بقلم: لورانس كراميل
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
على المستوى العالمي، نجد أن نصف من يعيشون تحت حدّ الفقر المدقع هم في إفريقيا، وهي من القضايا التي تناولتها مجموعة السبع، التي اجتمعت في مدينة بياريتز الفرنسية في الفترة من 24 إلى 26 أغسطس الماضي.
في الصور الأولى المرسلة من طوكيو، يقف جيرالد مانزو أمام أزهار الكرز الرائعة، وبيده طبق من الأرز يأكله بالعيدان مبتسمًا، وذلك بعد مغادرته جوبا؛ عاصمة جنوب السودان، قبل بضعة أسابيع فقط. ويبدو أنه يكتشف حياته الجديدة مع الكثير من الشراهة التي بذلها للحصول على منحته الدراسية الممنوحة من الحكومة اليابانية؛ ليصبح مهندس كمبيوتر.
على أن الدورات اليابانية المكثفة تسمح له بالفعل “بشراء المنتجات من السوق، وطلب وجبة طعامه في المطعم”، وحتى برودة الربيع التي “تهدّده بالإصابة بالمرض كل يوم” لا تكاد تشوب ارتياحه. ومع ثقة وعنفوان الشباب، لا يُولي الرائد السابق بمكتبة جامعة جوبا أبدًا اهتمامًا كبيرًا للإحصاءات القاتمة التي تصف حالة القارة، بل وحتى ما يتعلق ببلده. وقد وُلِدَ الأخير في أحدث دول العالم ميلادًا، والتي سرعان ما اجتاحتها الحرب.
40٪ من الناس يعيشون تحت خط الفقر المدقع:
بينما كان يتعين على (مجموعة السبع G7) -تحت الرئاسة الفرنسية- التي اجتمعت في بياريتز، من السبت 24 إلى الاثنين 26 أغسطس الماضي، تكريس تسلسل واسع لتنمية إفريقيا؛ إلا أن التقرير الذي تم إعداده من ضمن التقارير المطولة حول وضع القارة لا يزال محجوبًا.
وغالبًا ما يكفي الرقم الواحد لتلخيص الوضع: 40٪ من السكان، أكثر من 400 مليون شخص، ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر المدقع، والمقدّر بـ 1.90 دولار في اليوم (1.70 يورو) حسب المعايير الدولية.
إن سنوات النمو المزدهرة التي جلبتها الألفية الجديدة بسبب الأسعار المرتفعة للسلع الأساسية لم تفعل الكثير لتحسين حياة الفقراء “لقد أصبح الفقر المدقع مشكلة أساسية في إفريقيا”؛ حسب ما خلص إليه البنك الدولي في تقرير نُشِرَ في عام 2018م.
كانت إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى تحتضن ربع الفقر المدقع في عام 1990م، ونصفها في عام 2015م.
وفي حال استمرار الوضع بدون تغيير عميق مع وتيرة النمو السكاني المرتفعة يُحتمل ارتفاع هذا الرقم -وفقًا للبنك الدولي- إلى 90٪ في عام 2030م. وهو نفس العام الذي حددت البلدان الموقِّعَة على أهداف التنمية المستدامة نفسها للقضاء على الفقر المدقع فيه، ويبدو أن القارة فشلت مسبقًا.
لماذا تبدو بعض الدول محكومًا عليها بالفشل؟
في كتاب تم نشره في عام 2007م بعنوان The Bottom Billion(مليار شخص مهمَّش)، والذي أثار ضجة كبيرة؛ حيث طرح فيه بول كولير؛ أستاذ الاقتصاد بجامعة أكسفورد، أربعة أسباب لذلك؛ وهي: تكرار الصراعات، لعنة المواد الخام الشهيرة، العزلة في خضم جيران مُضِرِّين؛ والفساد الإداري الذي يُلْحِق الضرر بالاقتصادات الصغيرة.
ولتجنُّب هذا المصير المشؤوم، دعا إلى تركيز كبير للمعونة الدولية على هذه البلدان المتسربة، وأوصى بالتدخلات المسلحة لوضع حدّ للنزاعات ومنح أفضليات تجارية أكثر سخاء.
