د. رضوى زكريا رضوان
متخصصة في الشؤون الإفريقية – مصر
مقدمة:
ظهر مصطلح القوة الناعمة Soft Power لأول مرة عام 1990م مِن قِبَل المفكر الأمريكي “جوزيف ناي”، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، والذي قال: “إن القوة الناعمة هي القدرة على جعل الناس أو الدول ترغب فيما تسعى إليه دون استخدام الإجبار أو الإغراء لجعلهم يتبعونك؛ أي: أن القوة الناعمة هي القدرة على الاعتماد على قوة الجذب والإقناع بدلًا من إجبار الدول على اتباع سياسات معينة”.
وقد حاول باحثون في مؤسسة بورتلاند إيجاد معايير لقياس القوة الناعمة للدول، وقد اعتبرت أن المؤشر الأول يتمثل في الحكومة ومؤسساتها وسياساتها العامة، فكلما كانت الحكومة مؤثرة في سياساتها، وتستطيع الوصول لأهدافها فإن معدل الجاذبية يتزايد، وبالتالي قوتها الناعمة، أما المؤشر الثاني فهو يتعلق بثقافة المجتمع ومدى انفتاح هذه الثقافة سواء كانت تتعلق بالأدب أو الثقافة الشعبية ومنتوجها من الفنون.
كما أن هناك مؤشرات أخرى مثل التعليم، والذي يجتذب طلبة أجانب إلى البلد، وبذلك يسهم في تعزيز القوة الناعمة. وكذلك يُعدّ مستوى جاذبية النموذج الاقتصادي للأقطار مؤشرًا مهمًّا في تحديد مستوى هذه القوة. بالإضافة للابتكار التكنولوجي، والذي يدخل ضمن هذه المؤشرات، ومدى ارتباط الدولة مع الشبكة العنكبوتية([1]).
جدير بالذكر أن التعاون الثقافي بين البلدان في السابق كان يتسم بالعفوية؛ حيث كان يظهر من خلال المبادلات الثقافية التي كانت تنمو وتتطور عادةً خارج نطاق عمل الحكومات، أو عبر السياحة، أو الزواج المختلط، أو الأدب، أو اللغات والفنون؛ ولكننا نجد أن هذه العناصر لا تكتسب صفة الدبلوماسية، ولا تدخل في تشكيل القوة الناعمة لبلد معين إلا حين تندمج في سياق برامج وإستراتيجيات محددة في خدمة المصالح الوطنية. فالدبلوماسية الثقافية بهذا المعنى تعني توظيف عناصر عدة من الثقافة للتأثير في الشعوب المختلفة، وصناع الرأي، والقادة والنخب المؤثرة حول العالم. كما تقتضي استغلال الفرص التي تُتيحها قطاعات عديدة من بينها: الفنون، والتعليم، والتاريخ، والعلوم والدين؛ لقولبة أفكار وانطباعات ونماذج معينة ([2]).
وغالبًا ما يكون أول ما يخطر على بال الكثيرين عند الحديث عن أوجه التعاون الرئيسية بين الدول هو الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، باعتبارها جوانب يُنظَر إليها على أنها تحمل أبعادًا إستراتيجية وتأثيرًا لا غنى عنه في العلاقات الدولية. ولكن مع بزوغ نجم مفهوم الدبلوماسية العامة والمفاهيم الأخرى المرتبطة به، مثل القوة الذكية، والقوة الناعمة التي تُعدُّ الثقافة عمودها الفقري، أصبح التعاون الثقافي بين الدول شأنًا لا يقلّ أهمية. فهو بُعْد لا تقتصر تأثيراته كما يوحي الاسم على الجوانب “الثقافية” وحدها، بل يمتدّ ليشمل التأثيرات الاجتماعية والسياحية والإعلامية والاقتصادية، والسياسية أيضًا.
وقد تختلف الآراء في تعريف مفهوم “التعاون الثقافي الدولي”، ولكن يمكن بشكلٍ عام تعريفه بأنه “جميع أوجه النشاط التي تمارسها المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية والقطاعان الخاص والعام الهادفة إلى ترويج ونقل المعرفة والمهارات والفنون والمعلومات ذات الطابع الثقافي للدولة إلى الدول الأخرى؛ وذلك بهدف دعم العلاقات بين الشعوب عبر ترسيخ الفهم والثقة والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة”([3]).
وفي هذا السياق نجد أن وجود البرازيل في إفريقيا قد ترك بصمة واضحة وتأثيرًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ليس فقط من حيث التجارة والاستثمار، ولكن أيضًا من حيث التعاون التنموي وبناء التحالفات السياسية. وكان ذلك نتيجة لرئاسة “لولا دي سيلفا” رئيس البرازيل في الفترة من 2003-2010م؛ حيث زاد الاهتمام بالتعاون مع دول القارة في محاولةٍ لتوحيد دول الجنوب العالمي.
تجدر الإشارة إلى أن الدوافع المعاصرة وراء تحوُّل السياسة الخارجية للبرازيل تجاه إفريقيا تُعدّ هدفًا سياسيًّا واسعًا، يتمثل في المساهمة في زيادة دور الجنوب العالمي في النظام العالمي الجديد، والذي ما يزال في طور التكوين، بالإضافة إلى هدف سياسي آخر؛ والذي يتمثل في تأمين موقع رئيسي داخل هذه البنية الدولية الناشئة، مع تعزيز توسيع المصالح الاقتصادية للبرازيل في إفريقيا([4]).
وهناك إجماع على الطبيعة الناعمة للقوة البرازيلية: فالبرازيل “مثال جيد لما يسمى “القوة الناعمة”، و”الدولة التي تلعب فيها القوة الناعمة دورًا رئيسيًّا”؛ حيث نجد أن البرازيل قد تبنَّت سياسة خارجية تهدف إلى إظهار صورة إيجابية في مختلف أنحاء العالم. ومن خلال اللجوء إلى الإمكانيات التي يُتيحها تعزيز قوتها الناعمة على المستوى الدولي؛ فقد تمكنت البرازيل من تعزيز تأثيرها الخارجي، وزيادة نفوذها العالمي. كما تمارس البرازيل قوتها الناعمة في محاولة للاضطلاع بدور قيادي في السياسة العالمية، وبالتالي فقد سعت لتحقيق هدفها المتمثل في التحول إلى لاعب عالمي من خلال القوة الناعمة([5]).
وعلى الرغم من أن الخطاب البرازيلي في إفريقيا يُركّز بقوة على العلاقات التاريخية، نجد أن علاقات الصداقة التي تتمتع بها البرازيل ليست متجذرة في ساحة معركة النضال من أجل الاستقلال، فعلاقاتها مع إفريقيا تعود إلى زمن أبعد وأعمق من ذلك بكثير. فلم يتم بناء البرازيل على عَرق ودماء العبيد الذين تم جلبهم من إفريقيا عبر العصور الاستعمارية فحسب، بل إن تراث هؤلاء العبيد طبع فروقًا إفريقية قوية في البرازيل الحديثة. حتى يومنا هذا، فلا يزال البُعد الإفريقي قويًّا جدًّا وواضحًا في البرازيل، لا سيما من خلال تراثه الثقافي (مثل الفولكلور والموسيقى والدين والأدب والمطبخ)، والتراث اللغوي ([6]).
