هيسياو هونج باي – صحيفة الجارديان[1]
محمد سليمان الزواوي
كثيرًا ما أصبحنا نرى تصريحات مثل: “نظِّفُوا الصين من هذه القذارة الأجنبية، لا تسمحوا لهم بأن يحوّلوا بلدنا إلى مكبّ نفايات عالميّ؛ هذه الصين وليست نيجيريا!” في مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، والتي تعكس كُرهًا عنصريًّا مماثلاً لتلك التصريحات التي كنا نراها في بعض مواقع التواصل الاجتماعي البريطانية، وكل تلك التصريحات هي فقط نماذج بسيطة من العبارات المُهينة التي لا حَصْرَ لها على موقع مثل Weibo للتواصل الاجتماعي في الصين، في ظل موجةٍ من تصاعُد المشاعر الشعبية العنصرية خلال الأشهر الأخيرة.
وبالرغم من الرقابة الحكومية الهائلة على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية؛ إلا أنه لم يتم حذف أيٍّ من تلك المنشورات، بعد أن أصبح المهاجرون من منطقة جنوب الصحراء الإفريقية هدفًا رئيسًا للتشكيك والتفرقة العنصرية والانتهاكات، في ظل تنامي الخوف العام من مجيء موجة ثانية من فيروس كورونا إلى الصين.
وقد تصاعدت تلك المشاعر من عدم التسامح خاصة في مدينة جوانجزو التي يقطنها 12 مليون نسمة، والتي تقع في قلب المحافظة الصناعية جوانجدونج.
وقد بدأ ذلك بقيام الحكومة المحلية في جوانجزو بتطبيق عملية مراقبة شاملة تقوم فيها بإجراء اختبار إجباري على كافة المواطنين الأفارقة في مدة الحظر 14 يومًا، حتى لو كان قد تم اختبارهم سابقًا وثبتت النتائج أنها سلبية، ولم يسافروا مؤخرًا خارج الصين.
وفي مقاطعة يويكزيو؛ حيث تقيم أكبر جالية إفريقية في الصين، قام المؤجرون الصينيون بإخلاء العديد من الأفارقة من مساكنهم، حتى بالرغم من دفعهم للإيجارات، وتُرِكُوا للنوم في العراء في الشوارع والأزقة.
وفي تكرار يذكرنا بالفصل العنصري في جنوب إفريقيا أو الولايات المتحدة في عهد الفصل العنصري، تم فرض تفرقة طبقًا للألوان في جميع أنحاء المدينة؛ حيث تم منع الأفارقة من دخول المستشفيات والفنادق ومحلات السوبر ماركت والمحلات التجارية ومنافذ الطعام.
وفي إحدى المستشفيات، حُرمت امرأة حامل من الدخول، وفي إحدى المتاجر، تم إيقاف امرأة إفريقية عند المدخل بينما سُمح لصديقتها البيضاء بالدخول.
وفي مطعم ماكدونالدز، تم وضع لافتة تقول “غير مسموح للأشخاص السود بالدخول”.
تسببت العنصرية المنتشرة في احتجاج شعبي كبير عبر إفريقيا؛ حيث تمت مشاركة تلك التصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي تحت علامة الهاشتاج #ChinaMustExplain.
وعلى موقع يوتيوب فإن وودي مايا، والذي عاش في الصين ويتحدث لغة الماندرين بطلاقة، أصبح يحثّ زملائه الأفارقة على “الانتباه لما يحدث”، كما ضغط الشتات الإفريقي العالمي على السفارات والمؤسسات الإفريقية لاتخاذ ردّ فعل، كما أعلنت الحكومة الكينية نهاية الأسبوع الماضي عن خطط للسماح بإجلاء مواطنيها العالقين في الصين.
ولكن من ناحية أخرى كانت الردود الصينية الرسمية في البداية صمتًا أو إنكارًا؛ حيث عملت وسائل الإعلام الحكومية مثل جلوبال تايمز ووكالة شينخوا الصينيتين على عدم نشر تلك القصص في الأيام القليلة الأولى بعد انتشار الأخبار في وكالات الأنباء الإفريقية. ولكن في وقت لاحق، بدأت السلطات الصينية تعترف بتقارير العنصرية باعتبارها “مخاوف واقعية”، على الرغم من أن المهاجرين لا يزالون يشعرون بعدم الأمان.
فبالنسبة إلى الغرباء، قد تبدو هذه العنصرية الرهيبة “غير مسبوقة”. لكن الأقليات العرقية في الصين ستجدها مألوفة للغاية. ففي شاوجوان، التي ليست بعيدة عن جوانجزو، أدى القتل العنصري لعاملين من الأويغور في عام 2009م مثل حادثة أورومتشي إلى سلسلة من الأحداث الصاخبة، ممَّا أفضى إلى مزيد من القمع في المنطقة الشمالية الغربية من شينجيانغ؛ حيث تعود أيديولوجية “العرق” الأعلى في الصين إلى تاريخ طويل.
