الباحث/ محمد دانسوكو
شاعر روائي من جمهورية غينيا، وباحث في مرحلة الدكتوراه، بجامعة إفريقيا العالمية في السودان، في كلية الإعلام، قسم الإذاعة والتلفزيون، وأستاذ محاضر في جامعة غينيا العالمية
الملخّص
تناولت هذه الدراسة موضوع اللغة العربية من حيث الأدوار التي تُؤدّيها في عملية الاتصال الثقافيّ ثُنائيّ الاتجاه بين الشعوب الأخرى، بالتطبيق على جمهورية غينيا.
وتمحورت أهدافها الرئيسة حول بلورة ماهية الاتصال الثقافي بين اللغة العربية والمجتمع الغيني، ومناقشة فرضية كون هذا الاتصال ثنائي الاتجاه أم لا، بالإضافة إلى تشخيص حلول مناسبة وعرض إستراتيجيات موضوعية ترمي إلى جعل الاتصال الثقافي بين الطرفين متبادل الانعكاس والتأثير، إذا ما تقرَّر أنه أُحاديّ الاتجاه.
وأما الهيكل البحثيّ فقد تضمّن مقدّمة تمهيديّة وأربعة محاور؛ ناقش المحور الأول أهمية اللغة العربية على الواجهة العالمية، وتناول المحور الثاني علاقة اللغة بالمجتمع والثقافة، في حين عالَج المحور الثالث الاتصال الثقافي ثُنائيّ الاتجاه ودور اللغة في تنفيذه، وفيما يخصّ المحور الأخير فقد تطرّق إلى دراسة أوضاع اللغة العربية وانعكاساتها الثقافية على المجتمع الغينيّ، وفي الخاتمة تم عرض جملة من النتائج والتوصيات، مع قائمة المصادر والمراجع.
المقدمة:
اللغة وسيلة ضرورية لإجراء الاتصال أيًّا كان نوعه، فهي ظاهرة إنسانية قديمة قِدَم وجود البشر على وجه الأرض، وتؤدّي أيّ لغة من اللغات دور الركيزة الأساسية والعمود الفقري في بناء المجتمعات، وليست هناك لغة دون مجتمع، كما لا يوجد مجتمع من غير لغة يتحدث بها أفرادها.
ومن أهمّ الوظائف وأكبر الخدمات التي تُسديها اللغات إلى البشر: وظيفة الاتصال الثقافيّ والحضاريّ، وخدمة تبادل العادات والتقاليد والقِيَم بين أصحاب اللغات المختلفة. وإن اللغة العربية تُعدّ من أهم اللغات الكبرى، نظرًا إلى الشعبية الضخمة التي تتمتَّع بها على مستوى العالم، وكذلك نظرًا إلى كونها الوسيلة الأساسية للتعبير عن هوية الأمة الإسلامية، والوعاء الجامع لدينها الإسلاميّ، والسِّجل الأمين الحافظ لتاريخها وحضارتها وثقافتها وعلومها وآدابها وقِيَمها العليا، فهي عماد وحدتها وتضامنها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها المجيد، ولسان نبيّها الأمين -صلى الله عليه وسلم-.
وبناء على هذا وذاك، أعدَّ الباحث هذه الدراسة لمناقشة موضوع “اللغة العربية ودورها في الاتصال الثقافيّ ثُنائيّ الاتجاه: دراسة تطبيقية على المجتمع الغيني”، وقد استخدم في إجراء العملية البحثية، المنهج الوصفي التحليليّ المتطابق مع طبيعة الموضوع، كما وظَّف في المرحلة النظرية جملةً من المراجع الأوّلية والثانوية، من أجل جمع المعلومات والبيانات والحقائق العلمية.
مشكلة الدراسة:
تكمن إشكالية هذه الدراسة في ماهية الصلة ثلاثيَّة الأبعاد التي تجمع بين المجتمع واللغة والثقافة، وما يترتب على ذلك من تأثير وتأثُّر، والكشف عن طبيعة الاتصال الثقافي ودور اللغة في إجراءاته، وكذلك تشخيص ملامح انعكاس اللغة العربية على المجتمع الغينيّ من المنظار اللغويّ والثقافيّ والدينيّ، بالإضافة إلى مناقشة وجود تغذية عكسية لهذا الانعكاس أو عدمه، وطرح حلول هادفة لإيجاد تغذية عكسية في حال ثبت انعدامها.
تساؤلات البحث:
يرمي التساؤل البحثي إلى تسليط الضوء على النقاط الغامضة والجوانب الخفية التي تؤدّي بلورتها إلى توضيح الموضوع البحثيّ، وكشف الستار عن ماهية الظاهرة المدروسة، ولا يتم ذلك إلا إذا كان الباحث دقيقًا في صياغة تساؤلاته؛ ليكون لها صلة قوية وارتباط وثيق الصلة بالموضوع البحثي. وهذه هي التساؤلات التي سعت هذه الدراسة لمعالجتها، وهي كالتالي:
- ما علاقة اللغة بالثقافة؟ وما تأثير تلك العلاقة على المجتمع؟
- كيف يتم الاتصال الثقافي من خلال اللغة؟
- ما مظاهر انعكاس اللغة العربية وثقافتها على المجتمع الغينيّ؟
- هل الاتصال الثقافي بين اللغة العربية والمجتمع الغيني ثنائيّ الاتجاه؟
- ما التغذية الراجعة من المجتمع الغيني تجاه اللّغة العربية وثقافتها إذا كان الاتصال بينهما متبادل التأثير والتأثّر؟
المحور الأول: أهمية اللغة العربية
تُعدّ اللغة العربية إحدى اللغات الرئيسة في العالم، يتحدَّث بها أكثر من 200 مليون إنسان، أي ما يساوي 6.6% من سكان العالم أجمع، وتُستخدَم لغةً رسميةً في أكثر من 20 دولة، وكذلك يتحدَّث بها الناس في نحو 66 دولة، منها كل الدول العربية وغيرها([1]). كما أنها تُعدّ أقدم اللغات العالمية الحيّة على وجه الأرض، وقد أصبحت لغةً معتمدةً رسميًّا في الأمم المتحدة عام 1974م، وزيادة على ذلك، تحتل المركز الرابع بين أكثر اللغات انتشارًا على مستوى العالم كله([2])، وقد تكفَّل الله العزيز الحكيم بحفظها ورعايتها من كل سوء؛ فقال -عز وجل- في كتابه المُحكَم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}([3]).
وفي أيام مجدها وسيادتها، تمكنت من استيعاب الحضارات العالمية المختلفة في ذلك العصر، كالفارسية واليونانية والهندية، فصنعت منها حضارة عالمية مُوحَّدة، وتتجلّى قيمتها العالية وأهميتها الكبرى من جهات متنوعة، منها كونها اللغة التي اختارها الله لإنزال كلامه الخالد المخلّد، فقال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([4])؛ فهي لغة الإسلام ولغة أشرف الخلق محمد المصطفى القرشي -صلى الله عليه وسلم-، ومنها كونها القنطرة المأمونة، والوسيلة المضمونة للوصول إلى الثقافة الإسلامية والعربية، فهي بهذه الميزة الكبيرة تُعدّ أقوى الروابط بين جماهير المسلمين على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وثقافاتهم وبيئاتهم الجغرافية.
