة القدم الإفريقيّة)، التي يتم عرضها داخل قالب، يتمحور حول ما يَعنيه أن تكون شابًّا في البيئات الإفريقيّة التي تعاني من الفقر وعدم الاستقرار والحروب وغيرها من أَوْجه الاضطرابات، وكيف تُصبح لاعبًا للكرة محترفًا في ظل هذه الظروف، وغيرها من معانٍ تُسهم في فَهْم بعض من جوانب ظاهرة الهجرة الإفريقيّة، على المستويين الجزئي (الظروف المحيطة باللاعب)، والكلي (الظروف المرتبطة بالسياق الأوسع المحيط ببلدان القارة الإفريقية والمؤثرة على قرارات وتحركات اللاعبين).
2- الهجرة الكرويّة للأفارقة ليست بالظاهرة الحديثة:
وحول هذه الفكرة يشير الكتاب إلى أن الهجرة العابرة للحدود الوطنية بهدف احتراف كرة القدم، تحدث منذ أكثر من قرن. وذلك مُهِمّ أن يتم إدراكه؛ لأن التصورات الجَمعيَّة تميل للاعتقاد أن وجود لاعبين أفارقة في البطولات الأجنبية ظاهرة حديثة. وفي هذا الإطار نشير إلى أن الأفارقة من غرب إفريقيا على وجه التحديد، يُشَكِّلون أحد الأضلاع الرئيسية لكرة القدم الأوروبية، كما تزداد أعدادهم في جنوب شرق آسيا. إضافة لذلك، وجد هذا الكتاب أن تدفُّقات اللاعبين بين المستعمرات، خاصةً في غرب وشمال إفريقيا، والنوادي في العاصمة، تمَّت ملاحظتها خلال الحقبة الاستعمارية؛ إلا أن أنماط هجرة اللاعبين في مرحلة ما بعد الاستعمار، وخاصة منذ عام 2000م، أصبحت أكثر انتشارًا وتنوّعًا.
3-كرة القدم الإفريقية والسياق السياسي والاقتصادي الأوسع:
يحاول الكتاب كما ذكرنا الاشتباك مع قضية الهجرة الإفريقيّة الكرويّة، عبر المستوى الجزئي والكلي لظاهرتَي الهجرة وكرة القدم في إفريقيا، بالتطبيق على مثال حي، وهو حياة لاعب كرة القدم الغاني “نيي لامبتي” Nii Lamptey، لاعب مركز الوسط الذي احترف بنادي أستون فيلا الإنجليزي وغيره من الفرق العالمية (بالصين وإيطاليا وبلجيكا وألمانيا، وغيرهم)، كما ذكرنا أعلاه؛ حيث يحاول الكتاب الربط بين قرارات اللاعب باحتراف كرة القدم، وما واجهه من تحدّيات؛ سواء على الصعيد الشخصي (المنظور الجزئي)، أو التحديات التي واجهت بلاده خلال تلك الفترة (المنظور الكلي).
على سبيل المثال، واجهت العمالة وسُبُل العيش المستقرة بشكل عام تدهورًا كبيرًا للغاية في غانا، موطن اللاعب “لامبتي”، وبخاصة مع حلول أوائل ثمانينيات القرن العشرين، مع سلسلة من الانقلابات العسكرية والتقلبات في الأسعار العالمية، مع الديون المتصاعدة التي خَفَّضت كثيرًا من مستويات المعيشة لمعظم الغانيين، وحتى مع لجوء حكومة جيري رولينغز (العسكرية) إلى البنك الدولي وصندوق النقد، كانت النتيجة زيادة أعداد الغانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، إضافةً لارتفاع ظاهرة التسرُّب من التعليم وتدهور أحوال البلاد بشكل عام.
وعليه، يتخذ الكتاب من حياة اللاعب الغاني نموذجًا لإسقاطه على أغلب المعضلات المتعلقة بملف الهجرة الكروية الإفريقية، بدءًا من المصاعب داخل البلد واستغلال الوكلاء لهؤلاء اللاعبين والأكاديميات الكروية الحقيقية والمزيفة، وصولًا للاحتراف والبدء بمحطة جديدة من التحدّيات والصعوبات؛ (حيث العنصريّة في الملاعب الأوروبية، وغيرها من الصعوبات التي تختلف عن نظيرتها في المجتمع الإفريقي).