جدير بالذكر أن البرازيل قد حافظت على علاقات دبلوماسية مع جميع الدول الإفريقية؛ إلا أنها كان لها بصمة دبلوماسية ضئيلة نسبيًّا في القارة حتى تولى “لولا دا سيلفا” السلطة. ومنذ ذلك الحين ضاعفت البرازيل عدد سفاراتها في إفريقيا، من 18 إلى 37، كما زاد عدد السفارات الإفريقية في البرازيل من 16 إلى 34. وخلال إدارتيه، قام الرئيس ” لولا دا سيلفا” بـ28 زيارة (ثنائية ومتعددة الأطراف) إلى 28 دولة في إفريقيا. وقد زارت خليفته “ديلما روسيف” خمسة بلدان إفريقية على مدار ثلاث سنوات([7]). وقد ساهمت الرحلات العديدة التي قام بها وزراء الخارجية والاقتصاد، برفقة وفود تجارية كبيرة، في تطوير العلاقات والحضور البرازيلي المتزايد في إفريقيا([8]).
ومن هنا نجد أن خطاب البرازيل الجديد في إفريقيا، والذي بدأه “لولا دا سيلفا”، يعتمد بشكل كبير على البعد التضامني المتأصل في العلاقات التاريخية والروابط الثقافية والعرقية مع القارة([9]). وقد أكَّد وزير العلاقات الخارجية السابق “سيلسو أموريم” على هذه السمات التفضيلية عندما قال: “وبعيدًا عن المكاسب السياسية والاقتصادية العَرَضية؛ فإن البحث عن علاقات أوثق مع إفريقيا كان يسترشد بالروابط التاريخية والديموغرافية والثقافية”([10]).
أولًا: الروابط التاريخية:
لقد تم جلب حوالي 11 مليون إفريقي قسرًا إلى القارات الأمريكية خلال فترة تجارة الرقيق؛ فقد استقبلت البرازيل ما يقرب من 4 ملايين مما يجعلها الدولة التي تضمّ أكبر عدد من العبيد في العالم. وقد كانت هذه القوى العاملة المستوردة ذات أهمية كبيرة للنموّ الاقتصادي البرازيلي، ولا سيما فيما يتعلق بدورة قصب السكر كثيفة العمالة. كما تشير التقديرات إلى أنه مقابل كل برتغالي هاجر إلى البرازيل كان هناك أربعة أشخاص من إفريقيا (بين 1500 و1850، هاجر حوالي 1.3 مليون برتغالي إلى البرازيل)، مما أدى إلى أن تصبح البرازيل بوتقة انصهار لكل هذه الجنسيات.
وخلال فترة العبودية، كان هناك أيضًا تبادل كبير للسكان السود من وإلى البرازيل. ومع توسيع البرتغال لسيطرتها في إفريقيا، تم نقل مجتمعات كبيرة من البرازيليين الأفارقة إلى القارة -ما يسمى بأغوداس Agudas في بنين، وأماروس Amaros في توغو ونيجيريا، وتابوم Tapum في غانا-؛ حيث لعب بعضهم أدوارًا مهمة في حركات التحرُّر في الدول الإفريقية، مثل غينيا([11]).
ومع تلاشي تجارة العبيد وانتهاء العبودية أخيرًا عام 1888م، نأت البرازيل بنفسها عن إفريقيا، وقام المجتمع البرازيلي فيما بعد بتنفيذ “عملية تبييض”؛ لتكوينه العنصري من خلال سياسات تشجيع دخول المهاجرين من أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، أدَّت نهاية تجارة الرقيق والتحوُّل نحو زيادة زراعة القهوة إلى خلق الحاجة إلى قوة عاملة أكثر مهارة. كما تم إجراء تغيير في السياسة البرازيلية لجذب المهاجرين من أجل شغل المساحات الفارغة في الأراضي البرازيلية، وخاصةً على طول حدودها الجنوبية لتوفير قوة عاملة أرخص وأكثر وفرةً لتحل محل العمالة الإفريقية.([12])
كما نلاحظ أن عدد السكان السود في البرازيل هو الأكبر في العالم خارج إفريقيا؛ حيث نجد أكثر من نصف سكان البرازيل البالغ عددهم 190 مليون نسمة لهم أصول إفريقية مباشرة. ولكن على الرغم من كونها واحدة من أكبر دول الشتات الإفريقي، كان للبرازيل تاريخيًّا تفاعل محدود مع إفريقيا؛ حيث كانت تميل إلى التركيز بشكل شبه حصري على إفريقيا الناطقة بالبرتغالية، ولكنها اتبعت جدول أعمال ثنائيًا أكثر تركيزًا مع بلدان مختارة على أساس الانتماء الثقافي والمصالح الإستراتيجية([13]).
ولكن بالوصول إلى الفترة (1961-1964م)، وهي الفترة التي تبنَّت فيها البرازيل سياسة خارجية أكثر استقلالية، تم إنشاء القسم الإفريقي داخل وزارة الخارجية البرازيلية والمعروف أيضًا باسم “إيتاماراتي”. كما بدأت البرازيل في تقديم دعم أكثر تضافرًا وانفتاحًا لحق الشعوب الإفريقية في تقرير مصيرها. وفي عام 1961م، افتتحت البرازيل سفارتين في أكرا وتونس، وقنصليات في لواندا ومابوتو ونيروبي وسالزبري. وخلال فترة رئاسته، قام “جانيو كوادروس” بتعيين أول سفير برازيلي إفريقي، للعمل في غانا في عام 1961م. وغيرت البرازيل سلوكها، من خلال الزيادة في دعم إنهاء الاستعمار في إفريقيا. ولكن توقفت هذه الزيادة في العلاقات الثنائية بعد الانقلاب العسكري في البرازيل عام 1964م عندما تولى الجيش السلطة.([14])
عادت العلاقات للنشاط في عام 1972م، عندما قام وزير خارجية البرازيل بزيارة تسع دول إفريقية، الأمر الذي ساعد في توضيح النهج التنموي الذي تتبعه البرازيل في التعامل مع الشؤون الخارجية، وكذلك تعزيز حق تقرير المصير في إفريقيا([15]). ومن نتائج هذه الزيارة تعزيز نقل التكنولوجيا، ودعم تقرير المصير، والمساواة القانونية بين الدول، ونبذ جميع أنواع التمييز العنصري والاجتماعي والثقافي([16]).
وبالنظر إلى ما هو أبعد من الدبلوماسية السياسية إلى السياسة التجارية، فقد تم إنشاء الروابط الملموسة بين البرازيل وإفريقيا لأول مرة مِن قِبَل مستثمري جنوب إفريقيا في قطاع التعدين البرازيلي الذي بدأ بشكل جدي في أوائل السبعينيات. وفي ذلك الوقت. انتهزت شركة التعدين الجنوب إفريقية العملاقة أنجلو أمريكان الفرصة للاستثمار في احتياطيات الذهب البرازيلية الهائلة. وكانت شركة Anglo American في وضع جيد للقيام بمثل هذا المسعى؛ نظرًا لأن البيئة الجيولوجية في البرازيل كانت مشابهة جدًّا لمنطقة ويتواترسراند([17]) في جنوب إفريقيا([18]). وقد اجتذب نجاح أنجلو أمريكان مستثمرين آخرين من جنوب إفريقيا من قطاعات متنوعة إلى البرازيل في السنوات التي تلت ذلك. كما أنها كانت رائدةً في تمهيد الطريق إلى علاقات سياسية وثقافية أعمق بين جنوب إفريقيا والبرازيل بعد عام 1994م([19]).
