بقلم : ابراهيما بايو جونيور
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تبدَّدت أحلام نشوة التحرر من النظام المستبد التي عاشها المليونان من الغامبيين في فترة قصيرة بعد أن تعثرت بتراجع الرئيس يحيى جامع عن قرار اعترافه بفوز منافسه في حين اعتقد الكثير بأنه تحوَّل إلى الديمقراطية ؛ لكن حرص الرجل على السلطة وقبضته الحديدية له يفسر التأزم الذي تشهده البلاد عقب الانتخابات عطفا على الأخطاء التي ارتكبها منافسه الفائز.
وفي سبيله إلى القصر الرئاسي “بيت الدولة” ارتكب الرئيس المنتخب آدم بارو وفريقه تحت تأثير النشوة والرغبة في التغيير السريع والتحديث-أخطاء سياسية أدت إلى تعنت يحيى جامع وتعزيز عرقلة تسليم السلطة ما بعد الانتخابات الغامبية…تعرف أهم الأخطاء التي وقع فيها الرئيس المنتخب وساهمت في تراجع جامع عن التسليم بنتيجة الانتخابات.
1- توجيه التهديد إلى رئيس عسكري ما زال في الحكم
كانت الأوضاع على مسارها الطبيعي في2 ديسمبر اليوم التالي من الانتخابات الرئاسية عقب الهزيمة المفاجئة التي مني بها يحيى جامع بعد 22 عاما من الاستبداد؛ حيث سادت النشوة الشعبية في الشوارع بعد التهنئته العلنية عبر شاشة GRT (القناة الرسمية للدولة) لمنافسه في مفاجأة غير مسبوقة.
وكان من المتوقع أن يعقب ذلك نقل السلطة في يناير وانسحاب الرئيس المهزوم إلى مزرعته في كنيلي- معقله الأصلي- لمزاولة الزراعة، وأمام موجة من الضجيج الإعلامي أدلى الرئيس بارو بأنه لن يتم تقديم الرئيس الأسبق إلى المحكمة الجنائية الدولية.
لكن التصريحات اللاحقة انطوت على التهديد الضمني بأن من الملفات التي تتصدر أولويات الرئيس الجديد ملف تقديم يحيى جامع أمام المحاكم المحلية، غير أن بعض المحللين ذهبوا إلى أن التصريحات تلك سابقة لأوانها حيث إن سياسة أمر الواقع كانت تتطلب تبني تلك الإجراءات بعد نقل السلطة سيما أنه لا يمكن التكهن برد فعل يحيى جامع إضافة إلى تواجده في القصر الرئاسي مع مجموعة كبيرة من الحرس الرئاسي.
2- دعوة التحالف إلى الانتقام.
ومن جانب آخر لم يتمكن المحللون والمتابعون من تفهم الضرورة التي لدفعت التحالف الذي تبنى ترشيح الرئيس الفائز آدم بارو إثارة الخطوة المتعلقة بنقل السلطة واحتواء جامع في مزرعته-في شبه إقامة جبرية –بدعوى أن يكون درسا عن النضوج الديمقراطي للرؤساء الأفارقة الذين احتكروا الحكم فترات طويلة للتخلي عن السلطة .
كانت ضرورة الموقف تملي إيجاد نمط من العدالة الانتقالية توفر العفو وتتبنى القواعد المنظمة لممارسة السلطة وتؤدي إلى إعادة قراءة صفحة يحيى جامع بمزيد من الحكمة وتجاهلها أو التجاوز عنها -حال اللزوم – لفتح صفحة جديدة وإعادة الكتابة بمداد الأولويات الاجتماعية.
لكن التحالف الذي رشح الرئيس الفائز آدم بارو دعا في وقت سابق للأوان إلى تقديم يحيى جامع إلى العدالة، وقد ذهب البعض إلى أبعد من ذلك من خلال الإعلان عن احتمال هروبه إلى الخارج. ومن جانبها صرحت عضوة التحالف فاطمة جلو تامبدينغ المستشارة السابقة للرئيس داود دياورا (الذي أطاح به يحيى جامع 1994) بأنه يجب حبس يحيى جامع وكل العسكريين الموالين له مما يعني عموم الجيش الغامبي.
وقد أعلن بعض العسكريين الولاء للرئيس الجديد تفاديا للحبس مما عزز مخاوف يحيى جامع إلى جانب قلقه من المصير المشابه بحسين حبري ولوران جاجبو وأمادو سانغو الذي ترأس مالي فترة قصيرة، لكن هامش الجيش المؤيد لمعاكسة جامي لا يعتقد أنه معني من تهديد فاطمة جلو تامبدينغ.
