فاروق حسين أبو ضيف
باحث سياسي متخصص في الشؤون الإفريقية
مقدمة:
لا شك أن تصاعد تداعيات التغيرات المناخية على القارة الإفريقية يُشكِّل تأثيرًا كبيرًا على الأمن البشري والنمو الاقتصادي والتنمية، في ظل استمرار معاناة القارة من آثار تغيُّر المناخ في العالم؛ على الرغم من أنها الأقل مساهمة في إحداث التغيرات المناخية.
من هنا، أصبحت أجندة 2063م تُواجه تحديات وفرصًا جديدة، لا سيما في ظل حاجة الإطار القاري لأجندة إفريقيا إلى ضرورة معالجة مخاطر المناخ، والانتقال إلى مسارات منخفضة الكربون، لا سيما في ظل التأثير المتصاعد لتغيُّر المناخ. كما أن هناك حاجةً ملحَّة لدمج إدارة مخاطر المناخ، والاعتراف بالفرص المصاحبة في الإستراتيجيات القارية في إفريقيا.
وتُعدّ أجندة 2063م، الإطار القاري للاتحاد الإفريقي، إحدى المبادرات التي يمكن أن تحقّق أهدافها مع تعزيز المرونة وحماية المجتمعات الضعيفة، وقد قادت الأحداث الأخيرة المتعلقة بالمناخ إلى إظهار العديد من التحديات، والتي تُؤكّد على ضرورة وأهمية اتخاذ تدابير استباقية لحماية الأمن البشري والنهوض بالتنمية المستدامة.
في هذا السياق، تشتد الحاجة إلى النجاح في إدارة مخاطر المناخ، والوفاء بجدول أعمال أجندة 2063م والتي أصبحت ضرورة بالنسبة لتنمية القارة؛ حيث تمَّت صياغة أجندة 2063م في يناير 2015م عندما كانت مخاطر المناخ أقل تأثيرًا.
هذا، وتمتلك دولة واحدة، وهي جنوب إفريقيا، حاليًّا 17.1 مليار دولار من الاستثمار المؤسسي في سلسلة قيمة الوقود الأحفوري([1])، وكان الهدف من الإيرادات من الوقود الأحفوري؛ أولاً: تمويل خطة التنمية الإفريقية، وثانيًا: توفير الأمن المالي لدفع طموحات التنمية في القارة. لكنّ التطور المستمر لصناعة الوقود الأحفوري في أعقاب الانتقال إلى اقتصاد عالمي منخفض الكربون مدعوم بحواجز تجارية جديدة مرتبطة بالكربون يهدد بترك إفريقيا بأصول عالقة.
كما ظهرت الحاجة الماسَّة لتحديث أجندة 2063م؛ لمعالجة مخاطر تغيُّر المناخ، والتحول إلى مسارات منخفضة الكربون بشكل متزايد؛ للحفاظ على طموحات التجارة الدولية لإفريقيا وتوسيعها، وتهدف التوصيات إلى البلدان الإفريقية والجماعات الاقتصادية الإقليمية والاتحاد الإفريقي لضمان الأمن البشري مع تحقيق أهداف جدول الأعمال.
المناخ في صدارة الأولويات… مضمون أجندة إفريقيا 2023م:
تُعدّ أجندة إفريقيا 2063م إحدى أبرز الإستراتيجيات التي وضعها الاتحاد الإفريقي من أجل تحقيق التنمية والازدهار بالقارة الإفريقية؛ فهي إطار إستراتيجي للتحوُّل الاقتصادي والاجتماعي لإفريقيا خلال مدة الخمسين عامًا المقبلة؛ حيث تعتمد على ضرورة العمل على تنفيذ المبادرات من أجل تحقيق النمو والتنمية المستدامة بالقارة، ومن أبرزها: معاهدة أبوجا، برنامج الحد الأدنى من التكامل، خطة عمل لاجوس، البرنامج الخاصة بتطوير البنية التحتية الإفريقية المعروفة بـ PDIA، وبرنامج التنمية الزراعية الشاملة والمعروفة بـ CADDP، وكذلك الشراكة الجديدة لتحقيق التنمية الإفريقية، والمعروفة بـNEPAD. كما تعتمد أجندة إفريقيا 2063م على تحقيق أفضل الممارسات الوطنية وكذلك الإقليمية والقارية من أجل تحقيق التنمية.([2])
ترتكز أجندة إفريقيا 2063م في مضمونها على 7 تطلعات رئيسية للقارة، وهي:
- إفريقيا تنعم بالازدهار القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة.
