كتبه: جورج ب. هاغان
ترجمة: حسناء بهاء رشاد
باحثة دكتوراه تخصُّص تاريخ حديث ومعاصر، قسم التاريخ والحضارة- كلية الآداب – جامعة سوهاج- جمهورية مصر العربية
مقدمة:
تُواجه معظم دول إفريقيا بعد الاستعمار مجموعة من التحديات المنهجية المتعددة، في سعيها لتحقيق إمكاناتها الكاملة كدول ذات سيادة، واستثمار العوائد المتوقَّعة من الحرية والحكم الذاتي لشعوبها. هذه التحديات شاملة، وتعود جذورها إلى العناصر الأساسية لنظام الحكم الاستعماري الذي فرضته القوى الأوروبية على القارة الإفريقية في أواخر القرن التاسع عشر. لقد حصر الحكم الاستعماري الأوروبي إفريقيا في نظام اقتصادي عالَمي أنشأته القوى الاستعمارية لخدمة مصالحها الخاصة.
بينما تسعى الدول الإفريقية إلى إيجاد حلول للتحديات التي نتجت عن الحكم الاستعماري، لذا أصبح من الضروري التفكير في كيفية تعديل النظام الاقتصادي العالمي ليكون أكثر إنصافًا وعدلًا. وتهدف هذه الورقة إلى توضيح وتبرير هذا المطلب.
في الجزء الأول من هذه المقالة، تُطرح فرضية مفادها أن الاستعمار الأوروبي للقارة الإفريقية كان مشروعًا إستراتيجيًّا جماعيًّا يهدف إلى إنشاء “نموذج جديد للاقتصاد العالمي يعتمد على العبودية”، ليحل محل تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.
وتناقش المقالة أنه مع انهيار الحكم الاستعماري، قامت الدول الأوروبية بتأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، مما أتاح لها الاستمرار في استغلال موارد المستعمرات السابقة والحفاظ على سيطرتها من خلال الاستعمار الجديد. كما يتضح أنه في ظل التهديد الوجودي الذي يُشكّله تغيُّر المناخ والاحتباس الحراري على البشرية، يقف العالم على أعتاب عصر تكنولوجي جديد بعد الوقود الأحفوري؛ حيث يتشكل نظام اقتصادي عالمي جديد تسعى فيه الدول ذات النفوذ التكنولوجي والمالي إلى وضع إستراتيجيات لاستغلال الموارد الإستراتيجية لإفريقيا، في إطار شكل آخر من أشكال الاستعمار.
في القسم الثاني، تستعرض المقالة وتناقش التحديات الهيكلية التي تواجه الدول الإفريقية بعد الاستعمار، والتي تُعتبر إرثًا للأدوات التي استخدمتها الدول الأوروبية لتقسيم القارة، وإخضاع شعوبها، واستغلال مواردها لتغذية صناعاتها وتلبية احتياجات أسواقها الخارجية. إن فهم هذه التحديات يساعد في إدراك مفارقة الفقر المستشري في إفريقيا وبطء وتيرة التنمية، على الرغم من توافر مواردها الطبيعية الهائلة، وثرواتها الثقافية، وطاقاتها البشرية الكبيرة.
في القسم الثالث، أُشير إلى أنه رغم جهود الدول الإفريقية للتغلب على هذه التحديات وتنمية مواردها لضمان حياة أفضل لمواطنيها، إلا أنها ستظل بحاجة إلى استثمارات أجنبية. كما سيستمر تأثير الاستعمار الجديد وهيمنته على الدول الإفريقية، ما لم يتم دمج مبادئ الإنصاف والعدالة في النظام الاقتصادي العالمي بشكل عام، وفي العلاقات والشراكات الدولية المخصَّصة للتنمية العالمية بشكل خاص.
لذلك، يكتسب هذا المؤتمر الذي يتناول “الاستعمار والاستعمار الجديد والنظام العالمي الجديد” أهمية كبيرة لمستقبل ازدهار إفريقيا والعالم بأَسْره. لا يمكن ترك إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي، بما يضمن الإنصاف والعدالة في المعاملات الاقتصادية، بيد الدول القوية فقط، بل يتطلب ذلك مشاركة فعَّالة من الدول الإفريقية وغيرها من الدول النامية.
1.0. الاستعمار: نظام اقتصادي عالمي متغير
1.1.0. المشروع الاستعماري الأوروبي في إفريقيا: نشأته والأسطورة المتعلقة بالتبرير الأخلاقي
في عامي 1884 و1885م، وبعد سلسلة من الاجتماعات في برلين، قامت الدول الأوروبية الكبرى بتبنّي إطار إستراتيجي مشترك لاستعمار إفريقيا بشكل رسمي. وقد قسمت القارة إلى مناطق نفوذ حصرية، ومنحت نفسها السلطة المطلقة لقمع السكان الأصليين واستغلال مواردهم. كانت الدول الأوروبية بحاجة إلى موادّ خام رخيصة لتغذية صناعاتها، بالإضافة إلى أسواق محمية لمنتجاتها. ولم يتغير هذا الإطار القانوني الإمبريالي إلا بعد الحرب العالمية الأولى، عندما تم إعادة توزيع المستعمرات الألمانية بين بريطانيا وفرنسا وبلجيكا والبرتغال، مما أدَّى إلى تشكيل الكيانات الإقليمية للدول ذات السيادة في إفريقيا كما نعرفها اليوم.
ويُعدّ مؤتمر برلين نقطة تحوُّل بارزة في تاريخ أوروبا وإفريقيا. ويصفه المؤرخون بأنه بداية “التسابق على إفريقيا”. في هذا السياق، أشار كوامي نكروما Kwame Nkrumah إلى أن “التسابق” المعروف على القارة الإفريقية بدأ في الربع الأخير من القرن التاسع عشر؛ حيث انطلقت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وإيطاليا في سباق للسيطرة على المستعمرات.
ومع ذلك، أشار إلى أن مؤتمرات برلين كانت ذروة “التنافس على إفريقيا”، وليست بدايته. فقد بدأ هذا التنافس منذ إلغاء تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، التي استمرت لقرون، في عام 1807م، إن لم يكن قبل ذلك بكثير. كما وصف فرويند Freund، -وهو كاتب بارز في مجال الاستعمار الأوروبي في إفريقيا-، هذه العملية بقوله: “في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أفسح التغلغل الأوروبي البطيء في القارة الإفريقية المجال لصراع على المستعمرات، مما أدى إلى تقسيم جميع الأراضي الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، باستثناء جمهورية ليبيريا وإثيوبيا”.
بدأت “عملية التغلغل الأوروبي البطيئة” التي مهَّدت الطريق لـ”التدافع على المستعمرات”، مما أدى إلى تقسيم جميع الأراضي الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في مؤتمر برلين.
في ساحل الذهب، الذي كان المحور الإفريقي لتجارة الرقيق المثلثة، كانت هذه المراحل الثلاث واضحة في العقود الأولى من القرن التاسع عشر. في عام 1819، أرسل البريطانيون أول سفرائهم، جيمس بوديتش وتوماس دوبوي James Bowditch and Thomas Dupuis ، إلى كوماسي Kumasi، عاصمة إمبراطورية أشانتي the Ashanti empire، مما يُمثّل المرحلة الأولى من التغلغل الإستراتيجي في مملكة الغابات. وفي إطار سعيهم المستمر لتوسيع ممتلكاتهم الإقليمية ونفوذهم، وقَّع البريطانيون اتفاقية مع بعض زعماء ساحل الذهب في عام 1844، واستحوذوا على الممتلكات الدنماركية والهولندية في ساحل الذهب في عامي 1850 و1872م على التوالي.
في خرقٍ واضحٍ لبنود اتفاقية عام 1844م، أعلن البريطانيون من جانبهم ساحل الذهب مستعمرةً بريطانيةً، وفرضوا سيطرتهم الرسمية والفعلية على الإقليم في عام 1874م، أي قبل عقدٍ كاملٍ من اتفاقية برلين التي تناولت تقسيم إفريقيا. كما انخرطت دولٌ أوروبيةٌ أخرى تأثرت اقتصاداتها بإلغاء العبودية في مشاريع مشابهة في مناطق أخرى من غرب إفريقيا.
في هذا السياق، تتجلى الأهمية الإستراتيجية لمؤتمرات برلين؛ من خلال إبرام اتفاقية ملزمة لتقسيم القارة، تمكنت الدول الأوروبية من ضمان عدم تحول اندفاعها المحموم نحو الممتلكات والموارد الإقليمية في إفريقيا إلى صراعات مسلحة أو نزاعات حول المطالبات الإقليمية. ومع الإطار المتفق عليه للحدود الإقليمية، التزمت الدول بشكل جماعي باحترام مكاسب كل منها، مما أتاح لها استغلال موارد أراضيها دون مواجهة أي معارضة. ومن الجدير بالذكر أن اتفاقية برلين كلفت كل دولة بـ”الاحتلال الفعلي لأراضيها من خلال إرسال إداريين لإدارتها”.
تُعدّ هذه الأفعال دليلًا على وجود مخطط جماعي مُدبَّر لتحقيق هدف إستراتيجي معين، وأن استعمار إفريقيا يمكن اعتباره مشروعًا أوروبيًّا مشتركًا يهدف إلى إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد يعتمد على العبودية، ليحل محل تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. ولتأكيد هذا الرأي، سأقترح نموذج عمل للمستعمرين، بالإضافة إلى المزايا النسبية التي تُميّز استعمار إفريقيا مقارنةً بتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.
1.1.1. استعمار إفريقيا: نموذج أعمال جديد
على مدى قرون، اعتمدت الدول الأوروبية بشكل كبير على تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، مما دفعها إلى البحث عن طرق جديدة لإنقاذ اقتصاداتها من خلال الحصول على موارد رخيصة لصناعاتها. ورغم أن إستراتيجيتها كانت عالمية، إلا أن إفريقيا كانت تُعتبر وجهة جذابة بشكل خاص.
أولًا: تقع قارة إفريقيا بالقرب من أوروبا، مما يجعلها امتدادًا جغرافيًّا لها، وكانت ثروات المناطق الداخلية من القارة تنتظر مَن يكتشفها.
ثانيًا: كان الوصول إلى هذه المناطق الداخلية، المعروفة بـ”القارة المظلمة” the dark continent، سهلًا من خلال الموانئ الساحلية والحصون والقلاع التي دعمت تجارة الرقيق العالمية.
ثالثًا: بفضل عدم وجود محيطات واسعة تحتاج لعبورها، يمكن للدول الأوروبية استغلال ثروات إفريقيا بتكاليف مالية ونقل أقل بكثير، مما يقلل من مخاطر فقدان السفن والبضائع، ويَحُدّ من المخاطر على الأرواح والأطراف، ويُحقّق أرباحًا أكبر مقارنة بتجارة الرقيق المثلثة.
رابعًا: في هذا النموذج التجاري، لن يتم أَسْر الأفارقة وبيعهم أو شحنهم إلى الخارج، بل ستُستعبَد مجتمعات كاملة، وتُجبر على العمل في المزارع والمناجم لصالح مستعمريها مقابل أجور زهيدة، مما سيُوفّر أسواقًا متنامية للمنتجات الأوروبية.
خامسًا: سيُسهم ذلك في تقليل تكاليف الحفاظ على السلام والنظام في إفريقيا؛ حيث تمتلك القوى الأوروبية قواعد عملياتية مثل القلاع والحصون، مما يُسهّل إمداد قواتها المقاتلة من أوروبا.
سادسًا: تقع قارة إفريقيا بين قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية من الغرب، وقارتي آسيا وأستراليا من الشرق. لم تغفل القوى الأوروبية عن الأهمية الإستراتيجية لموقع القارة الإفريقية، كما أشار علي مزروعي Ali Mazrui ؛ حيث تُعتبر مركزًا حيويًّا في سياق التجارة العالمية والتبادل التجاري والقوة الإمبريالية.
