محمد المختار (*)
في ظل الأحداث العاصفة التي طواها القرن العشرين، وضبابية الرؤية المستقبلية يشتد تنافس القوى الكبرى لبسط الهيمنة والنفوذ في العالم، وتحقيق مصالحها ضمن عدة محاور استراتيجية معلنة أهمها:
1.التوسع الخارجي في مناطق العالم المختلفة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً .
2.تحقيق الأمن القومي بمعناه الشامل .
3.تأمين الاحتياجات من الطاقة.
أفريقيا إحدى أهم المطامع؛ فهي أحدث مراكز التسويق العالمية، وأهم مصادر المعادن والطاقة، وأخطر المواقع الاستراتيجية. ويتوقع أن تكون وجهة رئيسة لتحركات أوباما بعد زيارة بوش لخمس من دولها، وإعلان مشروع( Africom) الذي أعده مركز الدراسات الإسرائيلي الأمريكي، وهو يعد من أهم المشروعات الاستراتيجية بشأن السياسة الأمريكية نحو أفريقيا. المحاور المعلنة لا تخلو من تهديد ضمني للإسلام والمسلمين في أفريقيا، فلا بد من (…إدراك أن هدف الصراع على إفريقيا ليس فقط مواردها الطبيعية الغنية، وإنما أيضاً عقول أبنائها وقلوبهم، خاصة في زمن الحرب على الإرهاب الذي بات يعني لدى حكومات الغرب “الإسلام المقاوم”)(1)
تمثل هذه المطامع تهديداً لمستقبل القارة وتحدياً لقادتها، بجانب قضايا الاندماج الإقليمي ومشروع الولايات المتحدة الأفريقية ، وأزمة الحكم وعدم الاستقرار السياسي، والصراعات والحروب الأهلية، ومشكلات التنمية والفقر والبيئة والصحة، والشراكات الاستراتيجية . تثير هذه القضايا جملة من التساؤلات التي نسعى لتقديم إجابات تقريبية عنها، فيما يتعلق بواقع أفريقيا السياسي وطبيعة النظم والكيانات الحزبية التي تؤسس للحكم وتوجه مساراته وتؤثر في قدرته على صناعة القرار الاستراتيجي، مدى فعالية الأحزاب ودورها في توفير مناخ سياسي مناسب وتحقيق حكم رشيد وأنظمة قادرة على معالجة مشكلات القارة وتحقيق أمنها واستقرارها وتحررها من التبعية ، التوصيف الذي يمكن تقديمه لمستقبل النظام الحزبي والسياسي المرتقب.
تعتمد الإجابة عن هذه التساؤلات على المدخل التاريخي لتجربة الحكم والسياسة في أفريقيا.
الأحزاب السياسية في أفريقيا ( نظرة تحليلية ):
خلفية تاريخية :
أ- حكم الشيوخ : ( مؤسسة الجيرونتوقراطية ) :
الإنسان الأفريقي عرف السلوك الحضاري قبل أكثر من 35,000 سنة (2) ، وإرث القارة في تجربة الحكم والسياسة من أقدم الموروثات السياسية في العالم, لقد سادت أرجاء القارة منظومة متكاملة من المؤسسات التي حكمت أنماط سلوك الإنسان المختلفة، وتبنت المجتمعات الأفريقية أنظمة سياسية واجتماعية وثقافية متعددة، عكست مضامينها الفكر الفلسفي السياسي للجماعة الذي يعبر عن الموروث القبلي والديني، ويعد مؤشراً للقيم الاجتماعية السائدة آنذاك. كما قدمت التجربة مفاهيم فلسفية وقواعد سياسية عامة مشتركة في القارة كلها، وأثبتت نجاحاً في تقديم نموذج لكيفية صياغة الفكر السياسي في ظل التنوع البيئي والجغرافي والثقافي والبشرى من خلال نماذج الحكم المتعددة التي قدمتها. لقد أسست القبائل الأفريقية لمفاهيم الحكم المباشر لإدارة شئونها من خلال مؤسسة ” الجيرونتوقراطية “الأفريقية العريقة (حكم الشيوخ ذوى الحكمة والخبرة والحنكة )، والتي تعد أول مؤسسة لممارسة الحكم والسلطة في التاريخ السياسي للبشرية. تجربة تمثل إرثاً تاريخياً يمكننا في ضوئها تقديم تفسير جزئي لنشأة الأحزاب السياسية المعاصرة في أفريقيا وطبيعتها وطريقة ممارساتها في الحكم والإدارة، وسلوك بعض القادة ومواقفهم، وفهم الصراعات المتجددة في القارة من حين لآخر. وربما أسهمت في إيجاد الحلول كذلك (3).