- قارة متكاملة ومتحدة سياسيًّا ومعتمدة على الـمُثل العليا للوحدة الإفريقية الشاملة.
- إفريقيا يسودها الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون.
- إفريقيا قارة مسالمة وآمنة.
- إفريقيا ذات هوية ثقافية قوية وتراث وقِيَم وأخلاقيات مشتركة.
- الاعتماد على الطاقات الكامنة للشعوب الإفريقية لتحقيق التنمية.
- جعل إفريقيا قوية وموحدة ومؤثرة كلاعب وشريك دولي.
كما تهدف الأجندة للعمل على تقريب القارة الإفريقية من تحقيق هدفها، وهو “إفريقيا التي نريدها”؛ حيث تعمل على وضع مخطط وإستراتيجية للقارة، وتنفيذ خطة رئيسة للعمل على تحويل القارة إلى قوة كبرى عالمية في المستقبل خلال فترة 50 عامًا.([3])
ويمكن القول: إن أجندة إفريقيا ٢٠٦٣م قد حدَّدت من خلال أهدافها السبعة، أنها سوف تعمل على تيسير المكاسب للتحوُّل نحو التوجهات الاقتصادية، جنبًا إلى جنب مع تحسين الظروف البيئية، وسيتم الحفاظ على ما لا يقل عن ۱۷% من المياه الأرضية والداخلية، و١٠ من المناطق الساحلية والبحرية، وستكون جميع الموارد الطبيعية عابرة للحدود، وسوف تتم حماية وحفظ الحدائق العامة، بما فيها الحياة البرية من أجل الأجيال الحالية والمستقبلية، وأخيرًا سيتبنَّى ثلث المزارعين والصيادين والرعاة نُظمًا إنتاجية مرنة في وجه تغيُّر المناخ.([4])
وعلى الرغم من التحديات التي تُواجه القارة الإفريقية؛ إلا أن إفريقيا تُحْرِز تقدُّمًا في تنفيذ جدول أعمال 2063م، الذي يتضمَّن إستراتيجية طموحة لإفريقيا مزدهرة تقوم على التنمية الشاملة والمستدامة، فإنها تطمح إلى أن تكون بمثابة مخطط توجيهي وخطة رئيسية للقارة، وتوجّه إفريقيا نحو أن تصبح قوة عالمية هائلة في السنوات القادمة. ويأمل الإطار الإستراتيجي الطموح، الذي تم تصميمه لتوجيه تنمية القارة على مدى 50 عامًا -من 2013م إلى 2063م-، في تحويل إفريقيا إلى قارة موحدة ومزدهرة وسلمية، ووضع رفاهية شعوبها في جوهرها.
كما تسعى للقضاء على الفقر، وتعزيز النمو الاقتصادي الشامل للجميع، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وتعزيز الهياكل الأساسية والتكنولوجيا. كما يهدف إلى تعزيز الحكم والديمقراطية والعدالة الاجتماعية مع الحفاظ على التراث الثقافي للقارة وبيئتها. ويؤكد تقييم حديث لتنفيذ جدول أعمال 2063م أنه على الرغم من التحديات التي يفرضها وباء COVID-19، فقد تم إحراز تقدُّم، مما أدى إلى تحقيق إنجازات كبيرة منذ المراجعة الأولية، التي أُجريت في عام 2019م.
كما يمكن تسليط الضوء على مسار تصاعدي في القارة بأكملها، مع إحراز تقدُّم إيجابي في تحقيق معظم الأهداف، كما ارتفعت النتيجة الإجمالية إلى 51٪ مقارنة بـ32٪ المسجَّلة في عام 2019م. كما يؤكد التقرير على ضرورات معالجة التفاوتات في البنية التحتية، وتسريع التصنيع، وتعزيز الإنتاجية الزراعية، وتعزيز الاقتصادات القادرة على التكيُّف مع تغيُّر المناخ، والمرونة المناخية هي العنصر الأساسي للإنجاز المستدام لجدول أعمال 2063م.