في الواقع، لم يقتصر المشروع الاستعماري الأوروبي في إفريقيا على استغلال القارة وشعوبها ومواردها، بل أتاح أيضًا فرصة للدول الأوروبية لتكون نقطة انطلاق لعولمة التجارة والتبادل التجاري، بالإضافة إلى تعزيز قوتها العسكرية.
في ساحل الذهب، تحوَّلت القلاع والحصون التي كانت تستخدم في تجارة الأطلسي المنحلة إلى مقرات رسمية للحكومة الاستعمارية. كانت هذه المواقع تضم إدارة الخدمة المدنية، والقوات العسكرية، والمحاكم، والسجون، وأقبية الإعدام. ولا تزال هذه المعالم حتى اليوم تذكّرنا بعمق العلاقة بين الاستعمار وتجارة الرقيق عبر الأطلسي.
١.١.٢. تأثير النظام الاقتصادي العالمي المُعاد تشكيله القائم على العبودية على إفريقيا
إذا كان الاستعمار الأوروبي قد أعاد تشكيل تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي في إفريقيا، فإنه من الضروري مقارنة تأثير هذين النموذجين الاقتصاديين على سكان القارة وثقافاتهم.
أدت تجارة الرقيق إلى استنزاف سكان إفريقيا، لكنها أبقت أراضي القارة ومعادنها تحت سيطرة مجتمعات إفريقية ذات سيادة وحكام تقليديين. في المقابل، فرض الحكم الاستعماري سيطرته على مجتمعات وممالك وإمبراطوريات كبيرة؛ حيث جرّدها من أراضيها واستغل مواردها الطبيعية ودمّر اقتصاداتها. خلال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، كان العبيد وحدهم، الذين تم شراؤهم وبيعهم، هم مَن تعرَّضوا للتجريد الكامل من إنسانيتهم والإهانة. في ظل الاستعمار، فقدت مجتمعات إفريقية بأكملها حريتها، وعملت في ظروف قاسية مقابل أجور ضئيلة، مما أدَّى إلى معاناتها من الفقر والحرمان المادي والتدهور الإنساني.
أثرت تجارة الرقيق بشكل كبير على تطور الزراعة والتقنيات والصناعات المحلية؛ حيث أدت إلى فقدان الكفاءات. ومع ذلك، تركت هذه التجارة المجتمعات تدير اقتصاداتها بشكل مستقل. من جهة أخرى، يُشير السجل التاريخي إلى أن المستعمرين الأوروبيين عمدوا إلى تدمير العديد من الصناعات المحلية والمؤسسات التجارية وشبكات الأنشطة التجارية في القارة الإفريقية، وذلك بهدف القضاء على المنافسة المحلية ضد التجارة والصناعات الأوروبية. كما قاموا بإزالة أدلة مادية هامة تعكس “العبقرية الإفريقية” والقدرة الفطرية لدى الأفارقة على الابتكار والاكتشاف وخلق أشياء جديدة لدعم وتنمية مجتمعاتهم وثقافاتهم.
في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، كان مصير الأفارقة الذين تم بيعهم كعبيد هو فقدان كرامتهم الشخصية، وذاكرتهم التاريخية، وروابطهم العائلية، ودعم مجتمعهم، وحياتهم الثقافية، مما أدى إلى أزمة هوية عميقة. خلال المشروع الاستعماري الأوروبي في القارة الإفريقية، اعتمدت الدول الإمبريالية الهيمنة الثقافية الأوروبية كإستراتيجية للتنمية البشرية، وسعت بطرق متعددة إلى دفع مجتمعات إفريقية كاملة للتخلي عن عاداتها وتقاليدها وقيمها الأصلية، واستبدالها بالقيم الثقافية الأوروبية، والمؤسسات، وأسلوب الحياة، مما أدى إلى فقدان سيادتها الثقافية وكرامتها. بينما يواصل ملايين أحفاد الأفارقة الذين تعرضوا للعبودية النضال ضد أشكال العبودية الجديدة في الأمريكتين، يستمر سكان القارة الإفريقية في كفاحهم ضد إرث الاستعمار في الدول الإفريقية ذات السيادة.
١.١.٣. خرافة الشرعية: تبرير المشروع الاستعماري الأوروبي كإستراتيجية للتنمية البشرية
في ظل الإدانة الأخلاقية القوية والمستمرة التي رافقت إلغاء تجارة الرقيق؛ أدرك المستعمرون الأوروبيون الحاجة إلى تقديم مبرّر أخلاقي لنمط العبودية الجديد الذي أدخلوه إلى النظام الاقتصادي العالمي. وقد أدّى هذا الوعي إلى ظهور خطاب جديد حول الثقافات العالمية والتقدم البشري في الأوساط الاجتماعية والسياسية والدينية، وخاصة في الأوساط الفكرية الأوروبية.
وكما تمت الإشارة إليه سابقًا، فقد اتفق مؤتمر برلين على تقسيم إفريقيا في عام 1884م. وفي نفس العام، تم تأسيس كلية أكسفورد للأنثروبولوجيا الاجتماعية؛ حيث تم تعيين إدوارد تايلور Edward Tylor محاضرًا، ثم أصبح أستاذًا للأنثروبولوجيا الاجتماعية بعد فترة قصيرة. عرّف تايلور وآخرون من الرواد الأنثروبولوجيا الاجتماعية على أنها الدراسة التجريبية، أو القائمة على الأدلة، للمجتمعات البشرية وثقافات العالم. ومع ذلك، وبفضل الاهتمام الشعبي في إنجلترا الفيكتورية بحكايات البحارة عن العادات والممارسات الغريبة للثقافات “الأخرى” (التي أضاف إليها السير جيمس فريزر James Frazer في كتابه “الغصن الذهبي” بشكل كبير)؛ اتجهت دراساتهم نحو ما أطلقوا عليه المجتمعات والثقافات “البدائية” في العالم. ووفقًا إلى إي. إي. إيفانز بريتشارد E.E. Evans Pritchard (محاضرة ماريت 1950)، “كان ماكلينان وتايلور في هذا البلد، ومورجان في أمريكا، هم الأوائل الذين تناولوا المجتمعات البدائية كموضوع يستحق اهتمام العلماء الجادين”.
بالإضافة إلى ذلك؛ نظرًا لأن دراسة المجتمعات أو الثقافات البدائية يجب أن تخدم أهدافًا وطنية بريطانية، فقد وضع الآباء المؤسسون مبررًا شبه علمي وأخلاقي للمشروع الاستعماري الأوروبي. وقد أسهم هذا في تعزيز مكانة مدرسة أكسفورد للأنثروبولوجيا الاجتماعية كأداة رئيسية في السياسة الوطنية. تطورت هذه المدرسة بالتوازي مع المشروع الاستعماري البريطاني، واستغرق الأمر عقودًا قبل أن يتم الكشف عن هذا المبدأ شبه العلمي والأخلاقي كونه غير علمي وغير منطقي، بل مجرد أسطورة أو “ميثاق أسطوري” للاستعمار الأوروبي. ونظرًا للتأثير الكبير الذي تركته هذه الأسطورة، والتي لا تزال تظهر بأشكال متغيرة في الخطاب المعاصر لما بعد الاستعمار حول التطور البشري، يصبح من الضروري دراسة كيفية بنائها واستخلاص الدروس منها.
١.١.٤. نظرية التطور الثقافي والمشروع الاستعماري الأوروبي
استنادًا إلى نظرية التطور الداروينية لإثبات مكانة تخصصهم كعلم تجريبي، افترض رواد الأنثروبولوجيا الاجتماعية أن الثقافات البشرية، مثل الأنواع الطبيعية، قد تطورت عبر مراحل تدريجية من أبسط أشكالها إلى أكثرها تعقيدًا. وقد اعتبروا أن الثقافات الأوروبية تمثل أعلى درجات الثقافة البشرية، واحتلت قمة سلم التطور. كما دخلوا في نقاشات حادة حول موقع عادات ومؤسسات الثقافات المختلفة على هذا السلم التطوري الوهمي.
في سياق شرح تطور الثقافات والتقدم البشري، ظهرت مدرستان فكريتان بين روّاد علم الاجتماع والثقافة. افترضت إحداهما أن الثقافات تتطور من خلال عمليات داخلية خاصة بها، تتعلق بالتغيير والتكيف في سياقات متنوعة. ورغم اعترافها بإمكانية حدوث تغييرات ثقافية نتيجة للتواصل بين المجتمعات والثقافات، إلا أنها اعتبرت أن هذا التواصل ليس الوسيلة الوحيدة أو الضرورية لتحقيق التغيير الثقافي. من جهة أخرى، زعمت المدرسة الثانية، دون تقديم أدلة ملموسة، أن “الشعوب البدائية” (أو شعوب الثقافات البسيطة) تفتقر بطبيعتها إلى الوسائل أو الدوافع اللازمة للتطور الذاتي المستقل، مما يجعلها بحاجة إلى التواصل مع الثقافات الأخرى من أجل التغيير والنمو. وقد عبَّر جودفري لينهارت Godfrey Lienhardt عن هذه المدرسة بالقول: إنها “سعت لتبرير الحكم الاستعماري الدائم بأسس تبدو علمية”، وافترضت، بناءً على هذه الفرضيات، أنه من أجل مصلحة البشرية، كان على الدول الأوروبية، التي أنشأت أرقى أشكال الثقافة الإنسانية، أن تتحمل التزامًا أخلاقيًّا ضمنيًّا (أو “حقًّا إلهيًّا”، كما يمكن القول) لنقل فوائد ثقافاتها العليا إلى شعوب الثقافات الأدنى.
على الرغم من أن أطروحة المدرسة الأولى حظيت بدعم واسع، إلا أن نظرية المدرسة الثانية، التي تتميز بعدم استقرارها إلى حد ما، أثبتت قدرتها على الإقناع واكتسبت زخمًا متزايدًا. قامت الحكومات الأوروبية والمنظمات الصناعية والتجارية والكنائس المسيحية والجمعيات التبشيرية والأوساط الأكاديمية بتعريف نفسها كأصحاب مصلحة في مشروع “التنمية البشرية” الشامل، وشاركت في المستعمرات وساهمت بطرق متنوعة في تنفيذ المشروع الاستعماري في إفريقيا.
قام معهد أكسفورد للأنثروبولوجيا الاجتماعية، المعروف بنظريته في التنمية البشرية التي بررت الاستعمار، بدعم المشروع الاستعماري البريطاني من خلال إجراء دراسات ميدانية على الشعوب والثقافات الأصلية. كان الهدف من هذه الدراسات جمع المعلومات حول الثقافات لتسهيل الحكم الاستعماري، خاصةً من خلال تطبيق سياسة الحكم غير المباشر في إفريقيا. كما قام المعهد بتدريب علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية للعمل في المستعمرات البريطانية، بالإضافة إلى تأهيل الإداريين الاستعماريين ليصبحوا علماء في هذا المجال. إن العلاقة بين أكسفورد والمشروع الاستعماري البريطاني كانت بالغة الأهمية، مما يجعل من الضروري عدم تجاهل الإرث التاريخي لعلم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في أكسفورد عند مراجعة قضايا الاستعمار والاستعمار الجديد، وكذلك بناء الدول القومية ذات السيادة في إفريقيا بعد فترة الاستعمار.
يمكن الإشارة إلى نقطتين رئيسيتين حول إرث علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية في أكسفورد في إفريقيا. أولًا، على الرغم من أن “التبرير الأخلاقي والعلمي” للمشروع الاستعماري كان مجرد ميثاق أسطوري، فإن الدراسات الثقافية الإفريقية التي أنتجتها مدرسة أكسفورد للأنثروبولوجيا الثقافية أثبتت فائدتها ليس فقط للقوى الاستعمارية في تنفيذ مشروعها، بل أيضًا للشعوب الإفريقية في مقاومتها للحكم الاستعماري الأوروبي والهيمنة الثقافية. إن الروايات الموثوقة العديدة عن الثقافات والمؤسسات الأصلية التي تم إنتاجها في سياق المشروع الاستعماري ساعدت الأفارقة على فهم ثقافاتهم وتقديرها، مما أسهم في انطلاق نهضة ثقافية إفريقية، وتعزيز النضال ضد الاستعمار، ودعم جهود بناء الأمة بعد الاستعمار.