ومن أهمية اللغة العربيّة بمعية الدين الإسلامي أنها هي الوسيلة القادرة على توحيد الأمة العربية وغيرها من الأمم الأخرى التي رضيت بالإسلام دينًا، فـ: “إنّ هذه اللغة العربية الفصيحة التي حفظها النصّ القرآني، تُشكِّل بحقٍّ جوهر وحدة هذه الأمّة الإسلامية”([5])؛ وذلك لأنها هي الهوية الدالَّة على الإسلام، والبصمة المشخصّة للمسلمين، هي الشعار الموحَّد في الصلوات وفي قراءة القرآن، وفي السُّنة النبوية الشريفة -على صاحبها أزكى الصلاة والسلام-، فحيثما يسمع المسلم عبارة: السلام عليكم ورحمة الله، أو الله أكبر، أو لا إله إلا الله، أو الحمد لله، أو سبحان الله، وما شابَه ذلك من الشعائر، يدرك إدراكًا جازمًا أنه بحضرة أخٍ له، جمعت بينهما لُحْمة الإسلام التي هي أقوى من لُحْمة النسب والقرابة، فـ”هي مرتبطة بشعائر الإسلام وعباداته، حتى غدت جزءًا أساسيًّا من لُغة المسلم اليومية، وفي حياة الأمة الإسلامية؛ وذلك لأنها مُلازمة للفرائض الإسلامية؛ إذ سنّ التشريع الإسلامي الرباني أن تكون إقامة الصلاة وتلاوة القرآن ومناسك الحج والدعاء وكثير من الشعائر الدينية باللغة العربية”([6]).
وحين نتحدَّث عن أهمية اللغة العربية، وما لها من أدوار فعّالة في العالم، فإننا نتجاوز القومية العربية، ونرتقي إلى درجة الأمة الإسلامية بكاملها، تلك الأمة الكبيرة الواسعة التي تنضوي تحت لوائها قوميات كثيرة، وأجناس مختلفة، ولكن جمع بين شتاتها، ولمّ شملها الدين الإسلامي الحنيف، وما ذاك إلا لأن اللغة العربية هي المسؤولة عن حمل رسالة هذه الأمة العالمية، وعن الحفاظ على هويتها وثقافتها وحضارتها ومبادئها، وكل القِيَم والمُثُل العليا التي تُميِّزها عن سائر الأمم، فهي والإسلام عنصران متلازمان، وظاهرتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا، وأي محاربة لها، وأيّ معركة تُشَنّ عليها، فهي محاربة سافرة للإسلام، ومعركة جازمة ضده؛ مما يتطلب من كل فرد مسلم أن يبذل أقصى جهوده في الدفاع عنها، ويسعى سعيه من أجل رفع رايتها، وترسيخ دعائمها، وتلميع صورتها، وإعادتها إلى القمة الشماء التي احتلّتها يومًا من الأيام.
ومن مميّزاتها الفريدة أنها انتشرت في جميع أرجاء العالم بطريقة سلمية، وبأسلوب هادئ، وفي جوّ آمن مستقرّ، بمعزل عن القوة والقهر والقمع، كما هو الحال مع بقية اللغات العالمية الاستعمارية التي جبرت الشعوب الأخرى، وحاربت لغاتهم وعاداتهم وثقافاتهم، وشوَّهت حضاراتهم وقِيَمهم الاجتماعية؛ من أجل السيطرة عليهم، وسَلْبهم من هوياتهم، وحملهم على الذوبان في ثقافتها وتقمّص هويّتها، وتمجيد حضارتها وتقديسها والانبهار بها، أما اللغة العربية، فهي فتحت القلوب قبل البلدان، وسيطرت على العقول والمشاعر دون حملات دعائية مُدبَّرة، أو عساكر نظامية مجهَّزة، لم تكن يومًا لغة مستعمرين غاصبين، ولا لغة سلاطين مُستبدِّين ومستغلين، بل كانت وما زالت لغة القلب والعقل والعدل والرحمة والمساواة والحق والهداية، وكل ذلك بفضل اقترانها بالإسلام دين الأولين والآخرين، واحتضانها للقرآن الكريم كلام الله العزيز الحكيم، وكونها لغة سيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل الخلق أجمين محمد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا هو شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يُسلِّط الضوء على أفضلية هذه اللغة، وجدوى تعلُّمها وإتقانها فيقول: “اعلم أن اعتياد اللغة العربية يُؤثِّر في العقل والخُلُق والدِّين تأثيرًا قويًّا بَيِّنًا، ويُؤثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم-، ومشابهتهم تزيد العقل والدين، وإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يتم فهمهما إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب…»([7]).
وإلى جانب ما مضى، تتميّز اللغة العربية وفق نتائج كثير من البحوث العلمية اللغوية بأنها لغة تامة الحروف، كاملة الألفاظ، لم ينقص منها شيء من الحروف فيشينها نقصانها، ولم يزد فيها شيء فيعيبها زيادته، ولا تقتصر على كونها وسيلة تعبير فقط، بل تتميز كذلك بكونها ذات مضامين علمية ومنهجية وموضوعية وحضارية، كما تتميز بالبيان والسهولة والوضوح، وكثرة المفردات ودقة المعاني، وحسن نظام المباني، بالرغم مما قد يبدو من صعوبة في تعلُّمها في ظاهر الأمر([8]).
المحور الثاني: علاقة اللغة بالمجتمع والثقافة
نظرًا لكون مصطلح اللغة والثقافة والمجتمع من المصطلحات التي قُتلت مفاهيمها بحثًا وتحليلاً ونقدًا ووصفًا، فإن الباحث لن يتعرَّض للسرد المكرَّر لتلك المفاهيم والتعريفات، بل يتطرَّق مباشرةً إلى النقطة الأساسية الهادفة إلى توصيف ماهية العلاقة المتبادلة بين هذه المصطلحات الثلاثة، وهي اللغة والثقافة والمجتمع، ابتداءً باللغة والمجتمع، وبعد ذلك مناقشة علاقتهما بالثقافة.
أما ما يخص اللغة والمجتمع فهما ينطلقان من مكان واحد، ويسيران على خطى متطابقة، وينزلان معًا؛ إذ لا جود لأيِّ مجتمع إنساني من دون لغة معيَّنة، صنعها ذلك المجتمع على مرّ تاريخه، وكذلك لا وجود لأيّ لغة من اللغات دون مجتمع، أي من دون أفراد يصنعونها تبعًا لحاجاتهم، ويتداولونها ويُؤصِّلونها لتصبح جزءًا من تكوّنهم. وهو ما ارتكز عليه ابن جنّي في التعريف الشهير والوجيز الذي طرحه حول مفهوم اللغة؛ إذ ذهب إلى أن اللغة هي “عبارة عن أصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم”([9]).
فهما أي اللغة والمجتمع مرتبطان وجودًا وعدمًا، وإذا كان المجتمع صانع اللغة، فإنَّ على اللغة أيضًا أن تحفظ صانعيها، بأن تكون حاضرةً في مجمل حياتهم، تُقدِّم لهم من مخزونها ما هم بحاجة إليه في كل زمان: في حالات النهوض وحالات التقهقر، وحالات السِّلم والأمن والرفاهية، وظروف الحرب والضيق والأزمات والتقشّف.([10]) ويؤيّد هذا الموقف قول دي سوسير: إنَّ “بين الوحدة الاجتماعيّة واللغة علاقة متبادلة.. وتخلق الآصرة الاجتماعيّة الوحدة اللغويّة، وربما تفرض على اللغة المشتركة بعض الصفات الخاصة”([11]).