تفاعلات معقدة… تغيُّر المناخ وقضايا التنمية في القارة:
حدَّد بنك التنمية الإفريقي (AfDB) تغيُّر المناخ باعتباره تهديدًا أساسيًّا لتنمية إفريقيا، ووفقًا لصندوق النقد الدولي، تشهد القارة الإفريقية حصة كبيرة (ما يقرب من ثلث) من حالات الجفاف في العالم. ومع تسارع وتيرة العواصف والفيضانات في إفريقيا بسرعة أكبر من أيّ جزء آخر من العالم([5])، وتتحمَّل إفريقيا عبئًا ثقيلًا بشكل غير متناسب من التكاليف التي يفرضها تغيُّر المناخ. ويرجع ذلك جزئيًّا إلى زيادة كثافة وتواتر التهديدات الناجمة عن تغيُّر المناخ، والاعتماد الكبير على الموارد الطبيعية والهياكل الأساسية والخدمات الأساسية ونُظُم الحوكمة غير الكافية لتمكينها من تحمُّل الصدمات المناخية.
وتفاقم ضعف القارة في مواجهة تغيُّر المناخ بسبب التفاعل المعقَّد بين الضغوط المرتبطة بالمناخ والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية([6]) التي تتفاعل وتعزّز بعضها البعض أحيانًا، مما يُضخّم التأثير التراكمي، كما تتقاطع التحديات متعدِّدة الأوجه لتغيُّر المناخ مع مبادئ الأمن البشري الواردة في جدول أعمال عام 2063م. فالجفاف الذي طال أمده وعدم انتظام هطول الأمطار والظواهر الجوية الشديدة تُهدِّد سبل العيش وتفاقم ندرة الموارد وتزيد من أوجه الضعف القائمة. إضافة إلى التأثيرات البطيئة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر والتملح المجتمعات الساحلية. وتزيد الضغوط الاجتماعية-الاقتصادية الناجمة عن ذلك من احتمالات نشوب الصراعات والهجرة وعدم الاستقرار الاجتماعي.
وبالإضافة إلى انعكاسات تغيُّر المناخ على إمكانات تنمية رأس المال البشري؛ فإنه يؤثر سلبًا على النمو الشامل في الأجل الطويل. إن الافتقار إلى المرونة وتضاؤل قدرة الدول الإفريقية على التكيُّف مع العواقب الضارة يتجلَّى بالفعل على أنه انخفاض في النمو والتنمية.
ويُظهر التحليل الذي أجراه مصرف التنمية الإفريقي، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لإفريقيا؛ انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد، مع كون أفقر البلدان في القارة هي الأقل قدرة على التكيُّف مع تغيُّر المناخ. هذه الظاهرة، المعروفة باسم «عجز التكيُّف»، شائعة في البلدان الفقيرة في جميع أنحاء العالم(([7]، ويلاحظ مصرف التنمية الإفريقي أن إفريقيا تفقد ما بين 5٪ و15٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي للفرد بسبب تغيُّر المناخ وتأثيره.( ([8]
التمهيد لـCOP28.. مؤتمر قمة المناخ الإفريقي:
أتاح مؤتمر قمة المناخ الإفريقي، الذي عُقِدَ قبل COP28، للقادة الأفارقة وأصحاب المصلحة فرصة مهمة لمواجهة التحديات المناخية العاجلة والمتصاعدة التي تُواجه القارة. مع إبلاغ الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ أن الاحترار في إفريقيا يتسارع بشكل أسرع مما هو عليه في بقية العالم. وأصبحت القمة ساحة حاسمة لمعالجة العبء غير المتناسب للمنطقة من الأحداث المناخية، والتي لها تداعيات خطيرة على الأمن البشري، الاستقرار الاقتصادي والسلام والصحة العامة.
