أدَّى الرئيس النيجيري “محمد بخاري” يوم الأربعاء (الموافق 29/5/2019م) اليمين الدستورية لفترة ولاية رئاسية ثانية مدتها أربع سنوات، وسط إجراءات أمنية مشددة بالعاصمة أبوجا في حفل تنصيبٍ اتّسم بعدم إلقاء الرئيس خطابًا رسميًّا، ولم يحضره سوى قلة من أعضاء السلك الدبلوماسي وأفراد حكومته وحزبه، مع غيابٍ ملحوظ للكثير من أصدقائه السابقين، خصوصًا الجنرالات والضباط الكبار الذين حكموا البلاد سابقًا، وتضامنوا معه في بداية فترة رئاسته الأولى.
وعلى الرغم من أن ولايته الأولى قد طغتْ عليها الشائعات والتكهنات حول حالته الصحية؛ نظرًا لغيابه الطويل في لندن لتلقّي العلاج، ورغم أنه نادرًا ما ألقى في تلك الفترة خطابات علنية أو حوارات مع الوكالات الإعلامية والصحف المحلية عن حالة الفدرالية النيجيرية وأوضاعها؛ فقد حصل “بخاري” البالغ من العمر 76 عامًا على تأييد واضح من الأغلبية النيجيرية في انتخابات فبراير الأخيرة؛ بحصوله على 56٪ من الأصوات.
غير أنّ المعارض الحاج “أتيكو أبو بكر” –مرشح الحزب الديمقراطي الشعبي (PDP) ومنافس “بخاري” الأكبر وعضو سابق في الحزب الحاكم- لا يُقرّ بالهزيمة أو نتائج الانتخابات؛ بسبب مجموعة من القضايا الأمنية واللوجستية التي أخّرت التصويت لمدة أسبوع، وتقارير التزوير والتلاعب بعمليات الاقتراع في ولايات مختلفة أثناء عملية التصويت؛ الأمر الذي أدّى بـ “أتيكو” إلى تقديم عريضة ضد النتيجة؛ وهي منظورة أمام محكمة الاستئناف بنيجيريا.
وإذ قد تكون هناك علاقة بين فوز “بخاري” وعدم ثقة الجمهور النيجيري في خصمه “أتيكو” المُتّهم بمزاعم الفساد؛ فإن الرئيس “بخاري” نفسه يواجه عددًا من التحديات خلال فترة ولايته الجديدة؛ حيث المنتظر منه ليس فقط أن يقضي على الفساد؛ وهو شعار حملته الانتخابية في الولاية السابقة، ولكن أيضًا أن تتعامل إدارته بجدّية مع التهديدات الأمنية، وإعادة النظر في سياساتها وإدارتها للاقتصاد البطيء، وارتفاع معدل البطالة.
تصاعد التحديات الأمنية
تتعدّد أوجه التحدي الأمني الذي تشهده نيجيريا حاليًا؛ إذ توجد جماعة “بوكو حرام” في مناطق بشمال الشرق نيجيريا، وهناك صراعات بين الرعاة والمزارعين، والتي بدأت في الولايات الموجودة في الحزام الأوسط (أو وسط البلاد)، بل وُصفتْ بأنها أكثر فتكًا من تمرُّد “بوكو حرام”؛ بسبب انتشارها إلى مناطق أخرى وعدد القتلى التي تخلِّفها بشكل شبه يومي. إضافة إلى ظهور عصابات جديدة تمارس عملية الاختطاف في ولايات بالشمال، بما فيها “كَتْسِينا” موطن الرئيس “بخاري”.
جدير بالذكر أن المحللين الأمنيين يرون أن حملة “بخاري” على “بوكو حرام” لم تحقِّق نجاحات واضحة بعد أربع سنوات. ومن الملاحظ أنه رغم أن الحكومة قد قلِّلتْ من “بوكو حرام”، إلا الجماعة لا تزال قادرة على تنفيذ تفجيرات؛ رغم مزاعم الحكومة بهزيمتها بالكامل.
وفي منطقة دلتا النيجر المنتجة للنفط -والتي تمثّل معظم احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي– لم تعالج الحكومة حتى الآن شكاوى المجتمعات المحلية التي أدَّت في الماضي إلى سلسلة من الاضطرابات في المنطقة، وإن مَنح العديد من مقاتلي الجماعات المسلحة والحركات الانفصالية عفوًا حكوميًّا ورواتب شهرية وبرامج تعليمية قد ساهم في تهدئة الأوضاع ووقف مهاجمة منشآت النفط الهادفة إلى إعاقة الإنتاج واختطاف العمال الأجانب.
يضاف إلى ما سبق أنّ المناطق الملوثة بسبب أنشطة التنقيب عن النفط لم تُنَظّف بعدُ، رغم مرور سنوات من الإعلان عن مشروع معالجة هذه القضية البيئية.