ولكن لم تتزايد أهمية وكثافة العلاقات إلا بعد التحول الديمقراطي في جنوب إفريقيا؛ فقد بدأت الزيارات الرسمية المنتظمة بين البلدين في عام 1996م، كما تبلورت العلاقات بين البرازيل وجنوب إفريقيا في عام 2003م من خلال إطلاق منتدى الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا (IBSA)، والذي جمع في الأساس التطلعات السياسية والتنموية العالمية للبلدين (والهند) معًا في إطار ترتيب أكثر جماعية. وقد قادت البرازيل وجنوب إفريقيا -بنشاط- الحوار متعدد الأطراف والتحالفات التي ناصرت جدول أعمال الجنوب النامي (وإفريقيا على وجه الخصوص) في مختلف الحوارات والمنتديات العالمية. كما نفذت IBSA مجموعة من مشاريع التنمية في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وفي السنوات الأخيرة، قامت بتسهيل التعاون التنموي الثلاثي مع جنوب إفريقيا.([20])
ونستطيع القول: إن استقلال البلدان الإفريقية الناطقة بالبرتغالية في السبعينيات، والجاذبية الاقتصادية المتزايدة لإفريقيا المستقلة؛ أسهَم في عودة العلاقات مرة أخرى بمساعدة وزارة العلاقات الخارجية البرازيلية. وقد تزامن ذلك مع تحسُّن وضع الاقتصاد الكلي في البرازيل في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مع الانتعاش الاقتصادي في إفريقيا. كما مهَّد هذا الإطار المتقارب الطريق لإعادة ظهور إفريقيا في السياسة الخارجية للبرازيل على مدى العقد الماضي. ولكن القفزة الكمية إلى الأمام كانت إلى حد كبير نتيجة لرؤية رئاسة “لولا دي سيلفا”([21]).
وتؤكد البرازيل على التراث المشترك لدول الجنوب، المستمَد من تجارب الاستعمار والإمبريالية والموقع الهامشي في النظام العالمي، والذي ينعكس في الصلات الثقافية والتاريخية المشتركة. وفيما يتعلق بإفريقيا، تم تحديد “الشراكة الطبيعية”، والتأكيد على الروابط التاريخية الجغرافية. فعلى وجه الخصوص، جلبت تجارة الرقيق إلى البرازيل من إفريقيا العديد من العناصر اللغوية والدينية وتذوق الطعام وغيرها من العناصر التي ساعدت في تشكيل وتحديد ثقافة وهوية البلاد. كما أن أوجه التشابه في الظروف المناخية والبيئية والحضرية والاجتماعية تعني أيضًا أن البرازيل وإفريقيا تواجهان تحديات إنمائية مماثلة، وبالتالي فإن البرازيل مُجهَّزة بشكل أفضل للمشاركة في التعاون الإنمائي في المنطقة من بلدان لجنة المساعدة الإنمائية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أو حتى من البلدان الناشئة الأخرى([22]).
ثانيًا: الثقافة والقوة الناعمة:
الثقافة هي مجموعة واسعة من القِيَم والمعتقدات والمعايير والممارسات التي تؤثر على هيكل القوّة والقدرة الوطنية. ومن المُلاحَظ أن الثقافة لم تكن مطروحة في العقود السابقة كعنصر فاعل في المعادلات السياسية والدولية، غير أنه قد تم التوصل إلى أن للثقافة بُعدًا سياسيًّا أيضًا؛ لأنها تختبئ وراء كلّ عمل فردي واجتماعي، كما تترك تأثيرها على السلوك الاجتماعي، وكذلك تضع بصماتها على السلوك السياسي، وقد اعترف “ناي” في كتابه “القوّة الناعمة: أدوات للنجاح في السياسة الدولية” بأن تلك الأجزاء من الثقافة التي تجذب الآخرين هي أحد مصادر القوّة الناعمة، لذلك، يتم بناء النظام الاجتماعي دائمًا من خلال الثقافة، والبنية التحتية الثقافية هي التي تُنظّم النشاط السياسي المحلي والسياسة العالمية([23]).
كما تُشكِّل الثقافة عنصرًا مهمًّا من عناصر السياسة الخارجية للدول بوصفها كيانات تتمثل في اللغة والدين والتاريخ والعادات والتقاليد، وأيّ عناصر أخرى من تاريخ البلد أو المجتمع الذي تختار إبرازه، على سبيل المثال الفنون والعلوم والتكنولوجيا والرياضة والطعام([24]). بالإضافة لأثرها الواضح في السلوك العام للدول في صياغة قراراتها مع الدول الأخرى، وخاصةً بعد الثورة التكنولوجية الهائلة التي غيَّرت المفاهيم المكانية والزمانية وتجاوزت البعد الجغرافي ومفاهيم السيادة التقليدية؛ مما جعل الدول أقل قدرة على التحكم بها، فالتبادل الثقافي يُعزّز التواصل والتماسك والاحترام بين الثقافات والحضارات المختلفة، وهو ما ينشئ دبلوماسية المشاركة أو الدبلوماسية الإنسانية التي تُعدّ دبلوماسية ذات قيمة خاصة؛ حيث يكون المستهدَف منها إشراك العامل البشري في تنفيذ تلك الخطط التي تكون أهدافها طويلة المدى في مجال العلاقات الدولية؛ من خلال تبادل الأنشطة والبرامج الثقافية والرياضية والفنية والتعليمية.([25])
وفي عهد حكومة “لولا دي سيلفا”، تم استخدام الدبلوماسية الثقافية كأداة مهمة لممارسة القوة الناعمة وتشكيل دور قيادي للبرازيل في السياسة الدولية. كما اتسع نطاق شركاء البرازيل في مجال الدبلوماسية الثقافية مع توسع علاقات البرازيل مع الجنوب العالمي والقارة الإفريقية، كجزء من إستراتيجية أوسع للحصول على دور أكثر بروزًا في الشؤون العالمية. وفي معرض تصويره لوجهة النظر البرازيلية بشأن القوة الناعمة، أكد السفير “سيلسو أموريم” -وزير العلاقات الخارجية والدفاع السابق على “استخدام الثقافة والحضارة، وليس التهديدات والقوة”.([26])
وترى وزارة العلاقات الخارجية البرازيلية أن الدبلوماسية الثقافية “أداة مهمة لجمع الشعوب معًا، والمساهمة في إقامة الروابط الثقافية واللغوية”، كما أنها أداة لتحفيز الحوار السياسي والاقتصادي؛ لأنها تعزز التفاهم المتبادل وتخلق الثقة والاهتمام والاحترام بين الدول. ويهدف نشر الثقافة إلى تعزيز العلاقات وتحفيز التعاون الاجتماعي والثقافي وتحسين العلاقات بين شعوب المجتمع الدولي وتعزيز المصالح الوطنية. وفي الواقع، إن الفن والثقافة يأتيان في طليعة الجهود الترويجية للعديد من البلدان التي تدرك أن إظهار تراثها الثقافي يوفر لها فرصة لخلق صورة إيجابية ومساعدة بقية العالم على فهمها وتقديرها بشكل أفضل، مما يساعد على ذلك. لتحقيق أهدافهم السياسية.([27])