كان الإعلان عن التزامات مالية كبيرة أحد المعالم البارزة للقمة. وكشف الرئيس الكيني ويليام روتو عن تعهُّدات تصل إلى 23 مليار دولار؛ حيث كشف مصرف التنمية الإفريقي أنه خصَّص أموالًا لجهود النمو الأخضر والتكيف. ومع ذلك، تم الإعراب عن القلق بشأن الطابع طويل الأجل للتمويل، الذي يمتد لعقود بدلاً من المستقبل القريب، وعدم وجود خطة إستراتيجية لإلغاء الديون أو توزيع عادل لتمويل المناخ، وهي جوانب حاسمة للعمل المناخي العادل.
في 7 سبتمبر 2023م، استضاف معهد الدراسات الأمنية (ISS) بالتعاون مع أكاديمية السلك الدبلوماسي الكيني، حدثًا جانبيًّا رئيسيًّا خلال القمة. كان الحدث، الذي جمع مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة، بما في ذلك ممثلو الحكومات وأعضاء الأمم المتحدة والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية، منصة مهمة يمكن من خلالها الخوض في إستراتيجيات مبتكرة لتسريع تحقيق جدول أعمال 2063م مع دمج مناهج مقاومة المناخ. وشدَّدت على أهمية التفكير المستقبلي بشأن المناخ في تنفيذ جدول أعمال عام 2063م.
كما يُعرّض تغيُّر المناخ التنمية المستدامة للخطر، ويعوق النمو الاقتصادي، ويؤثر على الأمن الغذائي والطاقة النظيفة والبنية التحتية القادرة على التكيُّف. وأكد المتحدّثون في الحدث أنه يؤثر أيضًا على رفاهية الإنسان والتنوع البيولوجي، قائلين: إن التعاون الإقليمي أمر حيوي لمواجهة التحديات التي يطرحها. كما يُعزّز تحسين الوصول إلى التمويل أهداف أجندة 2063م، بما يتماشى مع تطلعات الاتحاد الإفريقي. من حيث الجوهر، يُعدّ التصدي لتغيُّر المناخ جزءًا لا يتجزأ من تحقيق أهداف أجندة 2063م، التي تشمل التنمية والمرونة الاقتصادية والرفاهية العامة في إفريقيا.
إن تغيُّر المناخ لا يعوق تنمية إفريقيا فحسب، بل هناك قلق حقيقي من أن عدم كفاية الاستجابة لأزمة المناخ قد يُعرِّض للخطر تحقيق أهداف وغايات جدول أعمال عام 2063م، مثل أجزاء أخرى من العالم أدَّت فيها التنمية إلى زيادة انبعاثات الكربون، كما أن إفريقيا، بتزايدها السكاني السريع والحاجة الماسة إلى مستويات معيشة أفضل، ستزيد من انبعاثات الكربون فيها. من حيث الجوهر، سيأتي التقدم في التنمية المتوخى في جدول أعمال 2063م مع تأثير الكربون المرتبط به.
يشير التحليل الذي تم إجراؤه كجزء من مشروع العقود الإفريقية المستقبلية لمحطة الفضاء الدولية إلى أن تحقيق الأهداف المحددة في جدول أعمال 2063م، سيؤدي إلى إطلاق ما يقرب من 297 مليون طن إضافي من الكربون في الغلاف الجوي بحلول عام 2043م. وربما ستكون مساهمة إفريقيا في انبعاثات الكربون العالمية أقرب إلى 12٪ من التوقعات الحالية البالغة 9٪، وستقترب من 30٪ بحلول عام 2063م. ستدخل القارة 1.2 مليار طن إضافية من الكربون في الغلاف الجوي بحلول عام 2043م، بالإضافة إلى انبعاثات الكربون المتوقعة لمسار التنمية اعتبارًا من عام 2023م؛ حيث يوضح الشكل “انبعاثات الكربون من المساهمين الرئيسيين في إفريقيا في عامي 2019 و2043م.
IFs 7.63 initialising from Carbon Dioxide Information Analysis Center
مستقبل قضايا المناخ في ضوء أجندة إفريقيا 2063م:
ووفقًا لهذا التحليل أيضًا فإن هناك منظورًا مختلفًا لانبعاثات الكربون في إفريقيا عبر الأُطُر الزمنية الممتدة يكشف أنه في سيناريو أجندة 2063م المشتركة، ستتجاوز انبعاثات إفريقيا الانبعاثات الجماعية لـ27 دولة من دول الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030م، وستتجاوز انبعاثات الولايات المتحدة بحلول عام 2039م، والهند بحلول عام 2046م، والصين بحلول عام 2056م.