4- عولمة كرة القدم:
يشير مؤلفو الكتاب في هذا الإطار إلى النقلة النوعيّة التي حدثت في النظرة الإفريقية لكرة القدم، بمعنى تحوّل اللُعبة -في المنظور الإفريقي- من لُعبة لا تحظى كثيرًا بالاحترام، إلى وسيلة للتفاخر داخل الدولة وخارجها، بما أدى بالدول الإفريقية إلى التركيز على هذا المَورد وإدارته بهدف إخراج المزيد من المواهب للملاعب العالمية؛ لما يعنيه ذلك من عائدات للدولة، وبالطبع مكاسب للاعب وأسرته والوكالة الرياضية المعنية به، وكافة الأفراد والجهات المساهمة في خروج مثل هذه المواهب وبروزها على الساحة الرياضية العالمية.
5-الدوريّات الأكثر استقطابًا للاعبين الأفارقة:
في هذا الإطار يشير الكتاب إلى أن أوروبا تظل المستورد الرئيس للاعبين الأفارقة، وهي بلا شك الوجهة المفضلة للغالبية العظمى منهم. ولذا نجد أن الدوريات “الخمسة الكبرى” في إنجلترا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا تتجلى في التصورات الذهنية والتفضيلات الأولى للاعبي كرة القدم من الشباب الأفارقة، الطامحين لاحتراف اللُعبة.
وبشكل عام، فقد نما عدد لاعبي كرة القدم الأفارقة المحترفين في هذه البطولات بشكل كبير منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين. على سبيل المثال تأتي إفريقيا في المرتبة الثانية بعد أمريكا اللاتينية من حيث تصدير عمالة كرة القدم إلى الدوريات الأوروبية الكبرى. ففي الفترة بين موسمي (1995-1996م) و(2005-2006م) ارتفعت النسبة المئوية للأفارقة كنسبة من إجمالي عدد اللاعبين الأجانب بالدوريات الأوروبية الخمسة، من 10.6% إلى 16.2%، وبحلول الموسم (2005-2006م)، كانت فرنسا الوجهة الرئيسية للاعبين المهاجرين الأفارقة؛ حيث تحتضن 57% منهم، لا سيما مع وجود طرق عابرة للحدود من كوت ديفوار والسنغال ومالي. ويلي فرنسا في هذه القائمة إنجلترا بنسبة (20%) من إجمالي عدد اللاعبين الأجانب لديها، وتتبعها إيطاليا (11%)، ثم ألمانيا (9%)، وأخيرًا إسبانيا (3%).
5-حياة اللاعبين “المُضْطرِبَة” خارج المستطيل الأخضر:
أو بمعنى أدقّ كيف تنتهي مسيرة اللاعبين المهاجرين الأفارقة، وكيف يخططون لهذا الاحتمال ويديرونه؟ ولعل واحدة من أهم القضايا التي يواجهها جُلّ الرياضيين المحترفين ما يجب فعله عندما يتقاعدون. وبالنسبة للاعبي كرة القدم الأفارقة على وجه التحديد، فإن هذه المشكلة بالغة التعقيد؛ حيث ينخرط العديد منهم في استثمارات محفوفة بالمخاطر، لا سيما مع افتقارهم للمؤهلات التعليمية أو المهنية (أو كلاهما)، وغيرهما من إمكانات لازمة لهذه الأعمال.
لذا ليس بمستغرب أن تجد هؤلاء اللاعبين يتجهون للاستثمار في الأعمال التجارية، كالعقارات وبخاصة في بلدانهم الأصلية، كوسيلة لتأمين احتياجاتهم المستقبلية. وفي الوقت نفسه، تُمَكِّنهم هذه الأعمال من تلبية توقعات مجتمعاتهم المحلية وأعرافهم وقيمهم المتأصلة حول العطاء الاجتماعي وإعالة اللاعب ميسور الحال -وغيرها من وظائف مماثلة- للأقارب والأصدقاء بل وقريته ككل، قدر المستطاع. وعليه فإن كل هذه المتغيرات تلعب دورًا في قرارات اللاعبين المهاجرين عقب التقاعد.