وقد تميزت حكومة “لولا دي سيلفا” بعلاقات وثيقة مع الدول التي تشترك في بعض الهوية الثقافية مع البرازيل. فوفقًا لمعهد “لولا”: “لم تعد علاقات البرازيل مع الحكومات والشعوب الإفريقية مجرد سلسلة من الحلقات المعزولة، وأصبحت تحتل مساحة في جدول الأعمال الدبلوماسي البرازيلي تتناسب مع أهمية إفريقيا في تاريخ البلاد وثقافتها وهويتها”؛ حيث اعتمدت البرازيل على روابطها التاريخية والثقافية مع القارة الإفريقية؛ لإضفاء بُعْد جديد على تعاونها، وفي هذا الإطار كان استخدام الثقافة كأداة للسياسة الخارجية وثيق الصلة بالموضوع. ويبدو أن السلطات البرازيلية كانت مدفوعة بفكرة مفادها أن بناء مكانة القوة في البرازيل يتطلب من البلاد أن تؤكد نفسها كمرجع لتعبئة الثقافة وغيرها من الموارد غير المادية. ومن هذا المنظور، ظهرت القارة الإفريقية، في نظرهم، كأرض مُواتية، ليس فقط لأن البرازيل تضمّ أكبر عدد من المواطنين من أصل إفريقي خارج إفريقيا، ولكن أيضًا لأن الثقافة البرازيلية تتمتع بشعبية معينة هناك بسبب الاهتمام المتزايد الذي تحظى به الموسيقى وكرة القدم والمسلسلات التلفزيونية. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فقد تم استخدام الثقافة كأداة لإنشاء روابط الهوية والاعتراف بالجذور، وتعزيز القرب من البلدان والمناطق ذات الأهمية الإستراتيجية لتنمية التعاون فيما بين بلدان الجنوب، وتوطيد الروابط التاريخية والثقافية بين البرازيل وإفريقيا.([28])
وتعتبر اللغة هي السمة الأبرز لثقافة الشعب و”الخاصية الأصيلة للأمة” لأنه، وفقًا “لبابينيوتيس”: “لا توجد طريقة أكثر مباشرة وجوهرية وأقصر للتعرف على شعب من خلال تعلم لغتهم. لغة الناس هي الطريقة التي يتصورون بها العالم ويصنّفونه ويُعبّرون عنه”.
كما أكد دبلوماسي من الإدارة الثقافية بوزارة العلاقات الخارجية أن “انتشار اللغة هو أحد محاور الانتشار الثقافي في البرازيل”، والذي أصبح من الواضح أنه أداة أساسية للسياسة الخارجية ذات فائدة هائلة على مر السنين، ومكَّن البرازيل من إبراز نفسها بشكل كبير. وخلال حكم الرئيس “لولا دي سيلفا” كان مطلوبًا أن يتم استخدام 70٪ من ميزانية الإدارة الثقافية لنشر اللغة البرتغالية لوزارة العلاقات الخارجية البرازيلية في المجالات ذات الأولوية في السياسة الخارجية للبرازيل، وتضم إفريقيا ستة مراكز لتعليم اللغة (جنوب إفريقيا، أنجولا، الرأس الاخضر، غينيا بيساو، موزمبيق، وساوتومي وبرينسيب) من أصل 24 مركزًا في جميع أنحاء العالم، وهي المنطقة الثانية التي تستضيف أكبر عدد من المراكز الثقافية البرازيلية (CCB) بعد أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (13 مركزًا). كما تُعدّ هذه المراكز -التي تُشكِّل جزءًا من الإدارات الثقافية للتمثيل الدبلوماسي في الخارج- أدوات مهمة لتنفيذ سياسة البرازيل الثقافية في الخارج؛ حيث تؤدي دورًا أساسيًّا في الترويج للبرازيل في إفريقيا؛ من خلال تقديم دورات اللغة البرتغالية وورش العمل حول الثقافة البرازيلية من خلال الموسيقى والرقص والأدب([29]).
لذا ينبغي اعتبار سياسة البرازيل الثقافية تجاه إفريقيا جزءًا من إستراتيجية حكومة “لولا دي سيلفا” للاحتفال بالتنوع الثقافي للبلاد؛ من خلال التأكيد بشكل خاص على المكانة الخاصة للثقافة الإفريقية البرازيلية. وقد كانت إحدى أبرز المبادرات التي اتخذتها البرازيل هي اعتماد القانون 10639/2003م، الذي جعل تدريس التاريخ والثقافة الإفريقية، والإفريقية البرازيلية إلزاميًّا في البرازيل؛ مما يوضّح رغبة حكومة “لولا دي سيلفا” في إحياء الجذور الإفريقية للبلاد من خلال نظام التعليم. كما تم افتتاح متاحف مختلفة مخصصة للهوية والثقافة الأفرو- برازيلية، مثل متحف الأفرو-برازيل في ساو باولو في عام 2004م، مما يوضح الأهمية التي تُوليها السلطات البرازيلية لتعزيز التراث الإفريقي في البرازيل. وفي ظل إدارة “لولا”، أصبح التنوع الثقافي، الذي كان أحد المحاور الرئيسية للدبلوماسية الثقافية، عنصرًا أساسيًّا يُستخدم لتقليل التباينات الدولية التي أدَّت إلى نماذج الهيمنة.([30])
ثالثًا: التعاون التنموي بين البرازيل وإفريقيا كعامل لنشر القوة الناعمة البرازيلية
يشمل التعاون البرازيلي من أجل التنمية الدولية طرائق مختلفة: المساعدة الإنسانية، والمِنَح الدراسية للأجانب، والتعاون الفني، والمساهمات في المنظمات الدولية. ووفقًا لدراسةٍ أجراها معهد البحوث الاقتصادية التطبيقية (IPEA) ووكالة التعاون البرازيلية (ABC) عام 2010م، بلغت القيمة التراكمية لموارد التعاون الإنمائي البرازيلية 1.7 مليار دولار بين عامي 2005 و2009م. وذهب الجزء الأكبر من هذه الموارد إلى المساهمات في المنظمات الدولية والبنوك الإقليمية وعمليات حفظ السلام (76%)، تليها المِنَح الدراسية للطلاب الأجانب (10% موجهة معظمها إلى أمريكا اللاتينية والدول الإفريقية الناطقة بالبرتغالية)، والمساعدات الإنسانية (5% معظمها في أمريكا اللاتينية تليها إفريقيا)، والتعاون الفني (9% مع إفريقيا باعتبارها المستفيد الرئيسي)([31]).
كما تم إنشاء العديد من الآليات التي تساعد حكومة البرازيل على نشر توجهها التنموي داخل القارة، ومن هذه الآليات: تم إنشاء وكالة التعاون البرازيلية Agencia Brasileira de Cooperacao (ABC)، في عام 1987م؛ لتنسيق أنشطة التعاون الفني للحكومة الفيدرالية في إطار السياسة الخارجية البرازيلية. وهي تركز على تعزيز التعاون الفني والإنساني البرازيلي المقدَّم في الخارج، وعلى تنسيق التعاون الفني المُتلقَّى من البلدان الأخرى([32]).