مع الخطر الوشيك للوصول إلى زيادة درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية في المستقبل القريب، والحاجة الملحة لتكثيف الجهود لاتباع أكثر إستراتيجيات التخفيف من تغيُّر المناخ طموحًا؛ هناك احتمال حقيقي بأن تغيُّر المناخ يمكن أن يُعيق تنمية إفريقيا بشكل كبير. وهذا أمر مثير للقلق بشكل خاص؛ لأن السيناريوهات ذات إمكانات النمو الكبيرة، مثل تنفيذ اتفاق التجارة الحرة القارية الإفريقية وتطوير التصنيع، مرتبطة بانبعاثات كربونية كبيرة. من الواضح أن تحقيق جدول أعمال 2063م يتأثر بشكل مباشر وغير مباشر بتأثير تغيُّر المناخ.
لحماية الأمن البشري وتحقيق التنمية المستدامة، من الأهمية بمكان إدماج إدارة المخاطر المناخية في الإستراتيجيات الأساسية لجدول أعمال عام 2063م. ويمكن القيام بذلك عن طريق إدراج تقييمات صارمة لمخاطر المناخ في جميع المشاريع لتحديد مواطن الضعف، وتوقُّع التأثير، وتصميم إستراتيجيات قابلة للتكيُّف، وتطوير الهياكل الأساسية التي يمكن أن تتحمل الظواهر المناخية الشديدة، وضمان استمرارية الخدمات الحيوية.
وينبغي أن تتضمن هذه الإستراتيجية تقييمات لقابلية التأثر لتحديد المناطق المعرَّضة للمخاطر المتصلة بالمناخ، بما في ذلك الفيضانات والحرارة الشديدة والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر. كما ينبغي إجراء تقييمات للأثر فيما يتعلق بمشاريع الأمن الزراعي والغذائي؛ للمساعدة في تحديد الكيفية التي ستؤثر بها الظروف المناخية المتغيرة على غلة المحاصيل، ولتوجيه اختيار أنواع المحاصيل وإستراتيجيات إدارة المياه القادرة على التكيُّف مع المناخ.
في حالة مبادرات جدول أعمال 2063م لتعزيز الطاقة المتجددة، يمكن أن تساعد التقييمات التكيفية في تحديد التأثير المحتمل لتغيُّر المناخ على إنتاج الطاقة، وتقييم طرق تحسين التكيف. ويمكن أن تسترشد هذه المعلومات بإستراتيجيات تنويع مصادر الطاقة لضمان أمن الطاقة في مواجهة الاضطرابات المناخية، ويجب تعزيز آليات الحوكمة للاستجابة بفعالية للظروف المناخية المتغيرة والتخفيف من حدة النزاعات المحتملة الناجمة عن ندرة الموارد. وسيكون بناء القدرات حاسمًا أيضًا؛ إذ سيُمكِّن المجتمعات المحلية والمؤسسات من التكيُّف مع المخاطر المناخية، مما يؤدي إلى إيجاد سبل عيش مستدامة والحد من الضعف.
جهود الحكومات الإفريقية لمعالجة قضايا المناخ:
يمكن للحكومات أن تنشئ مكاتب أو فِرَق عمل مسؤولة عن وضع وتنفيذ خطط العمل المتعلقة بالمناخ كجزء من عملية تخطيط القدرة على مواجهة تغيُّر المناخ. في المناطق التي يؤدي فيها تغيُّر المناخ إلى تفاقم ندرة الموارد، يمكن للحكومات إنشاء آليات للوساطة وحل النزاعات؛ لمنع النزاعات حول المياه أو استخدام الأراضي أو أنماط الهجرة أو الوصول إلى الموارد الطبيعية، وهذه الآليات ضرورية لمنع نشوب الصراعات وضمان التوزيع العادل للموارد.