ففي أواخر القرن التاسع عشر، بحث الإصلاحيون الإمبراطوريون في تشينغ عن “حل” يمكن من خلاله إعادة إحياء حضارة الصين في مواجهة التوسع الاستعماري الأوروبي والياباني. ومنذ ذلك الحين تم دمج “العرق” و”الأمة” والقومية في الجمهوريات الصينية في أوائل القرن العشرين، ثم في تأسيس الحزب الشيوعي الصيني.
فقد اتخذت النعرة القومية جذورًا عميقة منذ الأربعة عقود التي اتبعت فيها سياسات الإصلاح الاقتصادي التي قام بها دينج شياوبينج، واليوم باتت سياسة الاستيعاب في صميم مفهوم “الأمة”، فمصطلح “مينزو” Minzu بات مصطلحًا رئيسيًا يُستخدم بالتبادل لكل من المجموعة العرقية والجنسية، ويشير إلى مجموعة من السكان من أصل مشترك، مع ثقافة وأقاليم متميزة.
وفي عام 2012م، بدأ شي جين بينغ حكمه بالقول: “إن الحلم الصيني يجمع التطلعات والرغبات الصينية للأجيال القادمة، ويحقق مصالح الأمة الصينية كلها (zhonghua minzu) …”لقد أصبح” الحلم الصيني” البرنامج السياسي الاقتصادي الذي يهدف إلى “تحقيق الإحياء الكبير للأمة الصينية”.
وقال شي: إن هذا القرن هو “القرن الصيني”؛ حيث تم إطلاق مبادرة الحزام والطريق التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في عام 2013م كبرنامج استثماري عالمي ضخم. وبين عامي 2013م و2018م، استثمرت الدولة الصينية ما يقرب من 614 مليار دولار في الدول النامية. ولكن ينظر البعض في إفريقيا إلى حملة الاستثمار الأجنبي الصينية على أنها استعمار جديد؛ حيث تخاطر الدول المعنية بفقدان السيطرة على بنيتها التحتية الأساسية ومواردها الطبيعية، مع زيادة عبء ديونها.
وتمتلك الصين الآن 14٪ من إجمالي أرصدة الديون في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأصبحت أكبر مالك للدَّين العام في إفريقيا؛ حيث جلب الوجود المتزايد للصين هجرة اليد العاملة معه من البلدان الإفريقية منذ أواخر التسعينيات. فقد جاءها مهاجرون من نيجيريا ومالي وكينيا والسنغال وغانا ودول غرب إفريقيا الأخرى للحصول على فرص عمل، معظمهم في مدينة جوانجزو.
كما يعمل الكثيرون من الأفارقة في أسواق البيع بالجملة في المدينة؛ لأن أنواع العمل الأخرى، بما في ذلك أعمال المصانع، مغلقة أمامهم. ويقال عادة: إن الأفارقة غالبًا ما “يتم قبولهم كتجار، ولكن يتم التمييز ضدهم كأشخاص”. ويوجد حاليًا أكثر من خمسة عشر ألف مهاجر إفريقي يتمتعون بوضع الهجرة الرسمية في جوانجزو.
وعلى الرغم من أن الصين لديها أدنى نسبة هجرة في العالم (يمثل المهاجرون 0.07 ٪ فقط من السكان)، فإن السلطات تفرض سياسات “إدارة هجرة” قاسية؛ حيث يمكن تجريم المهاجرين الأفارقة في كثير من الأحيان بطريقة مماثلة للمهاجرين الداخليين القادمين من الريف. فإضافة إلى عمليات التفتيش على الهجرة وحملات القمع، تمنع السلطات باستمرار المهاجرين من العيش في أحياء معينة، كما لا توجد أيّ حماية قانونية ضد التمييز العنصري في البلاد.
وقد سلطت أزمة كوفيد 19 الضوء على هذه العنصرية المعادية لإفريقيا التي طال أمدها، فمع كل الضرر الذي ألحقه هذا الوباء بالاقتصاد وسبل عيش الناس؛ فإن اتخاذ كبش فداء وممارسة العداء تجاه تهديد خارجي متخيل يساعد بوضوح على تحويل الإحباط الداخلي بعيدًا عن النخبة الحاكمة؛ وهو اتجاه نشهده الآن في جميع أنحاء العالم.
فبينما تصبح المجتمعات الآسيوية في أوروبا والولايات المتحدة ضحايا للعنصرية خلال هذا الوباء، يصرخ الأفارقة في الصين، “نحن لسنا الفيروس!”، ومن ثَمَّ ولمقاومة العنصرية؛ فإننا بحاجة إلى رؤية الأمور على حقيقتها أينما حدثت.