قدَّم البروفيسور البريطاني من أصول إفريقية “حكيم آدي Hakim Adi” إسهامًا مميزًا في حقل تاريخ الدراسات الإفريقية؛ خاصةً فيما يتعلق برَبْط تاريخ الأفارقة في القارة بشَتَاتِهِم خارجها، لاسيما في البحر الكاريبي، وما يترتب على هذا الترابط من تفاعُل دائم يكمّل بدَوْره دائرة التاريخ الإفريقي على نحوٍ بالغٍ يمكن مقارنته بدراسة تاريخ شرق إفريقيا بعالم المحيط الهندي وآسيا بأقاليمها المتنوعة، مع الأخذ في الاعتبار التفاوت التاريخي لمسار الارتباطات في الحالتين، وكذلك طبيعة هذه الارتباطات الحضارية.
وتوّج “آدي” إسهامه هذا بعمل رائد من نوعه بعنوان African and Caribbean People in Britain: A History (2023)؛ والذي وصل للقائمة القصيرة لترشيحات جائزة ولفسون للدراسات التاريخية The Wolfson History Prize المرموقة في بريطانيا في العام 2023م؛ كأول عمل متخصّص في الدراسات الإفريقية يصل لهذا الترشيح منذ إطلاق هذه الجائزة.
ولربما تُؤشِّر نظرة سريعة للكتاب لحيثيات هذا التقدير؛ إذ يتناول رواية مغايرة عن وجود الأفارقة في الجزيرة البريطانية قبل قدوم الأنجلو سكسون لها، وحتى ما قبل خضوعها لهيمنة الإمبراطورية الرومانية على الأقل، مدعّمًا أطروحاته بشواهد آثارية وعلمية موسَّعة تُذكّر من وجهٍ ما بأعمال المؤرخ السنغالي “شيخ انتا ديوب”.
“الأفارقة والكاريبيون في بريطانيا”: سردية مغايرة
جاء كتاب “الأفارقة والكاريبيون” في نحو 700 صفحة، موزّعة على أحد عشر فصلاً هي مجموع فصول الكتاب، والمرتبة بدَوْرها ترتيبًا زمنيًّا دقيقًا؛ وكشف “آدي” في تقديم الكتاب عن أحد أوجه أهميته وقدرته على تقديم سرد مغاير للتاريخ البريطاني “الكلاسيكي”، دون أن تفوته الإشارة إلى عملٍ مشابهٍ لعمله الحالي، وهو كتاب المؤرخ بيتر فرير P.Fryer بعنوان Staying Power: The History of Black People in Britain الصادر قبل أربعة عقود (1984م)، وأنه أطلق لفظ “السود” Black People على الأفارقة والقادمين من جنوبي آسيا على نحو ما كان شائعًا وقتها، لكنَّه لم يَعُد مقبولًا -بحسب تأكيد “آدي”- في الوقت الراهن. إضافةً إلى توفّر قدر كبير من المادة العلمية التي أفادت “آدي” في تطوير مؤلَّفه بشكل لافت.
كما أشار “آدي” إلى مجلدين كتبتهما المؤرّخة روزينا فيسرام Rozena Visram وهما Ayahs, Lascars and Princes: The Story of Indians in Britain 1700-1947 (1986)، ثم كتاب آخر بعد قرابة عقدين من الزمن: Asians in Britain: 400 Years of History (2002). وتجنبًا لهذا اللبس الذي ورد لدى “فرير” وغيره من المؤرخين في بريطانيا؛ فضَّل “آدي” استخدام “الأفارقة والكاريبيين” في عنوان عمله بدلًا من البريطانيين السود أو السود بشكل مجرد، كما أكَّد “آدي” أنه رغم استخدامه لكلمة “السود” في مؤلَّف قام بتحريره سابقًا (وهو: New Perspectives on Black British History)؛ لكنّه لم يَعُد متقبّلًا التسمية على إطلاقها في مراجعة ذاتية جديرة بالملاحظة.