كما يمكن للحكومات أن تسنّ قوانين وتُنفّذ سياسات تشجّع على الاستخدام المستدام للأراضي وخفض الانبعاثات وحفظها. بالإضافة إلى الإجراءات الحكومية، سيكون بناء القدرات عنصرًا حاسمًا في خطط التكيف مع المناخ في القارة، بما في ذلك من خلال التدريب على المرونة المجتمعية ومهارات البنية التحتية المقاومة للمناخ والتعليم التكيفي مع المناخ.
في حين أن جميع المشاريع الرئيسية يجب أن تتمتَّع بطابع أقوى للمرونة المناخية، ويجب أن تحظى ثلاثة منها باهتمام خاص:
- صياغة إستراتيجية إفريقية للسلع الأساسية تستفيد من الأصول المعدنية الحيوية لإفريقيا لتشغيل اقتصاد عالمي للطاقة النظيفة.
- إدخال جواز سفر إفريقي موحد، وحرية تنقل الأشخاص لاستيعاب التنقل القسري المرتبط بتغيُّر المناخ، وهو بالفعل ظاهرة عالمية، وتسخير الفوائد الإنمائية للهجرة.
- إسكات البنادق؛ من خلال بذل جهد أكبر فيما يتعلق بالصلة بين التطور المناخي والأمن.
وينبغي للبلدان الإفريقية أن تدمج الممارسات الزراعية القادرة على التكيُّف مع المناخ، مثل أصناف المحاصيل المقاومة للجفاف، وأساليب الري المستدامة، في إستراتيجياتها الزراعية الوطنية. ومن شأن تكامل البيانات المناخية والنماذج التنبؤية أن يُوجِّه ممارسات الزراعة التكيفية، ويُعزّز الأمن الغذائي والمرونة الريفية.
مع استمرار تزايد تأثير تغيُّر المناخ، يجب أن تكون تقييمات مخاطر المناخ جوهرية في تطوير البنية التحتية الوطنية. وإن ضمان تصميم مشاريع البنية التحتية لتحمُّل الظواهر الجوية الشديدة يضمن الاستثمارات ويقلل من الاضطرابات، كما يجب وضع إستراتيجيات وطنية للتأهُّب للكوارث والاستجابة لها، مع مراعاة أوجه الضعف الناجمة عن المناخ. وينبغي أن يرتبط تنفيذ هذه الإستراتيجيات بالاستثمارات في الكشف والمراقبة والرصد والتحليل والتنبؤ والإبلاغ ونشر التحذيرات بشأن مخاطر المناخ، وضرورة وضع الدول الإفريقية أهداف طموحة للطاقة المتجددة تتماشى مع أهداف المناخ. ومن شأن وضع سياسات وأُطُر تنظيمية داعمة، وتقديم حوافز لاستثمار القطاع الخاص، وتعزيز البحث والتطوير، أن يُعجِّل بالانتقال إلى الطاقة النظيفة، مما يدفع عجلة النمو المستدام.
ويجب على الحكومات والمدن توقُّع واستيعاب المهاجرين الريفيين بسبب المناخ، مع التخطيط أيضًا للهجرة من المناطق الضعيفة. ومن الأهمية أيضًا التركيز على إنشاء مسارات آمنة وتنموية للمهاجرين بسبب المناخ، كما يمكن للحكومات والمدن –عن طريق إدراج هذه التدابير في خططها- أن تتصدى بفعالية لتحديات الهجرة الناجمة عن المناخ، وأن تكفل رفاه السكان المتضررين واستدامة التنمية.
أما فيما يتعلق بالجهد الرئيسي الذي يمكن أن تبذله الحكومات الإفريقية، فهو وضع تغيُّر المناخ في قلب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية، وصنع السياسات والميزانيات الوطنية وضمان التنفيذ. وستتبع ذلك تلقائيًّا الزراعة القادرة على التكيُّف مع المناخ ومرونة البنية التحتية وتحوُّل الطاقة المتجددة. وينبغي للحكومات أيضًا أن تستخدم الإيرادات المتأتية من الموارد بحكمة للاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية القادرة على التكيُّف مع تغيُّر المناخ.