في هذا السياق، ومع استيعاب الأفارقة للمعرفة التي قدمتها الأنثروبولوجيا الاجتماعية الأوروبية، بدأوا في دراسة مجتمعاتهم وثقافاتهم الإفريقية وتفسيرها. وقد أدركوا ضرورة إجراء تغيير جذري في كيفية عرض الثقافات الإفريقية، وكذلك في مجال الأنثروبولوجيا الاجتماعية بشكل عام. فقد كشفت الروايات التي أعدّها علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية الأوروبيون عن تفسيرات تركز على وجهة نظر أوروبية، مما أسهم في تعزيز شعور بالتفوق لدى الأوروبيين وتبرير الاستعمار. في المقابل، سعى الأفارقة إلى تقديم صورة حقيقية لثقافاتهم من منظور إفريقي أصيل، بهدف تعزيز السيادة الثقافية، وبناء الأمة، وتحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا. ومع تقديم الشعوب المستعمرة لمعتقداتها وقيمها ومعاييرها الثقافية من وجهة نظرها الخاصة، أصبحت الأنثروبولوجيا الاجتماعية حوارًا غنيًّا بين الثقافات، مما أسهم بشكل كبير في توسيع فهم الثقافات على مستوى عالمي.
يمكن القول: إن إرث الأنثروبولوجيا الاجتماعية لأكسفورد في إفريقيا يتضمن بُعدًا مهمًّا. فقد استمرت الأنثروبولوجيا الاجتماعية لسنوات في وصف “عقول” أو “عقلية” الشعوب الأصلية في العالم بأنها “صوفية” و”سحرية” و”غير منطقية” و”غير علمية”، أو “ما قبل علمية”. ومع ذلك، كشفت الدراسات التي أجرتها أكسفورد في إفريقيا، مثل دراسة إي. إي. إيفانز بريتشارد E.E. Evans-Pritchard حول السحر والعرافة بين الأزاندي، ودراسة جودفري لينهاردت حول الدينكا، أن الاتهامات المتعلقة بالسحر والخطابات الدينية كانت تهدف بشكل متناقض إلى تفسير التجارب الإنسانية العملية، وكانت تستند إلى منطق أساسي.
أظهرت هذه الدراسات أن الأفارقة يمتلكون معرفة عملية بالطبيعة؛ حيث ينسبون أسبابًا طبيعية للأحداث. لكنهم أيضًا كانوا مهتمين بتفسير الأحداث التي بدت استثنائية وفريدة، والتي تتعارض مع مجرى التجربة الإنسانية المعتاد. وهذا أدَّى إلى نقاشات حول المفاهيم الأساسية للوجود، والهوية الفردية، والمسؤوليات الأخلاقية في المجتمع، والقيم التي تدعم العلاقات الشخصية والمجتمعية، وأخيرًا، العلاقة بين المجتمع البشري ونظام الطبيعة.
أشار هذا إلى أن “خطاب المستوى الثاني” يتضمن بيانات تتعلق بـ”الحقيقة” والمنطق، تمامًا كما هو الحال في الخطابات الأولية. وقد وضع حدًّا للاعتقاد بأن الأفارقة اعتمدوا على معتقدات السحر والشعوذة لتفسير جميع الظواهر الطبيعية. سيفتح هذا التوضيح المجال لدراسات تتناول أنظمة المعرفة الإفريقية المبنية على الملاحظة التجريبية، والمنطق الاستقرائي والاستنتاجي، بالإضافة إلى دراسات حول كيفية إدارة الأفارقة للطبيعة والتنوع البيولوجي. والأهم من ذلك، سيتناول القيمة التي يوليها الأفارقة للعلاقة الوجودية بين المجتمعات البشرية والطبيعة. سيؤكد الخطاب القومي الإفريقي ما بعد الاستعمار على الإبداعات التاريخية والثقافية للعباقرة الأفارقة، ويجعل التفكير الإبداعي الإفريقي -وإيجاد حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية- أساسًا للتنمية في القارة.
١.١.٥. دروس مستفادة من التبرير الأخلاقي للاستعمار
تناول التبرير الأخلاقي المتحيز الذي قدَّمه مؤسسو الأنثروبولوجيا الاجتماعية للاستعمار الأوروبي، وتم شرحه بشكل مفصل. من المثير للاهتمام أن الخطابات المعاصرة حول التنمية البشرية وأهداف التنمية العالمية غالبًا ما تتماشى مع بعض “المبادئ الأخلاقية” للاستعمار التقليدي. هذه المبادئ تشمل: أن تنمية جميع الشعوب تهدف في النهاية إلى “الصالح العام للجميع”، وأن بعض البلدان تعاني من الفقر لدرجة أنها تحتاج إلى دعم البلدان الأكثر ثرًاء وتقدمًا لتتمكن من النمو، بالإضافة إلى أن تقديم مساعدات التنمية للبلدان الفقيرة يجب أن يكون مشروطًا بقبول الدول المتلقية لقِيَم ومؤسسات الجهة المانحة وأفضل ممارسات الإدارة.
تشير هذه التصريحات إلى أنه من أجل تسريع تنمية الدول الإفريقية بعد الاستعمار، يتعين على معظمها الدخول في شراكات غير متكافئة مع الدول الأوروبية، وقبول نماذج الأعمال الاقتصادية والسياسية والإدارية التي وضعتها هذه الدول. ومع ذلك، فإن هذا الأمر قد يؤدي إلى فقدان السيادة والحرية. قد يكون هناك مبرر لشراكات التنمية البشرية على المستوى العالمي، لكن لا ينبغي أن يُسمح للدول الغنية أو الأكثر تقدمًا بالهيمنة على الدول الأضعف والأفقر. لتفادي استغلال الرغبة الإنسانية المشتركة في التنمية كوسيلة لإجبار الدول الفقيرة على التخلي عن سيادتها لصالح الدول الأقوى، يجب على المجتمع الدولي العمل على دمج مبادئ الإنصاف والعدالة في شراكات التنمية الدولية، وكذلك في إستراتيجيات تحقيق أهداف التنمية العالمية.
في عالمٍ تُعرِّف فيه الدول القوية “التقدم البشري” من خلال إنجازاتها، وتَعُدّ مسارها التنموي هو النموذج الذي يجب أن تتبعه البشرية جمعاء؛ حيث تضع هذه الدول نفسها في موقع الحارس للإنسانية والمدافع عن المصلحة العامة، وتدّعي الحق في تقييد سيادة الدول الأخرى؛ وهنا تبرز مجموعة من الأسئلة: هل المصلحة العامة للبشرية تعني ما يخدم الأقوى، أم ما يراه الأقوى مفيدًا للجميع دون اعتبار لمصالح الشعوب الأخرى؟ ما هي المعايير العرقية التي تحكم أجندة التنمية العالمية؟ وكيف يمكن للعالم أن يتقدم في تنفيذ أجندة عالمية تُحدّد بناءً على المصلحة العامة للبشرية، كما يتضح في النقاشات العالمية حول تغيّر المناخ، والتنوع البيولوجي، وموارد الطاقة، والأمن الغذائي العالمي؟
1.2.0. تحرير إفريقيا ونشأة الاستعمار الجديد
أدرك الأفارقة أن الحكم الاستعماري يُمثّل نموذجًا جديدًا من عبودية البشر يجب رفضه. ففي ساحل الذهب، الذي كان مركزًا لتجارة الرقيق لقرون، انطلقت حركة الحرية والاستقلال بمجرد أن فرض البريطانيون سيطرتهم على الشعب، وكانت هذه الحركة لا تعرف الكلل أو الملل. كالعاصفة، أدَّى حصول غانا على السيادة والحكم الذاتي إلى إطلاق عملية تحرير شاملة في قارة إفريقيا، مما أعاد الأمل في أن تُتْرَك شعوب القارة لتَستثمر إمكاناتها الإبداعية، وتُثبت قدرتها على إدارة شؤونها بنفسها. ومع ذلك، كما أن انهيار تجارة الرقيق عبر الأطلسي دفَع المستفيدين منها إلى إدخال الاستعمار في إطار الاقتصاد العالمي، فإن انهيار الحكم الاستعماري في جميع أنحاء العالم سيُحفِّز الدول التي أنشأت الاستعمار واستفادت منه على ابتكار نظام اقتصادي عالمي جديد يُمكّنها من الاستمرار في استغلال موارد مستعمراتها السابقة.
وفي كتابه “تحدّث عن الحرية”، يُسلّط كوامي نكروما Kwame Nkrumah، زعيم حركة التحرير وأول رئيس لحكومة غانا، الضوء على تجربة أول دولة إفريقية نالت استقلالها بعد الاستعمار:
“لقد أثبت التاريخ أنه يمكن بسهولة استبدال إمبراطورية استعمارية تتجه نحو الزوال بأخرى أكثر خبثًا؛ حيث تصبح هذه الأخيرة شكلًا مُقنَّعًا من أشكال الاستعمار. ومن المؤسف أن يؤدي الضعف الأولي للدول الناشئة إلى ظهور هيمنة أجنبية جديدة على إفريقيا نتيجة لقوى اقتصادية”.
من الصعب تصوُّر أن الدول الأوروبية التي قسمت إفريقيا في عام 1884م لاستغلال مواردها البشرية والمادية، ستواجه خطر فقدان مستعمراتها الإفريقية دون وضع إستراتيجية شاملة ونموذج اقتصادي جديد يتيح لها الوصول إلى الموارد التي تعتمد عليها في اقتصاداتها ونوعية حياتها. بعد أن أضعفتها الحرب العالمية الثانية، وغرقت في صراع أيديولوجي عالمي بين الرأسمالية والاشتراكية، ومع مواجهة فقدان مستعمراتها، كانت دول أوروبا الغربية بحاجة إلى التكاتف لبناء نموذج اقتصادي عالمي جديد يضمن لها الوصول المستمر إلى موارد مستعمراتها السابقة.
1.2.1. النظام العالمي بعد الاستعمار
في عام 1957م، وهو العام الذي حصلت فيه غانا على استقلالها وسيادتها الكاملة، قامت دول أوروبا بتوقيع معاهدة في روما لتأسيس رابطة اقتصادية للدول الأوروبية. لم يكن هذا السعي مقتصرًا على:
– تعزيز التكامل الاقتصادي في أوروبا.
– تطوير اقتصادات الدول الأعضاء وتحويلها إلى سوق مشتركة واسعة.
– إنشاء اتحاد سياسي لدول غرب أوروبا.
والذي يمكنه وحده تغيير هيكل النظام الاقتصادي العالمي: “عملت الجماعة الاقتصادية الأوروبية على تطوير سياسة تجارية موحدة تجاه الدول غير الأعضاء، بهدف تنسيق أنظمة النقل، والسياسات الزراعية، والسياسات الاقتصادية العامة، وإزالة القيود التي تُعيق المنافسة الحرة”.
في الواقع، ستتيح معاهدة روما للدول الأوروبية فرصة إعادة تشكيل وبناء وإدارة التجارة العالمية، والنقل، وسلاسل القيمة، والزراعة، واستكشاف الموارد المعدنية. وبالتالي، ستُسهم في استغلال الاستثمارات الرأسمالية، ونقل المعرفة والتكنولوجيا، وتعزيز الأنشطة الصناعية والاقتصادية، مما يُسهم في خلق فرص العمل وزيادة الثروة في دول العالم.