وتقوم سردية “آدي” -المغايرة نوعًا ما- على استخدامه، كمؤرخ، للعديد من المصادر والوثائق التاريخية التي توفّرت في قواعد بيانات مختلفة أرودها “آدي” في مقدمة الكتاب، واستخدام نتائج بحوث أثرية وتحليلات علمية وراثية تعود لأكثر من 1500 عام مضت في الجزيرة البريطانية؛ توفّر بدورها أساسًا قويًّا لرؤية “آدي”.
كما أن الأخير يرى أن تاريخ الأفارقة والكاريبيين في بريطانيا لا يُمثّل وحده تاريخًا للنضال، بل إن الكتابة عن هذا النضال -في ظل عراقيل علمية ولوجستية بسطها في المقدمة-، تُمثّل في حد ذاتها نضالًا موازيًا؛ الأمر الذي يُبرز السردية المغايرة التي عمل عليها “آدي”. وبالفعل قدَّم الكتاب في فصوله سرديات مغايرة من الوهلة الأولى؛ كما سيتضح في بسط أفكار هذه الفصول فيما يلي.
البدايات: الأفارقة في بريطانيا قبل الرومان بألف عام!
استهلَّ “آدي” الكتاب بفصلين وجيزين للغاية بهما خلاصات كاشفة لفكرة الكتاب بشكل مباشر تمامًا. وأبرز هذه الخلاصات أنه رغم تواتر الشواهد التاريخية لدى مؤرخي تاريخ بريطانيا عن وجود الأفارقة في الأخيرة خلال العصر الروماني، “ومِن ثَم فإنه من السليم القول بأن الأفارقة استوطنوا البلاد قبل قرون من مجيء الإنجليز والساكسون والقوط Jutes، وأن تحليل الأصول الوراثية لسكان بريطانيا تؤكد أن الدور الذي لعبه الإنجليز والساكسون هو الأقل أهمية بين أسلاف الإنجليز الحاليين، وأقل مما كان مفترضًا بالفعل حتى وقت قريب؛ وأن المهاجرين الأفارقة ربما قد وصلوا إلى بريطانيا قبل نحو ألف عام من وصول الرومان إليها بالفعل (أي في الألف عام قبل الميلاد)، وذلك وفق شواهد من بقايا عظام بشرية عُثِرَ عليها في مناطق متفرقة من بريطانيا، وتم تحليل مادتها الوراثية بدقة بالغة مع توفّر تقنيات حديثة وبالغة الدقة في القرن الحالي.
ولفت “آدي” إلى حقيقة أن بريطانيا كانت موطن إمبراطور روما الإفريقي سبتيموس سيفروس، وهو ليبي المولد وذو أصول بربرية/ أمازيغية، كما أن بريطانيا حُكِمَت مِن قِبَل روما عبر عدد من الحكام الأفارقة بمن فيهم كوينتس لوليوس أوربيكوس Quintus Lollius Urbicus الذي قدم من الجزائر الحالية، وحكم بريطانيا في الفترة 139-142م، وباشَر مهامّ الإشراف على بناء جدار أنتونين Antonine Wall في اسكتلندا. كما حكم بريطانيا حكام آخرون كانت أصولهم ترجع لدول ليبيا وتونس والجزائر الحالية، والتي قدم منها عدد كبير من الجنود والقادة العسكريين للخدمة في بريطانيا.
كما رصد “آدي” عددًا من الروايات والأساطير المتعلقة بالأفارقة في بواكير العصور الوسطى في بريطانيا، ومنها قصة جورموند Gormund “ملك الأفارقة” الذي يقال: إنه حكم إيرلندا، وغزا إنجلترا ودمَّرها بقيادته الآلاف من الجنود الأفارقة بالتحالف مع الساكسون، وقد وردت قصة “جورموند” في العديد من المصادر التاريخية من أهمها: كتاب The History of the Kings of Britain الذي ألفه Geoffery of Monmouth في القرن الثاني عشر الميلادي.