من أجل التكيُّف مع الظروف الحدودية الجديدة، والتي تشمل تأثير تغيُّر المناخ السريع، فضلاً عن السيولة الجيوسياسية، يجب على الاتحاد الإفريقي أن يبدأ في مراجعة أجندة 2063م لتشمل مسار تنمية أكثر مرونة في مواجهة تغيُّر المناخ لإفريقيا يستفيد من الموقع الجديد المحتمل للقارة في النظام العالمي، كما يجب على الاتحاد الإفريقي أن يُعزّز دوره كمدافع عالمي عن العدالة المناخية.
ومن خلال الدفاع عن سياسات المناخ العادلة، وتأمين آليات التمويل القوية والاستفادة من الشراكات الدولية؛ يعزز الاتحاد الإفريقي موقف إفريقيا على أجندة المناخ. ويجب أن يدمج التعليم المناخي في مبادراته التعليمية. ومن خلال تعزيز معرفة المناخ، يمكن للاتحاد أن يُزوّد المواطنين بالمعرفة والمهارات اللازمة لفهم التكيُّف مع المناخ والدعوة إليه.
وختامًا، يجب على الاتحاد الإفريقي إنشاء مركز إقليمي للبيانات والمعرفة المناخية. وإن توحيد المعلومات المناخية والبحوث وأفضل الممارسات يزوّد الدول الأعضاء والمجموعات الاقتصادية الإقليمية بالموارد اللازمة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المناخ.
ومن الضروري إنشاء صندوق مخصَّص لمشاريع التكيُّف مع المناخ والمرونة في جميع أنحاء القارة. هذا الصندوق قادر على تجميع الموارد من الشركاء الدوليين، والاستفادة من استثمارات القطاع الخاص واستكشاف آليات التمويل المبتكرة لتعزيز قدرة إفريقيا على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ. كما أن دمج إدارة مخاطر المناخ في أجندة 2063م سيعكس التزامًا عميقًا بتأمين مستقبل إفريقيا.
ومن خلال تبني هذه التوصيات على مستوى الدُّوَل والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والمستوى القاري، يمكن لإفريقيا أن تتغلب بفعالية على التحديات التي يفرضها تغيُّر المناخ، مع حماية الأمن البشري والازدهار والوحدة.
إن هذا التآزر بين القدرة على الصمود في مواجهة تغيُّر المناخ وأجندة 2063م ليس مجرد ضرورة فحسب، بل إنه شهادة على قدرة إفريقيا على الصمود والتكيف والتصميم الثابت على النجاح في مواجهة التحديات الجديدة التي يفرضها تغيُّر المناخ.
…………………………………
[1] -Centre for Environmental Rights, New data reveals extent of South African investors’ fossil fuel holdings, 20 April 2023, https://cer.org.za/news/new-datareveals-extent-of-south-african-investors-fossil-fuel-holdings.
[2] – د. أدهم البرماوي، التكامل الإقليمي في إفريقيا بين الماضي والمستقبل… أجندة NEPAD 2063. https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8820
[3] -Ibid.
[4] – أجندة ٢٠٦٣م: إفريقيا التي نريدها، الإطار الإستراتيجي المشترك من أجل نموّ شامل وتنمية مستدامة، خطة التنفيذ العشرية الأولى ۲۰۱٤ – ۲۰۲۳م، أديس أبابا الاتحاد الإفريقي، سبتمبر ٢٠١٥م، ص ٧٥.
[5] -International Monetary Fund, Regional economic outlook. Sub-Saharan Africa: COVID-19: An unprecedented threat to development, Washington, DC: World Economic and Financial Surveys, 2020.
[6] African Development Bank, African Economic Outlook 2022, www.afdb.org/en/documents/african-economic-outlook-2022, and discussions during a Webinar on How can Africa best understand its climate and human security risks? Hosted by ISS on 22 Feb 2022, https://issafrica.org/events/how-can-africa-bestunderstand-its-climate-and-human-security-risks.
[7] S Fankhauser and T K J McDermott, Understanding the adaptation deficit: Why are poor countries more vulnerable to climate events than rich countries?, Global Environmental Change 27, 2014, 9-18, https://doi.org/http://dx.doi.org/10.1016/j
[8] www.afdb.org/en/news-and-events/press-releases/africa-loses-15-its-gdp-capita-annually-because-climate-change-african-development-bank-acting-chiefeconomist-kevin-urama-5466