سماء القط
مترجمة وباحثة مهتمة بالشؤون الإفريقية
الناشر: معهد أبحاث السياسة الخارجية (FPRI)، وهو من أهم معاهد الأبحاث في الولايات المتحدة الأمريكية.
المؤلف: كوملان أفوليت، وهو باحث في شؤون الساحل الإفريقي، ومحلل جيوسياسي، متخصص في الشؤون الإفريقية.
الموضوع المترجم: يدور حول مستقبل الإيكواس، ومدى قدرتها على الصمود ومقاومة التفكك حتى عام 2030م. والمقال بمثابة رؤية مستقبلية لمجموعة الإيكواس.
تمهيد:
إن المشهد الجيوسياسي في غرب إفريقيا يشهد تحولًا جذريًّا، وقد أدَّى عجز الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) عن معالجة التحديات السياسية والأمنية في المنطقة بفعالية إلى تراجع الثقة في رؤيتها؛ حيث فقد هذا الكيان هيبته الأسطورية في نظر سكان غرب إفريقيا، وأدَّى سلوكه إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
يبدو أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، -التي احتفلت بمرور خمسين عامًا على تأسيسها في 28 مايو 2025م-، تفتقر إلى نُضْج عصرها، فالمنظمة التي كانت رمزًا للوحدة والاستقرار والتكامل الإقليمي، أصبحت الآن اتحادًا متعثرًا، وكيانًا لامباليًّا تُقوّضه مشكلات داخلية وخارجية، قد تؤدي -إن لم تُحَلّ- إلى تفكُّك تامّ للمجموعة في السنوات القادمة.
حيث إن صعود تحالف دول الساحل، الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بقيادة المجالس العسكرية، لا يمثل خطوة جريئة فحسب، بل يمثل أيضًا تحديًا أساسيًّا للمنظمة القائمة في غرب إفريقيا.
تحالف دول الساحل يُضْعِف سلطة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا:
لم يتشكل تحالف دول الساحل نتيجة لأفعال اندفاعية، بل يُعدّ نتيجة مباشرة للإحباطات الكامنة إزاء ما يُنْظَر إليه على أنه إخفاقات للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وقد شهدت كلّ من مالي والنيجر وبوركينا فاسو انقلابات عسكرية، وتُواجه تحديات أمنية جسيمة، ممّا دفَعها إلى اعتبار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عقبةً، وليست شريكًا يُعتَمد عليه، كما كانت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على هذه الدول، واستعدادها للنظر في إمكانية التدخل العسكري في النيجر بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة في يوليو 2023م، السببين الأخيرين للتفكك وانسحاب تلك الدول من عضوية المنظمة.
كما يعود رحيل دول الساحل من الإيكواس إلى الاعتقاد بأنها تُطبِّق معايير مزدوجة في محاسبة قادتها ديمقراطيًّا، فبينما فرضت إدانة وعقوبات سريعة على دول الساحل عقب انقلاباتها العسكرية، يسود شعور ملموس بأنّ دولاً أخرى أعضاء في المنظمة تعاني من قصور ديمقراطي أقل وضوحًا، وإن كان بنفس القدر من الضرر، مثل توجو التي سُمِحَ لها بالبقاء في الإيكواس دون عقاب؛ رغم التراجع الديمقراطي بها، وقد أثار هذا التناقض استياء واسعًا، وعزّز الرواية القائلة بأن الإيكواس مهتمة بالحفاظ على صورة معينة أكثر من اهتمامها بتعزيز القِيَم الديمقراطية في المنطقة وتلبية الاحتياجات الأساسية لسكانها.
وفي مواجهة تهديدات وجودية بسبب تصاعد الإرهاب، مع شعورها بتخلّي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عنها؛ سعت دول الساحل إلى حلول بديلة، ويُعدّ تحالفها مع دول مثل روسيا وتركيا مؤشرًا واضحًا على خيبة أملها في النظام القائم المدعوم من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، واستعدادها لشق مسارات جديدة لضمان بقائها وسيادتها.