من جهة أخرى، أشار الكتاب إلى تضاؤل فرص المدربين الأفارقة “السود” للتدريب في الفرق والمنتخبات العالمية التي سبق واحترفوا بها كلاعبين لامعين، مُرجِعًا ذلك إلى الأصل الإفريقي والصورة النمطية العنصرية اللصيقة بهم، مع الإشارة إلى أن عددًا قليلًا ممَن تولوا هذه المهمة (التدريب) من اللاعبين الأفارقة السابقين قد حققوا نجاحات بها، ربما للسبب ذاته من التضييق والعنصرية، وعدم إتاحة الفرصة كثيرًا لهم، تلك القضية التي يدعو مؤلّفي الكتاب للمزيد من البحث حولها.
خاتمة:
في الأخير يصل مؤلفو الكتاب (الثلاثة) إلى حقيقة مفادها: إن السبب الأبرز في دخول الشباب الإفريقي إلى اللُعبة (كرة القدم)، وتطلعاتهم للترقي عبرها؛ يمكن فَهمه من خلال تتبُّع الخطابات والنقاشات التي تتعدى مجال دراسات كرة القدم والرياضة بشكل عام. والتي تتصل في كثير من الأحيان بدراسات الهجرة الإفريقيّة والشباب الإفريقي؛ حيث يهيمن على كلا المجالين الخطاب الذي يُغَذِّي صورة إفريقيا كمركز للتراجع والفشل والدونيّة. فغالبًا ما تدور الخطابات ذات الصلة بالهجرة الإفريقيّة دوليًّا حول الفقر واليأس الذي يحاصر القارة وأبنائها (الجيل الضائع في إفريقيا).
كما أنه في الوقت نفسه -ومنذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين، إن لم يكن قبل ذلك-، يتم تصنيف الشباب في البيئات الإفريقيّة بوصفهم سكان مضطربين يعيشون وسط التهميش والعجز. وقد شمل هذا التصنيف فئات معينة كالأطفال العاملين، وأطفال الشوارع والشباب، وضحايا الاتجار بالأطفال، وغيرهم.
ويخلق هذا التصنيف صورًا عديدة للإقصاء (السياسي والاقتصادي والاجتماعي) الدائم، وربما يكون السبب الأبرز في تغذية تصوّر الشباب الإفريقي بضرورة الخروج من هذه القارة البائسة -بحسب بعض الخطابات العالميّة- بشتى السُّبُل التي يكون أبرزها وأسرعها بوابة كرة القدم، والانتظار طوال الوقت لتحقيق هذا الأمل والتشبث به. وقد أدَّى استنساخ هذه الرواية في الخطابات الرسميّة والأكاديمية إلى ما نسميه “بالأزمة الإفريقيّة”، أي الميل للتفكير في القارة الإفريقيّة من منظور الأزمة وليس الحل.
وإجمالًا يؤكِّد مُؤلِّفو الكتاب على ضرورة فَهم ظاهرة هجرة اللاعبين الأفارقة لأوروبا وغيرها من قارات العالم، وفقًا للسياق الأوسع (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي، الانثروبولوجي،…)، وألا يتم التركيز على الظاهرة فقط من المنظور الضيق المتعلق بالمعاناة الشخصية لهؤلاء اللاعبين، فالأمر كما ناقشنا مُعقَّد ومتعدّد الأبعاد (زمانيًّا ومكانيًّا)، ويتأثر بسياقات عدّة تتخطى اللاعب الإفريقي ومُحيطه الأصغر الذي ينتمي إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Paul Darby, James Esson and Christian Ungruhe, African Football Migration: Aspirations, Experience and Trajectories, (Oxford: Manchester University Press, 2022).