في ظل الإطار الجديد وديناميكية الاقتصاد العالمي، ستتمتع الدول الإفريقية بمواردها الطبيعية كما تفعل الدول المستقلة ذات السيادة. ومع ذلك، ستظل بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية، ونقل التكنولوجيا، والوصول إلى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى شبكات النقل وسلاسل القيمة، من أجل استغلال هذه الموارد لتحقيق عوائد الحرية والسيادة. وبالتالي، ستجد نفسها مضطرة للامتثال لقواعد التجارة الأوروبية والمؤسسات التنظيمية في النظام الرأسمالي.
على الرغم من تحرُّر الدول الإفريقية من الاستعمار المباشر، فإنها لن تتمكَّن من السيطرة بشكل أكبر على أصولها وتنميتها الاقتصادية مقارنةً بفترة الاستعمار الأوروبي. وهذا قد يؤدي بها إلى الوقوع في فخّ نوع جديد من الاستعمار. لذلك، حذَّر نكروما مرة أخرى قائلًا: “لا ينبغي أن ننشغل بمشاكل الاستقلال السياسي الملحة لدرجة أن نتجاهل المجال الاقتصادي، الذي لا يقل أهمية. وفي هذا السياق، يجب أن نكون حذرين من مكائد الاستعمار التي تعيق تقدُّمنا السياسي”.
من جهة أخرى، يظهر في المجال الاقتصادي أيضًا عنصر التعاون المثمر مع الدول الأخرى، خاصةً على المستوى الوظيفي، مما يُسهم في تحقيق وحدة سياسية واقتصادية شاملة يمكن توسيعها لتشمل قارتنا العزيزة بأكملها. من جهة أخرى، يظهر في المجال الاقتصادي أيضًا عنصر التعاون المثمر مع الدول الأخرى، خاصةً على المستوى الوظيفي، مما يُسهم في تحقيق وحدة سياسية واقتصادية شاملة يمكن توسيعها لتشمل قارتنا العزيزة بأكملها.
من الأمثلة البارزة على الإمبريالية الجديدة التي ذكرتها سابقًا، هو إدراج بعض مناطق إفريقيا في السوق المشتركة ومناطق الأفضلية التجارية التي أنشأتها الدول الأوروبية الصناعية. على سبيل المثال، تم إدراج الكونغو ودول الجماعة الفرنسية في السوق الأوروبية المشتركة. الفائدة الرئيسية من هذا الترتيب لا تعود على شعوب هذه المناطق الإفريقية، الذين لا يستطيعون تحمُّل تكاليف المنتجات الصناعية الأوروبية المرتفعة، بل تعود على الصناعة الأوروبية التي تضمن الحصول على مواد خام رخيصة ومعفاة من الرسوم الجمركية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النظام يُعيق تطوير الصناعة في إفريقيا، التي تحتاج إلى حماية في سنواتها الأولى من المنافسة غير المتكافئة مع الدول الصناعية.
في إطار هيكل وديناميكيات الاقتصاد العالمي الجديد، ستظل القوة الاقتصادية للمجتمع الأوروبي مؤثرة، مما سيجبر الدول الإفريقية ذات السيادة على تطوير مواردها بهدف تحسين نوعية حياة سكانها. سيتطلب ذلك الدخول في علاقات غير متكافئة مع مستعمراتها السابقة، وربط إستراتيجياتها التنموية بالسياسات الاقتصادية الأوروبية. وهذا يُمثّل نوعًا من الاستعمار الذي ستواجه الدول الإفريقية صعوبة في التخلص منه.
2.0. التحديات الهيكلية التي تواجه الدول الإفريقية المستقلة
في هذا القسم، أستعرض مجموعة من التحديات الهيكلية التي نشأت نتيجة للأدوات التي اعتمدتها الدول الأوروبية لفرض الاستعمار على القارة الإفريقية، وسيناقش بعض الإستراتيجيات للتصدي لها.
2.1.0. الحدود الاصطناعية وتأسيس الدول متعددة الأعراق
أحدثت الحدود الاستعمارية التي وضعتها القوى الأوروبية خلال مؤتمر برلين تأثيرًا قانونيًّا فوريًّا في تأمين وحماية الحقوق الإقليمية في القارة. وقد تحوَّلت هذه الحدود إلى حدود سيادية للدول الإفريقية المستقلة، مما كان له آثار وجودية خطيرة على شعوبها.
2.1.1. تشكيل تجمعات سكانية متنوعة الأعراق في الأراضي المستعمَرة.
فرضت الحدود التعسفية للمستعمرات قيودًا على مجموعات عرقية متنوعة، وغالبًا ما كانت مُتنازِعَة، مما أجبرها على العيش تحت نظام موحد من الحكومة والإدارة المدنية والقانون العام. كان يُتوقع من هذه المجموعات أن تكون رعايا مخلصين لحكامها الأجانب، لكن لم يُشجّعوا على تعزيز التضامن فيما بينهم.
بعد الحصول على الاستقلال، واجهت المجموعات العرقية المتنوعة تحديًا كبيرًا تمثل في ضرورة اتخاذ قرارات، والعمل ككتلة واحدة لإدارة شؤون بلدانها. كان هذا الأمر يُمثّل تهديدًا وجوديًّا حقيقيًّا. من الناحية النظرية، كان بإمكان هذه المجموعات والممالك استعادة سيادتها التي فقدتها خلال فترة الاستعمار، واختيار إما البقاء معًا ككيانات متعددة الأعراق والسعي لإنشاء نظام حكم وإدارة فعَّال، أو الانفصال لتصبح كيانات عرقية مستقلة، بشرط أن تتمكَّن من ضمان بقائها وتطوُّرها. وكان خطر تفكك الشعوب التي عاشت معًا تحت الحكم الاستعماري أمرًا حقيقيًّا لا يمكن تجاهله.
في معظم الدول الإفريقية ذات السيادة، قام الحكام الاستعماريون السابقون بتهيئة ظروف معينة واعتماد إستراتيجيات متنوعة لإثارة المخاوف والتوترات العرقية، مما أدَّى إلى تفكيك الجماعات العرقية. وقد حاولوا إظهار أن الاستعمار يُسهم في الصالح العام للبشرية من خلال منع عودة الأفارقة إلى حالة من الحروب الأهلية المستمرة. ووعيًا منهم بخطورة الصراعات العرقية والحركات الانفصالية، أدرك القادة القوميون الأوائل في إفريقيا أهمية بناء الوحدة بين سكان الدول الإفريقية الناشئة، الذين يتمتعون بتنوُّع عرقي. وكانت كيفية تحقيق هذه الوحدة هي القضية الأساسية المطروحة.
2.1.2. إنشاء دولة قومية تضم أعراقًا متعددة
في فترة ما بعد الاستقلال، اعتقد العديد من القادة الأفارقة أن نظام الحزب الواحد هو الوسيلة الأكثر فعالية لتعزيز الوحدة والاستقرار الاجتماعي وتسريع التنمية الوطنية. ومع ذلك، سرعان ما تحوَّل هذا النظام إلى مشكلة بدلًا من أن يكون حلًّا. فقد أثَّر سلبًا على مفهوم السيادة الشخصية وحرية المعتقد والاختيار وتكوين الجمعيات، كما جعل من القائمين على الحزب قمعيين على غرار مسؤولي القوى الاستعمارية السابقة. ومع انهيار أنظمة الحزب الواحد، جاءت الأنظمة العسكرية، التي اعتُبرت محررة، لتقضي على الحكم الدستوري وسيادة القانون وحرية التعبير.
كانت الحكومات العسكرية الاستبدادية والقمعية عُرضة لسوء الإدارة والفساد وعدم الاستقرار. في الواقع، في العديد من الدول، أدَّت المشاعر العرقية داخل الجيش إلى اندلاع تمردات عرقية وحركات انفصالية. وقد أصبح واضحًا أنه لا يمكن بناء دولة قومية متعددة الأعراق بالإكراه أو من خلال استخدام “القوة الميكانيكية”.
كانت غانا أول دولة إفريقية تتحرر من الاستعمار، بدأت كدولة متعددة الأحزاب، لكنها تحوَّلت لاحقًا إلى دولة الحزب الواحد، ومرت بعدة أنظمة عسكرية. كما سعت إلى إقامة “حكومة غير حزبية” في إطار جهودها لتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار والتنمية السريعة، ولكن دون جدوى. في النهاية، عادت غانا إلى نظام التعددية الحزبية، وأقرت دستورًا في عام 1992م يضمن الاستقرار وإجراء انتخابات ديمقراطية ناجحة، من خلال وضع أحكام تُعزّز التكامل الوطني باستخدام “أدوات القوة الناعمة”. يحتوي هذا الدستور على دروس قيمة يمكن أن تستفيد منها الدول الإفريقية الأخرى في بناء دولة قومية متعددة الأعراق، متماسكة، مستقرة، ديناميكية ومرنة؛ لذا فإن تقديم نظرة عامة مختصرة يُعدّ أمرًا مناسبًا.
2.1.3. الدستور الغاني ورؤيته للتكامل الوطني
لتيسير إنشاء دولة قومية مستقرة ومتعددة الأعراق، يعترف دستور غانا لعام 1992م بوجود مجالين للسيادة: السيادة العرقية وسيادة الدولة. ويعمل على تفاعلهما بشكل ديناميكي، حتى يبدو كأنهما نظامان متعارضان.
- تعزيز سيادة المجتمعات الأصلية
اعترافًا بالسيادات العرقية، ينص الدستور على ما يلي:
أولًا: يضمن الزعامة وما يرتبط بها من قواعد وممارسات (المادة 270. (1)).
ثانيًا: يحظر على البرلمان إصدار أيّ قوانين تهدف إلى تغيير العادات والتقاليد المرتبطة بالثقافات الأصلية (المادة 270. (2)).
وبذلك، يحدد الدستور ويدافع عن نطاق السيادة العرقية والحكم التقليدي، مميزًا إياه عن نطاق سيادة الدولة والحكم الديمقراطي.
فيما يتعلق بالحقوق والحريات، يوفّر الدستور لمواطني غانا حماية لعادات وتقاليد السيادة العرقية، بالإضافة إلى ضمان حقوق وحريات الأفراد وفقًا للدستور والقوانين الوطنية. وبالتالي، مع الاعتراف بما يلي:
- حق المواطن في الانخراط في أيّ تقاليد ثقافية يختارها.
- الحريات والحقوق الإنسانية والثقافية لكافة المواطنين.
كما ينص الدستور على مجموعة من الحقوق والحريات الأساسية التي تضمنها الدولة لجميع المواطنين، وتعمل على حمايتهم من العادات والتقاليد التي قد تؤثر سلبًا على رفاهية الفرد، ومن ذلك:
- بناء دولة قومية متعددة الأعراق.
- يعتبر التكامل الوطني هدفًا إستراتيجيًّا في سياسة الدولة، ويتجلى ذلك في النقاط التالية:
- “تسعى الدولة بنشاط لتعزيز تكامل شعوب غانا، وتمنع التمييز والتحيز بناءً على الأصل، أو ظروف الميلاد، أو العرق، أو الجنس، أو الدين، أو العقيدة، أو أي معتقدات أخرى” (البند 35. (5)).
- “تعمل الدولة على تعزيز تطوير اللغات الغانية وتعزيز الفخر بالثقافة الغانية” (البند 39. (3)).
- “تتخذ الدولة التدابير المناسبة لتعزيز روح الولاء التي تتجاوز الولاءات الطائفية والعرقية وغيرها” (البند 35. (6) أ).
لتحقيق هذه الأهداف، يحدد الدستور ما يلي:
- الإطار المعياري للتكامل الوطني
لتحقيق التناغم بين التقاليد الثقافية المتنوعة وضمان مشاركة الكيانات العرقية في عملية التنمية الوطنية، ينص الدستور على ما يلي:
أولًا: إنشاء هيكل موحد للسلطة يجمع جميع مجالس الزعماء التقليديين. يتضمن هذا الهيكل تشكيل مجالس زعماء إقليمية من خلال تجمع المجالس التقليدية، والتي تتوحد بدورها في مجلس زعماء وطني. يهدف هذا المجلس إلى تعزيز الزعامة كمؤسسة ثقافية موحدة، ويتولَّى مسؤولية توثيق وتنسيق القوانين التقليدية في غانا، بالإضافة إلى العمل على القضاء على العادات والتقاليد التي تضرّ بالفرد.