وفي عام 2010م وحده، كانت (ABC) مسؤولة عن إدارة ما يقرب من 300 مشروع تعاون مختلف، بدرجات متفاوتة من التنفيذ، في 37 دولة إفريقية([33]). كما أن لديها مجموعة واسعة من الالتزامات في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وتعمل مباشرة مع الحكومات في البلدان المتلقية([34]). ووفقًا للسجلات البرازيلية الرسمية؛ فإن تعاون الوكالة الفني يلتزم بمجموعة مهمة من المبادئ؛ منها: نقل المعرفة، بناء القدرات، استخدام العمالة المحلية، وتصميم المشاريع على أساس الخصائص المحلية([35]).
ومن ناحية أخرى، يشارك مركز السياسات الدولية للنمو الشامل (IPC-IG) -وهو جهد مشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والرئاسة في البرازيل-، في البحوث التطبيقية والتدريب في مجال الفقر. ويهدف إلى تعزيز التعاون والتبادل بين بلدان الجنوب، في محاولة لمعالجة القضايا الاجتماعية المشتركة([36]).
أما الذراع الثالث والأكثر أهميةً للمساعدة الإنمائية البرازيلية فهو في مجال الزراعة من خلال برنامج The Brazilian Agricultural Research Corporation (EMBRAPA). ويعود الفضل إلى البرنامج في الازدهار الزراعي في البرازيل، وهذه الجمعية الآن نشطة بعمق في إفريقيا. وفي الواقع، ربما تكون جمعية “إمبرابا” هي الأفضل بين جميع منظمات المساعدة الخارجية البرازيلية في إفريقيا، وقد افتتحت مقرها الرئيسي في إفريقيا في أكرا، غانا، في أبريل 2008م بنية واضحة لتوسيع العمليات القائمة([37]).
وقد حددت البرازيل، بما في ذلك جمعية إمبرابا، احتياجات وإمكانات التعاون الزراعي مع إفريقيا في وقت مبكر، وأبرمت بالفعل اتفاقيات فنية مع أكثر من 20 دولة في جميع أنحاء القارة. استنادًا إلى إستراتيجية تقديم المساعدة المجانية للحكومات الإفريقية التي تتطلع إلى تحسين مستويات الزراعة والتطور، فضلاً عن المهتمين بتطوير صناعات الوقود الحيوي المحلية، كما تقدم الجمعية مجموعة من الدعم الفني والاستشاري والتدريبي الذي يتطلع إلى وضع إفريقيا على الطريق الصحيح([38]).
رابعًا: أمثلة على التعاون الإنمائي
في مجال التعليم: يُعدّ التعاون التعليمي جانبًا إيجابيًّا في العلاقات بين الدول؛ حيث يُسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز قِيَم مثل التسامح واحترام التنوع الثقافي([39]).
وهناك كثير من الأمثلة على التعاون الثقافي الدولي، منها على سبيل المثال: برامج التبادل التعليمي، وهي برامج ينخرط فيها طلاب البلد في الدراسة في المؤسسات التعليمية في بلد آخر، بشكل يُتيح لهم التعرُّف على ثقافة ذلك البلد وحضارته وتاريخه، والالتقاء بأصدقاء جدد يحملون أفكارًا ومعلومات وثقافات مختلفة، وتكوين صورة أكثر انفتاحًا وفهمًا للعالم. هذه البرامج بدأها القطاع الخاص، لكنها أصبحت في القرن العشرين جزءًا أساسيًّا من إستراتيجيات التواصل لكثير من الدول([40]). كما أطلقت البرازيل عددًا كبيرًا من المنتديات السياسية والثقافية لتعميق العلاقات، مثل مؤتمرات القمة التي تُعقَد كل سنتين، ومثل قمة رؤساء الدول الإفريقية – أمريكا الجنوبية([41]).
وقد نفَّذت مؤسسة ABC مراكز للتدريب المهني في أنجولا والرأس الأخضر وغينيا بيساو، في حين يجري إنشاء مركزين آخرين في موزمبيق وساوتومي وبرينسيب. تقدم هذه المراكز برامج في ميكانيكا المحركات والبناء المدني والكهرباء والملابس، وما إلى ذلك([42]). كما أن هناك مشاريع محو الأمية بين الشباب والكبار في ساوتومي وبرينسيب، وموزمبيق، فضلاً عن نقل منهجية برنامج دعم التعليم إلى موزمبيق، وساوتومي وبرينسيب([43]).
أما في أنجولا فهناك مشروع بناء قدرات ثلاثين من فنيي التعليم المعينين مِن قِبَل وزارة التعليم في أنجولا؛ حيث يكونون مسؤولين عن المجالات ذات الأولوية في الهيكل التعليمي كما يكتسبون المعرفة اللازمة لهم لإجراء تحليلات متعمقة وإعداد إصلاح لمناهج التعليم في البلاد.([44])
وفي أنجولا أيضًا قدم مشروع School For all، تدريبًا لـ270 معلمًا أنجوليًّا في نظام برايل المتكامل والرمز الرياضي الموحَّد، والتوجيه والتنقل، وأنشطة الحياة اليومية، وتعليم اللغة البرتغالية لضعاف السمع وفي القضايا المتعلقة بالاضطرابات المعرفية، ومتلازمة داون واضطرابات النمو.
كما تم تقديم أكثر من عشر ورش عمل لإعطاء المشاركين الفرصة لتبادل الخبرات وبناء قدرات المهنيين الأنجوليين في ممارسات تحديد التراث الثقافي وتوثيقه، وتسجيل وحماية التراث الثقافي غير المادي، وممارسات تعزيز الأصول الثقافية، ولا سيما تعليم التراث وإدارة المتاحف([45]).
كما دعم التعاون البرازيلي حفظ الأفلام وتصنيفها ونشرها، فضلاً عن تخطيط الثقافة العامة ونشرها ومنهجيات تطوير الثقافة السمعية والبصرية. على سبيل المثال في أنجولا. تم تدريب ستين متخصصًا أنجوليًّا على إدارة المجموعات المستردة وحفظها، وترميمها، وتصنيفها، ونشرها. كما تم تقديم التدريب على الإبداع السمعي البصري والإدارة والتقنيات والإنتاج والتشطيب([46]).
بالإضافة إلى برامج المِنَح الدراسية، تُموِّل الحكومة البرازيلية الأنشطة الأكاديمية الأخرى عن طريق تمويل برامج تعليمية ثنائية في بلدان من بينها الرأس الأخضر، غينيا بيساو، وموزمبيق. كما تعمل وزارة التعليم أيضًا على تعزيز التعاون الدولي في مجال التدريب المهني، الذي يستهدف الموظفين الفنيين وموظفي الخدمة المدنية. فعلى سبيل المثال، تم تنفيذ مشروع “القادة الشباب لمضاعفة الممارسات الاجتماعية والتعليمية الجيدة” في غينيا بيساو بالتعاون مع اليونسكو وبتمويل كامل من ABC.