وتجدر الإشارة إلى أن كل التعيينات التي سبقت تراجع يحيى جامع كانت لصالح المجموعة الموالية له من قبيلته في الجيش، مما يوحي إلى أن احتمال تحول الأخير من معقله في كنيليْ إلى المعسكر أو مركز التمرد غير مستبعد.
3-إطلاق سراح السجناء السياسيين
إن تطورات الظروف ساهمت في وصول آدم بارو إلى السلطة حيث كان المتوقع أن تكون المنافسة بين المعارض حسين داربويه من نفس الحزب (UDP) وبين يحيى جامع الرئيس المنتهية ولايته وللمرة الرابعة غير أنه تعرض هو والعشرات الآخرين للاعتقال والحبس في شهر يوليو الماضي وذلك بتهمة المشاركة في مظاهرة غير مصرح بها للمطالبة بجثمانين من كوادر حزب (UDP) توفيا في السجون الغامبية.
ومن الإجراءات الأولى التي قام بها آدم بارو إثر فوزه في الانتخابات كانت إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بالكفالة عطفا على الأصوات الغاضبة من التحالف والداعية إلى الانتقام نتيجة عدم إسراع الرئيس المنتخب بحبس الرئيس المغلوب مما أثار الحذر في المعسكرين.
لكن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين كان أنسب أن يُعلَن يوم تنصيب آدم بارو وذلك لاحتواء الشعور بالانتقام وتسريح المناوئين للرئيس المهزوم.
4- إعلان التطبيع مع دكار
تجدر الإشارة إلى أن قواسم مشتركة تربط الشعبين السنغالي والغامبي بما فيها تقاسم لغة والمصاهرة بين الشعبين، لكن العداء المتبادل بين ما كي سال ويحيى جامع يظل لغزا بالامتياز سيما قضية التمرد في كازمانس المنطقة الواقعة في جنوب السنغال ذات النزعة الانفصالية. وقد وجهت السنغال أصابع الاتهام إلى يحيى بالوقوف وراء دعم المتمردين بالمال والسلاح والملاذ، ويتهم الأخير السنغال بإيواء المعارضة المخربين ضد غامبيا، وطالما أثرت تلك الاعتبارات سلبا على العلاقة الثنائية بين الدولتين وحالت دون بناء جسر يؤدي إلى إنجاز طريق سريع يربط السنغال بجنوبها.
.وقد أعلن آدم بارو عقب فوزه في الانتخابات عن رغبته في تطبيع العلاقات مع دكار مشيرا إلى أن أولى زياراته الدولية ستكون صوب السنغال للالتقاء بخليفة المريدين ،إحدى الطرق الصوفية المنتشرة في السنغال، مما أثار المزيد من حفيظة يحيى جامع تجاه جارته والإحساس باحتمال مصير غير مشرف في تلك الدولة حيث توجد محكمة ذات الصلاحية لمحاكمة جرائم الحرب أو ضد الإنسانية على غرار ما حصل مع حسين حبري.
5-دعوة المجتمع الدولي للتدخل
ويلاحظ أن آدم بارو أبدى مرونة حيث كان الوضع يستدعي الصرامة حيث استنجد بالمجتمع الدولي في سيناريو أزمة ما بعد الانتخابات دون الأخذ بعين الاعتبار تبعات تلك الإجراءات التي قد تبرر إلى حد ما مزاعم يحيى جامع عن تآمر المعارضة مع القوى الاستعمارية الساعية إلى فرض القيود المناوئة على المبادئ الاجتماعية الغامبية.
لكن انسحابات يحيى جامع المتتالية من كل من كومنولث – المتهَمة بالسعي لإخضاع المستعمرات الإنجليزية تحت الوصاية – ومن المحكمة الجنائية الدولية بعد اتهامها بالإقصائية ضد الأفارقة وإعلان الدولة الإسلامية ومحاربة الشذوذ الجنسي ومنع بيع المنتجات المحرمة شرعا تعتبر خطوات داخلة في مكافحة الاستعمار.
لقد استند يحيى جامع على دعوة منافسه المجتمع الدولي إلى التدخل لترويج فكرة التدخل الخارجي والمخابرات البريطانية بشكل خاص سيما أن آدم بارو تلقى تدريبات في لندن، وعلى الرغم من الخطاب الشعبوي إلا أنه لقى آذانا صاغية من شعب بلغت فيه نسبة الأمية 50%.
غير أن المثير للمخاوف هو أننا تتجه الأحداث نحو تكرار سيناريوهات الأزمة التي أعقبت الانتخابات الإيفوارية في 2010م بين رئيس منتخب وآخر ادّعى الفوز؛ فأدى ذلك إلى أعمال عنف أسفرت عن مقتل قرابة 3000ضحية. لكن احتماء يحيى جامع بحصن قبيلته إضافة إلى قدرته التدميرية مدعاة للقلق على غامبيا.
(*) يمكن الاطلاع على المقال الأصلي من هنا