“إن التأخير المستمر في معالجة المظالم البيئية والمتطلبات الإقليمية المتنوعة في دلتا النيجر، إلى جانب الإنهاء المحتمل لبرنامج العفو (الحكومي) الذي يمتدّ منذ عقد من الزمن، قد يتيح مجالاً للجماعات الانتهازية لاستئناف تخريب صناعة البترول”؛ هكذا قال “نمدي أوباسي” الباحث النيجيري في مجموعة الأزمات الدولية.
وقد خرج مئات الأشخاص إلى الشوارع في عدة مدن في أبوجا يوم الثلاثاء الماضي قبيل حفل تنصيب “بخاري”؛ احتجاجًا على موجة من حوادث الاختطاف، وتفاقم المشاكل الأمنية التي شهدتها البلاد في الأشهر الأخيرة. وكانت اللافتات التي حملها هولاء المحتجون مكتوب عليها: “أوقفوا القتل” و”(الضحايا القتلى) ليسوا مجرّد أرقام”، وطلبوا من إدارة “بخاري” الجديدة إعطاء أولوية لأمن المواطنين.
وقبل ذلك الاحتجاج بيومٍ، في اجتماع مع حكام الولايات الشمالية يوم الاثنين؛ أشار “بخاري” إلى أنه على دراية بالتحديات الأمنية، وتعهَّد بأنه لن يخذل الشعب النيجيري.
وعلى حدّ تعبيره: “أمن البلاد حاضرٌ في ذهني 24 ساعة كل يوم، وأتلقّى تقارير يومية وأسبوعية عن الوضع. لقد استمعتُ إلى موجزكم، وسأنظر في توصياتكم. أنا على دراية تامة بالوضع”.
التحديات الاقتصادية:
تولى “محمد بخاري” مهام منصبه في عام 2015م عندما كانت نيجيريا في طريقها للركود الاقتصادي نتيجة انخفاض أسعار النفط وتراجع عائدات الخام. وبعد أن سجلت نيجيريا أول ركود منذ عقدين في عام 2016م أعلنت الحكومة عن خطة طموحة لتعزيز النمو.
وفي حين انتقد الاقتصاديون طريقة تعامل الحكومة مع الاقتصاد، فإن ما يثير القلق أيضًا أن معدل البطالة مستمر في الارتفاع؛ حيث تضاعفت النسبة بأكثر من 23 في المائة منذ تولي “بخاري” رئاسة البلاد في عام 2015، بينما يعيش 90 مليون نيجيري في فقر مدقع؛ وفقًا لتوقعات World Poverty Clock وتقرير معهد “بروكينغز”.
ومع أنّ نيجيريا تعتبر أكبر اقتصاد في إفريقيا، إلا أن كل هذا وغيره لا يؤثّر في مواطنيها الذين يشكل الشباب نسبة كبرى منهم، ما يعني أنّ على إدارة “بخاري” جعْلَ السنوات الأربع المقبلة فرصةً أخرى لإصلاح الاقتصاد وتبنّي نهج جديد نحو مشاكل الأوضاع المعيشية.
وكما قال “نونسو أوبيكيلي” -الخبير الاقتصادي المقيم في أبوجا لشبكة الجزيرة-: “بالنسبة للسياسة النقدية، يتعين عليهم (أي: مسؤولي الحكومة) التخلي عن إصرارهم لتحديد سعر الصرف. البنك المركزي النيجيري ليس مستعدًّا للتعامل مع أي صدمات اقتصادية في الوقت الحالي؛ لأنهم وضعوا أنفسهم في زاوية ضيّقة أثناء محاولة إدارة سعر الصرف”.
وأضاف أوبيكيلي: “أعتقد أن الاقتصاد سيستمر في النمو بنحو 2 في المائة خلال العام أو العامين المقبلين. هذا بالطبع سيئ للغاية بالنظر إلى النمو السكاني والفقر وأزمة الوظائف”.
ويفسّر عدمَ الإثارة وفقدان الاهتمام في جلّ المدن النيجيرية تجاه الإدارة الجديدة، تزايدُ اللامبالاة السياسية بين النيجيريين؛ حيث نسبة الإقبال على الاقتراع -في انتخابات فبراير الأخيرة والتي بلغت 34 في المائة- أقل من نسبة الإقبال خلال الانتخابات السابقة قبل أربع سنوات، رغم وجود قاعدة أكبر للناخبين في الانتخابات الأخيرة.
ولكي يستعيد “بخاري” ثقة رعاياه واهتمامهم، عليه أن يحسن الاختيار في أعضاء حكومته الجديدة، حتى وإن كانت المدة التي سيستغرقها تشكيل الحكومة غير معروفة؛ إذ انتظر النيجيريون في عام 2015م لمدة خمسة أشهر قبل تسمية “بخاري” أعضاء حكومته وتعيينهم دستوريًّا.