مريم عبد الحي علي فراج
باحثة متخصصة في الشأن الإفريقي
تمهيد:
مع ما يعصف بالقارة الإفريقية من تحديات ترتبط بتفشّي الفساد وتأثيره على التنمية، يُثير هذا الواقع تساؤلات حول فعالية المساعدات الخارجية الموجَّهة لدعم الدول الإفريقية؛ حيث تتزايد الحاجة إلى فهم العلاقة بين هذه المساعدات والفساد في ضوء تجارب العديد من الدول التي تعتمد على المساعدات الخارجية.
وفي هذا السياق المُهمّ، يأتي كتاب “المساعدات الغربية والفساد في إفريقيا”؛ الذي يتناول بالدراسة والتحليل تأثير المساعدات الغربية على الأنظمة السياسية والاقتصادية في القارة الإفريقية.
حيث يركز الكتاب على كيفية مساهمة المساعدات في تفشي الفساد؛ حيث وجد أن ثمة علاقة وثيقة بين تلقّي المساعدات في الدول النامية وانتشار الفساد بها، وبمرور الوقت أصبحت العلاقة بينهما تدور في حلقة مفرغة، وأصبح من الصعب معرفة مَن منهما يُغذّي الآخر، لذا من المفيد تسليط الضوء على تلك العلاقة لتحديد أبعادها، وكيف يمكن الاستفادة منها في الحد من انتشار وتفشّي الفساد المرتبط بتلقي المساعدات الأجنبية في الدول النامية.
وفي هذا الصدد، سيتم تقسيم عرض الكتاب وفقًا للمحاور الرئيسية التالية:
أولًا: حول المؤلف والكتاب.
ثانيًا: الأفكار الرئيسية للكتاب.
أولًا: حول المؤلفة والكتاب
- عن المؤلفة:
د. سمر محمد حسين أبو السعود هي مؤلفة كتاب “المساعدات الغربية والفساد في إفريقيا”، وُلِدَت عام 1984م، وتخرجت في جامعة الإسكندرية، كلية التجارة، قسم العلوم السياسية، عام 2006م. ثم حصلت على دبلوم الدراسات الدبلوماسية في عام 2008م، ثم نالت درجة الماجستير في عام 2013م، ثم حصلت على درجة الدكتوراه في عام 2017م.
درّست سمر مادة السياسات الإفريقية في كلية الدراسات الإفريقية والعلوم السياسية، وتعمل حاليًّا منسِّقة لمرحلة الدراسات العليا للطلاب الوافدين بجامعة الإسكندرية، مما يعكس إسهاماتها المميزة في المجال الأكاديمي والشؤون الإفريقية.
حول الكتاب: الأهمية والتقسيم
- أهمية الكتاب:
يُعدّ أصل هذا الكتاب هو رسالة مُقدّمة لاستكمال متطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الدراسات الإفريقية، من كلية الدراسات الإفريقية العليا- جامعة القاهرة – (قسم السياسة)، تحت عنوان “المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد في شرق إفريقيا منذ الثمانينيات”. وتأتي أهمية الكتاب (البالغ 328 صفحة)؛ من خلال تتبُّع مسار تقديم المساعدات الأجنبية الضخمة من جهة، وكيفية انتشار الفساد من جهة أخرى؛ حيث يسعى هذا الكتاب إلى تقديم وجهة نظر علمية، من خلال تناول العلاقة بين المساعدات الأجنبية وانتشار الفساد وتفشيه في الدول الإفريقية. وتحديد أيٍّ منهما الذي يؤثر في الآخر، وأيهما الذي يتأثر بالآخر.