ثانيًا: الحق الأساسي للشعب، الذي تم تأكيده خلال فترة الحكم الاستعماري، ينص على أن أراضي غانا تعود للمجموعات العرقية الغانية. وهذا يعني أنه لا يحق للدولة الوصول إلى أيّ قطعة أرض دون موافقة الزعماء والشعب المعني. يُؤسِّس هذا الأمر نوعًا من العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمعات العرقية المالكة للأراضي؛ حيث تسمح المجتمعات العرقية للدولة باستخدام الأراضي التي تحتاجها للصالح العام، على أن تستعيدها عندما لا تعود بحاجة إليها للاستخدام الوطني المقصود. وبالتالي، فإن سيادة وسلطة المجتمعات العرقية المتنوعة تُعتبر أساسًا للدولة ككومنولث شعوب، فضلًا عن كونها أصحاب مصلحة مباشرين في استمرارية البلاد وتقدّمها.
- وسائل السياسة لتعزيز الوحدة الوطنية
لتعزيز الوحدة والفخر بالثقافة الغانية والولاء للوطن، ينص الدستور على ما يلي:
- إنشاء إطار من القِيَم الوطنية مستند إلى القيم الإفريقية التقليدية، يعكس الاستمرارية والتشابه والتكامل بين العادات والتقاليد العرقية المتنوعة.
- تعزيز الشعور الجماعي بالهوية الوطنية، المستند إلى رؤيتنا للعالم وقيمنا ومؤسساتنا الاجتماعية، بالإضافة إلى عيشنا في نفس المساحة الجغرافية والبيئة الطبيعية، والتاريخ المشترك للتفاعلات التجارية والثقافية عبر الأجيال.
- حماية وإبراز الأصول الثقافية لجميع الجماعات العرقية كتراث وطني جماعي.
- وضع إستراتيجيات وبرامج تُمكِّن الدولة من تحقيق الصالح العام للمجتمع، وكذلك الصالح العام لكل فرد أو فئة، مما يسهم في توحيد الناس.
– التعليم الأساسي الإلزامي المجاني والشامل (F-CUBE).
– تعزيز الاقتصاد الوطني بما يُحقّق الفائدة لجميع فئات المجتمع بشكل متساوٍ.
– ضمان وصول جميع المواطنين إلى الخدمات والمرافق الأساسية بشكل متساوٍ.
– تمثيل التنوع في الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة مثل الجيش والشرطة والقضاء.
– تمثيل التنوع في مجلس الوزراء والهيئات الإدارية لكافة مؤسسات الدولة.
يعكس تمثيل التنوع في المؤسسات العامة والخاصة في البلاد واقع الدولة القومية متعددة الأعراق. في سياق العمل داخل المؤسسات التجارية، يتبنى أعضاء الجماعات الثقافية والعرقية المتنوعة هوية غانيين، ويختبرون تجربة العمل معًا، بالإضافة إلى الفوائد التي يُحقّقونها من التفكير الجماعي في قضايا الأمة واتخاذ القرارات المشتركة. كما يسعون لتحديد احتياجاتهم وتطلعاتهم المشتركة والتعامل معها. كما يقول المثل الغاني: “عندما تجلس حول قِدْر من الطعام، لا يمكن تجاهلك”، وأيضًا: “من لا يشارك في البحث عن حبل، يعتقد دائمًا أن الحبل يُستخدم لشنقه”. تعتبر المؤسسات والجمعيات التجارية والكنائس والمدارس والأسواق نقاطًا محورية للسكان متعددي الأعراق؛ حيث تُسهم في تطوير وعي أخلاقي جماعي وثقافة من التفاهم المتبادل والتضامن، بالإضافة إلى معايير سلوك مشتركة وإحساس بالمصير المشترك.
أساليب تنفيذ وتقييم وإبلاغ تقدم التكامل الوطني
لمواجهة التحديات النظامية التي يحددها الدستور ويوفّر أدوات للتصدي لها، قامت غانا بوضع إطار وطني للسياسة الثقافية في عام 2004م. يهدف هذا الإطار إلى تحديد جميع الجهات المعنية وإشراكها في برامج عمل متنوعة. وقد نظمت اللجنة الوطنية للثقافة، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن تعزيز وحماية وتطوير الثقافة الغانية، ورش عمل لتطوير أدوات لتقييم نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات (تحليل SWOT) في سياق غانا كدولة متعددة الثقافات. كما سعت إلى إيجاد طرق لرصد التكامل الوطني وتقييمه وإعداد تقارير حوله.
تتضمن المؤشرات الحيوية للتكامل الوطني التي يجب مراقبتها: الهجرة الداخلية، ونمو التجمعات السكانية متعددة الأعراق (في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء)، وزيادة التعدد اللغوي، وتطور المؤسسات متعددة الأعراق، وتمثيل التنوع في المؤسسات العامة، والزواج بين الأعراق، وتراجع التمييز العرقي في التوظيف والترقيات في مؤسسات الحكم والإدارة، وانخفاض الصراعات العرقية في جميع أنحاء البلاد. كما تشمل المؤشرات الاحتفال الحر والتشاركي بالأعياد العرقية كمناسبات وطنية، بالإضافة إلى تحقيق المساواة والعدالة في توفير المرافق والخدمات الحيوية في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، لم يقم المجلس الوطني للتكامل الوطني، أو أيّ جهة أخرى، بإصدار تقرير حول التكامل الوطني استنادًا إلى هذه المؤشرات.
إذا كانت معظم دول ما بعد الاستعمار بحاجة إلى إستراتيجيات لتعزيز الوحدة من خلال التنوع، كما حاولت أن أوضح، فإنني أرى أن دستور غانا يمكن أن يُقدِّم دروسًا قيّمة للدول الإفريقية حول كيفية بناء دولة قومية متعددة الأعراق تكون موحدة ومتماسكة ومرنة. أو على الأقل، يمكن أن يسهم في تشجيع السكان متعددي الأعراق على التعاون في وئام، أو على الأقل تقليل مخاطر الصراعات العرقية والانقسام الوطني.
2.2.0 الحدود التعسفية والمجموعات العرقية المنقسمة: الدول ما بعد الاستعمارية والسيادات العرقية في سياق الصراع
إن الحدود التعسفية التي وضعت شعوبًا متعددة الأعراق تحت سيطرة استعمارية مختلفة، أدت أيضًا إلى تقسيم عدة مجموعات عرقية قوية بين سلطات استعمارية متجاورة. بعد حصول الأراضي الاستعمارية على الحرية والاستقلال، سعت المجموعات المنقسمة إلى التعبير عن سيادتها المؤسسية التاريخية، وفي بعض الحالات استعادة هذه السيادة، مما شكَّل تهديدًا لوحدة واستقرار الدول ذات السيادة التي تعيش فيها تلك الفئات.
وفيما يلي بعض التحديات النظامية التي لا تزال تؤثر على القارة الإفريقية:
أولًا: تسعى المجموعات العرقية التي تمتد عبر حدود الدول إلى تأكيد وحدتها والتعبير عنها من خلال إعادة تشكيل فضائها السيادي ومجالها الإقليمي. وبالتالي، تدعي هذه المجموعات حقها في حرية التنقل والاستقرار والوصول إلى أراضيها وغاباتها وأنهارها وبحيراتها للاحتفال بأعيادها التاريخية وتعزيز ارتباطها بأوطانها القديمة. بالنسبة لهذه المجموعات، تعتبر الحدود الاستعمارية، رغم كونها قانونية، غير قادرة على تشكيل عوائق أمام هويتها الثقافية. كما أن تأكيدها على السيادة يمثل تحديًا لسيادة الدول المجاورة التي تعيش فيها هذه الفئات.
ثانيًا: يمكن لمجموعات الحدود المُنقسمة، وغالبًا ما تفعل، أن تعتبر نفسها مرتبطة بدولتين أو أكثر في الوقت نفسه، مما يدفعها للمطالبة بحقوق وواجبات المواطنة في تلك الدول المتجاورة. تشير الروايات إلى أنها قد تُشارك في الانتخابات في جميع الدول التي توجد فيها فئاتها، مما يستلزم في كثير من الأحيان إغلاق الحدود أثناء فترة الانتخابات. كما تسعى هذه المجموعات للاستفادة من خدمات التعليم والرعاية الصحية في الدول المجاورة.
ثالثًا: تُعدّ الجماعات العرقية الحدودية المنقسمة أحيانًا موضع شك؛ حيث يُنظَر إليها إما على أنها “عديمة الجنسية”، أو تفتقر إلى ولاء حقيقي لأيّ من الدول التي تعيش فيها. وهذا يطرح تحديات منهجية أمام عمل الدولة الحديثة، بدءًا من جمع إحصاءات التعداد السكاني، وإصدار بطاقات الهوية الوطنية وجوازات السفر، وصولًا إلى تخطيط الخدمات والمرافق العامة وتحصيل الضرائب. إذ إن الدولة الإفريقية تفتقر إلى تحديد واضح من حيث الجغرافيا والسكان.
رابعًا: تُعزى سهولة انتشار النزاعات المسلحة من دولة إلى أخرى في العديد من المناطق الفرعية في إفريقيا إلى مجموعات الحدود المنقسمة؛ حيث إن النزاعات المسلحة التي تؤثر على جزء من مجموعة حدودية تميل إلى الانتشار تدريجيًّا إلى الدول المجاورة.
على الرغم من أن مجموعات الحدود المنقسمة تمثل تحديات منهجية للدول الإفريقية، إلا أنها يمكن أن تُعتبر أيضًا جزءًا من الحل لتحقيق الاستقرار والتقدم في هذه الدول. في كتابه “يجب أن تتحد إفريقيا” (1963)، أشار نكروما إلى التحديات التي تفرضها هذه الحدود على سلامة الدول الإفريقية بعد الاستعمار، معتبرًا إياها سببًا رئيسيًّا يدعو إلى ضرورة إزالة الحدود الاستعمارية وإنشاء اتحاد شامل بين الدول الإفريقية.
بينما نترقب تحقيق التكامل الكامل لإفريقيا وتأسيس حكومة قارية، يتضح أن الدول الإفريقية تعمل على إيجاد حلول للتحديات النظامية التي تفرضها الحدود التي تقسم سيادتها. فإلى جانب السكان الذين يعيشون على جانبي الحدود، تُعتبر الموارد الطبيعية مثل الأنهار والبحيرات والغابات ومسارات هجرة الحيوانات والمناخ الذي يتجاوز الحدود عوامل حيوية لاقتصادات الدول الإفريقية، مما يستدعي الحفاظ عليها واستخدامها بما يعود بالنفع على الدول المجاورة. لذا، فإن الحاجة إلى إدارة الغابات المطيرة والبحيرات والأنهار ومسارات هجرة الحيوانات عبر الحدود من أجل المصلحة العامة لجميع الدول، ينبغي أن تؤدي إلى إقامة علاقات عمل جيدة، وتخطيط مشترك، واستثمارات متبادلة، مما يُعزّز التضامن والسلام بين الدول المجاورة.
يمكن للدول الاستفادة من تبادل موارد الطاقة، واستغلال موارد المياه، وحماية الغابات ومسارات هجرة الحيوانات، وتعزيز تبادل المنتجات الزراعية لضمان الأمن الغذائي، بالإضافة إلى تطوير أنظمة النقل الإقليمية عبر الحدود. كما يمكن أن تشكل المجموعات الحدودية المنقسمة روابط تعزز التكامل الإقليمي والقاري. يتجلى ذلك بوضوح في منطقة غرب إفريقيا؛ حيث تعمل غانا وكوت ديفوار وبوركينا فاسو وتوغو على تفعيل رعاية واستخدام تراثها الطبيعي المشترك.