وفيما يتعلق بماهية العلاقة الدائرة بين اللغة والثقافة، فقد أشار الخبراء المختصّون في اللغويات إلى أن “اللغة ليست مجرد أداة للفكر والتعبير، بل لها وظائف أخرى، ومهامّ إضافية، فهي وسيلة للتميُّز والحفاظ على الذاتية والثقافة المستقلّة عن غيرها”. وفي هذا التقرير، دلالة واضحة على متانة العلاقة بين اللغة والثقافة؛ وذلك لأن الثقافة بمنزلة روح المجتمعات والأمم، وعنوان عريض للقِيَم والمُثُل الاجتماعية، وهي معارف وحقائق يتمّ تعلمها من الآخرين، ومن البيئة المحيطة، وقد يكون هذا التعلُّم بطريقة مباشرة بواسطة اللغة التي تُعدّ الأداة الأساسية التي من خلالها يتم تعلُّم المعارف، لكونها ناقلة أمينة للثقافات والعادات والتقاليد والقِيَم بين الأجيال المختلفة، كما قد يكون تعلُّم الثقافة بطريقة غير مباشرة، عن طريق مراقبة سلوكيات الآخرين، وغير ذلك.
وكما تختلف اللغات ما بين مجتمع وآخر، وكذلك الأمر في الثقافة أيضًا، فهي تختلف باختلاف الأجناس والبيئات والمجتمعات، مما يعني على البديهة أن لكل مجتمع إنسانيّ ثقافة خاصة به، تنطوي على صفات ومميّزات وخصائص اجتماعية غير موجودة في مجتمع آخر على الأقل بوَجْه متطابق، وهذا ما يجعل الثقافة أساسًا ضروريًّا لقيام أيِّ مجتمع من المجتمعات.
ومن العوامل الدالة على وجود صلة راسخة ومتينة بين اللغة والثقافة ما يلي:
1ــ يتم التمييز بين الثقافات على أساس اللغات، فوجود جماعات تتحدَّث بلغات مختلفة برهان جليّ وإثبات قاطع لوجود ثقافات متباينة؛ لأن لكل لغة مجتمعًا معينًا، ولكل مجتمع مستقل ثقافة خاصة.
2ــ تختلف اللغة في الأساليب وطرق الاستخدام باختلاف ثقافة الأفراد، ومفاد ذلك أن اللغة هي لسان الثقافة وعنوان الحضارة، عن طريقها يمكن نقل العلوم والمعارف بين الأمم المتعاقبة.
3ــ ترى نظرية الانعكاس أن اللغة هي انعكاس الثقافة التي يصنعها الناس ويستعملونها في المجتمع، والثقافة؛ بحسب هذه النظرية لا تحدّد أساس اللغة وكيانها، بل إنما تؤثر في طريقة استعمالها.
4ــ تؤكد النظرية الأنثروبولوجية أن اللغة المشتركة بين المجتمعات الإنسانية هي الوسيلة الناقلة لثقافاتهم، والرموز التي يُعبِّرون بها عن هوياتهم وحضاراتهم وقِيَمهم الاجتماعية، وبناءً على ذلك، لا يمكن دراسة ثقافة الشعوب من دون التعرُّف على لغتهم الخاصة؛ لأن اللغة ظاهرة فعَّالة في فَهْم طبائع الناس داخل مجتمعاتهم الخاصة([12]).
فثقافة كل أمّة من الأمم تُؤثّر تأثيرًا ملموسًا في لغتها، كما أنّ اللغة من المقوّمات المهمة للأمّة، فـ”هي الإطار الذي يُحدِّد خصائص الأمة، كما أنها تُعمِّق الشعور بالانتماء للجماعة من خلال تنمية الإحساس بوحدة الرابطة العقلية والنفسية والوجدانية التي تشد الأفراد بعضهم إلى بعض، وهي كذلك وعاء جامع لخبرات الأمة وتجاربها، تثبت التصاقها بالبيئة الاجتماعية والحضارية ذات السمات الإنسانية عبر أنواع الدلالات اللغوية الثلاث (الحقيقة والمجاز والثقافة)، التي تظهر جليةً في لغة العلم ولغة الأدب (الشعر والنثر)”([13]).
من خلال ما سلف، يتضّح كون اللغة عنصرًا رئيسًا في حماية تماسك المجتمع وتضامنه، وإجراء الاتصال والتواصل بين أفراده؛ لأنها هي التي تعمل كأداة منطوقة أو مكتوبة، وكهمزة وصل بين جيل سابق وجيل لاحق، كما أنها المرآة الكاشفة عن عادات المجتمع وتقاليده ومعتقداته ومستوياته الثقافية، وطبقاته الاجتماعية، وعلى هذا، فإن اللغة تُمثّل العمود الفقري في تشكيل ثقافات الشعوب، وأما المجتمع فهو بمنزلة الوعاء العريض الأمين الذي تصبّ فيه اللغات كل أنواع الثقافات والهويّات والقِيَم والحضارات والتقاليد وغير ذلك، والذي إذا تصدَّع يمكن إعادة جَبْره وجَمْعه بواسطة اللغة.
وزيادة على ذلك يمكن طرح الاستنتاجات التالية عن العلاقة ثلاثية الأبعاد، والصلة المتبادلة بين اللغة والمجتمع والثقافة، وذلك على النحو التالي:
1ــ هناك علاقة قوية بين اللغة والعامل الاجتماعي الذي هو الإنسان، وهذا لأنه لولا وجود اللغة لما وُجِدَ المتكلمون؛ فالإنسان يقع تحت رحمة اللغة التي أصبحت وسيلةً ناجعةً للتعبير عن المجتمع الذي يعيش هو في كنفه([14]).
2ــ تؤثّر البنية الاجتماعية على البنية اللغوية، وتظهر هذه العلاقة من خلال كون اختلاف الفئات العمرية عاملاً مؤثرًا في أسلوب اللغة المستخدَمة، ذلك الأسلوب الذي يكون دائمًا متأثرًا بالأصل الاجتماعي المتباين، وكل مكوناته الأساسية من جنس وعِرْق ونوع، وهذا يعني أن استخدامات اللغة تتأثر بالعوامل الاجتماعية.
3ــ تتغير اللغة بتغيُّر المجتمع، فهي نتاج اجتماعي إنساني، وبناء على ذلك تتطوَّر اللغات من خلال استعمالها، وتختلف باختلاف المجتمعات؛ لأنها مَلَكَة تُكتَسب عن طريق التنشئة الاجتماعية، وكلما تطوَّر المجتمع حضاريًّا وثقافيًّا وإنتاجيًّا تطورت اللغة بدورها، والعكس صحيح([15]).
المحور الثالث: الاتصال الثقافي ثُنائيّ الاتجاه
يعالج هذا المبحث تقديم مفاهيم واضحة عن الاتصال الثقافي، وما له من أدوار في خدمة المجتمع، مع الكشف عن وظائف هذا النوع من الاتصال، وبلورة جدواه في عمليات الاحتكاك والاتصال الثقافي.