علاوةً على ذلك، وتحت عنوان “التعاون في مجال التعليم العالي”، تم إنشاء UNILAB (الجامعة الفيدرالية للتكامل الدولي للغة الأفرو- برازيلية Brazil’s University of International Integration of Afro-Brazilian Lusophony في عام 2010([47]). وتعتبر هذه خطوة هائلة من جانب جهود حكومة “لولا دي سيلفا” لدمج نفسها على المستوى الدولي؛ من خلال تعزيز التعاون مع إفريقيا الناطقة بالبرتغالية من خلال الدبلوماسية العامة والتعليم العالي والتنمية([48]).
كما يشمل التعاون البرازيلي مع بلدان ([49])PALOP مشاريع مثل مراكز التدريب المهني، التي تم تنفيذها في الرأس الأخضر، وموزمبيق، وغينيا بيساو، وساوتومي وبرنسيب، وأنجولا، والتي تتوقع، من بين أهداف أخرى، تحسين فرص العمل من السكان الشباب المحليين، وتوسيع المعروض من المهنيين المؤهلين للسوق، وزيادة القدرة التنافسية في القطاع الصناعي، وإنشاء علاقة مهمة بين التعاون الدولي وتعزيز تحسين المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد([50]).
وتشمل الأمثلة الأخرى: المشاريع التعليمية التي تنفذها SENAI، وهي شبكة حكومية للتعليم الصناعي في البرازيل مسؤولة عن إنشاء وإدارة سبعة مراكز للتدريب المهني في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (أنجولا، والرأس الأخضر، وموزمبيق، وغينيا بيساو، وساوتومي وبرينسيب، ومركزين في جنوب إفريقيا)([51]).
وكذلك فقد تم إقامة مؤتمر حول “الجسر التعليمي الإستراتيجي بين البرازيل وإفريقيا” عام 2013م، والذي نظَّمته وزارة التعليم العالي وعُقِدَ في لواندا؛ حيث ركَّز المؤتمر على أهمية تأثير البرازيل في تعزيز وتطوير التعليم في البلدان الإفريقية. بالإضافة إلى التبادلات التعليمية([52]).
وفي عام 2023م، انضمت وزارة الثقافة (MINC)، ومؤسسة بالماريس الثقافية (FCP)، وإيتاماراتي، وسفارة غانا في البرازيل، وحكومة الولاية وبلدية السلفادور، في مبادرة تعاونية غير مسبوقة؛ لإعادة تنشيط ثقافة التعاون في البلاد، البرازيل مع إفريقيا، في عودة إلى جذور الأجداد التي تُوحّد البرازيل وغانا.([53])
في مجال الزراعة: قامت البرازيل بتقديم مبادرات للدول الإفريقية مثل مكتب مؤسسة البحوث الزراعية البرازيلية في أكرا، وشركة أدوية تنتج الأدوية المضادة للفيروسات، ومكتب مؤسسة أوزوالدو كروز في مابوتو، مزارع القطن والأرز القياسية التي تم إنشاؤها على التوالي في مالي والسنغال كمراكز التدريب المهني، ومشاريع لا تُعدّ ولا تُحصَى في مجال الطاقة المتجددة والزراعة الاستوائية([54]).
كما كان هناك تعاون بين البرازيل والبرتغال وموزمبيق من خلال زراعة القهوة في جبال جورونجوس؛ حيث كان هدف المشروع في البداية إعادة تشجير الجبل، لكنَّه أخذ يحتل مساحة متزايدة، وهو يمثل الآن الوحدة، والتوظيف والصحة والتعليم للمجتمع الذي يسكن الجبل.([55])
وكذلك يُعدّ برنامج الشراء من الأفارقة من أجل إفريقيا PAA Africa مبادرة مبتكرة للتعاون الإنمائي ويسعى إلى التوفيق بين الطلب الغذائي للمدارس والهيئات العامة الأخرى مع العرض المحلي من أصحاب الحيازات الصغيرة ومنظمات المزارعين. وقد تم إطلاق هذا البرنامج في عام 2012م؛ حيث تبنَّت هذه المبادرة بناء شراكة بين منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي وحكومة البرازيل ووزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة. وتم تنفيذ المرحلة الثانية من البرنامج بين عامي 2014 و2016م. وحتى الآن، استفاد من البرنامج 15,998 مزارعًا من أصحاب الحيازات الصغيرة وأكثر من 37,110 من تلاميذ المدارس في خمسة بلدان إفريقية: إثيوبيا، وملاوي، وموزمبيق، والنيجر، والسنغال.
وتظهر النتائج أيضًا أن البرنامج نجح في تعزيز المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة ومنظمات المزارعين المحليين من خلال توفير الدعم الإنتاجي اللازم، والمدخلات والتدريب والخدمات الإرشادية، وتعزيز القدرات التنظيمية. وقد أسهم البرنامج في التنويع الغذائي بين طلبة المدارس([56]).
أما في بنين؛ فقد بدأ مشروع “التعزيز المؤسسي للتعليم المهني والتكنولوجي في مجال الزراعة الإيكولوجية والتعاونية” في عام 2011م في إطار تنسيق وكالة التعاون البرازيلية (ABC)، بالشراكة مع المعهد الاتحادي في باهيا (IFBA). وكان الهدف الرئيسي للمشروع هو تعزيز مؤسسات التعليم المهني في بنين، وزيادة عدد الخريجين في عالم العمل؛ من خلال تعزيز الممارسات التعاونية والزراعة الإيكولوجية([57]).
وفي السنغال تم إطلاق مبادرة التعاون الفني “دعم مشروع الإنتاج الزراعي الإيكولوجي المتكامل والمستدام”، بتنسيق من وكالة التعاون البرازيلية (ABC)، بالشراكة مع الوكالة الفنية. كما تم إطلاق خدمة المساعدة والإرشاد الريفي للمنطقة الفيدرالية، ومع معهد الزراعة الاجتماعية والزراعية الإيكولوجية، والتعاون الدولي بين البرازيل والسنغال للدراسات البيئية. وتبادل المشروع المعرفة التقنية البرازيلية حول نظام الزراعة الإيكولوجية مع الخبراء السنغاليين. ونتيجة لتنفيذها الناجح؛ أصبحت النظم الزراعية الإيكولوجية سياسة عامة في السنغال.([58])
وقد بذلت البرازيل جهودًا للمساهمة في تنمية إفريقيا في مجالات متعددة؛ من خلال نقل الخبرة الفنية، وتقديم المساعدة إلى البلدان الإفريقية. وعلى الرغم من أنها لا تزال متلقية للمساعدة الإنمائية نفسها، فقد برزت كجهة مانحة جديدة في إفريقيا([59]).
ولقد استضافت مدينة ريو دي جانيرو مهرجان المسرح للغة البرتغالية (FESTLIP) الذي يقدم إطارًا للتبادلات والأنشطة للفنانين من البلدان الناطقة بالبرتغالية. وقد أطلقت البرازيل في عام 2010م مشروعًا يسمى DOCTV CPLP للإنتاج المشترك، ونشر الأفلام الوثائقية السمعية والبصرية في جميع أنحاء العالم لصالح البلدان الأعضاء في مجموعة البلدان الناطقة بالبرتغالية. وفي مايو 2010م، افتتح الرئيس “لولا دي سيلفا” شبكة تلفزيون البرازيل الدولية التي تبث برامج برازيلية في 49 دولة إفريقية لتعزيز الصورة الإيجابية للبلاد([60]).