2.3.0. استبدال نظام الإدارة الاستعمارية بنظام الحكم السيادي: تحدٍّ رئيسي على المستوى النظامي
2.3.1. السيادة وتعديل نظام القيادة والسيطرة
في سياق السعي نحو تحقيق الحرية والسيادة، كان يتعين على القادة السياسيين في الدول الإفريقية السيطرة على أجهزة إدارة الدولة والتحكم فيها، وذلك من أجل حكم بلادهم بما يتوافق مع تطلعاتهم. إلا أن هذا الأمر قد يثير العديد من التحديات النظامية الخطيرة. كما أشار ماكس فيبر Max Weber:
عندما يسعى الأفراد الخاضعون للسيطرة البيروقراطية إلى التحرر من تأثير الجهاز البيروقراطي القائم، فإن ذلك غالبًا ما يتطلب منهم إنشاء منظمة خاصة بهم تخضع أيضًا لعمليات البيروقراطية. وبالمثل، فإن الجهاز البيروقراطي الحالي مدفوع بمصالح قوية، سواء كانت مادية أو موضوعية، لكنها تظل مثالية في جوهرها، مما يدفعه للاستمرار في عمله. حتى في حالات الثورة بالقوة أو الاحتلال مِن قِبَل عدوّ، يظل الجهاز البيروقراطي يعمل كما كان في ظل الحكومة الشرعية السابقة.
في الفترة التي سبقت الاستقلال وبعده مباشرة، واجه القادة الجدد للدول الإفريقية صعوبة في إنشاء أجهزة إدارية جديدة لتحل محل النظام الإداري الاستعماري. وهناك عدة أسباب تَستحق الذكر منها:
أولًا: لم يكن بناء جهاز إداري يهدف إلى تحقيق الحكم الذاتي السيادي يعتمد على كفاءة القادة الأفارقة أو خبراتهم. بل كان من المتوقع أن يقوموا بإجراء تعديلات هيكلية على الجهاز الاستعماري القديم. ومع ذلك، استمرت الخدمة المدنية والبيروقراطية المؤسسية في الاحتفاظ بقيمها وعقليتها الأوروبية والاستعمارية، مما أثر على مواقفها من العمل وإجراءاتها، بالإضافة إلى تبعات ثقافية غير مرغوب فيها.
ثانيًا: كانت الخدمة المدنية الاستعمارية مؤسسة أجنبية تمامًا، بعيدة عن السكان الأفارقة، حيث إن إدماج جهاز الخدمة المدنية ضمن الثقافة الإفريقية والسياق الوطني، ليكون حلقة وصل بين الحكومة الإفريقية والمجتمع المدني، كان يُمثل تحديًا منهجيًّا لسلوك الحكومة وإدارتها. وستواجه آلة إدارة الخدمة المدنية، التي تأثرت بقِيَم ومعايير وممارسات المستعمرين، مجتمعًا مدنيًّا متجذرًا في القِيَم والمعايير والممارسات الثقافية الإفريقية التقليدية.
طالبت الخدمة المدنية الاستعمارية بأن تكون التفاعلات بين موظفيها وأفراد الجمهور “غير مباشرة وغير شخصية ورسمية”. ومع ذلك، يتوقع الأفارقة الذين يتعاملون مع موظفي الخدمة المدنية أن يتعامل هؤلاء الموظفون معهم كأفارقة، وأن تكون التفاعلات “مباشرة وشخصية وغير رسمية”. ويعكس هذا التغيير نموذجًا ثقافيًّا؛ ففي السياق الإفريقي، يُعتبر الموظف مقدّمًا لخدمة أو شيء ذي قيمة للفرد، وبالتالي، وفقًا للعادات والتقاليد، يستحق تقديرًا أو مكافأة شخصية من الشخص الذي يتلقى الخدمة. وتكمن جذور مشكلة الفساد المستعصية في الخدمات العامة الإفريقية في هذا الصدام بين الثقافات وأساليب تعويض الموظفين العموميين.
ثالثًا: كان من الضروري أن يأخذ تصميم وقواعد عمل آلة الإدارة الوطنية والبيروقراطية المؤسسية في الاعتبار الهياكل الاجتماعية والسياسية التقليدية، بالإضافة إلى كيفية إدارة شؤون البلاد بما يُلبّي توقعات جميع فئات المجتمع. وهذا سيُسهم في إدماج واقع التنوع العرقي في بناء واستخدام الآلة الإدارية.
2.3.2. السكان ذوو السيادة والإدارة الوطنية
بدافع الضرورة، وجد قادة الدول الإفريقية ذات السيادة الجديدة أنفسهم مضطرين للاستحواذ على الآلة الاستعمارية بهدف إدارة بلدانهم بما يعود بالنفع على شعوبهم، وهو ما كان ينطوي على مخاطر كبيرة.
تحوَّلت أدوات القيادة والسيطرة الإمبريالية إلى وسائل للحكم الذاتي الإفريقي، واستمرت بعض أساليب الاستعمار في إطار الإدارة السيادية. وبالتالي، تم تطبيق قواعد وإجراءات الآلة الاستعمارية، مما أثار الشكوك حول ادعاءات السيادة. لم ينتهِ الاستعمار بمجرد مغادرة الحكام الاستعماريين، بل استمرت إفريقيا في الاعتماد على مستشارين أجانب لتوجيهها في كيفية إصلاح واستخدام هذه الآلة الاستعمارية.
تطلبت الحكومات الإفريقية الناشئة تعيين أفارقة لإدارة جهاز الخدمة المدنية، مما أدى إلى ظهور تحديات، بالإضافة إلى نقص الموارد البشرية. كما كان الحال في بدايات الكنيسة المسيحية، احتاجت الدول الإفريقية متعددة الأعراق إلى تعزيز الإنصاف والعدالة في تقديم الخدمات، وإظهار التزامها بذلك. وكانت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه هي تعيين مسؤولين، مع مراعاة التنوع العرقي للسكان في جميع الوزارات والإدارات والهيئات التابعة للإدارة الجديدة.
قامت القوى الاستعمارية بتوظيف عدد محدود للغاية من الأفارقة في المناصب العليا لإدارة الخدمة المدنية؛ بهدف تعليمهم كيفية استخدام أدوات الإدارة الاستعمارية. نتيجة لذلك، كان المسؤولون الأفارقة المتاحون لإدارة البلاد عمومًا يفتقرون إلى التدريب والخبرة اللازمة في هذا المجال، أو كانوا ينتمون إلى عدد قليل من الجماعات العرقية التي تمتلك مدارس.
إن الاعتقاد بأن مجموعة صغيرة من الجماعات العرقية قد استحوذت على السلطة من خلال الوصول إلى المناصب العليا في البيروقراطية، التي كانت تُشغل سابقًا مِن قِبَل مسؤولين أوروبيين، قد يؤدي حتمًا إلى إثارة الاستياء العرقي والصراعات الدينية. ومن هنا، كانت مبادئ الإنصاف والعدالة تقتضي أن يكون موظفو المؤسسات العامة ممثلين لمختلف الأعراق، مما يضمن مشاركة جميع فئات السكان في الوظائف الحكومية وتقاسم السلطة. ومع ذلك، أدَّى ذلك إلى إنشاء بيروقراطية ضخمة وغير فعَّالة في الخدمة العامة، مما شكَّل عبئًا على الاقتصاد الوطني.
قامت القوة الاستعمارية المغادرة بتفكيك آلية الإدارة بالكامل، مما أدَّى إلى غياب أيّ جهاز إداري أو بيروقراطية شركات لحكومة الولاية لإدارة شؤون البلاد، كما حدث في غينيا والكونغو كينشاسا. وبالتالي، لم يكن أمام القيادة السياسية خيار سوى اعتماد آلية الحركة القومية، التي يديرها مسؤولون حزبيون غير مدربين، كبديل للخدمة المدنية وبيروقراطية الشركات في البلاد.
ستظل الحاجة إلى إعادة تصور إدارة الخدمة المدنية وتأسيس بيروقراطية مهنية وفعّالة ومرضية في العديد من الدول الإفريقية قائمة، وستكون هذه المسألة محورية في مواجهة تحديات انهيار الدولة.
٢.٣.٣. إعادة هيكلة السلطة بين الخدمة المدنية والقطاع العام والحكومة المنتخبة
عملت أجهزة الخدمة المدنية الاستعمارية والبيروقراطية المؤسسية تحت إشراف الحكومة الاستعمارية لفرض السيطرة على السكان الخاضعين وتنفيذ سياسات وبرامج الحكومة. لم تكن هذه الأجهزة مسؤولة أمام هؤلاء السكان. بعد الاستقلال، شهدت الخدمة المدنية تحولات منهجية.
ستشهد العلاقة غير المتكافئة بين الخدمة المدنية والشعب تحولًا جذريًّا؛ حيث ستصبح البيروقراطية خاضعة للشعب وتتحمل مسؤوليتها أمامه. وحتى يدرك موظفو الخدمة المدنية هذا التغيير، ستظل الخدمة تُعتبر في حالة صراع مع المواطنين، وستُتَّهم باستغلال السلطة بشكلٍ تعسُّفي.
ستكون الخدمة المدنية مرتبطة أيضًا بحكومة إفريقية منتخبة، وتعمل تحت إشرافها، مما يجعلها كيانًا جديدًا تمامًا في مجال الإدارة. ستتسم العلاقة بين التسلسل الهرمي لبيروقراطية الخدمة المدنية والمسؤولين السياسيين المنتخبين بالتوترات، ليس فقط بسبب التعليم والخبرة المتفوقة لموظفي الخدمة المدنية، ولكن أيضًا نتيجة للاختلافات العرقية والدينية والجندرية أو التقليدية.
ستكون الحكومة التي تتولى الخدمة المدنية الإشراف عليها خاضعة لتفويض الشعب، مما يخلق علاقة جديدة. إن التفويض الذي يمنحه الشعب للقادة السياسيين في إفريقيا يهدف إلى تحقيق الثروة والازدهار، ويصبح بذلك تفويضًا تعاقديًّا يتمثل في تبادل الأصوات مقابل الوظائف أو المشاريع في الدوائر الانتخابية أو المناطق. وتُحدّد أنماط التصويت توزيع الخدمات الحكومية والمرافق في مختلف أنحاء البلاد، بدلًا من أن تكون هناك خطة شاملة تهدف إلى خدمة الصالح العام للسكان.
2.4. الدول ذات الأعراق المتعددة: وإشكالية الديمقراطية
تواجه الدول الإفريقية المستقلة مجموعة من التحديات الهيكلية في تطبيق الديمقراطية التعددية.
أولًا: تتمثل القضية الأساسية في كيفية فهم استمرار قوة وأهمية الممالك الإفريقية والزعماء التقليديين الوراثيين في إطار دولة ديمقراطية. إن قمع هؤلاء الزعماء يُعدّ بمثابة تدمير للنسيج الاجتماعي التقليدي الذي أسهم في تماسك المجتمعات على مر الأجيال. في غانا، يُعتبر الزعماء التقليديون جزءًا أساسيًّا في تعزيز ثقافة الشعب، والحفاظ على السلام والنظام في المجتمعات، وتقديم القيادة في مجالات التنمية، بالإضافة إلى تعزيز الانسجام والوحدة بين الجماعات العرقية. لذا، ينبغي على القادة المنتخبين استشارة الزعماء التقليديين في قضايا تتعلق بالسلام والنظام والتنمية الوطنية. ومع ذلك، فإن السياسة القائمة على أساس عرقي تُشكّل تهديدًا للوحدة الوطنية والاستقرار، مما يجعل من المبادئ المتعارف عليها في النظام الديمقراطي الغاني عدم انخراط الزعماء أو القادة التقليديين في السياسة الحزبية، وعدم تدخل الشخصيات السياسية في شؤون الزعامة. ورغم أن الزعماء الأقوياء قد يمارسون نفوذهم على نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ورغم أن سلطة الحكام التقليديين قد تتعارض مع سلطة الحكام المنتخبين ديمقراطيًّا، إلا أن هناك تعايشًا مفيدًا وتفاعلًا ديناميكيًّا بينهما وفقًا لأحكام دستور غانا.