أما ما يخص تعريف الاتصال الثقافيّ، فقد طرح الباحثون عنه مفاهيم متباينة، ومنها أنه “هو الاتصال الذي يبحث في السياقات العالمية للاتصال، والذي يعالج الإشكاليات المرتبطة بعمليات الاتصال بين المؤسسات أو بين الأفراد من أصحاب الديانات والأعراق والخلفيات الاجتماعية والحضارية والتعليمية المختلفة، والذي يبحث في كيفية التغلُّب على العوائق الثقافية التي تَحُول دون تحقيق الفهم المتبادل”، أو هو الاتصال الذي “يساعد على نقل التراث الثقافي بين الشعوب، ويعمل على تسهيل التواصل بين الأفراد والجماعات ذات الثقافات المتعددة، ويسهم بصورة كبيرة في إمكانية إيجاد فرص التحاور والتثاقف والتلاقي”، وأيضًا هو “وسيلة رئيسية للحوار الثقافي والحضاري، دون إقصاء هوية الثقافة المحلية لأيّ مجتمع؛ لأن الاتصال الثقافي لا يعني انصهار ثقافة ما داخل ثقافة أخرى أو المطابقة بين الثقافات، وإنما يعني بالدرجة الأولى الحوار بينها واستيعاب بعضها لبعض”([16]).
وقيل: هو “الاتصال الذي يتم بتفاعل البيئة الثقافية في شكل عمليات اجتماعية تتنوّع فيها المعلومات والمؤثّرات والمنظّمات، وتلعب الجماعات في مواجهة بعضها لبعض، والكلمات والأساطير ووسائل الاتصال الجماهيري، وأدوارها المعقّدة للغاية”، وعند آخرين هو “شكل من أشكال الاتصال يهدف إلى مشاركة المعلومات والمعارف بين المجموعات الثقافية المختلفة، ويهدف إلى الاطلاع على كيفية تصرّف الأشخاص الآخرين المنتمين إلى دول وثقافات متباينة مع العالم المحيط بهم، وطريقة تواصلهم معه”([17]).
وثمة علاقة بين الاتصال والثقافة؛ من حيث الالتقاء والتكامل، فالثقافة تنحصر وتنغلق على ذاتها ما لم تزرع وسائل الاتصال فيها الروح، وتضمن لها الانتشار بشكل واسع بين الأفراد والجماعات، والاتصال بدوره سيبقى من دون جدوى إذا لم تزوده الثقافة بالمعلومات والمعارف، وهذا يعني أنه لا يمكن لأيّ ثقافة إنسانية مهما بلغت درجة رُقيِّها أن تعيش وتتطور وحدها دون تواصل وتفاعل مع الثقافات الأخرى. وفي هذا الصدد هناك تساؤلات تطرح نفسها، وهي كيف يمكن للثقافات المحلية أن تفرض ذاتها في سياق الاتصال الثقافي العالمي؟ وهل دخول هذه الثقافات مجال الاتصال الثقافي العالمي سيمنحها صفة الثقافة العالمية أو الثقافة الكونية أو التأثير في الثقافات الأخرى، أو سيجعلها تتلاحق فيما بينها أو تندثر أمامها؟
وتكمن إجابات هذه التساؤلات في أن الاتصال الثقافي يساعد الثقافات المحلية أن تخرج من عُزلتها، من أجل الانفتاح على الرصيد الثقافي العالمي والمساهمة مع ثقافات العالم في تشكيل حضارة إنسانية فاعلة، دون أن يعني ذلك الانصهار والذوبان في ثقافات أخرى أو في الثقافة الواحدة المهيمنة. وعلى ذلك ينبغي استثمار الاتصال الثقافي في ترويج مبادئ الانفتاح الفكري والثقافي على الثقافات الأخرى وضرورة التفاعل معها تفاعلًا إيجابيًّا يُفْضِي إلى تطوير الحضارة الإنسانية بمجملها، وفي الوقت نفسه إظهار الوجه المشرق للثقافات المحلية وموروثها المتجذر في التاريخ، على مستوى الأدب والشعر والموسيقى والفنون الأخرى المختلفة؛ لأن انغلاق الثقافات المحلية على ذاتها، وعدم تفاعلها مع الثقافات الأخرى، يؤدي تلقائيًّا إلى تحجُّر مضامينها، وانطفاء بريقها المتلألئ، وتقليص حدودها، وجمودها وركودها وعدم مجاراتها للتطور الحاصل في العالم.
ومع ذلك يوجد في الاتصال الثقافي تحدٍّ كبير؛ يتمثل في المحافظة على بقاء الثقافات المحلية قوية بمكوّناتها ومضامينها الأدبية والفنية والتراثية العميقة التي تزخر بها، وتطهيرها من التشوهات التي تطرأ عليها من خلال عملية الاتصال والاحتكاك بالثقات الأخرى، وإكسابها القدرة لفرض ذاتها، كثقافات أصيلة وذات حضارة وتاريخ مجيد. هذا التحدي هو السبيل الوحيد لاستيعاب الحضارة المعاصرة، التي يبقى الانفتاح عليها أمرًا ضروريًّا جدًّا للاستفادة مما هو إيجابي فيها.
فوائد الاتصال الثقافي:
1- يُعزّز المشترك الثقافي بين الأطراف المشاركة، وهو ما يسهم في تعزيز تماسك المجتمع ووحدته، وتقارب المجتمعات الإنسانية وتعايشها.
2- عمليّة حضاريّة متكاملة تفتح العقول والنفوس على آفاق جديدة وإمكانيات حديثة، ومِن ثَم فهو الطريق الفعَّال لتحقيق إنسانية الإنسان، وإبراز قوى الخير في نفسه، كما أنه وسيلة استيعاب لمنجزات الآخرين، والتعرُّف على ثرواتهم المعرفية وإمكانياتهم الثقافية والحضارية والقيمية.
3- يتسبّب في اكتشاف عناصر القوة والضعف الكامنة في الثقافات الأصلية، مما يُسهِّل عملية التغيير الاجتماعي، وتطوير العقليات الراقية، وتبنّي العادات الجديدة وربما نَبْذ الماضي تمامًا([18]).
نستنتج مما سبق من مفاهيم أن التواصل الثقافيّ يصدق على كل احتكاك واتصال وتقابل يتم بين أعضاء الثقافات المختلفة، ويؤثر تأثيرًا ملحوظًا أو ملموسًا في المجتمع، وقد يكون إما بشكل فرديّ أو جماعيّ، فهو يعتبر اتصالًا بين الثقافات المتباينة، وبالإضافة إلى كونه اتصالًا فإنه يشمل مجالات شتى وميادين متراحبة، لا يتحقق له حدوث إلا بتدخُّل اللغة ومساهمتها، وأنه أمر لا بد منه لترسيخ أُسُس التفاهم بين الشعوب والحوار بين الثقافات، وتعزيز التنوع الثقافي وروح التسامح والقبول باختلاف الثقافات وتكاملها وتلاقحها.
وكذلك ليس ضروريًّا في الاتصال الثقافي أن يكون له انعكاس ثقافي ثنائي الاتجاه أو أحادي الاتجاه بين طرفي الاتصال أو أطرافه، فقد لا يصل أثره في بعض الظروف والحالات إلى مستوى التأثير والتأثُّر، بل يكتفي بمجرد نقل وتبادل المعلومات والحقائق والمعارف والفنون والعادات والثقافات والموروثات وغيرها في بعض الحالات، دون أن يكون هناك مُؤثِّر ومتأثِّر. وزيادةً على ذلك، لا يستهدف الاتصال الثقافيّ المطابقة بين الثقافات المختلفة، بل إنه يسعى لإجراء الحوار والاستيعاب، وإبراز المضامين الإنسانية الثقافية، وتبادل القيم والمعتقدات والاتجاهات والعواطف الاجتماعية.