تقع غالبية دول المنطقة نفسها في إحدى الخانات المذكورة أو في أكثر من هذه “المصائد” الأربعة التي وصفها بول كولير، ومع ذلك، فقد تمكن البعض من النمو والتحوُّل على غرار إثيوبيا أو رواندا.
لكنَّ تجربة السنوات العشرين الماضية أظهرت أيضًا أن هذا النمو وحده لم يكن كافيًا لتحسين حياة أكبر عدد من السكان؛ ما لم يتم توزيعه بعدالة. في المقابل لا يتوفر إلا عدد قليل من الإحصاءات ذات المصداقية التي يمكن الاعتماد عليها بدرجة كافية لوصف مدى الخلل وعدم المساواة التي تتّبناها سياسات التنمية التي تدعو إليها المؤسسات الدولية لتخفيف حدّة الفقر.
استمرارية الاعتماد على البلدان المانحة:
بوتسوانا تعتبر من بين أكثر البلدان غير المتكافئة في العالم؛ على الرغم من إظهارها بانتظام كمثال جيد في الطريقة التي تدير بها إيراداتها من الماس؛ حيث إنها واحدة من الدول الإفريقية القليلة التي لديها شبكات أمان اجتماعي تغطّي نسبة كبيرة من سكانها، وخاصة من خلال نظام تأمين الشيخوخة.
وقد انخفض معدل الفقر المدقع البالغ 16٪ إلى النصف خلال عشرين عامًا. ولكن في معظم الأحيان، تظل مبادرات التحويل النقدي التي تُموّلها وتديرها الجهات المانحة الأجنبية في إطار محدود جدًّا؛ بحيث لا يمكنها تغيير الوضع.
وفي هذا السياق، أشار فرانسوا بورغينيون -الأستاذ الفخري بجامعة باريس- إلى أنه «في ظل غياب نظام ضريبي قادر على جمع أموال كافية، لم تكن هناك سياسة لإعادة التوزيع أو الضمان الاجتماعي في إفريقيا على غرار تلك التي في أمريكا اللاتينية أو آسيا”؛ على حد تعبير الاقتصادي في كلية باريس للاقتصاد، وكبير خبراء الاقتصاد السابق بالبنك الدولي.
وفي تقريرها عن عدم المساواة في بلدان الساحل الذي نُشر في يوليو؛ شجبت منظمة أوكسفام غير الحكومية النقص الذي تُشكّله الإعفاءات الضريبية الممنوحة للشركات -معظمها أجنبية- في قطاع الاستخراج بالنسبة للدول. وقد تمثل هذه الإعفاءات 11٪ من الميزانية أي 3.5 أضعاف ميزانية التعليم في مالي. وفي النيجر لا تساهم إيرادات إنتاج اليورانيوم -والتي تعد النيجر رابع أكبر مُنْتِج لها في العالم- إلا بـ” 4٪ إلى 6٪ فقط من الميزانية الوطنية، بينما تمثل مساعدات التنمية حوالي 40٪ “حسب التفاصيل التي قدمتها المنظمات غير الحكومية. والنتيجة الطبيعية الناجمة عن ذلك هي استمرارية الاعتماد على الدول المانحة التي تتسرّع دائمًا في الوعود.
منذ دعوة الزعماء الأفارقة للمشاركة في مجموعة الثماني في جانيس في عام 2001م، كم مرة أُعلن لهم أن أغنى الدول في العالم ستتقيَّد بذاك الالتزام الذي تعهَّدت به منذ أكثر من 40 عامًا بخصوص تكريس 0.7٪ من ثرواتها الوطنية للتضامن مع أشد الناس فقرًا؟ بالكاد تم تجاوز عتبة 0.3٪ من الالتزام. في عام 2018م، انخفضت المساعدات الرسمية الثنائية التي منحتها دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لإفريقيا بنسبة 4٪ إلى 29.7 مليار دولار”.