ب- وثنية مظلمة.. ونور مشرق: ( الممالك الإسلامية ):
بعد انتشار الإسلام في أفريقيا قام العديد من الممالك الإسلامية، منها في شرق أفريقيا: سلطنة مقديشو، وسلطنة «كلوة»، ومملكة «شوة الإسلاميَّة»، ومملكة «أرابيني»، و «بالي»، و «دارة»، و «داوارو»، «وزنجبار»، و«سفالة»، و «ممبسة». وأصبح الإسلام الدين الرسمي لأغلبية سكان إقليم غرب إفريقيا بنسبة55%، ويضم الإقليم ست عشرة دولة هي: السنغال، جامبيا، الجابون، غييا بيساو، غينيا (كوناكري)، سيراليون، ليبيريا، ساحل العاج (كوت ديفوار)،غانا، توجو، بنين، نيجيريا، بوركينا فاسو، مالي، موريتانيا. (4) عملت هذه الممالك على نشر الحضارة الإسلامية و قيمها في الحكم والإدارة بأسلوب لم تشهده أفريقيا قبل دخول الإسلام إليها، يقول توماس آرنولد في كتابه الدعوة الإسلامية: (… أن مجرد الدخول في الإسلام يدل ضمنياً على الترقي في الحضارة ) (5). بالرغم من أهمية هذه المرحلة (الممالك الإسلامية) في تاريخ أفريقيا الحضاري والسياسي، إلا أنها نالها تهميش مقصود؛ لإخفاء معالم الحكم والسياسة والحضارة الإسلامية فيها، وقد حرص الاستعمار بعد فرض هيمنته في أفريقيا على طمس تلك المعالم، وإن معظم ما قدم من أطروحات نظرية لتفسير قضايا الحكم والسياسة في أفريقيا بعد الاستقلال تعمدت عدم تقديم الفهم الصحيح لأفريقيا ،وأظهرت تحيزا ًواضحاً في قراءة وتدوين التاريخ وتحليله وتفسيره، كما تعرضت (…المعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بإفريقية في أحيان كثيرة لعوامل التشويه والتزوير خدمة لأغراض معينة، وإثباتاً لسياسات خاصة، وأكثر من قام بذلك الدول الاستعمارية، وذوو الأغراض الخبيثة ممن سار على نهجهم وسياساتهم )(6)
ج- الاستعمار والسعي لإقصاء الإسلام :
1 – اللبنة الأولى للاستعمار :
ضرب النشاط الاقتصادي الإسلامي في البحر المتوسط، ووقف تجارة المسلمين مع الشرق. كان هدف البرتغال في القرن الخامس عشر الميلادي. وبوصول البرتقال إلى الهند عام 1502م وفرض سيطرتها على المحيط الهندي وتجارته، وتشيدها القلاع على طول الساحل الأفريقي؛ لتجارة البشر وبيعهم، ونقلهم إلى الأمريكيتين بمشاركة هولندا وبريطانيا وفرنسا، وضعت اللبنة الأولى للاستعمار الأوربي في أفريقيا، الأمر الذي أغرى دولاً أوربية أخرى كهولندا والدنمارك بالتوجه نحو غرب أفريقيا، وتبعتها كل من فرنسا وبريطانيا، ثم ألمانيا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي. كما تمكن البرتغاليون في مطلع القرن السادس عشر الميلادي من إخضاع الإمارات الإسلامية على الساحل الشرقي إلى أن تمكن العمانيون من طردهم منها في عام 1698م (7)
2- مؤتمر برلين واستعمار وتقسيم أفريقيا :
في عام 1884- 1885م انعقد «مؤتمر برلين» بمشاركة 14 دولة أوربية لتقاسم النفوذ والأراضي والثروات في أفريقيا، ومزقت إلى دويلات وفقاً لمعايير إقليمية وقبلية لبسط السيطرة والحكم، فأقامت فرنسا مستعمراتها على أنقاض الممالك الإسلامية في النيجر وغينيا وتشاد والممالك الأفريقية في حوض غينيا والكونغو، كما أسست بريطانيا لمستعمراتها الهامة في نيجيريا في غرب أفريقيا انطلاقاً من دلتا النيجر.” لقد حرص المستعمر على تنحية الشريعة الإسلامية بوصفها أساس الحكم في بلاد إفريقيا المسلمة، وعمل على تطبيق مبادئ القانون الأوروبي في البلاد المستعمرة”، (8) واتسمت مواجهته بطابع العنف ضد حركات الجهاد الإسلامي في أفريقيا، كحركة محمد أحمد المهدي في السودان، و محمد عبد الله حسن في الصومال، وعمل على إفشال محاولات توحيد حركات اجهاد المسلح، وقام بتأليب النصارى ضد المسلمين وعلى إحلال لغاته محل اللغة العربية. لم يكن المستعمر يرى تهديداً في البدائل المحلية الأخرى، بل ربما تصالح معها واستفاد منها في بسط نفوذه، وتهيئتها لتكون بديلاً مناسباً عنه بعد انسحابه. أورث المستعمر القارة بعد خروجه حروباً وصراعات لا تكاد تهدأ، وخاصة في الدول والمناطق ذات الأغلبية المسلمة كالسودان، والصومال، وتشاد، وشرقي الكونغو، وشمال ساحل العاج، وهي حصيلة التقسيم والسياسات الاستعمارية . اضطر المستعمر للقيام ببعض الإصلاحات في مستعمراته، كشق الطرق وإنشاء الخطوط الحديدية لتسهيل نقل ثروات القارة إلى الخارج ، كما أنشأ أنظمة تعليمية وإدارية لتخريج موظفين من الأفارقة يساهمون في ضبط عملية الاستغلال بصورة غير مباشرة، ولتحقيق أهدافه السياسية والثقافية والفكرية ( التغريب والاستيعاب )، والتي استهدف بها الإسلام واللغة العربية، ثم لم تلبث بعض تلك النخب التي هيأها المستعمر أن حملت لواء التحرر وقادت بلادها تدريجيا إلى الاستقلال.
3– الاستقلال… وظلال التبعية :
بعدالحرب العالمية الثانية أخذت الدول الاستعمارية في تسليم السلطة السياسية إلى النخب السياسية وحركات التحرر الوطني التي تحولت إلى أحزاب سياسية، وقامت بنقل تجربة مؤسسات أنظمتها الحكومية إلى مستعمراتها مع الإبقاء على بعض أشكال التعبير التقليدية، وسارت الدولة الوطنية على النظام السياسي المعتمد في البلد الأوربي الذي كان يستعمرها. من ذلك ما حصل في البلاد التي كانت تستعمرها فرنسا، كتجربة الأحزاب في السنغال، والغابون، وفي غيرهما. لم يكن الاستقلال الذي أعلن استقلالاً حقيقياً لأفريقيا؛ فكيانها المعنوي، وسيادتها الفكرية كانا لا يزالان رهن الاحتلال والاحتواء، وهيمنة النظم التعليمية الأوروبية في الأقطار الإفريقية لم تكن تساعد على تخريج جيل يعي مشكلات أمته الإسلامية، أويهتم بها ويسعى إلى حلها، يذهب نزنجولا نتالاجا ( إلى أن الناس العاديين في إقليم كويلو Kwilu في زائير الشرقية بدوا غير مقتنعين بالاستقلال الاسمي الذي تم، ويري أن الدولة الأفريقية الحديثة، ما هي إلا صناعة استعمارية شكلها وصاغها الاستعمار وفقاً لرؤيته ومصالحه . وهي من خلال نخبها السياسية الحاكمة الذين هم بدورهم صناعة استعمارية قد سارت على ذات الدرب .)(9)
4- ميلاد النظام الحزبي التسلطي في أفريقيا :
تجربة الديمقراطية التي أقامها الاستعمار في الدول الأفريقية كانت تحمل عوامل الفشل في داخلها؛ ولذلك لم تنجح في تنظيم السلوك السياسي لشعوبها، أو تحقيق الممارسة السياسية الرشيدة لحكامها، وتولد عما أفرزته من توجهات وممارسات سلبية نموذجان للحكم في إفريقيا سادا في فترة ما بعد الاستعمارـ ولا يزالان ـ ، هما: الحكم السلطوي للحزب الواحد، والدكتاتورية العسكرية.