كيف يكون الاتصال الثقافي ثنائيّ الاتجاه من خلال اللغة؟
بعد تسليط الضوء على ماهية العلاقة المتبادَلة بين اللغة والثقافة، وتجلية الدور الوسطيّ الذي يؤدّيه الاتصال في هذه العلاقة، تتوخّى هذه الوقفة الكشف عن الطرق والأساليب العملية التي من خلالها يمكن تحقيق الاتصال الثقافيّ ذي الاتجاه الثنائيّ بين مجتمعين أو أكثر، وقد توصَّل الباحث إلى طريقتين فعّالتين في تنفيذ العملية الاتصالية الثقافية ثنائية الاتجاه بواسطة اللغة، وهما على الشكل التالي:
1ــ تعلُّم كل طرف للغة الطرف الآخر: إن اللغة بمنزلة العامل الرئيس والوسيلة الأهمّ في عملية تبادل الثقافات بين الشعوب والمجتمعات؛ لأنها -كما أسلفنا القول- مُشبَّعة بثقافة كل مجتمع إنساني وأدبه بوجهٍ عام، ومن خلال تعلّمها تتسرّب ثقافات أهلها وعاداتهم وتقاليدهم إلى الطرف الآخر المتعلّم؛ لأن النصوص الأدبية المتنوّعة وحتى الأمثلة المستخدَمة أثناء تعلم القواعد اللغوية تحمل بين دفّتيها بصمات حضارية وثقافية وقِيَم اجتماعية، وما إلى ذلك.
2ــ قراءة كل طرف عن الطرف الآخر: تختلف هذه الطريقة عن الأولى بكونها لا تتقيّد بعامل تعلّم الطرفين أو أحدهما للغة الآخر، بل كل ما تشترطه هو قراءة كل طرف عن الآخر في أيّ لغة كانت، شريطة أن تكون المادة المقروءة معارف ومعلومات وحقائق تتعلّق بثقافة الطرف الآخر وعاداته وتقاليده وقِيَمه الاجتماعية وحضارته وهويّته، وبعد ذلك، لا تَهُمّ كثيرًا جنسية اللغة التي تُمثِّل قناة الاتصال.
فحين يقرأ مجتمعٌ ما أدبَ مجتمعٍ آخر، سواء في لغة المجتمع القارئ أو المقروء عنه، لا شك أنه يكون على اتصال غير مباشر بثقافة ذلك المجتمع وجميع موروثاته الشعبية التي يزخر بها أدبه، باعتبار الأدب مرآة كل مجتمع وترجمانه وانعكاسه الذي يُجسِّد ماهيته وجوهره وهويّته، ومع ذلك، فإن الباحث يرى أن الطريقة الأولى أكثر فاعلية؛ لأن تعبير لغة قوم عن أدبهم أقوى وأشمل من تعبير لغة أخرى أجنبية.
المحور الرابع: اللغة العربية وانعكاساتها على المجتمع الغيني
من سنن الحياة البشرية الضرورية التي لا تتغيَّر: سُنة الاتصال والتواصل والاحتكاك بين الناس؛ إذ ليس في مقدور أيّ فرد من الأفراد، ولا في إمكان أيّ مجتمع من المجتمعات أن يعيش في انعزالٍ تامٍ عن الآخرين، بل لا بد له من مخالطتهم ومعايشتهم، والتواصل معهم؛ لتبادل الخبرات والمعارف والمنافع، وقضاء الحوائج والمطالب، وهذا الاحتكاك والاتصال المتبادل بين الأفراد والجماعات هو الذي يؤدي إلى تداخل اللغات وتعايشها، وهذا بدَوْره يؤدي تلقائيًّا إلى تحقيق التواصل والتزاوج والانسجام بين الثقافات التي تحملها في طياتها تلك اللغات، فالتبادل اللغويّ مرتبط بالتبادل الثقافي ارتباطًا لزوميًّا؛ إذ لا يمكن تعلُّم لغة مفرَّغة تفريغًا كليًّا من ثقافة قومها.
وإن الحديث عن انعكاسات اللغة العربية على مجتمع من المجتمعات له ارتباط أكيد وصلة مباشرة بالإسلام؛ لأن اللغة العربية في أيّ عصر من العصور، وفي أيّ بيئة من البيئات، تكون دائمًا مصبوغة بصبغة الإسلام، وموسومة بميزتها الفريدة، ومشبَّعة بثقافتها القيِّمة وحضارتها العريقة، وحاملة لتعليماتها وتشريعاتها ومبادئها وقِيَمها السامية. وعلى ضوء هذا الواقع المقرَّر، يتناول الحديث عن انعكاس اللغة العربية على المجتمع الغيني نطاقين أساسيين؛ وهما كالتالي:
1ــ النطاق الدينيّ:
يتناول هذا النطاق التأثيرات الثقافية والانعكاسات الاجتماعية التي أحدثها دين الإسلام في المجتمع الغيني، ذلك الدين القَيِّم الذي أطلّ نوره الساطع على أجواء المنطقة الجغرافية التي تحمل اسم غينيا منذ القرن الأول الهجري وفق أرجح الأقوال الواردة في تاريخ دخول الإسلام في غينيا([19])، ونتيجةً لهذا المكث الطويل له، تغلغل شعاعه في سويداء القلوب، وامتزج حبُّه بالدماء الجارية في الشرايين، وتعلقت به المشاعر والأحاسيس، وما يزال الناس يأوون إلى ظله الوارف أفرادًا وجماعات، حتى أصبحت نسبة 85% من السكان متديّنين به، ومنقادين له، ومتنوّرين بهدايته.
وكما هو معلوم ومجرّب على أرض الواقع، فإن الإسلام متى حلّ أرضًا بتشريعاته الإلهية الحكيمة، وحضارته العريقة القويمة، ومبادئه الثابتة الأركان، وقِيَمه السامية النزيهة، أحدث في تلك الأرض تغييرات جذرية، وترك على أهلها تأثيرات واضحة مشرقة؛ وذلك بإصلاح ما كان فاسدًا من أمورهم وشؤونهم، وتقويم ما كان معوجًا، وتنوير ما كان قاتمًا، وتجميل ما ألفاه مشوّهًا مرذولًا.
ومن ملامح انعكاس الإسلام على المجتمع الغينيّ حسيًّا ومعنويًّا: انتشار ظاهرة التسمّي بالأسماء العربية الإسلامية؛ على نيّة التمسّك بالإسلام وطلب مرضاة الله، وتقديس شعائره، فما إن حطّ رحاله وتبوّأ مقره في المجتمع الغيني حتى ترك أثره في ثقافة التسمية؛ إذ هبَّ الناس يتسمّون بأسماء الأنبياء -عليهم السلام-، والصحابة -رضوان الله عليهم-، ورموز الإسلام وأيقوناته من العلماء والنساك، مع التلقّب بالألقاب الإسلامية، حتّى إن أحدهم يجاهر بالحبور والاعتزاز بورود اسمه في القرآن الكريم، ويفاخر به غيره ممن لم ترد أسماؤهم فيه، وقد أدت هذه الظاهرة إلى اختفاء كثير من الأسماء الشعبية المحلية؛ لأن الناس لم يكتفوا فقط باختيار الأسماء الإسلامية العربية للجيل الجديد الناشئ، بل أقدم كثير من جميع الفئات العمرية على تغيير أسمائهم التقليدية بأخرى عربية إسلامية، إضافةً إلى ظاهرة الشعور والإحساس بالاعتزاز والفخر والرضا بحمل لقب “الحاج” بعد أداء فريضة الحجّ، بل إن تجريد اسم المرء من هذا اللقب بعد حجّه، يُعدّ إهانةً له، وقد يؤدّي إلى اندلاع خصام بين الطرفين.