هذا، ويُعدّ تشكيل تحالف دول الساحل خطوة جريئة، جاءت رفضًا لما يعتبرونه هيئة إقليمية متحيّزة وغير فعَّالة، وهذه الخطوة الجريئة وإن كانت محفوفة بالمخاطر والشكوك، إلا أنها تعكس اعتقادًا راسخًا بأن الهيكل الإقليمي القائم قد خذلهم، وأن وجود كتلة ساحلية جديدة وحازمة أمرٌ ضروريٌّ لمستقبلهم.
إن الدعم المتزايد مؤخرًا لتحالف دول الساحل في القارة الإفريقية وعبر الشتات، وخاصة للكابتن إبراهيم تراوري في بوركينا فاسو، في مواجهة النقد الغربي والانقلابات الفاشلة، يُعبِّر عن رسالة واضحة مفادها أن تحالف دول الساحل أصبح يُمثّل بديلاً قويًّا للإيكواس بسبب الرؤية القيادية التي تلقى صدًى عميقًا في إفريقيا؛ حيث إنها تُوحي بالتشوق إلى قيادة تدعم بصدق تطلعات القارة، وتُجسِّد القوة والعزيمة التي تتوق إليها الشعوب الإفريقية في قادتهم، ويُبشِّر هذا الاتجاه المُوحَّد بتحوُّل جذري في كيفية تصوُّر القارة لمستقبلها، بينما يبدو أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تسير في الاتجاه المعاكس.
المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا من قوة إقليمية إلى مؤسسة متعثرة:
إن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا شكَّلت لعقودٍ طويلةٍ حجر الزاوية في التكامل الإقليمي في غرب إفريقيا؛ إذ عززت التعاون الاقتصادي والعسكري والسلام والاستقرار في المنطقة، ففي البداية حققت نجاحات ملحوظة في تعزيز التجارة وتسهيل التنقل، بل وحتى التدخل لإدارة النزاعات، إلا أنها واجهت تحديات جسيمة قوَّضت مصداقيتها، وزرعت بذور السخط وانعدام الثقة لا سيما بين شعوبها.
ومن بين نقاط الخلاف المهمة النهج الانتقائي الذي تتبعه الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) في تطبيق الحوكمة والديمقراطية، فبينما أدانت المنظمة في بعض الأحيان، بل وفرضت عقوبات على الدول التي تشهد انقلابات عسكرية سافرة، إلا أن ردّها على أشكال أكثر خبثًا من التراجع الديمقراطي، مثل تزوير العمليات الانتخابية والتشبث بالسلطة بما يتجاوز الحدود الدستورية، كان خافتًا بشكلٍ ملحوظ، وقد أثار صمت المجموعة شعورًا بالظلم والتهميش بين السكان الذين يشهدون تآكل حقوقهم الديمقراطية، ويرفض العديد من المواطنين في غرب إفريقيا، وخاصةً في دول الساحل، المجموعة التي يَعتبرونها ناديًا للرؤساء الذين لا تتوافق أجنداتهم مع احتياجات وتطلعات الشعوب الفعلية.
وعلاوةً على ذلك، وُجِّهت انتقادات إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)؛ بسبب ما يُنْظَر إليه على أنه إذعان للقوى الخارجية، مما أدى إلى اتهامها بأنها أداة للمصالح الغربية، وليست مؤسسة إفريقية مستقلة بحقّ، وقد استغلت الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تقويض سلطة الإيكواس وتشجيع تحالفات بديلة هذا التصور، سواء كان صحيحًا أم لا.
إن عجز المنظمة أو عدم رغبتها في معالجة التحديات الأمنية وقضايا التنمية والحوكمة التي تعاني منها المنطقة، قد غذَّى بشكل استباقي سردية عدم أهميتها في نظر شعوبها، وقد شكَّل صعود الأنظمة غير الديمقراطية غالبًا من خلال التلاعب بالانتخابات وترسيخ السلطة تحت حماية التأثيرات الخارجية، جرحًا فادحًا لم تُعالجه الإيكواس بالشكل الكافي، وهو ما أسهم بشكل مباشر في التفكك الحالي للتكتل الإقليمي.