“إنَّ القليل من المساعدات هو الذي يذهب إلى أقل البلدان نموًّا وإلى البلدان الإفريقية؛ حيث تشتد الحاجة إليها، وذلك أمر مثير للقلق”؛ على حد تعبير سوزانا مورهيد، رئيسة لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، أثناء إعلان الأرقام.
إن الصدى الراجع من التغطية الإعلامية على خلفية اجتماعات (مجموعة السبع G7) يشير إلى أن إفريقيا تحت المجهر ومحل الاهتمام، وهذا خطأ تمامًا؛ حيث إنَّ الأموال التي يرسلها المغتربون الأفارقة إلى القارة أعلى بكثير من المساعدات، فالأفارقة أنفسهم هم الذين يساعدون الأفارقة بشكل أساسي “حسب ما ورد في تصحيح الاقتصادي السنغالي فيلوين سار. إذا كان هناك ثمة “إرهاق للمعونة” الذي يطرحه المانحون غالبًا لتبرير مستوى التزاماتهم، إلا أنه يتقاسمه أيضًا بعض المتلقّين الذين تعبوا من الوصفات الطبية المكتوبة في العواصم الغربية، ويعتبر رئيس غانا، نانا أكوفو أدو، حامل هذه الشعلة بين نظرائه في القارة.
المعركة الكونية للقضاء على الفقر المدقع:
“لقد حان الوقت للأفارقة أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم، وأن يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم ويرفضوا اعتبارهم الحدود الغامضة الأخيرة للإنسانية. من يعرف احتياجاتنا أكثر من أنفسنا”؟؛ على حد تعبير فيلوين سار.
نظرًا لأن هذه المعركة العالمية للقضاء على الفقر المدقع تجري بالمقام الأول على الساحة الإفريقية، فقد ذهبت لوموند أفريك لاستكشاف الجهود التي بذلتها الحكومات أو المجتمع المدني أو المنظمات غير الحكومية أو القطاع الخاص. فانطلاقًا من الرأس الأخضر؛ حيث ساعد تطور السياحة على خلق فرص العمل، إلى جنوب إفريقيا، التي وضعت برامج نقل للأكثر فقرًا، عبر السنغال؛ حيث يتم تحديث التقنيات الحديثة لنظام التأمين التكافلي، ولكن الوضع لا يزال كما هو في غانا وساحل العاج وكينيا والكاميرون وإثيوبيا ومالي …
الحركة قيد التشغيل، والشباب المبتكِرُون المنفتحون على العالم، ليسوا مستعدين للسماح بسرقة مستقبلهم. بالأمس في جوبا، واليوم في طوكيو، يفكّر جيرالد مانزو بالفعل في اليوم الذي سيعود فيه إلى المنزل ويلتقي بأسرته، ومن أين سيبدأ بعد نهاية عمله اليومي، ثم مساعدة الأطفال في واجباتهم المدرسية. يشكّل الشاب حاليًا هالة من النجاح التي يحسدها الجميع، لكنه يرى ذلك قبل كل شيء بمثابة رسالة أمل جميلة.
ملخّص سلسلة “إفريقيا ضد الفقر“:
كانت تنمية إفريقيا أولوية (مجموعة السبع G7) في ظل الرئاسة الفرنسية في اجتماعها المنعقد من السبت 24 إلى الاثنين 26 أغسطس الماضي في بياريتز. لكن النتائج جاءت دون المتوقع منها؛ حيث يوجد اليوم أكثر من نصف فقراء العالم في إفريقيا.
ونظرًا لأن هذه المعركة العالمية ستخسر أو تنتصر في القارة، أعطت Le Monde Afrique الكلمة للخبراء قبل الذهاب لاستكشاف -من الرأس الأخضر إلى غانا عبر جنوب إفريقيا- السياسات التي تنفّذها بعض الدول في محاولتها للقضاء على الفقر المدقع.
رابط المقال:
https://www.lemonde.fr/afrique/article/2019/08/23/la-lutte-contre-la-pauvrete-un-defi-d-abord-africain_5501961_3212.html