وفي باب الكسوة والملابس، يتجلّى أثر الثقافة الإسلامية على المجتمع تجليًا سافرًا، ويتمثل ذلك في كثرة ارتداء الجلابيب المستوردة من الدول العربية والقلنسوات والعمائم للرجال، والحجاب الشرعي والبراقع والنقاب والخمار للنساء. وأما ما يتعلق بالاحتفالات والمناسبات الاجتماعية الشعبية والتقليدية، فقد ترك الإسلام صبغته وبصمته في غالبيتها، مثل حفلة الزواج والعقيقة وتدشين منزل جديد، ومناسبة الختان والحصاد، والوفاة وما يرتبط بها من جنازة وتعزية وتقديم القرابين.
2ــ النطاق اللغويّ:
في البداية لا يشك أحد في أن الأدب مرآة المجتمع وترجمان البيئة التي يعيش فيها، واللغة هي الوعاء الجامع لكل أدب، كما أنها ظرفٌ حاوٍ لهوية المجتمع وثقافة الأمة التي ينطقها، وانطلاقًا من هذا، تحصَّلت عملية الاحتكاك والاتصال الثقافيّ بين المجتمع الغيني والعالم العربي الإسلامي، وذلك عبر النصوص الأدبية التي تحفل بها اللغة العربية، والتي تحمل في مضامينها ثقافات العرب وعاداتهم وتقاليدهم، وتُعبِّر عن هويّاتهم وقِيَمهم وحضارتهم في مختلف العصور الأدبية المتعاقبة، كما تحمل كذلك الثقافة الإسلامية، فبفضل اللغة العربية على العموم، وبفضل نصوصها الأدبية بشكل خاص، استطاع الدراس الغيني للغة العربية أن يطلّع على عادات العرب وتقاليدهم وثقافاتهم، ويكتشف هويّاتهم وجملة من قِيَمهم الاجتماعية، بدءًا بالعصر الجاهلي، مرورًا بعصر صدر الإسلام، وما تبع ذينك العصرين من عصور أدبية متلاحقة.
“وليس من المبالغة القول: إن الثقافة العربية عاشت حينًا من الدهر في غينيا في عزّ ومَنعة لم تعشها في كثير من الدول العربية أو الدول الإسلامية، ونالت مكانةً عاليةً في نفوس سكانها، وهذا ما دفعت حركة التنصير إلى ترجمة بعض ضلالاتهم إلى اللغات الغينيّة باستعمال الحرف العربي؛ لعلمهم بمكانة اللغة العربية في نفوس الغينيّين”([20]).
وبناء على ما للغة العربية في غينيا من تاريخ ضارب في القدم، وسيرة حافلة بالإنجازات الكبرى، وحضور لافت للأنظار، وبفضل الاعتناء الكبير والإقبال الشديد الذي حظيت به من قبل المجتمع الغيني، من فجر مجيئها إلى الوقت الحاضر، استطاعت أن تترك تأثيرات ملموسة في أوساط المتعلمين وغيرهم، ويتجلى بعض هذه التأثيرات في شيوع كثير من مفرداتها في اللغات المحلية الموجودة في المجتمع، فحين نتفحص اللغات المحلية الرئيسة في الدولة، والتي هي اللغة الفلانية والصوصوية والماندكية، نجد أنها طافحة بكمية هائلة من الألفاظ والمفردات العربية.
وبعدما تقرر مدى انعكاس اللغة العربية ودينها الإسلاميّ على المجتمع الغيني في مجالات مختلفة وبواسطة الاتصال الثقافي وغيره، يطرح تساؤل بديهي نفسه ألا وهو: هل للاتصال الثقافي بين اللغة العربية والمجتمع الغيني تغذية عكسية؟ وإذا كان الجواب بالسلب، فما الحلول المقترحة والإستراتيجيات المناسبة لجعل هذا الاتصال الثقافي ثنائيّ الاتجاه بين الطرفين المعنيين؟
عندما نستنطق لسان الماضي السحيق، ونسأل حال الواقع الحيّ، فإنهما لن يترددا في التصريح بالنفي في جواب السؤال الأول، أي: إنهما سينكران وجود تغذية عكسية للاتصال الثقافي بين اللغة العربية والمجتمع الغيني، وسيثبتان أن المجتمع الغيني في هذا الاتصال الثقافي يُمثّل فقط دور المتلقّي، ويتقلد وظيفة المفعول به المطاوع لأوامر فاعله، والمتأثر بانعكاساته.
وهنا يتطلّب الموقف طرح سؤال مفاده: لماذا الأديب الغيني الشاعر أو الناثر لا يترجم بيئته، وينطق على لسان قومه، وينبري لتجسيد هويته وثقافته في إنتاجاته الأدبية المتنوّعة؟ هل لأنه يُواجه أزمة في مناقب قومه وأمجاد معشره، وفضائل قبيلته؟ أو لأن في محيطه الجغرافي عُجمة وعقدة لا يوحي إليه ما يسطره يراعه؟ هل آداب مجتمعه وعاداته وتقاليده وقيمه أضغاث أحلام لا تقبل تأويل الخواطر؟ هل هذا هو الداعي الذي حال بين الأديب الغيني وبين الكتابة عن ثقافته الشعبية، وهوية مجتمعه، حتى أعلن معتذرا بما قاله الشاعر العربيّ القديم معاتبًا لقومه:
ولو أنّ قومي أنطقتني رماحهم *** نطقتُ، ولكن الرماح أجرّتِ!!
لا يعتقد الباحث صحة هذا الاحتمال، ولا يرى وجهًا لثبوت هذه الفرضية، ويعتقد أن السبب أو الأسباب ربما ترجع إلى ضياع الإنتاجات الأدبية التي تناولت هذا الجانب، أو عدم وصول أيدي الباحثين والمحقّقين إليها بعدُ، أو ربما الداعي أو الدواعي كامنة في شعور الأديب الغينيّ بالدونية الثقافية، وتوهّمه لانحطاط قيمة الآداب والموروثات الشعبية المحلية أمام نظيرتها العربية ذائعة الصيت، أو ربما العلة محصورة في عدم إلمام كثير من الكتّاب الأدباء المستعربين الغينيّين بالبيئة المحلّية، وما ينطوي عليه الأدب الغيني من موروثات ثقافية شعبية وعادات اجتماعية.
