في مايو من هذا العام، أصدر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مرسوما ستقام بموجبه الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 30 أكتوبر بعد انتخابات البرلمان التي من المفترض أن تجري في 24 و 25 سبتمبر ولكنها مؤجّلة لعدة أسباب.
وكانت العملية الانتخابية تستند على الدستور المؤقت الذي اعتمد في عام 2012، الهادف إلى ضمان ألا يتعدى الرئيس الحالي والبرلمان الفترة المقررة. وعلى الرغم من أن فترة الرئيس الحالي انتهت في 10 سبتمبر إلا أنه يبدو وكأنه تم الاتفاق على تمديدها إلى حين وقت الانتخابات.
تعتبر الانتخابات التي من المفترض أن تجرى يوم السبت (24 سبتمبر) لاختيار حكومة جديدة, خطوة تأريخية وعلامة إيجابية, حيث ستكون الثانية من نوعها منذ عام 1969 في الصومال. إضافة إلى أنها تُبشّر – وفق منظمات وهيئات عالمية – بـ”الديمقراطية” التي تتمتع بها البلاد مما ستؤدي إلى تقوية مؤسساتها.
لن تكون عملية انتخابات الصومال لعام 2016 على أساس “صوت واحد لشخص واحد مؤهل للتصويت”, وإنما ستكون على أساس ما يسمى “نظام 4.5 العشائري” لتحديد المندوبين الذين سيصوتون لمجلس النواب، في حين أن أقاليم البلاد ستختار أعضاءها للمجلس الأعلى. هذا النظام الانتخابي، الذي يجمع بين النظام العشائري التقليدي والتصويت الجغرافي، لا يعني في الحقيقة سوى أن العملية هي مجرّد “اختيار” وليس “انتخاب”.
شارك عدد من القادة الوطنيين والإقليميين الصوماليين في وقت سابق من هذا العام, في المنتديات القيادية الوطنية لتحديد طرق العملية الانتخابات. وعُقد آخرها في أغسطس في مقديشو. وكان من بين القضايا التي نوقشت الحاجة إلى وضع اللمسات الأخيرة على عملية مراجعة الدستور، وإنشاء الأحزاب السياسية كبديل مستقبلي للنظام العشائري. إضافة إلى إدماج المرأة في الانتخابات والشؤون العامة، مع دعوة الزعماء التقليديين والكليات الانتخابية إلى ضمان أن تشكّل المرأة 30٪ من المندوبين الذين سيختارون المجلس الأدنى والأعلى.
في ذلك المنتدى, تمّ حثّ كل من العشائر الرئيسية الأربعة – بنو هوية، دارود, دير و رحانوين – على ضمان أن تجد كل منها 18 إناث ممثلات لها، في حين يجب على العشيرة الخامسة – تتكون من ائتلاف عشائر الأقليات – أن تجد تسعة إناث.
ومما اقترح أيضا أن تكون ترشيحات العشائر إلى مجلس الشيوخ تضم 50٪ من النساء. وبالإضافة إلى ذلك، أُعطِيت التوصيات بتخفيض 50٪ من رسوم المرشحين للنساء كمبادرة العمل الإيجابي تهدف إلى كسر الحواجز للنساء وتشجيع المرشحات.
يشير بعض مراقبين أن تمثيل الصومال من الجنسين سيكون حوالي 81 امرأة في البرلمان, وذلك إذا نجح تنفيذ المقترحات والتوصيات السابقة. ومع ذلك، فإنها مجرد مقترحات، وما زالت صحتها ونفوذها مشكوك فيهما باعتبار أن السلطة الحقيقية بيد العشيرة تقليدية وزعماء “دينيين”.
ونتيجة لذلك، فإن حوالي 14،000 مندوبا (في انتخابات التي ستجرى هذا العام) يمثلون عشائر البلاد, وسيختارون 275 عضوا لمجلس النواب، في حين أن الدولة الفيدرالية الإقليمية ستختار 54 عضوا الذين هم بدورهم سيقومون بتشكيل مجلس الشيوخ في البرلمان. وهؤلاء النواب بعد ذلك هم من سينتخبون رئيسا. والرئيس الجديد هو من سيختار رئيس الوزراء، والذي بدوره يٌكلّف بتشكيل الحكومة.
إذْ يرى البعض أن لمثل هذا النظام الانتخابي إيجابيات, حيث سيشعر جميع قبائل البلاد بعضويتهم في الحكومة وإدارة الوطن. إلا أن هناك محللين يخشون ضيق هذا النموذج حيث أن النخبة السياسية هم من سيستفيدون منه. مؤكدين أنه يوسّع أيضا الصدع القائم بين القبائل والعشائر ويحبط إنشاء نظام شامل من شأنه توحيد الصوماليين على أساس القومية.