وناقش الفصل الثاني وجود الأفارقة في بريطانيا، بدءًا من أوائل القرن السادس عشر، المعروف بحركة الكشوف والنهب البريطاني في أعالي البحار، وفنَّد “آدي” في هذا الفصل، بطبيعة الحال حسب الفرضية الرئيسة لمؤلَّفه، السردية التقليدية لأغلب مؤرخي تاريخ الأفارقة في بريطانيا؛ بأن حضور الأفارقة بشكل واضح في بريطانيا منذ نهاية القرن الخامس عشر، وفي القرن التالي سبقته بالضرورة فترة استرقاق لهؤلاء الأفارقة. بل أبرز “آدي” وجودًا ملموسًا للأفارقة في البلاط الإنجليزي في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وربط بشكل تاريخي سلس بين التطورات السياسية الخَطِرة في شبه الجزيرة الأيبيرية وتزايد هجرات الأفارقة إلى بريطانيا ضمن “أعراق أخرى”. وتناول الوضع القانوني للأفارقة بشكل مفصَّل في عهد الملكة إليزابيث تودور E. Tudor في نهاية القرن السادس عشر كمثال على إشكالات المواطنة والحقوق في تلك الفترة المبكرة نسبيًّا.
في مواجهة العبودية وديناميات هيمنة “التوسع العالمي”:
قدَّمت فصول الكتاب الثالث والرابع والخامس تفاصيل صعود تجارة الرقيق البريطانية في الكاريبي وإفريقيا منذ مطلع القرن السابع عشر، وما نتج عنها من توسُّع حضور الجماعات الإفريقية بشكل عام في بريطانيا نفسها، إلى جانب ما رصده “آدي” من تناقضات ديناميات الاسترقاق البريطاني ودمجه في سياسات مزدوجة، مثل تشجيع حركة الرقّ خارج بريطانيا، واستغلال المستعمرات البريطانية الناشئة كمواطن لتهجير المعارضين أو مثيري الاضطراب ضد سلطة الملك، لا سيما في إيرلندا، بالتزامن مع دخول التوسع الإمبريالي البريطاني لمرحلة مهمة في هذه الفترة، الأمر الذي تجلَّى بشكل أكبر في إفريقيا مع تأسيس شركة إفريقيا الملكية Royal Africa Company في منتصف القرن السابع عشر، وما تلاها من بدء مأسسة قانونية للتجارة في العبيد الأفارقة، الأمر الذي بات شائعًا كما يتضح في الثقافة الإنجليزية في تلك الفترة، أو كما يضرب “آدي” مثالًا شهيرًا برواية “روبنسون كروسو” Robinson Crusoe (1719) لدانيال ديفو Daniel Defoe التي صوَّرت الاسترقاق على أنه مصدر مهمّ لثروة الفرد الفجائية.
وحسب وثائق كثيرة نقلت السفن البريطانية وحدها في الفترة 1721-1730م حوالي 181 ألف إفريقي “من العبيد” من الرجال والنساء والأطفال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كما بلغ عدد “العبيد” الأفارقة الذين نقلتهم السفن البريطانية إلى الأمريكيتين في القرن الثامن عشر (وحتى العام 1807) أكثر من 2.5 مليون شخص، ما يعني أن تُجّار العبيد “البريطانيين” كانوا مسؤولين عن مقتل ملايين الأفارقة أخذًا في الاعتبار الفاقد البشري الكبير خلال عملية الاسترقاق والنقل إلى الأمريكيتين، فيما أشار “آدي” إلى صلة كنيسة إنجلترا الوثيقة بهذه التجارة حتى القرن التاسع عشر عبر Society for the Propagation of the Gospel in the Foreign Parts والتي امتلكت بدَوْرها مزارع شاسعة في دول الكاريبي، ووظَّفت فيها عمالة إفريقية مسترقّة حصرًا.