عوامل وأسباب نشأة الأحزاب وتطورها :
من عوامل تشكيل البيئة السياسية ونظمها في أفريقيا التركيبة الاجتماعية بكياناتها، وثقافاتها، وقيمها السائدة، وهي التي حددت كثيراً من المواقف والاتجاهات، والرموز والمعتقدات. تجربة ( الجيرونتوقراطية الأفريقية العريقة ) ، الحضارة الإسلامية وحكم المالك، ثم الاستعمار الأوربي وتجاربه السياسية، والأيدولوجيات والفلسفات السياسية المعاصرة ، كل منها له بعض الأثر. وترجع نشأة الأحزاب السياسية الحديثة وتطورها في أفريقيا بصورة مباشرة إلى جملة من الأسباب، أبرزها ما يلي:
· حركات التحرر الوطني، وخاصة بالنسبة للجيل الأول من الأحزاب، كالمؤتمر الوطني الإفريقي، والمؤتمر الوطني لزيمبابوي، والمؤتمر الوطني لكينيا، والأباكو الكنغولي. واكب حركات التحرر ظهور بعض القيادات الوطنية، مثل: روبرت موجابي، وكوامي نكروما، وجوموكينياتا، وأحمد سيكيتوري، وكينيث كاوندا، وباتريس لوممبا، وجوليوس نيريري، وأخيراً نلسون مانديلا، والذين عادوا إلى بلادهم حكاماً مع تحول تلك الحركات إلى أحزاب تحكم البلاد(10)
·نظام الانتخابات والبرلمانات، والذي أصبح بديلاً عن نظام الوراثة في الحكم؛ حيث ساعد نظام الاقتراع العام وظهور اللجان الانتخابية والكتل البرلمانية على إيجاد أفكار مشتركة تجاه القضايا العامة أدى إلى قيام بعض الأحزاب السياسية .
·الهيئات الدينية والنقابات العمالية ومنظمات الشباب والجمعيات الفكرية، والتي تطورت إلى أحزاب سياسية لتحقق الخدمة لأعضائها بشكل أكبر من كونها جماعات مصالح محدودة.
·بعض الأزمات في التنمية السياسية ، كما حصل بالنسبة للكنغو البلجيكية في فترة الاستعمار. فالتطورات الاقتصادية التي حدثت في بلجيكا انعكست علي سياستها في الكونغو.
·الأيدولوجيات المعاصرة ، كالشيوعية والاشتراكية, وقد أدت إلى ظهور بعض الأحزاب في مراحل ما بعد الاستعمار أو في بعض الدول التي تأخر خروج الاستعمار منها كجنوب أفريقيا .
الطبيعة التسلطية لنظام الحزب الواحد :
الأحزاب الأفريقية، وخاصة الجيل الأول منها الذي أفرزته حركات التحرر الوطني صنفت تحت مسمى: ( الحزب الواحد المتسلط )؛ فهي لم تتبن آيدلوجيات معينة؛ فلا تعد من الأحزاب الشمولية، وقد أصبحت الظاهرة الغالبة للنظم الحزبية في أفريقيا عقب استقلال دولها .
ومن أبرز العوامل التي أسهمت في تكوين طبيعتها ما يلي :
أ- سياسات الاستعمار التسلطية في فترة حكمه : والتي ترسخت في صورة ممارسات تعسفية دأبت على تعزيزها
الدولة في فترة ما بعد الاستعمار)(11)
ب- طبيعة حركات التحرر : وهي التي أعادت تنظيم نفسها في صورة أحزاب سياسية، حيث لم يكن قادتها بعيدين عن العنف ؛ فدعموا هيمنتهم السياسة وبسط نفوذهم على الحزب والدولة، مع استغلالهم السياسي المؤسسي أحياناً للغة النضالية والشعور الوطني وسيلةً للاحتواء أو الاستبعاد تحت مبررات الهوية القومية .
ت- الثقافة الأفريقية السائدة: كان لتعظيم السلطة الأبوية في المعتقدات الوثنية في أفريقيا أثر كبير في دعم تركيز النفوذ والسلطة نفسياً واجتماعياً وسياسياً ، وفي توجيه القيم، والمواقف، والاتجاهات، والرموز وميل السلطة السياسية إلى المركزية التسلطية، وتبرير ما يكون من سياسات تعسفية، وخاصة بعد أن لم يعد الخطاب النضالي التحرري مبرراً لمشروعية سياسية أو مؤسسية للأحزاب؛ فاتجهت القيادات في استخدام الأشكال التقليدية للسلطة مبرراً لفرض النفوذ، كاستغلال موبوتو لفكرة الأصالة، أو الاستعانة بالتقاليد(12) ..
ث- القيادات السياسية : لعبت معظم القيادات السياسية دوراً رئيساً في التوجيه والتأطير والتقرير للتسلطية من خلال فكرها السياسي، وممارساتها العملية، وعدم بسطها لقيم المشاركة في الإدارة والحكم .
ج- عدم ملاءمة الأوضاع في الدول الأفريقية في فترة ما بعد الاستقلال للرفاهية التعددية: لقد اقتصرت التجربة السابقة على تعبئة الشعور الوطني ضد المستعمر، و لم تبدأ بعد نظم الانتخابات ، إضافة إلى ما تعاني منه المجتمعات من الفقر وضعف التعليم والوعي السياسي العام .