- تقسيم الكتاب:
انقسم الكتاب إلى خمسة فصول، بالإضافة إلى مبحث تمهيدي وآخر ختامي؛ حيث تناول المبحث التمهيدي الإطار النظري والمفاهيمي لكلٍّ من المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد. وتناول الفصل الأول طبيعة المساعدات الأجنبية المقدَّمة إلى القارة الإفريقية من حيث تطورها، ودوافع ومحددات تقديمها، وسماتها وآثارها على القارة. وتناول الفصل الثاني خريطة المانحين الدوليين؛ من خلال تناول أبرز مؤسسات وأطراف المساعدات العربية والآسيوية والغربية. أما الفصل الثالث فقد تناول ظاهرة الفساد في القارة الإفريقية من حيث تطور ظاهرة الفساد في إفريقيا منذ الاستعمار وحتى الآن، وتوصيفًا لطبيعة الظاهرة في إفريقيا، ثم تفسيرها وكيفية مكافحتها. ثم جاء الفصل الرابع ليتناول المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد في شرق إفريقيا؛ حيث تم من خلالة تناول أثر المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد، وطبيعة العلاقة بينهما في كلٍّ من كينيا وأوغندا وتنزانيا. وأخيرًا تناول الفصل الخامس طبيعة العلاقة بين المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد في إفريقيا؛ من خلال تناول مدى فعالية المساعدات الأجنبية في إفريقيا، وأثر المشروطية على فعالية المساعدات الأجنبية، وطبيعة العلاقة بين المساعدات والفساد. وأخيرًا تناول المبحث الختامي تقييم المساعدات الأجنبية، وآليات مكافحة الفساد في إفريقيا.
ثانيًا: الأفكار الرئيسية للكتاب
في كتاب “المساعدات الغربية والفساد في إفريقيا“، تقدم الكاتبة توثيقًا وتحليلًا شاملًا ومتوازنًا لقضايا المساعدات الغربية وتأثيرها على الفساد في القارة الإفريقية. نستعرض أبرز ما جاء به من أفكار وفقًا للفصول الخمسة في الكتاب على النحو التالي:
الفصل الأول: “طبيعة المساعدات الأجنبية المقدَّمة إلى إفريقيا“، سعت الكاتبة خلال هذا الفصل، إلى التطرُّق إلى توضيح سمات المساعدات المقدَّمة للدول الإفريقية؛ حيث اتسمت بعددٍ من السمات المميزة التي كان لها أثر كبير على طبيعة الأوضاع داخل تلك الدول، وفي إطار ذلك تم تناول التطور التاريخي للمساعدات الأجنبية على مدار العقود السبعة الماضية، ثم تناول أبرز المحددات والدوافع التي يتم وفقًا لها تدفق المساعدات من الدول الغنية إلى الدول الفقرة، وسمات المساعدات الأجنبية المقدَّمة إلى إفريقيا والآثار المترتبة على تلك السمات، وأخيرًا أشارت إلى مدى اعتمادية الدول الإفريقية على المساعدات الأجنبية والآثار والنتائج المترتبة على ذلك.
أما عن الفصل الثاني: “خريطة المانحين الدوليين“، فقد استعرضت فيه الكاتبة تحليلًا شاملًا للأدوار المتنوعة للمانحين الدوليين في تقديم المساعدات إلى الدول الإفريقية؛ حيث بدأت الكاتبة بتسليط الضوء على مؤسسات المساعدات العربية؛ حيث يظهر كيف تسهم هذه المؤسسات في تعزيز التنمية والاستقرار في القارة الإفريقية وتعزيز التعاون العربي الإفريقي. بعد ذلك، تطرَّقت الكاتبة إلى أطراف المساعدات الآسيوية، واستعرضت الجهات الفاعلة التي تُقدّم الدعم للدول الإفريقية، مع إبراز الآثار الإيجابية لهذه المبادرات على المجتمعات المحلية.
ثم تناولت الكاتبة في نهاية الفصل أطراف المساعدات الغربية، مع تحليل السياسات والإستراتيجيات التي تتبعها الدول الغربية في تقديم الدعم، وفعالية هذه الجهود في مواجهة التحديات التنموية.
ومن خلال هذا الفصل، تُقدِّم الكاتبة رؤية متكاملة عن خريطة المانحين الدوليين وتأثيرهم على تنمية إفريقيا، مشدِّدةً على أهمية التعاون الدولي لمواجهة التحديات الراهنة.
ومن جهة أخرى، استعرض الفصل الثالث “ظاهرة الفساد السياسي في إفريقيا: الأسباب والأبعاد وكيفية المواجهة“، فقد تناولت فيه الكاتبة دراسة معمَّقة للفساد السياسي وتأثيراته على القارة الإفريقية. بدأت الكاتبة بمناقشة “أسباب وأبعاد ظاهرة الفساد”، موضحةً تطوُّرها خلال مرحلة الاستعمار الإمبريالي؛ حيث استعرضت كيف فرضت الهياكل الضريبية، وسياسة “فَرِّق تَسُد”؛ دورًا كبيرًا في تفشّي الفساد. ثم انتقلت الكاتبة إلى مرحلة الاستعمار الجديد، مُسلِّطة الضوء على تأثير استخدام سياسة “فَرِّق تَسُد” مع حركات التحرير، واستمرار العمل بالدساتير الموروثة، وما ترتَّب على ذلك من آثار سلبية.