وتناول الفصل الثالث سردًا مدققًا، وجديدًا إلى حد كبير، لهبّات “العبيد” الأفارقة في بريطانيا في القرن الثامن عشر، لا سيما في اسكتلندا ومدينة جلاسجو، وتطوّرات لافتة في توجُّه تمكّن هؤلاء العبيد من تحرير أنفسهم من ربقة العبودية عبر وسيلة رئيسة، وهي الحصول على عمل بأجر، الأمر الذي سيتطور لاحقًا في شكل “وعي طبقي” إفريقي سيكون له تأثير في مواجهة الهيمنة الاستعمارية البريطانية داخل بريطانيا وفي مستعمراتها. ثم صدور حزمة من القوانين المُنظِّمة لأوضاع الأفارقة في بريطانيا، وظهور فئة معتبرة من روّاد حركة تحرير العبيد بين الأفارقة أنفسهم. وقدَّم الفصل سردًا مفصلًا لأدوار الأفارقة في الحياة العامة في بريطانيا؛ في الجيش، والاقتصاد، والبحرية، والحياة الأكاديمية، وغيرها في القرن الثامن عشر.
وركَّز الفصل الرابع على نضالات التحرُّر الإفريقي داخل بريطانيا، وتبعاته في عالمها الإمبريالي والاستعماري في الكاريبي وإفريقيا منذ العام 1807م (بعد صدور قانون إلغاء تجارة الرق)، الذي صدر بدوره في سياق مخاوف اقتصادية بريطانية بالأساس، وليس لدوافع “إنسانية” غُلف بها القانون في أدبيات التاريخ البريطاني. وقدَّم الفصل بورتريهات موجزة لعدد من النساء الإفريقيات رائدات هذا التوجُّه (لتحرير المرأة الإفريقية) في مساراته بين إفريقيا وبريطانيا والكاريبي من أمثال سارة بارتمان، وفاني إيتون، وماري برينس، وناثانيل ويلز ضمن أخريات، ثم تقديم سرد مفصل لحروب التحرُّر من العبودية في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وتناول الفصل الخامس تطور حركة التحرر الإفريقية من العبودية إلى حركة تطالب بحقوق مساوية للجميع في بريطانيا ومجالات نفوذها في الكاريبي وإفريقيا على حد السواء. ثم تأثير الأمريكيون من أصول إفريقيا في بريطانيا في القرن التاسع عشر في مجالات بالغة التنوع بين الكنيسة، والمسرح، والإصلاحات الدينية والاجتماعية، وحركة الوحدة الإفريقية، وصولًا إلى بروز عدد من أبرز الآباء المؤسسين لحركة الوحدة الإفريقية في النطاقين الأمريكي والبريطاني مثل أفريكانوس هورتون وإدوارد بلايدن وصمويل إدواردز. وكذلك بروز التنظيمات الطلابية والعمالية الإفريقية في بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر بالتزامن مع إطلاق التكالب الاستعماري الأوروبي في القارة بعد مؤتمر برلين 1884-1885م، وهو تناولٌ قد يُثير قدرًا كبيرًا من التساؤلات وتوجهات إعادة النظر عربيًّا في قراءة تاريخ الاستعمار البريطاني في إفريقيا من زاوية التفاعلات الأفروأمريكية داخله سلبًا وإيجابًا، وفي سياقات تاريخية لا تزال بِكْرًا في ظل غلبة إنتاج “المركزية الأوروبية” على حقل دراسات تاريخ إفريقيا في أفضل الأحوال.
في تفاعلات المقاومة والاستعمار الحديث: رؤية من الداخل
انشغلت بقية فصول الكتاب بتتبُّع تاريخي لمراحل المقاومة الإفريقية والكاريبية في بريطانيا لمجمل عملية الاستعمار والهيمنة من داخل بريطانيا بالأساس إلى جانب هوامش من التأثير في المستعمرات منذ نهاية القرن التاسع عشر.
وتناول “آدي” في هذه الفصول المقاومة العنيفة في الفترة 1897-1919م؛ ثم سنوات ما بين الحربين العالميتين، وما صاحبها من نموّ بالغ في الوعي الإفريقي داخل بريطانيا، وألهم بدوره أغلب حركات التحرر في القارة الإفريقية أيديولوجيًّا وحركيًّا وسياسيًّا؛ ثم فترة الحرب العالمية الثانية وما تلاها؛ وعالم ما بعد الحرب؛ وحركة تحرُّر السود؛ ثم اختُتِمَ الكتاب بفصلٍ عن الأفارقة والكاريبيين في بريطانيا ونضالاتهم مع بدء القرن الحادي والعشرين.