ح- تحقيق التنمية : كان ذلك أحد المبررات الأساسية لبعض الزعماء الأفارقة في تخليهم عن التعددية الحزبية؛ بحجة أن الأولوية للتنمية وتوفير الخدمات، وليست للديمقراطية، وقد أيد عامة الناس هذا الطرح التنموي، ولكن وبعد مرور ثلاثة عقود من تسلط الحزب الواحد لم يتحقق لا الاندماج الوطني ولا التنمية الاقتصادية .
خ- جيل الماركسيين الذين ينظرون للنظام السياسي كأداة للسيطرة الطبقية، وتمثيلاً لمصالح الطبقة السائدة على حساب الطبقة المسودة.
د- الدولة تمثل مصدر التراكم الرئيسي في أفريقيا وليس القطاع الخاص: شجعت هذه الوضعية على بسط النفوذ على الدولة، وممارسة الاستبداد السياسي، حتى أصبح الوصول إلى السلطة، ومن ثم الهيمنة على مرافق الدولة ومؤسساتها المختلفة الهدف الرئيس على مستوى معظم الأحزاب في أفريقيا.
ذ- ضعف الوعي الجماهيري: أفقد القاعدة قدرتها على المشاركة الإيجابية في العمل السياسي والمؤسسي، وتحمل مسؤوليتها في فرض الرقابة الاجتماعية على ممارسات القادة والأحزاب، الأمر الذي ساعد على التفرد بالسلطة والنفوذ، بل واستغلال القاعدة؛ وذلك لعدم توفر ثقافة سياسية واجتماعية مكرسة للقيم الإيجابية للعمل السياسي، والسلوك الموجه لدى الإنسان الأفريقي آنذاك.
ر-الولاءات الشخصية والقبلية : أساس تكريس الزعامة الفردية والتفرد بالحكم، وربما أحاطت ببعض الزعماء الأفارقة هالة من التقديس، وقد كانت ( السمة الغالبة على التشكيلات السياسية الحزبية في البلاد هي الشخصنة الحزبية والتفرد).(13)
أبرز سمات وخصائص نظام الحزب التسلطي:
1. عدم المنهجية :
الأحزاب التي تولدت عن الحركات الوطنية لم تكن تملك خطة منهجية واضحة للحكم ، ولم يكن لديها أي محتوى فكري يتعلق بالدفاع عن الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية أو الوحدة الوطنية، والتنمية الشاملة ، كما أنها لم تكن تحمل هم الإسلام في شيء ؛ فمرحلة الكفاح ضد المستعمر لم تمكن للقادة من مهارات الحكم والإدارة؛ فانحصرت رؤى الأحزاب وأهدافها وبرامجها في تحقيق مكاسب قبلية وحزبية ، واستمر أسلوب الممارسة والإدارة التسلطية الحزبية الأمر الذي أفقد كلا من الحزب والدولة رصيده من الثقة.
2. جمود المؤسسة الحزبية:
في ظل الطبيعة التسلطية انعدمت قابلية النمو والحيوية في المؤسسة ( الحزب ، والدولة )، فعدم وجود منهجية شاملة لممارسة الحكم والسياسة والقيادة والإدارة أدى ليس فقط إلى فشل الحزب في تنمية موارد الدولة وإدارتها، بل في إدارة الحزب لنفسه، وتنمية قدراته المؤسسية والتنظيمية ، وتطوير ممارساته السياسية ، وقد ضاعف من ذلك بعض العوامل الأخرى، كضعف الإمكانات المادية للحزب، ـ الأحزاب الأفريقية معظمها فقيرة ـ، وتكريس الزعامة الفردية، والخوف من المنافسين، وحداثة التجربة وقلة الخبرة .
3. الصراعات والتحالفات الداخلية :
الطبيعة التسلطية ولدت داخل الحزب وخارجه ، تنافساً حاداً بين الشخصيات النافذة، وصراعاً قوياً على منصب القيادة؛ فظهرت تحالفات داخلية في معظم الأحزاب، أدت في بعض الحالات إلى إقصاء المنافسين أو تصفيتهم كما حدث في جنوب إفريقيا وزيمبابوي وكينيا ودول غرب إفريقيا، وربما تجاوز الأمر إلى الجوانب التنظيمية لكيانات الأحزاب ولوائحها ونظمها بإعادة صياغاتها القانونية لتكريس الفردية، وتبرير التسلط . في المؤتمر الوطني الإفريقي، وهو يعد من أفضل الأحزاب في أفريقيا ( استسلمت التيارات “الوطنية” لهيمنة فئة معينة وقيادات جديدة تحت ضغوط متنوعة، … ظهرت بؤر يديرها أشخاص يحتفظ كل منهم بجماعات خارجة عن القانون ومن ذوي السوابق وبأفراد وشركات أمن من القطاع الخاص لتنفيذ مهام داخلية في الحزب وخارجه،… فقد خرج زعيم قطاع الشباب في الحزب يهدد بقتل من يعارض وصول المرشح زوما إلى السلطة في الموعد الذي قررته قيادة الحزب، أو إذا حاول أنصار الرئيس مبيكي المعزول من هيئة قيادة الحزب التحايل لإبقائه في الحكم فترة أطول )(14)
4. عدم الشفافية وضعف الرقابة والمحاسبة :
إن تركيز الصلاحيات المطلقة في يد الزعامات الحزبية ساعد على عدم الشفافية، وعدم إمكانية الرقابة والمساءلة، الأمر الذي سهل عملية استغلال الحزب وتسخير إمكاناته وتوظيفها لصالح القيادة وحاشيتها المقربين، وكذلك الدولة ومؤسساتها .