ثانيًا: في الدول الإفريقية متعددة الأعراق، تمثل “الديمقراطية” -أي “حكم الشعب، من الشعب، من أجل الشعب”- تحديًا منهجيًّا كبيرًا. فمبدأ “صوت واحد لكل شخص” الذي يضمن المساواة في السلطة بين جميع المواطنين، قد يُستخدَم في بعض الأحيان لترسيخ هيمنة المجموعات الكبيرة على الأقليات العرقية. إن القوة العددية النسبية لهذه المجموعات يمكن أن تُحوّل التركيبة السكانية إلى بنية اجتماعية-سياسية غير عادلة ودائمة. فالتصويت القائم على الأسس العرقية قد يؤدي إلى تعزيز المجموعات الأكبر كطبقة حاكمة دائمة على الأقليات. ولا يمكن معالجة هذه المشكلة من خلال حظر تشكيل الأحزاب السياسية على أسس عرقية أو إقليمية؛ لأن هذه الأحزاب ستُلبِّي مخاوف وتطلعات المجموعات العرقية، مما يُعزّز من مواقعها في المجالات العرقية.
ستكتسب الديمقراطية معناها الحقيقي عندما تتلاشى الحواجز العرقية مع مرور الزمن، ويتزايد عدد السكان المتعلمين، بالإضافة إلى ظهور جماعات وجمعيات مهنية وعامة كبيرة تُركّز على الخطاب الوطني الذي يُعزّز الصالح العام للأمة وسبل تحقيق العدالة الإدارية الحقيقية في جميع أنحاء البلاد. في سياق البلدان ما بعد الاستعمار، يُعزّز الحكم الديمقراطي من خلال نظام الحكم المحلي والإدارة اللامركزية.
ومع ذلك، فإن الوحدة الوطنية والتماسك يعتبران عنصرين حيويين لاستمرار الدولة متعددة الأعراق في إفريقيا، لدرجة أن العديد من القادة السياسيين يرون في المركزية رمزًا للوحدة والقوة، بينما تُعتبر اللامركزية سببًا للتفكك والانقسام، مما يُعيق التركيز على الصالح العام للجميع. في هذا الإطار، قد تؤدي هياكل الحكومة المحلية إلى نشوب صراعات بين سلطات القادة المنتخبين وسلطات الحكام التقليديين غير المنتخبين. لذا، على الرغم من أن السلطات التقليدية يمكن أن تستخدم نفوذها لدعم التنمية المحلية، إلا أنه ليس لها دور في الهياكل الرسمية للحكومة المحلية.
تعد الحكومة المحلية معيبة إذا تم تعيين رؤساء للمجالس المحلية من بين الأشخاص المنتخبين؛ حيث سيؤدي ذلك إلى كتم صوت الشعب. كما أن هذا النظام يكون معيبًا أيضًا إذا تم استبعاد الزعماء الذين يمتلكون موارد مجتمعاتهم وولاءها من المجالس المحلية.
2.5. الوسائل الثقافية للاستعمار
لتحقيق سيطرة فعّالة على أراضيها الاستعمارية واستغلال مواردها البشرية، فرضت كل قوة استعمارية أوروبية لغةً معينة للحكم والإدارة في مستعمراتها. كانت هذه اللغة أداةً أساسية للإدارة والتواصل الرسمي والتجارة، مما ميَّز الحكام عن الشعوب الخاضعة. بالنسبة للأفارقة الذين كانوا يسعون للحصول على وظائف في أوروبا، أصبحت هذه اللغة تمثل جوهر التعليم والثقافة الغربية. كما تحوَّلت لغة المستعمر إلى وسيلة لتعريف بعض فئات الشعب الخاضع برؤية عالمية جديدة، وقِيَم، ومواقف، وأنماط تفكير وسلوك مختلفة، مما أدى إلى خضوعهم تدريجيًّا للهيمنة الثقافية الأوروبية. كان من غير المنطقي أن يرتدي الأفارقة الملابس الأوروبية، ويعيشوا في مدن أوروبية، ويستمتعوا بالطعام والشراب الأوروبيين، ويعيشوا حياة اجتماعية على النمط الأوروبي، ويعتنقوا المسيحية، ويحتفلوا بالزواج وفقًا للطقوس المسيحية والأوروبية، دون أن يتحدثوا لغة المستعمرين الأوروبيين.
رحل المستعمرون الأوروبيون، لكن الدول الإفريقية لا تزال تعاني من آثار العبودية الاستعمارية؛ حيث لا تزال اللغات الأوروبية تُستخدَم في مختلف جوانب الحياة الوطنية الهامة. إن هيمنة اللغة الاستعمارية في الشؤون الوطنية تشكل عائقًا أمام تحقيق المساواة بين جميع المواطنين. كما تُعيق هذه الهيمنة المشاركة الفعالة والهادفة لكل الأفراد في الحكومة والإدارة، مما يتعارض مع مفهوم المساواة أمام القانون والحقوق المتساوية في الانتخابات والترشح للمناصب العامة. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر سلبًا على المساواة في الوصول إلى الخدمات والموارد الحكومية وتكافؤ الفرص.
تتجلى المفارقة الأكبر في هذا السياق؛ حيث تقدّم معظم الدول الإفريقية تعليمًا أساسيًّا مجانيًّا وإلزاميًّا لجميع المواطنين، ليس فقط كحق أساسي، بل أيضًا كوسيلة لتمكينهم كمواطنين ذوي سيادة من المشاركة في العملية الديمقراطية والاستفادة من فرص متكافئة. ومع ذلك، فإن تعليم السكان بلغة المستعمرين السابقين يؤدي إلى فقدانهم القدرة على التفكير والتواصل كأفارقة. في الواقع، تتخلَّى الدول الإفريقية عن كل ما يميز هويتها، وتخضع طواعية لشكل جديد من الاستعمار الثقافي؛ حيث نقبل القيم والأزياء الأجنبية، مما يجعلنا عرضة للتلاعب الاقتصادي. لذا، ينبغي على الأفارقة أن يعتبروا الحفاظ على اللغات والتقاليد الثقافية الإفريقية وتطويرها ليس فقط وسيلة لمقاومة الاستعمار والهيمنة الثقافية، بل أيضًا أساسًا لتحقيق التنمية الوطنية المستدامة.
2.6. الهيكل الاستعماري للاقتصادات الإفريقية والتحديات الرئيسية التي تواجهها
ارتبط الحكم الاستعماري في مختلف أنحاء إفريقيا باقتصادات المناطق المستعمرة واقتصادات الدول الاستعمارية. ولا تزال الدول الإفريقية، حتى بعد حصولها على الاستقلال، مرتبطة باقتصادات مستعمريها السابقين. تُعتبر معظم الدول الإفريقية منتجة رئيسية؛ حيث تصدر المواد الخام لتلبية احتياجات الصناعات في الدول الأوروبية. كما اضطرت هذه الدول إلى الاعتماد على التجارة الخارجية مع الدول الأوروبية، مما جعلها تُعوّض العجز في ميزانياتها السنوية من خلال المساعدات والقروض الأجنبية. نتيجة لذلك، تجد هذه الدول نفسها مضطرة لتكييف سياساتها الاقتصادية وإستراتيجياتها التنموية بما يتماشى مع سياسات مستعمريها السابقين، مما يمثل فقدانًا للسيادة ويشكل نوعًا خطيرًا من الاستعمار الجديد.
ومع ذلك، لا يمكن اعتبار ذلك وحده تفسيرًا كافيًا لعدم تحقيق السيادة الاقتصادية رغم وجود الحكم الذاتي والسيادة السياسية. ففي شرق ووسط إفريقيا؛ حيث نشأت المستوطنات الأوروبية، لم يفقد الأفارقة حقهم في ملكية الأرض والوصول إليها فحسب، بل فقدوا أيضًا جوهر وجودهم الثقافي وهويتهم. وقد أثبت التهميش الاقتصادي والفقر الذي عانى منه الأفارقة، بالإضافة إلى تشريد السكان وتدمير المجتمعات الأصلية وحياتهم الثقافية، أنه من الصعب عكسه أو تصحيحه بعد الاستقلال. في العديد من دول وسط وجنوب إفريقيا، تظل ملكية الأراضي القضية الأساسية التي تتعلق بالتمكين الاقتصادي الإفريقي والسعي نحو الحرية والسيادة الحقيقية.
كان الوضع مختلفًا تمامًا في غرب إفريقيا. ففي غانا، على سبيل المثال، ظهرت قضية الأراضي منذ المراحل الأولى للمشروع الاستعماري البريطاني. حاول البريطانيون فرض ملكية جميع أراضي غانا لصالح التاج البريطاني، بل ولحكومة وشعب بريطانيا. إلا أن زعماء المناطق الساحلية والنخب المثقفة تصدوا لهذه الخطوة، مما أجبر البريطانيين على الاعتراف بأن جميع أراضي غانا، وفقًا للأعراف والتقاليد، تعود ملكيتها لزعماء وجماعات عرقية غانا. وقد كانت ملكية الشعب للأراضي العامل الأساسي في تعزيز التنمية الاقتصادية والسياسية للبلاد.
في اقتراحه المقدم إلى البرلمان حول نهج الاستقلال، صرح كوامي نكروما بالقول:
“لم يتم تطوير مصدر ازدهارنا، وهو صناعة الكاكاو، على يد البريطانيين أو أي مصالح تجارية أجنبية. فقد أدخل أول كاكاو إلى ساحل الذهب رجل إفريقي يُدعى “تيتيه كوارشي”، وظلت هذه الصناعة تحت سيطرة الأفارقة طوال الوقت… إن القوى السياسية في هذا البلد ومطالب الاستقلال تستند إلى الزراعة والصناعة التي أسسها شعبنا دون أيّ مساعدة خارجية”.
الدرس المستفاد من تطوُّر صناعة الكاكاو هو أن زراعة الكاكاو كانت مسؤولية المجتمعات الأصلية، التي اعتمدت على ملكيتها الجماعية للأرض ومعرفتها العميقة بالتربة والنباتات والمناخ. استخدمت هذه المجتمعات أساليب الزراعة التقليدية والأدوات المحلية، واستندت إلى نظم تقليدية لتكوين رأس المال والزراعة المشتركة. كما اعتمدوا على الزواج التقليدي وأفراد الأسرة في إدارة المزارع، واستخدموا القوانين التقليدية وسلطة الزعماء لحل النزاعات وإدارة الخلافات.
العنصر الأساسي الذي كانت تفتقر إليه صناعة الكاكاو هو وجود سوق استهلاكية محلية. فقد جعل الاعتماد على المستهلكين الأوروبيين المزارعين عرضة لتقلبات الأسواق الأجنبية والمشغلين الذين يحددون أسعار المحاصيل وفقًا لرغباتهم. ومع ذلك، بفضل ملكية الأرض والمعرفة المحلية والتكنولوجيا وأدوات الإنتاج، استطاع سكان غانا، رغم ارتفاع معدلات الأمية بينهم، أن يؤسسوا صناعة كاكاو مزدهرة، مما أتاح لهم خلق فرص عمل وثروات ساهمت في تحسين حياتهم وتعزيز اقتصاد البلاد.
يوفر لنا نمو صناعة الكاكاو في غانا مثالًا على كيفية استغلال الدول الإفريقية لمواردها المحلية من أجل خلق فرص عمل وثروة وازدهار وطني، مما يقلل بشكل كبير من تأثير الاستعمار الجديد. يمكن للدول الإفريقية الاستفادة من نموذج صناعة الكاكاو لتوسيع زراعة محاصيل أخرى، ليس فقط لأوروبا، بل أيضًا للأسواق الإفريقية، مما يسهم في تقليل اعتمادنا على واردات الغذاء ويُولّد فرص عمل وثروات للدول الأخرى.