أيضًا قامت الحكومة البرازيلية وبرنامج الأغذية العالمي -من خلال وزارة التعليم ومركز التميز لمكافحة الجوع في البرازيل- بتطوير تعاون بين البرازيل والاتحاد الإفريقي منذ سنوات، بهدف تعزيز النقاش حول التغذية المدرسية ودورها في مكافحة الجوع. فضلاً عن علاقته بالتنمية الريفية([61]). كما تم تنسيق مبادرة من قبل ABC بالشراكة مع FNDE ومركز التميز لمكافحة الجوع التابع لبرنامج الأغذية العالمي في البرازيل للتعرف على البرنامج الوطني للتغذية المدرسية في الكونغو([62]).
كما دعم مركز التميز لمكافحة الجوع -التابع لبرنامج الأغذية العالمي في البرازيل- الاتحاد الإفريقي في عملية تعزيز إستراتيجية التعليم القارية لإفريقيا، والتي وافقت عليها مفوضية الاتحاد الإفريقي في عام 2016م، وتتضمن خطة التنمية المستدامة لعام 2030م، وتتضمن أجندة الاتحاد الإفريقي 2063م ثورة في التعليم والتدريب في إفريقيا([63]).
وفي مارس 2023م أعلنت وكالة التعاون البرازيلية (ABC) ومكتب منظمة العمل الدولية (ILO) في البرازيل عن تعاون جديد بين بلدان الجنوب (SSC)، وهو مشروع لتعزيز تنظيم وتبادل الخبرات بين بلدان أمريكا اللاتينية وإفريقيا في مجال المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، ولا سيما تعزيز الصحة والسلامة في العمل ومكافحة التمييز وعمالة الأطفال. وسيتم تنفيذه حتى ديسمبر 2026م، بدءًا من مارس 2023م. كما ستعمل هذه المبادرة الجديدة على توسيع وتعزيز نتائج برنامج التعاون بين بلدان الجنوب وبين البرازيل ومنظمة العمل الدولية، وتنويع الجهات الفاعلة المشاركة في البرنامج([64]).
وهناك أيضًا مبادرات بشأن الحكومة الإلكترونية، والإدارة العامة، والبيئة، وتكنولوجيا المعلومات، وريادة الأعمال، والحِرَف اليدوية، والتعاونيات، والوقاية من الإصابات في مكان العمل، والتنمية الحضرية والصرف الصحي الأساسي، والوقود الحيوي، والنقل الجوي، والسياحة، والعدالة، والثقافة، والتجارة الخارجية، وحقوق الإنسان، والرياضة ([65]).
وفيما يتعلق بالصحة، تدعم ABC، من خلال بناء قدرات الموارد البشرية وتعزيز المؤسسات، وتطوير برامج الرعاية الصحية الوطنية للأشخاص المصابين بمرض فقر الدم المنجلي في أنجولا، وبنين، وغانا، والسنغال، وغانا([66]).
أما في أنجولا، وغينيا بيساو، وساوتومي وبرينسيب، والكاميرون، وجمهورية الكونغو، فتقوم مؤسسة ABC بتنفيذ مشاريع لمكافحة الملاريا والوقاية منها. وفيما يتعلق بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، تشارك ABC تجارب البرنامج البرازيلي لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، المشهور عالميًّا والحائز على جوائز، مع بوتسوانا وغانا وليبيريا وكينيا، وسيراليون، وتنزانيا، وزامبيا. وهناك مشاريع في هذا المجال نفسه قيد التفاوض مع بوركينا فاسو، وموزمبيق، وجمهورية الكونغو، وساوتومي وبرينسيب([67]).
ولقد شاركت البرازيل في المؤتمر الخامس للقضاء على عمالة الأطفال والذي عُقِدَ في جنوب إفريقيا في عام 2022م، وهذه هي المرة الأولى التي يُعقَد فيها المؤتمر في إفريقيا؛ وهي المنطقة التي تُعتبر فيها الأرقام المتعلقة بعمالة الأطفال هي الأعلى.([68])
كما تم إنشاء معهد البرازيل إفريقيا (IBRAF)، وهو منظمة غير ربحية تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي والمشاركة بين البرازيل والقارة الإفريقية، والدفاع عن التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدان، وتعزيز تقارب جداول أعمال الحكومات مع مصالح القطاع الخاص، وتعزيز العلاقات متعددة الأطراف. يقوم بإنشاء وتشجيع المبادرات التي تُعزّز التجارة والاستثمارات والتعاون الفني والعلمي والتدريب المهني وتعزيز البحث الأكاديمي، مما يؤدي إلى التنمية المستدامة([69]).
الخاتمة:
بفضل الدافع القوي الذي يتمتع به “لولا دي سيلفا”، أصبح يُنظَر إلى البرازيل على نحو متزايد باعتبارها شريكًا يمكن الاعتماد عليه في التنمية في إفريقيا (وخارجها). وعلى الرغم من أن مشاركتها في القارة أصغر بكثير من الدول الناشئة الأخرى مثل الصين؛ إلا أن البرازيل تتمتع بمكانة جيدة للغاية؛ حيث تدعمها عدد من المزايا النسبية الحاسمة التي تَعِدُ بحلول أكثر كفاءة لمشاكل التنمية الإفريقية.
وبالإضافة إلى ميزة القرب الثقافي واللغوي الأكبر؛ فإن الارتباطات الجغرافية الكبيرة تمنح البرازيل ميزة خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعاون الزراعي. كما عززت ممارسات التعاون البرازيلية في القارة خطابها المعياري بإجراءات ملموسة في فترة زمنية قصيرة للغاية، مما عزَّز مكانتها بشكل كبير في المنطقة.
……………………………………………………
[1] – البدر الشاطري، القوة الناعمة في العلاقات الدولية، البيان، 15 فبراير 2017:
https://www.albayan.ae/opinions/articles/2017-02-15-1.2857689
[2] – سيد محمود، الدبلوماسية الثقافية… الفريضة الغائبة؟، مركز الأهرام للدارسات السياسية والاستراتيجية، 27-9- 2017:
https://acpss.ahram.org.eg/News/16406.aspx
[3] – سعود كاتب، القوة الناعمة للتعاون الثقافي الدولي، شبكة العربية، 22 فبراير 2021: https://www.alarabiya.net/qafilah/2021/02/22/
[4] – Ana Alves, Brazil in Africa: Achievements and Challenges, chapter n book: Emerging Powers in Africa- Special Report, LSE IDEASEditors: Nicholas Kitchen, June 2013, p. 37
[5] – Mathilde Chatin, Lula’s Brazil in Africa: cultural diplomacy as an instrument of soft power, Revista de Estudos Culturais, Edição 4 (2019), p. 39 – 40
[6] – Ana Alves, Op,Cit., p. 37
[7] – Ibid, p. 38
[8] – Christina Stolte, Brazil in Africa: Just Another BRICS Country Seeking Resources?, Africa Programme and Americas Programme November 2012
[9] – Ana Alves, Op,Cit., p. 38
[10] – Pedro Seabra, A harder edge: reframing Brazil’s power relation with Africa, Artigo, 57 (1), 2014, p. 81
[11] – Marcus Vinicius de Freitas, Policy Brief, Wider Atlantic Program, The German Marshall Fund of the United States and OCP Policy Center, February 2016, p. 2
[12] – Ibid., p. 3
[13] – Lyal White, Understanding Brazil’s new drive for Africa, South African Journal of International Affairs, Vol. 17, No. 2, August 2010, p. 222
[14] – Marcus Vinicius de Freitas, Op.Cit., p. 3
[15] – Lyal White, Op.Cit., p. 223
[16] – Marcus Vinicius de Freitas, Op.Cit., p. 4
[17] – حوض ويتواترسراند هو تكوين جيولوجي كبير تحت الأرض يظهر في منطقة ويتواترسراند. يحتوي على أكبر احتياطي معروف من الذهب في العالم.