5. عدم تنمية القيادات :
أسهمت سياسات الاستعمار التعسفية وممارساته في إيجاد مناخ لتكوين قيادات وزعامات سياسية اتسمت بروح المبادرة، والتهيؤ، وحسن التصرف، والإحساس بالمسؤولية، والتصميم والإرادة، والشعور بالواجب السياسي تجاه مجتمعاتها .هذه الصفات التي تمثلت في قيادات مرحلة المقاومة أمثال: ” نيكروما ” و ” باتريس لومومبا ” و” نيريري ” و ” سيكاتوري ” و ” اميلكال كبرال ” لم تكن الأحزاب السياسية التي أعقبت تلك المرحلة قادرة على توفير بيئة مناسبة لتربية قيادات جديدة عليها، بل ربما حالت دون ذلك خوف المنافسة؛ فكان الجيل الثاني أقل التزاماً بالمبادئ والشرعية ، وأضعف قدرة وتأثيراً.(15)
6.الميلشيات القبلية :
لتحقيق النفوذ والهيمنة وتوفير الحماية كان تسييس القبيلة ( الحزب القبيلة )، وتسليحها تحت مظلة اللافتات الحزبية، بل في الدولة ومؤسساتها وأدواتها وقنوات تواصلها، يوجد اليوم في الصومال أكثر من 25 حزباً سياسياً تتسم بعصبية حزبية و قبلية (99.9% من أعضاء الحزب ينتمون إلى قبيلة واحدة) (16)
7.الدعم الخارجي :
فرض سلطة النخب والكيانات والأنظمة التي ظلت على ولاء للمستعمر بتقديم الدعم الخارجي بكافة أشكاله، ويكون التدخل المباشر أحياناً لفرض هيمنة قيادة حزب معين، كما حدث في بعض الدول، أو المساعدة في القيام بانقلاب عسكري عليه .
8. الانقسامات المتكررة :
كثيراً ما أدي الصراع بين التحالفات ومراكز القوى داخل الحزب الواحد، والنفوذ القبلي في البلاد إلى العديد من الانقسامات، وآخرها ما شهده الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا من الاستقالات المفاجئة لأحد عشر وزيراً جاءت نذيراً باحتمال وقوع انقسامات أكبر داخل الحزب .
9. إلغاء التعددية :
دفعت سياسات الهيمنة والتسلط بعض الأنظمة التي كانت موالية للغرب للتخلص من التعددية الحزبية منعاً للتنافس، فأخذت بنموذج الحزب الواحد الستاليني، مثل: ( نظام باندا في ملاوي، وموبوتو في زائير) (17)، وفي زمبابوي بالرغم من وجود ثلاثة أحزاب ، كان حزب الاستقلال الوطني المتحدUNIP United National Indepence Party)) هو الوحيد المهيمن علي السلطة ومع ذلك أصر الرئيس كينيث كاوندا Kenneth Kaund علي أن يتجه نحو دولة الحزب الواحد)(18)
10. عدم التسامح والعنف والميليشيات الحزبية :
عدم الاعتراف بحق الآخر في السلطة ، والتخلص منه ، فالوسيلة مبرَّرة لتحقيق هذه الغاية : شراء الصوت المعارض، أو إسكاته، وكذلك رأي المعارضة في السلطة وموقفها منها، وإن جاءت بانتخابات نزيهة، لا بد من إفشال إدارتها وبرامجها السياسية والاقتصادية ومشروعاتها التنموية، والطرق لذلك عديدة: اختلاق المشاكل، تعبئة الجماهير، بث الإشاعات. ولغة السلاح والعنف أحياناً في الحملات السياسية الانتخابية. الأحزاب السياسية أصبحت تقود العنف وتحرض عليه وتبرره (“في الصومال 99.9% من الأحزاب مسلحة)”(19). عام1992م تم إسقاط طائرة الرئيس التوتسي الجديد لبوروندي ليقتل في الحادث فحصدت الحرب مع الهوتو أرواح الملايين من الطرفين. وصورة الأحداث الدامية في أثناء الانتخابات أو بعدها مشهد متكرر في الساحة الأفريقية ،آخره ما يجري في الصومال في هذه الأيام.
11. الانقلابات العسكرية :
بلغت الانقلابات العسكرية في أفريقيا في خلال الفترة من الستينات وحتى عام 1980م رقماً قياسياً؛ حيث وصل عددها إلى 120 انقلاباً ، من بينها 79 عملية إطاحة بحكومات على نحو غير دستوري، كما فقد 25 من رؤساء الدول والحكومات الإفريقية حياتهم بسبب النزاعات السياسية منذ فترة الستينات، وكانت السودان وتوجو وغانا من أولى الدول التي شهدت الانقلابات العسكرية بعد الاستعمار، وحظيت نيجيريا ب 6 انقلابات عسكرية منذ استقلالها. وها هي الظاهرة ـ بعد أن هدأت لفترة خلت ـ تعود ثانية لتجتاح جزر القمر، وسيراليون، والنيجر، وبنين)(20)
حصاد الهشيم ( فشل التجربة ) :
ما كان لتجربة حملت أسباب فشلها في داخلها أن تنجح، وقد كان من أبرز أسباب فشل تجربة الحزب الواحد المتسلط في أفريقيا ما يلي:
1. كونها نشأت وليدة ظروف استثنائية قهرية طارئة على البيئة الأفريقية، ولم تكن نتاجاً لتطور طبيعي لنظم الحكم والسياسة فيها، بجانب كونها استنساخاً للنمط الاستعماري في صورة أفريقية، وتجربة مستوردة من العالم الغربي ونظمه، تعبر عن فلسفات وقيم و آليات تحكمها لا تناسب خصوصية الأفريقيين في تكويناتهم النفسية والثقافية والاجتماعية.
2. طبيعتها التسلطية : فقد كانت تجسيداً لديمقراطية الهيمنة والسيطرة ، وتكريس الفساد والاستبداد السياسي، وسياسات القمع والإكراه المادي التي جعلت منها إقطاعيات تتناسخ على حساب مفاهيم العدالة والحرية والمساواة، وأدوات لمصادرتها بمنع التعبير والمشاركة، وتصفية مكونات المجتمع المدني أو دمجها في مؤسسات الدولة .