3.0. المسار نحو المستقبل
تستمر التحديات التي تواجه الدول الإفريقية نتيجة للأدوات التي وضعتها القوى الاستعمارية الأوروبية لفرض سيطرتها على القارة، وتتعزز هذه التحديات باستمرار من خلال نظام اقتصادي عالمي يستغل الدول الإفريقية. ورغم أن إفريقيا تمثل مفتاح ازدهار العالم واستمراريته، فإنه من الضروري أن يتغير النظام الاقتصادي العالمي.
3.1. تستطيع الدول الإفريقية تحقيق السيادة الاقتصادية من خلال امتلاك مواردها الخاصة، مما يتيح لها استخدام هذه الموارد كرأس مال للإنتاج المحلي للضروريات الأساسية. يعتمد اقتصاد قاري إفريقي مكتفٍ ذاتيًّا على مجموعة من الأسس الأساسية:
– إدارة ملكية الأراضي في المجتمعات الأصلية.
– الحفاظ على الغابات واستغلالها بشكل مستدام من خلال الأساليب التقليدية والممارسات المحلية.
– إدارة الأنهار والبحيرات لضمان الأمن المائي.
– استغلال موارد الطاقة المتجددة الواعدة لتطوير تجمع إقليمي للطاقة، مثل تجمع غرب إفريقيا.
– تعزيز الزراعة المحلية وتوزيع المواد الغذائية الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي.
– الاستفادة من التراث الغني في الطب التقليدي والأعشاب لتطوير الصناعات الدوائية في إفريقيا.
– تعزيز العلوم والتقنيات والصناعات المحلية.
– تعزيز طرق وأسواق التجارة التقليدية عبر الحدود وبين الدول.
– وغيرها من المجالات.
من خلال وضع إستراتيجيات فعّالة على مستوى الولايات والأقاليم والقارات، يمكن للدول الإفريقية أن تتعاون لتحقيق أهداف متعددة تشمل: الأمن الغذائي، الأمن المائي، أمن الطاقة، حماية الغابات والتنوع البيولوجي، الحفاظ على المناخ، وطرق هجرة الحيوانات، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج والتجارة في السلع الثقافية.
لذا يطرح هنا سؤال مهم: كيف يمكن للدول الإفريقية المستقلة جذب الاستثمارات الأجنبية لتطوير ثرواتها الطبيعية الهائلة، مع الحفاظ على استقلالها وعدم الوقوع تحت سيطرة الاستعمار الجديد واستغلاله؟ وكيف يمكن لهذه الدول بناء شراكات تنموية قائمة على المساواة والعدالة، مع الاعتراف بسيادتها؟
3.2. السعي نحو إنشاء اقتصاد عالمي جديد يعزّز العدالة والإنصاف، ويضمن سيادة وحرية الدول الإفريقية.
من وجهة نظر نكروما؛ فإن الوحدة الإفريقية تمثل الحل الإستراتيجي الأمثل للتحديات التي واجهتها الدول الإفريقية المستقلة في فترة ما بعد الاستعمار، والتي تتمثل في القبول الطوعي لإستراتيجيات وشراكات الاستعمار الجديد من أجل تحقيق التنمية في القارة. ومع ذلك، كان يدرك أن إفريقيا الموحدة ستحتاج إلى استثمارات أجنبية لتنمية مواردها. وقد كتب: “يجب أن تُطور إفريقيا صناعيًّا، لمصلحتها الخاصة، وفي النهاية من أجل اقتصاد عالمي قوي. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال إزالة الحدود المصطنعة التي تفصل بين الدول، مما يتيح إنشاء وحدات اقتصادية قابلة للاستمرار، وفي النهاية تحقيق وحدة إفريقية شاملة”.
وأضاف موضحًا:
“يمكن جذب رأس المال الدولي إلى المناطق الاقتصادية المستدامة، لكن هذا لن يحدث في إفريقيا المقسمة والمجزأة؛ حيث تتنافس كل منطقة صغيرة بشكل عبثي وانتحاري مع جيرانها. إن هذا الرأسمال الدولي سيُعوِّض عن أيّ خسارة في الاستثمارات من أولئك الذين يسعون للاستثمار في إفريقيا فقط عندما يرون فرصة لتحقيق أرباح سريعة وفورية، ويخشون من المنافسة الصناعية من إفريقيا المتقدمة”. إذا كان “يجب تطوير إفريقيا صناعيًّا، لمصلحتها الخاصة، وفي النهاية من أجل اقتصاد عالمي سليم”، فإن نكروما كان يدعو ضمنيًّا إلى أجندة تنمية عالمية تعكس مبادئ الإنصاف والعدالة بين دول العالم. وبالتالي، كان يطالب بإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي لضمان أن يؤدي تطوير موارد العالم، ليس فقط في إفريقيا، بل في أيّ مكان آخر، إلى تحقيق الرخاء المشترك والصالح العام لجميع البلدان والبشرية. هذا البعد الأخلاقي، والسعي نحو الإنصاف والعدالة في توزيع منافع موارد العالم، كان غائبًا عن أجندة اتفاقية روما التي أدت إلى تأسيس الجماعة الاقتصادية الأوروبية.
في ظل التحديات التي تطرحها تغيرات المناخ، وتدمير طبقة الأوزون، وتدهور الغابات المطيرة، وفقدان التنوع البيولوجي، وتهديد بقاء الحياة البشرية، يواجه العالم فرصة لبدء ثورة صناعية جديدة تتطلب نظامًا اقتصاديًّا عالميًّا يحقق الفائدة لجميع الدول. وتمتلك إفريقيا، التي تُعتبر مهد البشرية وثقافتها، إمكانيات هائلة بفضل سكانها، وأراضيها الواسعة، ومواردها المعدنية، وغاباتها المطيرة، وأنهارها وبحيراتها العظيمة، بالإضافة إلى تنوع نباتاتها وحيواناتها، ومناخها، وموارد الطاقة المتجددة، وإمكاناتها الزراعية والغذائية. يمكن أن تلعب إفريقيا دورًا حيويًّا في ضمان بقاء البشرية وتحقيق الازدهار المشترك. ومع ذلك، هناك خطر من أن تصبح القارة مرة أخرى ضحية للاستغلال.
مع تزايد تدفق رأس المال الأجنبي إلى إفريقيا، يصبح من الضروري أن يتم توجيه استكشاف واستخدام موارد القارة وفقًا لميثاق أخلاقي وإطار تنظيمي يمكن لجميع الدول الالتزام به؛ لضمان المصلحة العامة. ومن أبرز مبادئ هذا الميثاق:
– تعزيز الرفاه الشخصي والإنساني للمجتمع، بما في ذلك السكن والصحة والتعليم والعمل والضمان الاجتماعي.
– حماية الأرض والبيئة.
– الحفاظ على موارد المياه المحلية، مثل الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية والمحيطات.
– ضمان إنتاج الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي لسكان القارة.
– تطوير واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
– تحقيق توزيع شفاف وعادل ومنصف لعوائد الاستثمار.
لتحقيق هذه الأهداف، يجب أن تلتزم جميع البرامج والمشاريع التنموية بالمعايير الدولية في مجالات:
– تقييم الأثر البيئي.
– تقييم البصمة الكربونية.
– تقييم الأثر الثقافي.
– تقييم المحتوى المحلي.
تتمثل فائدة هذا الإطار التنظيمي في عدة جوانب: أولًا، إنه شامل ويعالج الاحتياجات التنموية الأساسية للدول النامية؛ ثانيًا، يُعزّز الاستخدام المستدام للموارد ويحافظ على البيئة؛ ثالثًا، يطالب بالعدالة بين المستثمرين الأجانب والدول الأطراف التي تمتلك موارد حيوية للتنمية؛ رابعًا، يفرض التزامات ملزمة على كل من المستثمرين الأجانب والدول الإفريقية، لضمان أن تعود موارد الدولة بالنفع على مواطني الدول الإفريقية والمجتمع العالمي.
4.0. خلاصة واستنتاجات
تستمر الدول الإفريقية في مواجهة تحديات ناتجة عن آثار أدوات الاستعمار الأوروبي، مثل الحدود المصطنعة، وتنوع الأعراق الذي قد يؤدي إلى التفكك، بالإضافة إلى أنظمة إدارية غير ملائمة للحكم الذاتي، واقتصادات مرتبطة بدول استعمارية سابقة وتحت سيطرتها. من الضروري إيجاد حلول لهذه القضايا في إطار نظام اقتصادي عالمي جديد.
اقترح نكروما أنه لتفادي فخّ الاستعمار الجديد ومواجهته، ينبغي على إفريقيا توحيد جهودها وتنمية مواردها بشكل مستدام. ومع ذلك، كان واضحًا في اعترافه بأن إفريقيا الموحدة ستظل بحاجة إلى استثمارات رأسمالية من الخارج لتطوير صناعاتها وتعزيز مكانتها في السوق العالمية. في الواقع، لا يمكن للدول الإفريقية أن تُعزّز اقتصاداتها إلا في إطار التعاون الإفريقي وضمن السياق العالمي. لذا، من الضروري أن يعمل المجتمع الدولي على إنشاء نظام اقتصادي عالمي يتيح للدول الإفريقية جذب الاستثمارات الأجنبية دون المساس بسيادتها.
يبدو أن هذا المؤتمر يشير إلى أن الوقت قد حان لدول العالم لبناء نظام اقتصادي عالمي يضمن بقاء البشرية، ويجب أن يتم ذلك بطريقة لا تُقسم العالم ولا تُخْضِع مجموعة من الدول لأخرى.
- الثورة الصناعية التي انطلقت من بريطانيا في القرن الثامن عشر، وتبعتها دول أوروبية أخرى، دفعت هذه الدول إلى البحث بجدية عن المواد الخام، خاصةً مع بدء فقدان مستعمراتها في الأمريكتين.
- خلال نضال الجزائر من أجل الاستقلال، واجه نكروما الشعار الفرنسي “الجزائر الفرنسية” بشعار “إفريقيا ليست امتدادًا لأوروبا”.
- تم إنشاء أول قسم للأنثروبولوجيا الاجتماعية في الخدمة المدنية في جولد كوست؛ حيث ضم مجموعة كبيرة من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية الذين قاموا بدراسة ثقافات الشعوب. ومن الجدير بالذكر أن كوفي أبريفا بوسيا، الذي كان أول أستاذ غاني في هذا المجال، عمل في هذا القسم قبل أن ينتقل إلى جامعة غانا ويؤسس دراسة الأنثروبولوجيا الاجتماعية في قسم علم الاجتماع.
- بعد الاستقلال، ولتعزيز دراسة الثقافات والتاريخ الإفريقيين، والتي كان يدرسها المؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية البريطانيون دون توثيق، أسَّس نكروما أول معهد للدراسات الإفريقية في القارة. وقد أُتيحت للطلاب فرصة دراسة مقرر بعنوان “الأنظمة الاجتماعية والسياسية الإفريقية” بدلًا من “الأنثروبولوجيا الاجتماعية”.
- قام كوامي نكروما بتعريف مصطلح “الاستعمار الجديد”؛ حيث تناول هذا المفهوم بشكل موسع في كتابه “الاستعمار الجديد: المرحلة الأخيرة من الإمبريالية” الذي صدر عام 1965م.
- أسَّس كوامي نكروما معهدًا للإدارة والإدارة العامة بهدف تدريب موظفي الخدمة المدنية المحترفين والإداريين العموميين، وذلك لتلبية احتياجات غانا والدول الإفريقية المستقلة حديثًا من القوى العاملة. ومع ذلك، كان مضطرًا للاعتماد على متخصصين من دول مختلفة لضمان استقرار الإدارة في البلاد خلال مراحلها الأولى.
……………………
رابط التقرير:
https://www.pass.va/en/publications/studia-selecta/studia_selecta_10_pass/hagan.html