هل تتجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ببطء ولكن بثبات نحو نهايتها؟
لقد تغيَّر العالم، ويتطلع المواطنون حول العالم إلى حكم ديمقراطي وقادة يفهمون احتياجاتهم، وتمر المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بمرحلة حرجة تتطلب اتخاذ قرارات جريئة لضمان بقائها؛ حيث يُشكّل إحجام بعض قادتها المستمر عن الالتزام بالمبادئ الديمقراطية، وخاصة فيما يتعلق بتحديد فترات توليهم مناصبهم وقمع المعارضة السياسية، تهديدًا وجوديًّا لاستمرارها على المدى الطويل وسلطتها الأخلاقية.
ويُذكّرنا الوضع في “توجو” بهذا الخطر المحدق، فالتعديل الدستوري الأخير الذي ينقل فعليًّا سلطة انتخاب الرئيس من الاقتراع العام إلى هيئة تشريعية يهيمن عليها الحزب الحاكم، إلى جانب إنشاء منصب مجلس الوزراء للرئيس الحالي، يكشف عن عزم النظام المطلق على ترسيخ قبضته على السلطة إلى أجل غير مسمى، وإن تواطؤ المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا في هذا التجاهل الصارخ لحقوق المواطنين في الاقتراع العام يرسل إشارة سلبية في جميع أنحاء المنطقة.
وعلاوةً على ذلك، يُشكّل استبعاد شخصيات معارضة بارزة مؤخرًا في عدة دول منتمية للإيكواس، مثل تشارلز بلي غوديه، رئيس المؤتمر الإفريقي للعدالة والمساواة بين الشعوب في ساحل العاج، وتيجان ثيام رئيس الحزب الديمقراطي بساحل العاج، من الانتخابات الرئاسية المقبلة خطرًا على استقرار البلاد، ويثير غياب إعلانٍ رسمي من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) تساؤلات جدية حول فعالية هذه المؤسسة والتزامها بالمبادئ الديمقراطية ومستقبل ساحل العاج، في حين أدَّت قضايا مماثلة إلى حربين أهليتين في البلاد عامي 2002 و2011م.
هذا، وبعد خمسين عامًا من وجودها، تُواجه المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا خطر الزوال إذا استمر العديد من قادتها الحاليين في تجاهل رغبات شعوبهم المشروعة، وبدون أيّ دعم حقيقي من شعوبها، تواجه هذه الكتلة خطر المعاناة من مصير العديد من الإمبراطوريات والممالك والمنظمات التي سبقتها.
إن السبيل الوحيد الذي يساعد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على النجاة من هذا المصير هو اعتماد إستراتيجية جذرية وشاملة، وينبغي أن تتضمن هذه الإستراتيجية مطالبة جميع الرؤساء الذين تجاوزوا مدة ولايتهم بالتنحي، وإجراء تعديلات دستورية في جميع أنحاء المنطقة تُحدِّد فترات ولاية رئاسية ثابتة، ومن المرجح أن يكون تطبيق هذا صعبًا؛ نظرًا لرفض العديد من قادة المنطقة تبنّي القيم الديمقراطية بصدق، ومع ذلك فإن عواقب عدم اتخاذ أيّ إجراءات ستكون وخيمة، وذلك يعود لسببين؛ الأول أن هناك نفوذًا متزايدًا لتحالف دول الساحل في المنطقة. وعلى الرغم من التحديات والشكوك الكامنة فيه؛ يمكن لتحالف دول الساحل أن يحل محل الكتلة الإقليمية القائمة، وإن كانت تبدو غير مبالية.
والسبب الثاني يتمثل في أنه قد تحدث انقلابات عسكرية جديدة في الأشهر المقبلة مع توسع مقلق لنفوذ التدخلات الروسية والجماعات المسلحة، ولا شك أن هذا المسار سيؤدي إلى زوال الإيكواس، وبحلول عام ٢٠٣٠م سنكون بين احتمالين مختلفين؛ فقد يهتف سكان غرب إفريقيا قائلين “تحيا الإيكواس”، أو يهتفون بدلاً من ذلك “تموت الإيكواس”!!
……………………………………….
رابط الموضوع: https://www.fpri.org/article/2025/05/will-ecowas-survive-until-2030/