3.غياب المنهجية والخبرة في إدارة شؤون البلاد، فلم يكن لنظام الحزب الواحد التسلطي أي محتوى فكري وأيديولوجي شامل وفق رؤية واضحة وأهداف محددة وبرامج تكفل الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية وتحقق العدالة الاجتماعية، والوحدة والتنمية الشاملة للمجتمعات في أفريقيا، فلم يكن للأحزاب من طموحات في برامجها سوى تحقيق مكاسب قبلية وحزبية محدودة؛ لذلك لم تتقبلها البيئة الأفريقية بعامة، ومؤشرات ذلك:
·التناقض الدائم بين الشعوب الأفريقية وبين أنظمتهم السياسة.
·الاحتجاجات العنيفة، والمقاومة الواسعة ضد الحكومات المنتخبة.
·الصراعات والحروب المحلية المتواصلة في أغلب أنحاء القارة، والتي ارتبطت بظهور الأحزاب وممارساتها .
حصيلة المرحلة الأولي :
احتفظت دولة الحزب الواحد ما بعد الاستعمار في أفريقيا بكثير من ملامح الفترة الاستعمارية، ولا سيما سياسات القمع والإكراه المادي، وعزلت غالبية الشعب ممن تمت تعبئتهم ضد الاستعمار عن المشاركة السياسية الحقيقية، كما أن مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في الأحزاب والنقابات والمنظمات الشعبية قد حرمت من فرص التعبير عن نفسها، أو تم إدماجها في مؤسسات وهياكل الدولة نفسها، أما قيادات المعارضة فقد تم التخلص منها(21). لقد أسهم نظام الحزب المتسلط في إيجاد مناخ سياسي سلبي قاد إلى فشل تجربة الحكم وعدم الاستقرار وفقدان الأمن في معظم الدول الأفريقية، ونتيجة للصراعات الداخلية سادت الفوضى أحياناً، حتى في داخل النظام السياسي ومراكزه السياسية الحساسة، ولم يكن بالإمكان حلها داخل الهياكل والمؤسسات الرسمية (تنفيذية – تشريعية – … الخ ). ومن أبرز مؤشرات فشل نظام الحزب المتسلط ما يلي:
1.الاتجاه نحو تأسيس نمط من الحكم الشخصي وتكريس الزعامة الفردية في النظام السياسي، وحرص الأحزاب والزعامات على تحقيق مصالحها الخاصة عن طريق ديمقراطية الهيمنة والسيطرة، والزج بالمجتمعات في الصراعات الحزبية على السلطة.
2. ضعف مؤسسات الحكم التشريعية والقضائية، وفشلها في القيام بوظائفها القانونية والدستورية، وقد أصبحت أداة طيعة في يد النظام الحاكم يستغلها في الحصول على الدعم والتبرير لممارساته .
3.استخدام سياسات الكبت والقهر لتحقيق أهداف النظام السياسي وبسط هيمنته ونفوذه، بدلاً من الممارسات السياسية المشروعة .
4. ترسيخ ممارسات خاطئة تخلو من روح المسؤولية والأمانة؛ فالغاية تبرر الوسيلة من شراء للأصوات، وحرب الإشاعات ، وإثارة الاضطرابات .
5. الاستغلال السياسي لبعض قطاعات المجتمع ومؤسساته، وتسييس الكيانات القبلية ، سواء من القوى السياسية المحظورة عن الشرعية أم الدولة.
6. ترسيخ التبعية للغرب وفتح الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية ، وتدويل القضايا المحلية ، وهناك من يذهب إلى (… أنه على رغم اعتماد الدول في إفريقيا على مجابهة الاستعمار، إلا أنها لم تكن سوى امتداد للحكومات الاستعمارية ومثلها غريبة عن المجتمعات الإفريقية. وكانت الإضافة هي أن القوى الاستعمارية وجدت لها إفريقيين يقومون بالأعمال التي تحتاج إليها )(22)، وقد جعل ذلك أفريقيا في تبعية سياسية واقتصادية للغرب عبر سياساته وشركاته وقروضه، وهباته وشروطه، واستغلال أدوات الحكم المحلي كوسائل للسيطرة على الحكومات والأنظمة .
7. غياب التقاليد والأسس الواضحة لعملية تداول السلطة السياسية؛ و تبني صيغ المنهج الفوقي في التغيير السياسي باستخدام الوسائل غير السلمية، مثل: الانقلابات، والاغتيالات، والحروب الأهلية، أو فرض قناعات أيديولوجية من جانب شخص الحاكم.
8. التأكيد على مفهوم اتفاق الرأي الذي يجسده التنظيم السياسي الواحد، واعتبار المعارضة السياسية المنظمة مسألة ترفيه، لا تلائم الواقع الأفريقي.
9. تفتيت وحدة المجتمع وتماسكه؛ بتوجيه أصوات الناخبين إلى مسارات ضيّقة وخانقة كالاتجاهات العرقية والقبلية والولاءات الشخصية، الأمر الذي أدى إلى توتر علاقات المجتمع، وفجر العنف والصراعات والحروبات الأهلية.
10. تحول بعض الدول إلى ساحات لتصفية الحسابات بين الدول صاحبة الشأن، واستقطابات، وتباينات ونزاعات داخلية، وحروب بالنيابة.
11. تعثر وفشل مسيرة التنمية في جوانب الحياة المختلفة، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في معظم الدول الأفريقية.
12. ظهور طبقات مستفيدة مكنت للنفوذ الخارجي، وأعطته دوراً فعالاً في التأثير على التدفقات السياسية والاقتصادية الأمر الذي جعل القارة نهباً للمؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، وخاصة في فترة السبعينيات والثمانينيات.
13.الربط بين المنصب السياسي العام، وتحقيق الثروة والمكانة في المجتمع؛ بحيث أضحت النخبة الحاكمة تمثل طبقة اجتماعية متميزة في سياق التمايزات المجتمعية.