ففي كتابات الرعيل الأول من الأدباء والشعراء الغينيّين المستعربين، نجد أنهم صبّوا تركيزهم، ووجّهوا سهام اهتمامهم إلى محاكاة وتقليد الأدباء والشّعراء العرب ومجاراتهم، وذلك ربما انبهارًا وإعجابًا وتأثّرًا منهم بأولئك الفحول العباقرة، أو رغبة منهم بإثبات شخصّياتهم، والبرهنة على محاذاتهم لنظرائهم العرب، وأيًّا كان السبب والداعي، فبناء عليه بدلاً من أن يكتبوا عن مجتمعهم وبيئتهم، ويترجموا عن قومهم، ويُجسِّدوا جوهر ثقافتهم وهويتهم في مختلف إنتاجاتهم الأدبية، بدلاً من هذا، استنفدوا طاقاتهم في تقليد العرب، فتجد أحدهم يُقلّد الشاعر العربي في كل شيء، في بكاء الأطلال، وفي وصف الناقة، أو الصحراء القاحلة، مع أنه لم يسبق له رؤية ناقة ولا جمل ولا صحراء، ويعيش في بيئة مكتظة بالأشجار والأعشاب والأنهار والجبال الشاهقة والغابات الكثيفة!! ومن باب الإنصاف، نجد أنهم تقيّدوا بشكل كبير بثقافة الأسماء، سواء كانت أسماء أشخاص أو أماكن أو غيرها، وما عدا ذلك، فقد غلب عليهم التعريب والتقليد. فانظر إلى شاعر طوبى الكبير المدهش كرن قطب جابي وهو يباري الشعراء الجاهليين في وصف المطية، فيقول:
فدعي الضرير يحثّ بين مهجّر *** ومعرّس ومصوّب ومصعّد
عيساء مسفنة اللبان شملّة *** وجناء ناحبة سبوق المِنجد
وقول الشاعر الحاج مختار الكبير:
فدع العيس في عرض المهامه تذرع *** وتمسي قليلاً من الليل وتهجع([21])
يتحدّث الشاعران هنا عن الناقة والجمل والإبل، مع أن بيئتهما الإفريقية الغينية لا تعرف عن النوق والجمال سوى اسمها، وحتى هما أنفسهما لا يعرفان عنها غير ما اطلعا عليها في النصوص الشعرية التي تزخر بها القصائد العربية الجاهلية وغيرها من النصوص الأدبية في مختلف العصور، أما كان أجدر بهما أن يتعرّضا لوصف المركوب الواقعي الذي كان موظّفًا لدى الناس، فيكونان بذلك قد أتاحا لثقافة من ثقافات مجتمعهما فرصة الانتشار، وهكذا الأمر مع كلّ المواضيع والأغراض الغريبة عن بيئتنا، كالصحاري ووصف الخمور والحروب والثأر، وغيرها.
أما الجيل الجديد المعاصر، فهم مختلفون في التصنيف، ومتعدّدون في تحديد الوجهة، ما بين متابع لسنة القدماء وآثارهم وشعارهم في ذلك {إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون}، وما بين مقلّد للمذاهب الأدبية الحديثة التي دخلت الأدب العربي؛ نتيجة احتكاكه بالآداب الأجنبية، وما بين ثالث متوسّط، أولى بعض الاهتمام للأدب الغينيّ الشعبيّ في إنتاجاته، وقليلٌ ما هم.
ولتحويل الاتصال الثقافي بين اللغة العربية والمجتمع الغيني، من أحاديّ الاتجاه والتأثير، إلى ثنائيّ الاتجاه والانعكاس، فتحصل تغذية عكسية، وتتولد ردة فعل راجعة، أي لكي يطّلع العالم العربي على ثقافة المجتمع الغيني، ويكتشف عاداته وتقاليده، ويقف على جليّة حضارته وقيمه الاجتماعية، لا بدّ للأديب أو الكاتب الغيني المستعرب من أن يكون تجسيدًا جوهريًّا لبيئته، ومرآة صافية لمجتمعه، ولسانًا طليقًا معبرًا عن هوية قومه، ولا يضرّه في ذلك كونه يكتب في غير لغته الأصلية، فإيصال الثقافة والعادات والتقاليد والقِيَم من مجتمع إلى آخر لا يتطلب ضرورة وجود لغة أمّ، بل يمكن إيصال تلك الحقائق والمعلومات والمعارف من خلال أيّ لغة يجيدها الكاتب.
وهذا ما نلمسه من كتابات بعض الأدباء الأفارقة في اللغات الغربية، مثل الكاتب الغيني “كمارا لاي” في روايته الشهيرة “الولد الأسود”؛ حيث يُعبِّر عن مجتمعه تعبيرًا صادقًا واقعيًّا، يكشف للمتلقي ماهية بيئته، ويعرض أمامه هوية قومه، وثقافاتهم وعاداتهم وقيمهم الاجتماعية بأسلوب واضح سلس ومشوّق، وقل مثل ذلك في الكاتب النيجيري الشهير “شينو ايشيبي” في روايته ذات الصيت العالمي “الأشياء تتداعى” فهو بدوره سلّط الضوء في هذه الرواية على حياة بيئته، ورسم لوحة فنية واضحة المعالم والملامح عن أوضاع مجتمعه، وسرد حقائق واقعية وأحداثًا ميدانية عن حياة قومه، بعرض ما لهم من ثقافات وحضارات وتقاليد وقِيَم ومُثل!
وهذا ما يجب على الأدباء الغينيّين المستعربين، أن يستوعبوه ويسيروا على منهاجه، فهم في إنتاجاتهم الأدبية لم يولوا اهتمامًا كبيرًا، ولم يقيموا وزنًا مستقيمًا للموروثات الوطنية المحلية والعادات الشعبية؛ وذلك لأن غالبية كتاباتهم خالية من بصمات إفريقية غينية، ومن ملامح بيئية واجتماعية ومعنوية من خلالها يمكن اكتشاف هويّة قومهم، والوقوف على ثقافاتهم وآدابهم المختلفة.
وانطلاقًا مما سلف، يهيب الباحث بالأديب الغيني المستعرب، ويدعوه إلى الاصطباغ بالصبغة الأدبية الوطنية؛ ليكون ترجمانًا صادقًا لواقعه، ومسؤولاً محافظًا على تراثه الوطني، ولسانًا طليقًا لمجتمعه، ولوحة فنيّة لبيئته، وصورة أصيلة لهويّة قومه، وبصمة إثباتية لثقافته وعاداته وتقاليده. ويدعوه عند كتابة قصة أو قصيدة أو رواية أن يصف كل شيء من حوله، ويسرد ماضيه، ويتحدث عن حاضره، ويستشرف مستقبله على شرفات التكهن، فبدلاً من التقيُّد اللازم والمفرط بذِكْر أيام العرب ووقائعهم، واستعمال أمثالهم وحِكَمهم، وتوظيف أسماء أبطالهم ومشهوريهم في مختلف الكتابات الأدبية الإفريقية الغينية، وبدلاً من تصبيغ الأدب الغيني العربي بالصبغة العربية، يستنفر الباحث جميع الكُتّاب إلى استعمال بدائل إفريقية التربة، وغينية التجنيس.
ففي تاريخنا وقائع وحروب وأيام وأبطال وقصص وملاحم، وفي آدابنا أمثال روائع، وحِكَم ثوابت، وأقوال مأثورة سوائر، وحكايات طريفة ملهمة، وأساطير غريبة ممتعة، وفي مجتمعاتنا القديمة والمعاصرة ثقافات وعادات وتقاليد وقِيَم جميلة، وفي بيئاتنا الجغرافية ما يستنطق الصخر الأصم، ويستولد الخيال العقيم، من جبال شامخات، وحقول خضر، وغابات كثيفة، وسهول متراحبة، وسواحل خلابة، وأنهار وجداول وشلالات متدفقة، وسماوات صافية تارة، ومتلبِّدة بالغيوم تارة أخرى، وأجواء ساخنة أو باردة أو معتدلة، وأمطار غزيرة، أليس في جميع هذه الظواهر والمشاهد ميادين رحيبة وخصيبة؛ لزرع هوّياتنا وثقافاتنا وعاداتنا وقيمنا ثم إيراد محاصيلها إلى العالم الخارجي من خلال الكتابات والإنتاجات الأدبية المحليّة بفنونها وأشكالها وتفريعاتها المتعدّدة؟
النتائج:
للنتائج البحثية أهمية قصوى في خدمة العلم؛ لأنها عبارة عن الخلاصة الخالصة، والثمرة العلمية المعرفية التي تَوصَّل إليها الباحث في دراسته، ومن أهم النتائج التي طرحتها هذه الدراسة ما يلي:
1ــ تُشكِّل اللغة العربية مع الإسلام أوثق عروة لغوية، وأقوى رابطة ثقافية قادرة على التوحيد والجمع بين شمل الأمّة الإسلامية على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وثقافاتهم.