ومع ذلك، وبغض النظر عن عيوبه، كان للنظام السياسي والانتخابي في الصومال تأثير معتدل على أرض الواقع منذ انتهاء الحرب الأهلية الطويلة التي استمرت عقدين. وعلى الرغم من ضيق مساحة الانتخابات، فقد اتسعت الدرجة التي يتم بها تقييم “الديمقراطية” والعمليات السياسية في البلاد بطرق واعدة.
وعلى سبيل المثال، كان تصويت عدد 14,000 مندوبين في انتخابات هذا العام هو أكثر بكثير من عدد 135 شيوخ الذين انتخبوا عضو البرلمان في عام 2012.
كما أنّ التسييس حلّ إلى حد كبير محلّ ديناميات الاقتتال الداخلي بقيادة عشيرية. وانخفضت منذ عام 2012 قوة الشد والجذب بين الرئيس والبرلمان، ورئيس الوزراء، وصار الجميع يفضّلون التحاور والمناقشة على الدمار.
تأجيل الانتخابات:
كان الرئيس حسن شيخ، الذي يقود حملة لإعادة انتخابه، قد وعد بأن 2016 سيشهد انتخاب “شخص واحد، صوت واحد”. ولكن الواقع هو أن مثل ذلك التصويت لن يتم في الصومال في أي وقت قريب. وذلك بسبب محدودية الموارد وعدم سيطرة الحكومة على مساحات كبيرة من البلاد والتي كانت تحت قبضة حركة الشباب.
للمرة الثانية خلال شهرين, فشلت اللجنة الانتخابية في الصومال في أن تفي بالموعد النهائي (24 سبتمبر) لبدء انتخابات أعضاء مجلس النواب، مما أثار مخاوف بأن هذا التأخير قد يؤثر في انتخاب الرئيس المقرر في 30 أكتوبر.
بحلول يوم السبت (الموعد النهائي)، ينتظر الجميع فتح مراكز الاقتراع في العواصم الإقليمية، بينما لا يزال فريق لجنة الانتخابات الاتحادية (FIEIT) محتجزين في لقاء لتسوية القضايا الخلافية.
وقالت هيئة الانتخابات الصومالية في بيان لها يوم 21 سبتمبر, أن الشيوخ المكلفين باختيار المندوبين الذين سيختارون أعضاء مجلس النواب لم يقدموا بعد قوائمهم للهيئة الانتخابية, فضلا عن كون العشائر أنفسهم لا يرغبون في حجز المقاعد للنساء حسب الإجراءات الانتخابية المتفق عليها. مشيرة إلى أنها – أي الهيئة – أيضا تواجه تحديات مالية وسياسية وأمنية, والتي قد تؤخر عملية الانتخابات.
الأمن الصومالي والانتخابات:
التزم المجتمع الدولي بتلبية 60 في المائة من ميزانية الانتخابات في حين تتحمّل الصومال الباقي من خلال خزانة الحكومة الاتحادية ورسوم المرشحين. وبالإضافة إلى الجوانب التقنية للانتخابات، لا يزال الأمن يشكل تحديا رئيسيا.
أعلنت جماعة حركة الشباب الأسبوع الماضي أنها ستعرقل الانتخابات، مما أثار المخاوف ، نظرا لأن مثل هذا الإعلان قد يخيف بعض الناخبين ويبعدهم عن صناديق الاقتراع.
وفي وقت سابق, أشارت رئاسة الجمهورية في مرسوم يوم 4 سبتمبر أن صلاحيات الرئيس حسن شيخ محمود ستكون محدودة بعد 10 سبتمبر لكونه الوقت النهائي لولايته المنصوص عليها دستوريا. ونصَّ المرسوم على تمديد نهاية الفترة إلى 6 نوفمبر.
وفي الوقت نفسه، نشر الاتحاد الأفريقي فريق الدعم الانتخابي الفني على المدى القصير في الصومال. وقال بيان لمفوضية الاتحاد الأفريقي يوم السبت, أن الفريق سيعزز أيضا وحدة “أميصوم” السياسية, وسيبقى في الصومال حتى 5 نوفمبر.
وكان من خبراء الفريق، السيدة “هوب ماري انسانغي” من أوغندا, والسيد “جيسبا أجيريبوه تيكهوك” من الكاميرون، وسيتولان واجبات بما فيها جمع المعلومات بشأن تنفيذ نظام العملية الانتخابية لـ ـ2016 والذي تم الاتفاق عليه من قبل الجهات الصومالية المعنية.
وفي الأخير؛ إذا تم تحديد موعد جديد ونجحت إجراء الانتخابات، فإن العديد من المشاكل المستوطنة التي أعاقت بناء البلاد – كالفساد وهجمات الجماعة المسلحة المستمرة وانعدام الثقة بين العشائر الكبرى والأقاليم- ستكون باقية. ومع ذلك، وبينما الدولة ما زالت في طريقها لتتعافى من ماضيها، إلا أن كلّ خطوة تخطوها ولو متعثرة ستكون إنجازا هاما نحو مستقبل أفضل.