فشل التعددية السياسية ( المرحلة الثانية ) :
التحول إلى التعددية الحزبية ( نظام الانتخابات والتمثيل السياسي والمجالس البرلمانية) نمط آخر من الاستعمار، وأسلوب فرض على أفريقيا كشرط للمساعدات الاقتصادية والإعانات والقروض والهبات، وتحت ضغوط العزل والحصار والتهميش، فأصبحت أفريقيا نتيجة تطبيقاته أمام تحديات تهدد أمنها الاجتماعي والاقتصادي، وويلات عنف وصراع بين أحزاب مختلفة، وحروب بين قبائل كانت متعايشة متجاورة ؛ حيث اتسعت دائرة رفض نتائج الانتخابات ـ وإن كانت نزيهة ـ مع إثارة الفوضى والتمرد والإطاحة بالقيادات المنتخبة قبل إتمام مهامها الدستورية. اجتاحت الظاهرة معظم الدول الأفريقية التي قامت فيها انتخابات وفق التعددية الحزبية، مثلما حدث في بورندي والكنغو الديمقراطية والكنغو برازفيل وكينيا وزيمبابوي، وكذلك اندلاع أعمال العنف والصراع الداخلي في سيراليون، والسودان، والصومال وأنجولا، وهكذا الحال في موزامبيق، وليبيريا، وموريتانيا الخ. كل الدول الإفريقية التي شهدت انتخابات برلمانية ورئاسية بحضور مراقبين أمميين ودوليين لم تنتج فيها الانتخابات غير الاتهامات المتبادلة بالتدليس والتزوير، وفتحت الباب على مصراعيه أمام التدخلات الأجنبية، كما حدث، ويجري الآن في الصومال (قوات أممية وأفريقية، وأمريكية، وأثيوبية…)، وروندا، وتشاد ، والسودان . علقت صحيفة الشعب الصينية على الديمقراطية الليبرالية وتطبيقاتها في أفريقيا، ” …إن العنف في كينيا الذي حصد أكثر من 1000 شخص ما هو إلا دليل على أن الديمقراطية على النمط الغربي لا تناسب الظروف الإفريقية ولكنها تحمل معها جذور الكارثة.
تلك كانت النتائج، لقد فشلت تطبيقات الديمقراطية الليبرالية والتعددية السياسية في أفريقيا، والديمقراطيات المزيفة التي أنتجت العنف وجعلته ملازماً لأي عملية انتخابية، ومن قبلها تجربة نظام الحزب المتسلط ، فهل ثمة من بوارق أمل في الإصلاح؟!
مطالب ودعوات للإصلاح بعيداً عن النظم الحزبية :
تشتد الضغوط من الدول الغربية لإبقاء أفريقيا تحت الهيمنة في إطار الديمقراطية وفق التعددية الحزبية التي تدفع لها أفريقيا دفعاً في إطار عولمة الديمقراطية عبر الموجة الثالثة، كأسلوب للحكم، وطريقة للحياة والتطور، أو وسيلة للإصلاح والتقدم بالرغم من تأكد فشلها؛ ” فهنالك أكثر من 26 دولة أفريقية شهدت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي انتخابات تعددية، تشهد اليوم صراعات مسلحة ومواجهات دموية للوصول إلى السلطة، وتعيش حالة من الفوضى والحروب والمجاعات واللاجئين، (زيمبابوي، كينيا، الصومال روندا، بورندي، أنجولا، السودان، تشاد، الكنغو…الخ”(23) .
في ظل هذا الواقع تتعالى أصوات شعبية ورسمية على كافة المستويات، منادية بضرورة إيجاد أسس جديدة للحكم في أفريقيا، لحماية الحقوق وتحقيق العدالة بعيداً عن النظام الحزبي. هنالك دعوة ببناء اشتراكية تستند إلى القيم والعادات الإفريقية القديمة، وإلى مبادئ المساواة الاجتماعية والسياسية، وغير ذلك من المفاهيم والالتزامات التي كانت تسود المجتمعات القبلية الإفريقية.
ودعوة أخرى إلى الجماعية في ممارسة السلطة، وأنها الوسيلة الفعالة لتحقيق مصالح الشعب مباشرةً، تحقق القيمة الاجتماعية للإنسان، وتصون آدميته، تنادي هذه الدعوة بالأخذ بنظام (الإفروقراطية)، بصفتها نمطاً أفريقياً جديداً في الحكم، يحافظ على تراث الحكم الفردي الشمولي، و يسمح ببعض ملامح الديمقراطية الليبرالية، والغرب لا يرفض هذه الأشكال السلطوية طالما أنها لا تتعارض مع مصالحه الاستراتيجية في القارة)(24).
أطروحات هي أقرب إلى الشعارات منها إلى منهجية شاملة للحكم ؛ فالأفروقراطية ليست إلا دعوة توفيقية عامة للتأليف بين نظام الأنتوقراطية والديمقراطية الليبرالية ، وحظها من الفشل لن يكون أقل مما حصل لمحاولات شبيهة ، وجماعية ممارسة السلطة فكرة فيها قدر كبير من عدم الواقعية ، وخاصة بالنسبة للبيئة الأفريقية ، ولا يتصور قيام بناء اشتراكي يكون مضمونه القيم والعادات الإفريقية القديمة، ومبادئ المساواة الاجتماعية والسياسية، وغير ذلك من المفاهيم والالتزامات التي كانت تسود المجتمعات القبلية الإفريقية، إذ لم يعد ما يمكن أن يسمى بناءً اشتراكياً.