ومثَّلت هذه الفصول رؤية ثاقبة من الداخل لتفاعلات المقاومة الإفريقية والاستعمار الحديث منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى بداية الألفية الحالية تفيد بشكل عام في كشف جوانب أخرى من جوانب هذا الاستعمار وأدواته وطرق هيمنته أو تفككه لاحقًا. وعلى سبيل المثال، فإن الفصل الثامن الذي يتناول فترة الحرب العالمية الثانية وما يليها يكشف عن الدور القوي الذي قام به الأفارقة في هذه الحرب بمختلف مستوياته (العسكري، والسياسي، والمناهض للحرب، والفكري وخلافه)، وقدَّم رصدًا تاريخيًّا لجمعيات ومؤسسات إفريقية مناهضة للحرب وويلاتها مثل International African service Bureau والذي أصدر في العام 1938م (قبيل اندلاع الحرب مباشرة) بيانًا ضد الحرب، ضمَّنه في مطبوعته International African Opinion، وقدَّم مواقف المستعمرات البريطانية في إفريقيا والكاريبي من الحرب، وتفصيلات عدة عن طبيعة مشاركة الأفارقة في العمليات العسكرية للقوات البريطانية في الحرب في مختلف الأسلحة؛ ثم نتائج هذه الحرب على نمو الوعي السياسي الإفريقي والكاريبي بشكل كبير في مرحلة ما قبل الاستقلال الوطني للمستعمرات المختلفة وارتباطات النُّخَب الإفريقية والكاريبية في بريطانيا بدول مثل نيجيريا وغانا وكينيا، وغيرها.
وهكذا وفَّرت هذه الفصول رؤيةً مهمةً من داخل بريطانيا لمجمل الأحداث والسياسات التي انتهجها الاستعمار البريطاني في إفريقيا والكاريبي (كإقليم يمثل امتدادًا لبسط سلطة الهيمنة والاستعمار في إفريقيا) وتكشف بطبيعة الحال عن ديناميات هذه الهيمنة بشكل أكثر دقة، وتتجاوز التوقف عند “دولة ما بعد الاستعمار” إلى تناول الوضع الراهن حتى تاريخ صدور الكتاب في العام 2023م تقريبًا؛ مما يُكسبه أهميةً كبرى في ترابط موضوعه وجديته.
خلاصة:
يسدّ كتاب “الأفارقة والكاريبيون في بريطانيا” فراغًا ملموسًا في تناول التاريخ الإفريقي، بمفهوم أوسع بطبيعة الحال يربط بين التاريخ وتداعياته الراهنة، لنضالات الأفارقة ومقاومتهم، ودورهم في تاريخ دولة استعمارية كبرى قادت جهود الاستعمار (الحديث) في القارة وخارجها على مدار قرابة أربعة قرون دون كلل.
ويكشف بالتالي عن فَهْم أكبر لتاريخ بريطانيا الاستعماري، وعلاقاتها بالنُّخب الإفريقية، ثم بالدول نفسها في مراحل مفصلية مثل الحرب العالمية الثانية، وإرهاصات الاستقلال السياسي ودولة ما بعد الاستعمار والوضع الحالي الذي لا يفترق كثيرًا عن القرون السابقة من جهة استمرار ديناميات الاستغلال والهيمنة والافتئات على حقوق شعوب ومجموعات وإثنيات متفاوتة في أرجاء العالم الحديث، لكن بواجهات مختلفة؛ الأمر الذي يُحيل إلى ضرورة تبنّي رؤية شمولية في تناول التاريخ الإفريقي لإضاءة حقائق المصير المشترك لدول القارة؛ لا سيما أن سياسات الاستعمار والهيمنة تبدو -مع مزيد من التدقيق- أكثر منهجية ومرونة في الاستجابة للمتغيرات التاريخية مع وجود نوع من التآزر أو التنسيق والتماثل -رغم السياقات التاريخية المتنوعة- بين مختلف القوى الاستعمارية (وأبرزها بريطانيا وفرنسا)، والإمبريالية (كما في حالة الولايات المتحدة في إفريقيا).