[18] – Lyal White, Op.Cit., p. 223 – 224
[19] – Ibid., p. 224
[20] – Lyal White, Op.Cit., p. 225
[21] – Ana Alves, Op.Cit., p. 38
[22] – André de Mello e Souza, Brazil’s Development Cooperation in Africa: A New Model? Fifth BRICS Academic Forum, Durban, Kwazulu-Natal, South Africa, Durban University of Technology (DUT) March 10-13, 2013, p. 4 [23] – محمد جواد قربي، دراسة للعلاقة بين اللغة القومية والقوة الناعمة في السياسة الخارجية للاعبين الدوليين، فصلية طهران لدراسات السياسة الخارجية:
https://tfpsq.net/ar/post.php?id=183
[24] – Cultural relations, Dialogue and Cooperation, n and Age of competition, British Council, March 2021, p. 4
[25] – كاترين فرج الله، الدبلوماسية الناعمة… ضرورة إستراتيجية في توازن العلاقات الدولية، السياسة الدولية، 25-9-2023: https://www.siyassa.org.eg/News/19685.aspx
[26] – Mathilde Chatin, Op,Cit. p. 38
[27] – Ibid., p. 38 – 39
[28] – Mathilde Chatin, Op.Cit., p. 41
[29]– Ibid., p. 45 – 46
[30] – Mathilde Chatin, Op.Cit., p. 43
[31] – Ana Alves, Op.Cit., p. 42
[32] – ABC – Cooperação técnica Brasil-África: parcerias de sucesso inspiram o desenvolvimento africano (Inglês)
https://www.abc.gov.br/imprensa/mostrarConteudo/1492
[33] – Pedro Seabra, Op.Cit., p. 80
[34] – Lyal White, Op.Cit., p. 233
[35] – Ana Alves, Op.Cit., p. 42
[36] – Lyal White, Op.Cit., p. 233
[37] – Ibid., p. 233
[38] – Lyal White, Op.Cit., p. 234
[39] – Highlight of the week: Meeting about educational bridge between Brazil and Africa, the Wilson Center, August 8, 2013 –
https://www.wilsoncenter.org/blog-post/highlight-of-the-week-meeting-about-educational-bridge-between-brazil-and-africa
[40] – سعود كاتب، مرجع سابق.
[41] – Christina Stolte, Op.Cit
[42] – Brazilian Technical Cooperation in Africa, Ministry of External relations – MRE – Brazilia Cooperation Agency – ABC, international Cooperation actions implemented by Brazil, p. 8
[43] – Ibid., p. 9
[44] – Brazilian Technical Cooperation in Africa, Ministry of External relations – MRE – Brazilian CooperationAgency – ABC, international Cooperation actions implemented by Brazil, p.15
[45] – Ibid., p. 19
[46] – Ibid., p. 20
[47] – Carlos R. S. Milani, Francisco C. DA Conceicao and Timoteo s. M’bunde, Brazil’s international educational cooperation in African countries: a case of ‘graduation dilemma’?, International Affairs, 93: 3 (2017), p. 672
[48] – Giselle M. Avilés, Reflections on Brazil-Africa Relations: Higher Education, Diplomacy and Development , Library of Congress. September 5, 2023
https://blogs.loc.gov/international-collections/2023/09/reflections-on-brazil-africa-relations-higher- education-diplomacy-and-development-loclr-blogint/
[49] – هي الدول الإفريقية الناطقة باللغة البرتغالية.
[50] – Cooperation with Portuguese-speaking countries in Africa and Asia, Feb 07, 2022
https://www.gov.br/abc/en/composition/general-coordination-for-technical-cooperation-with-portuguese-speaking-countries-cgpalop/cooperation-with-portuguese-speaking-countries-in-africa-and-asia
[51] – André de Mello e Souza, Op.Cit., p. 12
[52] – Highlight of the week: Meeting about educational bridge between Brazil and Africa, the Wilson Center, August 8, 2013
https://www.wilsoncenter.org/blog-post/highlight-of-the-week-meeting-about-educational-bridge-between-brazil-and-africa
[53] – Curator, Pahm, Reactivating Cooperation Culture of Brazil with Africa: A Brazil-Ghana Initiative. Pan African Heritage Museum, 23 August 2023
[54] – Brazilian Technical Cooperation in Africa, Op.cit., p. 7
[55] – Brazil-Portugal-Mozambique cooperation: Gorongosa Mountains coffee wins over the world, Sep 27, 2023
[56] – Analice Martins, Op,Cit
[57] – Luciano Marques, Technical Cooperation: Brazil- Africa, Successful partnerships kindle African development, Brazilian Cooperation Agency (ABC) / Ministry of Foreign Affairs (MRE), 2019, p. 26
[58] – Luciano Marques, Op.Cit., p. 60
[59] – Christina Stolte, Brazil in Africa: Just Another BRICS Country Seeking Resources?, Op.Cit.
[60] – Mathilde Chatin, Op.Cit., p. 44
[61] – school feeding: cooperation between brazil and Africa in highlighted in official trip to Ethiopia, world feed programme, 21, 2, 2024
https://centrodeexcelencia.org.br/en/alimentacao-escolar-cooperacao-entre-brasil-e-africa-e-destaque- em-viagem-oficial-a-etiopia/
[62] – Delegation of the Republic of Congo is introduced to Brazilian School Feeding Policies, ABC – Agência Brasileira de Cooperação, Apr 20, 2023
[63] – school feeding: cooperation between brazil and Africa, Op.cit
[64] – Brazil and ILO announce new project to foster the Promotion of Fundamental Principles and Rights at Work among Latin American and African countries, International Labour Organization, 21 March 2023
https://www.ilo.org/resource/news/brazil-and-ilo-announce-new-project-foster-promotion-fundamental- principles
[65] – Brazilian Technical Cooperation in Africa, Op,Cit., p. 7
[66] – Ibid., p. 8
[67] – Ibid., p. 9
[68] – Brazil participates in the 5th World Conference on the Elimination of Child Labor held in South Africa, ABC Agência Brasileira de Cooperação, May 19, 2022
https://www.gov.br/abc/en/subjects/news/brazil-participates-in-the-5th-world-conference-on-the- elimination-of-child-labor-held-in-south-africa
[69] – Giselle M. Avilés, Reflections on Brazil-Africa Relations: Higher Education, Op.Cit