وتبقى حقيقة الإصلاح السياسي وضرورته، وشروطه وأدواته ووسائله مسائل شائكة ومعقدة لاتصالها بتقاطعات مصالح الداخل والخارج ومطالبهما ، وفي غياب نظرية متكاملة ذات رؤية تحليلية كلية، تشخص الواقع السياسي والاجتماعي الأفريقي وتنظمه، تبقى أفريقيا مغلوبة على أمرها حائرة في مآلها. إن هذا الواقع الذي أنتجته تجربة النظام الحزبي، كما أنه يمثل عقبة في طريق التنمية الاقتصادية ، فهو عقبة كذلك في طريق التنمية السياسية ، وقد كان مبرراً كافياً لتأجيل فكرة الولايات الأفريقية ( … أكد العديد من الزعماء الأفارقة أن الوحدة الإفريقية حلم نبيل، ولكنه غير واقعي في الظروف الراهنة التي تعيشها دول القارة الإفريقية من نزاعات إقليمية وحروب أهلية، وفي وقت ما تزال ترزح فيه العديد من الدول الإفريقية تحت تأثير ماضٍ من الحروب والانقسامات العرقية والإثنية الموروثة منذ عهود الحقبة الاستعمارية، ووجود تفاوت كبير في بنية الأنظمة السياسية للدول الإفريقية، من حيث المحتوى الديمقراطي والتعددية السياسية والقوانين الانتخابية.) (25)
إن الإصلاح السياسي في أفريقيا في حاجة إلى منظومة متكاملة من النظم المتجانسة ضمن إطار شمولي يجد فيه الفرد والقبيلة والمجتمع ، ما يوحد الغاية والوسيلة والسلوك ، فهل يملك نظام سياسي غير الإسلام أن يحقق ذلك، بعدما أخفت تجربة الحزبية الديمقراطية في شتى صورها ( نظام الحزب الواحد التسلطي ، ونظام التعددية الحزبية ) . ؟ هل يمكن أن يُطرَح الإسلامُ بوصفه حلاً شاملاً ، تؤيد ذلك الشواهد التاريخية، في تحقيق الإسلام ما عجزت عنه الديمقراطية الزائفة والدكتاتورية المتسلطة من الأمن والاستقرار في عهد الممالك الإسلامية التي قامت في شرق أفريقيا وغربها قبل أن يأتي عليها طوفان الاحتلال الغاشم؟
الهوامش والإحالات:
(*) باحث سوداني في القضايا السياسية
(1) مسلمو أفريقيا.. دروس الماضي والاستعمار الجديد إسلام أونلاين . أحمد علي سالم – أخبار وتحليلات أفريقيا وآسيا 22/7/2008م
(2). أفريقيا.. ومنشأ الحضارة الإنسانية الخضر عبد الباقي محمد موقع إسلام أونلاين111/2/2002م
(3) بتصرف من مقال : الإرث التاريخي لتجربة الحكم والسياسة فى إفريقيا د. ميلاد مفتاح الحراثي مجلة السياسة الدولية العدد173 ، يوليو 2008
(4) مجلة المجتمع مجلة المجتمع : تقارير تاريخ: 27/09/2003 عرض: بدر حسن شافعي.
(5) توماس آرنولد ( الدعوة الإسلامية في أفريقيا ).
(6) الدكتور عبد الملك عودة مقدمة كتاب السياسة والحكم في أفريقيا.
(7)الحدود الاستعمارية وأثرها في مشكلات افريقيا شبكة المشكاة 2004-09-21 أ. د محمود عبد الرحمن الشيخ بتصرف .
(8)انظر مسلمو أفريقيا.. دروس الماضي والاستعمار الجديد إسلام أونلاين . أحمد علي سالم (9) المجتمع المدني في إفريقيا وآفاق التكامل بين الشعوب الإفريقية عزة عبد المحسن خليل www.aarcegypt.org/Admin/upload/DOCs/MAGTMA%2022.doc
(10) الأحزاب كالمعادن تتعب : جميل مطر جريدة الخليج الإماراتية الخميس ,02/10/2008
(11) د. أحمد الزروق الرشيد تأثير المـوروث الاستعماري في تأصـل ظاهرة التسلـط في الدولة ما بعد الاستعمار: إفريقيا جنوب الصحراء أنموذجاً بتصرف
(12) المجتمع المدني في إفريقيا وآفاق التكامل بين الشعوب الإفريقية عزة عبد المحسن خليل
(13) الحدث العربي والعالم: سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله http://www.almadapaper.net/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=48164
(14) الأحزاب كالمعادن تتعب : جميل مطر جريدة الخليج الإماراتية الخميس ,02/10/2008
(15) المجتمع المدني في إفريقيا وآفاق التكامل بين الشعوب الإفريقية عزة عبد المحسن خليل
(16) الديمقراطية والقبيلة في أفريقيا بتصرف
(17) المجتمع المدني في إفريقيا وآفاق التكامل بين الشعوب الإفريقية عزة عبد المحسن خليل
(18) مروى عادل شكري : أفريقيا وآفاق المستقبل. بحث مقدم للندوة العالمية لجامعة النيجر الإسلامية .
(19) الديمقراطية والقبيلة في أفريقيا. د. أشفيقة ورقة مقدمة إلى الندوة الدولية حول (أفريقيا الحاضر وآفاق المستقبل) نيامي – النيجر 2008م.
(20) مسلمو أفريقيا.. دروس الماضي والاستعمار الجديد إسلام أونلاين . أحمد علي سالم – أخبار وتحليلات أفريقيا وآسيا 22/7/2008م
(21) الصراعات العرقية والسياسية في أفريقيا «الأسباب والأنماط وآفاق المستقبل. دعبد الرحمن حمدي الجمعة01 مايو 2007م , 14 ربيع الثاني 1428 هـ http://www.altareekh.com/new/doc/modules.php?name=Content&pa=showpage&pid=918
(22) المجتمع المدني في إفريقيا وآفاق التكامل بين الشعوب الإفريقية عزة عبد المحسن خليل
(23) الديمقراطية والقبيلة في أفريقيا. د. أشفيقة ورقة مقدمة إلى الندوة الدولية حول (أفريقيا الحاضر وآفاق المستقبل) نيامي – النيجر 2008م.
(24) د. أشفيقة الطاهر الديمقراطية والقبيلة في أفريقيا ورقة مقدمة إلى الندوة الدولية حول (أفريقيا الحاضر وآفاق المستقبل)
(25) القمة الإفريقية التاسعة في أكراحلم كوامي نكروما بالوحدة قيد التأجيل بسقف مفتوح أبيض وأسود القسم السياسي
=2094 العدد http://www.awaonline.net/index.php?action=show&type=news&id