2ــ تؤدّي عملية الاتصال الثقافيّ إلى ازدهار الثقافات المحلية وتوسيع نطاقها ونقلها إلى آفاق بعيدة، ولكنها قد تنعكس عليها سلبًا فتؤدّي إلى انهيارها وذوبانها في الثقافات الكبرى الوافدة.
3ــ يتم الاتصال الثقافيّ عبر طرق وقنوات متعدّدة، من أهمّها التعلّم اللغويّ بين المجتمعات، والقراءة العامة عن آداب الآخرين وثقافاتهم وحضارتهم ومورثاتهم الشعبية، سواء في لغتهم أو في غيرها.
4ــ هناك انعكاس جليّ، وتأثير ملحوظ للإسلام وثقافته الدينية ولغته العربية على المجتمع الغينيّ، ومن ملامح ذلك: انتشار الأسماء الإسلامية العربية في المجتمع، وكذلك الملابس، إضافة إلى كثرة استخدام المفردات العربية في اللغات المحلية، مع كثرة دارسي اللغة العربية والعلوم الإسلامية.
5ــ لا يتسّم الاتصال الثقافيّ بين اللغة العربية والمجتمع الغينيّ بثنائيّة الاتجاه، بل هو اتصال أحاديّ الوجهة، نظرًا إلى غياب اللغات المحلية الغينية عن البيئة العربية، وانعدام إنتاجات أدبية عربية غينية تحمل في فحواها الثقافة الغينية، وتترجم العادات والتقاليد والموروثات الشعبية الغينية.
6ـــ إن غياب الذوق الذاتي وفقدان البصمة الشخصية في المكتوبات الأدبية الغينية بشكل عام، يرجع سببه إما إلى شدّة تأثّر الأدباء الغينيّين بثقافة اللغة العربية التي استقوها وتشبعوا بها من خلال دراستهم للنصوص الأدبية العربية، أو عدم إلمامهم بالموروثات الشعبية المحليّة، أو عدم إقامتهم وزنًا لها مقابل نظيرتها العربية ذات الصيت الذائع، أو ربما ضاعت إنتاجاتهم المنثورة والمنظومة التي تناولوا فيها هذه المواضيع، أو أنها ربما لم تصل إليها بعدُ أيدي الباحثين والمحقّقين لإخراجها من مخابئها، وزفّها إلى العالم في كامل زينتها وأناقتها.
7ـــ من الملحوظ أن الجيل الأول من الأدباء الغينيّين المستعربين وخصوصًا الشعراء منهم درجوا على خطا الشعراء العرب القدامى في تعاطي كتابة الشعر، من حيث الأساليب والمواضيع والأغراض والكلمات والمعاني، في حين انقسم الجيل الجديد المعاصر إلى أصناف ثلاثة، منهم دارج على أثر الأولين، ومنهم من اعتنق المذاهب الأدبية الأجنبية المعاصرة التي اجتاحت عاصفتها الهوجاء الأدب العربيّ، ومنهم مَن كرَّس بعض الجهود لثقافة المجتمع الغينيّ وموروثاته الشعبية.
التوصيات:
بعد عرض النتائج المستخلَصة من الدراسة، توصَّل الباحث إلى توصيات تتمثّل فيما يلي:
1ــ على المؤسسات التعليمية العربية في غينيا إيلاء مزيد من الاهتمام باللغة العربية، بتطوير أساليب تعليمها، واستقطاب الجمهور إليها، وحمايتها من أخطار بعض الحملات المعادية لها.
2ـــ على الأدباء الغينيّين تصويب اهتمامهم في إنتاجاتهم الأدبية إلى الموروثات الشعبية التي تكمن في طيّاتها جذور هويّات المجتمع الغيني، وماهية ثقافاته وتقاليده وعاداته وقِيَمه الاجتماعية؛ ليتحقق بذلك اتصال ثقافي ثنائي الاتجاه بين اللغة العربية والمجتمع الغيني.
3ـــ إقامة المؤتمرات والندوات، وتنظيم المسابقات حول الكتابات الأدبية الخادمة للثقافات المحلية والموروثات الشعبية الغينية، وطباعة مخرجات ذلك ونشرها في العالم العربي وللجمهور العربيّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر والمراجع:
[1]– Kees Versteegh, The Arabic Language, (New York: Columbia University Press, 1997), hlm. 9.
[2] –http://www.saaid.net/Minute/33.htm
[3]– سورة الحجر: 9.
[4]– سورة يوسف: 2.
[5]– سالم المعوش، دور اللغة العربية في بناء المجتمع العربي وتطوره، عام 2011م، ص 11.
[6]– محمد عبد الجابر الحلواني، أهمية اللغة العربية في وحدة الأمة، مكة المكرمة، عام 2020م، ص 14.
[7]– شيخ الإسلام ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص 527.
[8]– العربية دراسات في اللغة واللهجات والأساليب، يوهان فك، ترجمة رمضان عبد التواب، مكتبة الخانجي، مصر، 1980م. منقول بتصرف.
[9]– الخصائص، ابن جنّي، تحقيق محمد علي النّجار، ج1، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986م، ص34.
[10]– محيي الدين عبد الحليم، أصل العربية وأزمتها المعاصرة والتربية، العدد 24، عام 2019م.
[11]– علم اللغة العام، فرديناند دي سوسور، ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز، ص245.
[12]– محمود السعران، اللغة والمجتمع رأي ومنهج، الإسكندرية، ط1، 1963م، ص 44.
[13]– محمد عبد الجابر الحلواني، مرجع سابق، ص 10.
[14]– خالد كاظم أبو دوح، اللغة والمجتمع وعلوم الاجتماع، الكويت عالم المعرفة، 2012م، ص 170.
[15]– فتيحة حداد، ابن خلدون وآراؤه اللغوية والتعليمية، الجزائر، مختبر الدارسات اللغوية، 2011م، ص 90.
[16]– عبد الله محمد الرفاعي، الإعلام والاتصال الثقافي والحوار بين أتباع الديانات والثقافات، دار الكنوز، الأردن، عام 2013م، ص 9.
[17]– أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات الإعلام، ط2، الكتاب المصرية ودار الكتب اللبنانية، بيروت، عام 1994م، ص 46.
[18]– عصام موسى سلمان، المدخل في الاتصال الجماهيري، ط1، الأردن، 1986م، ص 14.
[19]– آدم عبد الله الألوري، الإسلام في نيجيريا، نقلاً عن كتاب “تزيين الورقات” لعبد الله بن فودي.
[20]– محمد صالح جالو، اللغة العربية في غينيا بين الموجود والمقصود، ص 28.
[21]– محمد الأمين جابي، روائع آل كرمخوبا في فوتا طوبى ما بين 1805م و2007م، ص 373.