وفي المبحث الثاني، تناولت الكاتبة تفسير ظاهرة الفساد، مُحلِّلة طبيعة الفساد السياسي والبيروقراطي وعلاقتهما، مُشيرةً إلى الأبعاد الداخلية والدولية التي تؤثر في الفساد. ثم اختتمت الكاتبة الفصل بمبحث حول كيفية التعامل مع ظاهرة الفساد ومواجهتها في إفريقيا، مُستعرضةً السياسات والآليات المتَّبعة لمكافحة الفساد، بما في ذلك الأُطُر القانونية والمؤسسية اللازمة لتعزيز الشفافية والنزاهة.
وفي الفصل الرابع، تناولت الكاتبة “أثر المساعدات الأجنبية على ظاهرة الفساد في شرق إفريقيا (كينيا – أوغندا – تنزانيا)“؛ حيث قدَّمت تحليلًا عميقًا لتأثير هذه المساعدات على الديناميات السياسية والاقتصادية في الدول الثلاث. تم اختيار كينيا وأوغندا وتنزانيا نظرًا لتاريخها المشترك تحت الاستعمار البريطاني، مما يوفِّر إطارًا مقارنًا فعَّالًا. وكشفت الكاتبة عن وجود استيلاء ممنهج على الإيرادات العامة؛ حيث تشير التقارير المالية إلى حالات نَهْب مِن قِبَل المسؤولين الحكوميين ومُورّدي القطاع الخاص، رغم أن هذه التقارير لا تعكس المعدلات الحقيقية للفساد. وتُظهر الكاتبة أن المساعدات الأجنبية تُعدّ فرصًا منخفضة المخاطر للفساد، مما يسهم في تعقيد جهود التنمية في هذه الدول، ويعكس التحديات المستمرة التي تواجهها في سعيها لتحقيق النمو والشفافية.
من ناحية أخرى، قامت الكاتبة خلال الفصل الخامس “طبيعة العلاقة بين المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد في إفريقيا“ بتناول الاتجاهات المفسِّرة لمدى جدوى وفعالية المساعدات الأجنبية في الدول النامية بشكل عام، والإفريقية بشكل خاص، كما بذلت الكاتبة محاولة لتفسير السبب وراء نجاح خطة مارشال في أوروبا وعدم تحقيقها للقدر نفسه من النجاح الذي حققته في إفريقيا؛ على الرغم من أن منظومة المساعدات الأجنبية برُمّتها جاءت من رحم تلك الخطة، كما تناولت طبيعة العلاقة بين المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد المتفشية في القارة الإفريقية والدور الذي يلعبه المانحون الدوليون في هذا الصدد، وأخيرًا قدمت الباحثة تقييمًا عامًّا لمنظومة المساعدات الأجنبية في إفريقيا وظاهرة الفساد وآليات مكافحتها في القارة الإفريقية.
وفي الختام، ترى مؤلفة الكتاب أن المساعدات الأجنبية كانت واحدة من أكثر العوامل تأثيرًا على أوضاع الدول الإفريقية في شتى المجالات؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كما أنها كانت ولا تزال واحدة من العوامل التي أثَّرت في تفشي ظاهرة الفساد بقوة في إفريقيا، وساعدت على تغلغلها وتوطنها في الدول الإفريقية، فهي بمثابة أحد الشرايين الرئيسية -إن لم يكن أهمها- المغذية لأرصدة وثروات الفاسدين، بخاصة أولئك الذين يتولون مناصب سياسية وسيادية في دولهم.
وبذلك يتضح أن العلاقة بين المساعدات الأجنبية وظاهرة الفساد في القارة هي علاقة حتمية وقائمة، فكلاهما يؤثر على الآخر ويتأثر به، فالفساد يتسبّب في إهدار أموال المساعدات والاستيلاء عليها وضياعها، والمساعدات -بالرغم من ذلك- تستمر في التدفق على الأنظمة الفاسدة، حتى أصبحت العلاقة بينهما في الدول الإفريقية تدور في حلقة مفرغة لا بداية لها ولا نهاية.